1104 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-‘——-‘——-‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1104):
مسند محمد بن صفوان رضي الله عنه
1104 – قال أبو داود رحمه الله: حدثنا مسدد أن عبد الواحد بن زياد وحمادا حدثاهم المعنى واحد عن عاصم عن الشعبي عن محمد بن صفوان أو صفوان بن محمد قال: اصدت أرنبين فذبحتهما بمروة، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فأمرني بأكلهما.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
* وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم الأحول عن الشعبي عن محمد بن صفوان صلى الله عليه وسلم أنه صاد أرنبين فلم يجد حديدة يذبحهما بها فذبحهما بمروة فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمره بأكلهما.
قال أبو عبدالرحمن:
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
===================
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: شرح وفقه الحديث. وباقي الروايات:
جاء في شرح الحديث من عون المعبود لابى داود: ” (اصَّدْتُ) أَصْلُهُ اصْطَدْتُ قُلِبَتِ الطَّاءُ صَادًا وَأُدْغِمَتْ مِثْلَ اصَّبَرَ فِي اصْطَبَرَ وَالطَّاءُ بَدَلٌ مِنْ تَاءِ افْتَعَلَ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ.
(بِمَرْوَةَ) حَجَرٌ أَبْيَضُ بَرَّاقٌ وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي يُقْدَحُ مِنْهَا النَّارُ كَذَا في النهاية.
قال المنذري: وأخرجه النسائي وابن مَاجَهْ. وَقَدْ قِيلَ إِنَّ مُحَمَّدًا هَذَا وَمُحَمَّدَ بْنَ صَيْفِيَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَقِيلَ هُمَا اثْنَانِ وَهُوَ الْأَصَحُّ”. انتهى.
المروة: حجر أبيض برّاق. والمراد هنا: جنس الأحجار لا المروة نفسها قاله ابن الأثير
كأنه يقصد من حيث جواز التذكية
(4/ 323).و قال أبو عمر ابن عبدالبر: المروة فوق الحجر. وفي حديث مالك عن نافع فذكيتهما الحجر. وفي حكم الحجر كل ما قطع وفرى وأنهر الدم ما خلى السن والعظم.
وقال أيضًا: فَإِذَا جَازَتِ التَّذْكِيَةُ بِغَيْرِ الْحَدِيدِ جَازَتْ بِكُلِّ شَيْءٍ إِلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَى شَيْءٍ فَيَكُونُ مَخْصُوصًا
وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ
وَالسِّنُّ وَالظُّفُرُ الْمَنْهِيُّ عَنِ التَّذْكِيَةِ بِهِمَا عِنْدَهُمْ هُمَا غَيْرُ الْمَنْزُوعَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ خَنْقَا [الاستذكار]
بوب البخاري في صحيحه: باب مَا أَنْهَرَ الدَّمَ مِنْ الْقَصَبِ وَالْمَرْوَةِ وَالْحَدِيدِ.
قال الحافظ: قوله (باب ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد) أنهر أي أسال، والمروة حجر أبيض، وقيل هو الذي يقدح منه النار.
وأشار المصنف بذكرها إلى ما ورد في بعض طرق حديث رافع، فإن في رواية حبيب بن حبيب عن سعيد بن مسروق عند الطبراني ” أفنذبح بالقصب والمروة “؟ وفي رواية ليث بن أبي سليم عن عباية ” أنذبح بالمروة وشقة العصا “؟ ووقع ذكر الذبح بالمروة في حديث أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه من طريق الشعبي عن محمد بن صفوان.
وفي رواية عن محمد بن صيفي قال ” ذبحت أرنبين بمروة، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم بأكلهما ” وصححه ابن حبان والحاكم.
وأخرج الطبراني في ” الأوسط ” من حديث حذيفة رفعه ” اذبحوا بكل شيء فرى الأوداج ما خلا السن والظفر ” وفي سنده عبد الله بن خراش مختلف فيه، وله شاهد من حديث أبي أمامة نحوه، والأشهر في رواية غير من ذكر ” أفنذبح بالقصب “؟ وأما الحديد فمن قوله ” وليست معنا مدى ” فإن فيه إشارة إلى أن الذبح بالحديد كان مقررا عندهم جوازه، والمراد بالسؤال عن الذبح بالمروة جنس الأحجار لا خصوص المروة، ولذلك ذكر في الباب حديث كعب بن مالك وفيه التنصيص على الذبح بالحجر.
قال البخاري:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ سَمِعَ ابْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُخْبِرُ ابْنَ عُمَرَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَارِيَةً لَهُمْ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ فَأَبْصَرَتْ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا مَوْتًا فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا فَقَالَ لِأَهْلِهِ لَا تَاكُلُوا حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ أَوْ حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْهِ مَنْ يَسْأَلُهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَعَثَ إِلَيْهِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْلِهَا.
الوجه الثاني: المسائل الملحقة:
المسألة الأولى (1): “أحكامُ الحيواناتِ ما يجوز أكله، وما لا يجوز”. للشيخ إبراهيم المزروعي.
” الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
مقدمة:
فقد حث الإسلامُ على الأكلِ الحلالِ، وحذَّر مِن الأكلِ مِن الحرامِ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172].
فلما كان لإطابة المطعم أثرٌ كبيرٌ على الإنسان في سلوكه وحياة قلبه وقبول دعائه، بخلاف المطعم الخبيث الذي هو بضد ذلك، أَرَدْتُ الحديثَ عن أنواع الحيوانات المشهورة بين الناس، ما يحلُّ أكله منها وما يحرُم، لكي نكون على بصيرةٍ وعِلمٍ في هذا الجانب من الأطعمة.
وحتى نحيط بهذا الموضوع من جوانبه: سيكون الكلام فيه بذكر القواعد المستخلَصةِ مِن أقوال العلماءِ، والتي تُفيدُ في معرفة أحكام هذه الحيوانات، وبعد قراءتي لكتاب الأطعمة من (سُبل السلام)، وكتاب (الأطعمة) للدكتور صالح الفوزان، بالإضافة إلى الرجوع إلى بعض كتب الفقه وشروح كتب الحديث والتخريج وغيرها.
