14.فتح المنان في شرح أصول الإيمان
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا).
———-”———”——–”
المبحث الرابع
الشرك والكفر وأنواعهما
المطلب الأول: الشرك:
أ: تعريفه: لغة:
في الشرع له معنيان: عام وخاص
1. المعنى العام وتحته ثلاثة أنواع:
الأول: الشرك في الربوبية
الثاني: الشرك في الأسماء والصفات
الثالث: الشرك في الألوهية
2. المعنى الخاص
ب. الأدلة على ذم الشرك وبيان خطره
ج. سبب وقوع الشرك
د. أنواع الشرك
الشرك الأكبر: أنواعه:
1. شرك الدعوة
2. شرك النية والإرادة والقصد
3. شرك الطاعة
4. شرك المحبة
5 – شرك الشك.
2. النوع الثاني من أنواع الشرك، الشرك الأصغر
ومن أمثلته ما يلي
الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر:
–”””””’——-“””””””——–“”””””””-
قال ابن منظور: (يقال: طريق مشترك: أي يستوي فيه الناس، واسم مشترك: تستوي فيه معاني كثيرة). لسان العرب
الشرك في الشرع:
قال العلامة السعدي رحمه الله في تعريف الشرك: “وحقيقة الشرك بالله: أن يُعبد المخلوق كما يعبد الله أو يُعظم كما يعظم الله أو يُصرف له نوع من خصائص الربوبية والألوهية” (2/ 499).
الشرك هو تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله، هذا هو الشرك الأكبر، فمن سوى غير الله بالله في الربوبية أو الأسماء والصفات أو الألوهية فقد أشرك. دروس في العقيدة الراجحي.
فأما الشرك في الإلهية فهو: أن يجعل لله ندا – أي: مثلا في عبادته أو محبته أو خوفه أو رجائه أو إنابته فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه.
أنا الشرك في الربوبية فإن الرب سبحانه هو المالك المدبر المعطي المانع الضار النافع الخافض الرافع المعز المذل فمن شهد أن المعطي أو المانع أو الضار أو النافع أو المعز أو المذل غيره فقد أشرك بربويته. (مجموع الفتاوى لابن تيمية) (1/ 91 – 92).
والشرك في الأسماء والصفات وهو تسوية غير الله بالله في شيء منها، والله تعالى يقول:
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
[سورة الشورى 11]
قال العلامة الألباني في تعليقه على الطحاوية (31):
الأول: الشرك في الربوبية وذلك بأن يعتقد أن مع الله خالقا آخر – سبحانه وتعالى – كما هو اعتقاد المجوس القائلين بأن للشر خالقا غير الله سبحانه. وهذا النوع في هذه الأمة قليل والحمد لله وإن كان قريبا منه قول المعتزلة: إن الشر إنما هو من خلق الإنسان وإلى ذلك الإشارة بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:
(صحيح) ” القدرية مجوس هذه الأمة … ” الحديث وهو مخرج في مصادر عدة عندي أشرت إليها في ” صحيح الجامع الصغير وزيادته ” رقم (4318) [4442]
الثاني: الشرك في الألوهية أو العبودية وهو أن يعبد مع الله غيره من الأنبياء والصالحين كالاستغاثة بهم وندائهم عند الشدائد ونحو ذلك. وهذا مع الأسف في هذه الأمة كثير ويحمل وزره الأكبر أولئك المشايخ الذين يؤيدون هذا النوع من الشرك باسم التوسل ” يسمونها بغير اسمها ”
الثالث: الشرك في الصفات وذلك بأن يصف بعض خلقه تعالى ببعض الصفات الخاصة به عَزَّ وَجَلَّ كعلم الغيب مثلا وهذا النوع منتشر في كثير من الصوفية
ومن تأثر بهم مثل قول بعضهم في مدحه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
ومن هنا جاء ضلال بعض الدجالين يزعمون أنهم يرون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ اليوم يقظة ويسألونه عما خفي عليهم من بواطن نفوس من يخالطونهم ويريدون تأميرهم في بعض شؤونهم ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما كان ليعلم مثل ذلك في حال حياته {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء} [الأعراف: 188] فكيف يعلم ذلك بعد وفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى؟
هذه الأنواع الثلاثة من الشرك من نفاها عن الله في توحيده إياه فوحده في ذاته وفي عبادته وفي صفاته فهو الموحد الذي تشمله كل الفضائل الخاصة بالموحدين ومن أخل بشيء منه فهو الذي يتوجه إليه مثل قوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) [الزمر: 65] فاحفظ هذا فإنه أهم شيء في العقيدة فلا جرم أن المصنف رَحِمَهُ اللَّهُ بدأ به ومن شاء التفصيل فعليه بشرح هذا الكتاب وكتب شيوخ الإسلام ابن تيمة وابن القيم وابن عبد الوهاب وغيرهم ممن حذا حذوهم واتبع سبيلهم (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) [الحشر: 10]
فهذه الأنواع الثلاثة الشرك في الربوبية والشرك في الألوهية والشرك في الأسماء والصفات. تدخل تحت الشرك بمعناه العام وهو تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائصه سبحانه.
