1606 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
وهشام السوري وعبدالله المشجري وخميس العميمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا)
———–‘———‘———
الصحيح المسند:
1606 عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل – ثلاث مرات – فإن دخل بها فالمهر لها، بما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له.
——-“———“——–”
قَالَ التِّرْمِذِيّ وَرَوَاهُ الْحَجَّاج بْن أَرْطَاة وَجَعْفَر بْن أَبِي رَبِيعَة عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَرُوِيَ عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم
قال بن جُرَيْجٍ ثُمَّ لَقِيت الزُّهْرِيِّ فَسَأَلْته فَأَنْكَرَهُ فَضَعَّفُوا هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَجْل هَذَا وَذُكِرَ عَنْ يَحْيَى بْن مَعِين أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَذْكُر هذا الحرف عن بن جُرَيْجٍ إِلَّا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم قَالَ يَحْيَى بْن مَعِين وَسَمَاع إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم مِنْ بن جُرَيْجٍ لَيْسَ بِذَاكَ
إِنَّمَا صَحَّحَ كُتُبه عَلَى كُتُب عَبْد الْمَجِيد بْن عَبْد الْعَزِيز بْن أبي رواد فيما سمع من بن جُرَيْجٍ وَضَعَّفَ يَحْيَى رِوَايَة إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم عن بن جُرَيْجٍ
قَالَ التِّرْمِذِيّ
وَالْعَمَل عَلَى حَدِيث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَاب لَا نِكَاح إِلَّا بِوَلِيٍّ عِنْد أَهْل الْعِلْم مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَعَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَغَيْرهمْ
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ فُقَهَاء التَّابِعِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا نِكَاح إِلَّا بِوَلِيٍّ مِنْهُمْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَشُرَيْح وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيُّ الْوَلِيَّ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ التَّزْوِيجِ فَكَأَنَّهُ لَا وَلِيَّ لَهَا فَيَكُونُ السُّلْطَانُ وَلِيَّهَا وَإِلَّا فَلَا وِلَايَةَ لِلسُّلْطَانِ مَعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَهُوَ عِنْدِي حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَمْ يُؤَثِّرْ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ إِنْكَارُ الزُّهْرِيِّ لَهُ فَإِنَّ الْحِكَايَةَ فِي ذَلِكَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَدْ وَهَّنَهَا بَعْضُ الْأَئِمَّةِ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ مَا فِي مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِلْمِ بَالْحَدِيثِ مِنْ وُجُوبِ قَبُولِ خبر الصادق وإن نسيه مَنْ أَخْبَرَهُ عَنْهُ:
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ حَدِيثُ إِسْرَائِيلَ صَحِيحٌ فِي لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَسُئِلَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ الزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَإِسْرَائِيلُ ثِقَةٌ فَإِنْ كَانَ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ أَرْسَلَاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ الْحَدِيثَ انْتَهَى
وَقَالَ فِي النَّيْلِ وَأَسْنَدَ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ وَالذُّهْلِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ صَحَّحُوا حَدِيثَ إِسْرَائِيلَ وَحَدِيثُ عائشة أخرجه أيضا أبو عوانة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ أُعِلَّ بَالْإِرْسَالِ وتكلم فيه بعضهم من جهة أن بن جُرَيْجٍ قَالَ ثُمَّ لَقِيتُ الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ فَأَنْكَرَهُ وَقَدْ عَدَّ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ عدة من رواه عن بن جُرَيْجٍ فَبَلَغُوا عِشْرِينَ رَجُلًا وَذَكَرَ أَنَّ مَعْمَرًا وعبيد الله بن زحر تابعا بن جُرَيْجٍ عَلَى رِوَايَتِهِ إِيَّاهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى وَأَنَّ قُرَّةَ وَمُوسَى بْنَ عُقْبَةَ وَمُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ وَأَيُّوبَ بْنَ مُوسَى وَهِشَامَ بْنَ سَعْدٍ وَجَمَاعَةً تَابَعُوا سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ
قَالَ وَرَوَاهُ أَبُو مَالِكٍ الْجَنْبِيُّ وَنُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ وَمَنْدَلٌ وَجَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ وَجَمَاعَةٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة
وقد أعل بن حبان وبن عدي وبن عبد البر والحاكم وغيره الحكاية عن بن جُرَيْجٍ بِإِنْكَارِ الزُّهْرِيِّ وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ لَا يَلْزَمُ مِنْ نِسْيَانِ الزُّهْرِيِّ لَهُ أَنْ يَكُونَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى وَهِمَ فِيهِ انْتَهَى
—-
*قال العباد -حفظه الله- في شرح السنن:*
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في الولي].
