13 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-‘——-‘——-‘
قال البخاري رحمه الله تعالى كما في كتاب الإيمان من صحيحه:
بَابٌ: مِنَ الإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ
13 – حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»
——-‘——-‘——–‘
فوائد الحديث:
1 – حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أخرجه الستة إلا أبا داود.
2 – قوله (لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ) “معناه: لا يؤمن أحدكم الإيمان التام ” قاله ابن بطال في شرحه، وعند مسلم من طريق حسين المعلم في أوله ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ” وعند النسائي من طريقه أيضا ” وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ” وأخرجه ابن مندة في الإيمان من طريق مسدد به بالإسناد الثاني أي طريق حسين وهي تؤكد أن الإسناد الثاني موصول غير معلق،
3 – وعند أبي يعلى في مسنده 3081 وعنه ابن حبان في صحيحه 235 قال ” لَا يَبْلُغُ العَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ” وبه يظهر استدلال البخاري فأعمال القلوب داخلة في مسمى الإيمان وهي تتفاضل.
4 – وترجم عليه ابن حبان بعد أن أورده بلفظ “لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان” فقال (فيه): ” أَنَّ نَفْيَ الْإِيمَانِ عَمَّنْ لَا يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ إِنَّمَا هُوَ نَفْيُ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ لَا الْإِيمَانَ نَفْسَهُ مَعَ الْبَيَانِ بِأَنَّ مَا يُحِبُّ لِأَخِيهِ أَرَادَ بِهِ الخير دون الشر”
5 – ذكرُ الخصالِ الّتي إذا فعلها المسلمُ ازداد إيماناً قاله ابن مندة في الإيمان.
6 – “لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لِلْإِيمَانِ حَقِيقَةً إِلَّا بِالْعَمَلِ على هذه الشروط- ونحوها من الأحاديث-، والذي يزعم أَنَّهُ بِالْقَوْلِ خَاصَّةً يَجْعَلُهُ مُؤْمِنًا حَقًّا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَمَلٌ فَهُوَ مُعَانِدٌ لِكِتَابِ الله والسنة”. قاله الإمام القاسم بن سلام في كتابه الإيمان.
: 7 – قوله (أحدكم) وعند مسلم ” عبد”
8 – قوله (حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ) وعند مسلم ” أو لجاره” وعند ابن مندة ” وجاره” وعند أبي يعلى ” للناس”، وزاد النسائي في آخره من طريق حسين ” من الخيرِ”.
9 – قوله (لأخيه) أي للمسلمين تعميماً للحكم قال الله تعالى: “إنما المؤمنون إخوة” قاله الكرماني في شرحه الكواكب الدراري.
10 – فيه أمر المؤمنين بالتحاب والمؤاخاة فى الله قاله ابن بطال في شرحه.
11 – فحرم بهذا كله غش المؤمنين وخديعتهم قاله ابن بطال.
12 – وكذا من الإيمان أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه قاله الكرماني في شرحه الكواكب الدراري
13 – قوله (حَدَّثَنَا يَحْيَى) وعند مسلم في رواية ” حدثنا يحيى بن سعيد تابعه مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ كما عند مسلم 45 وابن ماجة تابعه عبد الله بن المبارك كما عند الترمذي 2515 والنضر – هو ابن شميل- كما عند النسائي 5016 وتابعه بشر – هو ابن المفضل -كما عند النسائي 5016
14 – قوله (عَنْ شُعْبَةَ) وعند مسلم ” حَدَّثَنَا شُعْبَةُ”تابعه حسين المعلم كما عند البخاري هنا في هذا الباب وعند مسلم كذلك من طريق يحبى بن سعيد القطان أيضا عن حسين المعلم
15 – قوله (عَنْ قَتَادَةَ) وعند مسلم ” سَمِعْتُ قَتَادَةَ” ومن طريق حسين المعلم عند البخاري هنا ” سَمِعْتُ قَتَادَةَ” وهي موصولة وكذا أخرجها مسلم 45 من طريق يحيى القطان عن حسين. تابعه أبو أسامة عن حسين كما عند النسائي 5017
16 – قوله (عَنْ أَنَسٍ) وعند مسلم ” عن أنس بن مالك” وهو المقصود عند الإطلاق وقد سكن البصرة وقتادة بصري، وعند النسائي من طريق شعبة سمعت أنسا
——-
17 – قال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين 3/ 232:
إن قيل: كيف يتصور هذا وكل أحد يقدم نفسه فيما يختاره لها، ويحب أن يسبق غيره في الفضائل، وقد سابق عمر أبا بكر؟ فالجواب: أن المراد حصول الخير في الجملة. واندفاع الشر في الجملة، فينبغي للإنسان أن يحب ذلك لأخيه كما يحبه لنفسه، فأما ما هو من زوائد الفضائل وعلو المناقب فلا جناح عليه أن يوثر سبق نفسه لغيره في ذلك. اهـ
18 – قال النووي 2/ 16:
قال العلماء رحمهم الله معناه لا يؤمن الإيمان التام وإلا فأصل الإيمان يحصل لمن لم يكن بهذه الصفة والمراد يحب لأخيه من الطاعات والأشياء المباحات ويدل عليه ما جاء في رواية النسائي في هذا الحديث حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح وهذا قد يعد من الصعب الممتنع وليس كذلك إذ معناه لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الإسلام مثل ما يحب لنفسه والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئا من النعمة عليه وذلك سهل على القلب السليم وانما يعسر على القلب الدغل عافانا الله وإخواننا أجمعين والله أعلم. اهـ
19 – قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم 1/ 302:
وخرجه الإمام أحمد، ولفظه: ” لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير “.
