6.فتح الكريم المنان شرح أصول الإيمان:
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
—–
المبحث الثاني
وجوب إفراد الله بالعبادة، وتحته مطالب:
المطلب الأول: معنى العبادة والأصول التي تبنى عليها:
العبادة لغة:
وشرعا:
والعبادة تبنى على ثلاثة أركان:
الأول: كمال الحب للمعبود سبحانه.
الثاني: كمال الرجاء.
الثالث: كمال الخوف من الله.
والعبادة لا تقبل إلا بشرطين.
المطلب الثاني: ذكر بعض أنواع العبادة
1. الدعاء.
2، 3، 4. المحبة والخوف والرجاء.
5. ومن أنواعها التوكل.
6، 7، 8 ومن أنواع العبادة: الرغبة والرهبة والخشوع.
9. ومن أنواعها: الخشية.
10.: ومنها الإنابة
11. ومنها الإستعانة.
12. ومنها: الإستعاذة.
13. ومنها: الاستغاثة. .
14. ومنها: الذبح.
15. ومنها: النذر.
تكلم عن تعريف كل نوع. وأذكر دليل له.
——–‘——-‘—-
المطلب الأول: معنى العبادة والأصول التي تبنى عليها:
[العبادة لغة]:
وَ ” الْعِبَادَةُ ” أَصْلُ مَعْنَاهَا الذُّلُّ أَيْضًا يُقَالُ: طَرِيقٌ مُعَبَّدٌ إذَا كَانَ مُذَلَّلًا قَدْ وَطِئَتْهُ الْأَقْدَامُ. لَكِنَّ الْعِبَادَةَ الْمَامُورَ بِهَا تَتَضَمَّنُ مَعْنَى الذُّلِّ وَمَعْنَى الْحُبِّ فَهِيَ تَتَضَمَّنُ غَايَةَ الذُّلِّ لِلَّهِ بِغَايَةِ الْمَحَبَّةِ لَهُ. [العبودية]
مفهوم العبادة:
” الْعِبَادَةُ ” هِيَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ: مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ فَالصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ وَالْحَجُّ وَصِدْقُ الْحَدِيثِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ؛ وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةُ الْأَرْحَامِ وَالْوَفَاءُ بِالْعُهُودِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ. وَالْجِهَادُ لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْإِحْسَانُ إلَى الْجَارِ وَالْيَتِيمِ وَالْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالْمَمْلُوكِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ وَالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَةِ. وَكَذَلِكَ حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَخَشْيَةُ اللَّهِ وَالْإِنَابَةُ إلَيْهِ. وَإِخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ وَالصَّبْرُ لِحُكْمِهِ وَالشُّكْرُ لِنِعَمِهِ وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ؛ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ؛ وَالرَّجَاءُ لِرَحْمَتِهِ وَالْخَوْفُ لِعَذَابِهِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ هِيَ مِنْ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ {[العبودية ص2].
ضابط العبادة:
وضابط هذا: أن كل أمر شرعه الله لعباده وأمرهم به ففعله لله عبادة {فتح المجيد، ج1/ 316}.
والعبادة تبنى على ثلاثة أركان:
1 – المحبة.
2 – والخوف.
3 – والرجاء.
قال ابن القيم في بدائع الفوائد {ص 52}: وقد جمع الله تعالى هذه المقامات الثلاثة بقوله (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم اقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه) فابتغاء الوسيلة هو محبته الداعية إلى التقرب إليه ثم ذكر بعدها الرجاء والخوف فهذه طريقة عباده وأوليائه وربما آل الأمر بمن عبده بالحب المجرد إلى استحلال المحرمات ويقول المحب لا يضره ذنب.
و قال أيضاً: ولهذا قال بعض السلف من عبد الله تعالى بالحب وحده فهو زنديق ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجي ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن.
قال الشيخ العثيمين في شرح رياض الصالحين {ج 1 ص 523} باب الجمع بين الخوف والرجاء وتغليب الرجاء في حال المرض:
هذا الباب قد اختلف فيه العلماء هل الإنسان يغلب جانب الرجاء أو جانب الخوف فمنهم من قال: يغلب جانب الرجاء مطلقا ومنهم من قال: يغلب جانب الخوف مطلقا.
ومنهم من قال: ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه سواء، لا يغلب هذا على هذا، ولا هذا على هذا لأنه إن غلب جانب الرجاء أمن مكر الله، وإن غلب جانب الخوف يئس من رحمة الله.
وقال بعضهم: في حال الصحة يجعل رجاءه وخوفه واحدا كما اختاره النووي رحمه الله في هذا الكتاب وفي حال المرض يغلب الرجاء أو يمحضه.
وقال بعض العلماء أيضا إذا كان في طاعة فليغلب الرجاء وأن الله يقبل منه وإذا كان عند فعل المعصية فليغلب الخوف، لئلا يقدم على المعصية.
والإنسان يجب عليه أن يكون طبيب نفسه إذا رأى من نفسه أنه أمن من مكر الله وأنه مقيم على معصية الله، ومتمن على الله الأماني فليعدل عن هذه الطريق وليسلك طريق الخوف.
الخوف والرجاء يستلزم المحبة
قال ابن تيمية في المجموع {10/ 62}: وَإِذَا كَانَتْ الْمَحَبَّةُ أَصْلَ كُلِّ عَمَلٍ دِينِيٍّ فَالْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ وَغَيْرُهُمَا يَسْتَلْزِمُ الْمَحَبَّةَ وَيَرْجِعُ إلَيْهَا فَإِنَّ الرَّاجِيَ الطَّامِعَ إنَّمَا يَطْمَعُ فِيمَا يُحِبُّهُ لَا فِيمَا يُبْغِضُهُ. وَالْخَائِفُ يَفِرُّ مِنْ الْخَوْفِ لِيَنَالَ الْمَحْبُوبَ. قَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} الْآيَةَ. وَقَالَ {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ}. وَ ” رَحْمَتُهُ ” اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ خَيْرٍ. ” وَعَذَابُهُ ” اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ شَرٍّ. وَدَارُ الرَّحْمَةِ الْخَالِصَةِ هِيَ الْجَنَّةُ وَدَارُ الْعَذَابِ الْخَالِصِ هِيَ النَّارُ وَأَمَّا الدُّنْيَا فَدَارُ امْتِزَاجٍ فَالرَّجَاءُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَالْجَنَّةُ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ نَعِيمٍ وَأَعْلَاهُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ اللَّهِ.
