25 (أ) فتح المنان في شرح أصول الإيمان
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا).
——-‘——‘——-‘
——-‘——‘——-‘
الفصل الرابع:
الإيمان باليوم الآخر
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: أشراط الساعة وأنواعها.
المبحث الثاني: نعيم القبر وعذابه.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الإيمان بنعيم القبر وعذابه وأدلة ذلك.
المطلب الثاني: وقوعه على الروح والجسد معا.
المطلب الثالث: الإيمان بالملكين منكر ونكير.
المبحث الثالث: الإيمان بالبعث.
وفيه مطالب:
المطلب الأول: معنى البعث وحقيقته.
المطلب الثاني: أدلة البعث من الكتاب والسنة والنظر.
المطلب الثالث: الحشر.
المطلب الرابع: الحوض صفته وأدلته.
المطلب الخامس: الميزان صفته وأدلته.
المطلب السادس: الشفاعة تعريفها وأنواعها وأدلتها.
المطلب السابع: الصراط صفته وأدلته
المطلب الثامن: الجنة والنار صفتهما وكيفيه الإيمان بهما وأدلة ذلك.
=======
سنبدأ بالمبحث الأول:
الفصل الأول
الايمان بالله واليوم والاخر
تمهيد:
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
” فالذي يتعين على المسلم الاعتناء به والاهتمام: أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله، ثم يجتهد في فهم ذلك، والوقوف على معانيه، ثم يشتغل بالتصديق بذلك، إن كان من الأمور العلمية، وإن كان من الأمور العملية، بذل وسعه في الاجتهاد في فعل ما يستطيعه من الأوامر، واجتناب ما ينهى عنه، وتكون همته مصروفة بالكلية إلى ذلك؛ لا إلى غيره. وهكذا كان حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان، في طلب العلم النافع من الكتاب، والسنة.
فأما إن كانت همة السامع مصروفة عند سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد تقع، وقد لا تقع، فإنّ هذا مما يدخل في النهي، ويثبط عن الجد في متابعة الأمر “.
انتهى من ” جامع العلوم والحكم ” (1/ 225).
والنصوص الشرعية التي جاءت بذكر فتن آخر الزمان وأشراط الساعة ومنها خروج الدجال، إنما وردت لما في ذكر ذلك من نفع وخير للمسلمين، حتى يتأهبوا لهذه الفتن بتحصيل الطاعات قبل حلولها، وكثرة التعوذ من شر هذه الفتن، وتحصيل العلم الذي يساعد على النجاة منها.
قال القرطبي رحمه الله تعالى:
” قال العلماء رحمهم الله تعالى: والحكمة في تقديم الأشراط، ودلالة الناس عليها: تنبيه الناس من رَقْدَتِهم، وحثهم على الاحتياط لأنفسهم بالتوبة والإنابة، كي لا يباغَتوا بالحول بينهم وبين تدارك الفوارط منهم، فينبغي للناس أن يكونوا بعد ظهور أشراط الساعة قد نظروا لأنفسهم، وانفطموا عن الدنيا، واستعدوا للساعة الموعود بها، والله أعلم “.
انتهى من ” التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة ” (3/ 1217).
فإذا خرج الناس عن حد الاعتدال في الكلام في هذه الفتن وأشراط الساعة، وكثر البحث عن تفاصيلها وجزئياتها، ولم يكتفوا بما ورد به الوحي يصبح هذا من العلم المذموم، لأنه لا نفع فيه، بل يهدر الأوقات ويكثر بسببه الجدال والقيل والقال.
المبحث الأول: أشراط الساعة وأنواعها.
فمن المعلوم من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان، وأن لليوم الآخر علامات صغرى وكبرى بين يديه، ومن العلامات الكبرى: خروج المسيح الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام؛ فقد روى الإمام مسلم فى «صحيحه» (2901) عن حذيفة بن أسيد الغفارى قال: اطلع النبى – صلى الله عليه وسلم – علينا ونحن نتذاكر؛ فقال: «ما تذاكرون». قالوا: نذكر الساعة. قال: «إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات». فذكر: «الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم – صلى الله عليه وسلم -، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم».
ما معنى الإيمان باليوم الآخر؟
جـ: معناه التصديق الجازم بإتيانه لا محالة، والعمل بموجب ذلك. ويدخل في ذلك الإيمان بأشراط الساعة وأماراتها التي تكون قبلها لا محالة. وبالموت وما بعده من فتنة القبر وعذابه ونعيمه وبالنفخ في الصور وخروج الخلائق من القبور وما في موقف القيامة من الأهوال والأفزاع وتفاصيل المحشر: نشر الصحف، ووضع الموازين، وبالصراط والحوض، والشفاعة وغيرها، وبالجنة ونعيمها الذي أعلاه النظر إلى وجه الله عز وجل، وبالنار وعذابها الذي أشده حجبهم عن ربهم عز وجل. ” اعلام السنة المنشورة ” للحافظ الحكمي.
وقال الموفق أبو محمد المقدسي في كتابه “لمعة الاعتقاد” (24): “ويجب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصح به النقل عنه فيما شهدناه أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه؛ مثل: حديث الإسراء والمعراج، ومن ذلك أشراط الساعة؛ مثل: خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتله، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل “. انتهى.
المسألة الأولى:
الأشراط جمع شرط، والشّرط هو العلامة التي تُفَرِّقُ الشيء وتُمَيِّزُهُ عن غيره.
وأشراط الساعة المقصود به الآيات والعلامات التي تدل على قرب قيام الساعة، إما دُنُواًّ فتكون أشراطاً كبرى، وإما دِلَالَةً على القُرْبْ فتكون من جملة الأشراط الصغرى.
وقد جاء ذكر كلمة الأشراط في القرآن الكريم في سورة محمد، قال تعالى: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أنَّ تَاتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) [محمد:18]، وأفادت الآية فائدتين:
* الفائدة الأولى: أنَّ الساعَةَ لها أشراط وعلامات.
