1097 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——–”——-“——–‘
——–‘——–‘——–‘
——–‘——–‘——–‘
——–‘——–‘——–‘
———‘——-‘——–‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1097):
قال الإمام
قال أبو داود رحمه الله: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبيدة بن حميد التيمي حدثني أبو الزعراء عن أبي الأحوص عن أبيه مالك بن نضلة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الأيدي ثلاثة: فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى فأعط الفضل ولا تعجز عن نفسك)).
قال أبو عبدالرحمن: هذا حديث صحيح.
* وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا عبيدة بن حميد أبو عبد الرحمن التيمي قال حدثنا أبو الزعراء عن أبي الأحوص عن أبيه مالك بن نضلة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الأيدي ثلاثة: فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى، فأعط الفضل ولا تعجز عن نفسك)).
هذا حديث صحيح.
===================
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في السند. (ترجمة الرواي، تخريجه).
أ – ترجمة الراوي
ب – التخريج:
الوجه الثاني: شرح وفقه الحديث. وباقي الروايات:
“إن الإسلام حين حث على الإعطاء، وحذر من الإمساك، ونهى عن نهر السائل ورده بجفاء، قصد السائل المحروم، الذي لا يجد ما يكفيه، والذي يضطر إلى السؤال ليجد لقمة أو لقمتين، أو تمرة أو تمرتين، ومع ذلك نبه الشارع المسلم إلى الاهتمام بالمستحق غير السائل أكثر من الاهتمام بالمستحق السائل: ليس المسكين الذي يطوف على الناس فترده اللقمة أو اللقمتان والتمرة والتمرتان، إنما المسكين المتعفف، الذي لا يجد ما يكفيه، ولا يسأل الناس.
إن الإسلام دين كفاح وعمل: {{فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون}} [الجمعة: 10]
——
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الأيدي ثلاثة: فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى)).
جاء في صحيح مسلم: ((اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة. والسفلى السائلة))
قال القرطبي: وقع تفسير اليد العليا والسفلى في حديث ابن عمر هذا، وهو نص يرفع الخلاف، ويدفع تعسف من تعسف في تأويله ذلك. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: لكن ادعى أبو العباس الداني في أطراف الموطأ أن التفسير المذكور مدرج في الحديث، ولم يذكر مستنداً لذلك.
ثم وجدت في كتاب العسكري في الصحابة بإسناد له فيه انقطاع عن ابن عمر.
أنه كتب إلى بشر بن مروان إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اليد العليا خير من اليد السفلى ولا أحسب اليد السفلى إلا السائلة، ولا العليا إلا المعطية.
فهذا يشعر بأن التفسير من كلام ابن عمر، ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر: كنا نتحدث أن العليا هي المنفقة.
ثم قال الحافظ ابن حجر: قال أبو داود: قال الأكثر: عن حماد بن زيد: اليد العليا المنفقة.
وقال غير واحد عنه: المتعففة.
وللطبراني بإسناد صحيح عن حكيم بن حزام مرفوعاً: يد الله فوق يد المعطي، ويد المعطي فوق يد المُعطَى، ويد المُعطَى أسفل الأيدي.
ولأبي داود من حديث عوف بن مالك عن أبيه مرفوعاً: الأيدي ثلاثة، فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى.
ولأحمد والبزار: اليد المعطية هي العليا، والسائلة هي السفلى.
فهذه الأحاديث متضافرة على أن اليد العليا هي المنفقة المعطية، وأن السفلى هي السائلة، وهذا هو المعتمد، وهو قول الجمهور.
وقيل: اليد السفلى الآخذة، سواء كان بسؤال أم بغير سؤال، وهذا أباه قوم، واستندوا إلى أن الصدقة تقع في يد الله قبل يد المتصدق عليه.
قال ابن العربي: التحقيق أن السفلى يد السائل، أما يد الآخذ فلا.
ثم قال الحافظ: يد الآدمي أربعة: يد المعطي وقد تضافرت الأخبار بأنها عليا.
ثانيها: يد السائل.
وقد تضافرت بأنها سفلى، سواء أخذت أم لا، وهذا موافق لكيفية الإعطاء والأخذ غالباً، وللمقابلة بين العلو والسفل المشتق منهما.
ثالثها: يد المتعفف عن الأخذ ولو بعد أن تمد إليه يد المعطي مثلاً، وهذه توصف بكونها عليا علواً معنوياً.
رابعها: يد الآخذ بغير سؤال، وهذه قد اختلف فيها، فذهب جمع إلى أنها سفلى، وهذا بالنظر إلى الأمر المحسوس، أما المعنوي فلا يطرد، فقد تكون عليا في بعض الصور.
قال ابن حبان: اليد المتصدقة أفضل من السائلة، لا الآخذة بغير سؤال، فربما كان الآخذ لما أبيح له أفضل وأورع من الذي يعطى. اهـ.
