79 لطائف التفسير والمعاني
جمع عبدالله البلوشي أبو عيسى وسيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ الدكتور سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله. ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا)
——‘——-‘——-‘
——‘——-‘——-‘
”””””””””'””””””””””””””
——-”——”——-
قال تعالى
(قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)
[سورة الحجر 39]
وقال تعالى
(قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِير ا لِّلْمُجْرِمِينَ)
[سورة القصص 17]
ما الفرق بين إبليس ودعاء موسى … فكلهم أقر بالربوبية
“””””””””””
رب العزة يحب الدعاء: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَسورة غافر:60، فجعل الدعاء عبادة وأخبر أن الذي يستكبر عنه سيدخل جهنم.
الدعاء إظهار الافتقار والاحتياج، وهذا من أخص خصوصيات العبودية في معانيها؛ فإن المسلم عليه أن يظهر عبوديته لربه
وليس هناك أحسن من أدعية الأنبياء والصالحين، الناس يطلبون
اعتراف أبوينا عليهما السلام بالذنب
(قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) سورة الأعراف:23، اشتمل هذا الدعاء العظيم على أربعة أنواع من التوسل:
أولاً: التوسل بالربوبية: رَبَّنَا، الله يحب من عبده أن يقول له: ربي، يا ربي.
ثانياً: التوسل بحال العبد: ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي أعترف،
ثالثاً: توسل بتفويض الأمر إلى الله: فأنت الذي تفعل، وبيدك الأمر، وأنت الذي تشاء، إن شئت غفرت، وإن شئت لم تغفر
رابعاً: التوسل بحال العبد إذا لم تحصل له المغفرة والرحمة لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
كما دعا يوسف عليه الصلاة والسلام
(قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ)
[سورة يوسف 33]
وقال موسى: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم) ُسورة القصص:16،
وقال يونس: (لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) سورة الأنبياء:87.
فسعد آدم بخمسة أشياء: اعترف بالذنب، وندم عليه، ولام نفسه، وسارع إلى التوبة، ولم يقنط من رحمة الله، خمسة: اعترف، وندم، ولام، وسارع، ولم يقنط.
وشقي إبليس بخمسة أشياء: لم يقر بالذنب، ولم يندم عليه، ولم يلم نفسه بل أضافه إلى ربه قال: (فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي) سورة الأعراف:16، فلم يتب عليه، وقنط من الرحمة.
—–
وإبليس مع إقراره بالربوبية فإنه كفر وتكبر عن السجود، ثم دعا الله عز وجل سائلاً الإنظار ليتمادى في عتوه.
فأجابه الله عز وجل ابتلاءً لعباده.
فأقسم أن يسعى في إغواء بني آدم.
أما موسى -عليه السلام-، فندم على ما جرى منهم، ودعا ربه عز وجل طالباً المغفرة.
فاستجاب الله دعاءه وغفر له، تفضلاً منه سبحانه ورحمة.
فأقسم أن لا يكون ظهيراً للمجرمين.
_____________
قال تعالى في سورة الحجر:
(35) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39)
قال السعدي:
{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي} أي: أمهلني {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} وليس إجابة الله لدعائه كرامة في حقه وإنما ذلك امتحان وابتلاء من الله له وللعباد ليتبين الصادق الذي يطيع مولاه دون عدوه ممن ليس كذلك، ولذلك حذرنا منه غاية التحذير، وشرح لنا ما يريده منا.
وقال الطبري:
يقول تعالى ذكره: قال إبليس: (رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي) بإغوائك (لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ) وكأن قوله (بِمَا أَغْوَيْتَنِي) خرّج مخرج القسم، كما يقال: بالله، أو بعزّة الله لأغوينهم.
__________________
وقال تعالى في سورة القصص:
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ (17)
قال الطبري (باختصار):
يقول تعالى ذكره مخبرا عن ندم موسى على ما كان من قتله النفس التي قتلها, وتوبته إليه منه ومسألته غفرانه من ذلك (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) بقتل النفس التي لم تأمرني بقتلها, فاعف عن ذنبي ذلك, واستره عليّ , ولا تؤاخذني به فتعاقبني عليه.
