1649 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
وهشام السوري وعبدالله المشجري وخميس العميمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله. ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا)
——–‘——–‘——
———‘——‘——-
الصحيح المسند 1649
روى أبوداود في سننه: … عن أم سلمة قالت: كان فراشها حيال مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية لأحمد: عن أم سلمة أنها قالت: كان يُفرَشُ لي حيال مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يصلي وأنا حياله.
——-‘——-‘——–
ترجم البخاري -رحمه الله- في كتاب الصلاة من صحيحه.
بَابُ مَنْ قَالَ: لاَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ شَيْءٌ
وأورد تحته حديثين:
# عَنْ عَائِشَةَ، ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلاَةَ الكَلْبُ وَالحِمَارُ وَالمَرْأَةُ، فَقَالَتْ: شَبَّهْتُمُونَا بِالحُمُرِ وَالكِلاَبِ، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً، فَتَبْدُو لِي الحَاجَةُ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ، فَأُوذِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ.
# أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ فَيُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، وَإِنِّي لَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ.
*قال الحافظ ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في فتح الباري:*
في الرواية الأولى: أن عائشة استدلت بحديثها هذا على أن المرأة لا تقطع الصلاة، وأنكرت التسوية بين المرأة والحمار والكلب، وهذا يشعر بموافقتها على الحمار والكلب، وسيأتي كلامها صريحا في ذلك فيما بعد – إن شاء الله تعالى.
وفي الرواية الثانية: أن الزهري استدل بحديث عائشة على أن الصلاة لا يقطعها شئ؛ لما فيه من الدلالة على أن المرأة لا تقطع صلاة الرجل إذا كانت بين يديه.
وقد اختلف العلماء في هذا:
فقالت طائفة – كما قاله الزُّهْرِيّ -: لا يقطع الصلاة شئ.
وروي ذلك عن عثمان وعلي وحذيفة وأبي سعيد وابن عمر وابن عباس، على اختلاف عن بعضهم.
وروي عن أبي بكر وعمر من وجه لا يصح، وسيأتي ذكره ـ أن شاء الله.
وممن قال ذلك بعد الصحابة: سعيد بن المسيب وعبيدة السلماني والشعبي والقاسم بن محمد وعروة والزهري، وهو قول الثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأبي ثور وغيرهم.
وروى شعبة، عن عبيد الله بن عمر، عن سالم ونافع، عن ابن عمر، قال: كان يقال: لا يقطع صلاة المسلم شئ.
ورواه إبراهيم بن يزيد الخوزي، عن سالم، عن أبيه، أن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وأبا بكر وعمر قالوا: ((لا يقطع صلاة المسلم شئ، وادرأ ما استطعت)).
خرجه الدارقطني.
والخوزي، ضعيف جدا.
وصحح الدارقطني في كتاب ((العلل)) وقفه، وأنكر رفعه.
وخرج أبو داود من رواية أبي أسامة، عن مجالد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد، عن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال ((لا يقطع الصلاة شئ، وادرءوا ما استطعتم)).
وخرجه –أيضا – من رواية عبد الواحد بن زياد، عن مجالد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد، قال: إن الصلاة لا يقطعها شئ، ولكن قال رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((ادرءوا ما استطعتم)).
فجعل أوله موقوفا.
ومجالد، فيه ضعف مشهور.
وقال أحمد: كم من أعجوبة لمجالد.
وروى إدريس بن يحيى الخولاني، عن بكر بن مضر، عن صخر بن عبد الله بن حرملة، سمع عمر بن عبد العزيز يقول: عن أنس بن مالك، أن رسول ألله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – صلى بالناس، فمر بين أيديهم حمار، فقال عياش بن أبي ربيعة: سبحان الله، سبحان الله، فلما سلم رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: ((من المسبح آنفا: سبحان الله وبحمده؟)) قال: أنا يا رسول الله؛ إني سمعت أن الحمار يقطع الصلاة.
قال: ((لا يقطع الصلاة شئ)).
خرجه الدارقطني.
وقال في كتاب ((العلل)): خالف إدريس في رواية هذا الحديث الوليد بن مسلم، فرواه عن بكر بن مضر، عن صخر، عن عمر بن عبد العزيز، عن عياش بن أبي ربيعة.
وغيرهما يرويه عن بكر بن مضر، عن صخر، عن عمر ابن عبد العزيز – مرسلا.
والمرسل أصح.
وقد روي هذا المتن من حديث علي وأبي هريرة وعائشة وأبي أمامه، ولا يثبت منها شئ.
قال العقيلي: الرواية في هذا الباب فيها لين وضعف.
وقالت طائفة: يقطع الصلاة مرور بعض الحيوانات.
ثم اختلفوا:
فمنهم من قال: يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة، روي ذلك عن ابن عباس وأنس وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ومكحول والحسن وأبي الإحوص.
ومنهم من قال: يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض والحمار والكافر، رواه جابر بن زيد، عن ابن عباس.
وروي عن الحكم الغفاري، أنه أعاد الصلاة من مرور حمار بين يديه.