فهذه خمس عشرة قاعدة لمعرفة أحكام الحيوانات
القاعدة الأولى: للأكل من الطيبات آثارٌ على النفوس والأبدان، وللأكل من الخبائث المحرمات آثارٌ ضارةٌ بالأبدان والعقول والأخلاق، فالطيبات التي أباحها الإسلام هي المطاعم النافعة.
وللأكل الحلال وطِيب المطعم أثرٌ عظيم من صفاء القلب واستجابة الدعاء والعبادة، كما أن الأكل من الحرام يمنع قبولها.
قال الله تعالى عن اليهود: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة41:42]، أي: أكَّالون للحرام.
ومَن كانت هذه صفته كيف يطِّهرُ اللهُ قلبه، وأنَّى يستجيب لدعائه؟.
وقال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، … ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟).
القاعدة الثانية: الأصل في الحيوانات أنها مباحة الأكل إلى أن يدل دليل خاص أو عام على تحريمها، وهذا ما عليه جمهور العلماء.
وهو الراجح، لِما يلي:
أ- قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة:29] ولا يمتَنُّ عزَّ وجلَّ إلا بمباح.
ب- وقال تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَاكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119]، فالله عز وجلَّ وبَّخَهُم على ترك الأكل مما ذُكر اسم الله عليه، وهذا دليل على إباحته، ولو كان حراماً لم يوبخهم على تركه، فالأصل هو الإباحة، وكذلك: فإنه سبحانه فصَّل لهم ما حرَّم عليهم، فما لم يُبيِّن تحريمه ليس بمحرَّم.
ج- وفي الحديث المتفق عليه: (إِنَّ أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ جُرْمًا، مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ).
ووجه الدلالة: أن الأشياء لا تُحرَّم إلا بتحريم خاص، وإلا فالأصل أنها مباحة.
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: (فالأصلُ في جميع الأعيان الموجودة على اختلاف أصنافها وتباين أوصافها أن تكون حلالاً مطلقاً للآدميين، وأن تكون طاهرةً لا يحرم عليهم ملابستها ومباشرتها) [الفتاوى: (21/ 535)].
ومن أمثلة الحيوانات المباحة بناءً على هذه القاعدة ما يلي:
البط بأنواعه، والظبي بأنواعه، والطاووس والبطريق والببغاء والحمام بأنواعه، والنعام ومالِك الحزين والبلبل بأنواعه، واليربوع (يشبه الفأر لكنه طويل الرجلين، قصير اليدين جداً)، والزرافة والسنجاب (يشبه اليربوع) والكنغر، والقنفذ؛ لأنه مستطاب لا يتقوى بنابه كالأرنب، والسلحفاة والسحلية وهي مثل الضب، والفيل، وغيرها.
ومن الحيوانات ما جاء النص بإباحتها مثل:
1 – الخيل: يجوز أكله لحديث جابرٍ رضي الله عنه قال: (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ، وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الخَيْلِ).
ولحديث أسماء رضي الله عنها قالت: (نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ).
2 – بهيمة الأنعام: وهي الإبل بأنواعها، والبقر بأنواعها، والماعز بأنواعها، والضأنُ بأنواعها.
قال الله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة:1].
3 – الأرنب: يجوز أكلها لحديث أنس رضي الله عنه قال: (أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا وَنَحْنُ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَأَخَذْتُهَا فَجِئْتُ بِهَا إِلَى أَبِي طَلْحَةَ، ” فَذَبَحَهَا فَبَعَثَ بِوَرِكَيْهَا – أَوْ قَالَ: بِفَخِذَيْهَا – إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَهَا).
4 – الجراد والسمك بأنواعه حياً وميتاً: لحديث: (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ، وَدَمَانِ. فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ: فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ) [رواه أحمد برقم (5723)، وهو في صحيح الجامع برقم (210)].
5 – الحمار الوحشي: لما روى الشيخان عن أبي قتادة أنه رأى حماراً وحشياً في طريق مكة فقتله فأكل منه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم؛ لأنهم مُحرِمُون، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: (إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ).
6 – الدجاج بأنواعه: لما قال أبو موسى رضي الله عنه: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَاكُلُ دَجَاجًا). أخرجه البخاري 4385، ومسلم 1649.
7 – الضَّبُ: يجوز أكله لحديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: أحرامٌ هو؟ أي الضب، قال: (لاَ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ).
8 – الضبع: يجوز أكلها لحديث عبد الرحمن بن أبي عمَّار قال: (قُلْتُ لِجَابِرٍ: الضَّبُعُ صَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: آكُلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَقَالَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ) [رواه الترمذي برقم (1791)، وصححه الألباني في الإرواء برقم (2493)]،
والقول بالجواز: هو قول الشافعي، وأحمد، وغيرهما؛ لما ورد من أحاديث تدل على جوازها.
ومن الحيوانات ما ورد النص بتحريمه مثل:
1 – البغل: وهو المتولد بين الحمار والفرس، ولا يجوز أكله لحديث جابر رضي الله عنه قال فيه: (ذَبَحْنَا يَوْمَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ، وَالْبِغَالَ، وَالْحَمِيرَ، فَنَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ، وَلَمْ يَنْهَنَا عَنِ الْخَيْلِ) [رواه أحمد برقم (14840)، وأبو داود، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (3789)].
2 – الحمار الأنسي الأهلي: لا يجوز أكله لما سبق من حديث جابر.
3 – الخنزير: قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ} [المائدة:3].
القاعدة الثالثة: كلُّ طيبٍ من الحيوانات فهو حلالُ الأكلِ، وكل خبيثٍ فهو حرام.
دليل عام: قال الله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157].
ويُعرف طيب الحيوان وخبثه: بصفاته وأكله، ولا شك أن كل ما حرَّمه الله عز وجلَّ أو نصَّ على خُبثه فهو خبيث ضارٌ في البدن والدين.