أما الشرك بمعناه الخاص: وهو أن يتخذ لله ندا يدعوه كما يدعو الله، ويسأله الشفاعة كما يسأل الله، ويرجوه كما يرجو الله، وبحبه كما يحب الله، وهذا هو المعنى المتبادر من كلمة (الشرك) إذا أطلقت في القرآن والسنة.
ذم الشرك:
وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة في التحذير من الشرك، وبيان خطره، وأنه أعظم ذنب عصى الله به، وأنه لا أضل من فاعله، وأنه مخلد في النار أبداً لا نصير له ولا حميم ولا شفيع يطاع.
بل إن الآيات والأحاديث الواردة في ذلك لا تحصى إلا بكلفة.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} 1.
وقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} 2.
وقال: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَاوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} 3.
وقال: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} 4.
وقال للرسل وهم صفوة الخلق: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 5.
وقال لخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 6.
وغيرها من الآيات. ومن الأحاديث الواردة في ذلك.
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار” متفق عليه
الشرك بالله أعظم الذنوب
قال ابن تيمية كما في الفتاوى (1/ 88): اعلم رحمك الله أن الشرك بالله أعظم ذنب عصي الله به. قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم {سئل: أي الذنب أعظم؟. قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك}. والند المثل.
والشرك أعظم من الكذب
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (1/ 204): قال عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر: لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغير الله صادقا. وذلك لأن الحلف بغير الله شرك والشرك أعظم من الكذب.
الشرك أعظم الظلم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (1/ 204): الشرك أعظم الظلم كما أخرجا في الصحيحين عن {عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال: ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: {إن الشرك لظلم عظيم}} “؟ وفي الصحيحين عن {ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت: ثم أي؟ قال: ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك فأنزل الله تصديق ذلك: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون} الآية}. وقد جاء عن غير واحد من السلف.
[الشرك يتضمن القدح في رب العالمين]
وهو: أن الشرك لا يغفره الله تعالى لتضمنه القدح في رب العالمين وفي وحدانيته وتسوية المخلوق الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا بمن هو مالك النفع والضر، الذي ما من نعمة إلا منه، ولا يدفع النقم إلا هو، الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه، والغنى التام بجميع وجوه الاعتبارات. تفسير السعدي
[الشرك اعتداء على حق الله]
أما الشرك; فهو اعتداء على حق الله تعالى، وليس للإنسان فيه حظ نفس، وليس شهوة يريد الإنسان أن ينال مراده، ولكنه ظلم، ولهذا قال الله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]. ” القول المفيد” (114).
[المشرك مخذول لا ينصره الله في الدنيا و الآخرة]
قال تعالى: {لاّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مّخْذُولاً}.
قال ابن كثير في التفسير (3/ 45): يقول تعالى, والمراد المكلفون من الأمة: لا تجعل أيها المكلف في عبادتك ربك له شريكا {فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً} أي على إشراكك به {مّخْذُولاً} لأن الرب تعالى لا ينصرك بل يكلك إلى الذي عبدت معه, وهو لا يملك لك ضراً ولا نفعاً, لأن مالك الضر والنفع هو الله وحده لا شريك له.
و قال السعدي: وله من الخذلان في أمر دينه ودنياه بحسب ما تركه من التعلق بربه، فمن تعلق بغيره فهو مخذول قد وكل إلى من تعلق به ولا أحد من الخلق ينفع أحدا إلا بإذن الله، كما أن من جعل مع الله إلها آخر له الذم والخذلان، فمن وحده وأخلص دينه لله وتعلق به دون غيره فإنه محمود معان في جميع أحواله. أنظر تفسير السعدي
[فعبادة المشرك كلها باطلة]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (16/ 599): كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله: ” {أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء وهو كله للذي أشرك} “. فعبادة المشرك كلها باطلة لا يقال: نصيب الله منها حق والباقي باطل بخلاف معبودهم. فإن الله إله حق وما سواه آلهة باطلة. فلما تبرأ الخليل من المعبودين احتاج إلى استثناء رب العالمين.
[سبب وقوع الشرك]
بين الشيخ ابن سعدي عند تفسيره لسورة نوح ما قرره ابن عباس وغيره من أئمة السلف أن أول شرك حصل من بني آدم سببه هو تعظيم الصالحين وقبورهم، ورفعهم فوق منزلتهم حيث بين أن الناس مكثوا بعد آدم على ملة الإسلام يعبدون الله وحده فأفسد الشيطان عليهم دينهم بأن أملى لهم تعظيم الصالحين ثم ترقى بهم إلى أن جعلهم يعبدونهم من دون الله.
