10 ، 11 … رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-‘——-‘——-‘
كتاب الإيمان
قال البخاري رحمه الله تعالى:
بَابٌ: المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ
10 – حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ هُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
——–‘——–‘
قال ابن عثيمين:
المسلم يطلق على معان كثيرة منها: المستسلم فالمستسلم لغيره يقال له مسلم.
والقول الثاني: إن المراد بالإسلام الإسلام لله عز وجل.
والمعنى الثاني: يطلق الإسلام على الأصول الخمسة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل حين سأل عن الإسلام فقال (أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت)
ويطلق الإسلام بمعنى دخل في السلم أي المسالمة للناس بحيث لا يؤذي الناس. ومن هذا الحديث (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) سلم المسلمون من لسانه فلا يسبهم ولا يلعنهم ولا يغتابهم ولا ينم بينهم ولا يسعى بينهم بأي نوع من أنواع الشر والفساد فهو قد كف لسانه وكف اللسان من أشد ما يكون على الإنسان وهو من الأمور التي تصعب على المرء وربما يستسهل إطلاق لسانه ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل (أفلا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت بلى يا رسول الله فأخذ بلسان نفسه وقال كف عليك هذا ….. ) الحديث
فوائد الباب:
1 – قوله (بَابٌ: المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) ترجم بجزء من المتن ليبين موضع الشاهد من أن العمل من الإيمان زيادة ونقصانا فإذا تأذى أحد منه بغير حق فقد نقص إيمانه والعكس بالعكس.
2 – حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي من طريق الشعبي به، وأشار إليه الترمذي ولم يروه في سننه وإنما قال وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، قلت وأخرج مسلم الشطر الأول فقط – وهو موضع الشاهد – من طريق أبي الخير عن الصحابي عبد الله بن عمرو، وفي الباب عن جابر، وأبي هريرة، وأبي موسى – وسيأتي في الباب الذي يليه-، وفضالة بن عبيد الأنصاري، وواثلة، وأبي مالك الأشعري كعب بن عاصم، وبلال بن الحارث رضي الله عنهم.
3 – حديث ” «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ … » يُرْوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ” قاله العقيلي في الضعفاء الكبير.
4 – قال المروزي في تعظيم قدر الصلاة: “وَقَوْلُهُ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ …… يَقُولُ: الْمُسْلِمُ الْمُكَمِّلُ لِإِسْلَامِهِ الْمُحْسِنُ فِيهِ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ أَلَا تَرَاهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «أَفْضَلُ الْمُسْلِمِينَ إِسْلَامًا مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» “، وفيه رد على المرجئة الذين لا يدخلون الأعمال في الإيمان.
5 – “ونفي اسم الشيء على معنى نفي الكمال عنه مستفيض في كلامهم” قاله أبو سليمان الخطابي في أعلام الحديث.
6 – قوله (من سلم المسلمون) خرج مخرج الغالب، وإلا فالذمي كذلك – يعني يسلم الذمي منك -، وفيه التغليب، فإن المسلمات يدخلن فيه. قاله السيوطي كما في التوشيح شرح الجامع الصحيح.
قوله: فالذمي كذلك – يعني يسلم الذمي منك.
7 – وعند أبي داود 2481 في أوله قال “أتى رجلٌ عبدَ الله بن عَمرو وعنده القوم حتى جلس عندَه، فقال: أخبِرْني بشيء سمعتَه من رسولِ الله -صلَّى الله عليه وسلم-” أخرجه من طريق يحيى القطان عن إسماعيل به ونحوه من طريق عاصم بن أبي النجود عن الشعبي أخرجه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة 633
8 – “ومن طريق الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلًا، قَالَ لَهُ: مَا نَحْنُ مِنْ أَحَادِيثِكَ فِي شَيْءٍ، لَا تُحَدِّثْنَا إِلَّا بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَمَ لَهَا سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: هَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا بِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” ثم ذكر الحديث أخرجه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة 632. إسناده صحيح
وجم: سكوت مع حزن (لسان العرب)
9 – ومن طريق أَبِي كَثِيرٍ الزُّبَيْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ أَوْ قَالَ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْ يَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِكَ» أخرجه الإمام أحمد في مسنده 6487 ومحمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة 635وهذا لفظه، و قال الحاكم في المستدرك بعد أن أخرجه هناك: “زُهَيْرُ بْنُ الْأَقْمَرِ الزُّبَيْدِيُّ فَإِنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا وَعَبْدَ اللَّهِ فَمَنْ بَعْدَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وقال الحافظ في الإصابة: “تابعيّ معروف، أرسل شيئا، فذكره ابن شاهين بسبب ذلك “– أي في الصحابة –” قلت وثقه النسائي وابن حبان. وأورده الشيخ مقبل في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين 795
10 – ومن طريق الْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ إِسْلَامًا؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»، أخرجه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة 639 والطبراني في المعجم الكبير 14512 قال الألباني كما في الصحيحة 1491 وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات.
