1099 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-‘——-‘——-‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1099):
1099 – قال الإمام معمر بن راشد في الجامع كما في آخر مصنف عبدالرزاق: عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص الجشمي عن أبيه قال: رآني رسول الله صلى الله عليه و سلم علي أطمار فقال هل لك مال قلت نعم قال من أي المال قال من كل قد آتاني الله من الشاء والإبل.
قال فترى نعمة الله وكرامته عليك ثم قال له النبي صلى الله عليه و سلم هل تنتج إبلك وافية آذانها قال وهل تنتج إلا كذلك – ولم يكن أسلم يومئذ – قال فلعلك تأخذ موساك فتقطع أذن بعضها تقول هذه بحر وتشق أذن أخرى فتقول هذه صرم قال نعم قال فلا تفعل فإن كل مال آتاك الله لك حل وإن موسى الله أحد وساعد الله أشد قال فقال يا محمد أرأيت إن مررت برجل فلم يقرني ولم يضيفني ثم مر بي بعد ذلك أقريه أم أجزيه فقال النبي صلى الله عليه و سلم بل اقره.
هذا حديث صحيح.
* وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت أبا الأحوص يحدث عن أبيه قال صلى الله عليه وسلم أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا قشف الهيئة فقال هل لك مال قال قلت نعم قال من أي المال قال قلت من كل المال من الإبل والرقيق والخيل والغنم فقال إذا آتاك الله مالا فلير عليك ثم قال هل تنتج أبل قومك صحاحا آذانها فتعمد إلى موسى فتقطع آذانها فتقول هذه بحر وتشقها أو تشق جلودها وتقول هذه صرم وتحرمها عليك وعلى أهلك قال نعم قال فإن ما آتاك الله عز و جل لك وساعد الله أشد وموسى الله أحد وربما قال ساعد الله أشد من ساعدك وموسى الله أحد من موساك قال فقلت يا رسول الله أرأيت رجلا نزلت به فلم يكرمني ولم يقرني ثم نزل بي أجزيه بما صنع أم أقريه قال أقره.
* قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا سفيان بن عيينة مرتين قال حدثنا أبو الزعراء عمرو بن عمرو عن عمه أبي الأحوص عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصعد في النظر وصوب وقال أرب إبل أنت أو رب غنم قال من كل قد آتاني الله فأكثر وأطيب قال فتنتجها وافية أعينها وآذانها فتجدع هذه فتقول صرماء ثم تكلم سفيان بكلمة لم أفهمها وتقول بحيرة الله فساعد الله أشد وموساه أحد ولو شاء أن يأتيك بها صرماء أتاك قلت إلى ما تدعو قال إلى الله وإلى الرحم قلت يأتيني الرجل من بني عمي فأحلف أن لا أعطيه ثم أعطيه قال فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير أرأيت لو كان لك عبدان أحدهما يطيعك ولا يخونك ولا يكذبك والآخر يخونك ويكذبك قال قلت لا بل الذي لا يخونني ولا يكذبني ويصدقني الحديث أحب إلي قال كذاكم أنتم عند ربكم عز وجل.
هذا حديث صحيح
* قال أبو داود رحمه الله: حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحق عن أبي الأحوص عن أبيه قال
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب دون فقال ألك مال قال نعم قال من أي المال قال قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق قال فإذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته.
هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
* قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا أبو أحمد قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن أبيه مالك قال قلت صلى الله عليه وسلم يا رسول الله الرجل أمر به فلا يضيفني ولا يقريني فيمر بي فاجزيه قال لا بل اقره قال فرآني رث الهيئة فقال هل لك من مال فقلت قد أعطاني الله عز و جل من كل المال من الإبل والغنم قال فلير أثر نعمة الله عليك.
*وقال الإمام النسائي رحمه الله: أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان قال حدثنا أبو الزعراء عن عمه أبي الأحوص عن أبيه قال
قلت يا رسول الله أرأيت ابن عم لي أتيته أسأله فلا يعطيني ولا يصلني ثم يحتاج إلي فيأتيني فيسألني وقد حلفت أن لا أعطيه ولا أصله فأمرني أن آتي الذي هو خير وأكفر عن يميني.