وروي عن عكرمة، قال: يقطع الصلاة الكلب والمرأة والخنزير والحمار والكافر.
وعن عطاء، قال: يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب الأسود.
واختاره أبو بكر ابن خزيمة، وزاد عليهما: الحمار.
والمشهور: عن عطاء، أنه يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود.
وهو قول ابن جريج وأحمد في رواية عنه.
وروت صفية بنت شيبة، عن عائشة، قالت: إنما يقطع الصلاة الكلب والحمار والسنور.
وفي رواية أخرى عن عائشة، أنها قالت: والسنور الأسود.
وحكي رواية عن أحمد في السنور الأسود.
وقالت طائفة: لا يقطع الصلاة سوى الكلب، وروي ذلك عن ابن عمر.
وروي عنه أنه أعاد صلاته من مرور كلب أصفر بين يديه، رواه مطر الوراق، عن نَافِع، عَنْهُ.
وروى بكر المزني، أن ابن عمر أعاد ركعة من جرو مر بين يديه.
وهذا يدل على أنه تختص الإعادة بالركعة التي مر فيها الكلب.
وروى ليث، عن طاوس، عن ابن عباس، قال: ادرءوا عن صلاتكم ما استطعتم، وأشد ما يتقى عليها مرابض الكلاب.
وقال ابن طاوس: كان أبي يشدد في الكلاب.
ومن هؤلاء من خص القطع بالكلب الأسود دون غيره من سائر الألوان.
وروى شعبة، عن الحكم، عن خيثمة، عن الأسود، عن عائشة، قالت: لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود.
وقال أبو نعيم: ثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الكلب الأسود البهيم شيطان، وهو يقطع الصلاة.
حدثنا ابن عيينة، عن ليث، عن مجاهد، عن معاذ ـ مثله.
وهو المشهور عن أحمد، وقول إسحاق وأبي خيثمة زهير بن حرب وسليمان ابن داود الهاشمي والجوزجاني وغيرهم من فقهاء أهل الحديث.
واستدل من قال: تقطع الصلاة بشئ من ذلك بأحاديث رويت عن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليس شئ منها على شرط البخاري، ولا مما يحتج به.
وقد خرج مسلم منها حديثين: حديث: أبي ذر، وحديث أبي هريرة.
فحديث أبي ذر: خرجه من طريق حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود.
قلت: يا أبا ذر، ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ فقال: يا ابن أخي، سألت رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كما سألتني، فقال: ((الكلب الأسود شيطان)).
وحديث أبي هريرة خرجه من طريق عبيد الله بن عبد الله بن الأصم: ثنا يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، قال: قال: رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل)).
فأما حَدِيْث أبي ذر، فَقَدْ قَالَ الإمام أحمد –فِي رِوَايَة المروذي -: إليه أذهب، وَهُوَ صحيح الإسناد،.
وَقَالَ – في رواية علي بن سَعِيد -: هو حديث ثبت، يرويه شعبة وسليمان بن المغيرة – يعني: عن حميد بن هلال -، ثم قال: ما في نفسي من هذا الحديث شيء.
وقال الترمذي: حديث أبي ذر حسن صحيح.
وقال البيهقي في ((كتاب المعرفة)): هذا الحديث صحيح إسناده، ونحن نحتج بأمثاله في الفقهيات، وإن كان البخاري لا يحتج به.
وقوله: ((إن البخاري لا يحتج به))، يشير إلى أنه لا يحتج بحديث عبد الله ابن الصامت بن أخي أبي ذر، ولم يخرج له في ((كتابه)) شيئا.
وقال الشافعي في كتاب ((مختلف الحَدِيْث)) – في الحديث الذي فيه المرأة والحمار والكلب -: أنه عندنا غير محفوظ.
ورده لمخالفته لحديث عائشة وغيره، ولمخالفته لظاهر قول الله عز وجل: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164].
وفي مسائل الحسن بن ثواب عن الإمام أحمد: قيل له: ما ترى في الحمار والكلب والمرأة؟ قال: الكلب الأسود يقطع؛ أنه شيطان.
قيل له حديث أبي ذر؟ قال: هاتوا غير حديث أبي ذر، ليس يصح إسناده، ثم ذكر حديث الفضل بن عباس، أنه مر على بعض الصف وهو على حمار.
قيل له: إنه كان بين يديه عنزة؟ قَالَ: هَذَا الحَدِيْث فِي فضاء.
وأما حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ، فَلَمْ يخرج البخاري ليزيد بْن الأصم، ولا بني أخيه:
عبد الله بن عبد الله أبي العنبس، وأخيه عبيد الله شيئا.
وهذا الحديث من رواية عبيد الله كما وجد في بعض النسخ، وقيل: إن الصواب: أنه من رواية عبد الله.
وقد روى حديث أبي هريرة من وجه آخر: من رواية هشام الدستوائي، عن قتادة عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن أبي هريرة، عن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال:
((يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار)).
خرجه الإمام أحمد وابن ماجه.