11 – قلت عند مسلم من طريق” أبي الخير أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ ” فدل هذا على تفاضل المسلمين بتفاضل أعمالهم ويكون إسلامهم وإيمانهم متفاضلا، وذكره البخاري في الباب التالي.
12 – ومن حديث جابر مرفوعا ” إِنَّ أَكْمَلَ الْمُسْلِمِينَ إِسْلامًا مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانه وَيَده” أخرجه أبو نعيم في مستخرجه على صحيح مسلم 157. من طريق أبي الزبير عن جابر، وأخرجه أبو يعلى في مسنده 2273 من طريق أَبِي سُفيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيه وسَلمَ فَقَالَ أَيُّ المُسْلِمِينَ أَفْضَلُ قَالَ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ. إسناده صحيح
13 – ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا وَصَفْنَا كَانَ مِنْ خَيْرِ الْمُسْلِمِينَ قاله ابن حبان في صحيحه في إشارته لحديث الباب
14 – قوله (المسلم من) “وهو كما يقالُ: المالُ الإبل، والناسُ العرب، على التفضيل لا على الحصر، وجوابه بعد هذا بأن هذا أفضل الإسلام” قاله القاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم.
15 – فيه الترغيب في الصمت إلا عن خير، والترهيب من كثرة الكلام.
16 – فيه الحذر من إيذاء الناس بقول أو فعل بغير حق.
17 – قوله (وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ) ومن طريق أبي معاوية الضرير عن داود بن أبي هند عن الشعبي ” المهاجر من هجر السيئات” كما عند إسحق بن راهويه في مسنده والمروزي في تعظيم قدر الصلاة. تابعه عبد الوهاب بن عطاء عن داود به أخرجه تمام في فوائده 231
18 – ” يعنى المهاجر التام الهجرة من هجر المحارم” قاله ابن بطال
19 – اشتملت هاتان الجملتان على جوامع من معاني الحكم والأحكام قاله الحافظ في الفتح.
20 – فيه من أنواع البديع تجنيس الاشتقاق. قاله الحافظ ابن حجر في الفتح
21 – الهجرة ماضية إلى يوم القيامة بنوعيها، دل الحديث على أحدها وهي هجر السيآت واجتنابها.
22 – فيه صفة المسلم قاله النسائي.
23 – وأخرج الإمام أحمد في مسنده 6925 من طريق مُوسَى بن علي، سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “تَدْرُونَ مَنِ الْمُسْلِمُ؟ ” قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: “مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ”، قَالَ: “تَدْرُونَ مَنِ الْمُؤْمِنُ؟ ” قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: “مَنْ أَمِنَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ فَاجْتَنَبَهُ” قال العلامة الألباني وسنده صحيح على شرط مسلم.
24 – وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم: المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ, وَالمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. رواه الترمذي في سننه 2627
25 – ومن طريق أبي معاوية التي علقها البخاري في آخر الباب في أولها أقسم الصحابي على سماعه الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم فقال ” ورب هذه البَنِيَّة” ومن طريق المغيرة عن الشعبي ” هَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا بِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” وفي رواية “ورب هذا البيت يعني الكعبة”
26 – تابع البخاريَّ في روايته عن آدم بن أبي إياس إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْن كما عند ابن مندة في الإيمان 309 وجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِي كما عند البيهقي في الآداب 298، و أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ الصُّغْدِيُّ كما عند البيهقي في السنن الكبرى 20755
27 – قوله (َحدَّثَنَا شُعْبَةُ) تابعه يحيى بن سعيد القطان في روايته عن إسماعيل وحده أخرجه أبو داود في سننه 2481 والنسائي في السنن الصغرى 4996 وكذلك عبدة في روايته عن إسماعيل بن أبي خالد وحده أخرجه البخاري في الأدب المفرد 1144، وتابعهما عيسى بن يونس كما عند ابن مندة في الإيمان 310 ويعلى بن عبيد أيضا كذلك في الإيمان لابن مندة 310 وتابعه يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَة عن إسماعيل به أخرجه ابن مندة في الإيمان له 311 تابعه الفضل بن موسى عن إسماعيل به أخرجه النسائي في السنن الكبرى 8701
28 – قوله (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ) تابعهما زكرياء بن أبي زائدة كما عند البخاري 6484
29 – قوله (عن الشعبي) هو عامر بن شراحيل الشعبي، ومن طريق يحيى لقطان “حدثنا عامر” كما عند أبي داود.
