87 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———
مسند أحمد:
18910 – حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن إسحاق بن يسار، عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت، لا يريد قتالا، وساق معه الهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبع مائة رجل، فكانت كل بدنة عن عشرة، قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي، فقال: يا رسول الله، هذه قريش قد سمعت بمسيرك، فخرجت معها العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور، يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قدموا إلى كراع الغميم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يا ويح قريش، لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس، فإن أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وهم وافرون، وإن لم يفعلوا، قاتلوا وبهم قوة، فماذا تظن قريش، والله إني لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله له حتى يظهره الله له أو تنفرد هذه السالفة “، ثم أمر الناس، فسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض على طريق تخرجه على ثنية المرار والحديبية من أسفل مكة، قال: فسلك بالجيش تلك الطريق، فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم، نكصوا راجعين إلى قريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا سلك ثنية المرار بركت ناقته، فقال الناس: خلأت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما خلأت، وما هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها ” ثم قال للناس: ” انزلوا ” فقالوا: يا رسول الله، ما بالوادي من ماء ينزل عليه الناس.
فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سهما من كنانته، فأعطاه رجلا من أصحابه، فنزل في قليب من تلك القلب، فغرزه فيه، فجاش الماء بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن، فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة، فقال لهم كقوله لبشير بن سفيان، فرجعوا إلى قريش فقالوا: يا معشر قريش، إنكم تعجلون على محمد، وإن محمدا لم يأت لقتال إنما جاء زائرا لهذا البيت، معظما لحقه. فاتهموهم. قال محمد يعني ابن إسحاق: قال الزهري: وكانت خزاعة في غيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمها ومشركها، لا يخفون على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا كان بمكة، قالوا: وإن كان إنما جاء لذلك، فلا والله لا يدخلها أبدا علينا عنوة، ولا تتحدث بذلك العرب. ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص بن الأخيف، أحد بني عامر بن لؤي، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ” هذا رجل غادر “. فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو مما كلم به أصحابه، ثم رجع إلى قريش، فأخبرهم بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فبعثوا إليه الحلس بن علقمة الكناني، وهو يومئذ سيد الأحابش، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” هذا من قوم يتألهون، فابعثوا الهدي في وجهه “. فبعثوا الهدي، فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده، قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله، رجع، ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاما لما رأى، فقال: يا معشر قريش، قد رأيت ما لا يحل صده: الهدي في قلائده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله.
فقالوا: اجلس، إنما أنت أعرابي لا علم لك، فبعثوا إليه عروة بن مسعود الثقفي، فقال: يا معشر قريش، إني قد رأيت ما يلقى منكم، من تبعثون إلى محمد إذا جاءكم، من التعنيف وسوء اللفظ، وقد عرفتم أنكم والد وأني ولد، وقد سمعت بالذي نابكم، فجمعت من أطاعني من قومي، ثم جئت حتى آسيتكم بنفسي. قالوا: صدقت، ما أنت عندنا بمتهم. فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس بين يديه، فقال: يا محمد، جمعت أوباش الناس، ثم جئت بهم لبيضتك لتفضها، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور، يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدا، وأيم الله، لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا. قال: وأبو بكر الصديق خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد، فقال: امصص بظر اللات، أنحن ننكشف عنه؟ قال: من هذا يا محمد؟ قال: ” هذا ابن أبي قحافة ” قال: والله لولا يد كانت لك عندي، لكافأتك بها، ولكن هذه بها. ثم تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد، قال: يقرع يده، ثم قال: أمسك يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل والله لا تصل إليك. قال: ويحك، ما أفظك وأغلظك. قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من هذا يا محمد؟ قال: ” هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة ” قال: أغدر، هل غسلت سوأتك إلا بالأمس. قال: فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما كلم به أصحابه، فأخبره أنه لم يأت يريد حربا. قال: فقام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى ما يصنع به أصحابه، لا يتوضأ وضوءا إلا ابتدروه، ولا يبسق بساقا إلا ابتدروه، ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه، فرجع إلى قريش، فقال: يا معشر قريش، إني جئت كسرى في ملكه، وجئت قيصر والنجاشي في ملكهما، والله ما رأيت ملكا قط مثل محمد في أصحابه، ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا، فروا رأيكم.
قال: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بعث خراش بن أمية الخزاعي إلى مكة، وحمله على جمل له يقال له: الثعلب، فلما دخل مكة عقرت به قريش، وأرادوا قتل خراش، فمنعهم الأحابش حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا عمر ليبعثه إلى مكة، فقال: يا رسول الله، إني أخاف قريشا على نفسي، وليس بها من بني عدي أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها، وغلظتي عليها، ولكن أدلك على رجل هو أعز مني عثمان بن عفان. قال: فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعثه إلى قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وأنه جاء زائرا لهذا البيت، معظما لحرمته، فخرج عثمان حتى أتى مكة، ولقيه أبان بن سعيد بن العاص، فنزل عن دابته وحمله بين يديه، وردف خلفه، وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش، فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به، فقالوا لعثمان: إن شئت أن تطوف بالبيت، فطف به. فقال: ما كنت
لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فاحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل. قال محمد: فحدثني الزهري: أن قريشا بعثوا سهيل بن عمرو، أحد بني عامر بن لؤي، فقالوا: ائت محمدا فصالحه، ولا يكون في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فوالله لا تتحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبدا، فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل “، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلما، وأطالا الكلام، وتراجعا حتى جرى بينهما الصلح، فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب وثب عمر بن الخطاب، فأتى أبا بكر، فقال: يا أبا بكر، أوليس برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أولسنا بالمسلمين؟ أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الذلة في ديننا. فقال أبو بكر: يا عمر الزم غرزه حيث كان، فإني أشهد أنه رسول الله. قال عمر: وأنا أشهد، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أولسنا بالمسلمين؟ أوليسوا بالمشركين؟ قال: ” بلى “، قال: فعلام نعطي الذلة في ديننا؟ فقال: ” أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره، ولن يضيعني ” ثم قال عمر: ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ حتى رجوت أن يكون خيرا.
قال: ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ” فقال سهيل بن عمرو: لا أعرف هذا، ولكن اكتب باسمك اللهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اكتب باسمك اللهم، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو ” فقال سهيل بن عمرو: لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب: هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه بغير إذن وليه رده عليهم، ومن أتى قريشا ممن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردوه عليه، وإن بيننا عيبة مكفوفة، وإنه لا إسلال ولا إغلال. وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن مع عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، وتواثبت بنو بكر، فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم. وأنك ترجع عنا عامنا هذا، فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل، خرجنا عنك، فتدخلها بأصحابك، وأقمت فيهم ثلاثا معك سلاح الراكب لا تدخلها بغير السيوف في القرب. فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب إذ جاءه أبو جندل بن سهيل بن عمرو في الحديد قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع، وما تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه، دخل الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا أن يهلكوا، فلما رأى سهيل أبا جندل، قام إليه، فضرب وجهه، ثم قال: يا محمد، قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال: ” صدقت “.