وفي إسناده اختلاف على هشام في رفعه ووقفه، وفي ذكر: ((سعد بن
هشام)) في إسناده وإسقاطه منه، والصحيح: ذكره -: قاله الدارقطني.
ورواه ابن أبي عروبة وغير واحد، عن قتادة، فوقفوه، وذكروا في إسناده:
((هشاما)).
ولعل وقفه أشبه.
وقد روي عن أبي هريرة مرفوعا من وجه آخر لا يصح.
وروى يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن قتادة؛ قال: سمعت جابر بن زيد يحدث، عن ابن عباس، عن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب)).
خرجه أبو داود، وابن ماجه وابن خزيمة في ((صحيحة))، وعندهما: ((الكلب الأسود)).
قال أبو داود: وقفه سعيد وهشام وهمام، عن قتادة، عن ابن عباس.
انتهى.
وكذا وقفه غندر، عن شعبة.
ورفعه سفيان بن حبيب، عن شعبة.
وذكر الحافظ أبو نعيم بإسناده، عن يحيى بن سعيد، قال: لم يرفعه عن قتادة غير شعبة.
قال يحيى: وأنا أفرقه.
وحكى غيره عن يحيى، أنه قال: أخاف أن يكون وهم – يعني: شعبة.
وقال الإمام أحمد: ثنا يحيى، قال شعبة رفعه.
قال: وهشام لم يرفعه.
قال أحمد: كان هشام حافظا.
وهذا ترجيح من أحمد لوقفه، وقد تبين أن شعبة اختلف عليه في وقفه ورفعه.
ورجح أبو حاتم الرازي رفعه.
وخرج أبو داود، عن محمد بن إسماعيل البصري – هو: ابن أبي سمينة -، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن يحيى – هو: ابن أبي كثير -، عن عكرمة، عن ابن عباس – قال: أحسبه عَن رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((إذا صلى أحدكم إلى غير سترة فإنه يقطع صلاته الحمار والخنزير واليهودي والمجوسي والمرأة، ويجزئ عنه إذا مروا بين يديه على قذفه بحجر)).
وقال أبو داود: لم أر أحدا يحدث به عن هشام، واحسب الوهم فيه من ابن أبي سمينة؛ لأنه يحدثنا من حفظه.
انتهى.
وهو مشكوك في رفعه.
وقد خرجه ابن عدي من طريقين، عن معاذ، وقال: هذا عن يحيى غير محفوظ بهذا المتن.
وقد تبين بذلك أن ابن أبي سمينة لم ينفرد به كما ظنه أبو داود، ولكنه منكر كما قاله ابن عدي.
وخرجه ابن أبي شيبة عن أبي داود، عن هشام، عن يحيى، عن عكرمة – من قوله.
ورواه عبيس بن ميمون، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال أبو زرعة الرازي، هو حديث منكر، وعبيس شيخ ضعيف الحديث.
وقال الأثرم: هذا إسناد واه.
وروى سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل، عن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب)).
خرجه الإمام أحمد وابن ماجه وابن حبان في ((صحيحة)).
وقد اختلف فيه على قتادة، وعلى الحسن:
فقيل: عن قتادة، كما ترى في الإسناد، وهو الصحيح عند الدارقطني وغيره.
وقيل عن سعيد، عن قتادة، عن أنس.
وقيل عنه، عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس – من قوله كما سبق.
وقال هشام: عن قتادة، عن زرارة، عن سعد، عن أبي هريرة كما سبق.
واختلف فيه عن الحسن:
فقيل: عنه كما ترى.
وقال حوشب: عن الحسن، عن الحكم بن عمرو، عن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وذكر هذا الاختلاف الدارقطني، وقال: الصحيح من ذلك: قتادة، عن الحسن، عن ابن مغفل.
وروى يحيى بن أبي كثير، عن شعبة: عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، عن أنس، عن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((يقطع الصلاة الكلب والمرأة والحمار)).
خرجه البزار.
وكذا رواه أبو زيد الهروي سعد بن الربيع، عن شعبة – مرفوعا.
ورواه غندر وأبو الوليد ومحمد بن كثير، عن شعبة، عن عبيد الله، عن أنس موقوفا.
قال الدارقطني: والموقوف اصح.
وخرج الإمام أحمد ثنا أبو المغيرة: ثنا صفوان: ثنا راشد بن سعد، عن عائشة، قالت: قال رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ((لا يقطع صلاة المسلم شيء، إلا الحمار والكافر والكلب والمرأة)).
قالت عائشة: يا رسول الله، لقد قرنا بدواب سوء.
هذا منقطع؛ راشد لَمْ يسمع من عَائِشَة بغير شك.
ووهم فِي ذَلِكَ، وإنما الصحيح: ما رواه أصحاب عائشة الحفاظ، عنها، أنه ذكر عندها ذلك، فقالت: لقد قرنتمونا بقرناء سوء، ونحو هذا المعنى.
