1618 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
وهشام السوري وعبدالله المشجري وخميس العميمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا)
——–‘——-‘——-”
——‘——-‘——
الصحيح المسند
1618 عن عبدالله بن شقيق قال: قلت لعائشة: أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أبوبكر. قلت: ثم من؟ قالت: ثم عمر قلت ثم من؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح. قال: قلت: ثم من؟ قال: فسكتت.
—-
فضائل أبي بكر وعمر بن الخطاب ورد شبهة أن علي بن أبي طالب أعلم عنهما وإثبات أن علي بن أبي طالب الرابع في الفضل بعد أبي بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم:
لا شك أن الصحابي الجليل على بن أبي طالب رضي الله عنه كان من أعقل الناس وأحزمهم، وقد اشتهر بالشجاعة والإقدام، وهو أول من أسلم من الصبيان، ثم لازم النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة، وعند خروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة بصحبة أبي بكر رضي الله عنه خلَفه فنام على فراشه، ومن مناقبه رضي الله عنه ما ثبت عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر: (لأعطين الراية رجلا يفتح الله على يديه، فقاموا يرجون لذلك أيهم يعطى، فغدوا وكلهم يرجو أن يعطى، فقال: أين علي؟ فقيل يشتكي عينيه، فأمر فدعي له، فبصق في عينيه فبرأ مكانه حتى كأنه لم يكن به شيء) رواه البخاري 2942، ومسلم 2406.
وكما أن لعلي رضي الله عنه فضائل ومناقب، فلغيره من الصحابة رضوان الله عليهم فضائل أخرى ومناقب، فمن مناقب أبي بكر رضي الله عنه ما ثبت عن أبي سعيد الخدري قال: (خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله فبكى أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقلت في نفسي ما يبكي هذا الشيخ، إن يكن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا، قال: يا أبا بكر، لا تبك، إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر) رواه البخاري 466، ومسلم 2382.
ومن مناقبه صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة، كما قال تعالى إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم التوبة / 40.
ومنها ما ثبت عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، قال: (فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك؟ قال عائشة، فقلت من الرجال فقال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب، فعد رجالا) رواه البخاري 3662، ومسلم 2384
ومن مناقبه أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه في آخر حياته للصلاة بالناس في مرض موته صلى الله عليه وسلم، وشدد على من اعترض عليه وقال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس) رواه البخاري 683، ومسلم 418
ومن مناقبه ما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال: (اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) رواه البخاري 3675، وغير ذلك.
أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فله مناقب وفضائل ثابتة أيضا، فمن ذلك ما ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، قالوا فما أولت ذلك يا رسول الله قال الدين) رواه البخاري 23، ومسلم 2390
ومن ذلك ما ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الري يخرج في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا فما أولته يا رسول الله قال العلم) رواه البخاري 82، ومسلم 2391
ومنه ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم) رواه مسلم 2398
إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على فضائل الصحابة رضوان الله عليهم ومناقبهم، إلا أن تفضيل بعضهم على بعض وارد عقلا وثابت شرعا، وليس ذلك بالتشهي أو الهوى، وإنما مرد ذلك إلى الشرع، كما قال تعالى (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون) القصص / 68.
ولنرجع إلى الأدلة الشرعية التي تبين مراتب الصحابة رضوان الله عليهم ومنازلهم، فقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ” كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم ” رواه البخاري 3655، وفي رواية قال: ” كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم ” البخاري 3697
فهذه شهادة الصحابة كلهم ينقلها عبد الله بن عمر على تفضيل أبي بكر رضي الله عنه على سائر الصحابة، ثم تفضيل عمر رضي الله عنه بعده، ثم عثمان.
