15.فتح المنان في شرح أصول الإيمان
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا).
—–”—-”—-”
—–‘—–‘—–
المطلب الثاني:
الكفر:
تعريفه لغة:
وشرعا:
أنواع الكفر:
أكبر وأصغر:
أولا: الكفر الأكبر: وهو خمسة أنواع:
1. كفر التكذيب:
2. كفر الإباء والاستكبار:
3. كفر الشك:
4. كفر الإعراض:
5. كفر النفاق.
والنفاق على ضربين:
1. نفاق اعتقاد:
2. نفاق عملي
ثانيا. الكفر الأصغر
وامثلة الكفر الأصغر
—–‘—–‘—–
الكفر لغة:
الكفر لغة: الستر والتغطية قال أبو عبيد: وأما الكافر فيقال والله أعلم: إنما سمي كافرا لأنه متكفِّر به كالمتكفِّر بالسلاح وهو الذي قد ألبسه السلاح حتى غطّى كل شيء منه، وكذلك غطى الكفر قلب الكافر، ولهذا قيل لليل: كافر؛ لأنه ألبس كل شيء. قال لبيد يذكر الشمس:
حتى إذا ألقت يدا في كافر وأجنَّ عورات الثغور ظلامُها
وقال أيضاً: في ليلة كفر النجومَ غمامُها …
ويقال: الكافر سمي بذلك للجحود، كما يقال: كافرني فلان حقي إذا جحده حقه). ((غريب الحديث)) لأبي عبيد (3/ 13).
الكفر شرعاً:
قال شيخ الإسلام: الكفر عدم الإيمان بالله ورسوله، سواء كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب، بل شك وريب أو إعراض عن هذا حسدا أو كبرا أو اتباعا لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة. ((مجموع الفتاوى)) (12/ 335).
و قال أيضا: والكفر هو عدم الإيمان سواء كان معه تكذيب أو استكبار أو إباء أو إعراض؛ فمن لم يحصل في قلبه التصديق والانقياد فهو كافر. (مجموع الفتاوى) (7/ 639).
[أقسام الكفر الأكبر المخرج من الملة]
س: كم أقسام الكفر الأكبر المخرج من الملة؟
جـ: علم مما قدمناه أنه أربعة أقسام: كفر الجهل والتكذيب، وكفر جحود، وكفر عناد واستكبار، وكفر نفاق.
[كفر الجهل والتكذيب]
س: ما هو كفر الجهل والتكذيب؟
جـ: هو ما كان ظاهرا وباطنا كغالب الكفار من قريش ومن قبلهم من الأمم الذين قال الله تعالى فيهم: {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [غافر: 70] وقال تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] وقال تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ – حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل: 83 – 84] الآيات وقال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَاتِهِمْ تَاوِيلُهُ} [يونس: 39] الآيات، وغيرها.
س: ما هو كفر الجحود؟
جـ: هو ما كان بكتمان الحق وعدم الانقياد له ظاهرا مع العلم به ومعرفته باطنا ككفر فرعون وقومه بموسى، وكفر اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى في كفر فرعون وقومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14] وقال تعالى في اليهود: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: 89] وقال تعالى: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146]
: ما هو كفر العناد والاستكبار؟
جـ: هو ما كان بعدم الانقياد للحق مع الإقرار به ككفر إبليس؛ إذ يقول الله تعالى فيه: {إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [ص: 74] وهو لم يمكنه جحود أمر الله بالسجود ولا إنكاره، وإنما اعترض عليه وطعن في حكمه الآمر به وعدله وقال: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء: 61] وقال: {لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 33] وقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12]
[كفر النفاق]
س: ما هو كفر النفاق؟
جـ: هو ما كان بعدم تصديق القلب وعمله مع الانقياد ظاهرا رئاء الناس، ككفر ابن سلول وحزبه الذين قال الله تعالى فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ – يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ – فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: 8 – 10] إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 20] وغيرها من الآيات. أنظر (اعلام السنة المنشورة).
النفاق على نوعين
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فمن النفاق ما هو أكبر ويكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار؛ كنفاق عبد الله بن أبي وغيره؛ بأن يظهر تكذيب الرسول أو جحود بعض ما جاء به أو بغضه أو عدم اعتقاد وجوب اتباعه أو المسرة بانخفاض دينه أو المساءة بظهور دينه.
وأما النفاق الأصغر: فهو النفاق في الأعمال ونحوها: مثل أن يكذب إذا حدث ويخلف إذا وعد ويخون إذا اؤتمن أو يفجر إذا خاصم. ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان} وفي رواية صحيحة {وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم} وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب. وإذا وعد أخلف. وإذا عاهد غدر. وإذا خاصم فجر}. مجموع الفتاوى (28/ 434 – 435).
قال العلامة الفوزان حفظه الله:
النفاق الاعتقادي: وهو النفاق الأكبر الذي يظهر صاحبه الإسلام ويبطن الكفر – وهذا النوع مخرج من الدين بالكلية، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار – وقد وصف الله أهله بصفات الشر كلها: من الكفر وعدم الإيمان، والاستهزاء بالدين وأهله، والسخرية منهم، والميل بالكلية إلى أعداء الدين لمشاركتهم في عداوة الإسلام – وهؤلاء موجودون في كل زمان. ولا سيما عندما تظهر قوة الإسلام ولا يستطيعون مقاومته في الظاهر، فإنهم يظهرون الدخول فيه لأجل الكيد له ولأهله في الباطن.