وقد ذكر الميموني أن أحمد ذكر له أن ألحوضي روى من طريق الأسود، عن عائشة – مرفو7ج7عا -: ((يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود)).
فقال أحمد: غلط الشيخ عندنا؛ هذا عن رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وهي تقول: عدلتمونا بالكلب والحمار؟!.
يعني: لو كان هذا عندها عن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لما قالت ما قالت.
وخرج أبو داود من رواية سعيد بن عبد العزيز، عن مولى ليزيد بن نمران، عن يزيد بن نمران، قال، رأيت رجلا بتبوك مقعدا، فقال: مررت بين يدي النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وأنا على حمار وهو يصلي، فقال: ((اللهم اقطع أثره))، فما مشيت عليها بعد.
وفي رواية له: فقال: ((قطع صلاتنا قطع الله أثره)).
وفي إسناد جهالة.
فالقائلون: بأن الصلاة يقطعها الكلب والحمار والمرأة تعلقوا بظواهر هذه الأحاديث.
وأما من قال: لا يقطع الصلاة غير الكلب الأسود، كما قاله أحمد في ظاهر مذهبه، وإسحاق، فقالوا: المرأة والحمار قد تعارضت فيهما الأحاديث، فحديث عائشة دل على عدم قطع الصلاة بالمرأة، وحديث ابن عباس دل على أن الحمار لا يقطع الصلاة، وبقي الكلب الأسود لا معارض له فيؤخذ به.
وهذا هو جادة مذهب أحمد وأصحابه، وما قالوه في ذلك.
ولهم في ذلك مسلكان آخران:
أحدهما: أن حديث عائشة لا يعارض حديث أبي ذر؛ فإن حديث عائشة في وقوف المرأة بين يدي المصلي، وانه لا يبطل صلاته، وحديث أبي ذر في مرور المرأة، وأنه مبطل للصلاة، فيعمل بكلا الحديثين، فتبطل الصلاة بمرور هذه الثلاثة دون وقوفها في قبلة المصلي، وهو رواية عن أحمد.
وهذا يتوجه على إحدى الروايتين عن أحمد في إبطال الصلاة بمرور الثلاثة المذكورة في حديث أبي ذر، وقد رجحها بعض أصحابنا المتأخرين.
وقد تقدم قول عائشة: ((فأكره أن أسنحه)) – أي: أعترض بين يديه مارة، فدل على أن مرورها بين يديه مما يكره ويتقى، بخلاف نومها معترضة.
وروى الإمام أحمد: ثنا محمد بن جعفر: ثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كنت أكون بين يدي رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وهو يصلي، فإذا أردت أن أقوم كرهت أن أمر بين يديه، فأنسل انسلالا.
ويدل على أنه يفرق بين المرور والوقوف: أن المصلي مأمور بدفع المار ولو كان حيوانا، وقد وردت السنة بالصلاة إلى الحيوان البارك والمرأة النائمة، فدل على الفرق بين الأمرين.
وقد استدل الإمام أحمد بهذا على التفريق بين المرور والوقوف.
والثاني: أن يحمل حديث عائشة على صلاة النفل، فلا تقطعها المرأة، وحديث أبي ذر على الفريضة.
وهذا مسلك آخر لأصحابنا، وقد حكوا رواية عن أحمد بالفرق بين الفريضة والنافلة في قطع الصلاة بمرور هذه الثلاثة.
ومما استدل به أحمد على الفرق بين الفريضة والنافلة: أن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كان إذا أراد أو يوتر أيقظ عائشة، ولم يوتر وهي معترضة بين يديه.
وفي رواية خرجها أبو داود من حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عائشة، أن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كان إذا أراد أن يوتر قال لها: ((تنحي)).
وبهذه الرواية احتج أحمد في هذه المسألة.
وخرج الجوزجاني من رواية موسى بن أيوب الغافقي، أن عمه إياس بن عامر حدثه، أنه سمع علي بن أبي طالب يقول: كان رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إذا أراد أن يوتر أمرها – يعني: عائشة – أن تتنحى عنه، وقال: إنها صلاة ازددتموها.
قلت سيف: أعله البيهقي في الكبرى 2/ 276 … قال: وقال عروة عن عائشة فإذا أراد أن يوتر ايقظني واوترت وذلك أصح.
ورواية عروة عن عائشة: ايقظني واوترت في البخاري 512، ومسلم 512
لكن الإمام أحمد في رواية عنه يستدل بلفظة: تنحي.
فإذا فرق بين النفل المطلق والوتر في الصلاة إلى المرأة، فالفريضة أولى.
وقد سلك بعضهم مسلكا آخر، وهو نسخ القطع بالمرأة والحمار بحديث عائشة وابن عباس؛ لأن حَدِيْث ابن عَبَّاس كَانَ فِي حجة الوداع فِي آخر عُمَر النَّبِيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحديث عَائِشَة يدل بظاهره عَلَى استمرار النَّبِيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَلَى مَا أخبرت بِهِ عَنْهُ إلى آخر
عمره، ولو كان قد ترك ذلك في آخر عمره لما خفي عليها، وبقي الكلب الأسود لا ناسخ له.