وهذه الرواية تبين معنى الرواية المخرجة في ” الصحيحين “، وأن المراد بنفي الإيمان نفي بلوغ حقيقته ونهايته، فإن الإيمان كثيرا ما ينفى لانتفاء بعض أركانه وواجباته، كقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن،» وقوله: «لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه».
وقد اختلف العلماء في مرتكب الكبائر: هل يسمى مؤمنا ناقص الإيمان، أم لا يسمى مؤمنا؟ وإنما يقال: هو مسلم، وليس بمؤمن على قولين، وهما روايتان عن الإمام أحمد.
وقد اختلف العلماء في مرتكب الكبائر: هل يسمى مؤمنا ناقص الإيمان، أم لا يسمى مؤمنا؟ وإنما يقال: هو مسلم، وليس بمؤمن على قولين، وهما روايتان عن الإمام أحمد.
فأما من ارتكب الصغائر، فلا يزول عنه اسم الإيمان بالكلية، بل هو مؤمن ناقص الإيمان، ينقص من إيمانه بحسب ما ارتكب من ذلك.
والقول بأن مرتكب الكبائر يقال له: مؤمن ناقص الإيمان مروي عن جابر بن عبد الله، وهو قول ابن المبارك وإسحاق وأبي عبيد وغيرهم، والقول بأنه مسلم، ليس بمؤمن مروي عن أبي جعفر محمد بن علي، وذكر بعضهم أنه المختار عند أهل السنة.
وقال ابن عباس: الزاني ينزع منه نور الإيمان. وقال أبو هريرة: ينزع منه الإيمان، فيكون فوقه كالظلة، فإن تاب عاد إليه.
وقال عبد الله بن رواحة وأبو الدرداء: الإيمان كالقميص، يلبسه الإنسان تارة، ويخلعه تارة أخرى، وكذا قال الإمام أحمد رحمه الله وغيره، والمعنى: أنه إذا كمل خصال الإيمان، لبسه، فإذا نقص منها شيء نزعه، وكل هذا إشارة إلى الإيمان الكامل التام الذي لا ينقص من واجباته شيء.
والمقصود أن من جملة خصال الإيمان الواجبة أن يحب المرء لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، فإذا زال ذلك عنه، فقد نقص إيمانه بذلك. اهـ
20 – وقال ابن رجب في شرحه للبخاري:
لَمّا نفى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الإيمان عمن لم يُحب لأخيه ما يُحبّ لنفسه، دلّ عَلَى أن ذلك منْ خصال الإيمان، بل منْ واجباته، فإن الإيمان لا يُنفَى إلا بانتفاء بعض واجباته، كما قَالَ: “لا يزني الزاني حين يزني، وهو مؤمنٌ … ” الْحَدِيث. وإنما يُحب الرجل لأخيه ما يُحبّ لنفسه إذا سلم منْ الحسد، والغلّ، والغشّ، والحقد، وذلك واجبٌ، كما قَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: “لا تدخلو الجنة حَتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حَتَّى تحابّوا”، رواه مسلم (54)، فالمؤمن أخو المؤمن، يحبّ له ما يُحبّ لنفسه، ويحزنه ما يحزنه، كما قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: “مثل المؤمنين فِي توادّهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر”، متّفقٌ عليه.