وعن الحسن البصري: اليد العليا المعطية، والسفلى المانعة. اهـ
وأطلق آخرون من المتصوفة أن اليد الآخذة أفضل من المعطية مطلقاً.
قال ابن قتيبة: وما أرى هؤلاء إلا قوماً قد استطابوا السؤال، فهم يحتجون للدناءة. اهـ.
ثم قال الحافظ: ومحصل ما في الآثار المتقدمة أن أعلى الأيدي المنفقة، ثم المتعففة عن الأخذ، ثم الآخذة بغير سؤال؛ وأسفل الأيدي السائلة والمانعة. والله أعلم.
انتهى بتصرف. [فتح المنعم].
فقه الحديث، وما يستفاد من الحديث:
تتعرض الأحاديث إلى سؤال الناس من الصدقة أو من العطاء، كما تتعرض تبعاً إلى إعطاء المعطي، وإلى أي مدى يعطي من ماله، وسنتكلم عن النقطة الثانية، لطول الكلام عن النقطة الأولى.
والله ولي التوفيق.
1 – يؤخذ من الأحاديث أفضل الصدقة عن ظهر غنى.
وابدأ بمن تعول ومن الحديث: إنك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول
يؤخذ من هذا أن أفضل الصدقة ما كان زائداً على الحاجة.
قال النووي: وقد اختلف العلماء في الصدقة بجميع ماله، فمذهبنا أنه مستحب لمن لا دين عليه، ولا له عيال يصبرون، بشرط أن يكون ممن يصبر على الفقر، فإن لم تجتمع هذه الشروط فهو مكروه.
قال القاضي: جوز جمهور العلماء وأئمة الأمصار الصدقة بجميع ماله، وقيل: يرد جميعها -أي ترد الصدقة بالمال جميعه إلى صاحبه- وهو مروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل: ينفذ في الثلث وهو مذهب أهل الشام، وقيل: إن زاد على النصف ردت الزيادة، ومع جوازه فالمستحب أن لا يفعله وأن يقتصر على الثلث. اهـ.
وقد ترجم البخاري للموضوع بقوله: باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، ومن تصدق وهو محتاج أو أهله محتاجون، أو عليه دين فالدين أحق أن يقضى من الصدقة والعتق والهبة وهو رد عليهن ليس له أن يتلف أموال الناس. اهـ.
ويمكن أن يحتج لهذا الرأي بقصة المدبر فإنه صلى الله عليه وسلم باعه، وأرسل ثمنه إلى الذي دبره لكونه كان محتاجاً، كما جاء في الحديث، وفيه ابدأ بنفسك، فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا.
فتحصل ثمانية أقوال في هذه المسألة:
الأول: أن الصدقة بجميع المال جائزة مطلقاً، نقله القاضي عن جمهور العلماء، وأئمة الأمصار، ويمكن أن يستدل له بتبرع أبي بكر بجميع ماله
القول الثاني: أن الصدقة بجميع المال جائزة بشروط، فإن فقدت هذه الشروط كانت مكروهة، غير محرمة، وهي نافذة لا ترد، نسب الطبري هذا القول للجمهور، وقال: من تصدق بماله كله في صحة بدنه، وعقله، حيث لا دين عليه، وكان صبوراً على الضيق، ولا عيال له، أو له عيال يصبرون أيضاً فهو جائز، فإن فقد شيء من هذه الشروط كره. اهـ.
ويمكن حمل فعل أبي بكر على استيفائه هذه الشروط.
القول الثالث: وهو ما نسبه النووي إلى مذهب الشافعية، وهو أنه يستحب بالشروط المذكورة، فإن فقد شرطاً كره، فهذا القول قرب من القول الثاني، والفرق هو الاستحباب بدل الجواز.
القول الرابع: أن الصدقة بكل المال جائزة بالشروط المذكورة في القول الثاني مضافاً إليها أن لا يصير المتصدق محتاجاً بعد صدقته إلى أحد …..
واقتصرنا على هذه الأقوال لقوتها.
2 – ويؤخذ من قوله: وابدأ بمن تعول تقديم نفقة النفس، ثم العيال إلخ، وفي ترتيب من يعول المسلم روى النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تصدقوا.
فقال رجل: يا رسول الله، عندي دينار؟ فقال: تصدق به على نفسك.
قال: عندي آخر؟ قال: تصدق به على زوجتك.
قال: عندي آخر؟ قال: تصدق به على ولدك.
قال عندي آخر؟ قال: تصدق به على خادمك.
قال: عندي آخر؟ قال: أنت أبصر.