أي: الولي الذي يتولى عقد النكاح للزوج على امرأة، فإنه لابد من وجود ولي لها يتولى ذلك، ولا تتولى هي ذلك بنفسها، ولا يتولاه أجنبي عنها ليس من مواليها إلا بتوكيل من الولي، والولاية في النكاح كانت موجودة في الجاهلية، كما جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنهم كانوا في الجاهلية يأتي الرجل إلى الرجل فيخطب وليته منه فيزوجها إياه، فكان هذا الحكم الذي هو لزوم الولي في النكاح من الأمور التي كانت في الجاهلية وأقرها الإسلام.
ومعلوم أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون بالقول والفعل والتقرير، وقد جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم باشتراط الولي كما في الحديث الذي أورده أبو داود وغيره، وجاء ذلك في القرآن الكريم أيضاً، وجاء أيضاً التقرير لهذا الحكم الذي كان في الجاهلية، وأنه من الأحكام التي كانت موجودة وأقرها الإسلام.
وهو شيء محمود؛ لأن في ذلك إبعاد المرأة عن الظهور بالاشتغال بالزواج والحياء يغلب عليهن، فكان أن جاء الكتاب والسنة باشتراط الولي في النكاح، وأنه لابد من ولي للمرأة يعقد النكاح لها على من يتزوجها، وقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على ذلك، وذلك في قول الله عز وجل: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة:232]، وهو خطاب للأولياء، فلو كانت المرأة يمكنها أن تعقد لنفسها أو يقوم بذلك أحد من غير أوليائها لما كان هناك حاجة إلى أن ينهى الأولياء عن العضل، حين يعضلونهن أن ينكحن أزواجهن، وذلك أن الآية نزلت في معقل بن يسار رضي الله عنه، وكان له أخت زوجها من قريب لها ثم طلقها، ولما انتهت عدتها جاء يخطبها، فحلف معقل أن لا يزوجها إياه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} أي: الذين طلقوهن وانتهت عدتهن.
أما إذا كان طلقها وهي باقية في العدة فالأمر إلى الزوج؛ لأن له حق الرجعة، ولكنه إذا خرجت المرأة من العدة صار خاطباً من الخطاب إن شاءت أن تعود إليه فوليها لا يمنعها من ذلك، وإن شاءت أن لا تقبله ورغبت في شخص آخر سواه فإن لها ذلك.
فهذه الآية الكريمة فيها نهي الأولياء عن العضل، وهو امتناعهم عن أن يزوجوا الأزواج المطلقين إذا رضيت النساء بهؤلاء الأزواج الذين طلقوهن، فيلزم الولي بأن يعقد لها على زوجها الذي طلقها وانتهت عدتها وأراد أن يتزوجها مرة أخرى، فالآية واضحة الدلالة على أن الولاية لازمة؛ لأنها لو لم تكن لازمة لما كان هناك حاجة إلى أن ينهوا، بل هي تتصرف في نفسها لو كان الأمر إليها، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم جاء فيها من الأحاديث ما أورده أبو داود في هذا الباب، فقد أورد أحاديث تدل على أنه لابد من الولي في النكاح.
فأورد أولاً حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل -ثلاث مرات-)] أي أنه قال: باطل، باطل، باطل.
كرر ذلك للتأكيد، قال: (فإن دخل بها فلها المهر بما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)].
فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل)] يدل على أن الولاية شرط في النكاح، وأن العقد إذا عقد من غير ولي فإنه يكون باطلاً، وكون المرأة تعقد لنفسها أو توكل أحداً يعقد لها وهي التي تتولى ذلك بغير إذن الموالي فإنه يكون باطلاً كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يدل على العموم، والمعنى أن أي امرأة حصل لها ذلك بغير ولي فإن النكاح يكون باطلاً، ويكون لاغياً كأنه لم يكن؛ لأنه فقد هذا الشرط الذي هو الولي في النكاح.
والمقصود بقوله: [(إذن مواليها)] كونهم يعقدون أو يأذنون لأحد أن يعقد، أي: إما أن يعقد الولي بنفسه أو يأذن لأحد أن يعقد نيابة عنه.
فالمقصود به أن النكاح لا يصح إذا لم يكن من ولي أو وكيل لولي، وليس المقصود به أن المرأة لها أن تزوج نفسها بإذن وليها؛ لأنها ليست لها الولاية في عقد الزواج لنفسها.
والولي هو الذي يكون من عصبتها الأولى فالأولى، أي: الأب، ثم الجد، ثم الابن، ثم ابن الابن، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب، وهكذا على حسب الترتيب، وغير العصبة لا يكونون أولياء، لا ذوو الأرحام ولا الذين يرثون بالفرض كالإخوة لأم.
ولابد في الولي الذي يتولى العقد من البلوغ، ويقدم الأصول على غيرهم، ويقدم الفروع على الحواشي، ولو عقد الولي الأدنى مع وجود الأعلى صح إذا أقره، فإذا تنازل من له الحق لمن هو دونه صح العقد.
ثم قال: [(فإن دخل بها)] يعني: إن دخل عليها بهذا العقد الذي هو غير صحيح [(فلها المهر بما أصاب منها)] يعني: هذا الذي دفعه لها مهراً لا يرجع إليه ما دام أنه أصابها وجامعها؛ لأن لها ذلك بما استحل من فرجها.
وإذا اشتجر الأولياء -بمعنى أنهم اختلفوا أو عضلوا- فإن الولاية تنتقل إلى السلطان [(فالسلطان ولي من لا ولي له)]، وهذا يدلنا -أيضاً- على أن المرأة لا حق لها في عقد النكاح؛ إذ جعل الشرع الحق في ذلك للأولياء، ثم تنتقل للسلطان ولا تنتقل إليها، فالأمر يرجع إلى الأولياء، ثم إن كانوا لا يوجدون أو يوجدون ولكنهم عاضلون وممتنعون من تحقيق رغبتها وتزويجها بمن هو أهل للزواج منها فإن ذلك الأمر ينتقل إلى السلطان، لقوله: [(فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)].
*وقال الخطابي -رحمه الله- في شرحه لسنن أبي داود:*
قوله أيما امرأة كلمة استيفاء واستيعاب، وفيه إثبات الولاية على النساء كلهن ويدخل فيها البكر والثيب والشريفة والوضيعة والمولى ههنا العصبة.
وفيه بيان أن المرأة لا تكون ولية نفسها وفيه دليل على أن ابنها ليس من أوليائها إذا لم يكن عصبة لها.
وفيه بيان أن العقد إذا وقع لا بإذن الأولياء كان باطلاً، وإذا وقع باطلاً لم يصححه إجازة الأولياء، وفي إبطال هذا النكاح وتكراره القول ثلاثاً تأكيد لفسخه ورفعه من أصله، وفيه إبطال الخيار في النكاح.
وفيه دليل على أن وطء الشبهة يوجب المهر وايجاب المهر إيجاب درء الحدود وإثبات النسب ونشر الحرمة.
وفي قوله فالمهر لها بما أصاب منها دليل على أن المهر إنما يجب بالإصابة فإن الدخول إنما هو كناية عنها.
وقوله فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له، يريد به تشاجر العضل والممانعة في العقد دون تشاجر المشاحة في السبق إلى العقد، فأما إذا تشاجروا في العقد ومراتبهم في الولاية سواء فالعقد لمن سبق إليه منهم إذا كان ما فعل من ذلك نظراً لها.