قال في خلاصة التفسير: “مكث البشر بعد آدم قروناً طويلة وهم أمة واحدة على الهدى، ثم اختلفوا وأدخلت عليهم الشياطين والشرور المتنوعة بطرق كثيرة فكان قوم نوح قد مات منهم أناس صالحون فحزنوا عليهم فجاءهم الشيطان فأمرهم أن يصوروا تماثيلهم ليتسلوا بهم وليتذكروا بها أحوالهم، فكان هذا مبتدأ الشر.
فلما هلك الذين صوروهم لهذا المعنى جاء من بعدهم وقد اضمحل العلم فقال لهم الشيطان: إن هؤلاء وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً قد كانوا أولوكم يدعونهم ويستشفعون بهم، وبهم يسقون الغيث وتزول الأمراض، فلم يزل بهم حتى انهمكوا في عبادتهم على رغم نصح الناصحين.
ثم بعث الله فيهم نوحاً عليه السلام يعرفونه ويعرفون صدقه وأمانته وكمال أخلاقه فقال: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} “.
وقال عند تفسيره لقوله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً}.
“وهذه أسماء رجال صالحين لما ماتوا زين الشيطان لقومهم أن يصوروا صورهم لينشطوا بزعمهم على الطاعة إذا رأوها.
ثم طال الأمد وجاء غير أولئك فقال لهم الشيطان إن أسلافكم كانوا يعبدونهم ويتوسلون بهم، وبهم يسقون المطر فعبدوهم”. انظر الشيخ عبدالرحمن بن سعدي و جهوده في العقيدة
الشرك نوعان
قال ابن القيم في المدارج (348): وَأَمَّا الشِّرْكُ، فَهُوَ نَوْعَانِ: أَكْبَرُ وَأَصْغَرُ
فَالْأَكْبَرُ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا، يُحِبُّهُ كَمَا يُحِبُّ اللَّهَ، وَهُوَ الشِّرْكُ الَّذِي تَضَمَّنَ تَسْوِيَةَ آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلِهَذَا قَالُوا لِآلِهَتِهِمْ فِي النَّارِ {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ – إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 97 – 98] مَعَ إِقْرَارِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ، وَأَنَّ آلِهَتَهُمْ لَا تَخْلُقُ وَلَا تُرْزَقُ، وَلَا تُحْيِي وَلَا تُمِيتُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ التَّسْوِيَةُ فِي الْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْعِبَادَةِ كَمَا هُوَ حَالُ أَكْثَرِ مُشْرِكِي الْعَالَمِ، بَلْ كُلُّهُمْ يُحِبُّونَ مَعْبُودَاتِهِمْ وَيُعَظِّمُونَهَا وَيُوَالُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ – بَلْ أَكْثَرُهُمْ – يُحِبُّونَ آلِهَتَهُمْ أَعْظَمَ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ، وَيَسْتَبْشِرُونَ بِذِكْرِهِمْ أَعْظَمَ مِنِ اسْتِبْشَارِهِمْ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ، وَيَغْضَبُونَ لِمُنْتَقِصِ مَعْبُودِيهِمْ وَآلِهَتِهِمْ – مِنَ الْمَشَايِخِ – أَعْظَمَ مِمَّا يَغْضَبُونَ إِذَا انْتَقَصَ أَحَدٌ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَإِذَا انْتُهِكَتْ حُرْمَةٌ مِنْ حُرُمَاتِ آلِهَتِهِمْ وَمَعْبُودَاتِهِمْ غَضِبُوا غَضَبَ اللَّيْثِ إِذَا حَرِدَ، وَإِذَا انْتُهِكَتْ حُرُمَاتُ اللَّهِ لَمْ يَغْضَبُوا لَهَا، بَلْ إِذَا قَامَ الْمُنْتَهِكُ لَهَا بِإِطْعَامِهِمْ شَيْئًا رَضُوا عَنْهُ، وَلَمْ تَتَنَكَّرْ لَهُ قُلُوبُهُمْ، وَقَدْ شَاهَدْنَا هَذَا نَحْنُ وَغَيْرُنَا مِنْهُمْ جَهْرَةً، وَتَرَى أَحَدَهُمْ قَدِ اتَّخَذَ ذِكْرَ إِلَهِهِ وَمَعْبُودِهِ مِنْ دُونِ اف َّهِ عَلَى لِسَانِهِ دَيْدَنًا لَهُ إِنْ
قَامَ وَإِنْ قَعَدَ، وَإِنْ عَثَرَ وَإِنْ مَرِضَ وَإِنِ اسْتَوْحَشَ، فَذِكْرُ إِلَهِهِ وَمَعْبُودِهِ مِنْ دُونِ اللَّهِ هُوَ الْغَالِبُ عَلَى قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، وَهُوَ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ بَابُ حَاجَتِهِ إِلَى اللَّهِ، وَشَفِيعُهُ عِنْدَهُ، وَوَسِيلَتُهُ إِلَيْهِ …
الشرك الأكبر:
خمسة أنواع:
الأوّل: شرك الدّعوة. والدّليل قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}، [العنكبوت: 65].