* الفائدة الثانية: أنَّ أشراط الساعة قد وقعت في وقت تَنَزُّلِ القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا يعني أنَّ مِنَ الأشراط ما يكون بعيداً عن وقوع الساعة ومنها ما يكون قريباً من وقوع الساعة.
ومن الأحاديث في ذلك: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم. لما تَذَاكَرُوا عنده الساعة قال: “إنها لن تكون حتى تروا قبلها عشر آيات”، فدلَّ ذلك على أنَّ ثمَّتَ أشراط قريبة منها سَمَّاهَا النبي صلى الله عليه وسلم آيات.
والآيات جمع آية وهي: ما يَدُلُّ دِلَالَةً واضحةً ظاهرة على المراد وعلى الشيء حيث لا يكون فيه لَبْسْ.
(المسألة الثانية:
أشراط الساعة قَسَمَهَا العلماء إلى قسمين:
إلى أشراطٍ كبرى … . وإلى أشراطٍ صغرى.
ومن أهل العلم من قَسَمَهَا إلى ثلاثة أقسام:
أشراط صغرى … ووسطى … وكبرى.
والأول هو المعتمد والثاني اصطلاح تفسيري ولكن ليس ثَمَّ ما يدل عليه من وجود الوسطى وإن كانت موجودةً وداخلة في الصغرى.
أما تعريف الأشراط الصغرى: فهي ما دلَّ الدليل على أنَّهُ مِنْ علامات قُرْبْ الساعة وليس من العشر آيات التي جاءت في الحديث أنها تكون بين يدي الساعة.
فحصلت الأشراط الصغرى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا تزال تحصل وتحصل إلى بَدْءِ الأشراط الكبرى.
وسيأتي تفصيل الأشراط الصغرى والكبرى إن شاء الله.
فمن أهل العلم من جعل الأشراط الصغرى كما ذكرت لك:
* ما قَرُبَ من عهد النبي صلى الله عليه وسلم فهي صغرى.
* وما بَعُد من عهده فهي وسطى إلى حدوث الأشراط الكبرى.
والأول هو المعتمد في ذلك.
(المسألة الثالثة:
الأشراط الصغرى كثيرة جداً ومتنوعة، ولا يدلُّ كون الحَدَثْ من أشراط الساعة على مدحه أو ذمه، بل هي آيات ودلائل على القرب:
* فتارةً تكون ممدوحةً غاية المدح، منها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وانشقاق القمر باعتباره آية لمحمد صلى الله عليه وسلم، ومنها فتح بيت المقدس.
* وقد تكون مذمومةً مُحَرَّمَةً أو مكروهة، أو تكون واقِعَةً كونِيَّةً فيها ابتلاء أو عقوبة للعباد.
والمقصود من ذلك أنَّ ما جاء في الدليل أنَّهُ من آيات أو أشراط الساعة فلا يدلُّ كونه من أشراط الساعة على أنَّهُ ممدوحٌ أو مذموم إلا بدليلٍ آخر أو بحقيقة الأمر.
وأشراط الساعة الصغرى كثيرةٌ جداً جداً، فمما يشار إليه فيها ما جاء في الحديث الذي رواه البخاري وغيره، حديث عوف بن مالك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أُعْدُدْ سِتَّاً بين يدي الساعة، موتي ثم فتح بيت المقدس، ثم مُوتَانٌ يَاخُذُ فيكم كقٌعَاصِ الغنم، ثم استفاضة المال” … إلخ الحديث.
ومنها مما حَدَثَ وهذه حدثت قريباً من عهده صلى الله عليه وسلم.
ومنها مما حَدَثَ بعيداً عن عهده صلى الله عليه وسلم، النار التي خرجت من المدينة في القرن السابع الهجرى، في نحو سنة أربع وخمسين وستمائة، قال صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من الحجاز” أو “من المدينة تُضيئ لها أعناق الإبل ببُصرى”.
منها ما يكون قريباً من الأشراط الكبرى.
وأشراط الساعة الصغرى والكبرى أُلِّفَتْ فيها مؤلفات كثيرة في جمعها وجمع الأحاديث التي جاءت في ذِكْرِ أشراط الساعة، وهي من العلم النافع الذي يدلُّ على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، لأنَّهُ ولا شك أخبر عن أمرٍ غيبيٍ لم يحدث، وكان خبره صِدْقاً ويقيناً.
فهذه الأخبار التي فيها أنَّهُ بين يدي الساعة يكون كذا، أو لا تقوم الساعة حتى يكون كذا، أو من أشراط الساعة كذا، أو أُعْدُدْ بين يدي الساعة كذا، هذه كلها تدلّ:
* على صدقه صلى الله عليه وسلم.
* ثُمَّ أيضاً تدلّ على أنَّ الساعة آتية لا ريب فيها؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بحدوث هذه الأمور وحدوثها حَصَلَ وكان حقاً كما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
لهذا كان التّحديث بأشراط الساعة الصغرى والكبرى وذِكْرُهَا مما يُقَوِّي اليقين و يُقَوِّي الإيمان وهو من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
(المسألة الرابعة:
الأشراط الكبرى يُعْنَى بها العلامات والآيات التي تكون قريبةً من الساعة، بحيث إذا حدثت فإنَّ يوم القيامة قريبٌ جداً جداً.
وسُمِّيَتْ كبرى لأنها آيات عظيمة تحدث ليس في حُسْبَانْ العِبَادْ أنْ تحدُثْ ولم يكن لها دليلٌ قبلها أو لها ما يشابهها.
وهذه الأشراط الكبرى عشر كما جاءت في الأحاديث؛ ولكنها جاء في عدة أحاديث غير مرتبة، يعني من جهة الوقوع.
وهنا ذَكَرَ الطحاوي / في هذه الجملة، أربعة من أشراط الساعة:
– ذكر خروج الدجال.
