87 لطائف التفسير والمعاني
جمع عبدالله البلوشي أبو عيسى
بإشراف الشيخ الدكتور سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله. ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا)
——‘——-‘——-‘
——‘——-‘——-‘
لطيفة
*من أراد أن ينال الخير الكثير، فلينظر إلى مَنْ مَنَّ الله عليه بالحكمة، وليدرك معنى هذه الحكمة، وليسعى سعيه بتكميل علمه وفهمه وعمله، وبخشية الله عز وجل*
*قال تعالى في سورة البقرة:*
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)
*قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (باختصار):*
اختلف العلماء في الحكمة هنا، فقال السدي: هي النبوة.
[وقال] ابن عباس: هي المعرفة بالقرآن فقهه ونسخه ومحكمه ومتشابهه وغريبه ومقدمه ومؤخره.
وقال قتادة ومجاهد: الحكمة هي الفقه في القرآن.
وقال مجاهد: الإصابة في القول والفعل.
وقال ابن زيد: الحكمة العقل في الدين.
وقال مالك بن أنس: الحكمة المعرفة بدين الله والفقه فيه والاتباع له. وروى عنه ابن القاسم أنه قال: الحكمة التفكر في أمر الله والاتباع له. وقال أيضا: الحكمة طاعة الله والفقه في الدين والعمل به.
وقال الربيع بن أنس: الحكمة الخشية.
وقال إبراهيم النخعي: الحكمة الفهم في القرآن، وقاله زيد بن أسلم.
وقال الحسن: الحكمة الورع.
*قال الطبري رحمه الله في تفسيره (باختصار):*
وقد بينا فيما مضى معنى ” الحكمة “- وأنها مأخوذة من ” الحكم ” وفصل القضاء، وأنها الإصابة – بما دل على صحته، فأغنى ذلك عن تكريره في هذا الموضع.
وإذا كان ذلك كذلك معناه، كان جميع الأقوال التي قالها القائلون الذين ذكرنا قولهم في ذلك داخلاً فيما قلنا من ذلك، لأن الإصابة في الأمور إنما تكون عن فهم بها وعلم ومعرفة.
وإذا كان ذلك كذلك، كان المصيب عن فهم منه بمواضع الصواب في أموره مفهماً خاشياً لله فقيهاً عالماً.
*قال السعدي رحمه الله في تفسيره:*
لما أمر تعالى بهذه الأوامر العظيمة المشتملة على الأسرار والحكم وكان ذلك لا يحصل لكل أحد، بل لمن منَّ عليه وآتاه الله الحكمة، وهي العلم النافع والعمل الصالح ومعرفة أسرار الشرائع وحكمها،
وإن من آتاه الله الحكمة فقد آتاه خيراً كثيراً وأي خير أعظم من خير فيه سعادة الدارين والنجاة من شقاوتهما!
وفيه التخصيص بهذا الفضل وكونه من ورثة الأنبياء،
فكمال العبد متوقف على الحكمة، إذ كماله بتكميل قوتيه العلمية والعملية
فتكميل قوته العلمية بمعرفة الحق ومعرفة المقصود به،
وتكميل قوته العملية بالعمل بالخير وترك الشر،
وبذلك يتمكن من الإصابة بالقول والعمل وتنزيل الأمور منازلها في نفسه وفي غيره،
وبدون ذلك لا يمكنه ذلك،
ولما كان الله تعالى قد فطر عباده على عبادته ومحبة الخير والقصد للحق، فبعث الله الرسل مذكرين لهم بما ركز في فطرهم وعقولهم، ومفصلين لهم ما لم يعرفوه، انقسم الناس قسمين قسم أجابوا دعوتهم فتذكروا ما ينفعهم ففعلوه، وما يضرهم فتركوه، وهؤلاء هم أولو الألباب الكاملة، والعقول التامة، وقسم لم يستجيبوا لدعوتهم، بل أجابوا ما عرض لفطرهم من الفساد، وتركوا طاعة رب العباد، فهؤلاء ليسوا من أولي الألباب، فلهذا قال تعالى: (وما يذكر إلا أولو الألباب).