فقام إليه، فأخذ بتلبيبه، قال: وصرخ أبو جندل بأعلى صوته: يا معاشر المسلمين، أتردونني إلى أهل الشرك، فيفتنوني في ديني. قال: فزاد الناس شرا إلى ما بهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله عز وجل جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، فأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عليه عهدا، وإنا لن نغدر بهم “.قال: فوثب إليه عمر بن الخطاب مع أبي جندل، فجعل يمشي إلى جنبه وهو يقول: اصبر أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب. قال: ويدني قائم السيف منه. قال: يقول: رجوت أن يأخذ السيف، فيضرب به أباه. قال: فضن الرجل بأبيه، ونفذت القضية، فلما فرغا من الكتاب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الحرم وهو مضطرب في الحل. قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” يا أيها الناس، انحروا واحلقوا ” قال: فما قام أحد، قال: ثم عاد بمثلها، فما قام رجل، حتى عاد بمثلها، فما قام رجل، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على أم سلمة، فقال: ” يا أم سلمة، ما شأن الناس؟ ” قالت: يا رسول الله، قد دخلهم ما قد رأيت، فلا تكلمن منهم إنسانا، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره واحلق، فلو قد فعلت ذلك فعل الناس ذلك. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكلم أحدا حتى أتى هديه فنحره، ثم جلس، فحلق، فقام الناس ينحرون ويحلقون. قال: حتى إذا كان بين مكة والمدينة في وسط الطريق، فنزلت سورة الفتح
مسند أحمد 18928 – حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، قال الزهري: أخبرني عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمان الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحليفة، قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة، وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بغدير الأشطاط قريب من عسفان، أتاه عينه الخزاعي، فقال: إني قد تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابش …. فساقه بطوله بنحو رواية البخاري وسيأتي ذكر زيادات أحمد
ثم أخرج الإمام أحمد أيضا:
18929 – حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا معمر، عن الزهري، عن، عروة، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة فذكر الحديث، ومن هاهنا ملصق بحديث الزهري، عن القاسم بن محمد قال: وقال أبو بصير للعامري ومعه سيفه، إني أرى سيفك هذا يا أخا بني عامر جيدا؟ قال: نعم أجل، قال: أرني أنظر إليه، قال: فأنطاه إياه، فاستله أبو بصير ثم ضرب العامري حتى قتله، وفر المولى يجمز قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل زعموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد يطن الحصا من شدة سعيه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه: لقد رأى هذا ذعرا، فذكر نحوا من حديث عبد الرزاق، قال: فلما رأى ذلك كفار قريش، ركب نفر منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنها لا تغني مدتك شيئا، ونحن نقتل وتنهب أموالنا، وإنا نسألك أن تدخل هؤلاء الذين أسلموا منا في صلحك، وتمنعهم، وتحجز عنا قتالهم، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله عز وجل: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} [الفتح: 24]، فقرأ حتى بلغ {حمية الجاهلية} [الفتح: 26]
قلت سيف: وفي الاصابه لابن حجر 5851 – عمرو بن سالم:
بن حصين بن سالم بن كلثوم الخزاعي من مليح، بالتصغير، وآخره حاء مهملة- ابن عمرو بن ربيعة بن كعب بن عمرو بن يحيى بن خزاعة.
قال محمّد بن إسحاق في «المغازي»: حدثني الزّهريّ، عن عروة بن الزّبير، عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة- أنهما حدّثاه جميعا أنّ عمرو بن سالم الخزاعي ركب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلّم لما كان من أمر خزاعة وبني بكر بالوتير»
، حتى قدم المدينة يخبره الخبر، فأنشده:
اللَّهمّ إنّي ناشد محمّدا … حلف أبينا وأبيه الأتلدا
كنت لنا أبا وكنّا ولدا … ثمّت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر رسول اللَّه نصرا أعتدا … وأدع عباد اللَّه يأتوا مددا
فيهم رسول اللَّه قد تجرّدا … إن سيم خسفا وجهه تربّدا
في فيلق كالبحر يجري زبدا … إنّ قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكّدا … هم بيّتونا بالوتير هجّدا
وقتلونا ركّعا وسجّدا
[الرجز] وهي أطول من هذا،
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلّم: نصرت يا عمرو بن سالم.
فذكر القصة في فتح مكة.
قال محققو المسند في حديث 18910: إسناده حسن، محمد بن إسحاق، وإن كان مدلسا وقد عنعن إلا أنه قد صرح بالتحديث في بعض فقرات هذا الحديث، فانتفت شبهة تدليسه، ثم إنه قد توبع كما سيأتي برقم (18928) (18929). وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين.
وأخرجه مختصرا ومطولا أبو داود (2766)، والطبري في “تفسيره” 26/ 101، وفي “تاريخه” 2/ 620، وابن خزيمة (2906)، والطبراني في “الكبير” 20/ (14) و (16)، والحاكم 2/ 459، والبيهقي في “السنن” 5/ 215، 9/ 221 – 222 و223 و227 و228، 233، وفي “الدلائل” 4/ 112 و145، وابن عبد البر في “الاستذكار” 13/ 105 من طرق عن ابن إسحاق، بهذا الإسناد.
وأورده ابن هشام في “سيرته” 2/ 308.
وسيرد بالأرقام (18920) و (18928) و (18929).
وفي باب كتاب الصلح، سلف من حديث ابن عباس برقم (3187)، وذكرنا هناك بقية أحاديث الباب. انتهى
وقال محققو المسند في حديث 18928: إسناده صحيح على شرط الشيخين إلا بعض فقرات منه ساقها بإسناد فيه انقطاع أو إرسال. كما سننبه عليها بعد التخريج. وطريق يحيى بن سعيد القطان، عن ابن المبارك الذي أشار إليه ضمن الحديث سيرد برقم (18929).
وأخرجه البيهقي في “السنن” 5/ 215 (مختصر) و9/ 144 و218 من طريق الإمام أحمد، بهذا الإسناد.
وهو في “المصنف” لعبد الرزاق (9720)، ومن طريقه أخرجه البخاري مختصرا (2731) و (2732)، وابن حبان (4872)، والطبراني في “الكبير” 2/ (13)، والبيهقي 7/ 171 و10/ 109، وفي “الدلائل” 4/ 99 – 108، بهذا الإسناد.
وأخرجه مختصرا ومطولا أبو داود (2765) و (4655)، والنسائي في “المجتبى” 5/ 169، والطبري في “تفسيره” 26/ 97 – 101، وفي “تاريخه” 2/ 620 – 625 من طريق محمد بن ثور حدثهم عن معمر، به.
