6551 التعليق على صحيح مسلم
فضائل أبي هريرة رضي الله عنه
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، وسامي آل سالمين، وعلي آل رحمه، وكرم.
ومجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق وموسى الصوماليين، وخميس العميمي.
وشارك ابوصالح وأحمد بن علي وعبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمداللرسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله. ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا)
——‘——-‘——-‘
——–‘——-‘——
بَابُ مِنْ فَضَائِلِ أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صحيح مسلم
35 – باب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيِّ رضى الله عنه
6551 – حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَامِيُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ، يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلاَمِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَكْرَهُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلاَمِ فَتَابَى عَلَىَّ فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ” اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ “. فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَىَّ فَقَالَتْ مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ قَالَ – فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا فَفَتَحَتِ الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ – قَالَ – فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ – قَالَ – قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ قَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ.
فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا – قَالَ – قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا – قَالَ – فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ” اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا – يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ – إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ “. فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلاَ يَرَانِي إِلاَّ أَحَبَّنِي.
6552 – حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الأَعْرَجِ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ كُنْتُ رَجُلاً مِسْكِينًا أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مِلْءِ بَطْنِي وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ وَكَانَتِ الأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمُ الْقِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ” مَنْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ فَلَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي “. فَبَسَطْتُ ثَوْبِي حَتَّى قَضَى حَدِيثَهُ ثُمَّ ضَمَمْتُهُ إِلَىَّ فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ.
6553 – حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مَعْنٌ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كِلاَهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي، هُرَيْرَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا، انْتَهَى حَدِيثُهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِ الرِّوَايَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ” مَنْ يَبْسُطْ ثَوْبَهُ “. إِلَى آخِرِهِ.
6554 – وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ، شِهَابٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَلاَ يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُسْمِعُنِي ذَلِكَ وَكُنْتُ أُسَبِّحُ فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ.
6555 – قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ يَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدْ أَكْثَرَ وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ وَيَقُولُونَ مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لاَ يَتَحَدَّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ إِنَّ إِخْوَانِي مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَرَضِيهِمْ وَإِنَّ إِخْوَانِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مِلْءِ بَطْنِي فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا وَلَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا ” أَيُّكُمْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ فَيَاخُذُ مِنْ حَدِيثِي هَذَا ثُمَّ يَجْمَعُهُ إِلَى صَدْرِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْسَ شَيْئًا سَمِعَهُ “. فَبَسَطْتُ بُرْدَةً عَلَىَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ حَدِيثِهِ ثُمَّ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي فَمَا نَسِيتُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ شَيْئًا حَدَّثَنِي بِهِ وَلَوْلاَ آيَتَانِ أَنْزَلَهُمَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مَا حَدَّثْتُ شَيْئًا أَبَدًا {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إِلَى آخِرِ الآيَتَيْنِ.
6556 – وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ إِنَّكُمْ تَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ.
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة) كان الأصل أن يقول: أمي، ولكنه آثر التجريد، ليطابق المدعو به، فإنه لن يقول: اللهم اهد أمك.
(فلما جئت فصرت إلى الباب) أي فوصلت إلى باب بيتي.
(فإذا هو مجاف) أي مغلق، يقال: أجاف الباب إذا رده، وفي حديث الحج أنه صلى الله عليه وسلم دخل البيت، وأجاف الباب.
(فسمعت أمي خشف قدمي) بفتح الخاء وسكون الشين، أي صوت قدمي في الأرض.
(فقالت: مكانك) ظرف لفعل محذوف، أي قف مكانك.
(وسمعت خضخضة الماء) أي صوت تحريكه وصبه.
(ولبست درعها، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب) درع المرأة قميصها، وخمارها الثوب الذي تغطي به رأسها، وعجل عن كذا إلى كذا، أي أسرع إلى كذا متجاوزا كذا، والمعنى أنها لبست القميص، وأسرعت إلى الباب تفتحه، تاركة خمارها.
(فما خلق مؤمن يسمع بي، ولا يراني إلا أحبني) هذا في اعتقاد أبي هريرة وعلمه، وما يحسه من الناس، وليس بلازم، فحب جميع المؤمنين غاية لا تدرك.
(إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) الزعم مطية الكذب، وتستعمل المادة – غالبا – فيما ليس له أصل.
ويكثر الحديث أي يكثر ذكر الأحاديث والتحديث والرواية والخطاب في إنكم لبعض الصحابة، أي إن بعض الصحابة يقولون … ، وفي الرواية الرابعة يقولون: إن أبا هريرة قد أكثر وفي ملحقها إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية للبخاري إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة.
(والله الموعد) بفتح الميم، وفيه حذف، تقديره: وعند الله الموعد، لأن الموعد إما مصدر، وإما ظرف زمان، أو ظرف مكان، وكل ذلك لا يخبر به عن الله تعالى، ومراده أن الله تعالى يحاسبني إن تعمدت كذبا، ويحاسب من ظن بي ظن السوء.
(كنت رجلا مسكينا، أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني) أي ألازمه من أجل قوتي اليومي، ولا أجمع مالا أدخره، وليس المراد الخدمة بالأجرة، وملء بكسر الميم، أي إن السبب الأولى الذي اقتضى له كثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمران، ملازمته له، ليجد ما يأكله، لأنه لم يكن له شيء يتجر فيه، ولا أرض يزرعها، ولا يعمل فيها، فكان لا ينقطع عنه، خشية أن يفوته القوت، فحصل له بهذه الملازمة كثرة سماعه الأقوال، ورؤيته الأفعال، مما لا يحصل لغيره، ممن لم يلازمه ملازمته، الأمر الثاني ما سيذكره من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له، وفي رواية للبخاري وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون.
(وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم) يشغلهم بفتح الياء، وحكي ضمها، والصفق في الأسواق كناية عن التبايع، وكانوا يصفقون بالأيدي من المتبايعين، بعضها على بعض، والسوق مؤنثة، وقد تذكر، سميت بذلك لقيام الناس فيها على سوقهم، وفي الرواية الرابعة ويقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدثون مثل أحاديثه؟ وسأخبركم عن ذلك.
إن إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أرضهم، وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يبسط ثوبه فلن ينسى شيئا سمعه مني، فبسطت ثوبي، حتى قضى حديثه، ثم ضممته إلي، فما نسيت شيئا مما سمعته منه) هذا هو السبب الثاني، وفي الرواية الرابعة ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما: أيكم يبسط ثوبه، فيأخذ من حديثي هذا، ثم يجمعه إلى صدره، فإنه لم ينس شيئا سمعه، فبسطت بردة علي، حتى فرغ من حديثه، ثم جمعتها إلى صدري، فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا، حدثني به.
(أن عائشة قالت: ألا يعجبك أبو هريرة؟) الخطاب من عائشة لابن أختها، عروة بن الزبير، والمعنى: تعجب من أبي هريرة، فعند أبي داود ألا أعجبك من أبي هريرة.
(جاء، فجلس إلى جنب حجرتي، يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، يسمعني ذلك) أي يسمعني أحاديث ليأخذ موافقتي على صحتها، أو ليسمع مني اعتراضا على بعضها.
(وكنت أسبح، فقام قبل أن أقضي سبحتي) أي كنت أصلي نافلة الضحى.
(ولو أدركته لرددت عليه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم) وكأن عائشة لم توافق أبا هريرة على سرعة تحديثه، ومتابعة الحديث للحديث، والاستعجال في رواية الحديث، وكانت لو لحقته لنصحته أن يروي ما يروي فصلا، فهما، تفهمه القلوب، ولو لحقته لأنكرت عليه الإسراع، وبينت له أن الترتيل في التحديث أولى من السرد، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كما يسرده أبو هريرة.
واعتذر بعضهم عن أبي هريرة بأنه كان واسع الرواية، كثير المحفوظ، فكان لا يتمكن من المهل عند إرادة التحديث، من تزاحم المعلومات.
(لولا آيتان أنزلهما الله في كتابه، ما حدثت شيئا أبدا) وفي رواية البخاري ما حدثت حديثا أي لولا أن الله ذم الكاتمين للعلم، ما حدث أصلا، لكن لما كان الكتمان حراما، وجب الإظهار. [انتظر: المنهاج للنووي، وفتح المنعم]
ثانياً: المسائل المتعلقة بالحديث:
– يؤخذ من الحديث:
1 – استجابة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم على الفور بعين المسئول، بخصوص هداية أم أبي هريرة.
2 – وهو من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم.
3 – واستحباب حمد الله عند حصول النعم.
4 – فضيلة أبي هريرة.
5 – فضيلة حفظ العلم، قالوا: ولم يحدث أبو هريرة بجميع محفوظاته، ومع ذلك فالموجود من حديثه أكثر من الموجود من حديث غيره من المكثرين.
6 – أخذ من قوله في الرواية الثانية فما نسيت شيئا سمعته منه ومن قوله في الرواية الرابعة فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثني به أن أبا هريرة لم ينس شيئا من الأحاديث التي سمعها، وأن عدم النسيان عنده خاص بالحديث، فإن قيل: قد أخرج ابن وهب من طريق الحسن بن عمرو ابن أمية، قال: تحدثت عند أبي هريرة بحديث، فأنكره، فقلت: إني سمعته منك؟ فقال: إن كنت سمعته مني فهو مكتوب عندي.
فهذا يدل على وقوع نسيانه في الحديث، ويحمل عدم النسيان على عدم نسيان تلك المقالة، يستأنس لذلك برواية شعيب فما نسيت من مقالته تلك من شيء مما يخص عدم النسيان بتلك المقالة، ويلتحق بهذا حديث أبي سلمة عنه لا عدوى فإنه قال فيه: إن أبا هريرة أنكره، قال: فما رأيته نسي شيئا غيره.
قال الحافظ ابن حجر: سند حديث ابن وهب ضعيف، وعلى تقدير ثبوته فهو نادر، وسياق الكلام في روايتنا يقتضي ترجيح العموم، لأن أبا هريرة نبه بذلك على كثرة محفوظه من الحديث، والوثوق منها، فلا يصح حمله على تلك المقالة وحدها.