الخوف:
قال ابن القيم: فالخوف عبودية القلب فلا تصلح إلا لله [وحده] كالذل والمحبة والإنابة والتوكل والرجاء وغيرها من عبودية القلب، [فكيف] يجعل المهابة المشتركة أفضل منه وأعلى؟ وتأمل قوله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَآئِزُونَ} * [النور: 52]، كيف جعل الطاعة لله ولرسوله، والخشية والتقوى له وحده، وقال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} * [الفتح: 9]، كيف جعل التوقير والتعزيز للرسول وحده، والتوقير هو التعظيم الصادر عن الهيبة والإجلال.
هذه حقيقته، فعلم أن الخوف من أجلّ مقامات الخواصّ وأنهم إليه أحوج وبه أقوم من غيرهم. {طريق الهجرتين، ص 527}
قال ابن القيم في طريق الهجرتين {410}: والمقصود: أن الخوف من لوازم الإيمان وموجباته فلا يختلف عنه. وقال تعالى: {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} * [المائدة: 44]
وقد أثنى سبحانه على أقرب عباده إليه بالخوف منه، فقال عن أنبيائه بعد أن أثنى عليهم ومدحهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} * [الأنبياء: 90]، فالرغب: الرجاءُ والرغبة، والرهب: الخوف والخشية، وقال عن ملائكته الذين قد أمنهم من عذابه: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} * [النحل: 50]
وفى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنى أعلمكم بالله وأشدكم له خشية))، وفى لفظ آخر: ((إنى أخوفكم لله وأعلمكم بما أتقى))، وكان صلى الله عليه وسلم يصلى ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاءِ، وقد قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} * [فاطر: 28]، فكلما كان العبد بالله أعلم كان له أخوف.
قال ابن مسعود: وكفى بخشية الله علماً.
ونقصان الخوف من الله إنما هو لنقصان معرفة العبد به، فأَعرف الناس أخشاهم لله، ومن عرف الله اشتد حياؤه منه وخوفه له وحبه له، وكلما ازداد معرفة ازداد حياءً وخوفاً وحباً، فالخوف من أَجلّ منازل الطريق، وخوف الخاصة أَعظم من خوف العامة، وهم إليه أحوج، وهو بهم أَليق، ولهم ألزم. فإن العبد إما أن يكون مستقيماً أو مائلاً عن الإستقامة فإن كان مائلاً عن الاستقامة فخوفه من العقوبة على ميله، ولا يصح الإيمان إلا بهذا الخوف.
و الخوف وهو ينشأ من ثلاثة أُمور:
أحدها: معرفته بالجناية وقبحها.
والثانى: تصديق الوعيد وأن الله رتب على المعصية عقوبتها.
والثالث: أنه لا يعلم لعله يمنع من التوبة ويحال بينه وبينها إذا ارتكب الذنب.
فبهذه الأمور الثلاثة يتم له الخوف، وبحسب قوتها وضعفها تكون قوة الخوف وضعفه.
الحامل على الذنب:
قال ابن القيم: فإن الحامل على الذنب إما أن يكون عدم علمه بقبحه، وإما عدم علمه بسوءِ عاقبته، وإما أن يجتمع له الأمران لكن يحمله عليه اتكاله على التوبة، وهو الغالب من ذنوب أهل الإيمان، فإذا علم قبح الذنب وعلم سوءَ مغبته وخاف أن لا يفتح له باب التوبة بل يمنعها ويحال بينه وبينها اشتد خوفه. هذا قبل الذنب، فإذا عمله كان خوفه أشد. نفس المصر السابق
أقسام الخوف:
والخوف ثلاثة أنواع:
النوع الأول: خوف طبيعي كخوف الإنسان من السبع والنار والغرق وهذا لا يلام عليه العبد قال الله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام: ((فأصبح في المدينة خائفاً يترقب)) {سورة القصص، الآية: 18} لكن إذا كان هذا الخوف سبباً لترك واجب أو فعل محرم كان حراماً؛ لأن ما كان سبباً لترك واجب أو فعل محرم فهو حرام ودليل قوله تعالى: ((فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين)) {سورة آل عمران، الآية: 175
والخوف من الله تعالى يكون محموداً، ويكون غير محموداً.
فالمحمود ما كانت غايته أن يحول بينك وبين معصية الله بحيث يحملك على فعل الواجبات وترك المحرمات، فإذا حصلت هذه الغاية سكن القلب واطمأن وغلب عليه الفرح بنعمة الله، والرجاء لثوابه.
وغير المحمود ما يحمل العبد على اليأس من روح الله والقنوط وحينئذ يتحسر العبد وينكمش وربما يتمادى في المعصية لقوة يأسه.
النوع الثاني: خوف العبادة؛ أن يخاف أحداً يتعبد بالخوف له فهذا لا يكون إلا لله تعالى. وصرفه لغير الله تعالى شرك أكبر.
النوع الثالث: خوف السر كأن يخاف صاحب القبر، أو ولياً بعيداً عنه لا يؤثر فيه لكنه يخافه مخافة سر فهذا أيضاً ذكره العلماء من الشرك {شرح ثلاثة الأصول للشيخ العثيمين}
الرجاء:
قال ابن القيم في مدارج السالكين {2/ 35}: الرجاء حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب وهو الله والدار الآخرة ويطيب لها السير وقيل: هو الاستبشار بجود وفضل الرب تبارك وتعالى والارتياح لمطالعة كرمه سبحانه وقيل: هو الثقه بجود الرب تعالى.
و قال أيضا: ولهذا أجمع العارفون على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل قال شاه الكرماني: علامة صحة الرجاء: حسن الطاعة.
والرجاء ثلاثة أنواع:
نوعان محمودان ونوع غرور مذموم
فالأولان: رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله فهو راج لثوابه ورجل أذنب ذنوبا ثم تاب منها فهو راج لمغفرة الله تعالى وعفوه وإحسانه وجوده وحلمه وكرمه
والثالث: رجل متماد في التفريط والخطايا يرجو رحمة الله بلا عمل فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب. {نفس المصدر السابق
قال ابن تيمية: ولهذا ينبغي للعبد أن لا يعلق رجاءه إلا بالله ولا يخاف من الله أن يظلمه فإن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون بل يخاف أن يجزيه بذنوبه وهذا معنى ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: لا يرجون عبد إلا ربه ولا يخافن إلا ذنبه
وفي الحديث المرفوع: إلى النبي صلى الله عليه و سلم: [أنه دخل على مريض فقال: كيف تجدك؟ فقال أرجو الله وأخاف ذنوبي فقال: ما اجتمعا في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف].