رواه ابن حبان في صحيحه هكذا، ورواه أبو داود والحاكم وصححه بتقديم الولد على الزوجة واختاره الخطابي، وقال: إذا تأملت هذا الترتيب علمت أنه صلى الله عليه وسلم قدم الأولى فالأولى، والأقرب فالأقرب، وهو يأمره أن يبدأ بنفسه، ثم بولده لأن الولد كبعضه، فإذا ضيعه هلك، ولم يجد من ينوب عنه في الإنفاق عليه -والذي اتفق عليه العلماء أن المراد بالولد هنا الطفل- ثم ثلث بالزوجة، وأخرها عن درجة الولد لأنه إذا لم يجد ما ينفق عليها فرق بينهما وكان لها من ينفق عليها من زوج آخر أو ذي محرم تجب نفقتها عليه. اهـ.
واختار النووي في الروضة تقديم الزوجة؛ لأن نفقتها آكد، لأنها لا تسقط بمضي الزمان، ولا بالإعسار، ولأنها وجبت عوضاً.
وفي المسألة جدل طويل.
هذا والهدف الأساسي من بقية أحاديث الباب التنفير من سؤال الغير مالاً، سواء أكان على سبيل العطاء من ولي الأمر؟ أم كان على سبيل الصدقة؟ واستخدمت الأحاديث لهذا التنفير العديد من الأساليب والعبارات، من ألفاظها:
إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى.
وحديث لا تلحفوا في المسألة.
وحديث المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئاً.
إنما المسكين المتعفف، اقرءوا -إن شئتم- {{لا يسألون الناس إلحافاً}} [البقرة: 273].
وحديث لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم.
وحديث من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو ليستكثر.
وحديث لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره، فيتصدق به، ويستغني به عن الناس خير له من أن يسأل رجلاً، أعطاه أو منعه.
وحديث بايعوني على أن لا تسألوا الناس شيئاً.
وحديث ” إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، ورجل أصابته فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش.
فما سواهن سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً.
قال النووي: مقصود الباب وأحاديثه النهي عن السؤال، واتفق العلماء عليه إذا لم تكن ضرورة، واختلف أصحابنا في سؤال القادر على الكسب -أي الفقير الذي لا يعمل وأمامه فرص العمل وهو قادر- على وجهين: أصحهما أنها حرام، لظاهر الأحاديث.
والثاني حلال مع الكراهة بثلاثة شروط: ألا يذل نفسه، ولا يلح في السؤال، ولا يؤذي المسئول، فإن فقد أحد هذه الشروط فهي حرام بالاتفاق. اهـ.
ودليل التحريم ما روى الطبراني في الأوسط: أن رجلين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألا منها، فرفع فيهما البصر وخفضه، فرآهما جلدين فقال لهما: إن شئتما أعطيتكما، ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب.
وعند الطبراني في الكبير: لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي.
أي ذي قوة كامل الأعضاء.
فقد قرن هذان الحديثان بين الغني وبين القوي المكتسب، فكما حرم سؤال الغني كذلك يحرم سؤال القوي المكتسب.
كما جاء تحريم سؤال الغني في صريح الأحاديث الصحيحة، منها ما سبق، ومنها ما جاء عند الترمذي: من سأل وله ما يغنيه جاء يوم القيامة وفي وجهه كدوح أو خموش.
قيل: يا رسول الله.
وما يغنيه؟ قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب.
وفيه من سأل الناس ليكثر به ماله كان خموشاً في وجهه يوم القيامة، ورضفا -أي حجارة محماة- يأكله من جهنم، فمن شاء فليقل، ومن شاء فليكثر.
وعند أحمد والبزار: مسألة الغني شين في وجهه يوم القيامة.
وأخرج أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف.
فقلت: ناقتي خير من أوقية، فرجعت فلم أسأله.
وأخرج أبو داود وابن حبان في صحيحه: من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار.
فقالوا: يا رسول الله، وما يغنيه؟ قال: ما يغديه ويعشيه.
ويؤخذ من سؤال حكيم وإعطائه في الحديث:
1 – الحث على التعفف والقناعة والرضا بما تيسر في عفاف، وإن كان قليلاً.
2 – والإجمال في الطلب والكسب.
3 – وأن لا يغتر الإنسان بكثرة ما يحصل له بإشراف نفس، فإنه لا يبارك له فيه، وهو قريب من قوله تعالى: {{يمحق الله الربا ويربي الصدقات}} [البقرة: 276].
4 – وفي تشبيه المال بالفاكهة الخضراء إشارة إلى عدم بقائه، لأن الخضراوات لا تبقى، ولا تقصد للبقاء.
5 – وفيه كراهة السؤال والتنفير عنه، وأن الإنسان لا يسأل إلا عند الحاجة، لأنه إذا كانت يده السفلى حتى عند الحاجة، فالأحرى أن يمتنع من ذلك عند عدم الحاجة.