7 – وعدم نسيان أبي هريرة معجزة واضحة، من علامات النبوة، لأن النسيان من لوازم الإنسان، وقد اعترف أبو هريرة بأنه كان يكثر من النسيان، ثم تخلف عنه ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المستدرك للحاكم، من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: كنت أنا وأبو هريرة وآخر، عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ادعوا، فدعوت أنا وصاحبي، وأمن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعا أبو هريرة، فقال: اللهم إني أسألك مثل ما سألك صاحباي، وأسألك علما لا ينسى، فأمن النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا: ونحن كذلك يا رسول الله.
فقال: سبقكما الغلام الدوسي.
8 – وفي عمل أبي هريرة فضيلة التقليل من الدنيا، وأنه أمكن لحفظ العلم.
9 – وفي انشغال المهاجرين والأنصار، وتقريرهم على ذلك فضيلة التكسب لمن له عيال.
10 – وفيه جواز تحديث الإنسان بما فيه من فضائل، إذا اضطر إلى ذلك، وأمن من الإعجاب.
11 – وفي الحديث دلالة على حرصهم على التوثيق بالرواية، لقولهم: أكثر أبو هريرة.
12 – وأن كثيرا من أكابر الصحابة كان يغيب عنه بعض ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم أو يفعله من الأعمال التكليفية.
13 – وفيه الرد على الرافضة والخوارج الذين يزعمون أن أحكام النبي صلى الله عليه وسلم وسننه منقولة .. عنه بالتواتر، وأنه لا يجوز العمل بما لم ينقل متواترا، وقد انعقد الإجماع على القول بالعمل بأخبار الآحاد.
والله أعلم. [فتح المنعم]
2 – ترجمة الصحابي الجليل:
أبو هُرَيْرَةَ
عَبْدُ الرَّحمَنِ بنُ صَخْرٍ الدَّوسيُّ اليَمانيُّ، حَافِظُ الصَّحَابَةِ، ورَاوِيَةُ الإسْلامِ
المُتَوفَّى سَنَةَ (57)
رضي الله عنه
• اسمه ونسبه، ومولده ونشأته رضي الله عنه: اسم ولقب أبي هريرة
اسمه، ونسبه:
هو أبو هريرة الدوسي الأزدي اليمامي من دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران، اختلفوا في اسمه واسم أبيه، ” فمن المتفق عليه من ذلك: أبو هريرة الدَّوسِي.
واختُلف في اسمه واسم أبيه اختلافاً كثيراً منتشراً لم يختلف مثله في اسم أحد في جاهلية أو إسلام.
قال النووي: اسمه عبدالرحمن بن صخر على الأصح من نحو ثلاثين قولاً”. [الرياض المستطابة]
قال الذهبي رحمه الله تعالى: ” الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُجْتَهِدُ، الحَافِظُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ، اليَمَانِيُّ، سَيِّدُ الحُفَّاظِ الأَثْبَاتِ.
اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ عَلَى أَقْوَالٍ جَمَّةٍ، أَرْجَحُهَا: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَخْرٍ. [ولذا يُقَالُ أنه: كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ اسْمُهُ: عَبْدُ شَمْسٍ، أَبُو الأَسْوَدِ، فَسَمَّاهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَبْدَ اللهِ]
َ”. [السير، بتصرف].
قال النووي: اسمه عبد الرحمن بن صخر على الأصح من ثلاثين قولا، قال القطب الحلبي: اجتمع في اسمه واسم أبيه أربعة وأربعون قولا، مذكورة في الكنى للحاكم وفي الاستيعاب وفي تاريخ ابن عساكر.
قال البخاري: روى عنه نحو الثمانمائة من أهل العلم، وكان جريئا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره.
وكنيته:
قال الذهبي: ” [وَكَنَّاهُ (النبي صلى الله عليه وسلم) أَبَا هُرَيْرَةَ]، وَالمَشْهُوْرُ عَنْهُ: أَنَّهُ كُنِيَ بِأَوْلاَدِ هِرَّةٍ بَرِّيَّةٍ.
قَالَ: وَجَدْتُهَا، فَأَخَذْتُهَا فِي كُمِّي، فَكُنِيْتُ بَذَلِكَ”.
وعن أَبُو مَعْشَرٍ نَجِيْحٌ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: لاَ تُكْنُوْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ، كَنَّانِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا هِرٍّ، فَقَالَ: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَبَا هِرٍّ))، وَالذَّكَرُ خَيْرٌ مِنَ الأُنْثَى.
وَعَنْ كَثِيْرِ بنِ زَيْدٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ رَبَاحٍ:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُوْلُ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُوْنِي: أَبَا هِرٍّ [السير، بتصرف]
وأمُّه:
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: وَأُمُّهُ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – هِيَ: مَيْمُوْنَةُ بِنْتُ صَبِيْحٍ. [السير، بتصرف]
وعنه رضي الله عنه أنه قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يومًا فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي قلت يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليَّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادعُ الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ» …. (مسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل أبي هريرة الدوسي رضي الله عنه (2491)، وأحمد (8242)).
أن ملازمة العلماء وسؤالهم في كيفية التعامل مع الأخرين،
فرع: إسلامه:
أسلم عام خيبر سنة سبع من الهجرة، وقدم المدينة مهاجرًا وسكن الصُّفَّة، وكان قد شهد خيبر مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ لزمه وواظب عليه رغبة في العلم.
وصحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين، وقيل ثلاث سنين، قيل: كان سنه يوم أسلم ثلاثين عاما.
وكان إسلامه على يد الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي؛ فلمَّا أسلم الطفيل بن عمرو الدوسي دعا قومه فأسلموا، وقَدِمَ معه منهم المدينة سبعون أو ثمانون أهل بيت. وفيهم أبو هريرة. (الطبقات الكبرى لابن سعد، 1/ 265)، وغيره.
• أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربية أبي هريرة رضي الله عنه:
كان للنبيِّ الأثر الأكبر في تنشئة وتربية أبي هريرة؛ فعنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كُنْ وَرِعًا، تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَكُنْ قَنِعًا، تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحْسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ، تَكُنْ مُسْلِمًا، وَأَقِلَّ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ». (ابن ماجه: كتاب الزهد، باب الورع والتقوى، (4217) وصحَّحه الألباني. انظر: صحيح الجامع الصغير وزيادته (7833)).
- علمه وما قيل عنه:
قال الذهبي رحمه الله تعالى: ” حَمَلَ عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِلْماً كَثِيْراً، طَيِّباً، مُبَارَكاً فِيْهِ، لَمْ يُلْحَقْ فِي كَثْرَتِهِ، وَعَنْ: أُبَيٍّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأُسَامَةَ، وَعَائِشَةَ، وَالفَضْلِ، وَبَصْرَةَ بنِ أَبِي بَصْرَةَ، وَكَعْبٍ الحَبْرِ”. [السير]أ – علم أبي هريرة رضي الله عنه:
أحاديثه يشمل الأحكام الإسلامية من العقيدة والفقه والسلوك والزهد، فكان يعد من علماء الصحابة وفقهائهم، وقد أخذ العلم أيضًا عن جمع غفير من الصحابة رضي الله عنهم، وأخذ العلم عنه جمع غفير.
قال الذهبي رحمه الله تعالى: ” الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُجْتَهِدُ، الحَافِظُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ، اليَمَانِيُّ، سَيِّدُ الحُفَّاظِ الأَثْبَاتِ. [السير]ب – روايته رضي الله عنه:
هو معدود من أصحاب الألوف في مسند بقي بن مخلد، هو أنس، وعبدالله بن عمر، وعائشة رضي الله عنهم.
“روى رضي الله عنه في جميع المسندات والأجزاء والدواوين، وله في الصحيحين ستماية حديث وتسعة أحاديث، اتفقا على ثلاثماية وستة وعشرين، وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين، ومسلم بمائة وتسعين.
روى عن: جماعة من الصحابة. وروى عنه جماعة منهم.
[وقد روى] عنه الجمُّ الغفير من التابعين.
قيل: بلغ عددهم ثمانمائة، تأخر عنهم المقبري وهمام وموسى بن وردان ومحمد بن زياد الجهني”. [الرياض المستطابة].
والمكثرين حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هم أبو هريرة مع تأخر إسلامه وذلك لخصوصية له من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعا له بالحفظ، وأكثرهم بعده ابن عمر وعائشة، وابن عباس وجابر بن عبدالله وأنس بن مالك، وفي هذا المعنى يقول الناظم رحمه الله:
والمكثرون بحرهم وأنس
عائشة وجابر المقدسي
صاحب دوس وكذا بن عمر
ربي قني والمكثرين الضررا
ج – (شيوخه) فقد روى عن:
روى عن النبي – صلى الله عليه وسلم – علما جما، وعن أبي بكر، وعمر، وعثمان، ومعاذ، وأسيد بن الحضير، وأبي طلحة وأمه أم سليم بنت ملحان، وخالته أم حرام، وزوجها عبادة بن الصامت، وأبي ذر، ومالك بن صعصعة، وأبي هريرة، وفاطمة النبوية، وعدة. [السير]
د – (تلاميذه) وروى عنه جمع من الصحابة وخلق من التابعين منهم:
قال الذهبي رحمه الله: ” روى عنه خلق عظيم.
حَدَّثَ عَنْهُ: خَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ.
فَقِيْلَ: بَلَغَ عَدَدُ أَصْحَابِهِ ثَمَانِ مائَةٍ، فَاقْتَصَرَ صَاحِبُ (التَّهْذِيْبِ)، فَذَكَرَ مَنْ لَهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ فِي كُتُبِ الأَئِمَّةِ السِّتَّةِ”، والذهبي رحمه الله ذكر جملة كبيرًا منهم ومن روى عنه من النساء، وسيأتي شيء من ذلك، عند ذكر ما يضبط أهم الطرق في (أشْهَرُ أسَانِيْدِه).
“وَقَدْ حَدَّثَ بِدِمَشْقَ”. [السير]
[ما روي عن حفظه رضي الله عنه وأسباب ذلك:]
كان رضي الله عنه من أكثر الصحابة حفظًا للحديث، حيث قال رضي الله عنه: “مَا كَانَ أَحَدٌ أَحْفَظَ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي إلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنِّي كُنْتُ أَعِي بِقَلْبِي وَكَانَ يَعِي بِقَلْبِهِ، وَيَكْتُبُ بِيَدِهِ؛ اسْتَاذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ “فَأَذِنَ لَهُ”.