30 – قول البخاري (وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ) هو الضرير وصله إسحق بن راهويه في مسنده عن أبي معاوية كما نقله الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق، وهناد بن السري في الزهد له ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة 631 ومن طريقه ابن مندة في الإيمان له 313 عن يَحْيَى بْنُ يَحْيَ أنبأنا أبو معاوية به، وأخرجه ابن حبان في صحيحه 196 من طريق محمد بن العلاء بن كريب عن أبي معاوية به وذكره البخاري من أجل تصريح عامر الشعبي بالسماع من عبد الله بن عمرو، تابعه سفيان عن داود به كما عند النسائي في الكبرى 8701، قلت وعن الشعبي كنا جلوسا عند عبد الله بن عمرو به رواه ابن مندة من طريق عيسى بن يونس ..
31 – قال ابن مندة في الإيمان له ” رَوَاهُ وهَيْبُ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُغِيرَةُ، وَعَاصِمٌ، وَفِرَاسٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَمْرٍو. وَرُويَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ (ابن) عَمْرٍو قلت أخرج الكثير الطيب منها الطبراني في المعجم الكبير
32 – قوله (وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ دَاوُدَ) لم أجده عن عبد الأعلى وإنما وجدته من طريق عبد الوهاب عن داود أخرجه تمام في فوائده 231
نقولات لأهل العلم:
33 – قال ابن بطال في شرح البخاري 1/ 62:
قال أبو الزناد: لما انقطعت الهجرة، وفضلها حزن على فواتها من لم يدركها من أصحاب الرسول، (صلى الله عليه وسلم)، فأعلمهم أن المهاجر على الحقيقة من هجر ما نهى الله عنه، وقال غيره: أعلم المهاجرين أنه واجب عليهم أن يلتزموا هجر ما نهى الله عنه، ولا يتكلوا على الهجرة فقط. اهـ
34 – قال ابن عبدالبر في التمهيد 9/ 244:
والإيمان مراتب بعضها فوق بعض فليس الناقص فيها كالكامل قال الله عز وجل إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا أي إنما المؤمن حق الإيمان من كانت هذه صفته ولذلك قال أولئك هم المؤمنون حقا ومثل هذه الآية في القرآن كثير وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم إنه هو المؤمن المسلم حقا ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) ومعلوم معمول أنه لا يكون هذا أكمل حتى يكون غيره أنقص وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله) وقوله (لا إيمان لمن لا صلاة له ولا ….. لا أمانة له) كل ذلك يدل على أنه ليس بإيمان كامل وأن بعض الإيمان أوثق عروة وأكمل من بعض كما قال (ليس المسكين بالطواف عليكم) الحديث يريد ليس الطواف بالمسكين حقا لأن ثم من هو أشد مسكنة منه وهو الذي لا يسأل الناس ويتعفف …
وروى مجاهد بن جبر وأبو صالح السمان جميعا عن عبد الله بن جمرة عن كعب قال: من أحب في الله وأبغض في الله وأعطى في الله ومنح لله فقد استكمل الإيمان. ومن الدلائل على أن الإيمان قول وعمل كما قالت الجماعة والجمهور قول الله عز وجل: ((وما كان الله ليضيع إيمانكم)) لم يختلف المفسرون أنه أراد صلاتكم إلى بيت المقدس فسمى الصلاة إيمانا … انتهى المقصود منه
35 – قال القاضي عياض في شرح مسلم 1/ 277:
وقوله: ” المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده “: أى الكامل الإسلام والجامع لخصاله من لم يؤذ مسلما بقول ولا فعل. إذ أكثر الأفعال بالأيدى، فأضيفت عامتها إليها.