وأخرجه مختصرا البخاري (2711) و (2712) – ومن طريقه البغوي في “شرح “السنة” (2748)، وفي “التفسير” 7/ 77 – 78 – من طريق عقيل، والبخاري (4180) و (4181)، والطبراني في “الكبير” 20/ (15)، والبيهقي 7/ 170 من طريق ابن أخي الزهري، كلاهما عن الزهري، عن عروة بن الزبير، أنه سمع المسور بن مخرمة ومروان يخبران عن أصحاب رسول الله – وقال: ابن أخي الزهري: من خبر رسول الله- فذكر الحديث بنحوه. وقد سلف مختصرا برقم (18909)، ومطولا من طريق ابن إسحاق برقم (18910).
وقوله: قال الزهري: وكان أبو هريرة يقول: ما رأيت أحدا قط أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ في “الفتح”: مرسل، لأن الزهري لم يسمع من أبي هريرة.
وقوله: قال معمر: وأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل قال النبي صلى الله عليه وسلم: “سهل من أمركم” قال الحافظ في “الفتح” 5/ 342: هو موصول بالإسناد الأول إلى معمر، وهو مرسل، ولم أقف على من وصله بذكر ابن عباس فيه، لكن له شاهد موصول عند ابن أبي شيبة من حديث سلمة بن الأكوع، قال: بعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليصالحوه، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سهيلا، قال: “قد سهل لكم من أمركم” وللطبراني نحوه من حديث عبد الله بن السائب.
ثم ذكروا معاني الكلمات فلتراجع
وقالوا في حديث 18929 إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه النسائي في “المجتبى” 5/ 169 – 170، والطبري في “تفسيره” 26/ 101، 28/ 71، وفي “تاريخه” 2/ 621 من طريق يحيى، بهذا الإسناد.
وقد سلفت فقرات من هذه الرواية ضمن رواية عبد الرزاق، عن معمر برقم (18928). وانظر (18910).
قال السندي: قوله: “فأنطاه” أي: أعطاه.
يجمز، كيضرب، بجيم وميم وزاي: يمشي سريعا.
يطن، كيفر، من الطنين: وهو صوت الشيء الصلب.
——
قلت سيف: هو على شرط الذيل على الصحيح المسند قسم الزيادات على الصحيحين.
وذكرته في الذيل وإن كانت الزيادات قليله لأن أحمد ساقه مساق واحد بطوله
فالحديث في البخاري في أماكن متفرقة وأرشدنا صاحبنا أبوصالح أن الألباني جمعها في مختصره للبخاري 2/ 229 كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد وقارنت بينها وبين رواية أحمد فوجدت زيادات البخاري أكثر خاصة إذا ضممنا لها البلاغات التي ذكرها الألباني بعد الحديث. وهنا نكتفي بما بينه ابن حجر من ذكر رواية ابن اسحاق اثناء شرحه لحديث البخاري
وقد زاد أحمد زيادات وسأذكر منها ما رأيت فيه زيادة معنى فقط، وسوف أذكر جزء من فقرتها وأضعها بين قوسين: بغدير الأشطاط (قريب من عسفان) أتاه عينه الخزاعي، فقال: إني قد (تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي) قد جمعوا لك الأحابيش … فقال أبوبكر: الله ورسوله أعلم، يا نبي الله إنما (جئنا معتمرين) … (قال الزهري: وكان أبوهريرة يقول: ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. … بركت به راحلته (فقال النبي صلى الله عليه وسلم حل حل)
وفي البخاري: فقال الناس حل حل
(وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم) وفي البخاري: وإذا تكلم خفضوا أصواتهم.
تطوف بغرزه (حتى تموت) …. فقدم عليه أبو بصير (ابن اسيد الثقفي) مسلما مهاجرا (فاستأجر الأخنس بن شريق رجلا كافرا من بني عامر بن لؤي ومولى معه.
وأما رقم 18929 فأغلب ما اورده أحمد زيادات وأشار لبقيته أنه نحوا من حديث عبدالرزاق
ورواية ابن إسحاق ذكرها أحمد وهي على شرط المتمم الذيل على الصحيح المسند. وقال محققو المسند: صرح محمد بن اسحاق بالتحديث في بعض فقرات الحديث.
ومما انكر عليه قوله ان عدد المسلمين سبعمائة. وبقي أن نقارن زيادات ابن اسحاق فنضمها للزيادات كذلك وهنا تكتفي بما ذكره ابن حجر من رواية ابن اسحاق فهي بمثابة الزيادات اثناء شرحه للحديث الذي نقله الأخ نورس.
============
قال الحافظ في الفتح:
الحديبية في الحج وهي بئر سمي المكان بها وقيل شجرة حدباء صغرت وسمي المكان بها.
وغدير بفتح الغين المعجمة والاشطاط بشين معجمة وطاءين مهملتين جمع شط وهو جانب الوادي كذا جزم به صاحب المشارق.
والأحابيش بالحاء المهملة والموحدة وآخره معجمة وأحدها أحبوش بضمتين وهم بنو الهون بن خزيمة بن مدركة وبنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة وبنو المصطلق من خزاعة كانوا تحالفوا مع قريش قيل تحت جبل يقال له الحبشي أسفل مكة وقيل سموا بذلك لتحبشهم أي تجمعهم والتحبش التجمع والحباشة الجماعة.
قال المحب الطبري يظهر أن المراد كراع الغميم وهو موضع بين مكة والمدينة اه
قوله (فخذوا ذات اليمين) أي الطريق التي فيها خالد وأصحابه
قوله (حتى إذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيرا) القترة بفتح القاف والمثناة الغبار الأسود قوله وسار النبي صلى الله عليه و سلم حتى إذا كان بالثنية في رواية بن إسحاق فقال صلى الله عليه و سلم من يخرجنا على طريق غير طريقهم التي هم بها.
قوله (بركت به راحلته فقال الناس حل حل) بفتح المهملة وسكون اللام كلمة تقال للناقة إذا تركت السير وقال الخطابي أن قلت حل واحدة فالسكون وإن أعدتها نونت في الأولى وسكنت في الثانية وحكى غيره السكون فيهما والتنوين كنظيره في بخ بخ يقال: حلحلت فلانا إذا أزعجته عن موضعه قوله فألحت بتشديد المهملة أي تمادت على عدم القيام وهو من الالحاح.
قوله (خلأت القصواء) الخلاء بالمعجمة والمد للإبل كالحران للخيل.
قال بن بطال وغيره في هذا الفصل جواز الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجأتهم بالجيش طلبا لغرتهم وجواز السفر وحده للحاجة وجواز التنكيب عن الطريق السهلة إلى الوعرة للمصلحة وجواز الحكم على الشيء بما عرف من عادته وإن جاز أن يطرأ عليه غيره فإذا وقع من شخص هفوة لا يعهد منه مثلها لا ينسب إليها ويرد على من نسبه إليها ومعذرة من نسبه إليها ممن لا يعرف صورة حاله لأن خلاء القصواء لولا خارق العادة لكان ما ظنه الصحابة صحيحا ولم يعاتبهم النبي صلى الله عليه و سلم على ذلك لعذرهم في ظنهم قال وفيه جواز التصرف في ملك الغير بالمصلحة بغير إذنه الصريح إذا كان سبق منه ما يدل على الرضا بذلك لأنهم قالوا حل حل فزجروها بغير إذن ولم يعاتبهم عليه.