فالرجاء ينبغي أن يتعلق بالله ولا يتعلق بمخلوق ولا بقوة العبد ولا عمله فإن تعليق الرجاء بغير الله إشراك وإن كان الله قد جعل لها أسبابا فالسبب لا يستقل بنفسه بل لا بد له من معاون ولا بد أن يمنع المعارض المعوق له وهو لا يحصل ويبقى إلا بمشيئة الله تعالى. [الفتاوى الكبرى، ج5/ 213].
فائدة: قال ابن تيمية في المجموع {4/ 33}: وَكُلٌّ مِنْ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْآخَرِ.
المحبة:
تعريف المحبة وحدُّها:
قال ابن القيم -رحمه الله -: ” لا تُحَدُّ المحبةُ بحدٍّ أوضحَ منها؛ فالحدود لا تزيدها إلا خفاءً، وجفاءً، فحدُّها وُجُودُها، ولا توصف المحبة بوصفٍ أظهرَ من المحبة.
وإنما يتكلم الناس في أسبابها، وموجباتها، وعلاماتها، وشواهدها، وثمراتها، وأحكامها؛ فحدودهم، ورسومهم دارت على هذه الستة، وتنوعت بهم العبارات، وكثرت الإشارات بحسب إدراك الشخص، ومقامه، وحاله، ومِلْكِهِ للعبارة ” [مدارج السالكين 3/ 11].
اقسام المحبة:
الأول: محبة الله ولا تكفي وحدها في النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه فإن المشركين وعباد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله.
الثاني: محبة ما يحب الله وهذه هي التي تدخله في الإسلام وتخرجه من الكفر وأحب الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة وأشدهم فيها.
الثالث: الحب لله وفيه وهي من لوازم محبة ما يحب الله ولا يستقيم محبة ما يحب الله إلا بالحب فيه وله.
الرابع: المحبة مع الله وهى المحبة الشركية وكل من أحب شيئا مع الله لا لله ولا من أجله ولا فيه فقد اتخذه ندا من دون الله وهذه محبة المشركين.
وبقى قسم خامس ليس مما نحن فيه وهى المحبة الطبيعية
وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه كمحبة العطشان لماء والجائع للطعام ومحبة النوم والزوجة والولد فتلك لا تذم إلا إن ألهت عن ذكر الله وشغلته عن محبته
كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله)
وقال تعالى: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله)
الجواب الكافي 1/ 134.
الأسباب الجالبة لمحبة الله:
1. قراءة القرآن بالتدبر، والتفهم لمعانيه، وما أريد به.
2. التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض.
3. دوامُ ذكرِ الله على كل حال باللسان، والقلب، والعمل، والحال.
4. إيثارُ محابِّ الله على محابِّ النفس عند غلبات الهوى.
5. مطالعة القلب لأسماء الله وصفاته، ومشاهدتها، ومعرفتها.
6 مشاهدة برِّه، وإحسانه، وآلائه، ونعمه الظاهرة، والباطنة.
7 إنكسار القلب بكلِّيته بين يدي الله – تعالى -.
8 الخلوة بالله وقتَ النزولِ الإلهي؛ لمناجاته، وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب، والتأدب بآداب العبودية بين يديه، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.
9 مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايبُ الثمر، وألا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام، وعَلِمْتَ أن فيه مزيدًا لحالك، ومنفعة لغيرك.
10 مباعدةُ كلِّ سببٍ يحول بين القلب، وبين الله – عز وجل -.
انظر: [مدارج السالكين 3/ 18 – 19]
شروط قبول العبادة:
قال شيخ الإسلام: العبادة لها أصلان (شرطان للقبول): ــ
(أ) الإخلاص: وهو أن لا يعبد إلا الله تعالى. أي لا يبتغي في عبادته سوى مرضاة الله.
ب) الاتباع: وهو أن لا يعبد الله إلا بما شرع سبحانه من العبادات.
فما كان من البدع التي ليست في القرآن ولا في صحيح السنة فإنها وإن قالها من قالها وعمل بها من عمل ليست مشروعة فإن الله لا يحبها ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فلا تكون من الحسنات ولا من العمل الصالح) العبودية ص 41
اقسام العبادة
أولا: من حيث نوع العمل:
1 – عبادات بدنية: كالصوم والصلاة وقراءة القرآن والذكر
2 – عبادات مالية: كالزكاة, والوفاء بالنذر
3 – عبادات بدنية ومالية في نفس الوقت كالحج
” شرح العقيدة الطحاوية لابن ابي العز” (ج 1 / ص 511 – 516).
—
الدعاء:
الدعاء إلى الشيء: الحث على فعله، دعوت فلاناً سألته، وتطلق على رفعة القدر، قال تعالى: {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ}، [قال] الراغب: ويطلق على العبادة. وقال أبو القاسم القشيري: جاء الدعاء في القرآن على وجوه، منها: العبادة: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ}، ومنها: الاستغاثة: {قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ}
ومنها: السؤال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، ومنها: القول: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ}، والنداء: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ}، والثناء: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ}. أنظر: الإيضاح والتيسير للصنعاني (4/ 6).
معنى الدعاء في الاصطلاح:
يقول ابن أبي العز: إن الدعاء (اسم لجميع العبادة والاستعانة). ” شرح العقيدة الطحاوية ابن ابي العز” (539).
الادلة:
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (60) [غافر]
وقال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ»، ثمَّ قرأ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)) رواه الترمذي (3247)، وصححه الألباني في «صحيح الأدب المفرد» (1757).
وقال أيضًا – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «لَيْسَ شَيْء أَكْرَم عَلَى اللهِ تَعَالى مِنَ الدُّعَاءِ» رواه الترمذي (3370) وابن ماجه (3829)، وحسنه الألباني في «صحيح الترمذي».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” من لم يسأل الله يغضب عليه ” أخرجه الترمذي
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (11/ 95): وأما قوله بعد ذلك عن عبادتي فوجه الربط ان الدعاء أخص من العبادة فمن استكبر عن العبادة استكبر عن الدعاء وعلى هذا فالوعيد انما هو في حق من ترك الدعاء استكبارا ومن فعل ذلك كفر واما من تركه لمقصد من المقاصد فلا يتوجه إليه الوعيد المذكور وان كنا نرى ان ملازمة الدعاء والاستكثار منه أرجح من الترك لكثرة الأدلة الواردة في الحث عليه.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (11/ 95): إذ الدعاء هو إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له وما شرعت العبادات الا للخضوع للباري وإظهار الافتقار إليه ولهذا ختم الآية بقوله تعالى ان الذين يستكبرون عن عبادتي حيث عبر عن عدم التذلل والخضوع بالاستكبار ووضع عبادتي موضع دعائي وجعل جزاء ذلك الاستكبار الصغار والهوان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فعلم أن النوعين متلازمان فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة. وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة. وعلى هذا فقوله: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} يتناول نوعي الدعاء. ” المجموع” (15/ 11).
