12 فتح المنان في شرح أصول الإيمان
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا).
———-”———”——–”
المبحث الثالث: حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد
المطلب السادس: التوسل:
أ- تعريفه:
لغة:
شرعا:
ب – معنى الوسيلة في القرآن الكريم.
ج – أقسام الوسيلة:
1 – التوسل المشروع:
أولا: التوسل إلى الله باسم من أسمائه الحسنى أو صفة من صفاته:
الثاني: التوسل إلى الله بعمل صالح قام به العبد.
الثالث: التوسل إلى الله بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابة دعائه.
2 – التوسل الممنوع:
1 – التوسل إلى الله تعالى بدعاء الموتى والغائبين
2 – التوسل إلى الله بفعل العبادات عند القبور والأضرحة بدعاء الله عندها
3 – التوسل إلى الله بجاه الأنبياء والصالحين.
د – شبهات وردها في باب التوسل.
———‘——–‘—‘–
التوسل
قال الإمام الألباني في (التواسل أنواعه و أحكامه) (ص 10): اضطرب الناس في مسألة التوسل، وحكمها في الدين اضطراباً كبيراً، واختلفوا فيها اختلافاً عظيماً، بين محلل ومحرم، ومغال ومتساهل، وقد اعتاد جمهور المسلمين منذ قرون طويلة أن يقولوا في دعائهم مثلاً: “اللهم بحق نبيك أو بجاهه أو بقدره عندك عافني واعف عني” و”اللهم إني أسألك بحق البيت الحرام أن تغفر لي” و”اللهم بجاه الأولياء والصالحين، ومثل فلان وفلان” أو “اللهم بكرامة رجال الله عندك، وبجاه من نحن في حضرته، وتحت مدده فرج الهم عنا وعن المهمومين”و”اللهم إنا قد بسطنا إليك أكف الضراعة، متوسلين إليك بصاحب الوسيلة والشفاعة أن تنصر الإسلام والمسلمين .. ” الخ.
قال ابن الأثير في “النهاية”: “الواسل: الراغب، والوسيلة: القربة والواسطة، وما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به، وجمعها وسائل”.
معنى الوسيلة في القرآن:
قال ابن تيمية رحمه الله: فجماع الوسيلة التي أمر الله الخلق بابتغائها هو التوسل إليه باتباع ما جاء به الرسول، لا وسيلة لأحد إلى ذلك إلا ذلك. قاعدة جليلة في التوسل و الوسيلة (85) بتحقيق العلامة ربيع حفظه الله.
و قال العلامة الشنقيطي رحمه الله: اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بإخلاص في ذلك لله تعالى، لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضى الله تعالى، ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة.
وأصل الوسيلة: الطريق التي تقرب إلى الشيء، وتوصل إليه وهي العمل الصالح بإجماع العلماء، لأنه لا وسيلة إلى الله تعالى إلا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالآيات المبينة للمراد من الوسيلة كثيرة جداً كقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [59/ 7]، وكقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [3/ 31]، وقوله: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [24/ 54]، إلى غير ذلك من الآيات. [أضواء البيان (6/ 128).
و هو قول إمام المفسرين ابن جرير الطبري وابن كثير والبغوي وغيرهم من المفسرين ..
اقسام الوسيلة:
1 – التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه الحسنى، أو صفة من صفاته العليا:
كأن يقول المسلم في دعائه: اللهم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم، اللطيف الخبير أن تعافيني. أو يقول: أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن ترحمني وتغفر لي. ومثله قول القائل: اللهم إني أسألك بحبك لمحمد صلى الله عليه وسلم. فإن الحب من صفاته تعالى.
ودليل مشروعية هذا التوسل قوله عز وجل: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} 1. والمعنى: ادعوا الله تعالى متوسلين إليه بأسمائه الحسنى. ولا شك أن صفاته العليا عز وجل داخلة في هذا الطلب، لأن أسماءه الحسنى سبحانه صفات له، خصت به تبارك وتعالى. [التوسل انواعه واحكامه (30)].
و من الأدلة:
«وعن أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – أنه قال لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم» متفق عليه.
قال الصنعاني: وفيه التوسل إلى الله تعالى بأسمائه عند طلب الحاجات، واستدفاع المكروهات؛ وأنه يأتي من صفاته في كل مقام ما يناسبه كلفظ: الغفور الرحيم، عند طلب المغفرة، ونحو: {وارزقنا وأنت خير الرازقين} [المائدة: 114] عند طلب الرزق؛ والقرآن والأدعية النبوية مملوءة بذلك. سبل السلام (1/ 290).