ومعنى قوله بغير إذن مواليها هو أن يلي العقد الولي أو يوكل بتزويجها غيره فيأذن له في العقد عليها.
وزعم أبو ثور أن الولي إذا أذن للمرأة في أن تعقد على نفسها صح عقدها النكاح على نفسها، واستدل بهذه اللفظة في الحديث، ومعناه التوكيل بدليل ما روي أن النساء لا تلين عقد النكاح.
*قال أحد الباحثين وهو يتحدث عن شروط النكاح:*
الشرط الأول: إذنُ وَلِيِّ المرأة:
الولي هو: الذي يلي عقد النكاح على المرأة ولا يدعها تستبد بعقد دونه وقد ذهب الجماهير من السلف والخلف، منهم: عمر وعلي وابن مسعود وأبو هريرة وعائشة رضي الله عنهم ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد والثوري وأهل الظاهر، إلى أن الولي شرط لصحة النكاح، فإذا زوَّجت المرأة نفسها، فنكاحها باطل، واستدلوا بما يلي:
1 – النصوص القرآنية التي جعلت أمر التزويج والإعضال إلى الرجال، ومنها:
(أ) قوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم … }. فخاطب الرجال بإنكاح الأيامى ولو كان أمر التزويج عائد إلى النساء لما وجَّه الخطاب للرجال.
(ب) وقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا}. مع قوله: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ … }.
(ج) قول الشيخ الكبير لموسى عليه السلام: {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين}.
(د) قوله تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف}.
فنهى الأولياء عن عضل النساء عن العودة إلى أزواجهن، وفي هذا أصرح دليل على اعتبار الولي، وإلا لما كان لعضله معنى، ولأنها لو كان لها أن تزوَّج نفسها لم تحتج إلى أخيها.
(هـ) قوله تعالى: {فانكحوهن بإذن أهلهن}. فاشترط إذن ولي الأمة لصحة النكاح، فدلَّ على أنه لا يكفي عقدها لنفسها.
(و) قوله تعالى: {الرجال قوَّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض}. والولاية من القوامة المنصوص عليها.
(ز) عن عائشة في قوله تعالى: {وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن}. قالت: “هذا في اليتيمة التي تكون عند الرجل لعلها أن تكون شريكته في ماله -وهي أولى به- فيرغب عنها أن ينكحها، فيعضلها لمالها ولا يُنكحها غيره كراهية أن يشركه أحد في مالها”.
ح) وقالت عائشة -في وصف نكاح الجاهلية-: ” … فنكاح منها كنكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيُصدقها ثم ينكحها .. “.
2 – وأصرح من كل ما تقدم ما يلي:
(أ) حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا نكاح إلا بوَليٍّ”.
(ب) حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل -ثلاثًا- ولها مهرها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فإن السلطان ولي من لا ولي له” وهما صريحان في الشرطية.
(جـ) وقد ثبت هذا المعنى من قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس.
(د) وعن أبي هريرة قال: “لا تنكح المرأة نفسها، فإن الزانية تُنكح نفسها”.
وقد نقل الحافظ في “الفتح” (9/ 187 – المعرفة) عن ابن المنذر أنه لا يُعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك.
* بينما ذهب أبو حنيفة إلى أن المرأة الحرة العاقلة البالغة لا يشترط لصحة العقد عليها وجود الولي، وإنما يشترط في إنكاح الصغيرة!! وحجته في هذا ما يلي:
1 – قوله تعالى: {فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف}.
2 – وقوله سبحانه: {حتى تنكح زوجًا غيره}.
قالوا: فأضاف النكاح إليهن فدلَّ على جواز النكاح بعبارتهن من غير شرط الولي.
3 – قوله تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن}. قالوا: الاستدلال بها من وجهين.
(أ) أنه أضاف النكاح إليهن.
(ب) أن النهي عن العضل في الآية يحتمل أن يكون للأزواج، فنهتهم عن منع أزواجهم المطلقات -بعد قضاء عدتهن- من التزوُّج بمن شئن من الأزواج!!