وهذا المسلك فيه نظر، وقد أنكره الإمام أحمد في رواية حرب، وأنكره – أيضا – الشافعي في ((كتاب مختلف الحديث)).
وعلى هذا المسلك يتوجه القول بإبطال الصلاة بالكلب الأسود خاصة.
وأحمد كان شديد الورع في دعوى النسخ، فلا يطلقه إلا عن يقين وتحقيق؛ فلذلك عدل عن دعوى النسخ هنا إلى دعوى تعارض الأخبار، والأخذ بأصحها إسنادا، فأخذ بحديث عائشة في المرأة، وحديث ابن عباس في الحمار، فبقي الكلب الأسود من غير معارض.
وهذا إنما يتوجه على القول بالفرق بين الوقوف والمرور، كما هو إحدى الروايتين عن أحمد.
فأما على الرواية الثانية عنه بالتسوية بينهما، فلا تعارض بين حديث عائشة وحديث أبي ذر في المرأة، وإنما التعارض بين حديث ابن عباس في مرور الحمار وبين حديث أبي ذر، فمقتضى ذلك حينئذ أن تبطل الصلاة بمرور الكلب والمرأة دون الحمار، ولا يعرف هذا عن أحمد.
وعلى رواية التفريق بين الفرض والنفل، فلا تعارض بين حديث عائشة وأبي ذر في حق المرأة، وإن قلنا: إن الوقوف كالمرور، وأما أن فرقنا بينهما انتفى التعارض حينئذ من وجهين، وتبقى المعارضة بين حديث أبي ذر وحديث ابن عباس في مرور الحمار، فإن حديث ابن عباس في الفرض وحديث أبي ذر عام في الفرض والنفل، فيخرج من هذا أن يقال: حديث أبي ذر عام في الفرض والنفل في مرور الثلاثة، خص من عمومه النفل بمرور المرأة إن سوينا بينه وبين الوقوف، وإن فرقنا بينهما فالوقوف غير داخل في لفظ حديث أبي ذر ولا في معناه.
فأما الحمار فقد عارضه حديث ابن عباس، وهو في الفرض، وهو أصح من حديث أبي ذر، ولكن يلزم من العمل بحديث ابن عباس وترك حديث أبي ذر في الفرض إبطال حكم مرور الحمار جملة، وذلك نسخ.
ويخص – أيضا – من عموم حديث أبي ذر في الكلب النفل بالقياس على المرأة، فيقتضي هذا التقرير أن يقال: إن مرور الكلب والمرأة يبطل الصلاة المفروضة دون النافلة، ومرور الحمار لا يبطل شيئا.
وهذا – أيضا – قول غريب لا يعرف عن أحمد ولا غيره.
وإنما حكى القاضي أبو يعلى رواية عن أحمد أن هذه الثلاثة يبطل مرورها الفرض دون النفل.
وأخذه مما رواه بكر بن محمد وغيره، عن أحمد: يقطع الصلاة الكلب والمرأة والحمار، فذكر حديث عائشة، فقال: هو عندي في المار بين يدي المصلي، فإذا كانت بين يديه كان أسهل، وهذا في التطوع، فأما الفرض فهو آكد، أليس النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حين أراد أن يوتر قال: ((تنحي))؟
قال: هذا إنما يدل على تفريق أحمد بين الفرض والتطوع في استقبال المرأة في الصلاة دون مرورها، أما في المرور فلم يفرق، وإنما فرق في الصلاة إلى المرأة النائمة ونحوها بين الفرض والنفل، فجوزه في النفل وكرهه في الفرض، وفرق بين المرور والوقوف في إبطال الصلاة بالمرور دون الوقوف، فما يبطل الصلاة – وهو المرور – لم يفرق فيه بين فرض ونفل، إنما فرق بينهما فيما يكره في الصلاة، وهو الصلاة إلى المرأة، فكرهه في الفرض دون النفل، هذا هو الذي دل عليه كلام أحمد هذا.
والله اعلم.
وظاهر قول عائشة – رضي الله عنها -: ((عدلتمونا بالحمر والكلاب))، واستدلالها بصلاة النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إليها: يدل على أنها رأت المرور والوقوف سواء، وإلا فلو كان الحكم عندها مختصا بالمرور لم يكن لها في حديثها دليل.
ومتى قيل: إن حديث ابن عباس في مروره بالحمار بين يدي بعض الصف لم يكن مرورا بين يدي النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل كانت سترته محفوظة، فلا دليل في حديثه هذا على أن مرور الحمار لا يقطع الصلاة، وإن انضم إلى ذلك التفريق بين مرور المرأة ووقوفها وجلوسها ونومها لم يبق في حديثها دليل على أن المرأة لا يقطع مرورها، فيسلم حينئذ حديث أبي ذر وما أشبهه من معارض في الكلب والمرأة والحمار.