هذا حديث صحيح.
===================
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في السند. (ترجمة الرواي، تخريجه).
أ – ترجمة الراوي ب – التخريج:
الوجه الثاني: شرح وفقه الحديث. وباقي الروايات:
أَطْمَارٌ أَيْ ثِيَابٌ بَالِيَةٌ.
القشف: يبس العيش. ورجل متقشف: أي تارك للنظافة والترفه.
تنتج: تلد
بحر جمع البحيرة: وهي التي تشق أذنها ويخلى سبيلها، ويمنع درها للطواغيت ولا يحلبها أحد من الناس
الصرم: مقطوعة الأذن
قال ابن القيم رحمه الله: عن أبي الأحوص الجشمي قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم وعليَّ أطمار، فقال: ((هل لك من مال؟)) قلت نعم. قال: ((من أي المال؟)) قلت: من كل ما آتى الله من الإبل والشاه. قال: ((فلتر نعمته وكرامته عليك)) رواه أحمد برقم 15323 والترمذي 1929 والنسائي 5128، فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده؛ فإنه من الجمال الذي يحبه؛ وذلك من شكره على نعمه وهو جمال باطن، فيحب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر عليها …
سيأتي تتمة كلامه، وشرح باقي الروايات في المسائل التالية إن شاء الله تعالى.
الوجه الثالث: ما يستفاد من الحديث:
1 – إن من الجمال الذي يحبه الله تعالى إظهار النعم.
2 – الأفضل من الناس الذي يقابل الناس بما يرضي الله تعالى، لا بما يقابلونه من المعصية وسوء الخلق.
3 – بوب الشيخ الوادعي على الحديث: الساعد لله. الجامع الصحيح (ج6/ص400).
4 – قال ابن القيم رحمه الله: وقوله في الحديث إن الله جميل يحب الجمال يتناول جمال الثياب المسؤول عنه في نفس الحديث.
5 – ويدخل فيه بطريق العموم الجمال من كل شيء. انتهى.
6 – ” أن حب الثوب الحسن والنعل الحسنة وتجمل الهيئة والصورة ليس من الكبر، ما لم يصحبه ترفع عن الحق وعن الناس “.فتح المنعم.
7 – إكرام الضيف وتحمل ما صدر منه.
—-
الوجه الرابع: المسائل الملحقة:
المسألة الأولى (1): أنواع الجمال
أخرج مسلم في صحيحه رقم 131 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ.
قال ابن القيم رحمه الله: وقوله في الحديث إن الله جميل يحب الجمال يتناول جمال الثياب المسؤول عنه في نفس الحديث. ويدخل فيه بطريق العموم الجمال من كل شيء، وفي صحيح مسلم برقم 1686: … ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا))، وفي سنن الترمذي ((إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده)) رواه الترمذي برقم 2963 وقال حسن صحيح، وعن أبي الأحوص الجشمي قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم وعليَّ أطمار …… فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده؛ فإنه من الجمال الذي يحبه؛ وذلك من شكره على نعمه وهو جمال باطن، فيحب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر عليها، ولمحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسا وزينة تجمل ظواهرهم وتقوى تجمل بواطنهم؛ فقال: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير} الأعراف 26، وقال في أهل الجنة: {ولقَّاهم نضرة وسرورا (11) وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا} (12) الإنسان، فجمل وجوههم بالنضرة وبواطنهم بالسرور وأبدانهم بالحرير، وهو سبحانه كما يحب الجمال في الأقوال والأفعال واللباس والهيأة يبغض القبيح من الأقوال والأفعال والثياب والهيأة فيبغض القبيح وأهله ويحب الجمال وأهله، ولكن ضلّ في هذا الموضوع فريقان: فريق قالوا: كل ما خلقه جميل فهو يحبّ كل ما خلقه ونحن نحب جميع ما خلقه فلا نبغض منه شيئا، قالوا: ومن رأى الكائنات منه رآها كلها جميلة .. ، وهؤلاء قد عدمت الغيرة لله من قلوبهم والبغض في الله والمعاداة فيه وإنكار المنكر والجهاد في سبيله وإقامة حدوده ويرى جمال الصور من الذكور والإناث من الجمال الذي يحبه الله فيتعبدون بفسقهم وربما غلا بعضهم حتى يزعم أن معبوده يظهر في تلك الصورة ويحل فيها.