قلت: وقد تقدم سبب نزول الآية وأنه يردُّ هذا التأويل.
4 – حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الأيم أحق بنفسها من وليِّها، والبكر تُستأذن في نفسها، وإذنها صماتها”.
قلت: ولا يصفو لهم الاستدلال بهذا الحديث على عدم اشتراط الولي لأمرين:
(أ) “أن غاية ما يدل عليه أن للولي حقًا في تزويج الثيب، وللثيب حق في تزويج نفسها، وحقها أرجح من حقِّه، فلم يجز تزويجها بدون استئمارها، وموافقتها، أما البكر فحق الولي أعظم من حقها، ولذا اكتفى بصمتها”.
وهذا كله في حالة الإجبار فلا يجوز للولي أن يجبر الأيِّم على ما تكره.
(ب) أنه لو كان معنى الحديث ما أرادوا، للزم أفضلية الزواج بدون الولي، وهذا يخالف ما عليه الحنفية من استحباب وجود الولي.
فالصحيح الذي لا يجوز خلافه أن الولي شرط في صحة النكاح كما ذهب إليه الجماهير، والله أعلم.
=====
تفصيل المذاهب في مسألة أنه لا يصح النكاح إلا بولي:
في اخت ف أهـل العلم في اشتراط الولي في النكاح:
قال النووي -رحمه الله تعالى-: اختلف العلماء في اشتراط الولي في صحة النكاح، فقال مالك، والشافعي: يشترط، و يصح نكاح إ بولي. وقال أبو حنيفة: يشترط في الثيب، و في البكر البالغة، بل لها أن تزوج نفسها بغير إذن وليها.
وقال أبو ثور: يجوز أن تزوج نفسها بإذن وليها، و يجوز بغير إذنه.
واحتج أبو ثور بالحديث المشهور: “أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل”، و ن الولي إنما يراد ليختار كفؤا لدفع العار، وذلك يحصل بإذنه.
وقال داود: يشترط الولي في تزويج البكر دون الثيب.
واحتج مالك، والشافعي بالحديث المشهور: ” نكاح إ بولي”. وهـذا يقتضي نفي الصحة.
واحتج داود بأن الحديث المذكور في مسلم صريح في الفرق بين البكر والثيب، وأن الثيب أحق بنفسها، والبكر تستأذن.
يعني حديث ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما -، مرفوعا: “ا يم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها”.
قال النووي: وأجاب أصحابنا عنه بأنها أحق، أي شريكة في الحق، بمعنى أنها تجبر، وهـي أيضا أحق في تعيين الزوج.
قال العلماء: ناقض داود مذهـبه في اشتراط الولي في البكر دون الثيب؛ نه إحداث قول في مسألة مختلف فيها، ولم يسبق إليه، ومذهـبه أنه يجوز إحداث مثل هـذا. والله أعلم.
واحتج أبو حنيفة بالقياس على البيع وغيره، فإنها تستقل فيه ب ولي
قال أبو عمر: حجة من قال: نكاح إ بولي أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد ثبت عنه أنه قال: ” نكاح إ بولي”، روى هـذا الحديث شعبة، والثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – مرس ، فمن يقبل المرسل يلزمه قبوله، وأما من يقبل المراسيل، فيلزمه أيضا؛ ن الذين وصلوه من أهـل الحفظ، والثقة، وممن وصله إسرائيل، وأبو عوانة، ك هـما عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي – صلى الله عليه وسلم -. وإسرائيل، ومن تابعه حفاظ، والحافظ تقبل زيادته، وهـذه الزيادة يعضدهـا أصول؛ قال الله -عز وجل-: {ف تعضلوهـن أن ينكحن أزواجهن}
وهـذه ا ية نزلت في معقل بن يسار إذ عضل أخته عن مراجعة زوجها. قاله البخاري. ولو أن له حقا
في ا نكاح ما نهي عن العضل.