وهذا من جامع كلامه، وفصيحه، ومحاسنه، ولا يفهم من هذا أن من ليس بهذه الصفة ليس بمسلم. وهو كما يقال: المال الإبل، والناس العرب، على التفضيل لا على الحصر …
36 – قال النووي في شرح مسلم 1/ 10:
قال العلماء رحمهم الله قوله أي الإسلام خير معناه أي خصاله وأموره وأحواله قالوا وإنما وقع اختلاف الجواب في خير المسلمين لاختلاف حال السائل والحاضرين فكان في أحد الموضعين الحاجة إلى إفشاء السلام وإطعام الطعام أكثر وأهم لما حصل من إهمالهما والتساهل في أمورهما ونحو ذلك وفي الموضع الآخر إلى الكف عن إيذاء المسلمين …
ومعنى تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف أي تسلم على كل من لقيته عرفته أم لم تعرفه ولا تخص به من تعرفه كما يفعله كثيرون من الناس ثم إن هذا العموم مخصوص بالمسلمين فلا يسلم ابتداء على كافر وفي هذه الأحاديث جمل من العلم ففيها:
والكف عما يؤذيهم بقول أو فعل مباشرة أو سبب
37 – قال ابن رجب في جامع العلوم 1/ 289:
الإسلام الكامل الممدوح يدخل فيه ترك المحرمات، كما قال صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» وإذا حسن الإسلام، اقتضى ترك ما لا يعني كله من المحرمات والمشتبهات والمكروهات، وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها، فإن هذا كله لا يعني المسلم إذا كمل إسلامه، وبلغ إلى درجة الإحسان، وهو أن يعبد الله تعالى كأنه يراه، فإن لم يكن يراه، فإن الله يراه، فمن عبد الله على استحضار قربه ومشاهدته بقلبه، أو على استحضار قرب الله منه واطلاعه عليه، فقد حسن إسلامه، ولزم من ذلك أن يترك كل ما لا يعنيه في الإسلام، ويشتغل بما يعنيه فيه، فإنه يتولد من هذين المقامين الإستحياء من الله وترك كل ما يستحيا منه كما وصى صلى الله عليه وسلم رجلا أن يستحيي من الله كما يستحيي من رجل من صالحي عشيرته لا يفارقه. وفي ” المسند ” والترمذي عن ابن مسعود مرفوعا: ” «الاستحياء من الله تعالى أن تحفظ الرأس وما حوى، وتحفظ البطن وما وعى، ولتذكر الموت والبلى، فمن فعل ذلك، فقد استحيا من الله حق الحياء» “. اهـ
38 – قال عبد الرحمن بن سعدي في بهجة قلوب الأبرار 23:
الإسلام الحقيقي: هو الاستلام لله، وتكميل عبوديته والقيام بحقوقه، وحقوق المسلمين. ولا يتم الإسلام حتى يحب للمسلمين ما يحب لنفسه. ولا يتحقق ذلك إلا بسلامتهم من شر لسانه وشر يده. فإن هذا أصل هذا الفرض الذي عليه للمسلمين. فمن لم يسلم المسلمون من لسانه أو يده كيف يكون قائماً بالفرض الذي عليه لإخوانه المسلمين؟ فسلامتهم من شره القولي والفعلي عنوان على كمال إسلامه.
وفسر المؤمن بأنه الذي يأمنه الناس على دمائهم وأموالهم؛ فإن الإيمان إذا دار في القلب وامتلأ به، أوجب لصاحبه القيام بحقوق الإيمان التي من أهمها: رعاية الأمانات، والصدق في المعاملات، والورع عن ظلم الناس في دمائهم وأموالهم. ومن كان كذلك عرف الناس هذا منه، وأمنوه على دمائهم وأموالهم. ووثقوا به، لما يعلمون منه من مراعاة الأمانات، فإن رعاية الأمانة من أخص واجبات الإيمان، كما قال صلّى الله عليه وسلم: “لا إيمان لمن لا أمانة له” … اهـ
39 – قال الأثيوبي في ذخيرة العقبى 37/ 245:
فوائده:
(منها): ما ترجم له النسائي رحمه الله تعالى، وهو بيان صفة المؤمن الكامل، وهو كونه متّصفًا بأمن النَّاس له عَلَى دمائهم، وأموالهم.