وأما جمهور أهل العلم الذين لم يروا قطع الصلاة وبطلانها بمرور شيء بين يدي المصلي، فاختلفت مسالكهم في هذه الأحاديث المروية في قطع الصلاة:
فمنهم: من تكلم فيها من جهة أسانيدها، وهذه تشبه طريقة البخاري؛ فإنه لم يخرج منها شيئا، وليس شيء منها على شرطه كما سبق بيانه.
ومنهم: من ادعى نسخها بحديث مرور الحمار وهو في حجة الوداع، وهي في آخر عمر النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإذا نسخ منها شيء دل على نسخ الباقي، وسلك هذا الطحاوي وغيره من الفقهاء.
وفيه ضعف، وقد أنكر الشافعي وأحمد دعوى النسخ في شيء من هذه الأحاديث؛ لعدم العلم بالتاريخ.
ومنهم من قال: حديث أبي ذر ونحوه قد عارضه ما هو أصح منه إسنادا، كحديث ابن عباس وعائشة، وقد أعضدهما أحاديث أخر تشهد لهما:
فروى شعبة، أن الحكم أخبره، قال: سمعت يحيى – هو: ابن الجزار – يحدث، عن صهيب، قال: سمعت ابن عباس يحدث، أنه مر بين يدي رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – هو وغلام من بني هاشم على حمار بين يدي رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وهو يصلي، فنزلوا ودخلوا معه، فصلوا فلم ينصرف، فجاءت جاريتان تسعيان من بني عبد المطلب، فأخذتا بركبتيه، ففرع بينهما ولم ينصرف.
خرجه الإمام أحمد والنسائي، وهذا لفظه، وقد سبق ذكر إسناده.
قلت سيف: هو في الصحيح المسند
قال الإمام أحمد: ليس هو بذاك لعل أحمد رأى أن صهيبا هذا مجهول وذكر ابن رجب شواهد وضعفها فتح الباري لابن رجب 2/ 611
وخرج النسائي – أيضا – من رواية ابن جريج: أخبرني محمد بن عمر بن علي، عن عباس بن عبيد الله بن عباس، عن الفضل بن عباس بن عبد المطلب، قال: زار رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عباسا في بادية لنا، ولنا كليبة وحمارة ترعى، فصلى النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – العصر وهما بين يديه، فلم يزجرا ولم يؤخرا.
وخرجه الإمام أحمد وأبو داود، ولفظه: أتانا رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ونحن في بادية لنا، ومعه عباس، فصلى في صحراء، ليس بين يديه سترة، وحمارة لنا وكليبة تعبثان – أو تعيثان – بين يديه، فما بالى ذاك.
ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وثقه الدارقطني وغيره.
وعباس بن عبيد الله بن عباس، روى عنه أيوب السختياني مع جلالته، انتقاده للرجال، حتى قال أحمد: لا تسأل عمن روى عنه أيوب.
وذكره ابن حبان في ((الثقات)).
وقد اختلف قول أحمد في هذا: فمرة، قال: حديث أبي ذر يخالفه، ولم يعتد به -: نقله عنه علي بن سعيد.
ومرة، عارض به حديث أبي ذر، وقدمه عليه -: نقله عنه الحسن بن ثواب.
لكن ليس في هذا الحديث أن الكلب كان أسود؛ فلذلك لم يرد به حديث أبي ذر في الكلب الأسود، ولم يجعله معارضا له.
قلت سيف: وجنح الألباني إلى تضعيفة في الضعيفة 5814. وكذلك محققو المسند 1797
وروى أسامة بن زيد، عن محمد بن قيس – قاص عمر بن عبد العزيز -، عن أبيه، عن أم سلمة، قالت: كان رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يصلي في حجرة أم سلمة، فمر بين يديه عبد الله – أو عمر بن أبي سلمة -، فقال بيده فرجع، فمرت زينب بنت أم سلمة، فقال بيده هكذا، فمضت، فلما صلى رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: ((هن أغلب)).
خرجه ابن ماجه.
وضعفه الألباني في الضعيفة 4743
وقد يفرق من يقول ببطلان الصلاة بمرور المرأة بين الجارية التي لم تبلغ وبين
البالغ، ويقول: إذا أطلقت المرأة لم يرد بها إلا البالغ، وزينب حينئذ كانت صغيرة، والصغيرة لا تسمى امرأة في الحال؛ ولهذا قَالَتْ عَائِشَة: إذا بلغت الجارية تسع سنين فَهِيَّ امرأة.
وفي دخول الصغيرة في مسمى النساء خلاف ذكره الماوردي وغيره من
المفسرين، فكذا ينبغي أن يكون في دخولها في مسمى المرأة.
وقد سلك الشافعي في ((كتاب مختلف الحديث)) هذا المسلك في ترجيح أحاديث الرخصة على أحاديث قطع الصلاة، وعضدها بظاهر القرآن، وهو قوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ} [الأنعام:164].
وسلك آخرون مسلكا آخر، وهو: أن الأحاديث إذا تعارضت نظر إلى ما عمل به الصحابة فيرجح، وقد عمل الصحابة بأن الصلاة لا يقطعها شيء، وقد روي ذلك عن الخلفاء الراشدين الأربعة وغيرهم.