قال العلامة الجامي- رحمه الله-: والدعاء هو العبادة ولفظه هو العبادة، قد تكون أقوى لأنه تعريف جرئئ الإسناد وتعريف جرئي الإسناد عند أهل البلاغة يفيد الحصر والقصر أي الدعاء وحده هو العبادة، لأن الدعاء يدخل فيه دعاء طلب ودعاء مسألة كل العبادات الصلاة دعاء والزكاة دعاء والحج دعاء والصيام دعاء، هذا دعاء عبادة، وهنا دعاء طلب مثل اللهم أغفر لي وارحمني كل ذلك داخل في قوله دعاء. ” شرح ثلاثة الاصول وادلتها” (ص 29).
قال ابن عثيمين –رحمه الله-: فمن دعا غير الله عز وجل بشيء لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك كافر سواء كان المدعو حياً أو ميتاً. ومن دعا حياً بما يقدر عليه مثل أن يقول يا فلان أطعمني، يا فلان إسقني فلا شيء فيه، ومن دعا ميتاً أو غائباً بمثل هذا فإنه مشرك لأن الميت أو الغائب لا يمكن أن يقوم بمثل هذا فدعاؤه إياه يدل على أنه يعتقد أن له تصرفاً في الكون فيكون بذلك مشركاً. ” شرح ثلاثة الاصول” (56).
—–
التوكل:
[حد التوكل]
قال ابن القيم اعتمادُ القلب على الله فى حصولِ ما ينفع العبد فى دينه ودنياه، ودفْعِ ما يضرُّه فى دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب. ” زاد المعاد” (4/ 15).
التوكل: قطع الاستشراف إلى الخلق.
ولهذا لما سئل أحمد بن حنبل عن التوكل فقال: قطع الاستشراف إلى الخلق؛ أي لا يكون في قلبك أن أحدا يأتيك بشيء فقيل له: فما الحجة في ذلك؟ فقال: قول الخليل لما قال له جبرائيل هل لك من حاجة؟ فقال: ” أما إليك فلا “. فهذا وما يشبهه مما يبين أن العبد في طلب ما ينفعه ودفع ما يضره لا يوجه قلبه إلا إلى الله. ” الفتاوى الكبرى” (5/ 235).
الدليل: وقد قال تعالى في التوكل: {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 23].، {وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المائدة: 11]. وقال: {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: 38].، وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْا مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إلى اللّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: 59].
قال ابن القيم: فجعل التوكل شرطا في الإيمان فدل على انتفاء الإيمان عند انتفاء التوكل وفي الآية الأخرى (وقال موسى يا قوم إن كنتم ءامنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين) فجعل دليل صحة الإسلام التوكل. ” طريق الهجرتين” (386).
[الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل]
ومن هنا يعرف أن السبب المأمور به، أو المباح لا ينافي وجوب التوكل على الله في وجود السبب، بل الحاجة والفقر إلى الله ثابتة مع فعل السبب.
فمن ظن الإستغناء بالسبب عن التوكل فقد ترك ما أوجب الله عليه من التوكل، وأخل بواجب التوحيد، ولهذا يخذل أمثال هؤلاء إذا اعتمدوا على الأسباب، فمن رجا نصرا أو رزقا من غير الله خذله الله، كما قال علي رضي الله عنه: لا يرجون عبد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه. ” الفتاوى الكبرى” (ج1/ 107). بتصرف
و قال أيضا كما في مجموع الفتاوى (8/ 528): وأما من ظن أن التوكل يغني عن الأسباب المأمور بها فهو ضال.
قال ابن القيم: وأجمع القوم على أن التوكل لا ينافي القيام بالأسباب فلا يصح التوكل إلا مع القيام بها وإلا فهو بطالة وتوكل فاسد. ” مدارج السالكين” (2/ 116).
و قال ابن القيم: فإن التوكل من أقوى الأسباب في حصول المراد ودفع المكروه بل هو أقوى الأسباب على الإطلاق ” الفوائد” (86).
[كمال التوكل]
فإنَّ كمال التوكل ألا يكون للمؤمن حاجة إلى غير الله أي لا يسألُ غيرَ الله ولا يستشرفُ بقلبه إلى غير الله. ” الرد على الشاذلي” (ص 5).
[الإلتفات الى الإسباب شرك في التوحيد]
ولهذا قال طائفة من العلماء الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع وإنما التوكل المأمور به ما يجتمع فيه مقتضي التوحيد والعقل والشرع. ” أمراض القلب ” (ص 52).
و قال ايضا كما في مجموع الفتاوى (8/ 529 – 530): فعلى العبد أن يكون قلبه معتمدا على الله لا على سبب من الأسباب والله ييسر له من الأسباب ما يصلحه في الدنيا والآخرة فإن كانت الأسباب مقدورة له وهو مأمور بها فعلها مع التوكل على الله كما يؤدي الفرائض وكما يجاهد العدو ويحمل السلاح ويلبس جنة الحرب ولا يكتفي في دفع العدو على مجرد توكله بدون أن يفعل ما أمر به من الجهاد ومن ترك الأسباب المأمور بها فهو عاجز مفرط مذموم.
فإن التوكل على الله واجب من أعظم الواجبات. ” الإيمان” (17).
[التلازم بين التوكل والإيمان]
قال ابن القيم: وأن قوة التوكل وضعفه بحسب قوة الإيمان وضعفه وكلما قوي إيمان العبد كان توكله أقوى وإذا ضعف الإيمان ضعف التوكل وإذا كان التوكل ضعيفا فهو دليل على ضعف الإيمان. ” طريق الهجرتين” (386).
فإن المتوكل يتوكل على الله في صلاح قلبه ودينه وحفظ لسانه وإرادته وهذا أهم الأمور إليه ولهذا يناجي ربه في كل صلاة بقوله إياك نعبد وإياك نستعين كما في قوله هود فاعبده وتوكل عليه وقوله هود و الشورى عليه توكلت وإليه أنيب فهو قد جمع بين العبادة والتوكل في عدة مواضع لأن هذين يجمعان الدين كله. ” أمراض القلب ” (ص 43).
[فقد غلط من ظن ان التوكل لا يطلب به إلا حظوظ الدنيا]
فالذي ظن أن التوكل من المقامات العامة ظن أن التوكل لا يطلب به إلا حظوظ الدنيا وهو غلط بل التوكل في الأمور الدينية أعظم وأيضا التوكل في الأمور الدينية التي لا تتم الواجبات والمستحبات إلا بها. ” أمراض القلب ” (ص 44).