(ومنها): أنه يستفاد منه أن الأصل فِي الحقوق النفسيّة، والماليّة التحريم، فلا يحلّ شيء منها إلا بوجه شرعيّ.
(ومنها): أن فيه بيان تفاوت درجات المسلمين، حيث إن بعضهم وصل إلى درجة الكمال، وبعضه لم يصل إليها.
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
=====
=====
=====
بَابٌ: أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟
11 – حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ القُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، وَيَدِهِ»
فوائد الباب:
1 – قوله (بَابٌ: أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟) معناه أي الإسلام في قلوب المسلمين أفضل وقد جاء في رواية ” أي المسلمين خير”.
2 – حديث أبي موسى رضي الله عن أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
3 – جعل إسلام من سلم المسلمون من لسانه ويده من أفضل الإسلام، وهو خلاف قول المرجئة. قاله ابن بطال في شرح صحيح البخاري وفي رواية عند مسلم وغيره أي المسلمين أفضل؟ فتصلح في الباب السابق أيضا وهما متلازمان.
4 – قوله (حدثنا أبي) هو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ القُرَشِيُّ تابعه أَبُو أُسَامَةَ عند مسلم 42 والترمذي 2504 بلفظ ” أي المسلمين أفضل”
5 – قوله (حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ) هو بريد صرح به مسلم في رواية وهو حفيد شيخه في هذا الحديث وكنيته كنيته.
6 – قوله (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) وعند الترمذي في رواية ” عن جده أبي بردة”.
——–‘——-‘——-‘
نقولات لأهل العلم:
7 – قال ابن بطال في شرح البخاري 1/ 63:
هذا الجواب خرج على سؤال سائل، لأنه قد سئل، (صلى الله عليه وسلم)، مثل هذا السؤال، فأجاب بغير هذا الجواب، وذلك أنه سئل: أى الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام -. فدل اتفاق السؤال واختلاف الجواب أن ذلك كله منه، (صلى الله عليه وسلم)، فى أوقات مختلفة، لقوم شتى، فجاوب كل إنسان بما به الحاجة إلى علمه، وجعل إسلام من سلم المسلمون من لسانه ويده من أفضل الإسلام، وهو خلاف قول المرجئة. اهـ
8 – قال ابن رجب في فتح الباري 1/ 40:
هذه الرواية: أي المسلمين خير؟ وفي رواية أبي موسى: أي الإسلام أفضل؟. قال ابن رجب: والذي ظهر لي في الفرق بين ” خير ” أن لفظ ” أفضل ” إنما تستعمل في شيئين اشتركا في غير فضل، وامتاز أحدهما عن الآخر بفضل اختص به، فهذا الممتاز قد شارك ذاك في الفضل واختص عنه بفضل زائد فهو ذاك. وأما لفظه ” خير ” فتستعمل في شيئين: في كل منهما نوع من الخير أرجح مما في الآخر سواء كان لزيادة عليه في ذاته أو في نفعه أو غير ذلك، وإن اختلف جنساهما فترجيح أحدهما على الآخر يكون بلفظة خير، فيقال مثلا: النفع المتعدي خير من النفع القاصر، وإن كان جنسهما مختلفا ويقال: زيد أفضل من عمرو، إذا اشتركوا في علم أو دين ونحو ذلك، وامتاز أحدهما على الآخر بزيادة. وإن استعمل في النوع الأول لفظة ” أفضل ” مع اختلاف الجنسين، فقد يكون المراد: أن ثواب أحدهما أفضل من ثواب الآخر وأزيد منه، فقد وقع الاشتراك في الثواب وامتاز أحدهما بزيادة منه – وحينئذ – فمن سلم المسلمون من لسانه ويده إسلامه أفضل من إسلام غيره ممن ليس كذلك، لاشتراكهما في الإتيان بحقوق الله في الإسلام من الشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ونحو ذلك، وامتاز أحدهما بالقيام بحقوق المسلمين، فصار هذا الإسلام أفضل من ذاك. وأما المسلم: فيقال: هذا أفضل من ذاك لأن إسلامه أفضل من إسلامه ويقال: هو خير من ذاك لترجيح خيره على خير غيره وزيادته عليه. اهـ
9 – : قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
“والمقصود هنا أن نفي الإيمان أو الجنة أو كونه من المؤمنين لا يكون إلا عن كبيرة، *فأما الصغائر فلا تنفي هذا الاسم والحكم عن صاحبها بمجردها فيعرف أن هذا النفي لا يكون لترك مستحب، ولا لفعل صغيرة بل لفعل كبيرة*، وإنما قلنا إن هذا الضابط أولى من سائر تلك الضوابط المذكورة لوجوه:
أحدها: أنه المأثور عن السلف، بخلاف تلك الضوابط فإنها لا تعرف عن أحد من الصحابة والتابعين والأئمة، وإنما قالها بعض من تكلم في شيء من الكلام أو التصوف بغير دليل شرعي، وأما من قال من السلف إنها إلى التسعين أقرب منها إلى السبع، فهذا لا يخالف ما ذكرناه، وسنتكلم عليها إن شاء الله واحدا واحدا.