التوسل الى الله بالعمل الصالح:
كأن يقول المسلم: اللهم بإيماني بك، ومحبتي لك، واتباعي لرسولك اغفر لي .. أو يقول: اللهم إني أسألك بحبي لمحمد صلى الله عليه وسلم
وهذا توسل جيد وجميل قد شرعه الله تعالى وارتضاه، ويدل على مشروعيته قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} 1 وقوله: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} 2 وقوله: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} 3 وقوله: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} 4 وأمثال هذه الآيات الكريمات المباركات.
وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: ((انطق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلي غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار؛ فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله – تعالي- بصالح أعمالكم.
قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلها أهلا ولا مالا. فناي بي طلب الشجر يوما، فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما عبوقهما، فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلها أهلا أو مالا، فلبثت -والقدح علي يدي- أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر- والصبية يتضاغون عند قدمي- فاستيقظا، فشربا غبوقهما. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه.
قال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم، كانت أحب الناس إلي – وفي رواية؛ ((كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء)) – فأردتها على نفسها، فامتنعت مني، حتى ألمت بها سنة من السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار؛ على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلت، حتى إذا قدرت عليها- وفي رواية: ((فلما قعدت بين رجليها)) – قالت: اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها.
وقال الثالث: اللهم أستأجرت أجرأء وأعطيتهم أجرهم، غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: ((يا عبد الله أد إلي أجري، فقلت: كل ما تري من أجرك: من الإبل والبقر والغنم والرقيق. فقال: يا عبد الله لا تستهزي بي ! فقلت: لا استهزيء بك فأخذه كله، فاستاقه، فلم يترك منه شيئاً اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجههك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، فخرجوا يمشون)) \ (متفق عليه).
قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (417): فهؤلاء دعوا الله سبحانه بصالح الأعمال لأن الأعمال الصالحة هي أعظم ما يتوسل به العبد إلى الله تعالى ويتوجه به إليه ويسأله به لأنه وعد أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) وهؤلاء دعوه بعبادته وفعل ما أمر به من العمل الصالح وسؤاله والتضرع إليه.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وفيه من العبر: أن الإخلاص من أسباب تفريج الكربات؛ لأن كل واحد منهم يقول: ((اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فأفرج عنا ما نحن فيه)).
أما الرياء- والعياذ بالله- والذي لا يفعل الأعمال إلا رياء وسمعة، حتى يمدح عند الناس؛ فإن هذا كالزبد يذهب جفاء، لا ينتفع منه صاحبه. [شرح رياض الصالحين (1/ 84)].
التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح:
كأن يقول المسلم في ضيق شديد، أو تحل به مصيبة كبيرة، ويعلم من نفسه التفريط في جنب الله تبارك وتعالى، فيجب أن يأخذ بسبب قوي إلى الله، فيذهب إلى رجل يعتقد فيه الصلاح والتقوى، أو الفضل والعلم بالكتاب والسنة، فيطلب منه أن يدعوا له ربه، ليفرج عنه كربه، ويزيل عنه همه. فهذا نوع آخر من التوسل المشروع، دلت عليه الشريعة المطهرة، وأرشدت إليه، وقد وردت أمثلة منه في السنة الشريفة، كما وقعت نماذج منه من فعل الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم. [التوسل أنواعه وأحكامه (ص 38).
ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان إذا قحطوا استسقى بالعباس ابن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيُسقَون. رواه البخاري
قال العلامة الفوزان حفظه الله: التوسل بدعاء الصالحين، أن تطلب من أخيك الرجل الصالح، أن يدعوا الله لك فلا بأس بذلك، هذا التوسل بدعاء الصالحين لا بأبدانهم و لا بجاههم، كذلك التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم، التوسل باتباعه وطاعته ومحبته، وكذلك التوسل بدعاء الصالحين أن تطلب منهم، أن يدعوا الله لك إذا كانوا حاضرين عندك وقادرين على الدعاء، تطلب منهم ذلك، لا تطلب من غائب أو من ميت أو من جن، إنما تدعوهُ لمن كان حاضرًا لا تطلب الدعاء من ميت إنما الدعاء من الحي الذي يقدر على الدعاء، و أما التوسل بالجاه فهذا لا يجوز هذا بدعة التوسل بالجاه أو بحق الصالحين أو بحق، هذا كله بدعة.
[توسل الصحابة من التوسل الجائز]
توسل الصحابة بالنبي عليه الصلاة و السلام فيريدون به التوسل بدعائه و شفاعته.
قال ابن تيمية: وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوجه به في كلام الصحابة فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته.
و قال أيضا: وحينئذ فلفظ التوسل به يراد به معنيان صحيحان باتفاق المسلمين، ويراد به معنى ثالث لم ترد به سنة.
فأما المعنيان الأولان – الصحيحان باتفاق العلماء –
فأحدهما: هو أصل الإيمان والإسلام وهو التوسل بالإيمان به وبطاعته.
والثاني: دعاؤه وشفاعته كما تقدم.