[قوة التوكل على الله مما تجعل الشياطين تصغر أمام اهل التوحيد]
قوة التوكل على الله تعالى واللجوء إليه رغبة ورهبة مما يجعل الشياطين تنفر وتصغر أمام أهل التوحيد، بخلاف الشرك والبدع وغيرها مما تجعل الجن تتعاظم في أنفسها وتزداد كفراً لمن يعاملها بالشرك والكفر. ” تحريم أقسام المعزِّمين بالعزائم المعجمة وصرع الصحيح وصفة الخواتيم” (ص 3).
[أقوى الناس من يتوكل عليه]
وَفِي الْأَثر من سره أَن يكون أقوى النَّاس فَليَتَوَكَّل على الله فَلَو كَانَ التَّوَكُّل لَا يجلب مَنْفَعَة وَلَا يدْفع مضرَّة لم يكن المتَوَكل أقوى من غَيره. ” جامع الرسائل لابن تيمية” (1/ 90).
قال ابن القيم: فالقوّةُ كلُّ القُوَّة فى التوكل على الله. ” زاد المعاد” (2/ 364).
[هل التداوي ينافي التوكل على الله]
قال ابن القيم: وفى الأحاديث الصحيحةِ الأمرُ بالتداوى، وأنه لا يُنَافى التوكل، كما لا يُنافيه دفْع داء الجوع، والعطش، والحرّ، والبرد بِأضدادها، بل لا تتم حقيقةُ التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التى نَصَبها الله مقتضياتٍ لمسبَّبَاتها قدراً وشرعاً، وأن تعطيلها يقَدَحُ فى نفس التوكل، كما يَقْدَحُ فى الأمر والحكمة، ويضعفه من حيث يظن مُعطِّلُها أنَّ تركها أقوى فى التوكل، فإن تركها عجزاً يُنافى التوكلَ الذى حقيقتُه اعتمادُ القلب على الله فى حصولِ ما ينفع العبد فى دينه ودنياه، ودفْعِ ما يضرُّه فى دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب؛ وإلا كان معطِّلاً للحكمة والشرع، فلا يجعل العبدُ عجزه توكلاً، ولا توكُّلَه عجزاً. ” زاد المعاد” (4/ 15).
[حكم: قول توكلت على ثم عليك]
هناك من أهل العلم من منع ذلك، لان التوكل هو عمل قلبي، فلا يجوز التوكل على غيره، ومنهم من أجاز ذلك من العلماء، والذي اميل اليه هو قول من منع لانه عمل قلبي ..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فالتوكل على الله وحده والرغبة إليه وحده والرهبة منه وحده، ليس لمخلوق لا للملائكة ولا الأنبياء [في هذا حق]، كما ليس لهم حق في العبادة. ولا يجوز أن نعبد إلا الله وحده، ولا نخشى ولا نتقي إلا الله وحده، كما قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياتهم زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون} [سورة الأنفال: (2)]. ” الرد على الإخنائي” (488).
ممن أجاز:
كلام اللجنة الدائمة: السؤال الأول من الفتوى رقم (3571 (:
س: إن لقبي عبد القوي فما حكمه في الإسلام, وهل يجوز القول توكلت على الله ثم عليك أو كذلك أرجو منك يا أخي؟
ج: يجوز أن يقول الشخص توكلت على الله ثم عليك, فإن التوكل على الله هو تفويض الأمر إليه والاعتماد عليه, فهو جل وعلا المتصرف في هذا الكون, والتوكل على العبد بعد التوكل على الله جل وعلا تفويض العبد فيما يقدر عليه, فالله له مشيئة والعبد له مشيئة, ومشيئة العبد تابعة لمشيئة الله تعالى, قال تعالى: لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين
وقال تعالى: إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصل ذلك, فروى النسائي وصححه عن قتيلة أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت, وتقولون: والكعبة, فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة, وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان, ولكن قولوا: ما شاء الله ثم ما شاء فلان أما التلقيب بعبد القوي وهكذا التسمي بهذا الاسم فلا بأس به, لأن القوي من أسماء الله عز وجل.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو، عضو، نائب رئيس اللجنة، الرئيس
عبد الله بن قعود، عبد الله بن غديان، عبد الرزاق عفيفي، عبد العزيز بن عبد الله بن باز
[وهو قول العلامة ابن عثيمين، وابن باز .. ]
وممن منع من العلماء:
سئل الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية السابق رحمه الله تعالى عن هذه العبارة فقال: لا تصح لأن التوكل عمل القلب، لا يَقبل أن يقال فيه (ثُمَّ)؛ توكلت على الله ثم عليك. إنما الذي يقال فيه (ثُمَّ) ما يسوغ أن يُنسب للبشر.
بعض أهل العلم في وقتنا قالوا: إن هذه العبارة لا بأس بها؛ توكلت على الله ثم عليك، ولا يُنظر فيها إلى أصل معناها وما يكون من التوكل في القلب، إنما ينظر فيها إلى أن العامة حينما تستعملها ما تريد التوكل الذي يعلمه العلماء، وإنما تريد ممثل معنى اعتمدت عليك، ومثل وكَّلْتُك ونحو ذلك، فسهلوا فيها باعتبار ما يجول في خاطر العامة من معناها وأنهم لا يعنون التوكل الذي هو لله؛ لا يصلح إلا لله، لكن مع ذلك فالأولى المنع لأن هذا الباب ينبغي أن يُسد، ولو فتح باب أنه يستسهل في الألفاظ لأجل مراد العامة، فإنه يأتي من يقول مثلا ألفاظ شركية ويقول أنا لا أقصد بها كذا، مثل الذين يظهر ويكثر على لسانهم الحلف بغير الله بالنبي أو ببعض الأولياء أو نحو ذلك يقولون لا نقصد حقيقة الحلف، ينبغي وصف ما يتعلق بالتوحيد، وربما ما يكون قد يخدشه أو يضعفه، ينبغي وَصْدُ الباب أمامه حتى تخلص القلوب والألسنة لله وحده لا شريك له. (من شرح ثلاثة الأصول (.
وسئل الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي – حفظه الله –: ما قولكم في رجل يقول لمخلوق: (توكلت على الله ثم عليك) و (أعتمد على الله ثم عليك)
فأجاب – حفظه الله -:
لا يجوز هذا؛ التوكل يكون على الله (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين (لا يكون التوكل إلاّ على الله سبحانه وتعالى ,وقول (اعتمدت على الله ثم عليك) الاعتماد هو التوكل ,يعني يضيق عليه الكلام وما يجد في اللغة العربية إلاّ هذا الكلام الفارغ!!!