الثاني: أن الله قال: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما} [النساء: 31] فقد وعد بتجنب الكبائر بتكفير السيئات واستحقاق الوعد الكريم، وكل من وعد بغضب الله، أو لعنه، أو نار، أو حرمان جنة، أو ما يقتضي ذلك فإنه خارج عن هذا الوعد فلا يكون من مجتنبي الكبائر، وكذلك من استحق أن يقام عليه الحد لم تكن سيئاته مكفرة عنه باجتناب الكبائر، إذ لو كان كذلك لم يكن له ذنب يستحق أن يعاقب عليه، والمستحق أن يقام عليه الحد له ذنب يستحق العقوبة عليه.
والثالث: أن هذا الضابط مرجعه إلى ما ذكره الله ورسوله في الذنوب فهو حد يتلقى من خطاب الشارع، وما سوى ذلك ليس متلقى من كلام الله ورسوله بل هو قولرأي القائل ودونه من غير دليل شرعي، والرأي الذوقي بدون دليل شرعي لا يجوز.
الرابع: أن هذا الضابط يمكن الفرق به بين الكبائر والصغائر، وأما تلك الأمور فلا يمكن الفرق بها بين الكبائر والصغائر؛ لأن تلك الصفات لا دليل عليها لأن الفرق بين ما اتفقت فيه الشرائع واختلفت لا يعلم إن لم يكن وجود عالم بتلك الشرائع على وجهها، وهذا غير معلوم لنا، وكذلك ما فسر بأن المعرفة هي من الأمور النسبية والإضافية فقد يسد باب المعرفة عن زيد ما لا يسد عن عمرو، وليس لذلك حد محدود.
الخامس: أن تلك الأقوال فاسدة، فتقول من قال إنها ما اتفقت الشرائع على تحريمه دون ما اختلفت فيه، فوجب أن تكون الحسنة من مال اليتيم، ومن السرقة، والخيانة، والكذبة الواحدة وبعض الإحسانات الخفية ونحو ذلك كبيرة وأن يكون الفرار من الزحف ليس من الكبائر، إذ الجهاد لم يجب في كل شريعة، وكذلك يقتضي أن يكون التزوج بالمحرمات بالرضاعة والصهر، وغيرهما ليس من الكبائر، لأنه مما لم تتفق عليه الشرائع.