– ونزول عيسى ابن مريم.
– وطلوع الشمس من مغربها.
– وخروج الدابة.
وهذه أربعة من عشرة أشراط، وهُوَ إنَّمَا ذَكَرَ هنا الأشراط الكبرى لأنها هي العظيمة وهي الآيات الكبيرة التي يجب الإيمان بها
وهذه العشرة وهي مرتبة في الحدوث كما أسوقها:
* أول ما يحدث خروج الدجال.
* ثم نزول عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء.
* ثم خروج يأجوج ومأجوج.
* ثم ثلاثة خسوف: خسفٌ بالمشرق وخسفٌ بالمغرب وخسفٌ بجزيرة العرب.
* ثم طلوع الشمس من مغربها.
* ثم خروج الدابة على الناس ضحى.
* ثم الدُّخان.
* ثم خروج النار التي تحشر الناس إلى أرض المحشر.
وفي ترتيب الدخان هل هو قبل طلوع الشمس من مغربها أو هو بعد طلوع الشمس فيه خلاف بين أهل العلم، والأظهر هو ما ذكرت لك مِنَ الترتيب.
(خروج الدجال:
فالدجال جاءت النصوص الكثيرة بخروجه وأنه سيخرج من مَحْبَسٍ هُوَ فيه، إذا أَذِنَ الله عزوجل بخروجه، وأنَّهُ بَشَرْ من جنس البشر؛ لكنَّهُ أعور العين كأنَّ عينه عنبة طافية أو عنبة طافئة، مكتوب بين عينه (كَافْ- فَاءْ- رَاءْ) ثلاثة حرف يقرؤها كل مؤمن يعني (كافر)، يعطيه الله عزوجل من القدرة ما تَحَارُ معه الألباب، فيقول للناس (إني ربكم) فيكون معه جنة ومعه نار وتكون فتنته تستمر في الأرض أربعين، وتكون فتنته أعظم فتنة حدثت في الأرض؛ لأنَّهُ يَدَّعِي أنَّهُ رب العالمين وأنَّ معه جنة وأنَّ معه نار وأنه يُحيي الموتى.
وتُحرَّم عليه مكة والمدينة والملائكة تحرسها، ويخرج إليه شاب فيقول له: أنا ربك.
فيقول له: أنت الدجال الذي أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيقول للناس: أنا أقتل هذا ثم أحييه، فيَقْتُلُه ثم يُحْيِيه.
فيقول: قد ازددت الآن بك علماً، -يعني أنك الدجال-.
وهذا من خِيرة الناس على وجه الأرض، أو خير الناس على وجه الأرض في زمانه.
والدجال لا يخرج حتى لا يُذْكَرَ في الأرض، وما من نبي إلا حذَّرَ أمَّتَهُ فتنة المسيح الدجال، ولهذا كان من المتأكدات على المؤمن في كل صلاة قبل السّلام أن يستعيذ بالله من أربع ومنها فتنة المسيح الدجال.
وأخبار المسيح الدجال والأحاديث التي جاءت فيه كثيرةٌ متنوعة معروفةٌ في كتب السنة وفي كتب من ألَّفَ في أشراط الساعة، لكن ننبه في هذا على عدة أمور:
(الأمر الأول:
قال بعض أهل العلم:
أنَّ المسيح الدجال لم يكن حياً في عهده صلى الله عليه وسلم،
وإنَّمَا في قصة الجزيرة في قصة الرجل المحبوس وسؤاله عن النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث الذي رواه مسلم المعروف، من العلماء من حَكَمَ عليه بالشذوذ، ومنهم من قال خَرَجَ آيَةً، جعله الله آية للدلالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس مستمر الحياة.
والمقصود من هذا أنَّ الدجال بَشَرْ يخلقه الله عزوجل في وقتٍ من الأوقات ثم يأذَنُ بخروجه من مكانٍ هو فيه على ما يشاء ربنا عزوجل.
وبعض أهل العلم ذكر قاعدة:
حقيقة الدجال قبل خروجه هو من الأمور الغيبية التي يرجع لمعرفتها إلى نصوص الوحي، ولا يجوز التقول فيها بغير علم.
قال الله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء/36.
ولهذا على المسلم ألا يلقي سمعه لكل قائل ومُحَدِّثٍ بالعجائب، بل عليه أن يتأكد هل ما يقوله هذا القائل من الأمور الغيبية، مما ورد به النص الصحيح، أو من محض آرائه وتفكيره؟ فإذا كان من الأول قبله وإلا أعرض عنه، لأن الغيب لا يدرك إلا بالوحي.
ثالثا:
وقع تنازع بين السلف في شأن الدجال من يكون؟ وذلك بسبب قصة ابن الصياد [وهو أحد الكفار من يهود المدينة النبوية]:
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ: ” رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنَّ ابْنَ الصَّيادِ الدَّجَّالُ، قُلْتُ: تَحْلِفُ بِاللَّهِ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” رواه البخاري (7355)، ومسلم (2929).
والظاهر من قصة ابن الصياد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقطع بكونه هو الدجال، بل رأى فيه بعض أماراته فقط.
قال النووي رحمه الله تعالى:
” قال العلماء وقصته مشكِلة، وأمره مشتبه، في أنه: هل هو المسيح الدجال المشهور، أم غيره؟ ولاشك في أنه دجال من الدجاجلة.
قال العلماء: وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولاغيره، وإنما أوحي إليه بصفات الدجال، وكان في ابن صياد قرائن محتملة، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره، ولهذا قال لعمر رضي الله عنه: إن يكن هو، فلن تستطيع قتله “.
انتهى من ” شرح صحيح مسلم ” (18/ 46).
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:
” والمقصود أن ابن صياد ليس بالدجال الذي يخرج في آخر الزمان قطعا؛ لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية، فإنه فيصل في هذا المقام. والله أعلم “.