ولندع المجال لعلي بن أبي طالب – رضي الله عنه – نفسه ليدلي بشهادته، فعن محمد بن الحنفية – وهو ابن علي بن أبي طالب – قال: (قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر، قلت ثم من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول عثمان، قلت ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين) رواه البخاري 3671
وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: ” لا أوتي بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حد المفتري “، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ” وقد تواتر عنه أنه كان يقول على منبر الكوفة خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر روى ذلك عنه من أكثر من ثمانين وجها ورواه البخاري وغيره ولهذا كانت الشيعة المتقدمون كلهم متفقين على تفضيل أبي بكر وعمر كما ذكر ذلك غير واحد ” منهاج السنة 1/ 308
وعن أبي جحيفة: ” أن عليا رضي الله عنه صعد المنبر، فحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، والثاني عمر رضي الله عنه، وقال يجعل الله تعالى الخير حيث أحب ” رواه الإمام أحمد في مسنده 839، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: ” إسناده قوي ”
فهذه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة رضي الله عنهم كلها شاهدة على عقيدة أهل السنة والجماعة والتي لا خلاف بينهم عليها، أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم عمر رضي الله عن الصحابة أجمعين.
أما كون أبي بكر وعمر يسألان عليا دائما ولا يعرفان، فلم يثبت هذا في أثر مطلقا، بل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يصلي أبو بكر رضي الله عنه بالناس في مرض موته، ولا يستخلف النبي صلى الله عليه وسلم إلا عالما بأحكام الصلاة، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى أبا بكر رضي الله عنه على الحج قبل حجة الوداع، ولا يولي النبي صلى الله عليه وسلم رجلا على هذا المقام إلا وهو أعلمهم به، بل ثبت أن عليا تعلم بعض الأحاديث من أبي بكر رضي الله عنهما عن بعض المسائل، فعن أسماء بن الحكم الفزاري قال: ” سمعت عليا يقول: إني كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني به، وإذا حدثني رجل من أصحابه استحلفته فإذا حلف لي صدقته، وإنه حدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم إلى آخر الآية) رواه الترمذي 406، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى الترمذي (3682) عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ). صححه الألباني في صحيح الترمذي (2908).
وقد سبق قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمر: (قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم)
فالحاصل أن اعتقاد أهل السنة والجماعة، والذي أجمعوا عليه، أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهم أجمعين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” لم يقل أحد من علماء المسلمين المعتبرين: إن عليا أعلم وأفقه من أبي بكر وعمر بل ولا من أبي بكر وحده، ومدعي الإجماع على ذلك من أجهل الناس وأكذبهم، بل ذكر غير واحد من العلماء إجماع العلماء على أن أبا بكر الصديق أعلم من علي، منهم الإمام منصور بن عبد الجبار السمعاني المروذي، أحد أئمة السنة من أصحاب الشافعي ذكر في كتابه: ” تقويم الأدلة على الإمام ” إجماع علماء السنة على أن أبا بكر أعلم من علي، وما علمت أحدا من الأئمة المشهورين ينازع في ذلك، وكيف وأبو بكر الصديق كان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم يفتي ويأمر وينهي ويقضي ويخطب كما كان يفعل ذلك إذا خرج هو وأبو بكر يدعو الناس إلى الإسلام ولما هاجرا جميعا ويوم حنين وغير ذلك من المشاهد والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت يقره على ذلك ويرضى بما يقول ولم تكن هذه المرتبة لغيره.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مشاورته لأهل العلم والفقه والرأي من أصحابه: يقدم في الشورى أبا بكر وعمر فهما اللذان يتقدمان في الكلام والعلم بحضرة الرسول عليه السلام على سائر أصحابه، مثل قصة مشاورته في أسرى بدر، فأول من تكلم في ذلك أبو بكر وعمر، وكذلك غير ذلك … . وفي صحيح مسلم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا معه في سفر فقال: (إن يطع القوم أبا بكر وعمر يرشدوا)، وقد ثبت عن ابن عباس: أنه كان يفتي من كتاب الله، فإن لم يجد فبما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجد أفتى بقول أبي بكر وعمر، ولم يكن يفعل ذلك بعثمان وعلي، وابن عباس حبر الأمة وأعلم الصحابة وأفقههم في زمانه، وهو يفتي بقول أبي بكر وعمر مقدما لقولهما على قول غيرهما من الصحابة.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل “.