قال الحافظ ابن حجر: ومحله إذا لم تدع إليه الضرورة من خوف هلاك ونحوه، وقد روى الطبراني بإسناد فيه مقال: ما المعطي من سعة بأفضل من الآخذ إذا كان محتاجاً.
6 – قال ابن أبي جمرة: قد يقع الزهد مع الأخذ، فإن سخاوة النفس هو زهدها.
7 – وأن الأخذ مع سخاوة النفس يحصل أجر الزهد والبركة في الرزق.
8 – وفي الحديث ضرب المثل لما لا يعقله السامع من الأمثلة؛ لأن الغالب من الناس لا يعرف البركة إلا في الشيء الكثير، فبين بالمثال المذكور أن البركة هي خلق من خلق الله تعالى، وضرب لهم المثل بما يعهدون، فالآكل إنما يأكل ليشبع، فإذا أكل ولم يشبع كان عناء في حقه بغير فائدة، وكذلك المال ليست الفائدة في عينه، وإنما هي فيما يتحصل به من المنافع، فإذا كثر عند المرء بغير تحصيل منفعة كان وجوده كالعدم.
9 – وفيه أنه ينبغي للإمام أن لا يبين للطالب ما في مسألته من المفسدة إلا بعد قضاء حاجته، لتقع موعظته له الموقع السليم، ولئلا يتخيل أن عدم الرغبة في الإعطاء هو سبب الموعظة.
10 – وفيه جواز تكرار السؤال ثلاثاً.
11 – وجواز المنع في الرابعة.
12 – وأن رد السائل بعد ثلاث ليس بمكروه.
13 – وفيه أن السائل إذا ألحف لا بأس برده وموعظته وأمره بالتعفف وترك الحرص.
14 – أن سؤال السلطان الأعلى ليس بعار.
15 – وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الكرم والسخاء والسماحة.
16 – وفيه ما كان عليه الصحابة من الاستجابة والطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في رواية البخاري: أن حكيم بن حزام قال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً -أي لا أنقص مال أحد بعدك- حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيماً إلى العطاء، فيأبى أن يقبله منه، ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه، فأبى أن يقبل منه شيئاً، فقال عمر: إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم، إني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي.
17 – الترغيب في علو الهمة عن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله)). قال ابن بطال: “فيه ندب إلى التعفف عن المسألة، وحض على معالي الأمور، وترك دنيئها، والله يحب معالي الأمور”.انظر: بلوغ المرام، كتاب الزكاة، باب صدقة التطوع، اليد العليا خير من اليد السفلى
====
====
====
الوجه الثالث: المسائل الملحقة:
المسألة الأولى: مما ورد في الباب
462 – وعن طارق المحاربي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – مرَّ في سوق ذي المجاز وعليه حلة حمراء، وهو يقول: «يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا». ورجل يتبعه يرميه الحجارة قد أدمى كعبيه وعرقوبيه ….
رواه أبو بكر بن خزيمة رحمه الله في “صحيحه” وأبو بكر بي أبي شيبة وقال شيخنا: هذا حديث صحيح، وأخرجه البخاري في “خلق أفعال العباد”.
- وأخرجه الدارقطني به وزاد: [ …. فلما ظهر الإسلام وقدم المدينة، أقبلنا في ركب من الربذة وجنوب الربذة حتى نزلنا قريبا من المدينة، ومعنا ظعينة لنا قال: فبينا نحن قعود إذ أتانا رجل عليه ثوبان أبيضان فسلم فرددنا عليه فقال: من أين أقبل القوم قلنا: من الربذة وجنوب الربذة، قال: وَمَعَنَا جمل أحمر. قال: «تبيعوني جملكم؟» قلنا: نعم. قال: «بكم؟» قلنا: بكذا وكذا صاعاً من تمر. قال فما استوضَعَنا شيئاً، وقال: «قد أخذته»، ثم أخذ برأس الجمل حتى دخل المدينة، فتوارى عنا فتلاومنا بيننا، وقلنا: أعطيتم جملكم من لا تعرفونه، فقالت الظعينة: لا تلاوموا فقد رأيت وجه رجل ما كان ليحقركم، ما رأيت وجه رجل أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه، فلما كان العشاء أتانا رجل فقال: السلام عليكم، أنا رسول، رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – إليكم، وإنه أمركم أن تأكلوا من هذا حتى تشبعوا، وتكتالوا حتى تستوفوا قال: فأكلنا حتى شبعنا، واكتلنا حتى استوفينا، فلما كان من الغد دخلنا المدينة، فإذا رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول: «يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول: أمك وأباك وأختك وأخاك وأدناك أدناك» فقام رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، هؤلاء بنوا ثعلبة بن يربوع الذين قتلوا فلانا في الجاهلية، فَخُذْ لَنَا بثأرنا، فرفع يديه حتى رأينا بياض إبطيه فقال: «ألا لا يجني والد على ولده».