هل كان الصحابة يقولون: توكلت على الله ثم عليك؟! هذا من دسّ الشيطان (من فتاوى الشيخ في موقعه)
—
—-
[الرغبة، و الرهبة، و الخشوع، و الخشية]
ودليل الرغبة والرهبة، والخشوع، قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}، [سورة الأنبياء آية: 90]، وَدَلِيلُ الْخَشْيَةِ قَوْلُهُ تَعَالى: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَونِي}.
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: {رَغَبًا} [الأنبياء: 90] أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ رَغْبَةً مِنْهُمْ فِيمَا يَرْجُونَ مِنْهُ مِنْ رَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ. {وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90] يَعْنِي: رَهْبَةً مِنْهُمْ مِنْ عَذَابِهِ وَعِقَابِهِ، بِتَرْكِهِمْ عِبَادَتَهُ , وَرُكُوبِهِمْ مَعْصِيَتَهُ. أنظر: تفسير الطبري
قال الثوري: رغبا فيما عندنا ورهبا مما عندنا وكانوا لنا خاشعين.
والخشوع في أصل اللغة: الانخفاض والذل والسكون قال تعالى: وخشعت الأصوات للرحمن طه: 108 أي سكنت وذلت وخضعت ومنه وصف الأرض بالخشوع وهو يبسها وانخفاضها وعدم ارتفاعها بالري والنبات قال تعالى: ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليهما الماء اهتزت وربت فصلت: 39.
و الخشوع قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل والجمعية عليه. مدارج السالكين (520 – 521).
و قال ابن تيمية: فخشوع القلب يتضمن عبوديته لله وطمأنينته. المجموع (7/ 28).
وقال أبو سنان: الخشوع هو الخوف اللازم للقلب لا يفارقه أبدا. تفسير ابن كثير
و قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
(1) الرَّغْبَةُ: مَحَبَّةُ الوصولِ إلى الشيءِ المحبوبِ.
(2) والرَّهْبَةُ: الخوفُ المُثْمِرُ لِلْهَرَبِ من المَخُوفِ، فهيَ خوفٌ مَقْرُونٌ بعملٍ.
(3) الخُشُوعُ: الذُّلُّ والتَّطَامُنُ لعظمةِ اللَّهِ، بحيثُ يَسْتَسْلِمُ لقضائِهِ الكَوْنِيِّ والشرعيِّ.
وفي هذهِ الآيَةِ الكريمةِ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الخُلَّصَ منْ عِبَادِهِ بأنَّهُم يَدْعُونَ اللَّهَ تَعَالَى رَغَبًا وَرَهَبًا معَ الخُشُوعِ لهُ.
والدعاءُ هنا شَامِلٌ لدعاءِ العبادةِ ودعاءِ المسألةِ، فهمْ يَدْعُونَ اللَّهَ رغبةً فيما عندَهُ، وَطَمَعًا في ثوابِهِ، معَ خَوْفِهِم منْ عقابِهِ وآثارِ ذُنُوبِهِم.
والمُؤْمِنُ يَنْبَغِي أنْ يَسْعَى إلى اللَّهِ تَعَالَى بينَ الخوفِ والرجاءِ، وَيُغَلِّبَ الرجاءَ في جانبِ الطاعةِ؛ لِيَنْشَطَ عليها وَيُؤَمِّلَ قَبُولَهَا، وَيُغَلِّبُ الخوفَ إذا هَمَّ بالمعصيَةِ؛ لِيَهْرُبَ منها ويَنْجُوَ منْ عقابِهَا.
وقالَ بعضُ العلماءِ: يُغَلِّبُ جانبَ الرجاءِ في حالِ المرضِ، وجانبَ الخوفِ في حالِ الصِّحَّةِ؛ لأنَّ المريضَ مُنْكَسِرٌ ضعيفُ النفسِ، وَعَسَى أنْ يَكُونَ قد اقْتَرَبَ أَجَلُهُ، فَيَمُوتَ وهُوَ يُحْسِنُ الظنَّ باللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وفي حالِ الصحَّةِ يكونُ نَشِيطًا مُؤَمِّلاً طولَ البقاءِ، فَيَحْمِلُهُ ذلكَ على الأَشَرِ والبَطَرِ، فَيُغَلِّبُ جانبَ الخوفِ لِيَسْلَمَ منْ ذلكَ.
وقِيلَ: يكونُ رجاؤُهُ وخوفُهُ وَاحِدًا سواءً؛ لِئَلاَّ يَحْمِلَهُ الرجاءُ على الأمْنِ منْ مَكْرِ اللَّهِ، والخوفُ على اليَاسِ منْ رحمةِ اللَّهِ. وَكِلاهُمَا قَبِيحٌ مُهْلِكٌ لصاحبِهِ. [ثلاثة الأصول للعلامة ابن عثيمين].
قال العلامة ابن باز: فالرغب: الرجاء. الرهب: الخوف. وكلاهما: عبادة. وعلى العبد أن يحسن ظنه بربه، ويعمل بالأسباب الشرعية. وإن الظن الحسن مع الأخذ بالأسباب يعود على العبد بالخير وبالرحمة وبدخول الجنة وبمغفرة الذنوب.
[شرح ثلاثة الأصول].
قال العلامة الفوزان: وفيها رد على الصوفية الذين يقولون: نحن لا نعبد الله رغبة في ثوابه ولا خوفًا من عقابه، وإنما نعبده محبة له فقط، هذا كلام باطل؛ لأن الأنبياء يدعون الله رغبًا ورهبًا وهم أكمل الخلق. [شرح ثلاثة الأصول].
(5) الْخَشْيَةُ هيَ: الخَوْفُ المَبْنِيُّ على العِلْمِ بعظمةِ مَنْ يَخْشَاهُ وكمالِ سلطانِهِ؛ لقولِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} أي: العُلَمَاءُ بِعَظَمَتِهِ وكمالِ سلطانِهِ، فهيَ أَخَصُّ من الخوفِ، وَيَتَّضِحُ الفرقُ بينَهُمَا بالمثالِ، فإذا خِفْتَ منْ شخصٍ لا تَدْرِي هلْ هوَ قادرٌ عليكَ أمْ لا، فهذا خَوْفٌ، وإذا خِفْتَ منْ شخصٍ تَعْلَمُ أنَّهُ قادرٌ عليكَ فهذهِ خَشْيَةٌ.
ويُقَالُ في أقسامِ أحكامِ الخَشْيَةِ ما يُقَالُ في أقسامِ أحكامِ الخوفِ. [ثلاثة الأصول للعلامة ابن عثيمين].