انتهى من ” البداية والنهاية ” (19/ 127).
وحديث فاطمة بنت قيس الفهرية رضي الله عنها هو الآتي:
عن فَاطِمَة بِنْت قَيْسٍ، أُخْت الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ – وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ – ” …. جَمَعْتُكُمْ، لِأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ، كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ. وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ، حَدَّثَنِي؛ أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ ….. وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً – أَوْ وَاحِدًا – مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا، يَصُدُّنِي عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا)، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ: (هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ – يَعْنِي الْمَدِينَةَ – أَلَا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ؟)، فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ، (فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ، أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ، وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، أَلَا إِنَّهُ فِي بَحْرِ الشَّامِ، أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ، لَا بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ) وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ، قَالَتْ: فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” رواه مسلم (2942).
فيظهر بوضوح من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر ما حكاه تميم رضي الله عنه وصدقه.
فالحاصل: أن الدجال هو على ماورد في هذا الحديث، وأنه مربوط وموثق بالحديد، وهو باق على هذه الحال حتى يؤذن له بالخروج، وعلى هذا فهو لا يتحول ولا يتشكل بصور غيره.
والله أعلم.
(الأمر الثاني: أنَّ خروج الدجال يكون بعد خروج المهدي، والمهدي ليس من أشراط الساعة الكبرى، وإنَّمَا يكون قريباً من خروج الدجال.
والمهدي سُمِّيَ مَهْدِيَّاً لأنَّ الله عزوجل سيهديه ويُصْلِحُه في ليلة كما جاء في الحديث الصحيح أنَّهُ يذهب إلى مكة في حين اختلافٍ من الناس؛ يعني أنَّ الناس لا أمير لهم ولا إمام ولا جماعة، فيعوذ بالبيت فيخرج إلى الحرم يعني إلى مكة فيلوذ بالكعبة، ثم يأتيه الناس فيأمرونه بالخروج ويبايعونه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: “يصلحه الله في ليلة”، اختلف العلماء فيه، هل معناه:
أنَّهُ يُصْلِحُهُ في أمر دينه ولم يكن صالحاً؟
أو أنَّهُ يصلحه لأمر الوَلاية وإمارة الناس؟
* والأظهر هو الثاني أنَّهُ يصلحه الله في ليلة لإمارة الناس ولقيادتهم.
وهو من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب، واسمه كاسم محمد، محمد بن عبد الله، وجاء في الأحاديث صفاته، وبلغت الأحاديث التي فيها ذكر المهدي بأسانيد صحيحة وحِسَانْ وضعاف أكثر من أربعين حديثاً.
ولهذا قال طائفة من أهل العلم إنَّ أحاديث المهدي تبلغ مبلغ التواتر المعنوي، يعني الذي في جملته، لا في أفراده، يدل على أنَّ المهدي سيخرج في آخر الزمان قُرْبْ خروج الدجال.
وفي قصة المهدي أنَّهُ حين [ …. ] يصيح صائح إنَّ الدجال خَلَفَكُم في أهليكم وأولادكم أو أموالكم، وينقسم الناس، في القصة المعروف التي لا مجال لسردها بطولها.
[ ….. ] أنَّهُ في أثناء ولاية المهدي وغزوِهِ وجهاده وانتشار الخيرات في وقته يخرج الدجال فتعظُمُ فتنته.
(نزول عيسى ابن مريم عليه السلام:
ثم ينزل عيسى عليه السلام وهو حَيٌّ الآن، ينزل من السَّماء في دمشق عند المنارة البيضاء شرقي دمشق.
والنبي كما روى ابن ماجه وغيره أنَّهُ ينزل عند المنارة البيضاء في شرقي دمشق ثم يدرك الدجال بباب لُدْ فيقتله هناك، وأصله في مسلم
وهذا قبل وجود المنارة وقبل بناء المسجد الأموي، والمنارة البيضاء الآن معروفة في دمشق.
فما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أعظم ما بيَّنَهُ لأمته.
ثاني أشراط الساعة نزول عيسى بن مريم، والله عزوجل دلَّ على نزوله في القرآن بقوله عزوجل (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) [النساء:159]، وقد جاء في الصحيح أنَّ أبا هريرة (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يوشك أنْ ينزل فيكم عيسى ابن مريم حَكَماً عَدْلاً مُقْسِطَاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويفيض المال في عهده -أو في وقته- حتى لا يقبله أحد ويؤمن به أهل الكتاب”، قال أبو هريرة رضي الله عنه واقْرَأُوا إنْ شئتم: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً.
فقوله هنا عزوجل (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)، المقصود به قبل موت الكتابي أو قبل موت عسى ابن مريم؟
من أهل العلم من قال بالأَوَّلْ أنَّهُ قبل موت الكتابي فيؤمن بعيسى ابن مريم.
وأكثر أهل العلم وأهل التفسير على أنَّ المقصود به (قَبْلَ مَوْتِهِ) يعني قبل موت عيسى ابن مريم لأنَّ سياق الآية والآيات قبلها يدل على ذلك
وهذا في معنى الآية التي في سورة الزخرف وهي قوله عزوجل في ذِكْرِ عيسى (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا) [الزخرف:61]، وفي القراءة الأخرى (وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ) والعَلَمْ هو العلامة والشرط، (لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ) يعني شرط من أشراط الساعة، وهو الذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة واتفق عليه [ …… ] حتى أنَّ أبا هريرة (إذا ساق ذلك قال لمن يروي له هذا الحديث: فإذا رأيت عيسى ابن مريم فأقرئه منّي السلام، ويرويها مَنْ بَعْدَه لمن بعده، فإذا رأيت عيسى ابن مريم فأقرئه مني السلام، وهذا من شدة إيمانهم وتصديقهم بنبينا صلى الله عليه وسلم الذي مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3 – 4].