لكن يبقى الإشكال في الأشياء التي لم يُنص على تحليلها ولا تحريمها أو خبثها: والصحيح أن التحليل يتبع الطِيب والمصلحة، والتحريم يتبع الخُبيث والمضرَّة في ذات الأشياء لا في اعتبار الناس؛ لأن الناس قد يتلذذون بما يضرهم من السموم والميتة وغير ذلك، وقد يكرهون من الطعام ما ينفعهم، فكل حيوانٍ أكلُهُ طيِّبٌ وليس في أكله مضرَّةٌ فهو حلال ما لم يرد نص بتحريمه، وكل حيوان أكلُهُ خبيثٌ وفيه مضرَّةٌ فهو حرام لأنه من الخبائث.
ومن أمثلة الحيوانات المستخبثة والضارة لمن أكلها:
1 – الدود الذي يتغذى على النجاسات، والأوساخ، وغيرها مما يضر البدن.
2 – الذباب، والبعوض، وغيرها؛ لأنه ثبت ضررها على جسم الآدمي.
3 – القرد: لا يجوز أكله لخبث لحمه، قال ابن عبد البر: (لا أعلمُ بين علماء المسلمين خلافاً أنَّ القرد لا يؤكل).
القاعدة الرابعة: لا صلة بين تحريم الحيوانات وبين ما يستخبثه العرب، فليس كل ما استخبثه العرب يكون حراماً.
قال ابن تيمية: (ولا المراد بالطيب التذاذ طائفة من الأمم كالعرب، ولا كون العرب تَعَوَّدَتْهُ، لا يُوجب أن يحرم الله على جميع المؤمنين ما لم تعتده طباع هؤلاء، كيف وقد كانت العرب قد اعتادت أكل الدم والميتة وغير ذلك، وقد حرَّمه الله تعالى، وفي الصحيحين: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قُدِّم إليه لحم ضب فرفع يده ولم يأكل فقيل: أحرامٌ هو؟ قال: (لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه) فعُلم أن كراهة قريش وغيرها لطعام من الأطعمة لا يكون موجِباً لتحريمه على المؤمنين، وأيضاً: فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يُحرِّم أحدٌ منهم ما كرهته العرب).
القاعدة الخامسة: كلُّ ذي نابٍ من السباع فهو محرم الأكل، وهو قول الجمهور ورواية عن مالك.
لما روى أبو ثعلبة الخشني: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ)، والناب هو السِّن التي يتقوَّى بها السبعُ ويعدو بها على الناس وعلى الحيوان فيصطاده.
والمعتبر في المحرَّم مِن السباع اشتماله على وصفين: كونه ذا نابٍ، وكونه يعدو بهذا الناب.
قال ابن القيم رحمه الله: (إنما حُرِّم ما اشتمل على الوصفين: أن يكون له نابٌ، وأن يكون من السباع العادِيَة بطبعها، كالأسد والذئب والنمر والفهد، وأما الضبع فإنما فيها أحد الوصفين، فليست من السباع العادية).
ومن الأمثلة للحيوانات ذوات الأنياب من السباع التي لا يجوز أكلها:
الأسد، والنمر، والفهد، والذئب، والكلب، وغيرها، وكذلك الثعلب، وابن آوى (يشبه الذئب والثعلب، له نابٌ ومستخبث، ويأكُلُ الجِيَف)، والدُّب، والقط، وغيرها.
القاعدة السادسة: كل ذي مخلبٍ من الطير فهو محرم الأكل، وهو قول الجمهور ماعدا مالك.
لحديث ابن عباس رضي الله عنه قال: (نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ).
والمخلب للطير: بمنزلة الظفر للإنسان، والمراد بذلك: إذا كان قوياً يعدو به على غيره ويصطاد بمخالبه.
ومن أمثلة ذلك: العقاب، والبازي، والصقر، والشاهين، والبومة، وغيرها.
القاعدة السابعة: كل ما أُمر بقتله من الحيوانات فإنه محرم أكله على القول الصحيح.
فكل شيءٍ أذِنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله بغير الذكاة الشرعية فهو محرم الأكل، إذ لو كان الانتفاع بأكله جائزاً لما أَذِنَ في إتلافه.
قال النووي: (ما أُمر بقتله من الحيوانات فأكله حرام)، وهذه قاعدة اجتهادية ليس عليها نصٌ، ولذلك اختلف فيها أهل العلم.
ومن أمثلة الحيوانات التي أُمرنا بقتلها ما يلي:
1 – في الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَمْسٌ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ: الفَارَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالحُدَيَّا، وَالغُرَابُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ)، والحُدَيَّا: طائر من الجوارح.
2 – بناتُ عِرس: نوع من الفأر، وهي من الفواسق.
3 – الحيةُ بجميع أنواعها: لحديث: (اقْتُلُوا الحَيَّاتِ).
قال ابن تيمية: (أكلُ الحيات والعقارب حرامٌ بإجماع المسلمين).
4 – الوزغُ: لحديث عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا).
القاعدة الثامنة: كل حيوان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله فإنه محرم أكله على الصحيح؛ لأنه لو كان حلالاً لما نُهي عن قتله.
قال الخطابي رحمه الله: (فكل منهي عن قتله من الحيوان فإنما لأحد أمرين: إما لحرمته في نفسه كالآدمي، وإما لتحريم لحمه كالصُّرَد والهدهد ونحوهما)، وهذه قاعدة اجتهادية أيضاً كالقاعدة السابقة.
ومن أمثلة الحيوانات التي نُهينا عن قتلها:
1 – النملة والنحلة والهدهد والصُّرَد: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ)، وذكرها. [رواه أحمد برقم (3066)، وهو في صحيح سنن أبي داود برقم (4387)] ..
2 – الضفدع: لحديث: (نَهَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الضِّفْدَعِ للدَوَاءِ). [رواه أحمد برقم (16069)، وأبو داود 5271 والنسائي وغيرهما، وهو في صحيح الجامع برقم (6971)]. وهو على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند
قال الخطابي: (في هذا دليلٌ على أن الضفدع محرَّم الأكل، فكل منهي عن قتله لتحريم لحمه).
القاعدة التاسعة: كل حيوان يعيش في البحر فهو حلال الأكل حياً أو ميتاً بنص القرآن.
قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة:96].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن البحر: (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ) [رواه أحمد برقم (8735)، وغيره، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2877)].
فالآية والحديث يدلان على حِل جميع ما يعيش في البحر بلا استثناء، إلا الضفدع، لما ورد سابقاً من النهي عن قتله ولو للتداوي.
وما يعيش في البحر نوعان:
(أ) ما يعيش في الماء وإذا خرج منه مات: كالسمك بأنواعه.
(ب) ما يعيش في الماء وفي البر أيضاً: كالتمساح والسرطان وغيرهما.
وكل ذلك مباح أكله إلا الضفدع: بسبب النهي عن قتله ولو للتداوي، وهو الراجح كما قال النووي في المجموع، وقال المالكية والراجح من مذهب الشافعية: بحِل جميع حيوان البحر بدون استثناء، أما الحنابلة: فقد استثنوا الضفدع والتمساح والحية.
ومن أمثلة الحيوانات التي تعيش في الماء أو في الماء والبر ويحل أكلها على الصحيح: التمساح والسرطان والسلحفاة، وجميع أنواع السمك، وكلب الماء وغيرها.
القاعدة العاشرة: يجوز أكل جميع طيور الماء بشرط التذكية؛ لأنها تعيش في البر والبحر.
قال ابن قدامة: (لا نعلم فيه خلافاً)، واستثنى العلماء طائر اللقلق؛ لأنه يأكل الثعابين والخبائث.
قال النووي في المجموع: (طير الماء كالبط والأوز ونحوهما حلال، ولا يحل ميتته بلا خلاف، بل تشترط ذكاته)، وكذلك اشترط الذكاة ابن قدامة في المغني.
القاعدة الحادية عشر: لا يجوز أكل كل حيوان أو طير يأكل الجيف والنجاسات إلى أن يطيب لحمه، بدليل نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلَّالة إلى أن يطيب لحمها. [سنن أبي داود (3785)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6855)]
ولأن مطعمه خبيث فيسري هذا الخبث في لحمه فيضر الإنسان إذا أكله، وكل ما يتغذى بالجيف والنجاسات ينبت لحمه من الحرام، فيكون خبيثاً داخلاً في عموم النهي عن الخبائث.
ومن أمثلة الحيوانات التي لا يجوز أكلها لأنها تأكل النجاسات:
1 – ابن آوى: وهو حيوان فيه شبهٌ من الذئب ومن الثعلب، وله نابٌ، وهو مستخبث غير مستطاب ويأكل الجيف.
2 – الجُعل: وهو دويبة أكبر من الخنفساء، تألف مواضع الروث وتدحرجه إلى جحرها، ومِن العجيب أنه يموت من ريح الورد!
3 – الحِرباء: حيوان له سنام ولسان يطول، يتغذى على الحشرات وغيرها.
4 – الخنفساء: حشرة تتغذى على القاذورات وغيرها.
5 – الجَلَّالة: من الطيور ودواب البيوت التي تأكل من العذرة والنجاسات والزبالات (لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا) [رواه أبو داود برقم (3785)، وهو عند الترمذي وغيره، وفي صحيح الجامع برقم (6855)]، وفي رواية: (نهى عن الجلالة أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا، أَوْ يُشْرَبَ مِنْ أَلْبَانِهَا) [أبو داود برقم (3787)، والحاكم، وهو في صحيح الجامع برقم (6875)].
وجمهور العلماء على أن الجلَّالة هي التي غالب أكلها من النجاسات: فإنه يتغير لحمها، فإذا حُبست فترة يغلب الظن عليها ذهاب أثر النجاسة فإنها تؤكل بعد ذلك على الراجح.
القاعدة الثانية عشر: كل الحشرات محرم أكلها إلا ما استثني بالنص؛ لأنها مستخبثة وتتغذى على الأوساخ والنجاسات والقاذورات غالباً.
ويُستثنى منها: الجراد بالنصِّ، وما لا يتغذى على النجاسات والقاذورات.
قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: (وهذه خبائث لا يكاد طبع سليم يستسيغها فضلاً عن أن يستطيبها).
ومن أمثلة هذه الحشرات التي لا يجوز أكلها:
الذباب والبعوض، والصراصير والدود، والبرغوث والخنفساء وغيرها.
القاعدة الثالثة عشر: ما تولَّدَ مِن الحيوانات بين مأكولٍ وغير مأكول فهو حرام الأكل.
وذلك كالبغل المتولد بين الحمار الإنسي والخيل، وكذلك: السمعُ المتولد بين الذئب والضبع.
القاعدة الرابعة عشر: أسباب تحريم بعض الحيوانات كما قال ابن تيمية رحمه الله.
1 – إما القوة السبعية التي تكون في نفس الحيوان، فأكلها يورث أخلاقها في الناس.
2 – وإما خُبثُ مطعمها كمن يأكل الجيف من الطير وغيره.
3 – أو لأنها في نفسها مستخبثة كالحشرات.
القاعدة الخامسة عشر: يجوز أكل الحيوانات
المحرمة في حال الاضطرار عند الخوف من الهلاك، فيأكل منها بقدر ما يأمن معه من الموت، ولا يزيد على ذلك.
قال ابن تيمية: (وإباحتها للمضطر؛ لأن مصلحة بقاء النفس مقدمة على دفع هذه المفسدة).
هذا معظم ما يتعلق بالقواعد المتعلقة بأحكام الحيوانات، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين “. [أحكامُ الحيواناتِ ما يجوز أكله، وما لا يجوز. للشيخ إبراهيم المزروعي. شبكة بينونة، بتصرف يسير: ولم أحل للأحاديث التي في الصحيحين.]
المسألة الثانية (2): ما ورد من الأحاديث في الباب
قال البخاري في صحيحه:
32 – باب الأرنب.
5535 – حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا وَنَحْنُ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغِبُوا فَأَخَذْتُهَا فَجِئْتُ بِهَا إِلَى أَبِي طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا فَبَعَثَ بِوَرِكَيْهَا، أَوْ قَالَ بِفَخِذَيْهَا – إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَبِلَهَا. وبوب عليه أيضًا: باب قَبُولِ هَدِيَّةِ الصَّيْدِ.