وقوله: (فَغَفَرَ لَهُ) يقول تعالى ذكره: فعفا الله لموسى عن ذنبه ولم يعاقبه به، (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يقول: إن الله هو الساتر على المنيبين إليه من ذنوبهم على ذنوبهم, المتفضل عليهم بالعفو عنها, الرحيم للناس أن يعاقبهم على ذنوبهم بعد ما تابوا منها.
وقوله: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ) يقول تعالى ذكره: قال موسى ربّ بإنعامك عليّ بعفوك عن قتل هذه النفس (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ) يعني المشركين, كأنه أقسم بذلك.
—–‘—-
قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في شرح الطحاوية (باختصار):
[المسألة الثالثة]:
دعاء العبد لله – عز وجل – وتَضَرُّعْ العبد عند الله – عز وجل – فيه أمور:
1 – الأمر الأول: أنَّهُ تَعَرُضٌ لرحمة الله – عز وجل – ولآثار ربوبيته، فهو سبحانه وتعالى يُعْطِي من سأله ويجيب من دعاه – عز وجل -، لأنه هو الرب.
ولهذا قد يُعطي الله – عز وجل – الكافر كما أجاب دعاء إبليس، فقد يَمْرَضُ الكافر فيسأل الله – عز وجل – فيُشْفَى، وقد يَتَعَرَّضْ الكافر لمصيبة فيسأل الله – عز وجل – أن يكفيه شرها فيُجاب.
بل يأتي المشرك والخرافي والمشرك المتعلق بالأموات فيأتي عند القبر بقلب مُضطرّ فيسأل الله – عز وجل – بصاحب هذا القبر أو يسأل الله – عز وجل – ثُمَّ يسأل صاحب القبر، فيُجاب الدعاء لما في قلبه من الاضطرار لله – عز وجل -، ويكون في حقه ابتلاء ويكون أيضاً فتنةً للآخرين.
فإذن العطاء لا يقتضي الرضا عن المُعطَى، وإجابة الدعاء لا تقتضي الرضا عن من أُجِيبَ دعاه فهذا إبليس أُجِيبَ دعاه وقد دعا بأعظم دعوةٍ عنده وهي أن يطول عمره حتى يكون إلى يوم القيامة، {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي} يعني أمد في عمري {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الحجر:36]، إلى أن ينتهي تكليف آدم وأبناءه، فأعطاه الله – عز وجل – هذا السؤال الذي لم يُعْطِهِ نبياً من الأنبياء في إطالة العمر إلى هذا الحد، وهذا كما أعطى الكفار بعض ما سألوا، وكما يُعْطِي بعض من يعبدون المسيح أو يعبدون عزيراً أو يعبدون غير الله، فيُعطيهم لأمر، لا لأجل كفرهم، ولكن لحكمةٍ يعلمها الله أو لأجل اضطرارهم أو لأنَّ هذا الإعطاء أصلاً من مقتضيات ربوبيته – عز وجل – لهم وهم بحاجة إليه، والله هو الذي خلقهم وجعل لهم قدَراً مقدورا ………
4 – الأمر الرابع: أنَّ إجابة الدعوات وقضاء الحاجات ليس دليلاً على شيء، وإنما هو من جنس مطلق الإعطاء.
فكما أنَّ الله – عز وجل – جعل هذا على صفة، وهذا على صفة، وهذا على صفة؛ فإنه سبحانه، يُعْطِي هذا، ويُعْطِي هذا، ويعطي هذا. وقد -كما ذكرتُ لك- يُعْطِي فاسق ويُعْطِي المبتدع ويُعْطِي الفاسق، ويجيب دعاء هذا وهذا وربما هذا بأكثر وهذا بأكثر.
لكن يمتاز المؤمن والعبد الصالح وولي الله – عز وجل – أن يكون جواب الله – عز وجل – له وإعطاؤه لسؤاله -يعني إعطائه لما سأل-، عن محبَةٍ ورضا فيكون في حقه نعمة ولا يكون في حقه نقمة أو إبتلاء.
وهذا هو الذي جاء في حديث الولي، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه» هذا عطاء محبة، «ولئن استعاذني لأعيذنه» هذه إعاذة محبّة ورضا.