أخرجه ابن حبان رحمه الله هكذا مطولا، والحديث من الأحاديث التي ألزم الدارقطني البخاري ومسلما أن يخرجاها. وقال الشيخ الألباني: صحيح، كما في تعليقه على “صحيح ابن حبان” [6528].المسألة الثاني: فائدة لطيفة: “الإمام أحمد -رحمه الله- كما ذكر شيخ الإسلام عنه يدلُّ ظاهر مذهبه على أنَّ من اضطرّ فلم يجد إلَّا ميتة أو يسأل النَّاس أن يأكل الميتة، لأنَّ الله رخَّص في الميتة ولم يُرخِّص في المسألة.
وممَّا بايع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليه أصحابه أنَّه بايعهم على أن لا يسألوا النَّاس شيئًا، قال: ((ألا تُبايِعُونِي)) إلى أن قال: ((وَلَا تَسألُوا النَّاسَ شيئًا)) [صحَّحه الألباني رحمه الله في “صحيح الجامع”] وشيئًا هنا نكرة في سياق النَّهي، فهي تعم.
حتَّى جاء أنَّ أبا بكر وغيره من الصَّحابة كان إذا وقع سوط أحدهم لم يسأل أحدًا أن يأته به بل يأخذه بنفسه.
وذكر شيخ الإسلام في كتاب “قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة”- عند كلامه على قوله تعالى في سورة اللَّيل في آخرها: {وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى. إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى. وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [2] â–« أنَّ هذه الآيات من ضمن من نزلت فيهم: أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، وأنَّه كان لا يسأل أحدًا شيئًا، حتَّى أنَّه لم يُعرف عنه أنَّه سأل النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم الدُّعاء لتعظيم جناب المسألة.
وأشار شيخ الإسلام رحمه الله تعالى- إلى أنَّ السَّائل يقع في قلبه ذلٌّ للمسؤول، وحاجة ورغبة لهذا المسؤول، وهذا من حقوق الرَّبِّ -تبارك وتعالى-.
وقد صنَّف مقبل بن هادي الوادعي -رحمة الله عليه- كتاب “ذمِّ المسألة” في وقتٍ كان لا يجد هو وطلَّابه الصَّابون الَّذي تُغسل به الملابس وإنَّما كانوا يغسلونها بالتُّراب ليُزيل الوسخ منها.
هذا الكتاب هو من أنفس كتب الشَّيخ -رحمه الله- كتاب “ذم المسألة” مطبوع أكثر من مرَّة، في مجموع الرَّسائل ومطبوع مفرد، وهو محتاجٌ إلى دراسة
نقول نفيسة من كتاب ذم المسألة
للعلامة الشيخ الزاهد مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وبعد:
فهذه بعض النقول النفيسة والتلخيصات المفيدة أنقلها من كتاب ذم المسألة للعلامة الوادعي رحمه الله تعالى
قال الإمام مقبل بن هادي رحمه الله:
رأيت أقوامًا ممن يزعمون أنّهم دعاة إلى الله تخصصوا للتسول، وتركوا الإحتراف، فرب زرّاع يأكل أكلاً حلالاً من كسب يده، بل عمله من أفضل القربات، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ((ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلاّ كان له به صدقة)).
ورب شخص يعمل في التجارة، وهي أيضًا من أفضل القربات، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنّه سئل: أيّ الكسب أطيب؟ قال: ((عمل الرّجل بيده، وكلّ بيع مبرور)).
بل ربما يكون الرجل بدويًّا يأكل مما تنتجه غنمه وإبله، فيرى المتسولين يفتحون المعارض، ويبنون العمائر، فيعفو لحيته ويتشبه بالدعاة إلى الله، ويحترف التسول، أفّ لها من وظيفة مشينة مزرية، وأقبح من هذا أن أناسًا يزعمون أنّهم دعاة إلى الله تخصّصوا للتسوّل باسم الدعوة، والله عزوجل يقول في نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {ولا يسألكم أموالكم * إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم} سورة محمد، الآية: 36 – 37.
و قال:
فما ظنك بمن لا تهمّه الدعوة، ولا يهمه إلا اختلاس الأموال والوثوب على مصارف الزكاة الثمانية، إنّها لأحدى الكبر.
و قال:
فإنني أنصح لأهل السنة أن يصبروا على الفقر، فهي الحال التي اختارها الله لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثّمرات وبشّر الصّابرين * الّذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} سورة البقرة، الآية: 155 – 157.