قال الحافظ الذهبيُّ عن حفظه: كان حفظه الخارق من معجزات النبوة.
مرَّت به مسغبةٌ شديدةٌ، واحتاج، ولزم المسجد، حتى قال عن نفسه: لقد رأيتني أُصرع بين القبر والمنبر من الجوع، حتى يقولوا: مجنونٌ!
وكان من أهل الصُّفَّة، وهم أضياف الإسلام، لا أهل ولا مال، إذا أتت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صدقةٌ، أرسل بها إليهم، ولم يصب منها شيئًا، وإذا جاءته هديةٌ، أصاب منها، وأشركهم فيها.
دعا له النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – فقال: ((اللَّهمَّ حبِّب عبيدك هذا وأمَّه إلى عبادك المؤمنين وحبِّبهم إليهما))، انظر: سير أعلام النبلاء ط. الرسالة (2/ 593).
روى خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثًا
روي عنه، قال: ” أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعاءين: أما أحدهما: فبثثته، وأما الآخر فلو أخرجتهُ قطع مني هذا البلعوم”.
وروي عن أحمد بن حنبل، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، في المنام فقلتُ يا رسول الله ما روى أبو هريرة عنك حق؟ قال: نعم.
قال الشافعي رحمه الله: أبو هريرة أحفظُ من روى الحديث في دهره. [الرياض المستطابة، و (شرح مشكل الآثار للطحاوي، 4/ 355، والجواهر المضية في طبقات الحنفية لعبد القادر القرشي، 2/ 412، وجوامع السيرة لابن حزم، ص275)].
فرع: أسانيده:
” عَدَدُ مَرْوِيَّاتِه في الكُتُبِ السِّتَّةِ (3343)، وهناك أسَانِيْد مشهورة في الرواية عنه
* وأمَّا ثَانِيًا: فَأشْهَرُ أصْحَابِهِ رِوَايَةً عَنْهُ، سَبْعَةٌ، وهُم:
1ـ أبو صَالِحٍ، 2ـ أبو سَلَمَةَ، 3ـ الأعْرَجُ، 4ـ سَعِيْدُ بنُ المُسَيَّبِ، 5ـ سَعِيْدٌ المقْبُريُّ، 6ـ همَّامُ بنُ مُنبِّهٍ، 7ـ مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، رَحِمَ اللهُ الجَمِيْعَ.
* * *
[المصدر: أصح وأشهر الرواة ممن تدور عليهم أسانيد «الكتب الستة» [مختصرة للحفظ والضبط]. هذه فصول مستلة من كتاب توريق المنة لحفاظ الأسانيد والسنة، للشيخ: ذياب الغامدي]
هـ – مناقبه:
وفي مناقبه درر وفوائد يجب أن يكون عليها أهل الإسلام عامة، وأهل العلم خاصة – غير ما سبق -، من الدعاء له، وخدمته للنبي صلى الله عليه وسلم، وغيرها:
أولا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى عليه عند سؤاله عن اسعد الناس بالشفاعة.
ثانيًا: حرصه على معرفة الأعمال الصالحة، والعمل بها، وحفظها.
– فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ يَاخُذُ مِنْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ، فَيَعْمَلُ بِهِنَّ، أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ: ((اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ)).
أخرجه أحمد (2/ 310، رقم 8081)، قال الشيخ الألباني: (حسن) انظر حديث رقم: 100 في صحيح الجامع.
قلت سيف: راجع تخريجنا لنضرة النعيم.
– فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ نَفْسِي، وَقَرَّتْ عَيْنِي فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ قَالَ: فَأَنْبِئْنِي بِعَمَلٍ إِنْ عَمِلْتُ بِهِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، قَالَ: ((أَفْشِ السَّلَامَ، وَأَطِبِ الْكَلَامَ وَصِلِ الْأَرْحَامَ وَقُمْ بِاللَّيْلِ، وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلِ الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ)). رواه أحمد (2/ 258)، وأصله في البخاري (1124).
ثالثًا: أن الناس يحرصون في محبتهم لأبي هريرة وأمه رضي الله عنهما أن ينالوا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
“””””
“””””
رابعًا: حرصه على العلم، ونشره، ويظهر ذلك من وجوه:
(1) – تعلمه العلم بشتى صوره
(2) – الحض عليه، وبيان صوره؛ وذلك عندما أمرهم بأن يذهبوا لينالوا ميراث النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) – نشره، وهذا معروف عنه، لكثرت مروياته، وطلابه من أماكن شتى.
(4) – بدء نشر الدين في بيته رضي الله عنه وهم أولى به؛ ومنها دعوته لأمه رضي الله عنها عندما دعاها إلى الإسلام.
خامسًا: تعظيمه للنبي صلى الله عليه وسلم عن التحديث، وحديثه.
كان يبتدئ حديثه بقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق أبو القاسم: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
سادسًا: أنه كان يجل الصحابة، والعلماء:
لما مات قال أبو هريرة: “مات اليوم [حبر] هذه الأمة، وعسى الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفاً”. [الرياض المستطابة]
سابعًا: قيل أنه كان يصلى بالناس عنما حصر عثمان رضي الله عنه:
” وكان يصلي للناس في مدة الحصر أبو هريرة رضي الله عنه بأمر عثمان رضي الله عنه (وقيل عليّ) ” [الرياض المستطابة]
ثامنًا: عند مدحه لنفسه، لم يهضم الأخرين:
فعن أبي هريرة، قال: “ما كان أحدٌ أكثر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.، مني إلا عبدالله ابن عمرو، وأنه كان يكتب وكنت لا أكتب” [الرياض المستطابة]
ما قيل في صفاته رضي الله عنه:
” كان حافظاً متثبتاً، ذكياً، مفتياً، صاحب صيام وقيام.
– وقال عكرمة: كان يسبّح في اليوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة.
– وكان يقول بعد أن صار أمير المدينة: “الحمد لله الذي هدى أبا هريرة للإسلام وعلّمه القرآن، ومنَّ عليه بمحمد عليه أفضل الصلاة والسلام، الحمد لله الذي أطعمني الخمير وألبسني الحبير، الحمد لله الذي زوّجني بنت غزوان بعد ما كنت أجيراً لها بطعام بطني”.
عن سليم بن حيَّان قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة يقول: “نشأت يتيمًا وهاجرت مسكينًا وكنت أجيرًا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي. فكنت أخدم إذا نزلوا، وأحدو إذا ركبوا، فزوجنيها الله، فالحمد لله الذي جعل الدين قوامًا وجعل أبا هريرة إمامًا”
– ومناقبه كثيرة، وكان فيه دعابة.
– وكان يصلي خلف عليّ، ويأكل على سماط معاوية، ويجتنب القتال.
فقيل له، فقال: “صلاة علي أتمُّ، وسماط معاوية أدسم، وتركُ القتال أسلم”. وكان آدم اللون ذا ضفيرتين. وقد ذكرتُ كيفية إسلامه وإسلام أمه وفوائد أُخر تتعلق به في كتاب (بهجة المحافل) والله أعلم”. [الرياض المستطابة، وابن سعد: الطبقات الكبرى، 4/ 243]
– وكان عريف مساكين الصُّفَّة، حلفاء الفقر والصبر. [الرياض المستطابة].و [السير]
عبادة أبي هريرة رضي الله عنه:
كان أبو هريرة رضي الله عنه من عبَّاد الصحابة؛ حيث كان يُكثر من الصلاة والصيام والذكر وقيام الليل، فقد قال عن نفسه رضي الله عنه: “إِنِّي لَأُجَزِّئُ اللَّيْلَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: فَثُلُثٌ أَنَامُ، وَثُلُثٌ أَقُومُ، وَثُلُثٌ أَتَذَكَّرُ أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ” (باب العمل بالعلم وحسن النية فيه للدارمي [272]).
وكان أبو هريرة يُصلِّي ثلث الليل وامرأته ثلثًا وابنته ثلثًا، فعن أبي عثمان قال تضيَّفْتُ أبا هريرة سبعًا فكان هو وامرأته وخادمه يَعْتَقِبُون الليل أثلاثًا؛ يُصلِّي هذا ثم يُوقِظ هذا، وكان أبو هريرة يصوم الاثنين والخميس، وقال: إنَّهما يومان تُرْفَع فيهما الأعمال، وكان يُسبِّح في كلِّ يومٍ اثني عشر ألف تسبيحة، ويقول: أُسَبِّحُ بقدر ذنبي. (تاريخ دمشق لابن عساكر، 67/ 363 – 362،: كتاب الأطعمة، باب الرطب بالقثاء للبخاري (5125)، وأحمد (8618)
تواضع أبي هريرة رضي الله عنه:
كان رضي الله شديد التواضع؛ فعن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنَّ أبا هريرة أقبل في السوق يحمل حزمة حطب، وهو يومئذٍ خليفةٌ لمروان، فقال: أَوْسِع الطريق للأمير يا ابن أبي مالك، فقلت: أصلحك الله، يكفي هذا. قال: وسع الطريق للأمير يا ابن أبي مالك، والحزمة عليه.
ورع أبي هريرة وخوفه رضي الله عنه:
كان رضي الله عنه من أشدِّ الناس ورعًا؛ فعن أبي المتوكل أنَّ أبا هريرة كانت له زنجيَّةٌ فرفع عليها السوط يومًا، فقال: “لولا القصاص لأغشيتك به، ولكنِّي سأبيعك ممَّن يوفيني ثمنك، اذهبي فأنتِ لله”. (الزهد لأحمد بن حنبل، ص146).
####
• مواقفه رضي الله عنه.
أ – من مواقفه رضي الله عنه مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
– من هذه المواقف ما ذُكِر عند البخاري وغيره: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: “أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: ((أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ))، قَالَ: كُنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، فَقَالَ: ((سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ)). (البخاري: كتاب الغسل، باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس (279)، ومسلم: كتاب الحيض، باب الدليل على أنَّ المسلم لا ينجس (371)).