قوله (حبسها حابس الفيل) زاد إسحاق في روايته عن مكة أي حبسها الله عز و جل عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها.
قال الخطابي معنى تعظيم حرمات الله في هذه القصة ترك القتال في الحرم والجنوح إلى المسالمة والكف عن اراقة الدماء واستدل بعضهم بهذه القصة لمن قال من الصوفية علامة الإذن التيسير وعكسه وفيه نظر
قوله (والذي نفسي بيده) فيه تأكيد القول باليمين فيكون أدعى إلى القبول وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه و سلم الحلف في أكثر من ثمانين موضعا قاله بن القيم في الهدى.
قوله (إلا أعطيتهم إياها) أي أجبتهم إليها
قوله (ثم زجرها) أي الناقة فوثبت أي قامت قوله فعدل عنهم في رواية بن سعد فولى راجعا وفي رواية بن إسحاق فقال للناس انزلوا قالوا يا رسول الله ما بالوادي من ماء ننزل عليه قوله على ثمد بفتح المثلثة والميم أي حفيرة فيها ماء مثمود أي قليل وقوله قليل الماء تأكيد لدفع توهم أن يراد لغة من يقول أن الثمد الماء الكثير وقيل الثمد ما يظهر من الماء في الشتاء ويذهب في الصيف.
قوله (يتبرضه الناس) بالموحدة والتشديد والضاد المعجمة هو الأخذ قليلا قليلا والبرض بالفتح والسكون اليسير من العطاء وقال صاحب العين هو جمع الماء بالكفين.
قوله (فلم يلبثه) بضم أوله وسكون اللام من الالباث وقال بن التين بفتح اللام وكسر الموحدة الثقيلة أي لم يتركوه يلبث أي يقيم قوله وشكي بضم أوله على البناء للمجهول قوله فانتزع سهما من كنانته أي أخرج سهما من جعبته.
قوله (يجيش) بفتح أوله وكسر الجيم وآخره معجمة أي يفور وقوله بالري بكسر الراء ويجوز فتحها وقوله صدروا عنه أي رجعوا رواء بعد وردهم زاد بن سعد حتى اغترفوا بآنيتهم جلوسا على شفير البئر.
قوله (في نفر من قومه) سمي الواقدي منهم عمرو بن سالم وخراش بن أمية وفي رواية أبي الأسود عن عروة منهم خارجة بن كرز ويزيد بن أمية قوله وكانوا عيبة نصح العيبة بفتح المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة ما توضع فيه الثياب لحفظها أي أنهم موضع النصح له والأمانة على سره ونصح بضم النون وحكى بن التين فتحها كأنه شبة الصدر الذي هو مستودع السر بالعيبة التي هي مستودع الثياب.
وقوله (من أهل تهامة) لبيان الجنس لأن خزاعة كانوا من جملة أهل تهامة وتهامة بكسر المثناة هي مكة وما حولها وأصلها من التهم وهو شدة الحر وركود الريح زاد بن إسحاق في روايته وكانت خزاعة عيبة رسول الله صلى الله عليه و سلم مسلمها ومشركها لا يخفون عليه شيئا كان بمكة ووقع عند الواقدي أن بديلا قال للنبي صلى الله عليه و سلم لقد غزوت ولا سلاح معك فقال لم نجئ لقتال فتكلم أبو بكر فقال له بديل: أنا لا أتهم ولا قومي اه
قوله (فقال إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي) إنما اقتصر على ذكر هذين لكون قريش الذين كانوا بمكة أجمع ترجع أنسابهم إليهما وبقي من قريش بنو سامة بن لؤي وبنو عوف بن لؤي ولم يكن بمكة منهم أحد وكذلك قريش الظواهر الذين منهم بنو تيم بن غالب ومحارب بن فهر قال هشام بن الكلبي بنو عامر بن لؤي وكعب بن لؤي هما الصريحان لا شك فيهما بخلاف سامة وعوف أي ففيهما الخلف قال وهم قريش البطاح أي بخلاف قريش الظواهر وقد وقع في رواية أبي المليح وجمعوا لك الأحابيش بحاء مهملة وموحدة ثم شين معجمة وهو مأخوذ من التحبش وهو التجمع.
قوله (نزلوا أعداد مياه الحديبية) الأعداد بالفتح جمع عد بالكسر والتشديد وهو الماء الذي لا انقطاع له وغفل الداودي فقال: هو موضع بمكة وقول بديل هذا يشعر بأنه كان بالحديبية مياه كثيرة وأن قريشا سبقوا إلى النزول عليها فلهذا عطش المسلمون حيث نزلوا على الثمد المذكور.
قوله (ومعهم العوذ المطافيل) العوذ بضم المهملة وسكون الواو بعدها معجمة جمع عائذ وهي الناقة ذات اللبن والمطافيل الأمهات اللاتي معها أطفالها يريد أنهم خرجوا معهم بذوات الألبان من الإبل ليتزودوا بألبانها ولا يرجعوا حتى يمنعوه أو كنى بذلك عن النساء معهن الأطفال والمراد أنهم خرجوا معهم بنسائهم وأولادهم لإرادة طول المقام وليكون أدعى إلى عدم الفرار ويحتمل إرادة المعنى الأعم قال بن فارس: كل أنثى إذا وضعت فهي إلى سبعة أيام عائذ والجمع عوذ كأنها سميت بذلك لأنها تعوذ ولدها وتلزم الشغل به.
قوله (نهكتهم) بفتح أوله وكسر الهاء أي أبلغت فيهم حتى أضعفتهم إما أضعفت قوتهم وإما أضعفت أموالهم قوله (ماددتهم) أي جعلت بيني وبينهم مدة يترك الحرب بيننا وبينهم فيها قوله ويخلوا بيني وبين الناس أي من كفار العرب وغيرهم قوله فان أظهر فإن شاءوا هو شرط بعد الشرط والتقدير فإن ظهر غيرهم علي كفاهم المؤنة وإن أظهر أنا على غيرهم فإن شاءوا أطاعوني وإلا فلا تنقضي مدة الصلح إلا وقد جموا أي استراحوا وهو بفتح الجيم وتشديد الميم المضمومة أي قووا ووقع في رواية بن إسحاق وأن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة وإنما ردد الأمر مع أنه جازم بأن الله تعالى سينصره ويظهره لوعد الله تعالى له بذلك على طريق التنزل مع الخصم وفرض الأمر على ما زعم الخصم ولهذه النكتة حذف القسم الأول وهو التصريح بظهور غيره عليه لكن وقع التصريح به في رواية بن إسحاق ولفظه فإن أصابوني كان الذي أرادوا ولابن عائذ من وجه آخر عن الزهري فإن ظهر الناس علي فذلك الذي يبتغون فالظاهر أن الحذف وقع من بعض الرواة تأدبا.