وقابلهم الفريق الثاني، فقالوا: قد ذم الله سبحانه جمال الصور وتمام القامة والخلقة فقال عن المنافقين: {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم} المنافقون 4 وقال: {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا} مريم 74 أي أموالا ومناظر، وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ” صحيح مسلم رقم 4651 .. وفي الحديث: ” البذاذة من الإيمان ” رواه ابن ماجه 4108 وأبو داود 3630 وصححه الألباني رحمه الله
وفصل النزاع أن يقال الجمال في الصورة واللباس والهيأة ثلاثة أنواع: منه ما يحمد، ومنه ما يذم، ومنه مالا يتعلق به مدح ولا ذم. فالمحمود منه: ما كان لله وأعان على طاعة الله وتنفيذ أوامره والاستجابة له كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجمل للوفود وهو نظير لباس آلة الحرب للقتال ولباس الحرير في الحرب والخيلاء فيه، فإن ذلك محمود إذا تضمن إعلاء كلمة الله ونصر دينه وغيظ عدوه.
والمذموم منه: ما كان للدنيا والرياسة والفخر والخيلاء والتوسل إلى الشهوات وأن يكون هو غاية العبد وأقصى مطلبه فإن كثيرا من النفوس ليس لها همة في سوى ذلك، وأما مالا يحمد ولا يذم هو: ما خلا عن هذين القصدين وتجرد عن الوصفين.
والمقصود: أن هذا الحديث الشريف مشتمل على أصلين عظيمين: فأوله معرفة وآخره سلوك. فيُعرف الله سبحانه بالجمال الذي لا يماثله فيه شيء، ويعبد بالجمال الذي يحبه من الأقوال والأعمال والأخلاق. فيحب من عبده أن يجمل لسانه: بالصدق، وقلبه: بالإخلاص والمحبة والإنابة والتوكل، وجوارحه: بالطاعة وبدنه بإظهار نعمه عليه في لباسه وتطهيره له من الأنجاس والأحداث والأوساخ والشعور المكروهة والختان وتقليم الأظفار، فيعرفه بصفات بالجمال، ويتعرف إليه بالأفعال والأقوال والأخلاق الجميلة فيعرفه بالجمال الذي هو وصفه ويعبده بالجمال الذي هو شرعه ودينه فجمع الحديث قاعدتين المعرفة والسلوك.
الفوائد 1/ 185
المسألة الثانية (2): مشكل الحديث
قال الطحاوي رحمه الله في (مشكل الآثار):باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطابه لأبي الأحوص المختلف في اسمه فقائل يقول: إنه عوف بن مالك، وقائل يقول إنه مالك بن عوف، وذكر البخاري أنه عوف بن مالك بن نضلة، ولا يختلفون أنه من بني جشم
قال: أبو جعفر: فتأملنا هذا الحديث فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خاطب أبا الأحوص بما خاطبه به فيه من شقه جلود إبله، ومن قطعه إياها، ومن قوله عند ذلك ما كان يقول عنده، ومن تحريمه إياها كذلك، وذلك ما لا يكون من مسلم، وإنما يكون من مشرك. وقد حقق ذلك رواية:
( …. ولم يكن أسلم يومئذ، قال: «فلعلك تأخذ موساك فتقطع آذان بعضها فتقول: هذه بحر، وتشق آذان أخر وتقول: هذه صرم» قال: نعم، قال: «فلا تفعل؛ فإن ما آتاك الله عز وجل لك حل، وإن موسى الله عز وجل أحد، وساعد الله عز وجل أشد».
قال: فكان في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطب هذا الرجل بما خاطبه به، ولم يكن أسلم يومئذ، فكان معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم له: «إذا آتاك الله مالا فلير عليك» قد يحتمل أن يكون أراد بأن يرى عليه ليكون ذلك مما يعلم أولياء الله عز وجل المؤمنون به أن لا مقدار للدنيا عند الله، وأنها لو كانت عنده بخلاف ذلك لما أعطى منها مثل ذلك من يكفر به، وليعلموا أنها ليست بدار جزاء، وأنها لو كانت دار جزاء لكان من يؤمن به ويقر بتوحيده بذلك منه أولى، وبه عليه منه أحرى، وأن ما يجزيهم بتوحيدهم إياه وعبادتهم له؛ إنما يؤتيهم إياه في دار غير الدار التي هم فيها، وهي الآخرة.