وكذلك إمساك المرأة بعد الطلاق الثلاث ووطؤها بعد ذلك مع اعتقاد التحريم، وكذلك من قال: إنها ما تسد باب المعرفة، أو ذهاب النفوس، أو الأموال يوجب أن يكون القليل من الغضب والخيانة كبيرة، وأن يكون عقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، وشرب الخمر، وأكل الميتة، ولحم الخنزير، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، ونحو ذلك ليس من الكبائر، ومن قال إنها سميت كبائر بالنسبة إلى ما دونها، وإن ما عصى به فهو كبيرة، فإنه يوجب أن لا تكون الذنوب في نفسها تنقسم إلى كبائر وصغائر، وهذا خلاف القرآن فإن الله قال: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم} [النجم: 32] وقال: {والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون} [الشورى: 37] وقال: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم [النساء: 31]
وقال: {مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها} [الكهف: 49] وقال: {وكل صغير وكبير مستطر} [القمر: 53]
والأحاديث كثيرة في الذنوب الكبائر، ومن قال هي سبعة عشر فهو قول بلا دليل، ومن قال إنها مبهمة وغير معلومة فإنما أخبر عن نفسه أنه لا يعلمها، ومن قال إنه ما توعد عليه بالنار قد يقال إن فيه تقصيرا إذ الوعيد قد يكون بالنار وقد يكون بغيرها، وقد يقال إن كل وعيد فلا بد أن يستلزم الوعيد بالنار، وأما من قال إنها كل ذنب فيه وعيد فهذا يندرج فيما ذكره السلف، فإن كل ذنب فيه حد في الدنيا ففيه وعيد من غير عكس، فإن الزنا، والسرقة وشرب الخمر، وقذف المحصنات، ونحو ذلك فيها وعيد، كمن قال إن الكبيرة ما فيها وعيد، والله أعلم. الفتاوى الكبرى (5/ 133 – 134)
10 – قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (14) / (7) – (15):
“إن نفي الإيمان عند عدمها – أي أعمال البر- دل على أنها واجبة، وإن ذكر فضل إيمان صاحبها – ولَم ينف إيمانه- دل على أنها مستحبة، فإن الله ورسوله لا ينفي اسم مسمى أمر – أمر الله به ورسوله – إلا إذا ترك بعض واجباته …… فأما إذا كان الفعل مستحبا في “العبادة ” لم ينفها لانتفاء المستحب، فإن هذا لو جاز، لجاز أن ينفي عن جمهور المؤمنين اسم الإيمان والصلاة والزكاة والحج، لأنه ما من عمل إلا وغيره أفضل منه ….. وهذا لا يقوله عاقل.
11 – قال ابن رجب رحمه الله في الفتح: عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ”
لما نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه دل على أن ذلك من خصال الإيمان، بل من واجباته، فإن الإيمان لا ينفي إلا بانتفاء بعض واجباته، كما قال: ” لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن”. الحديث
وإنما يحب الرجل لأخيه ما يحب لنفسه إذا سلم من الحسد والغل والغش والحقد، وذلك واجب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا “، فالمؤمن أخو المؤمن يحب له ما يحب لنفسه ويحزنه ما يحزنه كما قال صلى الله عليه وسلم:
” مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالحمى والسهر.
وراجع للتوسع مشكل الحديث حيث توسعنا في النقل.
=====
12 – ولنذكر الآيات التي فيها النداء بالإيمان أو بالإسلام وما هي الأعمال المطلوبة بعد هذا النداء، لأنه يمكن أن يقال اذا حصل النداء بالإيمان مع دلالة الحصر فإنه يذكر بعدها أهم ما يجب أن يتصف به من الأعمال:
قال تعالى:
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُولَائِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَة وَرِزْق كَرِيم)
[سورة الأنفال 2 – 4]
قال السعدي:
بسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [1]
الأنفال هي الغنائم التي ينفلها اللّه لهذه الأمة من أموال الكفار، وكانت هذه الآيات في هذه السورة قد نزلت في قصة بدر أول غنيمة كبيرة غنمها المسلمون من المشركين،.فحصل بين بعض المسلمين فيها نزاع، فسألوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عنها، فأنزل اللّه يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَال كيف تقسم وعلى من تقسم؟ قُلْ لهم: الأنفال لله ورسوله يضعانها حيث شاءا، فلا اعتراض لكم على حكم اللّه ورسوله،. بل عليكم إذا حكم اللّه ورسوله أن ترضوا بحكمهما، وتسلموا الأمر لهما،. وذلك داخل في قوله فَاتَّقُوا اللَّهَ بامتثال أوامره واجتناب نواهيه .. وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ أي: أصلحوا ما بينكم من التشاحن والتقاطع والتدابر، بالتوادد والتحاب والتواصل .. فبذلك تجتمع كلمتكم، ويزول ما يحصل – بسبب التقاطع -من التخاصم، والتشاجر والتنازع. ويدخل في إصلاح ذات البين تحسين الخلق لهم، والعفو عن المسيئين منهم فإنه بذلك يزول كثير مما يكون في القلوب من البغضاء والتدابر،.والأمر الجامع لذلك كله قوله: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فإن الإيمان يدعو إلى طاعة اللّه ورسوله،.كما أن من لم يطع اللّه ورسوله فليس بمؤمن.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [2]
ومن نقصت طاعته للّه ورسوله، فذلك لنقص إيمانه، ولما كان الإيمان قسمين: إيمانا كاملا يترتب عليه المدح والثناء، والفوز التام، وإيمانا دون ذلك ذكر الإيمان الكامل فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الألف واللام للاستغراق لشرائع الإيمان. الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ أي: خافت ورهبت، فأوجبت لهم خشية اللّه تعالى الانكفاف عن المحارم، فإن خوف اللّه تعالى أكبر علاماته أن يحجز صاحبه عن الذنوب. وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ووجه ذلك أنهم يلقون له السمع ويحضرون قلوبهم لتدبره فعند ذلك يزيد إيمانهم،.لأن التدبر من أعمال القلوب، ولأنه لا بد أن يبين لهم معنى كانوا يجهلونه، أو يتذكرون ما كانوا نسوه، أو يحدث في قلوبهم رغبة في الخير، واشتياقا إلى كرامة ربهم، أو وجلا من العقوبات، وازدجارا عن المعاصي، وكل هذا مما يزداد به الإيمان. وَعَلَى رَبِّهِمْ وحده لا شريك له يَتَوَكَّلُونَ أي: يعتمدون في قلوبهم على ربهم في جلب مصالحهم ودفع مضارهم الدينية والدنيوية، ويثقون بأن اللّه تعالى سيفعل ذلك. والتوكل هو الحامل للأعمال كلها، فلا توجد ولا تكمل إلا به.