وقال مسلم في صحيحه:
53 – (1953) حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك قال: مررنا فاستنفجنا أرنبا بمر الظهران فسعوا عليه فلغبوا قال فسعيت حتى أدركتها فأتيت بها أبا طلحة فذبحها فبعث بوركها وفخذيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 9/ 661:
(قوله باب الأرنب)
هو دويبة معروفة تشبه العناق لكن في رجليها طول بخلاف يديها والأرنب اسم جنس للذكر والأنثى ويقال للذكر أيضا الخزز وزن عمر بمعجمات وللانثى عكرشة وللصغير خرنق بكسر المعجمة وسكون الراء وفتح النون بعدها قاف هذا هو المشهور وقال الجاحظ لا يقال ارنب الا للانثى ويقال أن الأرنب شديدة الجبن كثيرة الشبق وإنها تكون سنة ذكرا وسنة أنثى وإنها تحيض وسأذكر من خرجه ويقال أنها تنام مفتوحة العين.
5215 – قوله: انفجنا بفاء مفتوحة وجيم ساكنة أي اثرنا وفي رواية مسلم استنفجنا وهو استفعال منه يقال: نفج الأرنب إذا ثار وعدا وانتفج كذلك وانفجته إذا أثرته من موضعه ويقال أن الانتفاج الإقشعرار فكأن المعنى جعلناها بطلبنا لها تنتفج والانتفاج أيضا ارتفاع الشعر وانتفاشه ووقع في شرح مسلم للمازري بعجنا بموحدة وعين مفتوحة وفسره بالشق من بعج بطنه إذا شقه وتعقبه عياض بأنه تصحيف وبأنه لا يصح معناه من سياق الخبر لأن فيه إنهم سعوا في طلبها بعد ذلك فلو كانوا شقوا بطنها كيف كانوا يحتاجون إلى السعي خلفها.
قوله: بمر الظهران مر بفتح الميم وتشديد الراء والظهران بفتح المعجمة بلفظ تثنية الظهر اسم موضع على مرحلة من مكة وقد يسمى بإحدى الكلمتين تخفيفا وهو المكان الذي تسميه عوام المصريين بطن مرو والصواب مر بتشديد الراء قوله فسعى القوم فلغبوا بمعجمة وموحدة أي: تعبوا وزنه ومعناه ووقع بلفظ: تعبوا، في رواية الكشميهني، وتقدم في الهبة بيان ما وقع للداودي فيه من غلط قوله فأخذتها زاد في الهبة فأدركتها فأخذتها، ولمسلم: فسعيت حتى أدركتها، ولأبي داود من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن زيد: وكنت غلاما حزورا – وهو بفتح المهملة والزاي والواو المشددة بعدها راء، ويجوز سكون الزاي وتخفيف الواو – وهو المراهق.
قوله: إلى أبي طلحة، وهو زوج أمه.
قوله: فذبحها، زاد في رواية الطيالسي: بمروة، وزاد في رواية حماد المذكورة فشويتها قوله: فبعث بوركيها أو قال: بفخذيها – هو شك من الراوي – وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الهبة ووقع في رواية حماد بعجزها.
قوله: فقبلها، أي الهدية، وتقدم في الهبة من هذا الوجه قلت: وأكل منه؟ قال: وأكل منه، ثم قال: فقبله.
وللترمذي من طريق أبي داود الطيالسي فيه فأكله قلت: أكله قال قبله وهذا الترديد لهشام بن زيد وقف جده أنسا على قوله أكله فكأنه توقف في الجزم به وجزم بالقبول. وقد أخرج الدارقطني من حديث عائشة: أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرنب وأنا نائمة فخبأ لي منها العجز فلما قمت أطعمني.
وهذا لو صح لأشعر بأنه أكل منها لكن سنده ضعيف ووقع في “الهداية” للحنفية أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من الأرنب حين أهدى إليه مشويا وأمر أصحابه بالأكل منه وكأنه تلقاه من حديثين فأوله من حديث الباب وقد ظهر ما فيه والآخر من حديث أخرجه النسائي من طريق موسى بن طلحة عن أبي هريرة جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها فوضعها بين يديه فأمسك وأمر أصحابه أن يأكلوا.
ورجاله ثقات الا أنه اختلف فيه على موسى بن طلحة اختلافا كثيرا، وفي الحديث جواز أكل الأرنب وهو قول العلماء كافة الا ما جاء في كراهتها عن عبد الله بن عمر (كذا، ولعلها عمرو) من الصحابة وعن عكرمة من التابعين وعن محمد بن أبي ليلى من الفقهاء واحتج بحديث خزيمة بن جزء قلت: يا رسول الله، ما تقول في الأرنب؟ قال: لا آكله ولا أحرمه. قلت: فإني أكل ما لا تحرمه ولم يا رسول الله؟ قال: نبئت أنها تدمى. وسنده ضعيف، ولو صح لم يكن فيه دلالة على الكراهة كما سيأتي تقريره في الباب الذي بعده، وله شاهد عن عبد الله بن عمرو بلفظ: جيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأكلها ولم ينه عنها زعم أنها تحيض أخرجه أبو داود، وله شاهد عن عمر عند إسحاق بن راهويه في مسنده وحكى الرافعي عن أبي حنيفة أنه حرمها وغلطه النووي في النقل عن أبي حنيفة … إلخ.
قلت سيف: حديث عبد الله بن عمرو قال الألباني ضعيف الإسناد يعني بسبب خالد بن الحويرث قال ابن معين لا أعرفه. ومحمد بن خالد ابنه مستور وضعف الحديث شعيب الأرنؤوط في تحقيق سنن أبي داود
المسألة الثالثة (3): حكم أكل الأرنب؟ وأما حكم أكل الأرنب فقد قال النووي: وَأَكْل الْأَرْنَب حَلَال عِنْد مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَالْعُلَمَاء كَافَّة , إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ وَابْن أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمَا كَرِهَاهَا.