ومن ذلك قوله عز وجل: {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة} (3)، أي: على دين واحد {لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة} إلى قوله {وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا، والآخرة عند ربك للمتقين} (4) قال: إن جزاءه للمتقين على تقواهم وعلى ما هم عليه له في الآخرة، وكان قوله صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل: «وإذا آتاك الله مالا فلير عليك» أي: ليكون يعلم به ما آتاه الله عز وجل مما قد منع مثله غيره ممن هو على مثل ما هو عليه، ومن سواه، فيكون ذلك سببا لشكره إياه بما يجده منه من دخوله في الدين الذي دعاه إليه، ومن تمسكه بما خلقه له؛ لأنه عز وجل قال: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (5) فإن فعل ذلك فقد أدى شكر النعمة التي أنعمها الله عليه، وكان محمودا عند الله على ذلك، وكان الله جل وعز حريا أن يزيده من تلك النعمة في الدنيا، ويدخر له الجزاء على ذلك في الآخرة، وإن قصر عن ذلك ولم يؤد إلى الله عز وجل ما يجب له عليه فيه، كان بذلك كافرا لنعمائه عليه، مستحقا به العقوبة منه مع كفره به عز وجل، واستحقاقه على ذلك العقوبة منه، فيكون الذي يستحقه بكفره نعمه عليه من عقوبته، مضافا إلى عقوبته إياه على كفره وشركه به، ويكون على ذلك أغلظ عقوبة، وأشد عذابا في الآخرة ممن سواه من الكفار، ممن لم يؤته الله عز وجل مثل تلك النعمة في الدنيا، فهذا أحسن ما قدرنا عليه من تأويل هذا الحديث، والله عز وجل أعلم بالحقيقة فيه ما هي، وإياه نسأله التوفيق.
__________
المسألة الثالثة (3): تفسير
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره لقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} (59)
ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: نزلت إنكارا على المشركين فيما كانوا يحرمون ويحلون من البحائر والسوائب والوصايا، كقوله تعالى: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا) [الأنعام: 136] الآيات.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمعت أبا الأحوص – وهو عوف بن [مالك بن] نضلة – يحدث عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قشف الهيئة، فقال: ” هل لك مال؟ ” …..
ثم رواه عن سفيان بن عيينة، عن أبي الزعراء عمرو بن عمرو، عن عمه أبي الأحوص وعن بهز بن أسد، عن حماد بن سلمة، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي الأحوص، به وهذا حديث جيد قوي الإسناد.
وقد أنكر [الله] تعالى على من حرم ما أحل الله، أو أحل ما حرم بمجرد الآراء والأهواء، التي لا مستند لها ولا دليل عليها.
{وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ} (60)
ثم توعدهم على ذلك يوم القيامة، فقال: (وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة) أي: ما ظنهم أن يصنع بهم يوم مرجعهم إلينا يوم القيامة.
وقوله: (إن الله لذو فضل على الناس) قال ابن جرير: في تركه معاجلتهم بالعقوبة في الدنيا.
قلت: ويحتمل أن يكون المراد: لذو فضل على الناس فيما أباح لهم مما خلقه من المنافع في الدنيا، ولم يحرم عليهم إلا ما هو ضار لهم في دنياهم أو دينهم.
(ولكن أكثرهم لا يشكرون) بل يحرمون ما أنعم الله [به] عليهم، ويضيقون على أنفسهم، فيجعلون بعضا حلالا وبعضا حراما. وهذا قد وقع فيه المشركون فيما شرعوه لأنفسهم، وأهل الكتاب فيما ابتدعوه في دينهم. وقال ابن أبي حاتم في تفسير هذه الآية: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن أبي الحواري، حدثنا رباح، حدثنا عبد الله بن سليمان، حدثنا موسى بن الصباح في قول الله عز وجل: (إن الله لذو فضل على الناس) قال: إذا كان يوم القيامة، يؤتى بأهل ولاية الله عز وجل، فيقومون بين يدي الله عز وجل ثلاثة أصناف قال: فيؤتى برجل من الصنف الأول فيقول: عبدي، لماذا عملت؟ فيقول: يا رب: خلقت الجنة وأشجارها وثمارها وأنهارها، وحورها ونعيمها، وما أعددت لأهل طاعتك فيها، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقا إليها. قال: فيقول الله تعالى: عبدي، إنما عملت للجنة، هذه الجنة فادخلها، ومن فضلي عليك أن أعتقتك من النار، [ومن فضلي عليك أن أدخلك جنتي] قال: فيدخل هو ومن معه الجنة.