(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [3]
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ من فرائض ونوافل، بأعمالها الظاهرة والباطنة، كحضور القلب فيها، الذي هو روح الصلاة ولبها،. وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ النفقات الواجبة، كالزكوات، والكفارات، والنفقة على الزوجات والأقارب، وما ملكت أيمانهم،.والمستحبة كالصدقة في جميع طرق الخير.
(أُولَائِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [4]
أُولَئِكَ الذين اتصفوا بتلك الصفات هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لأنهم جمعوا بين الإسلام والإيمان، بين الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، بين العلم والعمل، بين أداء حقوق اللّه وحقوق عباده. وقدم تعالى أعمال القلوب، لأنها أصل لأعمال الجوارح وأفضل منها،.وفيها دليل على أن الإيمان، يزيد وينقص، فيزيد بفعل الطاعة وينقص بضدها. وأنه ينبغي للعبد أن يتعاهد إيمانه وينميه،.وأن أولى ما يحصل به ذلك تدبر كتاب اللّه تعالى والتأمل لمعانيه. ثم ذكر ثواب المؤمنين حقا فقال: لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي: عالية بحسب علو أعمالهم. وَمَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وهو ما أعد اللّه لهم في دار كرامته، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ودل هذا على أن من يصل إلى درجتهم في الإيمان – وإن دخل الجنة – فلن ينال ما نالوا من كرامة اللّه التامة.
ومن الآيات أيضا:
قال تعالى:
قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَا ءُ بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُو لَا ى كَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم )
[سورة التوبة 71]
وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
[الحجرات: (10)].
ومنه حديث (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وحديث (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) وغيرها فهذه الأحاديث ذكرها ابن تيمية في بيان الأخوة الواجبة راجع مجموع الفتاوى 11/ 100
و راجع بحثنا في لطائف التفسير حول هذا المعنى
—-
13 – ووردت أحاديث في التحذير من بعض المعاصي مع إثبات الإسلام للعصاة من ذلك:
– حديث (إِذا الْتقى المسْلمان بسيفيهما، فالقاتلُ والمقتولُ في النار)
مما يدل أن حديث الباب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده محمول على أن أصل الإسلام باقي لكن ينقص إيمانه.
14 – أحاديث فيها بيان المسلم الحقيقي:
– روى البزار رحمه الله: عن فضالة بن عبيد الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال في حجة الوداع: هذا يوم حرام، وبلد حرام، فدماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، مثل هذا اليوم وهذه البلدة إلى يوم تلقونه، وحتى دفعة دفعها مسلم مسلما يريد بها سوءا حراما، وسأخبركم من المسلم، من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله.
قال الوادعي رحمه الله تعالى: هذا حديث حسن. الصحيح المسند: 1065
– قال صلى الله عليه وسلم -[إن المسلم المسدد ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله عز وجل لكرم ضريبته وحسن خلقه]_ (ضريبته أي طبيعته وسجيته). 54/ 522 السلسلة الصحيحة
– قال صلى الله عليه وسلم -[المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة]. (صحيح) _ 31/ 504 السلسلة الصحيحة
– عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يروع مسلما.
سنن أبي داود