وقد سلك هذا أبو داود في ((سننه))، وهو من أجل أصحاب الإمام أحمد.
وسلك آخرون مسلكا آخر، وهو: تأويل القطع المذكور في هذه الأحاديث، وانه ليس المراد به إبطال الصلاة وإلزام إعادتها، وإنما المراد به القطع عن إكمالها والخشوع فيها بالاشتغال بها، والالتفات إليها، وهذا هو الذي قاله الشافعي في رواية حرملة، ورجح هذا الخطابي والبيهقي وغيرهما من العلماء.
وقد تعرض عليه بأن المصلي قد يكون أعمى، وقد يكون ذلك ليلا بحيث لا يشعر به المار ولا من مر عليه، والحديث يعم هذه الأحوال كلها،
وأيضا؛ فقد يكون غير هذه الثلاثة أكثر إشغالا للمصلي كالفيل والزرافة والوحوش والخيل المسومة، ولا يقطع الصلاة مرور شيء من ذلك.
وأقرب من هذا التأويل: أن يقال: لما كان المصلي مشتغلا بمناجاة الله، وهو في غاية القرب منه والخلوة به، أمر المصلي بالاحتراز من دخول الشيطان في هذه الخلوة الخاصة، والقرب الخاص؛ ولذلك شرعت السترة في الصلاة خشية من دخول الشيطان، وكونه وليجة في هذه الحال فيقطع بذلك مواد الأنس والقرب؛ فإن الشيطان رجيم مطرود مبعد عن الحضرة الإلهية، فإذا تخلل في محل القرب الخاص للمصلي أوجب تخلله بعدا وقطعا لمواد الرحمة والقرب والأنس.
فلهذا المعنى – والله اعلم – خصت هذه الثلاث بالاحتراز منها، وهي: المرأة؛ فإن النساء حبائل الشيطان، وإذا خرجت المرأة من بيتها استشرفها الشيطان، وإنما توصل الشيطان إلى إبعاد آدم من دار القرب بالنساء.
والكلب الأسود: شيطان، كما نص عليه الحديث.
وكذلك الحمار؛ ولهذا يستعاذ بالله عند سماع صوته بالليل، لأنه يرى الشيطان؛ فلهذا أمر – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بالدنو من السترة خشية أن يقطع الشيطان عليه صلاته، وليس ذلك موجبا لإبطال الصلاة وإعادتها.
والله أعلم.
وإنما هو منقص لها، كما نص عليه الصحابة، كعمر وابن مسعود، كما سبق ذكره في مرور الرجل بين يدي المصلي، وقد أمر النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بدفعه وبمقاتلته، وقال: ((إنما هو شيطان)).
وفي رواية: ((أن معه القرين)).
لكن النقص الداخل بمرور هذه الحيوانات التي هي بالشيطان أخص أكثر وأكثر، فهذا هو المراد بالقطع، دون الإبطال والإلزام بالإعادة.
والله اعلم.
وقد ذكرنا فيما سبق حديث أبي داود في مرور الغلام بتبوك بين يدي النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنه قال: ((قطع علينا صلاتنا))، ودعا عليه، فهذا قطع لا يقتضي البطلان.
ويدل على ذلك – أيضا -: أن ابن عباس قد قال: يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب الأسود والحمار، كما سبق عنه.
وروي عنه إنكار بطلان الصلاة بذلك:
فروى الحسن العرني، قال: ذكر عند ابن عباس: يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة.
قال: بئسما عدلتم بامرأة مسلمة كلبا وحمارا، لقد رأيتني أقبلت على حمار ورسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يصلي بالناس، حتى إذا كنت قريبا منه نزلت عنه، وخليت عنه، ودخلت مع رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – في صلاته، فما أعاد صلاته ولا نهاني عما صنعت، ولقد كان رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يصلي بالناس، فجاءت وليدة تخلل الصفوف، حتى عاذت برسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فما أعاد رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – صلاته، ولا نهاها عما صنعت، ولقد كان رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يصلي في مسجد، فخرج جدي من بعض حجراته، فذهب يجتاز بين يديه، فمنعه رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال ابن عباس: أفلا تقولون: الجدي يقطع الصلاة؟
خرجه الإمام أحمد.
قلت سيف: قال ابن معين: الحسن العرني ليس به بأس صدوق إنما يقال إنه لم يسمع من ابن عباس تاريخه 3/ 104/3
وقال أحمد: الحسن العرني لم يسمع من ابن عباس شيئا العلل 31
وقال البخاري: لم يسمع الحسن العرني من ابن عباس التاريخ الأوسط 3/ 202
بينما محققو المسند ذكروا انه يشهد لاجزائه أحاديث في المسند 1891 و 2095 و 2653 … وليس فيها شواهد إلا حديث صهيب عن ابن عباس في مرور الجاريتين وسبق احتمال انه معل لجهالة صهيب.