مجموع الفتاوى 4/ 398
———
تواضع أبي بكر وعمر بن الخطاب مع ما لهما من الفضائل ورد شبهة عدم حب النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة:
فضل حفصة ورد الشبهه:
نقطع بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لحفصة رضي الله عنها، فإن عمر رضي الله عنه قال بعد ذلك: “يا رسول الله قد دخلت على حفصة فقلت لا يغرنك أن كانت جارتك، أي عائشة رضي الله عنها هي أوسم منك وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبر عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب حفصة، لكن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة أعظم من محبته لحفصة، وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، وأمر آخر أن العبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية، فأم المؤمنين حفصة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة.
تواضع أبي بكر وعمر في تقديم آل البيت على أهلهما:
قول خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه:
روى الشيخان في صحيحيهما عنه رضي الله عنه أنه قال: (والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحبُ إليّ أن أصل من قرابتي).
قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
روى ابن سعد في الطبقات 4/ 22 عن عمر بن الخطاب أنه قال للعباس رضي الله عنهما: (والله! لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليّ من إسلام الخطاب -يعني والده – لو أسلم، لأنّ إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من إسلام الخطاب).
——–”
توسعنا في فضائل الخلفاء رضي الله عنهم في التعليق على صحيح مسلم، وكذلك التعليق على الصحيح المسند (1529)
ولننقل شيئاً من فضائل أبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه-
قال الشيخ الأثيوبي -حفظه الله- في شرحه لسنن ابن ماجه (باختصار):
19 – (فَضْلُ أَبي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ -رضي الله عنه-
هو: أبو عبيدة -رضي الله عنه- اسمه عامر بن عبد الله بن الجَرَّاح بن هلال بن أُهيب بن ضَبّة ابن الحارث بن فِهْر، يجتمع مع النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- في فهر بن مالك، وعَدَدُ ما بينهما من الآباء متفاوت جدًّا بخمسة آباء، فيكون أبو عبيدة من حيث العدد في درجة عبد مناف، ومنهم من أدخل في نسبه بين الجراح وهلال ربيعةَ، فيكون على هذا في درجة هاشم، وبذلك جزم أبو الحسن بن سميع، ولم يذكر غيره.
وكان إسلامه هو، وعثمان بن مظعون، وعُبيدة بن الحارث بن المطلب، وعبد الرّحمن بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الأسد، في ساعة واحدة قبل دخول النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- دار الأرقم، ذكره ابن سعد من رواية يزيد بن رُومان، وأنكر الواقدي ذلك، وزعم أن أباه مات قبل الإسلام، وأمه أميمة بنت غَنْم بن جابر بن عبد العزي بن عامر بن عميرة، أحد العشرة السابقين إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا وما بعدها، وهو الّذي انتزع الحلقتين من وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسقطت ثنيتا أبي عبيدة، وكان أميرًا على الشّام من قبل عمر بن الخطّاب، فكان فتح أكثر الشّام على يده. وقَتَل أباه يوم بدر، ونزلت فيه: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية [المجادلة: 22]، وهو فيما أخرجه الطَّبرانيُّ بسند جيد، عن عبد الله بن شَوْذَب قال: جعل والدُ أبي عبيدة يَتَصَدّى لأبي عبيدة يوم بدر، فيَحِيد عنه، فلما أكثر قصده فقتله، فنزلت.
وقال الواقديّ: آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعد بن معاذ، وهو الّذي قال لعمر: أنفر من قدر الله؟ فقال: لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة، نعم نَفِرّ من قدر الله تعالى إلى قدر الله تعالى، وذلك دالّ على جلالة أبي عبيدة عند عمر رضي الله عنهما، وذكره ابن إسحاق في مهاجرة الحبشة، وأسند ابن سعد من طريق مالك بن عامر أنه وَصَفَ أبا عبيدة، فقال: كان رجلًا نحيفًا معروق الوجه، خفيف اللحية، طُوالًا أجنأ، أثرم.