فهذان جائزان بإجماع المسلمين.
– ومن هذا قول عمر بن الخطاب: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. أي بدعائه وشفاعته. قاعدة جليلة في التوسل و الوسيلة (86) بتحقيق العلامة ربيع حفظه الله.
تنبيه: التوسل بدعاء الصالحين مقيد بعدم الفتنة
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: التوسل بدعاء الصالحين جائز؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان الناس يأتونه يستشفعون به إلى الله عز وجل في الدعاء، فقد دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: [يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا] فدعا لهم، وقال عكاشة بن محصن لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن من أمته سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قال عكاشة: (ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم) والشواهد على هذا كثيرة، إلا أنه يستثنى من ذلك ما إذا خيف من هذا الرجل الصالح أن يغتر بنفسه وأن يلحقه الغرور والعجب؛ فإنه لا يطلب منه الدعاء، ومع ذلك فلا ينبغي للإنسان أن يطلب من غيره أن يدعو له؛ لأن هذا نوع من المسألة المذمومة، ادع الله أنت، لا تقل: يا فلان! ادع الله لي، وما يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ عمر: (لا تنسنا يا أخي! من دعائك) فهذا لا صحة له. [لقاء الباب المفتوح]
التوسل الممنوع:
ضابط التوسل الممنوع
قال العلامة ابن عثيمين – رحمه الله-: فأما التوسل الممنوع فضابطه: أن يتوسل الإنسان إلى الله بما لم يثبت شرعاً أنه وسيلة، فمن ذلك التوسل بالأموات، فإنه محرم، وربما يكون شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، ومن ذلك أيضاً أن يتوسل الإنسان بجاه النبي صلى الله عليه وسلم على القول الراجح، وذلك لأن جاه النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الجاهات عند الله عز وجل، فإذا كان موسى وعيسى من الوجهاء عند الله فمحمد صلى الله عليه وسلم أفضل وأولى بالجاه من غيره، ولكن الجاه لا ينتفع به إلا من استحقه، وأما الداعي فلا ينتفع به لأنه لا يستفيد منه شيئاً، والنبي عليه الصلاة والسلام منزلته عند الله إنما تكون نافعة له وحده، أما غيره فلا ينفعه عند الله إلا الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام وبما جاء به وما كان وسيلة شرعية. [فتاوى نور على الدرب (4/ 2)].
و من التوسل الممنوع: التوسل بجاه النبي أو بجاه الصالحين أو حقه أو حرمته
قال العلامة الفوزان حفظه الله: التوسُّل الممنوع، وهو التوسُّل إلى الله بجعل واسطة في الدعاء بين الداعي وبين الله عزّ وجلّ، كأنه يقول: أسألُك بنبيِّك، أو بجاه نبيِّك، أو بمنزلة نبيِّك، أو ما أشبه ذلك. [اعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (2/ 213 – 214)].
قال ابن تيمية: التوسل به (بالنبي) بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته، فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه، لا في حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا غير قبره، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة أو عن من ليس قوله حجة كما سنذكر ذلك إن شاء الله تعالى. [قاعدة جليلة في التوسل و الوسيلة (1/ 88)] بتحقيق العلامة ربيع بن هادي حفظه الله.
قال العلامة عبدالرزاق العفيفي: التوسل إلى الله بجاه أحد الخلائق أو حقه أو حرمته: كأن يقول المتوسل: اللهم إني أتوسل إليك يجاه فلان أو بحق فلان عندك أن تقضي حاجتي. وهذا الوجه من التوسل يقضي أن المتوسل به من الأنبياء والصالحين وغيرهم لهم جاه عند الله وهذا صحيح؛ فإن هؤلاء لهم عند الله منزلة وجاه وحرمة تقضي أن يرفع الله درجاتهم ويعظم أقدارهم ويقبل شفاعتهم إذا شفعوا بعد إذنه لقوله تعالى {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} البقرة: 255، ولكن هذا الجاه والحرمة سبب أجنبي عن المتوسل ولا علاقة بينه وبين إجابة الدعاء، بل هذا من الاعتداء بالدعاء. وهذا الجاه والحرمة ينفع المتوسل إذا دعوا له وشفعوا فيه. فأما إذا لم يكن منهم دعاء ولا شفاعة، لم يكن سؤاله بجاههم نافعاً له؛ لأن الله لم يجعله سبباً لإجابة الدعاء. ” منهج الشيخ عبدالرزاق عفيفي و جهوده في تقرير العقيدة و الرد على المخالفين” (279).