يقولُ الشيخُ عبدُ الرحمَنِ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (الخوفُ، والخشيَةُ، والخشوعُ، والإخباتُ، والوَجَلُ، مَعانيها مُتقارِبَةٌ، فالخوفُ يَمْنَعُ العبدَ عنْ مَحارِمِ اللهِ، وتُشارِكُهُ الْخَشيَةُ في ذلكَ، وتَزيدُ أنَّ خَوْفَهُ مَقرونٌ بمَعْرِفَةِ اللهِ.
قال ابن القيم في المدارج (136 – 137): ومقام الخشية جامع لمقام المعرفة بالله والمعرفة بحق عبوديته فمتى عرف الله وعرف حقه اشتدت خشيته له كما قال تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) فالعلماء به وبأمره هم أهل خشيته قال النبي صلى الله عليه وسلم … أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية.
—
الإنابة:
والإنابة الرجوع إلى الله بالإخلاص. تفسير القرطبي
معناها: الرجوع إلى الله، والتوبة إليه، والاستقامة على طاعته؛ فهذه عبادة لله، يجب على الناس أن ينيبوا إلى الله، ويرجعوا إليه، ويتوبوا إليه، ويستقيموا على طاعته. و ينظر] شرح ثلاثة الأصول للعلامة ابن باز رحمه الله (25)].
دليلها:
قال تعالى: {وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له}.
قال الطبري في تفسيره (20/ 231): وَأَقْبِلُوا أَيُّهَا النَّاسُ إِلَى رَبِّكُمْ بِالتَّوْبَةِ، وَارْجِعُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ لَهُ، وَاسْتَجِيبُوا لَهُ إِلَى مَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِهِ، وَإِفْرَادِ الْأُلُوهَةِ لَهُ، وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ.
الإستعانة
وَدَلِيلُ الاسْتِعَانَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [سورة الفاتحة الآية: 5] وفي الحديث ” إذا استعنت فاستعن بالله”
الإستعانة طلب العون وهي أنواع:
الأول: الإستعانة بالله وهي: الإستعانة المتضمنة لكمال الذل من العبد لربه، وتفويض الأمر إليه، واعتقاد كفايته وهذه لا تكون إلا لله تعالى ودليلها قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ووجه الاختصاص أن الله تعالى قدم المعمول {إِيَّاكَ} وقاعدة اللغة التي نزل بها القرآن أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر والاختصاص وعلى هذا يكون صرف هذا النوع لغير الله تعالى شركاً مخرجاً عن الملة.
الثاني: الإستعانة بالمخلوق على أمر يقدر عليه فهذه على حسب المستعان عليه فإن كانت على بر فهي جائزة للمستعين مشروعة للمعين لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [سورة المائدة، الآية: 2].
وإن كانت على إثم فهي حرام على المستعين والمعين لقوله تعالى {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سورة المائدة الآية: 2]
وإن كانت على مباح فهي جائزة للمستعين والمعين لكن المعين قد يثاب على ذلك ثواب الإحسان إلى الغير ومن ثم تكون في حقه مشروعة لقوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [سورة البقرة، الآية: 195]
الثالث: الاستعانة بمخلوق حي حاضر غير قادر فهذه لغو لا طائل تحتها مثل أن يستعين بشخص ضعيف على حمل شيء ثقيل.
الرابع: الإستعانة بالأموات مطلقاً أو بالأحياء على أمر الغائب لا يقدرون على مباشرته فهذا شرك لأنه لا يقع إلا من شخص يعتقد أن لهؤلاء تصرفاً خفيا في الكون.
الخامس: الإستعانة بالأعمال والأحوال المحبوبة إلى الله تعالى وهذه مشروعة بأمر الله تعالى في قوله: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [سورة البقرة، الآية: 153]. شرح ثلاثة الأصول لابن عثيمين رحمه الله
قال ابن تيمية رحمه الله ” الإستعانة بالله والتوكل عليه واللجأ إليه والدعاء له هي التى تقوى العبد وتيسر عليه الأمور. ” التحفة العراقية” (ص 25).
و قال أيضا: وَهَذَا يَقْتَضِي أَن العَبْد مُحْتَاج فِي كل وَقت إِلَى الِاسْتِعَانَة بِاللَّه على طَاعَته وتثبيت قلبه وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. ” جامع الرسائل ابن تيمية” (2/ 253).
قال ابن القيم رحمه الله: الاستعانة بالله والتوكل عليه واللجأ إليه واستنزال التوفيق والعون منه والعلم بأن العبد لا يمكنه أن يشاء ولا يفعل حتى يجعله الله كذلك. ” التبيان في أقسام القران” (132).
الإستعاذة:
الاستعاذة: طلب الالتجاء إلى من يمنعك من محذور تخافه من أجل أن يدفع عنك هذا الشيء، هذه هي الاستعاذة.
دليلها:
وَدَلِيلُ الاسْتِعَاذَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1].
والاستعاذة نوع من أنواع العبادة، لا يجوز أن تستعيذ بغير الله عز وجل، فمن استعاذ بقبر أو بوثن أو بأي شيء غير الله عز وجل فإنه يكون مشركًا الشرك الأكبر، وقال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6].
كان العرب في جاهليتهم إذا نزلوا في مكان من الأرض يقول أحدهم: أعوذ بسيد هذا الوادي، أي: كبير الجن، يستعيذ به من شر سفهاء قومه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم مبطلًا لذلك ومبينًا لما يشرع بدله: «من نزل منزلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك». ينظر شرح ثلاثة الأصول للعلامة الفوزان، و انظر اقسام الإستعاذة للعلامة ابن عثيمين في ثلاثة الاصول و هي نفس اقسام الإستعانة.
الإستغاثة:
الاستعاذة كما ذكرت لك هي طلب العوذ, وأعوذ: معناها ألتجئُ وأعتصمُ وأتحرز, تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, معناها ألتجئ وأعتصم وأتحرز بالله من شر الشيطان الرجيم, فإذن الاستعاذة طلب العوذ طلب المعتصَم, طلب الحِرز, طلب ما يعصم, طلب ما يحمي, هذه الاستعاذة. وإذن هي من حيث كونها طلب، هذه ظاهرة, ومن حيث كونها فيها الاعتصام والالتجاء والتّحرُّز صارت عبادة قلبية, ولهذا قال كثير من أهل العلم: إن الاستعاذة عبادة قلبية. ” شرح ثلاثة الأصول للشيخ صالح ال الشيخ”
ودليل الإستغاثة قوله تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فأستجاب لكم} (1) {سورة الأنفال، الآية: 9}.