قوله (حتى تنفرد سالفتي) السالفة بالمهملة وكسر اللام بعدها فاء صفحة العنق وكنى بذلك عن القتل لأن القتيل تنفرد مقدمة عنقه وقال الداودي المراد الموت أي حتى أموت وأبقى منفردا في قبري ويحتمل أن يكون أراد أنه يقاتل حتى ينفرد وحده في مقاتلتهم وقال بن المنير لعله صلى الله عليه و سلم نبه بالأدنى على الأعلى أي أن لي من القوة بالله والحول به ما يقتضي أن أقاتل عن دينه لو انفردت فكيف لا أقاتل عن دينه مع وجود المسلمين وكثرتهم ونفاذ بصائرهم في نصر دين الله تعالى.
قوله (ولينفذن) بضم أوله وكسر الفاء أي ليمضين الله أمره في نصر دينه وحسن الإتيان بهذا الجزم بعد ذلك التردد للتنبيه على أنه لم يورده إلا على سبيل الفرض.
وفي هذا الفصل الندب إلى صلة الرحم والإبقاء على من كان من أهلها وبذل النصيحة للقرابة وما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم من القوة والثبات في تنفيذ حكم الله وتبليغ أمره.
قوله (فقال بديل: سأبلغهم ما تقول) أي فأذن له.
قوله (فقال سفهاؤهم:) سمي الواقدي منهم عكرمة بن أبي جهل والحكم بن أبي العاص قوله (فحدثهم) بما قال زاد بن إسحاق في روايته فقال لهم بديل إنكم تعجلون على محمد أنه لم يأت لقتال إنما جاء معتمرا فاتهموه أي اتهموا بديلا لأنهم كانوا يعرفون ميله إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا أن كان كما تقول فلا يدخلها علينا عنوة.
قوله (فقام عروة) في رواية أبي الأسود عن عروة عند الحاكم في الإكليل والبيهقي في الدلائل وذكر ذلك بن إسحاق أيضا من وجه آخر قالوا لما نزل صلى الله عليه و سلم بالحديبية أحب أن يبعث رجلا من أصحابه إلى قريش يعلمهم بأنه إنما قدم معتمرا فدعا عمر فاعتذر بأنه لا عشيرة له بمكة فدعا عثمان فأرسله بذلك وأمره أن يعلم من بمكة من المؤمنين بأن الفرج قريب فأعلمهم عثمان بذلك فحمله أبان بن سعيد بن العاص على فرسه فذكر القصة فقال المسلمون هنيئا لعثمان خلص إلى البيت فطاف به دوننا فقال النبي صلى الله عليه و سلم إن ظني به أن لا يطوف حتى نطوف معا فكان كذلك قال ثم جاء عروة بن مسعود فذكر القصة وفي رواية بن إسحاق أن مجيء عروة كان قبل ذلك وذكرها موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري وكذا أبو الأسود عن عروة قبل قصة مجيء سهيل بن عمرو فالله أعلم.
فأراد بقوله (ألستم بالوالد) أنكم حي قد ولدوني في الجملة لكون أمي منكم وجرى بعض الشراح على ما وقع في رواية أبي ذر فقال أراد بقوله ألستم بالولد أي أنتم عندي في الشفقة والنصح بمنزلة الولد قال ولعله كان يخاطب بذلك قوما هو أسن منهم.
قوله (استنفرت أهل عكاظ) بضم المهملة وتخفيف الكاف وآخره معجمة أي دعوتهم إلى نصركم قوله فلما بلحوا بالموحدة وتشديد اللام المفتوحتين ثم مهملة مضمومة أي امتنعوا والتبلح التمنع من الإجابة وبلح الغريم إذا أمتنع من أداء ما عليه زاد بن إسحاق فقالوا صدقت ما أنت عندنا بمتهم قوله قد عرض عليكم في رواية الكشميهني لكم خطة رشد بضم الخاء المعجمة وتشديد المهملة والرشد بضم الراء وسكون المعجمة وبفتحهما أي خصلة خير وصلاح وانصاف وبين بن إسحاق في روايته أن سبب تقديم عروة لهذا الكلام عند قريش ما رآه من ردهم العنيف على من يجيء من عند المسلمين.
قوله (ودعوني آته) بالمد وهو مجزوم على جواب الأمر وأصله أئته أي أجيء إليه قالوا ائته بألف وصل بعدها همزة ساكنة ثم مثناة مكسورة ثم هاء ساكنة ويجوز كسرها.
قوله (نحوا من قوله لبديل) زاد بن إسحاق وأخبره أنه لم يأت يريد حربا.
قوله (فقال عروة عند ذلك) أي عند قوله
قوله (اجتاح) بجيم ثم مهملة أي أهلك أصله بالكلية وحذف الجزاء من قوله وأن تكن الأخرى تأدبا مع النبي صلى الله عليه و سلم والمعنى وأن تكن الغلبة لقريش لا آمنهم عليك مثلا
وقوله (فاني والله لا أرى وجوها) الخ كالتعليل لهذا القدر المحذوف والحاصل أن عروة ردد الأمر بين شيئين غير مستحسنين عادة وهو هلاك قومه إن غلب وذهاب أصحابه إن غلب لكن كل من الأمرين مستحسن شرعا كما قال تعالى قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين.
قوله (أشوابا) بتقديم المعجمة على الواو كذا للأكثر وعليها اقتصر صاحب المشارق ووقع لأبي ذر عن الكشميهني أو شابا بتقديم الواو والأشواب الأخلاط من أنواع شتى والأوباش الأخلاط من السفلة فالأوباش أخص من الأشواب.
قوله (خليقا) بالخاء المعجمة والقاف أي حقيقا وزنا ومعنى ويقال خليق للواحد والجمع ولذلك وقع صفة لأشواب.
قوله (ويدعوك) بفتح الدال أي يتركوك في رواية أبي المليح عن الزهري عند من سميته وكأني بهم لو قد لقيت قريشا قد أسلموك فتؤخذ أسيرا فأي شيء أشد عليك من هذا وفيه أن العادة جرت أن الجيوش المجمعة لا يؤمن عليها الفرار بخلاف من كان من قبيلة واحدة فإنهم يأنفون الفرار في العادة وما درى عروة أن مودة الإسلام أعظم من مودة القرابة وقد ظهر له ذلك من مبالغة المسلمين في تعظيم النبي صلى الله عليه و سلم كما سيأتي.
قوله (فقال له أبو بكر الصديق) زاد بن إسحاق وأبو بكر الصديق خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم قاعد فقال قوله (امصص بظر اللات) زاد بن عائذ من وجه آخر عن الزهري وهي أي اللات طاغيته التي يعبد أي طاغية عروة وقوله (امصص) بألف وصل ومهملتين الأولى مفتوحة بصيغة الأمر وحكى بن التين عن رواية القابسي ضم الصاد الأولى وخطأها والبظر بفتح الموحدة وسكون المعجمة قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة واللات اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها وكانت عادة العرب الشتم بذلك لكن بلفظ الأم فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه وحمله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار. وفيه جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك وقال بن المنير في قول أبي بكر تخسيس للعدو وتكذيبهم وتعريض بالزامهم من قولهم إن اللات بنت الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا بأنها لو كانت بنتا لكان لها ما يكون للإناث.