عيسى عليه السلام يمكث ما شاء الله في الأرض أنْ يمكث ثم يموت ثم يُصَلَّى عليه.
– خروج يأجوج ومأجوج:
ويخرج في عهد عيسى عليه السلام يأجوج ومأجوج، وقد جاء ذكرهم في القرآن في سورتين، في سورة الكهف وفي سورة الأنبياء، قال عزوجل: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَاجُوجُ وَمَاجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ) [الأنبياء:96 – 97]، يعني الساعة، وفي سورة الكهف: (إِنَّ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً) [الكهف:94] الآيات، فأفادت الآيتان فائدتين:
الفائدة الأولى: أنَّ يأجوج ومأجوج موجودان اليوم وموجودان قبل ذلك فهما قبيلان أو قبيلتان أو شَعْبَانِ كبيران يعْظُمُ أمرهما عند قيام الساعة.
– الفائدة الثانية: أنَّهُمْ يأتون من كل حَدَبْ، قال في آية الأنبياء: (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ)، والحَدَبْ هو الجهة، و (يَنْسِلُونَ) هذا من النَسَلاَن وهو السير ليلاً، فهم يأتون من كل جهة، فربما مروا على البحيرة العظيمة فشربوا ماءها إلخ.
فخروج يأجوج ومأجوج في عهد عيسى عليه السلام، هذا من آيات الساعة الكبرى.
ثم يدعوا عليهم عيسى عليه السلام فيموتون ثم تُنْتِنُ الأرض التي هم فيها بنَتَنِ أجسادهم فيأمر الله عزوجل ريحاً أو طيوراً بحملهم في البحر.
(ثلاثة خسوف: خسفٌ بالمشرق وخسفٌ بالمغرب وخسفٌ بجزيرة العرب:
وهذه الخسوف الثلاثة، خسوفٌ عظيمة لم يسبق أَنْ حَدَثَ مثلها.
فالزلازل وخسوف الأرض تحدث في الأرض وهي من آيات الله عزوجل يبتلي بها ويعذِّبُ بها، ولكنها آيات عند قرب قيام الساعة لم يحدث لها مثيل، فهي غير مألوفة.
خسوف عظيمة كبيرة تكون في الشرق وفي الغرب وفي جزيرة العرب.
والخَسْفْ معروف أنَّهُ ذهاب الأرض إلى أسفلها، يعني ذهاب علو الأرض إلى أسفلها.
(طلوع الشمس من مغربها:
وطلوع الشمس من مغربها جاء ذكره في القرآن وكذلك في السنة الصحيحة، كما في قوله عزوجل: (يَوْمَ يَاتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً) [الأنعام:158].
والتوبة لا تزال مقبولة من العبد ما لم تطلع الشمس من مغربها.
وطلوع الشمس من مغربها حقٌ وصدق وهي آية غير مألوفة؛ لأنَّ المألوف أنَّ الشمس تطلع من الشرق ثم تغرب في الغرب، فكونها تعود من حيث جاءت أو من حيث غَرَبَتْ، تعود من الغرب إلى الشرق هذه آية عظيمة غير مألوفة تجعل الناس جميعاً يؤمنون.
ولهذا إذا طلعت الشمس من مغربها فإنَّ الناس يؤمنون لكن لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً، فيبقى بعد طلوع الشمس من مغربها الناس فيهم المؤمنون الذين آمنوا قبل طلوع الشمس من مغربها، وفيهم المنافقون والكافرون والمشركون.
خروج الدابة على الناس ضحى:
ثم تخرج الدابة، والدابة حيوان عظيم الخِلْقَةْ يُعْطِيهْ الله عزوجل القدرة على وَسْمْ الناس، كما قال عزوجل في آخر سورة النمل: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُون) [النمل:82].
(وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) يعني بقيام الساعة وبطلوع الشمس من مغربها.
(أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ)؛وفي قراءة أخرى: (تَكْلِمُهُمْ أنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ)؛وأيضاً (إِنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ)، يعني بفتح الهمزة من أَنَّ وكسرها.
وقوله: (تُكَلِّمُهُمْ) و (تَكْلِمُهُمْ) قراءتان صحيحتان تدلاَّنِ على معنيين مختلفين:
(المعنى الأول: أنها تُكَلِّمْ وتحدِّثْ الناس، وهي آية، والعادة في الحيوان أنَّهُ لا يُكَلِّمُ الناس، فهي تكلم الناس بلغاتهم وبما يفهمون عنها.
(المعنى الثاني: أنها تَكْلِمْ الناس بمعنى أنَّهَا تَسِمُ الناس، والوسْمُ سَمَّاهُ الله عزوجل هنا كَلْماً لأنه يكون معه كَلْمُ الجلد والتأثير في الجلد كما يحصل في وسْمِ الدواب فإنه لا بد فيه من جُرْحٍ فيها أو من أثرٍ فيها، فتَسِمُ الناس هذا مؤمن وهذا كافر، وهذه هي الآية الثامنة.
ثم بعد ذلك تأتي وليست من الآيات تأتي ريح يرسلها الله عزوجل خفيفة في ليلة فتقبض أرواح أهل الإيمان أو يموت معها أهل الإيمان، فيبقى أهل الكفر والنفاق والشرك يتهارجون في الأرض كتهارج الحُمُرْ فلا يقال في الأرض (الله الله) 10 كما جاء في الصحيح، يعني لا يُقَال في الأرض اتق الله اتق الله، أو أذكر الله أذكر الله.
– الدخان:
ثم يكون الدخان، والدخان حَصَلَ مَرَّةً كما في سورة الدخان؛ ولكنه ليس بالآية العظيمة كالدخان الذي يحصل قرب قيام الساعة، فذاك دخان يغشى الناس من أولهم إلى آخرهم في الأرض كلها ويشتد معه الخطب والأمر.