وقال تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [سورة غافر 60]
النّوع الثّاني: شرك النّيّة والإرادة والقصد، والدّليل. وذلك أن ينوي بأعماله الدنيا أو الرياء أو السمعة إرادة كليه كأهل النفاق الخلص. ولم يقصد بها وجه الله والدار الآخرة.
قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، [هود: 15 – 16].
النّوع الثّالث: شرك الطّاعة، والدّليل قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، [التّوبة: 31].وتفسيرها الذي لا إشكال فيه طاعة العلماء والعباد في المعصية لادعاؤهم إيّاهم كما فسّرها النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لعدي بن حاتم لما سأله، فقال: لسنا نعبدهم. فذكر له أنّ عبادتهم طاعتهم في المعصية.
النّوع الرّابع: شرك المحبّة، والدّليل قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}، [البقرة، من الآية: 165].
أنظر: مجموعة الرسائل و المسائل النجدية [الجزء الاول].
الشرك الأصغر:
قال ابن القيم في المدارج: وَأَمَّا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ فَكَيَسِيرِ الرِّيَاءِ، وَالتَّصَنُّعِ لِلْخَلْقِ، وَالْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ، كَمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» وَقَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ، وَهَذَا مِنَ اللَّهِ وَمِنْكَ، وَإِنَّا بِاللَّهِ وَبِكَ، وَمَا لِي إِلَّا اللَّهُ وَأَنْتَ، وَأَنَا مُتَوَكِّلٌ عَلَى اللَّهِ وَعَلَيْكَ، وَلَوْلَا أَنْتَ لَمْ يَكُنْ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا شِرْكًا أَكْبَرَ، بِحَسَبِ قَائِلِهِ وَمَقْصِدِهِ، وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ قَالَ لَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ وَمَا شِئْتَ: أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا؟ قُلْ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ» وَهَذَا اللَّفْظُ أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ. بتصرف
الشرك الخفي، والدّليل قوله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ:” الشّرك في هذه الأمّة أخفى من دبيب النّملة السّوداء على صفاة سوداء في ظلمة اللّيل”.
وكفارته قوله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ:”اللهم إنِّي أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم وأستفغرك من الذّنب الذي لا أعلم”.اهـ.
الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر]
فضيلة الشيخ [العلامة ابن عثيمين رحمه الله]: ما هو الضابط في التفريق بين النصوص في الشرك الأكبر والأصغر؟
هذا السؤال يسأل عنه كثير من الناس يقولون: ما الفرق بين الشرك الأصغر والشرك الأكبر؟ الشرك الأكبر هو: الذي إذا حصل من الإنسان خرج عن الملة.
والأصغر هو: الذي دون ذلك.
فصرف العبادة لغير الله شرك أكبر، وتعظيم المخلوق كتعظيم الله، بأن يجعل له حقاً في الربوبية، أو التعظيم كما يعظم الخالق؛ فهذا شرك أكبر.
وما دون ذلك فهو شرك أصغر، مثلاً: مسألة الحلف بغير الله شرك أصغر في الأصل، لكن لو كان في قلب الحالف أن الذي حلف به مثل الله؛ صار شركاً أكبر.
فالضابط أن ما أطلق عليه الشارع اسم الشرك، وهو لا يخرج من الملة فهو شرك أصغر، وما كان يخرج من الملة فهو شرك أكبر. [لقاء الباب المفتوح]
—
يتلخَّصُ مما مرّ أن هناك فروقًا بين الشرك الأكبر والأصغر، وهي:
1 – الشرك الأكبر: يُخرج من الملة، والشرك الأصغر لا يُخرج من الملة، لكنه ينقص التوحيد.
2 – الشرك الأكبرُ يخلَّدُ صاحبه في النار، والشرك الأصغر لا يُخلَّد صاحبُه فيها إن دَخَلها.
3 – الشركُ الأكبرُ يحبطُ جميعَ الأعمال، والشركُ الأصغرُ لا يُحبِطُ جميع الأعمال، وإنما يُحبِطُ الرياءُ والعملُ لأجل الدنيا العملَ الذي خالطاه فقط.
4 – الشرك الأكبر يبيح الدم والمال، والشرك الأصغر لا يبيحهما.
1 ” كتاب التوحيد و بيان ما يضادها من الشرك الأكبر و الأصغر للعلامة الفوزان حفظه الله ” ((80)).