– وعنه أنَّه رضي الله عنه كان يقول: أالله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمدُ بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشدُّ الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يومًا على طريقهم الذي يخرجون منه فمرَّ أبو بكرٍ فسألته عن آيةٍ من كتاب الله ما سألته إلَّا ليُشبعني فمرَّ ولم يفعل ….. ثم ذكر قصة الإناء الذي سقى أهل الصفة
وفيه قال: وقد روي القوم كلُّهم، فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إليَّ فتبسَّم فقال: أَبَا هِرَّ، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ، قلت: صدقت يا رسول الله. قال: اقْعُدْ فَاشْرَبْ. فقعدت فشربت، فقال: اشْرَبْ. فشربتُ، فما زال يقول اشرب حتى قلتُ: لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكًا، قال: فَأَرِنِي. فأعطيته القدح فحمد الله وسمَّى وشرب الفضلة. (أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخلِّيهم من الدنيا (6087)، وأحمد (10690)).
ب – بعض مواقف أبي هريرة مع الصحابة:
وله مع الصحابة عدة مواقف، ومنها:
الموقف الأول: مع عمر بن الخطاب رضي الله عنهما:
استعمل عمر أبا هريرة على البحرين، فقدم بعشرة آلاف، فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال، فمن أين لك؟ قال: خيل نتجت، وأعطية تتابعت، وخراج رفيق لي، فنظر، فوجدها كما قال، ثم دعاه ليستعمله، فأبى، فقال: لقد طلب العمل من كان خيرا منك، قال: إنه يوسف عليه السلام، نبي الله، وابن نبي الله، وأنا أبو هريرة ابن أميمة، وأخشى ثلاثا: أن أقول بغير علم، أو أقضي بغير حكم، ويضرب ظهري، ويشتم عرضي، وينزع مالي.
وهذا يدل على أمانته رضي الله عنه.
وحين استعمله عمر بن الخطاب على البحرين ثمَّ عزله، ثمَّ أراده على العمل فامتنع، وسكن المدينة وولي إمرتها وناب عن مروان في إمرتها.
الموقف الثاني: مع عثمان بن عفان رضي الله عنه:
روى سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “كنتُ محصورًا في الدار مع عثمان فرموا رجلًا منَّا فقتلوه، فقلت: يا أمير المؤمنين طاب الضراب، قتلوا منَّا رجلًا، فقال: عزمت عليك يا أبا هريرة لما رميت سيفك؛ فإنَّما يُراد نفسي وسأقي المؤمنين بنفسي، قال أبو هريرة: فرميت سيفي فما أدري أين هو حتى الساعة”. (مسند الحارث (977)).
وهذا يدل على شدت تمثله لرأي الأمير، وعدم سفك دماء المسلمين.
الموقف الثالث: مع أمه في دعوتها. وقد مر ذكر القصة.
دـ – أثره رضي الله عنه في الآخرين:
دعوة أبي هريرة رضي الله عنه وتعليمه فقد أسدى للأمَّة خيرًا عظيمًا بنقله هذا الكمِّ الضخم والكبير من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
أولاً: موقفه رضي الله عنه في الحض على تعلم العلم، وأخذه قبل ذهاب أهله.
ومن ذلك أنَّه مرَّ بسوق المدينة، فوقف عليها فقال: يا أهل السوق، ما أعجزكم! قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: ذاك ميراث رسول الله يقسَّم ….. وقومًا يتذاكرون الحلال والحرام. فقال لهم أبو هريرة: ويحكم! فذاك ميراث محمد. (الطبراني في الوسيط (1429)).
ثانيا: موقفه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أ. في الوضوء:
ما جاء في صحيح مسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا لَمْ يَغْسِلْ عَقِبَيْهِ، فَقَالَ: ((وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ)).
ب. في تطيب المرأة:
1_ عن أبي هريرة قال: لقيته امرأة وَجَدَ منها ريحَ الطيب ينفح ولذيلها إعصار، فقال: يا أمةَ الجبَّار، جئتِ من المسجد؟ قالت: نعم، قال: وله تطيَّبْتِ؟ قالت: نعم، قال: إني سمعتُ حِبِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تُقبل صلاةٌ لامرأةٍ تطيَّبت لهذا المسجد حتى ترجعَ فتغتسلَ غُسلها من الجنابة)).
رواه أبو داود -في كتاب التَّرجُّل، باب ما جاء في المرأة تتطيَّب للخروج، (4174) – وصحَّحه العلاَّمة الألبانيُّ. ” سلسلة الأحاديث الصحيحة ” (3/ 27، 28). انظر ” فتح الباري ” (2/ 279).
قلت سيف: احسن طرقه عن صفوان عن ثقة عن أبي هريرة رفعه.
وشواهده لا تصح. إنما ورد موقوفا على أبي موسى.
مواعظه رضي الله عنه:
• وقد رويت عنه جملةٌ من المواعظ الطيِّبة؛ منها:
1) من مواعظه – رضي الله عنه – العمليَّة: أنَّه حين حضرته الوفاة بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال:
«أما إنِّي لا أبكي على دنياكم هذه، ولكنِّي أبكي على بُعدِ سفري، وقلة زادي، وأنِّي أصبحت في صعودٍ مُهبطٍ على جنةٍ ونارٍ، لا أدري لأيِّهما يُؤخَذُ بي». حلية الأولياء (1/ 383).
2) من مواعظ أبي هريرة – رضي الله عنه -: أنَّ رجلًا جاءه فقال له: إنِّي أريد أن أتعلَّم العلم، وأنا أخاف أن أضيِّعه ولا أعمل به! فقال له أبو هريرة:
«ما أنت بواجدٍ شيئًا أضيع له من تركه». تاريخ دمشق (67/ 367).
3) ومن مواعظ أبي هريرة – رضي الله عنه – قوله:
«يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجِذْلَ- أو الجذع – في عين نفسه».
يقول بكر بن عبد الله المُزنيُّ- أحد سادات التابعين رحمهم الله – مبيِّنًا معنى هذه الموعظة من أبي هريرة: «احملوا إخوانكم على ما كان فيهم، كما تحبُّون أن يحملوكم على ما كان فيكم، وليس كلُّ من رأيت منه سقطةً أو زلَّةً وقع من عينيك، فأنت أولى من يرى ذلك منه- إلى أن قال:- ولا تنظروا في ذنوب الناس كالأرباب، وانظروا في ذنوبكم كالعبيد، ولا تُعاهد القذاة في عين أخيك، وتدع الجذع في عينك معترضًا، والله ما عَدَلت!» انظر: فيض القدير (6/ 456)، ترتيب الأمالي الخميسية للشجري (2/ 299).
والأثر أخرجه البخاري في الأدب المفرد ح (592) وقد رُوي مرفوعًا، ولا يثبت والجذل كالجذع وزنًا ومعنًى.
4) ما رواه محمد بن سيرين، عن أبي هريرة أنَّه كان يقول في آخر عمره:
«اللَّهمَّ إنِّي أعوذ بك أن أزني، أو أعمل بكبيرةٍ في الإسلام»، يقول بعض أصحابه: يا أبا هريرة، ومثلك يقول هذا ويخافه وقد بلغت من السِّنِّ ما بلغت، وانقطعت عنك الشهوات، وقد شافهت النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – وبايعته، وأخذت عنه؟! قال: «ويحك! وما يؤمِّنني وإبليس حيٌّ؟!». [وقد أخرجه البيهقي في شُعب الإيمان ح (830)].
5) ومن مواعظ أبي هريرة، حينما سأله رجلٌ: ما التقوى؟ فقال:
«أخذتَ طريقًا ذا شوكٍ؟» قال: نعم، قال: «فكيف صنعت؟» قال: إذا رأيت الشوك، عدلت عنه، أو جاوزته، أو قصرت عنه! قال: «ذاك التَّقوى». أخرجه البيهقي في الزهد رقم (963).
? وفاته رضي الله عنه:
توفي بقصره بالعقيق، سنة ثمان وخمسين فحمل إلى المدينة، بعد أن عاش ثمانيا وسبعين سنة، وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وكان أميرا يومئذ على المدينة، وكتب الوليد إلى معاوية يخبره بموته، فكتب إليه: انظر من ترك؟ فادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم، وأحسن جوارهم، فإنه كان ممن نصر عثمان يوم الدار رضي الله عنه وأرضاه. [الرياض المستطابة، وفتح المنعم]
– قال أبو سَلَمَة: قال: عُدْتُ أبا هريرة فسندته إلى صدري، ثم قلت: “اللهمَّ اشفِ أبا هريرة”، فقال: «اللَّهُمَّ لَا تُرْجِعْهَا»، ثُمَّ قال: «إِنِ اسْتَطَعْتَ يَا أَبَا سَلَمَةَ أَنْ تَمُوتَ فَمُتْ»، فقلت: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنَّا لَنُحِبُّ الْحَيَاةَ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ لَيَاتِيَنَّ عَلَى الْعُلَمَاءِ زَمَانٌ الْمَوْتُ أَحَبُّ إِلَى أَحَدِهِمْ مِنَ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ، لَيَاتِيَنَّ أَحَدُكُمْ قَبْرَ أَخِيهِ فَيَقُولُ: لَيْتَنِي مَكَانَهُ» (الحاكم (8581)، هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يُخرِّجاه، تعليق الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم).
– وعن عمير بن هانئ قال: كان أبو هريرة يقول: تشبَّثوا بصدغي معاوية، اللهمَّ لا تُدركني سنة ستِّين، قال: فتُوفِّي فيها أبو هريرة أو قبلها بسنة. (ابن عساكر: تاريخ دمشق، 67/ 380 – 386) وأخرجه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه أخبرنا أبو مسهر حدثني صدقة بن خالد عن ابن جابر عن عمير بن هانئ به
– وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: “لَا تَضْرِبُوا عَلَيَّ فُسْطَاطًا، وَلَا تَتْبَعُونِي بِمِجْمَرٍ، وَأَسْرِعُوا بِي” (أحمد (7901) وقال شعيب الأرناءوط: صحيحٌ لغيره وهذا إسناد حسن، وأبو داود الطيالسي (2457)).
– وقد تُوفِّي أبو هريرة سنة سبع وخمسين من الهجرة وهو الأرجح، وقيل: سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة تسع وخمسين، وقيل غير ذلك. وقد تُوفِّي وله من العمر وله ثمانٍ وسبعون. (ذكره ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة، 1415هـ، 7/ 362. وابن سعد: الطبقات الكبرى، 4/ 254).