قال: ثم يؤتى برجل من الصنف الثاني، قال: فيقول: عبدي، لماذا عملت؟ فيقول: يا رب، خلقت نارا وخلقت أغلالها وسعيرها وسمومها ويحمومها، وما أعددت لأعدائك وأهل معصيتك فيها فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري خوفا منها. فيقول: عبدي، إنما عملت ذلك خوفا من ناري، فإني قد أعتقتك من النار، ومن فضلي عليك أن أدخلك جنتي. فيدخل هو ومن معه الجنة.
ثم يؤتى برجل من الصنف الثالث، فيقول: عبدي، لماذا عملت؟ فيقول: رب حبا لك، وشوقا إليك، وعزتك لقد أسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقا إليك وحبا لك، فيقول تبارك وتعالى: عبدي، إنما عملت حبا لي وشوقا إلي، فيتجلى له الرب جل جلاله، ويقول: ها أنا ذا، انظر إلي ثم يقول: من فضلي عليك أن أعتقك من النار، وأبيحك جنتي، وأزيرك ملائكتي، وأسلم عليك بنفسي. فيدخل هو ومن معه الجنة “. انتهى.
وقال السعدي رحمه الله تعالى: يقول تعالى ـ منكرًا على المشركين، الذين ابتدعوا تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرمه ـ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ} يعني أنواع الحيوانات المحللة، التي جعلها الله رزقا لهم ورحمة في حقهم. {فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا} قل لهم ـ موبخا على هذا القول الفاسد ـ: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} ومن المعلوم أن الله لم يأذن لهم، فعلم أنهم مفترون. انتهى.
—-
المسألة (4): الآثار الإيمانية لاسم الله الجميل
إن التعبد باسمه الجميل يقتضي محبته والتأله له، وأن يبذل العبد له خالص المحبة وصفو الوداد، بحيث يسيح القلب في رياض معرفته, وميادين جماله، ويبتهج بما يحصل له من آثار جماله وكماله، فإن الله ذو الجلال والإكرام …
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله جميل يحب الجمال)).
فائدة مهمة: يشرع الدعاء للغير بالجمال، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم. عن عمرو بن أخطب رضي الله عنه قال: استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته بإناء فيه ماء وفيه شعرة، فرفعتها فناولته، فنظر إلي (رسول الله) صلى الله عليه وسلم، فقال: ((اللهم جمله)). قال: فرأيته وهو ابن ثلاث وتسعين، وما في رأسه ولحيته شعرة بيضاء.
وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح وجهه، ودعا له بالجمال. نسأل الله جل وعلا أن يجمل قلوبنا وألسنتنا وأعمالنا.
أن المؤمن عندما يدرك اتصافه تعالى بالجمال فإنه يحرص على معرفة ربه تعالى بهذا الجمال الذي بهر القلوب والعقول فكان كل جمال في الوجود من آثار صنعته، فما الظن بمن صدر عنه هذا الجمال؟
قال الإمام ابن القيم: من أعز أنواع المعرفة معرفة الرب سبحانه بالجمال وهي معرفة خواص الخلق، وكلهم عرفه بصفة من صفاته، وأتمهم معرفة من عرفه بكماله وجلاله، وجماله سبحانه ليس كمثله شيء في سائر صفاته، ولو فرضت الخلق كلهم على أجملهم صورة وكلهم على تلك الصورة، ونسبت جمالهم الظاهر والباطن إلى جمال الرب سبحانه لكان أقل من نسبة سراج ضعيف إلى قرص الشمس، ويكفي في جماله: (أنه لو كشف عن وجهه لأحرقت سبحاته ما انتهى إليه بصره من خلقه)، ويكفي في جماله أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة فمن آثار صنعته فما الظن بمن صدر عنه هذا الجمال، ويكفي في جماله أنه له العزة جميعاً، والقوة جميعاً، والجود كله والإحسان كله، والعلم كله، والفضل كله، والنور كله، وجهه أشرقت له الظلمات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الطائف: ((أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة)).
