1594 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
وهشام السوري وعبدالله المشجري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
———‘——–‘———
الصحيح المسند 1594
عن عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية: تعني قصيدة. فقال: لقد قلت كلمة لو مزج بها البحر لمجال. قالت: وحكيت له إنسانا. فقال: ما أحب أني حكيت إنسانا وان لي كذا وكذا.
——-‘——-‘——-
قال العباد حفظه الله في شرح السنن:
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم في صفية: (حسبك من صفية كذا وكذا) أي: يكفيك منها أنها قصيرة، وهذا كما جاء في الحديث: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) أي: يكفيه من الشر أن يحقر أخاه المسلم وإن لم يضف إليه شر آخر.
وقوله: (قال غير مسدد: تعني قصيرة) هذا هو الذي كني عنه في بعض الروايات بقوله: كذا وكذا، يعني: أنها قالت: قصيرة.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) أي: لو خلطت به لشدتها وخطورتها لغيرت ماءه، وهذا فيه إشارة إلى خطورة مثل هذا الكلام الذي هو الغيبة.
—–
وقال أيضا:
وقوله: [قالت: (وحكيت له إنساناً، فقال: ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا)].
أي: أنها فعلت مثل فعله، أو قلدت هيئته، فقال: (ما أحب أني حكيت إنساناً ولي كذا وكذا) أي: أن هذا العمل غير سائغ، وهذا الحديث يدل على تحريم التمثيل، الذي هو مبني على الحكاية، ومبني على التقليد، وعلى -كما يقولون- تقمص شخصية شخص آخر، وأنه يأتي بحركات وأفعال تضاف إليه، فهو من جملة الأحاديث التي تدل على أن التمثيل الذي ابتلي به كثير من الناس في هذا الزمان غير جائز، ومما يدل على تحريمه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ويل لمن يكذب ليضحك القوم، ويل له ثم ويل له)، ومعلوم أن التمثيل مبني على الكذب.
قال الطِّيبي: وأكثر ما تستعمل المحاكاة في القبيح ((وأن لي كذا وكذا)) أي لو أعطيت كذا وكذا من الدنيا أي شيئًا كثيرًا منها بسبب ذلك، فهي جملة حالية واردة على التعميم والمبالغة،
قال النووي: من الغيبة المحرمة المحاكاة بأن يمشي متعارجًا أو مطاطيًا رأسه، أو غير ذلك من الهيئات).
حكم تقليد الأصوات وحكاية الآخرين
وتقليد الأصوات هو من التمثيل أو الحكاية، وإذا كان ذلك الذي يفعل معه يكرهه فإنه يكون من الغيبة. يقول المنذري: الحكاية حرام إذا كانت على سبيل السخرية والاستهزاء والاحتقار؛ لما فيها من العجب بالنفس والاحتقار للخلق والأذية لهم، وهذا فيما لا كسب فيه من خلق الله عز وجل، فإذا كان مما يكسبون، فإن كان في معصية جازت حكايتهم على طريق الزجر فيما لا يذهب بالوقار والحشمة، وإن كانت في الطاعة جازت الحكاية فيه، إلا أن يتوب العاصي فلا يجوز ذكر المعصية له. ولعله ليس المقصود هنا أنه يمثله، وإنما يقول: إنه قال كذا، أو إنه فعل كذا.
_____
قال العثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين:
هذه بقية الأحاديث التي ساقها المؤلف رحمه الله في باب الغيبة والأمر بحفظ اللسان، واشتملت على أشياء متعددة منها بيان الغيبة، وأنها ذكرك أخاك بما يكره،
وقد سبق لنا بيان هذا وأن الغيبة ذكرك أخاك بما يكره في دينه أو خلقه أو بدنه أو أهله أو غير ذلك، إلا إذا كان المقصود النصيحة، كما لو استشارك شخص في معاملة إنسان وأنت تعرف من هذا الإنسان أنه ليس أهلاً للمعاملة، وأنه مثلاً كذاب أو ما أشبه ذلك، وأردت أن تبين له ما فيه من عيب، فلا بأس فيه، وبينا دليل هذا في حديث فاطمة بنت قيس حين استشارت النبي فيمن خطبوها معاوية بن أبي سفيان وأبو جهم وأسامة بن زيد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فضراب للنساء، انكحي أسامة، فهذا من باب النصيحة فلا بأس بها،
وتضمنت هذه الأحاديث إعلان رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريم الدماء والأموال والأعراض في حجة الوداع في أكبر مجتمع حصل بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الصحابة؛ لأن الذين حجوا معه قريب من مائة ألف، ومع ذلك أعلن عليه الصلاة والسلام وقال: إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم قال: اللهم اشهد.