دَلِيل الْجُمْهُور هَذَا الْحَدِيث مَعَ أَحَادِيث مِثْله , وَلَمْ يَثْبُت فِي النَّهْي عَنْهَا شَيْء. اهـ
وحكى الرافعي عن أبي حنيفة أنه حرمها، وغلطه النووي في النقل عن أبي حنيفة.
[فتح المنعم].
فعامة أهل العلم على أنها مباحة، ويذكر عن بعض طوائف المبتدعة مما يشابهون فيه اليهود أنهم يقولون بتحريم أكل الأرنب، واليهود يقولون بتحريمه، وهذه من الأوجه الكثيرة التي يشابهون فيها اليهود.
وفي رحلة ابن بطوطة لما قدم إلى بعض بلدان المشرق لاحظوا عليه أنه لا يقبض يديه في الصلاة، فاتهموه بالتشيع؛ لأن الشيعة لا يقبضون، فامتحنوه بالأرنب، قدموا له أرنب فأكل، فاستغربوا يأكل الأرنب فسألوه، فذكر أن الإرسال معروف عند المالكية، يعني لا يلزم من كونه يرسل أن يكون من الشيعة، فامتحنوه بالأرنب لأنهم لا يأكلونها، وعامة أهل العلم بل إجماع واقع على حل أكله، منهم من كره، أطلق القول بكراهتها، ولعلهم استندوا في ذلك إلى ما ذكر عن ابن عمر أنها تحيض، ولكن هذا ولو ثبت أنها تحيض لا يقتضي المنع من أكلها؛ لأن الدليل الصحيح الصريح جاء به، بالحل. [شرح: بلوغ المرام – كتاب الأطعمة]
وجاء في الموسوعة الفقهية 5/ 134:” الأرنب حلال أكلها عند الجمهور، وقد صح عن أنس أنه قال: … وذكروا الحديث المتقدم … ، وعن محمد بن صفوان (أو صفوان بن محمد) أنه قال: (صدت أرنبين فذبحتهما بمروة , فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني بأكلهما)، ثم إنها من الحيوان المستطاب , وليست ذات ناب تفترس به , ولم يرد نص بتحريمها , .. وقد أكلها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ورخص فيها أبو سعيد الخدري وعطاء وابن المسيب والليث وأبو ثور وابن المنذر “. أهـ
المسألة الرابعة (4): شروط الصيد المباح:
أولا: الأصل في صيد البر الإباحة إلا لمن أحرم بالحج أو العمرة، أو كان في حدود الحرم، ولو لم يكن مُحرِما.
وأما صيد السمك وغيره من صيد البحر، فمباح للمحرِم وغيره.
فمن اصطاد الحيوانات المباحة، للانتفاع بها بالتكسب ببيعها، أو أكلها، أو هبتها ونحو ذلك: فلا حرج عليه باتفاق العلماء.
ثانيا: شروط الصيد في البر تتعلق بكل من (الصائد والمصيد والآلة)، ونحن نذكر مختصرا في بيان ذلك:
فمما يشترط للصائد لصحة الصيد ما يلي:
– أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً، مُمَيِّزًا، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ)؛
وَذَلِكَ لأِنَّ الصَّبِيَّ غَيْرَ الْعَاقِل لَيْسَ أَهْلاً لِلتَّذْكِيَةِ عِنْدَهُمْ، فَلاَ يَكُونُ أَهْلاً لِلاِصْطِيَادِ، وَلأِنَّ الصَّيْدَ يَحْتَاجُ إِلَى الْقَصْدِ وَالتَّسْمِيَةِ، وَهُمَا لاَ يَصِحَّانِ مِمَّنْ لاَ يَعْقِل، كَمَا عَلَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
– أَنْ يَكُونَ حَلاَلاً، فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَمْ يُؤْكَل مَا صَادَهُ، بَل يَكُونُ مَيْتَةً.
– أَنْ يَكُونَ ممن تحل ذبيحته، بأن يكون مسلماً أو كتابياً، فلا يحل صيد المشرك والمجوسي والشيوعي الملحد والمرتد ونحو ذلك.
– يُشْتَرَطُ فِي الصَّائِدِ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ الارْسَال أَوِ الرَّمْيِ، وَذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
– يُشْتَرَطُ فِي الصَّائِدِ أَنْ يَقْصِدَ بِإِرْسَالِهِ صَيْدَ مَا يُبَاحُ صَيْدُهُ، فَلَوْ أَرْسَل سَهْمًا أَوْ جَارِحَةً عَلَى حَيَوَانٍ مُسْتَانَسٍ، أَوْ حَجَرٍ فَأَصَابَتْ صَيْدًا لَمْ يَحِل.
ثانيا: ما يشترط في المصيد:
– يُشْتَرَطُ فِي الْمَصِيدِ أَنْ يَكُونَ حَيَوَانًا مَاكُول اللَّحْمِ أَيْ جَائِزَ الاكْل، وَهَذَا عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ إِذَا كَانَ الصَّيْدُ لأِجْل الاكْل.
أَمَّا مُطْلَقُ الصَّيْدِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الصَّيْدُ مَاكُول اللَّحْمِ، بَل يَجُوزُ عِنْدَهُمْ صَيْدُ مَا يُؤْكَل لَحْمُهُ وَمَا لاَ يُؤْكَل لَحْمُهُ لِمَنْفَعَةِ جِلْدِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ رِيشِهِ، أَوْ لِدَفْعِ شَرِّهِ.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَلاَ يُجِيزُونَ صَيْدَ أَوْ ذَكَاةَ غَيْرِ مَاكُول اللَّحْمِ.
– أَنْ يَكُونَ الْمَصِيدُ حَيَوَانًا مُتَوَحِّشًا مُمْتَنِعًا عَنِ الادَمِيِّ بِقَوَائِمِهِ أَوْ بِجَنَاحَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّوَحُّشِ – التَّوَحُّشُ بِأَصْل الْخِلْقَةِ وَالطَّبِيعَةِ، أَيْ: لاَ يُمْكِنُ أَخْذُهُ إِلاَّ بِحِيلَةٍ.