ومن أهل العلم من قال: إنَّ الآية في سورة الدخان المقصود بها ما هو في قرب قيام الساعة، وفي الأحاديث والسنة أنَّ الدخان حَصَلَ في المسلمين، يعني قد رآه المسلمون والمشركون في مكة، وهذا غير هذا.
– خروج النار التي تحشر الناس إلى أرض المحشر:
وآخرها نار تخرج من جنوب الجزيرة من قعر عدن؛ يعني يبدأ خروجها من هذا الموطن، ثم تنتشر في الأرض فتحيط بالناس تحشُرُهُمْ إلى أرض المحشر، تبيت معهم وتَقِيلُ معهم، وهذا أيضاً آية عظيمة أنَّ ناراً تتحرك تمشي تقف مع الناس ومع خوفهم حتى تحشر الناس إلى أرض المحشر.
ثم بعد ذلك يحصل النفخ في الصور: النفخة الأولى، نفخة الفزع والصّعق، ثم تكون أربعون وتكون نفخة البعث أعاننا الله عزوجل على كربات يوم القيامة وغفر الله لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.
– المسألة الخامسة:
الناس في ما كتبوا من أهل العلم في أشراط الساعة ما بين مُصِيبٍ مُدَقِّقْ وما بين متساهل.
ولهذا المؤلفات في هذا الباب كثيرة جِدَّاً، يعني وما بين كُتُبٍ مُؤَلَّفَة مستقلة وما بين شروحٍ في كتبٍ مطولة.
لكن ينبغي لطالب العلم أنْ يتحَرَّزْ في هذا الأمر وذلك لأنَّ أشراط الساعة أمرٌ غيبي، والأمور الغيبية يجب أنْ يُسَلَّمَ لها إذا صح فيها دليل، إذا كان الدليل من كتاب الله عزوجل أو كانَ الدّليل مما صح من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيها ما في جنس أخبار الغيب بأنه لا يُتَعَرَضُ لها بمجاز ولا بما يَنْفِيْ حقيقتها ولا بالتأويل الذي يصرفها عن ظواهرها.
فباب التأويل والمجاز مرفوضٌ في مسائل الغيب جميعهاً، أو رَدْ هذه الآيات بالعقلانيات وأنَّ العقل يُحيلُ مثل هذا، هذا كله مردود.
ولهذا تجد في الكتب المؤلفة والشروح، ربما ما يصرف الأحاديث عن ظاهرها والواجب هو التسليم لها.
وهذا يَدْخُلْ في مقتضى الشهادة بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه من مقتضى الشهادة معناها تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، فكل ما أخبر به من أمور الغيب ومن قصص السالفين ومما لم تُدْرِكْهُ فيجب التصديق به والإيمان بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم يُبَلِّغُ عن ربه عزوجل وتقدست أسماؤه.
والناس في مسائل أشراط الساعة كما ذكرت في أول الكلام:
* منهم من يتأولها وينفي ما لا يدل عليه العقل، ويأخذ بما دلَّ عليه العقل.
* ومنهم من يتأول بعضاً.
* ومنهم من يؤمن بها على ظاهرها كما جاءت لأنها أمورٌ غيبية وهذا هو الذي ينبغي.
لهذا تجد مثلاً أنَّ في نزول عيسى عليه السلام والمهدي إذا جاء أنَّهُ يكون مثلاً بالسيف وبالخيل، والسيف والخيل قال فيها صلى الله عليه وسلم: “إني لأعرف -أو لأعْلَمُ- أسماء خيولهم وألوانها”، أو كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم، وهذا تأكيد للحقيقة.
وكذلك أشراط الساعة الأخرى مثل خروج الدجال وأن يسمع به الناس:
فمِنَ الناس من قال أنَّ الدجال مثلاً يركب الطائرة، مما أُلِّفْ في هذا الباب، يركب الطائرة وأنه يَسْمَعْ الناس بخبره عن طريق كذا وكذا من الآلات التي هي موجودة الآن، وهذا مما لا يصلح أنْ يُثْبَتْ ولا أنْ يُنْفَى.
بل الواجب في مثل هذا التسليم للخبر لأنه إثباته فيه إثبات أنَّ هذه الأشياء ستبقى إلى خروجه، وهذا ما ليس لنا به علم، والنفي أيضاً نفيٌ بما لم نُدْرِكْ علما.
والواجب في هذا التسليم وأن لا يخوض الناس في عقليات تنفي ظاهر الأدلة.
فنؤمن بها كما جاءت ولا ندخل فيها كما ذكرت بتأويلٍ أو بمجازٍ يصرفها عن ظواهرها.
(المسألة السادسة:
عيسى ابن مريم عليه السلام إذا نزل فإنَّهُ ينزِلُ تابِعَاً لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنَّهُ ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم وَجَبَ على من يكون حَيَّاً أنْ يؤمن به.
ولهذا عيسى عليه السلام إذا نَزَلْ وكان الإمام يُصَلِّيْ بالناس أو يريد الصلاة، فيأتي يَتَأَخَّرْ ليتقدم عيسى عليه السلام، فيقول عيسى عليه السلام (لا، إمامكم منكم تَكْرِمَةُ الله لهذه الأمة).
وهذا فيه الدِّلالة من أول وهلة ومن أول لحظة على أنَّهُ تابعٌ لمحمد صلى الله عليه وسلم، وليس رسولاً مُتَجَدِّدَاً يعني كما كان قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم.
ولهذا إذا نزل عليه السلام فإنه يكون حاكماً بكتاب الله عزوجل وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وينطَبِقُ في حَدِّهِ عليه السلام أنَّهُ صحابي أيضاً لأنَّهُ رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج حياًّ وينزل بعد ذلك مُتَّبِعَاً له ويموت على اتِّبَاعِهِ لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم.
وهذا ينطبق عليه حد الصحابي أنَّهُ من لقي النبي صلى الله عليه وسلم ساعَةً مؤمناً به ومات على ذلك.