المسألة (5): فقه جمال الرب
قال ابن القيم رحمه الله قال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)} [ق: 6].
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُّحِبُّ الْجَمَالَ» أخرجه مسلم.
الله تبارك وتعالى هو الجميل الذي له الجمال المطلق في كل شيء.
وجماله سبحانه على أربع مراتب:
جمال الذات .. وجمال الأسماء .. وجمال الصفات .. وجمال الأفعال.
فأسماء الله عزَّ وجلَّ كلها حسنى، وصفاته كلها صفات كمال، وأفعاله كلها حكمة ومصلحة وعدل ورحمة.
أما جمال الرب تبارك وتعالى في ذاته، وما هو عليه من الحسن والجمال والكمال فأمر لا يدركه سواه، ولا يعلمه غيره.
ومن أعز أنواع المعرفة، معرفة الرب سبحانه بالجمال، وكل العباد عرفه سبحانه بصفة من صفاته، وأتمهم معرفة من عرفه بكماله وجلاله وجماله عزَّ وجلَّ.
ولو أن الخلق كلهم كانوا على أجملهم صورة، ثم كانوا كلهم على جمال تلك الصورة، ونسبت جمالهم الظاهر والباطن إلى جمال الرب سبحانه، لكان أقل من نسبة سراج ضعيف إلى قرص الشمس في رابعة النهار …….
ويكفي في جماله سبحانه أن له العزة جميعاً كما قال سبحانه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10].
وله القوة جميعاً كما قال سبحانه: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)} [البقرة: 165].
ويكفي في جماله سبحانه أن له الفضل كله، وله الجود كله، وله الإحسان كله، وله النعمة كلها، وله الملك كله، وله الخلق كله، وله الأمر كله.
وهو سبحانه الرحمن الرحيم، اللطيف الخبير، الكريم المنان، الكبير المتعال، العزيز الجبار، العليم الحكيم.
حجب سبحانه الذات بالصفات، وحجب الصفات بالأفعال.
فالعبد يترقى من معرفة الأفعال إلى معرفة الصفات، ومن معرفة الصفات إلى معرفة الذات، فإذا شاهد شيئاً من جمال الأفعال استدل به على جمال الصفات، ثم استدل بجمال الصفات على جمال الذات.
ومن هنا نعلم أن الله تبارك وتعالى له الحمد كله، وله الحب كله، وأن أحداً من خلقه لا يحصي ثناءً عليه، بل هو سبحانه كما أثنى على نفسه، فهو سبحانه الذي يستحق أن يعبد لذاته، وأن يحب لذاته، وأن يشكر لذاته، وأن يحمد لذاته: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)} [الحشر: 23].
{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} [الحشر: 24].
وهو سبحانه يحب نفسه، ويحمد نفسه، ويثني على نفسه، ويمجد نفسه.
فحمده لنفسه وثناؤه على نفسه، وتمجيده لنفسه كقوله سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} [الفاتحة: 2 – 4].
وقوله سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)} [سبأ: 1].
وحبه تبارك وتعالى لنفسه، وحمده لنفسه، وتوحيده لنفسه، هو في الحقيقة الحمد والثناء والتوحيد الكامل الذي يليق به سبحانه.
وهو سبحانه كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني به عليه خلقه.
وهو سبحانه كما يحب ذاته، يحب صفاته وأفعاله، فكل أفعاله حسن محبوب، وإن كان في مفعولاته ما يبغضه ويكرهه، فليس في أفعاله ما يكرهه ويسخطه، فأفعاله وصفاته كلها حسنى.
وليس في الوجود ما يحب لذاته، ويحمد لذاته إلا الله عزَّ وجلَّ.
وكل ما يحب سواه، فإن كان المحبوب لأجله، وتابع لمحبته، فمحبته صحيحة، وإلا فهي باطلة، ومن أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان.