و من التوسل الممنوع: التوسل بالذوات:
قال ابن تيمية: وأما التوسل بدعائه وشفاعته – كما قال عمر – فإنه توسل بدعائه لا بذاته، ولهذا عدلوا عن التوسل به إلى التوسُّل بعمه العباس ولو كان التوسل هو بذاته لكان هذا أولى من التوسل بالعباس، فلما عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بالعباس علم أن ما يفعل في حياته قد تعذر بموته، بخلاف التوسل الذي هو الإيمان به والطاعة له فإنه مشروع دائماً. قاعدة جليلة في التوسل الوسيلة (87) بتحقيق العلامة ربيع.
الشبهات و الرد عليهم:
[سؤال الله تعالى بالمخلوقين]
والذي قاله أبو حنيفة وأصحابه وغيرهم من العلماء – من أنه لا يجوز أن يسأل الله تعالى بمخلوق، لا بحق الأنبياء ولا غير ذلك – يتضمن شيئين كما تقدم:
– أحدهما: الإقسام على الله سبحانه وتعالى به، وهذا منهيٌّ عنه عند جماهير العلماء كما تقدم، كما ينهى أن يقسم على الله بالكعبة والمشاعر باتفاق العلماء.
والثاني: السؤال به، فهذا يجوّزه طائفة من الناس، ونقل في ذلك آثار عن بعض السلف، وهو موجود في دعاء كثير من الناس، لكنَّ ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كله ضعيفٌ بل موضوع، وليس عنه حديث ثابت قد يظن أن لهم فيه حجة، إلا حديث الأعمى الذي علَّمه أن يقول: “أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة”. قاعدة جليلة في التوسل و الوسيلة
قال ابن تيمية: ولكن بعض الناس ظن أن توسل الصحابة به كان بمعنى أنهم يقسمون به ويسألون به، فظن هذا مشروعاً مطلقاً لكل أحد في حياته ومماته، وظنوا أن هذا مشروع في حق الأنبياء والملائكة، بل وفي الصالحين وفيمن يظن فيهم الصلاح، وإن لم يكن صالحاً في نفس الأمر.
وليس في الأحاديث المرفوعة في ذلك حديث في شيء من دواوين المسلمين التي يعتمد عليها في الأحاديث – لا في الصحيحين ولا كتب السنن ولا المسانيد المعتمدة كمسند الإمام أحمد وغيره – وإنما
يوجد في الكتب التي عرف أن فيها كثيراً من الأحاديث الموضوعة المكذوبة التي يختلقها الكذابون بخلاف من قد يغلط في الحديث ولا يتعمد الكذب، فإن هؤلاء توجد الرواية عنهم في السنن ومسند الإمام أحمد ونحوه، بخلاف من يتعمد الكذب فإن أحمد لم يرو في مسنده عن أحد من هؤلاء. قاعدة جليلة في التوسل و الوسيلة (172 – 173).
[احتجوا بحديث الأعمى بجواز التوسل بالأموات والذوات]
قال ابن تيمية:
وحديث الأعمى حجة لعمر / وعامة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فإنه إنما أمر الأعمى أن يتوسل إلى الله بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه لا بذاته، وقال له في الدعاء: “قل اللهم شفعه فيَّ”، وإذا قدر أن بعض الصحابة أمر غيره أن يتوسل بذاته لا بشفاعته ولم يأمر بالدعاء المشروع بل ببعضه وترك سائره المتضمن للتوسل بشفاعته، كان ما فعله عمر بن الخطاب هو الموافق [لسنة] رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المخالف لعمر محجوجاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم حجة عليه لا له. والله أعلم. قاعدة جليلة في التوسل و الوسيلة (229).
[احتجاجهم بالاحاديث الضعيفة والموضوعة في التوسل]
قال العلامة الالباني رحمه الله: قلت: فلا يجوز الاستشهاد به كما فعل الشيخ الكوثري، والشيخ الغماري في “مصباح الزجاجة-56” وغيرهما من المبتدعة.
ومع كون هذين الحديثين ضعيفين فهما لا يدلان على التوسل بالمخلوقين أبداً، وإنما يعودان إلى أحد أنواع التوسل المشروع الذي تقدم الكلام عنه، وهو التوسل إلى الله تعالى بصفة من صفاته عز وجل، لأن فيهما التوسل بحق السائلين على الله وبحق ممشى المصلين. فما هو حق السائلين على الله تعالى؟، لا شك أنه إجابة دعائهم، وإجابة الله دعاء عباده صفة من صفاته عز وجل، وكذلك حق ممشى المسلم إلى المسجد هو أن يغفر الله له، ويدخله الجنة ومغفرة الله تعالى ورحمته، وإدخاله بعض خلقه ممن يطيعه الجنة. كل ذلك صفات له تبارك وتعالى.
وبهذا تعلم أن هذا الحديث الذي يحتج به المبتدعون ينقلب عليهم، ويصبح بعد فهمه فهماً جيداً حجة لنا عليهم، والحمد لله على توفيقه. [التوسل انواعه واحكامه (99)].