• مصادر ومراجع ترجمة أبي هريرة رضي الله عنه:
«مسند أحمد» ((2) / (228)، (5) / (114))، «التاريخ الصغير» للبخاري ((1) / (125)، (126)، (128)، (132)، (140)، (145))، «الطبقات الكبرى» لابن سعد ((2) / (362)، (4) / (325))، «المعارف» لابن قتيبة ((227))، «الاستيعاب» لابن عبد البرِّ ((4) / (1768))، «مستدرك الحاكم» ((3) / (506))، «جامع الأصول» لابن الأثير ((9) / (95))، «الكامل» ((3) / (526))، «أسد الغابة» ((5) / (315)) كلاهما لابن الأثير، «سير أعلام النبلاء» ((2) / (578))، «طبقات القرَّاء» ((1) / (43))، «الكاشف» ((3) / (385))، «دول الإسلام» ((1) / (42)) كلها للذهبي، «البداية والنهاية» لابن كثير ((8) / (103))، «وفيات ابن قنفذ» ((21))، «الإصابة» لابن حجر ((4) / (202))، «تهذيب التهذيب» لابن حجر ((2) / (262))، «طبقات الحفَّاظ» للسيوطي ((17))، «مجمع الزوائد» للهيثمي ((9) / (361))، «شذرات الذهب» لابن العماد ((1) / (63))، «الفكر السامي» للحجوي ((1) / (2) / (247)).
“”””””””””
“”””””””””
وهذه تتمة لفضائل أبي هريرة بعد جرد مسند أبي هريرة من مسند الإمام أحمد بن حنبل:
تتمة فضائل أبي هريرة جردا من مسند أحمد:
……………………………..
كان يعمل بما يسمعه أو يراه من النبي عليه الصلاة والسلام:
7140 عن أبي رافع، قال: صليت مع أبي هريرة، صلاة العتمة – أو قال: صلاة العشاء – فقرأ: إذا السماء انشقت، فسجد فيها، فقلت: يا أبا هريرة فقال: ” سجدت فيها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، فلا أزال أسجدها حتى ألقاه ”
ومنه:
7251 عن أبي هريرة: قال رجل: يا رسول الله، أيصلي أحدنا في ثوب؟ قال: ” ألكلكم ثوبان؟ ” قال أبو هريرة: ” أتعرف أبا هريرة يصلي في ثوب واحد، وثيابه على المشجب ”
ومنه:
7278 – حدثنا سفيان، عن الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة، وقرئ عليه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” إذا استأذن أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه ” فلما حدثهم أبو هريرة، طأطئوا رءوسهم، فقال: ” ما لي أراكم معرضين؟ والله لأرمين بها بين أكتافكم ”
ومنه:
7475 عن أبي هريرة، قال: لو رأيت الأروى تجوس ما بين لابتيها – يعني المدينة – ما هجتها ولا مسستها، وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يحرم شجرها أن يخبط أو يعضد ”
الأروى: غنم الجبال، والذكور منها تسمى: وعولا.
وتجوس، قال السندي: من الجوس -بالجيم-، وهو التردد خلال الدور والبيوت.
والخبط، قال ابن الأثير: ضرب الشجر بالعصا ليتناثر ورقها، واسم الورق الساقط: خبط، بالتحريك، فعل بمعنى مفعول، وهو من علف الإبل.
ويعضد، قال: أي: يقطع.
وفي رواية 10317 قال أبو هريرة: ” حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها، قال: يريد المدينة، قال: فلو وجدت الظباء ساكنة ما ذعرتها ”
ومنه:
9194 عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال – إن كان قاله – ” لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع الوضوء “، وقال أبو هريرة: لقد كنت أستن قبل أن أنام، وبعد ما أستيقظ، وقبل ما آكل، وبعد ما آكل حين سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما قال
ومنه:
9230 قال أبو هريرة لرجل: تعال أودعك كما ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كما ودع رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” استودعتك الله الذي لا يضيع ودائعه ”
وكان من خير القرون
7123 الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: ” خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم – والله أعلم أقال الثالثة أم لا -، ثم يجيء قوم يحبون السمانة، يشهدون قبل أن يستشهدوا ”
خصه النبي صلى الله عليه وسلم بوصية وكان شديد الحرص عليها
7138 عن أبي هريرة، قال: أوصاني خليلي بثلاث – قال هشيم: فلا أدعهن حتى أموت – ” بالوتر قبل النوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، والغسل يوم الجمعة ”
وفي رواية عنه
7512 أوصاني خليلي بثلاث: ” صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ولا أنام إلا على وتر ”
كان يسأل النبي إذا أشكل عليه أمر:
7164 عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت بين التكبير والقراءة. فقلت: بأبي أنت وأمي، أرأيت سكاتك بين التكبير والقراءة، أخبرني ما هو؟ قال: ” أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كالثوب الأبيض من الدنس …
كان يناظر بعض الصحابة بالسنة:
7197 عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” فقدت أمة من بني إسرائيل، لم يدر ما فعلت، وإني لا أراها إلا الفأر، ألا ترونها إذا وضع لها ألبان الإبل لا تشرب، وإذا وضع لها ألبان الشاء شربته؟ ” قال أبو هريرة: ” حدثت بهذا الحديث كعبا، فقال: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: نعم، فقال لي ذلك مرارا، فقلت: أتقرأ التوراة؟ ”
كان من أشبه الناس بصلاة النبي عليه الصلاة والسلام
7220 عن أبي سلمة، أن أبا هريرة، كان يكبر كلما خفض ورفع، ويقول: ” إني أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم ”
ومنه:
8429 – حدثنا عبد الصمد، حدثنا عبد العزيز، حدثنا إسماعيل يعني ابن أبي خالد، عن أبيه، قال: قلت لأبي هريرة: أهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بكم؟ قال: وما أنكرت من صلاتي؟ قال: قلت: أردت أن أسألك عن ذلك؟ قال: نعم وأوجز، قال: ” وكان قيامه قدر ما ينزل المؤذن من المنارة ويصل إلى الصف ”
ومنه:
8445 عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: ” والله إني لأقربكم صلاة برسول الله، وكان أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة العشاء الآخرة، وصلاة الصبح بعدما يقول: سمع الله لمن حمده، فيدعو للمؤمنين، ويلعن الكافرين
ومنه:
9550 عن عبيد الله بن أبي رافع، وكان كاتبا لعلي، قال: كان مروان يستخلف أبا هريرة على المدينة، فاستخلفه مرة فصلى الجمعة، فقرأ سورة الجمعة، وإذا جاءك المنافقون، فلما انصرف مشيت إلى جنبه، فقلت: يا أبا هريرة قرأت بسورتين قرأ بهما علي، قال: ” قرأ بهما حبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ”
كان من ألزم الناس للنبي عليه الصلاة والسلام ولم ينشغل بالدنيا ولا التجارة ولا التكسب بل تفرغ لطلب العلم
وفيه أيضا بيان شدة حفظه وقوة ذاكرته
9529 عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أمره أن يخرج فينادي أن: ” لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب، فما زاد ”
ومنه:
7986 عن قيس، قال: نزل علينا أبو هريرة بالكوفة، قال: فكان بينه وبين مولانا قرابة – قال سفيان: وهم موالي لأحمس -، فاجتمعت أحمس، قال قيس: فأتيناه نسلم عليه – وقال سفيان مرة: فأتاه الحي -، فقال له أبي: يا أبا هريرة، هؤلاء أنسباؤك أتوك يسلمون عليك، وتحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: مرحبا بهم وأهلا، صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، لم أكن أحرص على أن أعي الحديث مني فيهن، حتى سمعته يقول: ” والله لأن يأخذ أحدكم حبلا فيحتطب على ظهره، فيأكل ويتصدق، خير له من أن يأتي رجلا أغناه الله عز وجل من فضله، فيسأله، أعطاه أو منعه ”
7987 – ثم قال هكذا بيده: ” قريب من بين يدي الساعة ستأتون تقاتلون قوما نعالهم الشعر، كأن وجوههم المجان المطرقة ”
ومنه:
ومنه:
9406 عن أبي هريرة، أنه قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ نزلت عليه سورة الجمعة، فلما قرأ: {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} [الجمعة: 3]، قال رجل: من هؤلاء يا رسول الله؟ فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى سأله مرة، أو مرتين، أو ثلاثا، وفينا سلمان الفارسي، قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان، وقال: ” لو كان الإيمان عند الثريا، لناله رجال من هؤلاء ”
ومنه:
9507 عن أبي هريرة، قال: ” ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاب طعاما قط، كان إذا اشتهاه أكله، وإذا لم يشتهه سكت ”
ومنه:
10919 عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرأ: قل هو الله أحد حتى ختمها، فقال ” وجبت ” قيل: يا رسول الله ما وجبت؟ قال: ” الجنة ” قال أبو هريرة: فأردت أن آتيه فأبشره، فآثرت الغداء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرقت أن يفوتني الغداء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رجعت إلى الرجل فوجدته قد ذهب
بل كان ملازما له حتى خارج المسجد:
منه:
8085 قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل لبعض أهل المدينة، فقال: ” يا أبا هريرة، هلك المكثرون، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا – ثلاث مرات: حثا بكفيه عن يمينه وعن يساره وبين يديه -، وقليل ما هم ”
ثم مشى ساعة فقال: ” يا أبا هريرة، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ ” فقلت: بلى يا رسول الله. فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا ملجأ من الله إلا إليه ” ثم مشى ساعة فقال: ” يا أبا هريرة، هل تدري ما حق الناس على الله، وما حق الله على الناس؟ ” قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ” فإن حق الله على الناس أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، فإذا فعلوا ذلك فحق عليه أن لا يعذبهم ”
ومنه:
10918 عن أبي هريرة، قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط، فقال: ” يا أبا هريرة هلك الأكثرون إلا من قال هكذا وهكذا، وقليل ما هم ”
فمشيت معه، ثم قال: ” ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله ”