فإذا أحب المؤمن لنفسه فضيلةً منْ دين، أو غيره أحب أن يكون لأخيه نظيرها، منْ غير أن تزول عنه، كما قَالَ ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما: إني لأمرّ بالآية منْ القرآن، فأفهمها، فأودّ أن النَّاس كلَّهم فهموا منها ما أفهم. وَقَالَ الشافعيّ رحمه الله تعالى: ودِدتُ أن النَّاس كلّهم تعلّموا هَذَا العلمَ، ولم يُنسب إليّ منه شيء.
فأما حبّ التفرد عن النَّاس بفعل دينيّ، أو دنيويّ، فهو مذموم، قَالَ الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} الآية [القصص: 83]، وَقَدْ قَالَ عليّ -رضي الله عنه- وغيره: هو أن لا يُحبّ أن يكون نعله خيرًا منْ نعل غيره، ولا ثوبه خيرًا منْ ثوب غيره. وفي الْحَدِيث المشهور في “السنن”: “منْ تعلّم العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه النَّاس إليه، فليتبوأ مقعده منْ النار”.
وأما الْحَدِيث الذي فيه أن رجلاً سأل النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: إني أحبّ الجمال، وما أحبّ أن يفوقني أحدٌ بشراك نعلي، فَقَالَ له النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: “ليس هَذَا منْ الكبر”، فإنما فيه أنه أحبّ أن لا يعلو عليه أحدٌ، وليس فيه محبّة أن يعلو هو عَلَى النَّاس، بل يصدق هَذَا أن يكون مساويا لأعلاهم، فما حصل بذلك محبّة العلوّ عليهم، والانفراد عنهم، فإن حصل لأحد فضيلة خصّصه الله تعالى بها عن غيره، فأخبر بها عَلَى وجه الشكر، لا عَلَى وجه الفخر، كَانَ حسنًا، كَانَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: “أنا سيّد ولد آدم، ولا فخر، وأنا أول شافع، ولا فخر” رواه مسلم، ورواه البخاريّ بلفظ مغاير لهذا. وَقَالَ ابن مسعود -رضي الله عنه-: لو أعلم أحدًا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل، لأتيته. انتهى كلام ابن رَجَب رحمه الله تعالى “شرح البخاريّ” 1/ 45 – 47. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
21 – قال العثيمين في شرح الأربعين النووية ص 160:
قوله: “لاَيُؤمِنُ أَحَدُكُمْ” أي لا يتم إيمان أحدنا، فالنفي هنا للكمال والتمام، وليس نفياً لأصل الإيمان …
الإيمان في اللغة هو: الإقرار المستلزم للقبول والإذعان والإيمان وهو مطابق للشرع وقيل: هو التصديق وفيه نظر؛ لأنه يقال: آمنت بكذا وصدقت فلاناً ولايقال: آمنت فلاناً. وقيل الإيمان في اللغة الإقرار واستدل القائل لذلك أنه يقال: آمن به وأقرّ به، ولا يقال: آمنه بمعنى صدقه، فلمّا لم يتوافق الفعلان في التعدّي واللزوم عُلم أنهما ليسا بمعنى واحد.
فالإيمان في اللغة حقيقة: إقرار القلب بما يرد عليه، وليس التصديق.
وقد يرد الإيمان بمعنى التصديق بقرينة مثل قوله تعالى: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) (العنكبوت: الآية26) على أحد القولين مع أنه يمكن أن يقال: فآمن له لوط أي انقاد له – أي إبراهيم – وصدّق دعوته …. فمن أقرّ بدون قبول وإذعان فليس بمؤمن …
ومحل الإيمان: القلب واللسان والجوارح، فالإيمان يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالجوارح، أي أن قول اللسان يسمى إيماناً، وعمل الجوارح يسمى إيماناً، والدليل: قول الله عزّ وجل: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) (البقرة: الآية143) قال المفسّرون: إيمانكم: أي صلاتكم إلى بيت المقدس، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “الإِيْمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً فَأَعْلاهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وأدنْاهَا إِمَاطَةُ الأذى عَنِ الطَّرِيْقِ وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيْمَانِ”.
أعلاها قول: لا إله إلا الله، هذا قول اللسان.
وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق وهذا فعل الجوارح، والحياء عمل القلب. وأما القول بأن الإيمان محلّه القلب فقط، وأن من أقرّ فقد آمن فهذا غلط ولا يصحّ.
من فوائد هذا الحديث:
أ – جواز نفي الشيء لانتفاء كماله، لقول: “لايُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيْهِ” ومثله قوله: “لا يُؤمنُ مَنْ لا يَأَمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ”.
ومن الأمثلة على نفي الشيء لانتفاء كماله قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لاصَلاةَ بِحَضْرَةِ طَعَام” أي لا صلاة كاملة، لأن هذا المصلي سوف يشتغل قلبه بالطعام الذي حضر، والأمثلة على هذا كثيرة.
ب – وجوب محبة المرء لأخيه ما يحب لنفسه، لأن نفي الإيمان عن من لايحب لأخيه ما يحب لنفسه يدل على وجوب ذلك، إذ لايُنفى الإيمان إلا لفوات واجب فيه أو وجود ما ينافيه.
قلت سيف: و قرر ذلك ابن تيمية.
ج – التحذير من الحسد، لأن الحاسد لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، بل يتمنّى زوال نعمة الله عن أخيه المسلم.
وقد اختلف أهل العلم في تفسير الحسد: فقال بعضهم “تمنّي زوال النعمة عن الغير”. وقال بعضهم الحسد هو: كراهة ما أنعم الله به على غيره، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – يقول: إذا كره العبد ما أنعم الله به على غيره فقد حسده، وإن لم يتمنَّ الزوال.
د – أنه ينبغي صياغة الكلام بما يحمل على العمل به، لأن من الفصاحة، صياغة الكلام بما يحمل على العمل به، والشاهد لهذا قوله: “لأَخِيهِ” لأن هذه يقتضي العطف والحنان والرّقة، ونظير هذا قول الله عزّ وجل في آية القصاص: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء) (البقرة: الآية178) مع أنه قاتل، تحنيناً وتعطيفاً لهذا المخاطب. اهـ شرح العثيمين
22 – النفي في الإيمان يتفاوت. فأعظم من هذا النفي نفي الإيمان عمّن لم يحب الرسول أكثر من نفسه:
لحديث (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين).
ومنه قوله تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/63 وقوله تعالى: (إناأَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا *لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) الفتح/8 – 9
بل قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: (لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك
من نفسك) فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الآن يا عمر) رواه البخاري (6257).
وراجع كلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 246/ 27 حيث قرر أنه لا نجاة لأحد من عذاب الله، ولا وصول له إلى رحمة الله إلا بواسطة الرسول وأنه صلى الله عليه وسلم أنصح وأنفع لكل أحد من نفسه وماله …
قال ابن كثير رحمه الله:
(قد علم شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم على أمته، ونصحه لهم، فجعله أولى بهم من أنفسهم، وحكمه فيهم مقدما على اختيارهم) 6/ 380.
وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
(يخبر تعالى المؤمنين خبرا يعرفون به حالة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومرتبته؛ فيعاملونه بمقتضى تلك الحالة، فقال: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ): أقرب ما للإنسان، وأولى ما له نفسه، فالرسول أولى به من نفسه، لأنه عليه الصلاة والسلام، بذل لهم من النصح والشفقة والرأفة. انتهى
ويجب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم
وحديث لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين سيأتي شرحه إن شاء الله في الباب التالي من صحيح البخاري
—-
23 – من فضائل المحبة بين المؤمنين:
أخرج – الإمام أبو يعلى رحمه الله: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: إن من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء قيل: من هم لعلنا نحبهم؟ قال: هم قوم تحابوا بنور الله من غير أرحام ولا أنساب وجوههم نور على منابر من نور لا يخافون إن خاف الناس ولا يحزنون إن حزن الناس ثم قرأ: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}. وهو في الصحيح المسند
وجاء عند الترمذي عن معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل ثم المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء)
و هو في الصحيح المسند 1110
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يأثر عن ربه تبارك وتعالى يقول: “حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتواصلين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في “.
24 – ما الذي تقتضيه المحبة تجاه أخيك: لأن المحبة ليست دعاوى إنما هي تضحيات: فعن عمرو بن عبسة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ” قال الله عز وجل: قد حقت محبتي للذين يتحابون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتزاورون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتباذلون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتصادقون من أجلي “.