قوله (أنحن نفر) استفهام إنكار قوله من ذا قالوا أبو بكر في رواية بن إسحاق فقال من هذا يا محمد قال هذا بن أبي قحافة.
قوله (أما) هو حرف استفتاح وقوله والذي نفسي بيده يدل على أن القسم بذلك كان عادة للعرب قوله (لولا يد) أي نعمة وقوله (لم أجزك بها) أي لم أكافئك بها زاد بن إسحاق ولكن هذه بها أي جازاه بعدم إجابته عن شتمه بيده التي كان أحسن إليه بها وبين عبد العزيز الإمامي عن الزهري في هذا الحديث أن اليد المذكورة أن عروة كان تحمل بدية فأعانه أبو بكر فيها بعون حسن وفي رواية الواقدي عشر قلائص.
قوله (قائم على رأس النبي صلى الله عليه و سلم بالسيف) فيه جواز القيام على رأس الأمير بالسيف بقصد الحراسة ونحوها من ترهيب العدو ولا يعارضه النهي عن القيام على رأس الجالس لأن محله ما إذا كان على وجه العظمة والكبر. قوله (فكلما تكلم) في رواية السرخسي والكشميهني فكلما كلمه أخذ بلحيته وفي رواية بن إسحاق فجعل يتناول لحية النبي صلى الله عليه و سلم وهو يكلمه.
والمغيرة بن شعبة قائم في مغازي عروة بن الزبير رواية أبي الأسود عنه أن المغيرة لما رأى عروة بن مسعود مقبلا لبس لأمته وجعل على رأسه المغفر ليستخفي من عروة عمه.
قوله (بنعل السيف) هو ما يكون أسفل القراب من فضة أو غيرها قوله أخر فعل أمر من التأخير زاد بن إسحاق في روايته قبل أن لا تصل إليك وزاد عروة بن الزبير فإنه لا ينبغي لمشرك أن يمسه وفي رواية بن إسحاق: فيقول عروة ويحك ما أفظك وأغلظك وكانت عادة العرب أن يتناول الرجل لحية من يكلمه ولا سيما عند الملاطفة وفي الغالب إنما يصنع ذلك النظير بالنظير لكن كان النبي صلى الله عليه و سلم يغضي لعروة عن ذلك استمالة له وتأليفا والمغيرة يمنعه إجلالا للنبي صلى الله عليه و سلم وتعظيما.
قوله (ألست أسعى في غدرتك) أي ألست أسعى في دفع شر غدرتك وفي مغازي عروة والله ما غسلت يدي من غدرتك لقد أورثتنا العداوة في ثقيف وفي رواية بن إسحاق وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس قال بن هشام في السيرة أشار عروة بهذا إلى ما وقع للمغيرة قبل إسلامه وذلك أنه خرج مع ثلاثة عشر نفرا من ثقيف من بني مالك فغدر بهم وقتلهم وأخذ أموالهم فتهايج الفريقان بنو مالك والأحلاف رهط المغيرة فسعى عروة بن مسعود عم المغيرة حتى أخذوا منه دية ثلاثة عشر نفسا واصطلحوا وفي القصة طول وقد ساق بن الكلبي والواقدي القصة وحاصلها أنهم كانوا خرجوا زائرين المقوقس بمصر فأحسن إليهم وأعطاهم وقصر بالمغيرة فحصلت له الغيرة منهم فلما كانوا بالطريق شربوا الخمر فلما سكروا وناموا وثب المغيرة فقتلهم ولحق بالمدينة فأسلم.
قوله (أما الإسلام فأقبل) بلفظ المتكلم أي أقبله قوله وأما المال فلست منه في شيء أي لا أتعرض له لكونه أخذه غدرا.
ويستفاد منه أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدرا لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلما كان أو كافرا وأن أموال الكفار إنما تحل بالمحاربة والمغالبة ولعل النبي صلى الله عليه و سلم ترك المال في يده لا مكان أن يسلم قومه فيرد إليهم أموالهم ويستفاد من القصة أن الحربي إذا أتلف مال الحربي لم يكن عليه ضمان وهذا أحد الوجهين للشافعية
قوله (فجعل يرمق) بضم الميم أي يلحظ قوله فدلك بها وجهه وجلده زاد بن إسحاق ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه
وقوله (وما يحدون) بضم أوله وكسر المهملة أي يديمون وفيه طهارة النخامة والشعر المنفصل …. ولعل الصحابة فعلوا ذلك بحضرة عروة وبالغوا في ذلك إشارة منهم إلى الرد على ما خشيه من فرارهم وكأنهم قالوا بلسان الحال من يحب إمامه هذه المحبة ويعظمه هذا التعظيم كيف يظن به أنه يفر عنه ويسلمه لعدوه بل هم أشد اغتباطا به وبدينه وبنصره من القبائل التي يراعي بعضها بعضا بمجرد الرحم فيستفاد منه جواز التوصل إلى المقصود بكل طريق سائغ قوله ووفدت على قيصر هو من الخاص بعد العام وذكر الثلاثة لكونهم كانوا أعظم ملوك ذلك الزمان.
قصة عروة بن مسعود من الفوائد ما يدل على جودة عقله ويقظته وما كان عليه الصحابة من المبالغة في تعظيم النبي صلى الله عليه و سلم وتوقيره ومراعاة أموره وردع من جفا عليه بقول أو فعل والتبرك بآثاره
وفي هذه القصة جواز المخادعة في الحرب وإظهار إرادة الشيء والمقصود غيره وفيه أن كثيرا من المشركين كانوا يعظمون حرمات الإحرام والحرم وينكرون على من يصد عن ذلك تمسكا منهم ببقايا من دين إبراهيم عليه السلام
وقد اختلف العلماء في المدة التي تجوز المهادنة فيها مع المشركين فقيل لا تجاوز عشر سنين على ما في هذا الحديث وهو قول الشافعي والجمهور وقيل تجوز الزيادة وقيل لا تجاوز أربع سنين وقيل ثلاثا وقيل سنتين والأول هو الراجح والله أعلم
ويجمع بأن أصل كتاب الصلح بخط علي كما هو في الصحيح
قوله (هذا ما قاضى) بوزن فاعل من قضيت الشيء أي فصلت الحكم فيه وفيه جواز كتابة مثل ذلك في المعاقدات والرد على من منعه معتلا بخشية أن يظن فيها أنها نافية نبه عليه الخطابي قوله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة بضم الضاد وسكون الغين المعجمتين ثم طاء مهملة أي قهرا وفي رواية بن إسحاق أنه دخل علينا عنوة قوله فقال سهيل وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وأن كان على دينك إلا رددته إلينا في رواية بن إسحاق على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ومن جاء قريشا ممن يتبع محمدا لم يردوه عليه وهذه الرواية تعم الرجال والنساء وكذا تقدم في أول الشروط من رواية عقيل عن الزهري بلفظ ولا يأتيك منا أحد وسيأتي البحث في ذلك في كتاب النكاح وهل دخلن في هذا الصلح ثم نسخ ذلك الحكم فيهن أو لم يدخلن إلا بطريق العموم فخصصن وزاد بن إسحاق في قصة الصلح بهذا الإسناد وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة أي أمرا مطويا في صدور سليمة وهو إشارة إلى ترك المؤاخذة بما تقدم بينهم من أسباب الحرب وغيرها والمحافظة على العهد الذي وقع بينهم وقال بن إسحاق في حديثه وأنه لا إسلال ولا إغلال أي لا سرقة ولا خيانة فالاسلال من السلة وهي السرقة والاغلال الخيانة تقول أغل الرجل أي خان.