ثم ذكر عدداً من الأحاديث الصحيحة توصف زهد النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه الكرام و تعففهم وشدة حالهم و صبرهم على الفقر و الجوع
ثم قال بعد أن ذكر (التجار و المتلاعبين بأموال الزكاة) على أنهم من المبتلين في المال:
وأقبح من هذا ما يحصل من بعض طلبة العلم يضيع وقته، ويهين العلم والدعوة، ركضًا من أرض الحرمين إلى الكويت، إلى قطر، إلى أبي ظبي، مالك يا فلان؟ فيقول: عليّ دين، أو أريد أن أبني مسجدًا وسكنًا للإمام (وهو نفسه الإمام)، وأريد سيارةً للدعوة، وأريد أن أتزوج.
آه آه، وإنّ طلب علم نهايته الشحاذة لا خير فيه:
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم *** ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهونوا ودنسوا *** محياه بالأطماع حتى تجهما
ولم أر أحدًا أبصر في التلصص لاستخراج المال، من الإخوان المفلسين، فهم يصورون للناس أن القضية التي يدعون إليها هي الإسلام، وإذا لم يبذل المال في هذه القضية، انتصر الكفر على الإسلام، وهكذا القضية تلو القضية، وكلما انتهت تلك القضية ولم ير الناس لها أثرًا في نصرة الدين، بل ربما تكون عارًا على الإسلام، شغلوا الناس بقضية أخرى، فأين ثمرة تلكم المظاهرات التي يقلّدون فيها أعداء الإسلام، وأين ثمرات مؤتمر الوحدة والسلام؟ وأين ثمرات الانتخابات الطاغوتية؟ نحن نقول هذا حزنًا على الدين، وتألّمًا من قلب الحقائق، لا أننا نغبطهم على جمع الأموال، فهم سيسألون عنها يوم القيامة.
وأخيرًا، فإني أنصح الذين يلهثون بعد جمع الأموال، فالذي لم يتزوج قد أرشده الله ماذا يعمل فقال: {وليستعفف الّذين لا يجدون نكاحًا حتّى يغنيهم الله من فضله} سورة النور، الآية: 33.
وفي “الصحيحين” عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((يا معشر الشّباب، من استطاع الباءة فليتزوّج، فإنّه أغضّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم فإنّه له وجاء)).
على أني أنصح الأغنياء بمساعدته من غير أن يسأل، حتى يتفرغ للعلم والتعليم.
والذي عليه دين أنصحه أن يعمل حتى يقضي الله دينه.
وهكذا بناء المسجد لا يجوز أن يهين نفسه، ويهين العلم والدعوة، من أجل بناء مسجد، فالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أراد أن يبني مسجدًا قال: ((يا بني النّجّار ثامنوني بحائطكم))، أي: من أجل أن يبني فيه مسجدًا، فقالوا: بل هو لله ولرسوله.
على أنه يمكن أن يبني مسجدًا من الطين واللبن بنحو مائة ألف ريال يمني، والوقت الذي تصرفه في المسألة، يمكن أن تصرفه في عمارة المسجد والعمل فيه ودعوة الناس إلى العمل بأيديهم.
فالأموال التي تكون فيها إهانة للعلم وللدعاة إلى الله، أو دعوة إلى حزبية، أو جعل المساجد للشحاذة، فلسنا بحاجتها.
ويالله كم من داعية كبير تراه يحفظ الآيات التي فيها ترغيب في الصدقة، وينتقل من هذا المسجد إلى هذا المسجد: {وما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا} سورة المزمل، الآية: 20.
وانقلب المسكين من داعية إلى شحاذ، وصدق الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ يقول: ((لكلّ أمّة فتنةً، وفتنة أمّتي المال)).
وتلكم الجمعيات التي لا يؤذن لها إلا بشروط أن تكون تحت رقابة الشئون الاجتماعية، وأن يكون فيها انتخابات، وأن يوضع مالها في البنوك الربوية، ثم يلبّس أصحابها على الناس ويقولون: هل بناء المساجد، وحفر الآبار، وكفالة اليتامى حرام؟ فيقال لهم: ياأيها الملبّسون: من قال لكم: إن هذه حرام؟ فالحرام هي الحزبية، وفرقة المسلمين، وضياع أوقاتكم في الشحاذة، ولقد انقلبت العمرة في رمضان إلى شحاذة:
يا معشر القراء ويا ملح البلد ما يصلح الملح إذا الملح فسد
وقال أيضاً:
ولا داعي لعرض ما يحصل من المتسولين باسم الدعوة، فذاك يزور له ختمًا، وذاك يركض إلى هنا وهناك وكأنه الوكيل الوحيد للدعوة.
ثم بعد هذا التقديم المهم عدد أبواباً مهمة عن الصدقة وفضلها و أجرها
ثم خصص باباً في الكفاف و القناعة، و مما ذكر تحته:
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج2 ص730) … عن عبدالله بن عمرو ابن العاص: أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((قد أفلح من أسلم، ورزق كفافًا، وقنّعه الله بما آتاه)).