وعن عبد الله بن شقيق، قال: سألت عائشة رضي الله عنهما مَنْ كان أحب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالت: أبو بكر، ثمّ عمر، ثمّ أبو عبيدة بن الجراح.
وأخرج أحمد عن عبد الله بن شقيق، قلت لعائشة: أَيُّ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أحب إليه؟ قالت: أبو بكر، قلت: ثمّ من؟ قالت: عمر، قلت: ثمّ من؟ قالت: أبو عبيدة ابن الجراح.
وقال يعقوب بن سفيان: حَدَّثَنَا حجاج، حَدَّثَنَا حماد، عن زياد الأعلم، عن الحسن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “ما من أحد من أصحابي إِلَّا لو شئت لأخذت عليه في خُلُقه، ليس أبا عبيدة بن الجراح”، وهذا مرسل، ورجاله ثقات.
وأخرج ابن سعد بسند حسن أن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- بلغه أن بعض أهل الشّام استعجز أبا عبيدة أيّام حِصَار دمشق، ورَجَّح خالد بن الوليد، فغضب معاذ، وقال أبأبي عبيدة يُظَنّ، والله إنّه لمن خِيرة من يمشي على الأرض.
وقال ابن المبارك في “كتاب الزهد”: حَدَّثَنَا معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قدم عمر الشامَ، فتلقاه أُمراء الأجناد، فقال: أين أخي أبو عبيدة؟ فقالوا: يأتي الآن، فجاء على ناقة مخطومة، فسلّم عليه، وساءله حتّى أتى منزله، فلم ير فيه شيئًا إِلَّا سيفه وترسه ورحله، فقال له عمر: لو اتخذت متاعًا، قال: يا أمير المؤمنين إن هذا يبلغنا المَقِيل.
وأخرج الحاكم في “المستدرك” من طريق عبد الملك بن نوفل بن مساحق، عن أبي سعيد المقبري قال: لمّا طُعن أبو عبيدة، قالوا: يا معاذ صَلّ بالناس، فصلّى ثمّ مات أبو عبيدة، فخطب معاذ، فقال في خطبته: وإنكم فُجِعتم برجل ما أزعم والله أني رأيت من عباد الله قط أقلّ حِقْدًا، ولا أبوأ صدرًا، ولا أبعد غائلةً، ولا أشد حياء للعاقبة، ولا أنصح للعامة منه، فترحموا عليه.
اتفقوا على أنه مات في طاعون عَمَوَاس بالشام سنة ثمان عشرة، وأرخه بعضهم سنة سبع عشرة، وهو شاذ، وجزم ابن منده تبعًا للواقدي والفلاس أنه عاش ثمانيا وخمسين سنة، وأما ابن إسحاق فقال: عاش إحدى وأربعين سنة.
وقال ابنُ عائذ: قال الوليد بن مسلم: حدثني من سمع عروة بن رُويم قال: انطلق أبو عبيدة يريد الصّلاة ببيت المقدس، فأدركه أجله، فتوفي هناك، وأوصى أن يُدفَن حيث قَفَى، وذلك بفِحْل من أرض الأردنّ، ويقال: إن قبره بِبَيْسان، وقالوا: إنّه كان يَخضب بالحناء والكتم.
أخرج له الجماعة، وله من الأحاديث (15) حديثًا، انفرد مسلم بحديث منها، ولم يُخرج له البخاريّ، والله تعالى أعلم.
أمين هذه الأمة:
روى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:
135 – (حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، جَمِيعًا عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِأَهْلِ نَجْرَانَ: “سَأَبْعَثُ مَعَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ”، قَالَ: فَتَشَرَّفَ لَهُ النَّاسُ، فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ).
……………
4385 – حدثني عبّاس بن الحسين، حَدَّثَنَا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن صِلَة بن زُفَر، عن حذيفة قال: جاء العاقب، والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يريدان أن يُلاعناه، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فوالله لئن كَان نبيا فلاعنّا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، قالا: إنا نُعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلًا أمينًا، ولا تبعث معنا إِلَّا أمينًا، فقال: “لأبعثنّ معكم رجلًا أمينًا حَقَّ أمين”، فاستشرف له أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: “قم يا أبا عبيدة بن الجراح”، فلما قام قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “هذا أمين هذه الأمة”.