قال الخطابي تأول العلماء ما وقع في قصة أبي جندل على وجهين أحدهما أن الله قد أباح التقية للمسلم إذا خاف الهلاك ورخص له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الإيمان إن لم يمكنه التورية فلم يكن رده إليهم إسلاما لأبي جندل إلى الهلاك مع وجوده السبيل إلى الخلاص من الموت بالتقية والوجه الثاني أنه إنما رده إلى أبيه والغالب أن أباه لا يبلغ به الهلاك وإن عذبه أو سجنه ف6له مندوحة بالتقية أيضا وأما ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان من الله يبتلي به صبر عباده المؤمنين واختلف العلماء هل يجوز الصلح مع المشركين على أن يرد إليهم من جاء مسلما من عندهم إلى بلاد المسلمين أم لا فقيل نعم على ما دلت عليه قصة أبي جندل وأبي بصير وقيل لا وأن الذي وقع في القصة منسوخ وأن ناسخه حديث أنا بريء من مسلم بين مشركين وهو قول الحنفية وعند الشافعية تفصيل بين العاقل والمجنون والصبي فلا يردان وقال بعض الشافعية ضابط جواز الرد أن يكون المسلم بحيث لا تجب عليه الهجرة من دار الحرب والله أعلم.
ويستفاد من هذا الفصل جواز البحث في العلم حتى يظهر المعنى وأن الكلام يحمل على عمومه وإطلاقه حتى تظهر إرادة التخصيص والتقييد وأن من حلف على فعل شيء ولم يذكر مدة معينة لم يحنث حتى تنقضي أيام حياته
قوله (فأتيت أبا بكر) لم يذكر عمر أنه راجع أحدا في ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم غير أبي بكر الصديق وذلك لجلالة قدره وسعة علمه عنده وفي جواب أبي بكر لعمر بنظير ما أجابه النبي صلى الله عليه و سلم سواء دلالة على أنه كان أكمل الصحابة وأعرفهم بأحوال رسول الله صلى الله عليه و سلم وأعلمهم بأمور الدين وأشدهم موافقة لأمر الله تعالى وقد وقع التصريح في هذا الحديث بأن المسلمين استنكروا الصلح المذكور وكانوا على رأي عمر في ذلك وظهر من هذا الفصل أن الصديق لم يكن في ذلك موافقا لهم بل كان قلبه على قلب رسول الله صلى الله عليه و سلم سواء
قوله (قال رسول الله صلى الله عليه و سلم) لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا في رواية أبي الأسود عن عروة فلما فرغوا من القضية أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالهدى فساقه المسلمون يعني إلى جهة الحرم حتى قام إليه المشركون من قريش فحبسوه فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالنحر قوله فوالله ما قام منهم رجل قيل كأنهم توقفوا لاحتمال أن يكون الأمر بذلك للندب أو لرجاء نزول الوحي بإبطال الصلح المذكور أو تخصيصه بالإذن بدخولهم مكة ذلك العام لاتمام نسكهم وسوغ لهم ذلك لأنه كان زمان وقوع النسخ ويحتمل أن يكونوا ألهتم صورة الحال فاستغرقوا في الفكر لما لحقهم من الذل عند أنفسهن مع ظهور قوتهم واقتدارهم في اعتقادهم على بلوغ غرضهم وقضاء نسكهم بالقهر والغلبة أو أخروا الامتثال لاعتقادهم أن الأمر المطلق لا يقتضي الفور ويحتمل مجموع هذه الأمور لمجموعهم كما سيأتي من كلام أم سلمة وليس فيه حجة لمن أثبت أن الأمر للفور ولا لمن نفاه ولا لمن قال أن الأمر للوجوب لا للندب لما يطرق القصة من الاحتمال قوله فذكر لها ما لقي من الناس في رواية بن إسحاق فقال لها ألا ترين إلى الناس إني آمرهم بالأمر فلا يفعلونه وفي رواية أبي المليح فاشتد ذلك عليه فدخل على أم سلمة فقال هلك المسلمون أمرتهم أن يحلقوا وينحروا فلم يفعلوا قال فجلى الله عنهم يومئذ بأم سلمة قوله قالت أم سلمة يا نبي الله أتحب ذلك أخرج ثم لا تكلم أحدا منهم زاد بن إسحاق قالت أم سلمة يا رسول الله لا تكلمهم فإنهم قد دخلهم أمر عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح ويحتمل أنها فهمت عن الصحابة أنه احتمل عندهم أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم أمرهم بالتحلل أخذا بالرخصة في حقهم وأنه هو يستمر على الإحرام أخذا بالعزيمة في حق نفسه فأشارت عليه أن يتحلل لينتفي عنهم هذا الاحتمال وعرف النبي صلى الله عليه و سلم صواب ما أشارت به ففعله فلما رأى
الصحابة ذلك بادروا إلى فعل ما أمرهم به إذ لم يبق بعد ذلك غاية تنتظر وفيه فضل المشورة وأن الفعل إذا انضم إلى القول كان أبلغ من القول المجرد وليس فيه أن الفعل مطلقا أبلغ من القول وجواز مشاورة المرأة الفاضلة وفضل أم سلمة ووفور عقلها حتى قال إمام الحرمين لا نعلم امرأة أشارت برأي فأصابت الا أم سلمة.
قوله (قد والله أوفى الله ذمتك) أي فليس عليك منهم عقاب فيما صنعت أنا زاد الأوزاعي عن الزهري فقال أبو بصير يا رسول الله عرفت أني أن قدمت عليهم فتنوني عن ديني ففعلت ما فعلت وليس بيني وبينهم عهد ولا عقد اه وفيه أن للمسلم الذي يجيء من دار الحرب في زمن الهدنة قتل من جاء في طلب رده إذا شرط لهم ذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم ينكر على أبي بصير قتله العامري ولا أمر فيه بقود ولا دية والله أعلم
قوله (ويل أمه) بضم اللام ووصل الهمزة وكسر الميم المشددة وهي كلمة ذم تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذم لأن الويل الهلاك فهو كقولهم لأمه الويل قال بديع الزمان في رسالة له والعرب تطلق تربت يمينه في الأمر إذا أهم ويقولون ويل أمه ولا يقصدون الذم والويل يطلق على العذاب والحرب والزجر وقد تقدم شيء من ذلك في الحج في قوله للأعرابي ويلك وقال الفراء أصل قولهم ويل فلان وي لفلان أي فكثر الاستعمال فألحقوا بها اللام فصارت كأنها منها وأعربوها وتبعه بن مالك الا أنه قال تبعا للخليل أن وي كلمة تعجب وهي من أسماء الأفعال واللام بعدها مكسورة ويجوز ضمها اتباعا للهمزة وحذفت الهمزة تخفيفا والله أعلم
قوله (مسعر حرب) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة وبالنصب على التمييز وأصله من مسعر حرب أي يسعرها قال الخطابي كأنه يصفه بالاقدام في الحرب والتسعير لنارها ووقع في رواية بن إسحاق محش بحاء مهملة وشين معجمة وهو بمعنى مسعر وهو العود الذي يحرك به النار.