وكذلك أيضاً بينت هذه الأحاديث أن ذكرك أخاك بما يكره ولو بما يتعلق بخلقته كالطويل والقصير وأما أشبه ذلك،
كما في حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت في صفية بنت حيي إحدى أمهات المؤمنين: حسبك من صفية كذا تعني أنها قصيرة، تقول للرسول صلى الله عليه وسلم: فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته يعني لو خلطت بماء البحر على كبره وسعته لمزجته، أي أثرت فيه وهي كلمة يسيرة جداً لكنها عظيمة، حيث إنها في ضرتها، وحيث إنها قد يحدث من هذه الكلمة أن يكره النبي صلى الله عليه وسلم صفية، فلعظمها صار لها هذا الأثر العظيم،
كذلك أيضاً العقوبة العظيمة التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم وقد أسري به، أنه قد مر بأقوام لهم أظافر من النحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: الذين يقعون في أعراض الناس يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم
فالمهم أن الواجب على الإنسان الحذر من إطلاق اللسان، وألا يتكلم إلا بخير إن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، قال النبي صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت نسأل الله أن يحمينا وإياكم من سخطه وأن يعيننا وإياكم على شكره وحسن عبادته.
——‘——
احاديث أخرى تدل على تحريم الغيبة:
عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: كنا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – فارتفعت ريح جيفة منتنة , فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” أتدرون ما هذه الريح؟ , هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين ” قال ابن حجر:: سنده صحيح وصححه الألباني
– وعن أم هانئ رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ((قلت: يا رسول الله، أرأيت قول الله تبارك وتعالى: وَتَاتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ [العنكبوت: 29] ما كان ذلك المنكر الذي كانوا يأتونه؟ قال: كانوا يسخرون بأهل الطريق، ويخذفونهم)).
قال المباركفوري: (اختلف في المنكر الذي كانوا يأتونه فيه، فقيل: كانوا يخذفون الناس بالحصباء ويستخفون بالغريب، وقيل: كانوا يتضارطون في مجالسهم قالته عائشة، وقيل: كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضًا، وقيل: كانوا يلعبون بالحمام، وقيل: كانوا يناقرون بين الديكة، ويناطحون بين الكباش؛ وقيل: يبزق بعضهم على بعض، ويلعبون بالنرد والشطرنج، ويلبسون المصبغات).
– و كان ابن مسعود رضي الله عنه يجتني سواكًا من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مم تضحكون؟ قالوا: يا نبي الله، من دقة ساقيه، فقال: والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أحد)).
وهو في الصحيح المسند 837
– وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره التقوى هاهنا)) ويشير إلى صدره ثلاث مرات ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه)).
قوله: ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)) (يعني يكفي المؤمن من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم)
وقال ابن سيرين – رحمه الله -: “إنِّي لم أحرمها عليه، فأحللها له، إنَّ اللهَ حرم الغيبة عليه، وما كنت لأحلل ما حرَّم الله أبدًا”.
قال سعيد بن المسيب – رحمه الله -: “لا أحلل من ظلمني”.
يقول ابنُ القيم – رحمه الله -: “ومن العجب أنَّ الإنسانَ يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزِّنا، والسرقة وشرب الخمر، ومن النظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتَّى ترى الرجل يُشار إليه بالدِّين والزُّهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخطِ الله لا يلقي لها بالاً، يزل بالكلمة الواحدة منها أبعد مما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجلٍ مُتورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي ما يقول”. اهـ.
====
قال ابن تيمية
ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى.
- تارة في قالب ديانة وصلاح فيقول: ليس لي عادة أن أذكر أحدا إلا بخير ولا أحب الغيبة ولا الكذب؛ وإنما أخبركم بأحواله. ويقول: والله إنه مسكين أو رجل جيد؛ ولكن فيه كيت وكيت. وربما يقول: دعونا منه الله يغفر لنا وله؛ وإنما قصده استنقاصه وهضم لجانبه. ويخرجون الغيبة في قوالب صلاح وديانة يخادعون الله بذلك كما يخادعون مخلوقا؛ وقد رأينا منهم ألوانا كثيرة من هذا وأشباهه.
•ومنهم من يرفع غيره رياء فيرفع نفسه فيقول: لو دعوت البارحة في صلاتي لفلان؛ لما بلغني عنه كيت وكيت ليرفع نفسه ويضعه عند من يعتقده. أو يقول: فلان بليد الذهن قليل الفهم؛ وقصده مدح نفسه وإثبات معرفته وأنه أفضل منه.
•ومنهم من يحمله الحسد على الغيبة فيجمع بين أمرين قبيحين: الغيبة والحسد. وإذا أثنى على شخص أزال ذلك عنه بما استطاع من تنقصه في قالب دين وصلاح أو في قالب حسد وفجور وقدح ليسقط ذلك عنه.•ومنهم من يخرج الغيبة في قالب تمسخر ولعب ليضحك غيره باستهزائه ومحاكاته واستصغار المستهزأ به.
•ومنهم من يخرج الغيبة في قالب التعجب فيقول تعجبت من فلان كيف لا يفعل كيت وكيت ومن فلان كيف وقع منه كيت وكيت وكيف فعل كيت وكيت فيخرج اسمه في معرض تعجبه.
•ومنهم من يخرج الاغتمام فيقول مسكين فلان غمني ما جرى له وما تم له فيظن من يسمعه أنه يغتم له ويتأسف وقلبه منطو على التشفي به ولو قدر لزاد على ما به وربما يذكره عند أعدائه ليشتفوا به. وهذا وغيره من أعظم أمراض القلوب والمخادعات لله ولخلقه.
•ومنهم من يظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار منكر فيظهر في هذا الباب أشياء من زخارف القول وقصده غير ما أظهر. والله المستعان.
” المجموع” ((28) / (237) – (238))