ومراد ابن عباس، أنه ليس كل ما أمر بدفعه ومنعه من المرور تبطل الصلاة بمروره، ولا يقطعها بمعنى أنه يبطلها، وإن كان قد يسمى قطعا باعتبار أنه ينقصها.
وروى سفيان، عن سماك، عن عكرمة، قال: قيل لابن عباس: أيقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب؟ فقال: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، فما يقطع هذا، ولكن يكره.
خرجه البيهقي.
وقد أشار طائفة من السلف إلى أن الشيطان لا سبيل له إلى قطع قرب المصلي، ولا أن يحول بين المصلي وبين تقريب الله له، واختصاصه بما اختصه به.
قال ابن أبي شيبة: ثنا ابن نمير: ثنا حنظلة، عن القاسم، قال: لا يقطع الصلاة شيء، الله أقرب من كل شيء.
وقال الحكيم الترمذي في ((تفسيره)): ثنا مؤمل بن هشام اليشكري: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن عون، عن القاسم بن محمد، قال: لا يقطع الصلاة شيء؛ فإن الله دون كل شيء إلى العبد.
قال الحكيم: يعني: أدنى إليه من كل شيء، كما قال تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16].
وحينئذ فيتوجه أن يقال: أن المصلي وجد منه تفريط في حصول مرور الشيطان بين يديه، إما بصلاته في موضع تجتاز فيه المرأة والحمار والكلب من غير سترة، أو مر ذلك وفرط في دفعه ورده، فإنه ينقص أجر صلاته.
وربما يقال: أنه يستحب له إعادتها، كما أعاد ابن عمر صلاته من مرور جرو الكلب.
وكذلك الحكم الغفاري، أعاد من مرور حمار.
وإما إن لَمْ يحصل منه تفريط في ذلك بالكلية، فإنه لا ينقص صلاته، كمن صلى ومر بين يديه رجل فدفعه ولم يندفع، فإنه لا تبطل صلاته، بل ولا تنقص مع إخبار النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أن المار بين يديه شيطان.
وهو بمنزلة من صلى وهو يدافع وساوس الشيطان، فإنه لا يضره ذلك، ولا يكون به محدثا لنفسه في صلاته، وإنما يكون محدثا لنفسه إذا استرسل مع وساوسه وخواطره.
وقد ألحق طائفة من أصحابنا بمرور الكلب والمرأة والحمار: مرور الشيطان حقيقة، وقالوا: إن حكم مروره حكم مرور الكلب.
وقد صح عن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أنه قال: ((أن الشيطان تفلت علي البارحة؛ ليقطع علي صلاتي، فأمكنني الله منه)).
وقد خرجه البخاري فيما سبق في ((باب: ربط الأسير ونحوه في المسجد)).
والظاهر: أنه – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أراد بقطع صلاته ما ذكرناه.
وقد خرج البخاري حديث عائشة، قالت: سألت النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: ((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)).
وفي حديث أبي ذر، عن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لا يزال الله مقبلا على العبد وهو مقبل عليه في صلاته، ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه)).
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة في ((صحيحة)).
وفي حديث الحارث الأشعري، عن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات، أن يعمل بهن، وان يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن)) – فذكر الحديث – وفيه: ((وآمركم بالصلاة؛ فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده ما لم يلتفت، فإذا صليتم فلا تلتفتوا)).
خرجه الإمام أحمد والترمذي وصححه.
والالتفات – أيضا – مما يسرقه الشيطان من صلاة العبد، فتنقص به صلاته.
وقد روي: ((لا صلاة لملتفت))، وإنما أريد نفي كمالها وتمامها؛ فإنه يوجب إعراض الله من عبده في تلك الحال.
وكذلك تنخم المصلي أمامه في صلاته يوجب إعراض الله عن عبده المصلي له في حال تقريبه له وخلوته بمناجاته.
فالشيطان يحمل المصلي على هذا كله ليقطع عليه صلاته، بمعنى: أنه ينقص عليه كمالها وفوائدها وثمراتها من خشوعها وحضورها، وما يتنعم به المصلي وتقر به عينه من ذكر الله فيها، ومناجاته بتلاوة كتابه.
وكذلك ما يقذفه الشيطان في قلب المصلي من الوساوس ويذكره به حتى ينسيه كم صلى وقد أمر المصلي حينئذ بان يسجد سجدتين، فتكونا ترغيمتين للشيطان، ولا تبطل الصلاة، ولا تجب إعادتها بشيء من ذلك كله.
والله أعلم. انتهى كلام ابن رجب
تنبيه:
حديث لا يقطع الصلاة شئ نقلنا في تخريجنا لسنن أبي داود:
قال ابن ابي حاتم: وسمعت أبي يقول: حديث أبي ذر [يعني حديثه الذي أخرجه مسلم في “صحيحه” (510)] عن النبي (صلى الله عليه وسلم في): يقطع الصلاة: الكلب الأسود البهيم: أصح من حديث أبي سعيد: لا يقطع الصلاة شيء. العلل (204)
راجع تفاصيل حول التحرك في الصلاة في رياح النسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري 1205