ومما يدل على هـذا أيضا من الكتاب قوله: {فانكحوهـن بإذن أهـلهن}
_________
فقد تعاضد الكتاب والسنة على أن نكاح إ بولي. قال الطبري: في حديث حفصة حين تأيمت، وعقد عمر عليها النكاح، ولم تعقده هـي إبطال قول من قال: إن للمرأة البالغة المالكة لنفسها تزويج نفسها، وعقد النكاح، دون وليها، ولو كان ذلك لها لم يكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليدع خطبة حفصة لنفسها، إذا كانت أولى بنفسها من أبيها، وخطبها إلى من يملك أمرهـا، و العقد عليها، وفيه بيان قوله – صلى الله عليه وسلم -: “ا يم أحق بنفسها من وليها” أن معنى ذلك أنها أحق بنفسها في أنه يعقد عليها إ برضاهـا أنها أحق بنفسها في أن تعقد عقد النكاح على نفسها دون وليها.
وروى الدارقطني عن أبي هـريرة – رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” تزوج المرأة المرأة، و تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هـي التي تزوج نفسها”. قال: حديث صحيح.
قال باحث: هـو صحيح، كما قال، لكن الجملة ا خيرة موقوفة على أبي هـريرة – رضي الله عنه -، كما رواه الدارقطني بسند على شرط الشيخين، فقال: قال أبو هـريرة: “كنا نعد التي تنكح نفسها هـي الزانية”. انظر ما كتبه الشيخ ا لباني في “إرواء الغليل” 6/ 248 – 249.
قال ابن المنذر: وأما قول النعمان، فمخالف للسنة، خارج عن قول أكثر أهـل العلم، وبالخبر عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نقول.
وقال أبو يوسف: يجوز النكاح إ بولي، فإن سلم الولي جاز، وإن أبى أن يسلم، والزوج كفء: أجازه القاضي، وإنما يتم النكاح في قوله حين يجيزه القاضي، وهـو قول محمد بن الحسن، وقد كان محمد بن الحسن يقول: يأمر القاضي الولي بإجازته، فإن لم يفعل استأنف عقدا، و خ ف بين أبي حنيفة وأصحابه أنه إذا أذن لها وليها، فعقدت النكاح بنفسها جاز. وقال ا وزاعي: إذا ولت أمرهـا رج ، فزوجها كفؤا، فالنكاح جائز، وليس للولي أن يفرق بينهما، إ أن تكون عربية تزوجت مولى، وهـذا نحو مذهـب مالك.
وحمل القائلون بمذهـب الزهـري، وأبي حنيفة، والشعبي قوله – صلى الله عليه وسلم -: ” نكاح إ بولي” على الكمال، على الوجوب، كما قال – صلى الله عليه وسلم -: ” ص ة لجار المسجد إ في المسجد”.
واستدلوا على هـذا بقوله تعالى: {ف تعضلوهـن أن ينكحن أزواجهن}
، وقوله تعالى: {ف جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف}
انتهى المقصود من ك م القرطبي.
قال الاثيوبي- عفا الله تعالى عنه -: أرجح ا قوال عندي هـو القول باشتراط الولي في النكاح، وهـو الذي عليه الجمهور؛ لصحة ا حاديث المذكورة بذلك، وأما حملها على معنى الكمال، وتأويلها بذلك، فغير صحيح، يرده قوله – صلى الله عليه وسلم -: “فنكاحها باطل”، فتبصر با نصاف، و تتحير با عتساف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة):
في اخت ف أهـل العلم في ترتيب ا ولياء:
ذهـب مالك إلى أن أولهم البنون، وإن سفلوا، ثم ا باء، ثم ا خوة ل ب وا م، ثم ل ب، ثم بنو ا خوة ل ب وا م، ثم بنو ا خوة ل ب، ثم ا جداد ل ب، وإن علوا، ثم العمومة على ترتيب ا خوة، ثم بنوهـم على ترتيب بني ا خوة، وإن سفلوا، ثم المولى، ثم السلطان، أو قاضيه، والوصي مقدم في إنكاح ا يتام على ا ولياء، وهـو خليفة ا ب ووكيله، فأشبه حاله حاله لو كان حيا.
