13.فتح المنان شرح أصول الإيمان
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله. ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين أجمعين)
———–‘———-‘———‘
المبحث الثالث: حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد
المطلب السابع الغلو
أ: تعريفه: لغة
تعريفه: شرعا
ب. حكمه:
———-‘———‘——–‘
” قال ابن منظور في لسان العرب في ج15/ 131 – 132: ” وأصل الغلاء الارتفاع والمجاوزة في كل شيء … ” إلى أن قال: ” وغلا في الدين والأمر؛ يغلو غلواً جاوز حدَّه، وفي التنزيل: {لاتغلو في دينكم} وفي الحديث: ((إياكم والغلو في الدين)) أي التشدد فيه ومجاوزة الحد كالحديث الآخر: ((إنَّ هذا الدين متينٌ، فأوغل فيه برفق)) وقيل معناه البحث عن بواطن الأشياء، والكشف عن عللها، ومتعبداتها، ومنه الحديث: ((وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه)) إنَّما ذلك لأنَّ من آدابه، وأخلاقه التي أمر الله بها القصد في الأمور وخير الأمور أوساطها، ثمَّ كلا طرفي قصد الأمور ذميم ” اهـ.
الغلو في الشرع:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والغلو هو مجاوزة الحد بأن يزاد في حمد الشيء أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك. ” اقتضاء الصرام المستقيم ” (ص106).
قال العلامة ابن باز رحمه الله: فالغلو الزيادة في المحبة في الأعمال التي شرعها الله، يقال لها: غلو، مثلا تقول: الله شرع لنا خمس صلوات، أنا أجعل سادسة، الضحى أوجبها على الناس، أنت مثلا سلطان أو أمير تقول: أزيد – الزيادة خير – صلاة سادسة. هذا لا يجوز، الرسول – صلى الله عليه وسلم – يقول: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» هذا غلو. ” فتاوى نور على الدرب بعناية الشويعر (2/ 99).
قال العلامة الفوزان حفظه الله: الغلو: الزيادة في الدين أو في التدين والخروج عن الحد المشروع؛ لأن الدين وسط بين الغلو والتساهل، وسط بين الجفاء وبين الزيادة، هذا هو الغلو. ” المنتقى “.
حكمه:
الغلو في الدين محرم في جميع الأديان
قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً) (النساء:171)
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره:
لا تغلوا في الحق: أي لا تجاوزا الحد في اتباع الحق، ولا تطروا من أمرتهم بتعظيمه فتبالغوا فيه حتى تخرجوه عن حيز النبوة إلى مقام الإلهية، كما صنعتم في المسيح وهو نبي من الأنبياء فجعلتموه إلها من دون الله؛ وما ذاك إلا لإقتدائكم بشيوخكم شيوخ الضلال الذين هم سلفكم ممن ضل قديما وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل أي: وخرجوا عن طريق الاستقامة والاعتدال إلى طريق الغواية والضلال. أ ـ ه
الأدلة:
قال تعالى: (يا أهل الكتب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه).
وفي الحديث (أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه من حديث عوف بن أبي جميلة عن زياد بن حصين عن أبي العالية عنه وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
قال ابن تيمية في الإقتضاء (106): وقوله: إياكم والغلو في الدين عام في جميع أنواع الغلو في الإعتقادات والأعمال.
ما هي أقسام الغلو؟
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
1 – أما الغلو في العقيدة; فمثل ما تشدق فيه أهل الكلام بالنسبة لإثبات الصفات، فإن أهل الكلام تشدقوا وتعمقوا حتى وصلوا إلى الهلاك قطعا، حتى أدى بهم هذا التعمق إلى واحد من أمرين: إما التمثيل، أو التعطيل إما أنهم مثلوا الله بخلقه، فقالوا: هذا معنى إثبات الصفات، فغلوا في الإثبات حتى أثبتوا ما نفى الله عن نفسه، أو عطلوه وقالوا: هذا معنى تنزيهه عن مشابهة المخلوقات، وزعموا أن إثبات الصفات تشبيه; فنفوا ما أثبته الله لنفسه.
لكن الأمة الوسط اقتصدت في ذلك; فلم تتعمق في الإثبات ولا في النفي والتنزيه; فأخذوا بظواهر اللفظ، وقالوا: ليس لنا أن نزيد على ذلك; فلم يهلكوا، بل كانوا على الصراط المستقيم، ولما دخل هؤلاء الفرس والروم وغيرهم في الدين ; صاروا يتعمقون في هذه الأمور ويجادلون مجادلات ومناظرات لا تنتهي أبدا ; حتى ضاعوا، نسأل الله السلامة وكل الإيرادات التي أوردها المتأخرون من هذه الأمة على النصوص، لم يوردها الصحابة الذين هم الأمة الوسط.
2 – أما الغلو في العبادات; فهو التشدد فيها، بحيث يرى أن الإخلال بشيء منها كفر وخروج عن الإسلام، كغلو الخوارج والمعتزلة، حيث قالوا إن من فعل كبيرة من الكبائر; فهو خارج عن الإسلام وحل دمه. وماله، وأباحوا الخروج على الأئمة وسفك الدماء، وكذا المعتزلة، حيث قالوا: من فعل كبيرة; فهو بمنزلة بين المنزلتين: الإيمان والكفر; فهذا تشدد أدى إلى الهلاك، وهذا التشدد قابله تساهل المرجئة، فقالوا: إن القتل والزنا والسرقة وشرب الخمر ونحوها من الكبائر، لا تخرج من الإيمان، ولا تنقص من الإيمان شيئا، وإنه يكفي في الإيمان الإقرار، وإن إيمان فاعل الكبيرة كإيمان جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يختلف الناس في الإيمان حتى إنهم ليقولون: إن إبليس مؤمن لأنه مقر، وإذا قيل: إن الله كفره; قالوا: إذن إقراره ليس بصادق، بل هو كاذب، ولا شك أن هذا تطرف بالتساهل، والأول تطرف بالتشدد، ومذهب أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص، وفاعل المعصية ناقص الإيمان بقدر معصيته، ولا يخرج من الإيمان إلا بما برهنت النصوص على أنه كفر.