قوله (لو كان له أحد) أي ينصره ويعاضده ويناصره وفي رواية الأوزاعي لو كان له رجال فلقنها أبو بصير فانطلق وفيه إشارة إليه بالفرار لئلا يرده إلى المشركين ورمز إلى من بلغه ذلك من المسلمين أن يلحقوا به قال جمهور العلماء من الشافعية وغيرهم يجوز التعريض بذلك لا التصريح كما في هذه القصة والله أعلم
قوله (حتى أتى سيف البحر) بكسر المهملة وسكون التحتانية بعدها فاء أي ساحله وعين بن إسحاق المكان فقال حتى نزل العيص وهو بكسر المهملة وسكون التحتانية بعدها مهملة قال وكان طريق أهل مكة إذا قصدوا الشام قلت وهو يحاذي المدينة إلى جهة الساحل وهو قريب من بلاد بني سليم.
قوله (وينفلت منهم أبو جندل) أي من أبيه وأهله وفي تعبيره بالصيغة المستقبلة إشارة إلى إرادة مشاهدة الحال كقوله تعالى الله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا وفي رواية أبي الأسود عن عروة وانفلت أبو جندل في سبعين راكبا مسلمين فلحقوا بأبي بصير فنزلوا قريبا من ذي المروة على طريق عير قريش فقطعوا مادتهم
قوله (حتى اجتمعت منهم عصابة) أي جماعة ولا واحد لها من لفظها وهي تطلق على الأربعين فما دونها
قوله (الا اعترضوا لها) أي وقفوا في طريقها بالعرض وهي كناية عن منعهم لها من السير قوله فأرسلت قريش في رواية أبي الأسود عن عروة فأرسلوا أبا سفيان بن حرب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يسألونه ويتضرعون إليه أن يبعث إلى أبي جندل ومن معه وقالوا ومن خرج منا إليك فهو لك حلال غير حرج.
وفي قصة أبي بصير من الفوائد جواز قتل المشرك المعتدي غيلة ولا يعد ما وقع من أبي بصير غدرا لأنه لم يكن في جملة من دخل في المعاقدة التي بين النبي صلى الله عليه و سلم وبين قريش لأنه إذ ذاك كان محبوسا بمكة لكنه لما خشي أن المشرك يعيده إلى المشركين درأ عن نفسه بقتله ودافع عن دينه بذلك ولم ينكر النبي قوله ذلك وفيه أن من فعل مثل فعل أبي بصير لم يكن عليه قود ولا دية وقد وقع عند بن إسحاق أن سهيل بن عمرو لما بلغه قتل العامري طالب بديته لأنه من رهطه فقال له أبو سفيان ليس على محمد مطالبة بذلك لأنه وفي بما عليه وأسلمه لرسولكم ولم يقتله بأمره ولا على آل أبي بصير أيضا شيء لأنه ليس على دينهم وفيه أنه كان لا يرد على المشركين من جاء منهم الا بطلب منهم لأنهم لما طلبوا أبا بصير أول مرة أسلمه لهم ولما حضر إليه ثانيا لم يرسله لهم بل لو أرسلوا إليه وهو عنده لأرسله فلما خشي أبو بصير من ذلك نجا بنفسه وفيه أن شرط الرد أن يكون الذي حضر من دار الشرك باقيا في بلد الإمام ولا يتناول من لم يكن تحت يد الإمام ولا متحيزا إليه واستنبط منه بعض المتأخرين أن بعض ملوك المسلمين مثلا لو هادن بعض ملوك الشرك فغزاهم ملك آخر من المسلمين فقتلهم وغنم أموالهم جاز له ذلك لأن عهد الذي هادنهم لم يتناول من لم يهادنهم ولا يخفى أن محل ذلك ما إذا لم يكن هناك قرينة تعميم قوله فأنزل الله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم كذا هنا وظاهره أنها نزلت في شأن أبي بصير وفيه نظر والمشهور في سبب نزولها ما أخرجه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع ومن حديث أنس بن مالك أيضا وأخرجه أحمد والنسائي من حديث عبد الله بن مغفل بإسناد صحيح أنها نزلت بسبب القوم الذين أرادوا من قريش أن يأخذوا من المسلمين غرة فظفروا بهم فعفا عنهم النبي صلى الله عليه و سلم فنزلت الآية وقيل في نزولها غير ذلك قوله معرة العر الجرب يعني أن المعرة مشتقة من العر بفتح المهملة وتشديد الراء
قوله تزيلوا تميزوا حميت القوم منعتهم حماية الخ هذا القدر من تفسير سورة الفتح في المجاز لأبي عبيدة وهو في رواية المستملي وحده
[يرجى مراجعة الشرح بأكمله في الفتح (5/ 334 – 353)]
قال العلامة العباد: أورد أبو داود باباً في صلح العدو. أي: الصلح مع الكفار، والصلح مع الكفار يجوز في حال ضعف المسلمين وعدم قوتهم، وأما مع قوتهم فإنه لا يصلح أن يصالح الكفار، وإنما يكون ذلك مع الضعف كما قال الله عز وجل: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ [محمد:35] فالصلح يجوز عند وجود ما يقتضيه من عدم قوة بالمسلمين.
كانت العادة عندما كان الشخص يخاطب غيره يمسك بلحيته، وليس هذا من باب الإهانة، وإنما هو من باب الملاطفة.
وهذا يدل على أن القيام على رأس الأمير عند حضور الكفار لا بأس به، وأن هذا من احترام الأمير، ومن المحافظة عليه، وأما إذا كان لغير ذلك فإنه لا يجوز، والرسول صلى الله عليه وسلم لما اشتكى وصلى جالساً، وصلى وراءه أناس قياماً أشار إليهم أن اجلسوا، ولما سلم قال: (كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على رأس ملوكهم وهم جلوس) فالقيام محذور إذا كان في غير هذه الحالة، أما إذا كان في هذه الحالة فهو سائغ؛ لأن هذا حصل من المغيرة بن شعبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالقيام على الرجل له حالتان: حالة فيها احترام الإمام وتوقيره، والمحافظة عليه عند الكفار، وإظهار تقديره عند الكفار. والثانية: إذا كان لغير ذلك. فهذه الحالة التي جاءت في قصة المغيرة تدل على جوازه في مثل هذه الحالة، والحديث الذي فيه: (كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على رأس ملوكهم وهم جلوس) يدل على أن ذلك لا يجوز.