قال: ثم قال: ” يا أبا هريرة، تدري ما حق الله على العباد؟ ” قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ” حقه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا “، ثم قال: ” تدري ما حق العباد على الله؟ فإن حقهم على الله إذا فعلوا ذلك أن لا يعذبهم “، قلت: أفلا أخبرهم؟ قال: ” دعهم فليعملوا ”
كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ناصحا:
منه:
8365 عن سليمان بن يسار، أن صكاك التجار خرجت، فاستأذن التجار مروان في بيعها، فأذن لهم، فدخل أبو هريرة عليه، فقال له: ” أذنت في بيع الربا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشترى الطعام ثم يباع حتى يستوفى ” قال سليمان: ” فرأيت مروان بعث الحرس، فجعلوا ينتزعون الصكاك من أيدي من لا يتحرج منهم ”
ومنه:
8389 عن معاوية المهري، قال: قال لي أبو هريرة: يا مهري، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، وكسب الحجام، وكسب المومسة، وعن كسب عسب الفحل ”
ومنه:
9608 عن سعيد بن سمعان، قال: أتانا أبو هريرة في مسجد بني زريق، قال: ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل بهن، قد تركهن الناس: ” كان يرفع يديه مدا إذا دخل في الصلاة، ويكبر كلما ركع ورفع، والسكوت قبل القراءة يسأل الله من فضله “، قال يزيد: ” يدعو ويسأل الله من فضله ”
ومنه:
10350 عن أبي عمر الغداني، قال: كنت عند أبي هريرة جالسا، قال: فمر رجل من بني عامر بن صعصعة، فقيل له: هذا أكثر عامري نادى مالا، فقال أبو هريرة: ردوه إلي، فردوه عليه فقال: نبئت أنك ذو مال كثير، فقال العامري: إي (والله إن لي لمائة حمرا، ومائة أدماء، حتى عد من ألوان الإبل، وأفنان الرقيق، ورباط الخيل، فقال أبو هريرة: إياك، وأخفاف الإبل، وأظلاف الغنم، يردد ذلك عليه حتى جعل لون العامري يتغير، أو يتلون، فقال: ما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” من كانت له إبل لا يعطي حقها في نجدتها، ورسلها ” قلنا: يا رسول الله، ما نجدتها ورسلها؟ قال: ” في عسرها ويسرها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت، وأكبره، وأسمنه، وآشره، ثم يبطح لها بقاع قرقر، فتطؤه بأخفافها، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله، وإذا كانت له بقر …
ومنه:
10737 عن يزيد بن شريك، أن الضحاك بن قيس، أرسل معه إلى مروان بكسوة، فقال مروان: انظروا من ترون بالباب؟ قال: أبو هريرة. فأذن له، فقال: يا أبا هريرة حدثنا بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: سمعته يقول: ” ليتمنين أقوام ولوا هذا الأمر أنهم خروا من الثريا وأنهم لم يلوا شيئا ”
قال: زدنا يا أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” يجري هلاك هذه الأمة على يدي أغيلمة من قريش ”
كان من أكثر الصحابة رواية للحديث:
منه:
7389 كان يقول: ” ليس أحد أكثر حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب، وكنت لا أكتب ”
ومنه:
10959 عن يزيد بن الأصم، قال: قيل لأبي هريرة: أكثرت أكثرت، قال: ” فلو حدثتكم بكل ما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم لرميتموني بالقشع، ولما ناظرتموني ”
ربما شك بعض الصحابة في حفظه فيؤيده الله بتصديق بعض الصحابة له
منه:
10079 عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من صلى على جنازة كتب له قيراط، فإن تبعها حتى يقضى دفنها، فله قيراطان، أصغرهما – أو أحدهما – مثل أحد “، فبلغ ذلك ابن عمر فتعاظمه، فأرسل إلى عائشة، فقالت: صدق أبو هريرة، فقال ابن عمر: ” لقد فرطنا في قراريط كثيرة ”
ومنه:
10303 عن أبي هريرة، أنه قال: خرجت إلى الطور، فلقيت كعب الأحبار، فجلست معه، فحدثني عن التوراة، وحدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان فيما حدثته أن قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس، شفقا من الساعة، إلا الجن والإنس، وفيها ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي، يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه “، قال كعب: ” ذلك في كل سنة مرة “، فقلت: بل هي في كل جمعة، فقرأ كعب التوراة، فقال: ” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم “، قال أبو هريرة: ثم لقيت عبد الله بن سلام، فحدثته بمجلسي مع كعب، وما حدثته في يوم الجمعة، فقلت له: قال كعب: ” ذلك في كل سنة يوم “، قال عبد الله بن سلام: كذب كعب، ثم قرأ كعب التوراة، فقال: ” بل هي في كل جمعة “، فقال: عبد الله بن سلام صدق كعب
وكان لا يحدث حتى يذكر هذا الحديث ليثبت للسامعين أنه لا يجترء على حديث رسول الله
9350 حدثنا عاصم بن كليب، قال: حدثني أبي، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: وكان يبتدئ حديثه بأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو القاسم الصادق المصدوق: ” من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار ”
كان لينا في الأمر بالمعروف ويتلطف مع طلابه:
7406 أبا السائب، أخبره أنه سمع أبا هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم الكتاب، فهي خداج، هي خداج، هي خداج، غير تمام ” قلت: يا أبا هريرة، إني أكون أحيانا وراء الإمام فغمز ذراعي، وقال: ” يا فارسي، اقرأ بها في نفسك ”
ومنه:
8292 عن ضمضم بن جوس اليمامي، قال: قال لي أبو هريرة: يا يمامي، لا تقولن لرجل: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الله الجنة أبدا. قلت: يا أبا هريرة، إن هذه لكلمة يقولها أحدنا لأخيه وصاحبه إذا غضب. قال: فلا تقلها، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ” كان في بني إسرائيل رجلان، كان أحدهما مجتهدا في العبادة، وكان الآخر مسرفا على نفسه، فكانا متآخيين، فكان المجتهد لا يزال يرى الآخر على ذنب، فيقول: يا هذا، أقصر. فيقول: خلني وربي، أبعثت علي رقيبا؟ ” قال: ” إلى أن رآه يوما على ذنب استعظمه، فقال له: ويحك، أقصر. قال: خلني وربي، أبعثت علي رقيبا “، قال: ” فقال: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الله الجنة أبدا. قال أحدهما، قال: فبعث الله إليهما ملكا، فقبض أرواحهما، واجتمعا عنده، فقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي. وقال للآخر: أكنت بي عالما، أكنت على ما في يدي قادرا، اذهبوا به إلى النار “. قال: ” فوالذي نفس أبي القاسم بيده، لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته ”
ومنه:
9382 أبا الشعثاء المحاربي، قال: كنا مع أبي هريرة في مسجد، فخرج رجل وقد أذن المؤذن، قال: فقال: ” أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ”
كان أميرا لمروان على المدينة أيام الحج وخطب الناس هناك:
7489 عن عياض بن دينار الليثي، وكان ثقة، قال: سمعت أبا هريرة، وهو يخطب الناس يوم الجمعة، خليفة لمروان بن الحكم على المدينة أيام الحج، يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ” أول زمرة “، وذكر الحديث ”
كان ينقل للناس السنة بدقة كما سمعها ورآها من النبي:
7503 قال أبو هريرة: ” كل صلاة يقرأ فيها، فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسمعناكم، وما أخفى علينا، أخفينا عليكم ”
كان حريصا على إيصال العلم لمن سأل عنه:
منه:
7631 حدثني ثابت بن قيس، أن أبا هريرة، قال: أخذت الناس ريح بطريق مكة، وعمر بن الخطاب حاج، فاشتدت عليهم، فقال عمر لمن حوله: من يحدثنا عن الريح؟ فلم يرجعوا إليه شيئا، فبلغني الذي سأل عنه عمر من ذلك، فاستحثثت راحلتي حتى أدركته، فقلت: يا أمير المؤمنين، أخبرت أنك سألت عن الريح، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” الريح من روح الله، تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب فإذا رأيتموها، فلا تسبوها، وسلوا الله خيرها، واستعيذوا به من شرها ”
ومنه:
10325 عن خالد بن غلاق العيشي، قال: نزلت على أبي هريرة، قال: ومات ابن لي فوجدت عليه، فقلت: هل سمعت من خليلك شيئا يطيب بأنفسنا عن موتانا؟ قال: نعم سمعته صلى الله عليه وسلم قال: ” صغارهم دعاميص الجنة ”
أوصى عند موته أن لا تتبع جنازته بما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أوصى بالإسراع في جنازة متبعا السنة في ذلك:
7914 فقال: حين حضره الموت: لا تضربوا علي فسطاطا، ولا تتبعوني بمجمر، وأسرعوا بي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني، وإذا وضع الرجل السوء على سريره قال: يا ويله أين تذهبون بي؟ ”
كانت تقر عينه برؤية النبي عليه الصلاة والسلام:
7932 قال: قلت: يا رسول الله، إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني، فأنبئني عن كل شيء. فقال: ” كل شيء خلق من ماء ” قال: قلت: أنبئني عن أمر إذا أخذت به دخلت الجنة. قال: ” أفش السلام، وأطعم الطعام، وصل الأرحام، وقم بالليل والناس نيام، ثم ادخل الجنة بسلام ”
كان مع علي بن أبي طالب لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة ببراءة:
7977 قال: كنت مع علي بن أبي طالب حين ” بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ببراءة “. فقال: ما كنتم تنادون؟ قال: كنا ننادي: أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فإن أجله أو أمده إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر فإن الله بريء من المشركين ورسوله، ولا يحج هذا البيت بعد العام مشرك. قال: فكنت أنادي حتى صحل صوتي
كان إذا أتى إلى النبي ونظر إليه وسمعه رق قلبه:
8043 قال قلنا: يا رسول الله، إنا إذا رأيناك رقت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة، وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا، وشممنا النساء والأولاد قال: ” لو تكونون – أو قال: لو أنكم تكونون – على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي، لصافحتكم الملائكة بأكفهم، ولزارتكم في بيوتكم، ولو لم تذنبوا، لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم ” …
حصلت له كرامات منها:
8299 قال: ” أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من تمر، فجعلته في مكتل لنا، فعلقناه في سقف البيت، فلم نزل نأكل منه حتى كان آخره أصابه أهل الشام حيث أغاروا على المدينة ”
8628 عن أبي هريرة، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوما بتمرات، فقلت: ادع الله لي فيهن بالبركة، قال: فصفهن بين يديه، قال: ثم دعا، فقال لي: ” اجعلهن في مزود، فأدخل يدك، ولا تنثره ” قال: ” فحملت منه كذا وكذا وسقا في سبيل الله، ونأكل، ونطعم، وكان لا يفارق حقوي، فلما قتل عثمان رضي الله عنه، انقطع عن حقوي، فسقط ”
كان شديد الفقر في زمن النبي ومع ذلك لم يسأله الدنيا:
8301 عن عبد الله بن شقيق، قال: أقمت بالمدينة مع أبي هريرة سنة، فقال لي ذات يوم ونحن عند حجرة عائشة: لقد رأيتنا وما لنا ثياب إلا البراد المتفتقة، وإنه ليأتي على أحدنا الأيام ما يجد طعاما يقيم به صلبه، حتى إن كان أحدنا ليأخذ الحجر فيشده على أخمص بطنه، ثم يشده بثوبه ليقيم به صلبه ” فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بيننا تمرا، فأصاب كل إنسان منا سبع تمرات فيهن حشفة “، فما سرني أن لي مكانها تمرة جيدة، قال: قلت: لم؟ قال: تشد لي من مضغي …
حرصه الشديد على الأجور فتمنى أن يموت وهو مملوك لولا أن الرق يعيقة عن الأعمال الأخرى لما سمع عن أجر المملوك:
8372 قال: ” للعبد المصلح المملوك أجران ” والذي نفس أبي هريرة بيده، لولا الجهاد في سبيل الله، والحج، وبر أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك ”
ومن حرصه على الخير كان يطيل غرته في الوضوء:
8413 أنه رقي إلى أبي هريرة على ظهر المسجد وهو يتوضأ، فرفع في عضديه، ثم أقبل علي، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” إن أمتي يوم القيامة هم الغر المحجلون من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته، فليفعل ” فقال نعيم: لا أدري قوله: ” من استطاع أن يطيل غرته فليفعل ” من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من قول أبي هريرة
كان يقوم ثلث الليل ويصوم ثلاثة أيام من كل شهر:
8633 عن العباس بن فروخ الجريري، قال: سمعت أبا عثمان النهدي، يقول: تضيفت أبا هريرة سبعا، ” فكان هو وامرأته وخادمه، يعتقبون الليل أثلاثا، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا، ثم يوقظ هذا ”
قال: قلت: يا أبا هريرة، كيف تصوم؟ قال: ” أما أنا فأصوم من أول الشهر ثلاثا، فإن حدث بي حدث كان آخر شهري ”
قال: وسمعت أبا هريرة، يقول: ” قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بين أصحابه تمرا، فأصابني سبع تمرات، إحداهن حشفة وما كان فيهن شيء أعجب إلي منها، إنها شدت مضاغي ”
كان إذا بلغه خبر مكذوب عليه رده وبين الحق:
8772 عن أبي الأوبر، قال: أتى رجل أبا هريرة، فقال: أنت الذي تنهى الناس أن يصلوا، عليهم نعالهم؟ قال: ” لا، ولكن ورب هذه الحرمة، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى هذا المقام، وعليه نعلاه، وانصرف وهما عليه ” …
كان يطيل غرته في الوضوء اجتهادا منه وما كان يحب أن يراه أحد وهو يفعل ذلك:
8840 عن أبي حازم، قال: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ، وهو يمد الوضوء إلى إبطه، فقلت: يا أبا هريرة، ما هذا الوضوء؟ قال: يا بني فروخ، أنتم هاهنا لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء، إني سمعت خليلي يقول: ” تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ”
كان يحب آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام
منه:
10891 قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق بني قينقاع، متكئا على يدي فطاف فيها ثم رجع فاحتبى في المسجد، وقال: ” أين لكاع؟ ادعوا لي لكاعا ” فجاء الحسن، فاشتد حتى وثب في حبوته، فأدخل فمه في فمه، ثم قال: ” اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه ثلاثا ” قال أبو هريرة: ” ما رأيت الحسن إلا فاضت عيني – أو دمعت عيني، أو بكيت، شك الخياط ”
——‘——
سُئل ابن تيمية َ: عن رجل طعن أحدهما في أبي هريرة وروايته؟
السؤال: سُئلَ رَحمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عن رجل يناظر مع آخر في [مسألة المصراة]، وردها إذا أراد المشتري، فاستدل من ادعى جواز الرد بحديث أبي هريرة المتفق عليه، فعارضه الخصم بأن قال: أبو هريرة لم يكن من فقهاء الصحابة، وقد أنكر عليه عمر بن الخطاب كثرة الرواية، ونهاه عن الحديث، وقال: إن عدت تحدث فعلت وفعلت، وكذا أنكر عليه ابن عباس، وعائشة أشياء.
فهل ما ذكره الخصم صحيح أم لا؟ وما يجب على من تكلم في أبي هريرة بهذا الكلام؟
الإجابة: الحمد للّه.
هذا الراد مخطئ من وجوه:
أحدها: قوله: [إنه لم يكن من فقهاء الصحابة] فإن عمر بن الخطاب ولى أبا هريرة على البحرين، وهم خيار المسلمين، الذين هاجر وَفْدُهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهم وفد عبد القيس.
وكان أبو هريرة أميرهم هو الذي يفتيهم بدقيق الفقه، مثل: مسألة المطلقة دون الثلاث، إذا تزوجت زوجًا أصابها، هل تعود إلى الأول على الثلاث كما هو قول ابن عباس وابن عمر، وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن عمر، بناء على أن إصابة الزوج تهدم ما دون الثلاث كما هدمت الثلاث أو تعود على ما بقى كما هو قول عمر وغيره من أكابر الصحابة وهو مذهب مالك والشافعي، وأحمد في المشهور عنه، بناء على أن إصابة الزوج الثاني إنما هي غاية التحريم الثابت بالطلاق الثلاث، فهو الذي يرتفع بها، والمطلقة دون الثلاث لم تحرم، فلا ترفع الإصابة منها شيئًا، فأفتى أبو هريرة بهذا القول.
ثم سأل عمر فأقره على ذلك وقال: لو أفتيتَ بغيره لأوجعتك ضربًا.
وكذلك أفتى أبوهريرة في دقائق مسائل الفقه مع فقهاء الصحابة، كابن عباس وغيره من أشهر الأمور، وأقواله المنقولة في فتاويه تدل على ذلك.
وإذا كان عمر وعلى أفقه من عمران بن حُصَين، وأبي موسى الأشعري، لم يخرجا بذلك من الفقه، وكذلك إذا كان معاذ وابن مسعود ونحوهما أفقه من أبي هريرة وعبد اللّه بن عمر ونحوهما، لم يخرجا بذلك من الفقه.
الثاني: أن يقال لهذا المعترض: جميع علماء الأمة عملت بحديث أبي هريرة فيما يخالف القياس والظاهر، كما عملوا جميعهم بحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها “.
وعمل أبو حنيفة مع الشافعي وأحمد وغيرهما بحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم “من أكل أو شرب ناسيًا فلْيُتِمَّ صَوْمَه، فإنما أطعمه اللّه وسَقَاه ” مع أن القياس عند أبي حنيفة أنه يفطر، فترك القياس لحديث أبي هريرة، ونظائر ذلك تطول.
ومالك مع الشافعي وأحمد عملوا بحديث أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعًا، مع أن القياس عند مالك أنه لا يغسل؛ لأنه طاهر عنده، بل الأئمة يتركون القياس لما هو دون حديث أبي هريرة، كما ترك أبو حنيفة القياس في مسألة [القهقهة] بحديث مرسل لا يعرف من رواه من الصحابة وحديث أبي هريرة أثبت منه باتفاق الأمة.
الثالث: أن يقال: المحدث إذا حفظ اللفظ الذي سمعه لم يضره ألا يكون فقيها، كالملقنين بحروف القرآن، وألفاظ التشهد والأذان ونحو ذلك.
وقد قال صلى الله عليه وسلم “نَضَّر اللّه امرأ سمع حديثًا فبَلَّغَه إلى من لم يسمعه، فَرُبَّ حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه “، وهذا بين في أنه يؤخذ حديثه الذي فيه الفقه من حامله، الذي ليس بفقيه، ويأخذ عمن هو دونه في الفقه، وإنما يحتاج في الرواية إلى الفقه إذا كان قد روى بالمعنى، فخاف أن غير الفقيه يغير المعنى وهو لا يدري.
و أبو هريرة كان من أحفظ الأمة، وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالحفظ قال: فلم أنْسَ شيئًا سمعته بعد؛ ولهذا روى حديث المُصَرَّاة [المُصَرَّاة: الناقة أو البقرة أو الشاة يُجمع اللبن في ضَرْعها ويُحبس قبل بيعها بأيام، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لأنه خداع وغش] وغيره بلفظ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.
الرابع: أن الصحابة كلهم كانوا يأخذون بحديث أبي هريرة، كعمر وابن عمر وابن عباس وعائشة، ومن تأمل كتب الحديث عرف ذلك.
الخامس: أن أحدًا من الصحابة لم يطعن في شاء رواه أبو هريرة، بحيث قال: إنه أخطأ في هذا الحديث، لا عمر ولا غيره، بل كان لأبي هريرة مجلس إلى حجرة عائشة، فيحدث ويقول: يا صاحبة الحجرة، هل تنكرين مما أقول شيئًا؟ فلما قضت عائشة صلاتها لم تنكر مما رواه، لكن قالت: إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث سردكم، ولكن كان يحدث حديثًا لو عده العاد لحفظه، فأنكرت صفة الأداء لا ما أداه.
وكذلك ابن عمر قيل له: هل تنكر مما يحدث أبو هريرة شيئًا؟ فقال: لا، ولكن أخبر وجبنا، فقال أبو هريرة: ما ذنبي أن كنت حفظت ونسوا.
وكانوا يستعظمون كثرة روايته حتى يقول بعضهم: أكثر أبو هريرة، حتى قال أبو هريرة: الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، واللّه الموعد؛ أما إخواني من المهاجرين، فكان يشغلهم الصَّفْقُ [الصَّفْقُ: هو أن يضرب كل من البائع والمشترى يده على يد الآخر، عند البيع، وبهذا يكون قد وجب البيع] بالأسواق.
وأما إخواني من الأنصار، فكان يشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكينا ألزم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فكنت أشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا.