وقال الشافعي: و ية حد مع ا ب، فإن مات فالجد، ثم أب أب الجد؛ نهم كلهم آباء، والو ية بعد الجد ل خوة، ثم ا قرب. وقال المزني: قال في الجديد: من انفرد بأم كان أولى بالنكاح، كالميراث، وقال في القديم: هـما سواء. وروى المدنيون عن مالك مثل قول الشافعي، وأن ا ب أولى من ا بن، وهـو أحد قولي أبي حنيفة.
وقال أحمد: أحقهم بالمرأة أن يزوجها أبوهـا، ثم ا بن، ثم ا خ، ثم ابنه، ثم العم.
وقال إسحاق: ا بن أولى من ا ب، كما قال مالك. واختاره ابن المنذر؛ لحديث أم سلمة المذكور في الباب؛ لكن قد عرفت أنه ضعيف، ف يصح ا حتجاج به.
قال الجامع – عفا الله تعالى عنه -: عندي أن ما ذهـب إليه الشافعي -رحمه الله تعالى- أرجح. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
و راجع “تفسير القرطبي” 3/ 77 – 78.
لقاء الباب المفتوح بن عثيمين
كيفية زواج من ولي لها
فضيلة الشيخ! عندنا في جدة كثير من الجنسيات الوافدة، وهـناك تأتي المرأة لتتزوج و يكون عندهـا ولي؛ نها جاءت إلى الب د بمفردهـا، فتتزوج ب ولي، فما الواجب تجاه ذلك جزاكم الله خيرا؟
الواقع أن هـذه ليست مشكلة، يعني إذا أتى نساء وافدات إلى الب د ليس معهن أولياء، فليس هـناك مشكلة، إذ أن ا مر يعرض على المحكمة الشرعية، ومن ولي لها فالسلطان ولي من ولي لها، ونائب السلطان يقوم مقام السلطان، والحاكم الشرعي له أن يزوج من ليس لها ولي، وله أن يزوج من لها ولي ولكنه امتنع من أن يزوجها من خطبها وهـو كفء، وهـذه المسألة يجب أن نهتم بها نحن طلبة العلم: يوجد بعض ا ولياء والعياذ بالله يرى أن بناته وأخواته عنده بمنزلة البهائم؛ يبيع ويشتري فيها وينافس، ويمنع الشخص الذي يكون كفئا في دينه وخلقه؛ نه يحبه وهـذا حرام.
وإذا تكرر منه هـذا المنع صار فاسقا خارجا عن العدالة، ف تقبل له شهادة، و تقبل له إمامة في قوم، ف يؤم الناس في الص ة على قول بعض العلماء، و يصح أن يكون وليا، فإذا تكرر منع هـذا الولي من تزويج موليته من هـو كفء قلنا له: ليس لك و ية عليها.
وبحثنا عن ولي أقرب، فإذا امتنع ا ولياء كما هـو الغالب فإنهم يقولون: إذا كان أبوهـا ما زوجها فلسنا ملزمين بتزويجها، فإذا امتنع ا ولياء ا خرون عن الو ية انتقلت إلى و ية القاضي، وفي هـذه الحال يجب على القاضي أن يزوجها من هـو كفء، وأ يمتنع من ذلك.
فالحاصل أن هـؤ ء الوافدات يجب عليهن إذا أردن أن يتزوجن أن يذهـبن إلى المحكمة ويبين الحال للحاكم الشرعي، وهـو بدوره يقوم بتزويجهن، أما إذا حصل النكاح من دون ولي فالنكاح فاسد يصح، و يجوز للزوج أن يجامعها أو يعاشرهـا أو يخلو بها بناء على هـذا العقد؛ ن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( نكاح إ بولي) يعني: نكاح يصح إ بولي، والواجب عليك إذا كنت تعلم هـذا يقينا أن تبلغ الجهات المسئولة هـناك، إما المحكمة أو ا مارة، أو الهيئة؛ حتى يجدد العقد على يد الحاكم الشرعي.