النفاق العملي – وهو عمل شيء من أعمال المنافقين مع بقاء الإيمان في القلب، وهذا لا يخرج من الملة – لكنه وسيلة إلى ذلك. وصاحبه يكون فيه إيمان ونفاق، وإذا كثر صار بسببه منافقا خالصًا، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا. ومن كانت فيه خصله منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها. إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» (2). ” التوحيد” (26 – 27).
والكفر الأصغر:
هو كل معصية أطلق عليها الشارع اسم الكفر مع بقاء اسم الإيمان على عامله، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض» وقوله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» ” فأطلق صلى الله عليه وسلم على قتال المسلمين بعضهم بعضا أنه كفر، وسمى من يفعل ذلك كفارا، مع قول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] فأثبت الله تعالى لهم الإيمان وأخوة الإيمان ولم ينف عنهم شيئا من ذلك. وقال تعالى في آية القصاص: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] فأثبت تعالى له أخوة الإسلام ولم ينفها عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد». أعلام السنة المنشورة (101).
قال العلامة الألباني رحمه الله: و سر هذا أن الكفر قسمان: اعتقادي و عملي. فالاعتقادي مقره القلب. و العملي محله الجوارح. فمن كان عمله كفرا لمخالفته للشرع، و كان مطابقا لما وقر في قلبه من الكفر به، فهو الكفر الاعتقادي، و هو الكفر الذي لا يغفره الله، ويخلد صاحبه في النار أبدا. و أما إذا كان مخالفا لما وقر في قلبه، فهو مؤمن بحكم ربه، و لكنه يخالفه بعمله، فكفره كفر عملي فقط، و ليس كفرا اعتقاديا، فهو تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه، و إن شاء غفر له، و على هذا النوع من الكفر تحمل الأحاديث التي فيها إطلاق الكفر على من فعل شيئا
من المعاصي من المسلمين، و لا بأس من ذكر بعضها: 1 – اثنتان في الناس هما بهم كفر، الطعن في الأنساب و النياحة على الميت. رواه مسلم. <1> 2 – الجدال في القرآن كفر. <2> 3 – سباب المسلم فسوق، و قتاله كفر. رواه مسلم. <3> 4 – كفر بالله تبرؤ من نسب و إن دق. <4> 5 – التحدث بنعمة الله شكر، و تركها كفر
<5> 6 – لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض. متفق عليه. <6> إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي لا مجال الآن لاستقصائها. فمن قام من المسلمين بشيء من هذه المعاصي، فكفره كفر عملي، أي إنه يعمل عمل الكفار، إلا أن يستحلها، و لا يرى كونها معصية فهو حينئذ كافر حلال الدم، لأنه شارك الكفار في عقيدتهم أيضا، و الحكم بغير ما أنزل الله، لا يخرج عن هذه القاعدة أبدا، و قد جاء عن السلف ما يدعمها، و هو قولهم في تفسير الآية: ” كفر دون كفر “، صح ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ثم تلقاه عنه بعض التابعين و غيرهم، و لابد من ذكر ما تيسر لي عنهم لعل في ذلك إنارة للسبيل أمام من ضل اليوم في هذه المسألة الخطيرة، و نحا نحو الخوارج الذين يكفرون المسلمين بارتكابهم المعاصي، وإن كانوا يصلون و يصومون! 1 – روى ابن جرير الطبري (10/ 355 / 12053) بإسناد صحيح عن ابن عباس: * (و من لم يحكم بما
أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * قال: هي به كفر، و ليس كفرا بالله و ملائكته و كتبه ورسله. [السلسلة الصحيحة (6/ 51)].
التحذير من التكفير بغير حق، وضرورة الإحتياط في الحكم به:
قال الشيخ – رحمه الله -: ” لا يجوز نفي الإيمان عن المسلم، بل هو حرام؛ لما ورد عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلاَّ رجعت عليه)، وعن أبي ذر – رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (من دعا رجلاً بالكفر، أو يا عدو الله وليس كذلك إلاَّ حار عليه).
وقال الشيخ – رحمه الله – معلقاً على قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} الحجرات: 9 الآية: ” دل ذلك على أن المؤمن لا يكفر بالذنب ضرورة، لأن الله سمى المقتتلين مؤمنين، وأخبر أنهم إخوة لمن يصلح بينهم ممن لم يشاركهم في القتال”.
قال الشيخ – رحمه الله -: ” تختلف كبائر الذنوب في فحشها وعظم جرمها: فمنها ما هو شرك، ومنها ما ليس بشرك، ومذهب أهل السنة والجماعة: أنهم لا يكفرون مسلماً بما كان منها دون الشرك … ، أما ما كان من الكبائر مثل الاستعانة بغير الله كدعاء الأموات لتفريج الكربات والنذر للأموات والذبح لهم فهذه الكبائر وأمثالها كفر أكبر يجب البيان لمن ارتكبها وإقامة الحجة عليه، فإن تاب بعد البيان قبلت توبته وإلا قتله ولي أمر المسلمين لردته”.
[منهج الشيخ عبد الرزاق عفيفي وجهوده في تقرير العقيدة والرد على المخالفين]