ولقد حدثنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حديثًا، ثم قال ” أيكم يبسط ثوبه؟ “،، فبسطت ثوبي.
فدعا لي.
فلم أنْسَ بعد شيئا سمعته منه صلى الله عليه وسلم.
وروى عنه أنه كان يجزئ الليل ثلاثة أجزاء: ثلثًا يصلي، وثلثًا يكرر على الحديث، وثلثًا ينام.
فقد بين أن سبب حفظه ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم، وقطع العلائق ودعاؤه له.
وكان عمر بن الخطاب يستدعى الحديث من أبي هريرة، ويسأله عنه ولم ينهه عن رواية ما يحتاج إليه من العلم الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا توعده على ذلك. ولكن كان عمر يحب التثبت في الرواية؛ حتى لا يجترئ الناس فيزاد في الحديث.
ولهذا طلب من أبي موسى الأشعري من يوافقه على حديث الاستئذان، مع أن أبا موسى من أكابر الصحابة وثقاتهم باتفاق الأئمة.
السادس: أن الصحابة كانوا يرجعون في مسائل الفقه إلى من هو دون أبي هريرة في الفقه، كما رجع عمر بن الخطاب إلى حَمَل بن مالك وغيره في دية الجنين، وكما رجع عثمان بن عفان إلى الفُرَيْعَة بنت مالك في لزوم المتوفى عنها لمنزل الوفاة، وكما رجع عمر ابن الخطاب وغيره في توريث المرأة من دية زوجها، إلى الضحاك بن سفيان الكِلابِيّ.
وكما رجع زيد بن ثابت وغيره إلى امرأة من الأنصار في سقوط طواف الوداع عن الحائض.
وكذلك ابن مسعود لما أفتى المفوضة المتوفى عنها بمهر المثل، فقام رجال من أشجع فشهدوا أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قضى في بَرْوَع بنت وَاشِق بمثل ما قضيت به، ففرح عبد اللّه بذلك فرحًا شديدًا! وأبو بكر الصديق ورَّث الجدة بحديث المغيرة بن شعبة، ومحمد ابن سلمة، ونظائر هذا كثيرة.
السابع: أن يقال: المخالف لحديث أبي هريرة في المصراة، يقول: إنه يخالف الأصول أو قياس الأصول.
فيقال له: بل القول فيه كالقول في نظائره التي اتبعت فيها النصوص، فهذا الحديث ورد فيما يخالف غيره لا فيما يماثل غيره؛ والقياس هو التسوية بين المتماثلين، والتفريق بين المختلفين، وذلك أن من خالفه يقول: إنه أثبت الرد بالمعيب، وقدر بدل المتلف، بل إن كان من المثليات ضمن بمثله وإلا فقيمته، وهذا مضمون بغير مثل ولا قيمة، وجعل الضمان على المشترى والخراج بالضمان.
فيقال له: الرد يثبت بالتدليس، ويثبت باختلاف الصفة باتفاق الأئمة، والمدلس الذي أظهر أن المبيع على صفة وليس هو عليها كالواصف لها بلسانه، وهذا النوع من الخيار غير خيار الرد بالعيب.
ويقال له: المشترى لم يضمن اللبن الحادث على ملكه، ولكن ضمن ما في الضرع، فإنه لما اشترى المصراة وفيها لبن تلف عنده، كان عليه ضمانه، وإنما قدر الشارع البدل؛ لأنه اختلط اللبن القديم باللبن الحادث، فلم يبق يعرف مقدار اللبن القديم.
فلهذا لم يمكن ضمانه بمثله ولا بقيمته، فقدر الشارع في ذلك بدلا يقطع به النزاع، كما قدر ديات النفس وديات الأعضاء ومنافعها، ونحو ذلك من المقدرات التي يقطع بها نزاع الناس، فإنه إذا أمكن العلم بمقدار الحق، كان هو الواجب.
وإذا تعذر ذلك شرع الشارع ما هو أمثل الطرق وأقربها إلى الحق.
فتارة يأمر بالخَرْصِ [الخَرْصُ: الحَزْر.
يقال: خرصت النخلة: إذا حزرت ما عليها من التمر، فهو من الخَرْص، أي: الظن؛ لأن الحزْر إنما هو تقديرُ بِظَنٍّ] إذا تعذر الكيل أو الوزن، إقامة للظن مقام العلم عند تعذر العلم، ويأمر بالاستهام لتعيين المستحق عند كمال الإبهام.
وتارة يقدر بدل الاستحقاق إذا لم يكن طريق آخر لقطع الشقاق، ورد المشترى للصاع بدل ما أخذ من اللبن من هذا الباب.
وفي المسألة حكاية ثانية، ذكرها أبو سعيد بن السمعاني عن الشيخ العارف يوسف الهمداني، عن الشيخ الفقيه أبي إسحاق الشيرازي، عن القاضي أبي الطيب الطبري، قال: كنا جلوسًا بالجامع ببغداد، فجاء خراساني سألنا عن المصراة، فأجبناه فيها، واحتججنا بحديث أبي هريرة، فطعن في أبي هريرة، فوقعت حية من السقف، وجاءت حتى دخلت الحلقة وذهبت إلى ذلك الأعجمي فضربته فقتلته.
ونظير هذه ما ذكره الطبراني في كتاب السنة عن زكريا بن يحيى الساجي قال: كنا نختلف إلى بعض الشيوخ لسماع حديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فاسترعنا في المشي، ومعنا شاب ماجن.
فقال: ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة، لا تكسروها.
قال: فما زال حتى جفته رجلاه، ولهذا نظائر، نسأل اللّه تعالى الاعتصام بكتابه، و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتباع ما أقام من دليله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية – المجلد الرابع (العقيدة)
قال صاحبنا ابوصالح حازم:
قال ابن القيم في إعلام الموقعين
قال أبو محمد (أي ابن حزم): والمتوسطون منهم (أي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن حفظت عنهم الفتوى) فيما روي عنهم من الفتيا: أبو بكر الصديق، وأم سلمة، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وعثمان بن عفان، و …..
شبهة كتمانه للعلم:
قال ابن كثير – عليه رحمة الله – في البداية والنهاية بقوله: (و هذا الوعاء الذي لا يظهره هو الفتن و الملاحم، و ما وقع بين الناس من الحروب و القتال، و ما سيقع. وهذه لو أخبر بها قبل كونها، لبادر كثير من الناس إلى تكذيبه)
شبهة الطعن في أمانته لما قدم من البحرين ومعه عشرة آلاف فعزله عمر بن الخطاب:
و هذا اجتهاد من الفاروق – رضي الله عنه – حتى لا يستغل أي والي سلطانه لمكسب شخصي، و لو كان في الأمر ريبة أو شك لأخذ جميع ماله و ليس رأس مال فقط وأبو هريرة برأ نفسه كما سبق ذكره في ترجمته. ثم أن الفاروق أراد أن يستعمله مرة أخرى و لو كان هناك ريبة أو شك في أمانته رضي الله عنه ما طلب منه ذلك.
شبهة: الطعن في محبته لعلي و آل بيته رضوان الله عليهم.
بداية إن رجع أي باحث، أو طالب علم إلى أي كتاب من كتب أهل السنة، و الجماعة المعتمدة، فلا يمكن أن يرى أي رواية صحيحة من أبي هريرة رضي الله عنه أو من أي إمام من أئمة المسلمين يطعن أو يذم علي بن أبي طالب أو أي من آل البيت رضي الله تعالى عنهم، بل على العكس من هذا سيرى القارئ الكريم عشرات الأحاديث، و الروايات الصحيحة عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – و غيره في فضائل آل البيت رضي الله تعالى عنهم.
و أبو هريرة اعتزل الفتنة التي نشبت بمقتل عثمان بن عفان – رضي الله على عنه – و سكن المدينة المنورة، و بقي فيها حتى توفاه الله تعالى، و مع هذا لم يسلم من افتراء المفترين، و تزوير المبطلين، و حقد الحاقدين على صاحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – و خازن علمه – رضي الله تعالى عنه و أرضاه.
شبهة منعه من التحديث:
وهذا محمول من عمر على أنه خشى من الأحاديث التى قد تضعها الناس على غير مواضعها، وأنهم يتكلمون على ما فيها من أحاديث الرخص، وأن الرجل إذا اكثر من الحديث ربما وقع في أحاديثه بعض الغلط أو الخطأ فيحملها الناس عنه أو نحو ذلك، وقد جاء أن عمر أذن بعد ذلك في التحديث. اهـ.
وقد شهد ابن عمر أن أبا هريرة كان ألزم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمهم بحديثه.
أنكر على أبي هريرة حديث
1338 – قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا أبو كامل وعفان قالا ثنا حماد عن سهيل قال عفان في حديثه قال أنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يمطر الناس مطرا لا تكن منه بيوت المدر ولا تكن منه الا بيوت الشعر
وهو في الصحيح المسند 1338
فقالوا كيف بيوت الشعر تمنع المطر. فالرد أن بعض أهل العلم ذهب إلى أن المطر هنا بمعنى الفتن. فأهل المدن أكثر عرضه لها لكثرة المعاصي. فلا نكارة وراجع شرحنا على الصحيح المسند
ويراجع العلل للدارقطني برقم 1974سئل عن حديث أبي صالح، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تمطر السماء مطرا لا يكن منه بيوت المدر. فقال: يرويه سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك روي عن الليث، عن يونس، عن الزهري، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، قاله حميد بن زنجويه، عن أبي صالح، عن الليث، وغير حميد لا يسنده
وهذا من الأحاديث التي ذكرها بعض الباحثين مما انفرد بها أبو هريرة ولم يتابعه أحد وهي قليلة قرابة 110 في عدد ما روى، والباحث يريد أن يرد على الطاعنين في أبي هريرة وبأنه انفرد بأحاديث كثيرة.
وقد بدأ الباحث بجمع الأحاديث التي انفرد بها والأحاديث التي وافقه غيره للدفاع عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وكذلك حديث عذبت امرأة في هرة لكن هذا الحديث تابعه غيره الصحابة
ومن أراد الوقوف على رد مفصل حول تلك الاتهامات فإننا ننصحه بقراءة كتاب: دفاع عن أبي هريرة … وكتاب الأنوار الكاشفة للمعلمي وكتاب لحمود التويجري بعنوان “الرد القويم على المجرم الأثيم”