………………..
[تنبيه]: وقع في حديث أنس عند مسلم أن أهل اليمن قَدِمُوا على النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: ابعَث معنا رجلًا يُعَلِّمنا السنة والإسلام، فأخذ بيد أبي عبيدة، وقال: “هذا أمين هذه الأمة”، فإن كان الراوي تَجَوّز عن أهل نَجْران بقوله: أهل اليمن؛ لقرب نجران من اليمن، وإلا فهما واقعتان، والأول أرجح. قاله في “الفتح”
(سَأَبْعَثُ مَعَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا) قال القرطبيّ رحمه الله: الأمانة ضدّ الخيانة، وهي عبارة عن قوّة الرَّجل على القيام بحفظ ما يوكَلُ إلى حفظه، ويُخلَّى بينه وبينه، وهي مأخوذة من قولهم: ناقة أَمُون، أي قويّة على الحمل والسير، فكأن الأمين هو الّذي يوثق به في حفظ ما يُوكَلُ إلى أمانته حتّى يؤدّيه لقوّته على ذلك. انتهى (حَقَّ أَمِينٍ) بنصب “حقّ” على أنه مصدر مضاف، وهو في موضع الصِّفَة، تقديره أمينًا محَقَّقًا في أمانته. قاله القرطبيّ.
وقال غيره: أي بلغ في الأمانة الغاية القصوى، قيل: الأمانة كانت مشتركة بينه وبين غيره من الصّحابة، لكن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- خصّ بعضهم بصفات غلبت عليه، وكان أخصّ بها، فخصّ أبا عبيدة بالأمانة؛ لكمال هذه الصِّفَة فيه.
قاله السنديّ (قَالَ: فَتَشَرَّفَ) أي انتصب، وفي نسخة: “فتشوّف” بالواو: أي انتظر
وفي رواية للبخاريّ: “فأشرف أصحابه”، وفي رواية مسلم والإسماعيلي: “فاستشرف لها أصحاب رسول الله” -صلى الله عليه وسلم-، قال في “الفتح”: أي تَطَلّعوا للولاية، ورغبوا فيها حرصًا على تحصيل الصِّفَة المذكورة، وهي الأمانة، لا على الولاية من حيث هي. انتهى.
وقال القرطبيّ: أي تشوّفوا، وتعرّضوا لمن هو الموجّه معهم، وكلهم يحرص على أن يكون هو المعنيّ، إذ كلّ واحد منهم أمين. انتهى
ووقع في رواية لأبي يعلى من طريق سالم، عن أبيه، سمعت عمر يقول: “ما أحببت الإمارة قط إِلَّا مَرّة واحدة … “، فذكر القصة، وقال في الحديث: “فتعرضت أن تُصِيبني، فقال: قم يا أبا عبيدة”.
(فَبَعَث أبا عُبَيْدة بْنَ الجرَّاحِ) وفي رواية أبي يعلى: “قم يا أبا عبيدة، فأَرْسَلَهُ معهم”، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
………….
(المسألة الثّالثة): في فوائده
1 – (منها): بيان فضل أبي عبيدة بن الجرَّاح -رضي الله عنه- ولما دخل عمر منزله لم يجد فيه شيئًا يرُدّ البصر أكثر من سلاحه، وأداة رحل بعيره، فبكى عمر -رضي الله عنه-، وقال: صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أنت أمين هذه الأمّة”، أو كما قال.
وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر كلّ أحد من أعيان أصحابه -صلى الله عليه وسلم- بما غلب عليه من أوصافه، وإن كانوا كلّهم فضلاء علماء حكماء مختارين لمختار، فقد صحّ عنه -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الترمذيّ، وابن ماجه من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- مرفوعًا: “أرحم أُمَّتي بأمتي أبو بكر، وأشدّهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ، وأفرضهم زيد، وأقرؤهم أُبيّ، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة”
قلت سيف بن دورة: الحديث يضعفه بعض أهل العلم لكن لبعضه شواهد