– أخرجه أحمد في “المسند” (4/ 386) والطبراني في “الصغير” (1095) وفي “الأوسط” رقم (9076) والبيهقي في “شعب الإيمان” رقم (8996) وأورده الهيثمي في “المجمع” (10/ 279) وقال: رواه الطبراني في الثلاثة وأحمد بنحوه ورجال أحمد ثقات. وصححه الألباني في صحيح الجامع.
قال القرطبي في “المفهم” (6/ 543): – على أن الحب في الله والتزاور فيه من أفضل الأعمال، وأعظم القرب إذا تجرد ذلك عن أغراض الدنيا وأهواء النفوس، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان”.
أخرجه أحمد (3/ 438، 440) وأبو داود رقم (4681) من حديث أبي أمامه وهو حديث صحيح.
– وأخرج البخاري في صحيحه رقم (6941) ومسلم رقم (43) والترمذي رقم (2624) والنسائي (8/ 96).
25 – المحبة الممدوحة هي ما كانت لله:
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ” ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار.
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (2/ 13 – 14): هذا حديث عظيم أصل من أصول الإسلام، قال العلماء رحمهم الله: معنى حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات في رضى الله عز وجل ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإيثار ذلك على عرض الدنيا ومحبة العبد ربه سبحانه وتعالى بفعل طاعته وترك مخالفته وكذلك محبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال القاضي عياض في “إكمال المعلم بفوائد مسلم ” (1/ 278 – 279): ” وذلك لا تتضح محبة الله ورسوله حقيقة، والحب للغير في الله وكراهة الرجوع إلى الكفر، إلا لمن قوى بالإيمان يقينه، واطمأنت به نفسه وانشرح له صدره. وخالط دمه ولحمه، وهذا هو الذي وجد حلاوته …..
وسيأتي شرح حديث ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان. … بعد بابين إن شاء الله
قال الحافظ في “الفتح” (1/ 62): قال يحيى بن معاذ: حقيقة الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء.
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” ما تحاب رجلان في الله إلا كان أحبهما إلى الله عز وجل أشدهما حبا لصاحبه” من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
أخرجه البخاري في “الأدب المفرد ” رقم (544) وابن حبان في صحيحه رقم (566) وأبو يعلى في مسنده رقم (3419) والبزار رقم (3600 – كشف) والحاكم (4/ 171) وصححه ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح.
انظر: “الصحيحة” رقم (450).
قال الإمام أحمد رحمه الله: لو أن الدنيا جمعت حتى تكون في مقدار لقمة، ثم أخذها أمرؤ مسلم فوضعها في فم أخيه لما كان مسرفا.
انظر: “طبقات الحنابلة” (1/ 106).
قال أبو سليمان الداراني: قد يعملون بطاعة الله عز وجل ويتعاونون على أمره ولا يكونوا إخوانا حتى يتزاوروا ويتباذلوا.
انظر كتاب: “الإخوان” (ص127).
قال الحريري: “تعامل الناس في القرن الأول بالدين حتى رق الدين وتعاملوا في القرن الثاني بالوفاء حتى ذهب الوفاء، وفي الثالث بالمروءة حتى ذهبت المروءة ولم يبق إلا الرغبة والرهبة”.
* قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: ” أتى علينا زمان وما يرى أحد منا أحق بالدينار والدرهم من أخيه المسلم، وإنا في زمان الدينار والدرهم أحب إلينا من أخينا المسلم”.
لذلك عليم أن تحسن اختيار – الأخ – لأن ذلك أصبح جوهرة مفقودة فهنيئا لمن كان له أخ في الله.
* قال علقمة العطاردي في وصيته لابنه حين حضرته الوفاة قال: “يا بني! إذا عرضت لك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبته زانك، وإن قعدت بك مؤونة مالك. وإن رأى منك حسنة عدها وإن رأى سيئة سدها، اصحب من إذا سألته أعطاك، وإن سكت ابتداك، وإن نزلت بك نازلة واساك، اصحب من إن قلت صدق قولك، وإن حاولتما أمرا أمرك وإن تنازعتما آثرك
—-
—-
26 تبويبات الأئمة لحديث الباب:
-باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير
قاله النووي في شرحه لمسلم
-باب في الإيمان. قاله ابن ماجه
-علامة الإيمان. قاله النسائي
-ذكر نفي الإيمان عمن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
قاله ابن حبان في صحيحه
-جَامِعُ الْإِيمَانِ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّمَسُّكِ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ مِمَّا عَلَيْهِمْ فِيهِ مِنَ الْحُجَّةِ
قاله أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخَلَّال البغدادي الحنبلي في كتابه السنة.