3 – وأما الغلو في المعاملات; فهو التشدد في الأمور بتحريم كل شيء حتى ولو كان وسيلة، وأنه لا يجوز للإنسان أن يزيد عن واجبات حياته الضرورية، وهذا مسلك سلكه الصوفية، حيث قالوا: من اشتغل بالدنيا; فهو غير مريد للآخرة، وقالوا: لا يجوز أن تشتري ما زاد على حاجتك الضرورية، وما أشبه ذلك.
وقابل هذا التشدد تساهل من قال: بحل كل شيء ينمي المال ويقوي الاقتصاد; حتى الربا والغش وغير ذلك فهؤلاء – والعياذ بالله – متطرفون بالتساهل; فتجده يكذب في ثمنها وفي وصفها وفي كل شيء لأجل أن يكسب فلسا أو فلسين، وهذا لا شك أنه تطرف.
والتوسط أن يقال: تحل المعاملات وفق ما جاءت به النصوص، ; {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} فليس كل شيء حراما; فالنبي صلى الله عليه وسلم باع واشترى، والصحابة رضي الله عنهم كانوا يبيعون ويشترون، والنبي صلى الله عليه وسلم يقرهم.
4 – وأما الغلو في العادات; فإذا كانت هذه العادة يخشى أن الإنسان إذا تحول عنها انتقل من التحول في العادة إلى التحول في العبادة; فهذا لا حرج أن الإنسان يتمسك بها، ولا يتحول إلى عادة جديدة، أما إذا كان الغلو في العادة يمنعك من التحول إلى عادة جديدة مفيدة أفيد من الأولى; فهذا من الغلو المنهي عنه، فلو أن أحدا تمسك بعادته في أمر حدث أحسن من عادته التي هو عليها نقول: هذا في الحقيقة غال ومفرط في هذه العادة وأما إن كانت العادات متساوية المصالح، لكنه يخشى أن ينتقل الناس من هذه العادة إلى التوسع في العادات التي قد تخل بالشرف أو الدين; فلا يتحول إلى العادة الجديدة. أ. ه [القول المفيد (1/ 375 – 377)].
وأقول (العلامة النجمي رحمه الله): ينقسم الغلو إلى أقسام منها:
– الغلو في الأشخاص كغلو النصارى في عيسى بن مريم، وغلو الشيعة في علي بن أبي طالب وذريته، فالنصارى ألهوا عيسى عليه السلام، فادعوا فيه الألوهية، وزعموا أنَّه ابناً لله عز وجل فردَّ عليهم في الأمرين؛ فقال جلَّ من قائل رادَّاً عليهم في ادعاء الألوهية له ولأمِّه: {ما المسيح ابن مريم إلاَّ رسولٌ قد خلت من قبله الرسل وأمُّه صديقةٌ كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثمَّ انظر أنَّى يؤفكون – قل أتعبدون من دون الله ما لايملك لكم ضراً ولانفعا والله هو السميع العليم – قل يا أهل الكتاب لاتغلو في دينكم غير الحق ولاتتبعوا أهواء قومٍ قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل} [المائدة: 75 – 77].
2 – الغلو في الفكر؛ وهذا أخطر من الذي قبله؛ إذ أنَّ الغلو في الأشخاص يهلك الغالي وحده أما غلو الفكر فهو يهلك الدين، ويهلك الأمم، ويهلك الدول والمجتمعات، ويهلك كل شيءٍ وذلك كغلو الخوارج المفسدين الإرهابيين؛ فإذا وجد هذا الفكر في قومٍ فقد هلكوا؛ لأنَّهم يفسدون ويزعمون أنَّهم يصلحون، ويخربون ويزعمون أنَّهم إلى الله يتقربون، ويزهقون الأرواح البريئة، ويسفكون الدماء المعصومة، ويزعمون أنَّهم يجاهدون في الله، وما حصل في مملكتنا الحبيبة أكبر دليل، وكذلك ما حصل في الجزائر سابقاً.
أيها المسلمون: إنَّ هذا الفكر إذا وجد في قومٍ أشاع فيهم الفوضى، والخلاف، وعدم الاستقرار، وأشاع فيهم الخوف، وعدم الأمن، وأشاع فيهم القلق، وعدم الطمأنينة؛ إذا فشا هذا الفكر؛ أي فكر الخوارج إذا فشا في قومٍ فقد ذهب منهم الدين، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وشجَّع الفساد والإفساد، فأي خير في مجتمع ساد فيه أهل الفساد، واضطهد فيه المصلحون وأهل الصلاح والتقوى؛ الذين يوصفون عند أولئك المفسدين بأنَّهم ناكصون جبناء لأنَّ هؤلاء إذا اقتنعوا بأنَّ مجتمعهم قد ارتدَّ، وأصبح أهله كافرون؛ استباحوا كل محرم؛ لأنَّهم اعتقدوا أنَّ هؤلاء كفَّاراً؛ تحل دمائهم وأموالهم، فبنوا على هذا الاعتقاد؛ استحلال دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وكل شيء منهم. ” الغلو أسبابه و علاجه ” (8 – 9).