ولهذا بعض أهل العلم ربما ألْغَزْ فقال: مَنْ رجل مِنْ أمة محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل من أبي بكر بالإجماع؟
والجواب أنَّهُ عيسى عليه السلام لأنَّهُ تفضيله لأنه رسول ومن أولي العزم من الرسل وهو من أتْبَاعِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم بعد نزوله.
فبعد أنْ ينزل ويُخَاطَبْ ويحكم في الأرض بشريعة الإسلام لأنَّ شريعة الإسلام ناسخةٌ لما قبلها من الشرائع.
(المسألة السابعة:
أشراط الساعة ربما حَلاَ لبعض الناس أنْ يُنَزِّلَهَا على الواقع الذي يعيش فيه، دون تحقيقٍ في انطباقها على ما ذكر.
ولهذا ألَّفَ مَنْ أَلَّفْ من المعاصرين في أنَّ هذه العلامة أو هذا الشرط هو كذا بعينه.
وهذا مما لا يتجاسر العلماء عليه بل يتحرون فيه أَتَمْ التَّحَرِّيْ فإنَّ تطبيق الواقع على أنَّهُ هو ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم هذا يحتاج إلى علم لأنَّهُ إخبارٌ بما تؤول إليه أحاديثه صلى الله عليه وسلم وهذا يحتاج إلى علم، والله عزوجل يقول: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَاوِيلَهُ) [الأعراف:53]، يعني ما تؤول إليه حقائق أخباره، وهذا ربما لم يظهر لكل أحد، -يعني الآية في يوم القيامة لكن انتظار التأويل يعني ما تؤول إليه حقائق الأخبار-.
بعضها ظاهر مثل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، انشقاق القمر، موت النبي صلى الله عليه وسلم، الموتان يعني الطاعون الذي حصل، طاعون عمواس في سنة 18 من الهجرة ونحو ذلك، مثل النار التي خرجت من المدينة.
لكن في بعضها يكون ثَمَّ اشتباه، هل هو منطبق أو ليس بمنطبق، هل هو تمت، يعني هل الصفات منطبقة أو ليست كذلك.
ولهذا كما ذكرت لك في أول الكلام أنَّ أشراط الساعة إيرادُهَا من الشارع إنما هو لأمرين:
1 – لأجل الإيمان بها. … 2 – ثُمَّ لتكون دِلَالَةْ من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
فوجود الأحاديث أو ذِكْرِ الشيء من أشراط الساعة لا يقتضي مدحاً ولا ذمَّاً ولا نستفيد منه حكماً شرعياً.
مثلاً حديث: “لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد، وكما في حديث عمر المشهور في قصة جبريل، قال: أخبرني عن السَّاعة، قال: “ما المسؤول عنها بأعلم من السائل”، قال: فأخبرني عن أشراطها، قال: “أنْ تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان”.
منهم من طَبَّقْ (أنْ تلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا) على عصرٍ من العصور أو على وضعٍ من الأوضاع.
ومنهم من طَبَّقَ (الحفاة العراة العالة رعاء الشاء) على وقتٍ من الأوقات.
ومثل ما جاء من نُطْقْ الحديد، مثل (وأَنْ تُحَدِّثَ المرأ عَذَبَةُ سوطه) 15.
المعتمد عند أهل العلم أنَّ مثل هذه الأحاديث لم تَرِدْ للأحكام الشرعية وإنما وردت للإخْبَارِ بها لتكون دليلاً على نبوته صلى الله عليه وسلم ولابتلاء الناس بالإيمان بخبره صلى الله عليه وسلم حتى يظهر المُسَلِّمْ له صلى الله عليه وسلم من غير المُسَلِّمْ.
لهذا احذر من التطبيق، وخاصَّةً في ما يشتبه.
قد مَرَّتْ أَزَمَاتْ ومَرَّتْ فِتَنْ ومَرَّتْ أشياء، من الناس من طَبَّقْ فأخطأ في ذلك، وهو ربما بَنَى على تطبيقه أشياء من التصرفات أو الآراء أو الأحوال فأخطأ في ذلك خطأً بليغاً، وظَهَرَ بيان خطئه.
والشارح ابن أبي العز اقْتَضَبَ جداً في شرحه فاقتصر على إيراد الأحاديث الواردة في هذا الباب.
ومن أفضل الكتب في اشراط الساعة كتاب “النهاية” للحافظ ابن كثير لأنه مُحَرر، ومن الكتب المعاصرة كتاب أشراط الساعة ليوسف الوابل، وكذلك كتاب: “إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة” للشيخ العلامة حمود بن عبد الله التويجري /، ونحو هذه الكتب. ” شرح الطحاوية ” للشيخ صالح ال الشيخ حفظه الله
=====
=====
الإيمان بنعيم القبر وعذابه
من عقيدة أهل السنة والجماعة: الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، وأنّه إما حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة.
وقد جاءت النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة تدلّ على إثبات نعيم القبر للمؤمنين، وعذابه للعاصين والكافرين، أعاذنا الله من عذابه، وجعل قبورنا وقبور إخواننا المسلمين روضة من رياض الجنة، وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
قال ابن تيمية في النبوات (2/ 711 – 712): [خَطَايَاهُمْ] 1 أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارَاً} 2، وقال عن آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوَّاً وَعَشِيَاً وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَاب}. انتهى
فمنها: قوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}. [النحل، 32]، وقال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي}. [الفجر، 27 – 29]، وقال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}. [إبراهيم، 27]، وقال تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ}. [السجدة، 21]، وقال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ}. [البقرة، 154].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة». متفق عليه.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إن أهل القبور يعذبون في قبورهم عذابا تسمعه البهائم». متفق عليه.
الإجماع:
الإيمان بنعيم القبر وعذابه، لأن ذلك ثابت بالقرآن والسنة وإجماع السلف. ” التلخيص المعين في شرح الاربعين ” للعلامة ابن عثيمين رحمه الله.