27 – سبق إيراد مشكل الحديث رقم6،
– حديث [لايؤمنُ أَحدُكم حتَّى يُحِبَّ لأَخيهِ ما يحبُّ لنفسهِ] فهنا نفي للإيمان
_فعلى ماذا يحمل مع ما جاء في قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}
وخلاصة الاجوبة أن المقصود بالحديث لا يؤمن الإيمان الكامل.
فتركه مثل هذه الواجبات تنقص إيمانه ولا تزيله بالكلية.
وإليك بعض النقولات:
المراد بالنفي كمال الإيمان، ونفي اسم الشيء عَلَى معنى نفي الكمال عنه مستفيض فِي كلامهم، كقولهم: فلان ليس بإنسان.
[فإن قيل]: فيلزم أن يكون منْ حصلت له هذه الخصله مؤمنا كاملاً، وإن لم يأت ببقية الأركان.
[أجيب]: بأن هَذَا ورد مورد المبالغة، أو يستفاد منْ قوله: “لأخيه المسلم”، ملاحظة بقية صفات المسلم، وَقَدْ صرح ابن حبّان منْ رواية ابن أبي عدي، عن حسين المعلم بالمراد، ولفظه: “لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان”، ومعنى الحقيقة هنا الكمال؛ ضرورة أن منْ لم يتصف بهذه الصفة، لا يكون كافرا. قاله فِي “الفتح” 1/ 83.
وَقَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: “لا يؤمن”: أي لا يكمل إيمانه؛ إذ منْ غشّ المسلم، ولا ينصحه مرتكب كبيرة، ولا يكون كافرًا بذلك، كما بيّنّاه غير مرّة، وعلى هَذَا فمعنى الْحَدِيث: أن الموصوف بالإيمان الكامل منْ كَانَ فِي معاملته للناس ناصحًا لهم، مريدًا لهم ما يريده لنفسه، وكارهًا لهم ما يكره لنفسه، وتتضمّن أن يفضّلهم عَلَى نفسه؛ لأن كلّ أحد يحبّ أن يكون أفضل منْ غيره، فإذا أحبّ لغيره ما يُحبّ لنفسه، فقد أحب أن يكون غيره أفضل منه، وإلى هَذَا المعنى أشار الفضيل بن عياض لَمّا قَالَ لسفيان بن عيينة: إن كنت تريد أن يكون النَّاس مثلك، فما أدّيت لله الكريم النصيحة، فكيف، وأنت تودّ أنهم دونك؟. انتهى “المفهم” 1/ 227.
28 – المؤمن للمؤمن كالنفس الواحدة: ومصداقه حديث: (المؤمنون كالجسد الواحد)، ومن أفحش الأحوال أن يرى في موطن ضانًا على أخيه بأعمال الخير، إذا لم يوفق هو لها كما جرى لابني آدم، فإنه قتله من أجل أن تقبل الله قربانه، فإنه قال له: {لأقتلنك} فلم يجبه المؤمن إلا أن أخبره بالعلة التي رد قربانه هو لأجلها ما هي؟ وهي وقوله: {إنما يتقبل الله من المتقين} أي فلو اتقيت الله لتقبل منك قربانك، ثم قال له: {لئن بسطت إلي يدك لتقتلني (171/أ) ما أنا ببساط يدي إليك لأقتلك}.
الإفصاح عن معاني الصحاح
29 – أن فيه دلالة عَلَى التواضع؛ لأنه إذا أحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه كَانَ دليلاً عَلَى أنه بريء منْ الكبر، والحسد، والحقد، والغلّ، والغشّ، وغيرها منْ الأخلاق الدنيئة، والخصال الذميمة، بل هو متحلّ بالتواضع، واللين، والرفق، وإيثار إخوانه عَلَى نفسه، وغيرها منْ الأخلاق الكريمة، والشيم العظيمة.
30 – في معنى حديث الباب قوله صلى الله عليه وسلم (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله) وحديث ((لا تدخلونَ الجنَّةَ حتى تُؤمنوا, ولا تُؤمِنُوا حتى تحابوا , أفلا أدُلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشُوا السَّلامَ بينَكم))