أما الحيوانات الأهلية التي لها أصحاب فلا يجوز صيدها.
– أَنْ لاَ يَكُونَ صَيْدَ الْحَرَمِ: فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ فِي الْحَرَمِ صَيْدُ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ – أَيْ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَتَنَاسُلُهُ فِي الْبَرِّ – سَوَاءٌ أَكَانَ مَاكُول اللَّحْمِ أَمْ غَيْرَ مَاكُول اللَّحْمِ.
– أَنْ لاَ يَغِيبَ عَنِ الصَّائِدِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَهُوَ قَاعِدٌ عَنْ طَلَبِهِ، فَإِنْ تَوَارَى الصَّيْدُ عَنْهُ، وَقَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ لَمْ يُؤْكَل، أَمَّا إِذَا لَمْ يَتَوَارَ، أَوْ تَوَارَى وَلَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ أُكِل، وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْجُمْلَةِ.
– إِذَا رَمَى صَيْدًا فَأَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا، وَبَقِيَ الصَّيْدُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً يَحْرُمُ الْعُضْوُ الْمُبَانُ بِلاَ خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ) رواه أبو داود (2858) وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود”.
قلت سيف: رجح الدارقطني وأبو زرعة الإرسال ورجح البخاري أن الحديث محفوظ وجعلناه احتمالا على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند.
أَمَّا الْمَقْطُوعُ مِنْهُ، وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْحَيُّ، فَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ ذَكَاةٍ، وَإِلاَّ يَحْرُمُ – أَيْضًا – بِاتِّفَاقٍ.
أَمَّا الْمَصِيدُ الْبَحْرِيُّ فَلاَ تُشْتَرَطُ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ.
وَيَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الاصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) صَيْدُ وَأَكْل جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ سَمَكًا أَمْ غَيْرَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (أُحِل لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ) أَيْ مَصِيدُهُ.
فجميع حيوانات البحر التي لا تعيش إلى في الماء حلال، حيها وميتها.
ثالثا: شروط آلة الصيد:
آلَةُ الصَّيْدِ نَوْعَانِ: أَدَاةٌ جَامِدَةٌ، أَوْ حَيَوَانٌ.
أَوَّلاً – الادَاةُ الْجَامِدَةُ:
– يشترط أَنْ تَكُونَ الالَةُ مُحَدَّدَةً تَجْرَحُ وَتُؤَثِّرُ فِي اللَّحْمِ بِالْقَطْعِ أَوِ الْخَزْقِ، وَإِلاَّ لاَ يَحِل بِغَيْرِ الذَّبْحِ.
وَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مِنَ الْحَدِيدِ، فَيَصِحُّ الاِصْطِيَادُ بِكُل آلَةٍ حَادَّةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَدِيدَةً، أَمْ خَشَبَةً حَادَّةً، أَمْ حِجَارَةً مُرَقَّقَةَ الرَّاسِ، أَمْ نَحْوَهَا تَنْفُذُ دَاخِل الْجِسْمِ.
– ويشترط أَنْ تُصِيبَ الصَّيْدَ بِحَدِّهَا فَتَجْرَحَهُ، وَيُتَيَقَّنَ كَوْنُ الْمَوْتِ بِالْجُرْحِ، وَإِلاَّ لاَ يَحِل أَكْلُهُ؛ لأِنَّ مَا يُقْتَل بِعَرْضِ الالَةِ أَوْ بِثِقَلِهِ يُعْتَبَرُ مَوْقُوذَةً لا تحل.
– يحل الصيد بالبندقية، فإذا رميت بالبندقية صيوداً من طيور أو غيرها كالأرانب والظباء وسميت الله على ذلك حين إطلاق السهم فإنها تكون حلالا، ولو وجدتها ميتة.
– ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الاِصْطِيَادِ بِالسَّهْمِ الْمَسْمُومِ إِذَا تَيَقَّنَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ السُّمَّ أَعَانَ عَلَى قَتْل الصَّيْدِ أَوِ احْتُمِل ذَلِكَ، لأِنَّهُ اجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُبِيحٌ وَمُحَرَّمٌ، فَغَلَبَ الْمُحَرَّمُ، كَمَا لَوِ اجْتَمَعَ سَهْمُ مَجُوسِيٍّ وَمُسْلِمٍ فِي قَتْل الْحَيَوَانِ. فَإِنْ لَمْ يُحْتَمَل ذَلِكَ فَلاَ يَحْرُمُ.
ثانيا: الحيوان:
يَجُوزُ الاِصْطِيَادُ بِالْحَيَوَانِ الْمُعَلَّمِ وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِالْجَوَارِحِ، مِنَ الْكِلاَبِ وَالسِّبَاعِ وَالطُّيُورِ مِمَّا لَهُ نَابٌ أَوْ مِخْلَبٌ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ وَالْفَهْدُ وَالنَّمِرُ وَالاسَدُ وَالْبَازِي وَسَائِرُ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ، كَالشَّاهِينِ وَالْبَاشِقِ وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهَا.
فَالْقَاعِدَةُ: أَنَّ كُل مَا يَقْبَل التَّعْلِيمَ وَعُلِّمَ يَجُوزُ الاِصْطِيَادُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ.
وَيُشْتَرَطُ فِي الْحَيَوَانِ الشُّرُوطُ التَّالِيَةُ:
– يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ) المائدة / 4.
– أَنْ يَجْرَحَ الْحَيَوَانُ الصَّيْدَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَمُقَابِل الاظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
فَلَوْ قَتَلَهُ الْجَارِحُ بِصَدْمٍ، أَوْ عَضٍّ بِلاَ جُرْحٍ لَمْ يُبَحْ، كَالْمِعْرَاضِ إِذَا قَتَل بِعَرْضِهِ أَوْ ثِقَلِهِ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَل الْكَلْبَ فَأَصَابَ الصَّيْدَ وَكَسَرَ عُنُقَهُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ، أَوْ جَثَمَ عَلَى صَدْرِهِ وَخَنَقَهُ.
– أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مُرْسَلاً مِنْ قِبَل مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ مَقْرُونًا بِالتَّسْمِيَةِ، فَلَوِ انْبَعَثَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، أَوِ انْفَلَتَ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ، أَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الارْسَال فَأَخَذَ صَيْدًا وَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَل، وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ.
– أَنْ لاَ يَشْتَغِل الْحَيَوَانُ بِعَمَلٍ آخَرَ بَعْدَ الارْسَال، وَذَلِكَ لِيَكُونَ الاِصْطِيَادُ مَنْسُوبًا لِلارْسَال، وَهَذَا الشَّرْطُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
– اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَكَ فِي الصَّيْدِ مَنْ يَحِل صَيْدُهُ كَمُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ مَعَ مَنْ لاَ يَحِل صَيْدُهُ، كَمَجُوسِيٍّ أَوْ وَثَنِيٍّ فَإِنَّ الصَّيْدَ حَرَامٌ لاَ يُؤْكَل؛ وَذَلِكَ عَمَلاً بِقَاعِدَةِ تَغْلِيبِ جَانِبِ الْحُرْمَةِ عَلَى جَانِبِ الْحِل.
وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ شَارَكَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا، كَأَنْ رَمَيَا صَيْدًا أَوْ أَرْسَلاَ عَلَيْهِ جَارِحًا يَحْرُمُ الصَّيْدُ، لأِنَّهُ اجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُبِيحٌ وَمُحَرِّمٌ، فَغَلَّبْنَا التَّحْرِيمَ. انظر: “الموسوعة الفقهية” (28/ 117 – 142). [شروط الصيد]
المسألة الخامسة (5): آداب ومكروهات الذبح
1) آداب الذبح:
للذبح آداب ينبغي للذابح التقيد بها، وهي:
1 – أن يحد الذابح شفرته؛ لحديث شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، واذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحَة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته».
2 – أن يُضجع الدابة لجنبها الأيسر، ويترك رجلها اليمنى تتحرك بعد الذبح؛ لتستريح بتحريكها؛ لحديث شداد بن أوس المتقدم قبل قليل. ولحديث أبي الخير أن رجلاً من الأنصار حدثه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أضجع أضحيته ليذبحها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للرجل: «أَعِنِّي على ضحيتي» فأعانه. وهو في الصحيح المسند 1485
3 – نحر الإبل قائمة معقولة ركبتها اليسرى. والنحر: الطعن بمحدد في اللَّبة، وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر؛ لقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] أي: (قياماً من ثلاث). ومر ابن عمر رضي الله عنهما على رجل قد أناخ بدنته؛ لينحرها، فقال: (ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
4 – ذبح سائر الحيوان غير الإبل: لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67]، ولحديث أنس رضي الله عنه «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذبح الكبشين اللذين ضحى بهما».
2) مكروهات الذبح:
1 – يكره الذبح بآلة كَالَّة- أي: غير قاطعة-؛ لأن ذلك تعذيب للحيوان؛ لحديث شداد بن أوس الماضي، وفيه: «وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته». ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أن تحد الشفار، وأن توارى عن البهائم».
2 – يكره كسر عنق الحيوان أو سلخه قبل زهوق روحه؛ لحديث شداد بن أوس رضي الله عنه: (وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)، ولقول عمر رضي الله عنه: (لا تعجلوا الأنفس أن تزهق).
3 – يكره حد السكين والحيوان يبصره؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق وفيه: (وأن توارى عن البهائم). [راجع أحكام الذبائح، وأحكام الصيد من كتاب الفقه الميسر]
قلت سيف: حديث ابن عمر (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحد الشفار وان توارى عن البهائم وقال: إذا ذبح أحدكم فليجهز)
رجح أبوحاتم أن الصحيح عن الزهري عن ابن عمر بلا سالم العلل 1617
بينما رجح الدارقطني في العلل 3025 الطريق الموصولة
فيحتمل على أن يصلح أن يكون على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند
المسألة السادسة (6): الفتاوى الواردة في الباب: 1) يسأل عن الأرنب -سماحة الشيخ- ولاسيما وأنه من أكلة الأعشاب، كما يقول؟ الجواب: “الجواب: الأرنب حلٌ بالإجماع، الأرنب من الحيوانات المباحة، من الصيد، بإجماع المسلمين، الأرنب، والظباء صيد، وهكذا الوعل صيد، مباح، وهكذا جميع الحيوانات التي بينها الرسول في بيان الحلال من الحيوانات: الإبل، البقر، الغنم، الظباء، الأرانب، الوبر، الضبع، كلها صيد. نعم، المحرم؛ كل ذي ناب من السباع، ما عدا الضبع، وكل ذي مخلب من الطير. نعم، كالنمر، والأسد، والفهد، والذئب، والكلب، والقط، والثعلب، هذه كلها محرم؛ لأنها ذات ناب. نعم، وهكذا ذات المخالب. “. [الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ: عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى].
2) حل أكل لحم الأرانب و لو حاضت؟
السؤال: من جمهورية مصر العربية، المحلة الكبرى، بعث إلينا الأخ السعيد أحمد سليمان وهدان برسالة ضمنها مجموعة من الأسئلة، يسأل في سؤاله الأول عن حكم أكل الأرانب؛ لأن الناس قالوا: إنها تحيض فلا يجوز أكلها؟
الجواب:
الأرنب حلٌ ولو حاضت، وقد ثبت عن النبي أنه أكلها، وأكلها الصحابة، فلا بأس بذلك، فالأرانب حلٌ مطلقاً ولو حاضت، ذكر بعض أهل العلم أنها تحيض، ولو حاضت، لا يضر ذلك.
[الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ: عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى].
فائدة: قال في (حياة الحيوان الكبرى): (الذي يحيض من الحيوان أربعة: المرأة والضبع والخفاش والأرنب.) اهـ
تنبيه: مضى كثير من المسائل في شرحنا على الصحيح المسند 1077 من حديث قرة أن رجلا قال يا رسول الله إني لاذبح الشاة وأنا ارحمها ……