[هل العذاب و النعيم يقع على الروح و الجسد]
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
والظاهر أنَّ العذاب والنعيم وما يحصل في البرزخ يقع على الإنسان بروحه وجَسَدِه؛ لكن تَعَلُّقْ الروح بالجسد هنا يختلف، لهذا صار قول أهل السنة والجماعة أنَّ العذاب يقع على الروح وعلى الجسد، وأنَّ النعيم أيضاً في المقابل للروح وللجسد. شرح العقيدة الطحاوية (524).
قال الشيخ صالح ال الشيخ حفظه الله:
عذاب القبر مُسَلَّطٌ على الإنسان المُكَلَّفْ، والإنسان المُكَلَّفْ اسْمْ لِرُوحِهِ وجَسَدِهِ، ولذلك الأدلة التي دَلَّتْ على حصول عذاب القبر تتناول الروح والجسد معاً، فالعذاب والنعيم يقع على الروح ويقع على الجسد.
يقع على الروح مُتَّصِلَةً بالجسد بنوع من الاتصال الذي يصلح للحياة البرزخية، ويقع على الروح مُجَرَّدَة، وربما على البدن مُجَرَّدَاً؛ يعني على البدن وحده ونحو ذلك.
ذكر هذا طائفة من العلماء لأجل دِلَالَةْ النصوص على هذا وهذا.
[المسألة الثالثة]:
المخالف في تَعَلُّقْ الروح بالبدن هنا ربما كان من المنتسبين للسنَّة، فمن المنتسبين للسنة من العلماء من يقول العذاب على الروح والنعيم للروح وأما البدن فإنه لا يُعَذَّبْ ولا يُنَعَّمْ كما ذكرنا، ولهذا صارت أقوال أهل السنة في هذه المسألة؛ يعني المنتسبين للسنة ثلاثة أقوال:
1 – القول الأول: قول أهل السنة الذي دَوَّنوه في عقائدهم وقَرَّرَهُ أَئِمَّتُنَا أَنَّ العذاب -كما ذكرنا- والنعيم يقع على الروح والجسد معاً على هذا وهذا.
2 – القول الثاني: أَنَّهُ على الروح فقط دون الجسد، وهذا قول طائفة منهم ابن حزم، وطائفة من المعتزلة والأشاعرة وجماعة، هذه إضافة المعتزلة والأشاعرة، وأقوال أهل السنة يدخل فيها ابن حزم.
3 – القول الثالث: أَنَّ العذاب والنعيم يكون للروح والبدن ما دام باقياً، وأما إذا تحلل فإنه يكون العذاب والنعيم للروح فقط.
وظاهر الأدلة كما ذكرنا هو الأول وهو الذي قَرَّرَهُ الأئمة وللمسألة تفصيل وردود على ابن حزم وعلى غيره تُطْلَبْ من المطولات.
” شرح الطحاوية “.
الايمان بمنكر و نكير
قال العلامة الآلوسي: وقد اتفق سلف الأمة قبل ظهور الخلاف وأكثرهم بعد ظهوره على إثبات إحياء الموتى في قبورهم ومساءلة الملكين لهم وتسمية أحدهما منكرا والآخر نكيرا وعلى إثبات عذاب القبر للمجرمين والكافرين. ” الآيات البينات” (88) بتحقيق العلامة الالباني رحمه الله
علق الإمام الألباني على قول صاحب الطحاوية: “ونؤمن … بعذاب القبر لمن كان له أهلا وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وعن الصحابة رضوان الله عليهم ” قائلا]:
وهي [أي أخبار السؤال في القبر] متواترة إلا تسمية الملكين بمنكر ونكير ففيه حديث بإسناد حسن مخرج في ” الصحيحة ” (1391).
“التعليق على متن الطحاوية” (ص85).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله: “فأما أحاديث عذاب القبر ومسألة منكر ونكير؛ فكثيرة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ مثل ما في “الصحيحين” عن ابن عباس – رضي الله عنهما؛ “أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين، فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير، أما أحدهما؛ فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله، ثم دعا بجريدة رطبة، فشقها نصفين، ثم غرز في كل قبر واحدة، فقالوا: يا رسول الله! لم فعلت هذا؟ قال: “لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا”، وفي “صحيح مسلم”وسائر السنن عن أبي هريرة – رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير؛ فليقل: أعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال”.
وساق الشيخ أحاديث كثيرة في هذه الباب، إلى أن قال: “وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلاً، وسؤال الملكين؛ فيجب اعتقاد ذلك والإيمان به، ولا نتكلم عن كيفيته؛ إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته؛ لكونه لا عهد له في هذه الدار، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول، ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول، فإن عود الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا، بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا … ”
إلى أن قال: “واعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ؛ فكل من مات وهو مستحق للعذاب؛ تاله نصيبه منه؛ قبر أو لم يقبر، أكلته السباع، أو احترق حتى صار رمادًا ونسف في الهواء، أو صلب، أو غرق في البحر؛ وصل إلى روحه ونحو ذلك؛ فيجب أن يفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مراده؛ من غير غلو ولا تقصير؛ فلا يحمل كلامه ما لا يحتمله، ولا يقصر به عن مراده وما قصد من الهدى والبيان؛ فكم حصل من إهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله”.
إلى أن قال:”فالحاصل أن الدور ثلاث: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، وقد جعل الله لكل دار أحكاما تخصها، وركب هذا الإنسان من بدن ونفس، وجعل أحكام الدنيا على الأبدان والأرواح تبعُ لها، وجعل أحكام البرزخ على الأرواح والأبدان تبع لها، فإذا جاء يوم حشر الأجسام وقيام الناس من قبورهم؛ صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد جميعا.
” الإرشاد الى صحيح الإعتقاد” (280 – 281) للعلامة الفوزان حفظه الله.