وهذه حقيقة العبودية، وحقيقة الإلهية، فإن الإله الحق هو الذي يُّحب لذاته، ويُّحمد لذاته، ويُعبد لذاته، وصرف ذلك لغيره جهل: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَامُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)} [الزمر: 64].
فكيف إذا انضاف إلى ذلك إحسانه وإنعامه، وبره ورحمته، وحلمه وعفوه، ومغفرته وإكرامه؟.
فعلى العبد أن ينظر في الآيات الكونية، والمخلوقات الربانية، والآيات القرآنية ليعلم أنه لا إله إلا الله، فيحبه ويحمده لذاته وكماله: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)} [يونس: 101].
وهذا النظر، وهذا التفكر، وهذا التدبر، هو الذي يتغذى به القلب، وينشرح به الصدر، ويزداد به الإيمان، فيقبل على الطاعات بلذة ورغبة، وخشوع وخضوع، لما يرى من عظمة الخالق، وعظمة مخلوقاته، وآلائه وإحسانه، وجلاله وجماله، وحسن خلقه وتدبيره.
وعلى العبد كذلك أن يعلم أنه لا محسن على الحقيقة بأصناف النعم الظاهرة والباطنة إلا الله وحده، فيحبه لإحسانه وإنعامه، ويحمده على ذلك: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61)} [غافر: 61].
وكما أنه سبحانه ليس كمثله شيء، فليس كمحبته شيء، وليس كمحبته محبة، والمحبة له، مع كمال الذل له، مع كمال التعظيم له، هي العبودية التي خلق الله الخلق لأجلها، ولا يصلح ذلك إلا لله سبحانه.
وحمده سبحانه يتضمن أصلين:
الأول: الإخبار بمحامده وصفات كماله.
الثاني: المحبة له عليها.
فمن أخبر بمحاسن غيره من غير محبة له لم يكن حامداً، ومن أحبه من غير إخبار بمحاسنه لم يكن حامداً له، حتى يجمع الأمرين.
والله سبحانه يحمد نفسه بنفسه كما قال سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: 1].
ويحمد نفسه بما يجريه على ألسنة الحامدين له من ملائكته وأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين، فهو الحامد لنفسه بهذا .. وبهذا، فإن حمد الخلق له بمشيءته وإذنه، وخلقه وتكوينه.
فإنه سبحانه هو الذي جعل الحامد حامداً، والمسلم مسلماً، والمصلي مصلياً، والتائب تائباً، وجعل من خلقه من يدعو إليه كما قال سبحانه عن آل إبراهيم: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)} [الأنبياء: 73].
وكذا جعل سبحانه من خلقه من يدعو إلى النار كما قال سبحانه عن فرعون وجنوده: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41)} [القصص: 41].
وهو المحمود على هذا وهذا، وله الحكمة البالغة في جميع ذلك.
فهو سبحانه ذو الفضل والإحسان، منه ابتدأت النعم، وإليه انتهت، فابتدأت بحمده، وانتهت إلى حمده، فهو سبحانه الرحيم الذي ألهم عبده التوبة، وفرح بها، وأعانه عليها، وهي من فضله وجوده.
وهو سبحانه الذي ألهم عبده الطاعة، وأعانه عليها، ثم أثابه عليها، وهي من فضله وجوده.
قال الله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)} … [الحجرات: 17].
وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «الله أفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أحَدِكُمْ، سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَقَدْ أضَلَّهُ فِي أرْضِ فَلاةٍ» متفق عليه (1).
وهو سبحانه الغني عن كل ما سواه بكل وجه، وما سواه فقير إليه بكل وجه، والعبد مفتقر إلى ربه في جميع أحواله.
والله تبارك وتعالى جميل يحب الجمال، خلق السماء وزينها بالنجوم، وخلق الإنسان في أحسن تقويم، وخلق الأرض وزينها بما على ظهرها من النبات والمياه والجبال والسهول والوديان.
والله عزَّ وجلَّ يحب ظهور أثر نعمته على عبده، فإنه من الجمال الذي يحبه الله، وذلك من شكره على نعمه، وهو جمال باطن، فيحب سبحانه أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة، والجمال الباطن بالشكر عليها