قال البخاري رحمه الله (ج11 ص171): باب الغنى غنى النّفس: … . عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكنّ الغنى غنى النّفس)).
ثم ذكر عن معمر بن راشد في “جامعه” كما في “مصنف عبدالرزاق” (ج11 ص351): عن معمر عن أبي عمران الجوني عن عبدالله بن الصامت وهو ابن أخي أبي ذر عن أبي ذر قال: كنت رديفًا خلف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على حمار، فلمّا جاوزنا بيوت المدينة، قال: ((كيف بك ياأبا ذر إذا كان بالمدينة جوع، تقوم عن فراشك، لاتبلغ مسجدك حتّى يجهدك الجوع))؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: ((تعفّفْ ياأبا ذر))، قال: ((كيف بك ياأبا ذر إذا كان بالمدينة موت يبلغ البيت العبد))، -يعني أنّه يباع القبر بالعبد- قلت: الله ورسوله أعلم. قال: ((تصبر))، قال: ((كيف بك ياأبا ذر إذا كان بالمدينة قتل تغمر الدّماء حجارة الزّيت))، قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: ((تأتي من أنت منه))، قال: قلت: وألبس السّلاح؟ قال: ((شاركت القوم إذًا))، قلت: وكيف أصنع يارسول الله؟ قال: ((إنْ خشيت أن يبهرك شعاع السّيف، فألق ناحية ثوبك على وجهك، ليبوء بإثمك وإثمه)).
ثم بعد ذلك خصص باباً لذم البخل و التحذير منه
ثم باباً سرد تحته ما جاء في طول الأمل، مما جاء فيه:
– قال البخاري رحمه الله (ج11 ص239): … أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((لا يزال قلب الكبير شابًّا في اثنتين: في حبّ الدّنيا، وطول الأمل)).
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنان: حبّ المال، وطول العمر)).
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص338): باب من سأل النّاس تكثّرًا: … قال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ما يزال الرّجل يسأل النّاس، حتّى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم، وقال: إنّ الشّمس تدنو يوم القيامة حتّى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم، ثمّ بموسى، ثمّ بمحمّد)) صلى الله عليه وعلى آله وسلم. …..
ثم عقد باباً لتحريم السؤال لغير حاجة ومما ذكر فيه:
– قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص4 … عن أبي سعيد الخدري قال: قال عمر: يا رسول الله لقد سمعت فلانًا وفلانًا يحسنان الثّناء، يذكران أنّك أعطيتهما دينارين. قال: فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لكنّ والله فلانًا ماهو كذلك، لقد أعطيته من عشرة إلى مائة فما يقول ذاك، أما والله إنّ أحدكم ليخرج مسألته من عندي يتأبّطها -يعني تكون تحت إبطه- نارًا)). قال: قال عمر: يا رسول الله لم تعطيها إيّاهم؟ قال: ((فما أصنع، يأبون إلا ذاك، ويأبى الله لي البخل)).
هذا حديث صحيح، رجاله رجال الصحيح.
– قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص165): … عن حبشي بن جنادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من سأل من غير فقر فكأنّما يأكل الجمر)).
هذا حديث صحيح.
– قال الإمام الدارمي رحمه الله (ج1 ص474): … عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((من سأل النّاس مسألةً وهو عنها غنيّ، كانت شينًا في وجهه)).
هذا حديث صحيح. وقد أخرجه الإمام أحمد (ج5 ص281).
– قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في “المطالب العالية” (ج3 ص 1044) … عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إنّ الّرجل يأتيني منكم فيسألني فأعطيه، فينطلق وما يحمل في حضنه إلاّ النّار)).صحيح. اهـ.
ثم باباً في فضل ترك السؤال:
– قال أبوداود رحمه الله (ج5 ص57): … عن ثوبان قال: وكان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((من تكفّل لي أن لا يسأل النّاس شيئًا، فأتكفّل له بالجنّة))؟ فقال ثوبان: أنا، فكان لا يسأل أحدًا شيئًا.
– قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص513): … عن أبي هريرة قال: دخل رجل على أهله فلمّا رأى ما بهم من الحاجة خرج إلى البريّة، فلمّا رأت امرأته، قامت إلى الرّحى فوضعتها، وإلى التّنّور فسجرته، ثمّ قالت: اللّهمّ ارزقنا. فنظرت فإذا الجفنة قد امتلأت، قال: وذهبت إلى التّنّور فوجدته ممتلئًا، قال: فرجع الزّوج، قال: أصبتم بعدي شيئًا؟ قالت امرأته: نعم من ربّنا. قام إلى الرّحى، فذكر ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ((أما إنّه لو لم يرفعها، لم تزل تدور إلى يوم القيامة))، شهدت النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يقول: ((والله لأن يأتي أحدكم صبيرًا، ثمّ يحمله يبيعه، فيستعفّ منه، خير له من أن يأتي رجلاً يسأله)).
ثم باباً لمن تحل له المسألة
و آخر لسؤال السلطان
ثم آخر لمن يغضب إذا لم يُعط، ومما جاء فيه:
– قال أبوداود رحمه الله (ج5 ص32): … عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال: نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد، فقال لي أهلي، اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسله لنا شيئًا نأكله. فجعلوا يذكرون من حاجتهم، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوجدت عنده رجلاً يسأله، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((لا أجد ما أعطيك))، فتولّى الرّجل عنه وهو مغضب، وهو يقول: لعمري إنّك لتعطي من شئت. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((يغضب عليّ أن لا أجد ماأعطيه، من سأل منكم وله أوقيّة أو عدلها، فقد سأل إلحافًا))، قال الأسديّ: فقلت: للقحة لنا خير من أوقيّة، والأوقيّة أربعون درهمًا، قال: فرجعت ولم أسأله، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد ذلك شعير وزبيب، فقسم لنا منه، أو كما قال، حتّى أغنانا الله عزّ وجلّ.
قال أبوداود: هكذا رواه الثوري، كما قال مالك.
و … حديث أبي هريرة: ((تعس عبدالدّينار، والدّرهم، والقطيفة، والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض)).
ثم ذكر نصيحة مهمة:
وبعد فنصيحتي للدعاة إلى الله، أن يستعفّوا، ولأصحاب الأموال أن يتحرّوا إنفاقها في مصارفها المشروعة، وهكذا نصيحتي للفقراء أن يصبروا، ولا يستثيرنّهم الشيوعيون على المجتمع، ويكونوا سببًا للفتن وسفك دماء المسلمين، وأنصحهم أن يسألوا الله من فضله، والأغنياء الذين لا يؤدون الزكاة أو يؤدونها ولكنها في غير مصرفها إما لضابط دائرة، أو مرور، من أجل إذا حدث عليه أمر يساعده، وهكذا لصوص الدعوة الذين يستغلون الأموال لصالح الحزبيّة.
نسأل الله أن يرزقنا القناعة، وأن يغنينا من فضله، إنه جواد كريم.
قلت سيف بن دورة: سبق الكلام على بعض المسائل تحت حديث رقم 1491 من الصحيح المسند: – قال الإمام أبو داود رحمه الله: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد
أنه قال نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد فقال لي أهلي اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله لنا شيئا نأكله فجعلوا يذكرون من حاجتهم فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده رجلا يسأله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا أجد ما أعطيك فتولى الرجل عنه وهو مغضب وهو يقول لعمري إنك لتعطي من شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب علي أن لا أجد ما أعطيه من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا قال الأسدي فقلت للقحة لنا خير من أوقية والأوقية أربعون درهما قال فرجعت ولم أسأله فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك شعير وزبيب فقسم لنا منه أو كما قال حتى أغنانا الله عز وجل.
قال أبو داود هكذا رواه الثوري كما قال مالكز
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
………………………………………
وكذلك حديث رقم
1509 – من الصحيح المسند: قال أبو داود رحمه الله (ج5/ ص41): حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يُقَسِّمُ الصَّدَقَةَ فَسَأَلَاهُ مِنْهَا، فَرَفَعَ فِينَا الْبَصَرَ وَخَفَضَهُ، فَرَأَىنَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ: ((إِنَّ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ)).
قال المحدث مقبل الوادعي: هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين.
الحديث أخرجه النسائي (ج5/ص99)، وأحمد (ج5/ص362)، فقال: عبد الله بن نمير عن هشام عن أبيه، … به. انتهى
الحديث أورده أبوداود في السنن، كتاب (3): الزكاة، باب (23): من باب مَن يُعْطي من الصدقة وحَدُّ الغِنى ((1633)).
وراجع حول هذا المعنى حديث في الصحيح المسند
1497 – قال الإمام أحمد رحمه الله: عن رجل من بني هلال قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تصلح الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي.
وحديث 1491 أخرجه أبوداود من حديث رجل من بني اسد وجاء يسال النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الرجل الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم
لا أجد ما أعطيك فغضب. …
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب علي أن لا أجد ما أعطيه من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا قال الأسدي فقلت للقحة لنا خير من أوقية والأوقية أربعون درهما قال فرجعت
وراجع كذلك حديث رقم 1449 من الصحيح المسند
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه ـ قال يحيى: ذكر شيئا لا أدري ما هو ـ بورك له فيه ورب متخوض في مال الله ورسوله فيما اشتهت نفسه له النار يوم القيامة.
فقد نقلنا بحثا طويلا في إصلاح المال.