و الإستغاثة طلب الغوث وهو الإنقاذ من الشدة والهلاك، وهو أقسام:
الأول: الإستغاثة بالله عز وجل وهذا من أفضل الأعمال وأكملها وهو دأب الرسل وأتباعهم، ودليله ما ذكره الشيخ رحمه الله {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} وكان ذلك في غزوة بدر حين نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشركين في ألف رجل وأصحابه ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً فدخل العريش يناشد ربه عز وجل رافعاً يديه مستقبل القبلة يقول: ” اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة الإسلام لا تعبد في الأرض” (1) وما زال يستغيث بربه رافعاً يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأخذ أبو بكر رضي الله عنه رداءه فألقاه على منكبيه ثم ألتزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك وعدك فأنزل الله هذه الآية.
الثاني: الإستغاثة بالأموات أو بالأحياء غير الحاضرين القادرين على الإغاثة فهذا شرك؛ لأنه لا يفعله إلا من يعتقد أن لهؤلاء تصرفاً خفياً في الكون فيجعل لهم حظاً من الربوبية قال الله تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أله مع الله قليلاً ما تذكرون} {سورة النمل، الآية: 62}.
الثالث: الاستغاثة بالأحياء العالمين القادرين على الإغاثة فهذا جائز كالاستعانة بهم قال الله تعالى في قصة موسى: {فاستغاثة الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه} {سورة القصص، الآية: 15}.
الرابع: الاستغاثة بحي غير قادر من غير أن يعتقد أن له قوة خفية مثل أن يستغيث الغريق برجل مشلول فهذا لغو وسخرية بمن استغاث به فيمنع منه لهذه العله، ولعلة أخرى وهي الغريق ربما أغتر بذلك غيره فتوهم أن لهذا المشلول قوة خفية ينقذ بها من الشدة. شرح ثلاثة الأصول لابن عثيمين.
المقصود أن العلماء اشترطوا لجواز الاستغاثة بغير الله جل وعلا: أن يكون المستغاث به حيا حاضرا قادرا يسمع. شرح ثلاثة الأصول للشيخ صالح ال الشيخ.
الذبح:
ودليل الذبح قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162].
وَمِنَ السُنَّةِ: «لعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لغير الله» [25].
الذبح على أربعة أقسام:
الأول: الذبح على وجه التقرب والتعظيم لأحد ما، وهذا لا يجوز إلا لله سبحانه وتعالى؛ لأنه من العبادات المالية، فلا يجوز الذبح للجن ولا للشياطين ولا للملوك والرؤساء تعظيمًا لهم؛ لأن هذه عبادة لا تجوز إلا لله عز وجل.
فالذين يذبحون للجن من أجل السلامة من شرهم، أو من أجل شفاء المرضى، كما يفعله الكهان والمنجمون الذين يدعون العلاج ويقولون للناس: اذبحوا كذا لأجل شفاء مريضكم، ولا تذكروا اسم الله عليه، هذا شرك أكبر مخرج من الملة، وهذا الذي قال الله تعالى محذرًا من فعله لغير الله: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] وقال: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] أي: واذبح لربك.
الثاني: الذبح من أجل أكل اللحم، هذا لا بأس به؛ لأنه ما ذبح من أجل التقرب والتعظيم لأحد، وإنما ذبح لحاجة، والأكل منه، فهذا لا بأس به؛ لأنه ليس نوعًا من العبادة ويذبح لبيع اللحم.
الثالث: الذبح على وجه الفرح والسرور، بمناسبة زواج أو مناسبة نزول مسكن جديد، أو قدوم غائب، أو ما أشبه ذلك بجمع الأقارب، ويذبح من باب إظهار الفرح والسرور بما حصل له، هذا لا بأس به؛ لأنه ليس فيه تعظيم لأحد ولا تقرب لأحد، وإنما هو من باب الفرح والسرور في شيء حصل.
الرابع: الذبح من أجل التصدق باللحم على الفقراء والمساكين والمعوزين هذا يعتبر سنة وهو داخل في العبادة.
ومن اعتقد أن الذبح عند القبر أفضل أو الصلاة أو الصدقة فهو ضال مخالف لإجماع المسلمين. ” المستدرك على مجموع الفتاوى” (2/ 201).
والذبح. الذبح نوعان: ذبح عادة وذبح عبادة، ذبح العادة كذبحك شاةً لتأكل لحماً أو تكرم ضيفك ليس هذا هو المراد، إنما الذبح الذي تذبحه تقرباً كالأضحية والهدايا والعقيقية، لو صرفت شيئاً من ذلك كما يفعله جهال الحجاج فيما بلغنا من جهال الحجاج عندما يرجع من الحج بالسلامة بدل أن يشكر الله ويطعم عباد الله يأخذ الكبش فيهرول إلى قبر الشيخ ويذبحه هناك، وكأن الشيخ في هذه الرحلة هو الذي حفظه وهو الذي رده بالسلامة إلى بلده ما قيمة هذا الحج؟!! لا قيمة له لأنه لم يؤمن بعد. ” شرح ثلاثة الأصول للعلامة الجامي”
النذر:
النذر: هو إيجاب المرء على نفسه شيئا لم يجب عليه، وتارة يكون النذر مطلقا، وتارة يكون بالمقابلة مُقيّد، والنذر المطلق غير مكروه، والنذر المقيد مكروه.
دليلها:
ودليل النذر قوله تعالى: {يُوْفُوْنَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}. وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ” مَنْ نَذَرَ أنْ يطيعَ اللهَ فلْيُطِعْهُ، ومن نذَرَ أنْ يعصِهِ فلا يعْصِه”.
[إشكال و جوابه]
لهذا استشكل جمع من أهل العلم؛ استشكلوا كون النذر عبادة مع أن النذر مكروه، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول في النذر «إنه لا يأتي بخير وإنما يُستخرج به من البخيل» يقولون: إذا كان مكروها كيف يكون عبادة؟ ومعلوم أن العبادة يحبها الله جل وعلا، والنذر يكون مكروها كما دل عليه هذا الحديث، فكيف إذا كان مكروها يكون عبادة؟ وهذا الاستشكال منهم غير وارد أصلا؛ لأن النذر ينقسم إلى قسمين: نذر مطلق، ونذر مقيد.
النذر المطلق: لا يكون عن مقابلة، وهذا غير مكروه، أن يوجب على نفسه عبادة لله جل وعلا بدون مقابلة، فيقول لله عليَّ نذر، مثلا يقول قائل: لله عليَّ نذر أن أصلّي الليلة عشرة ركعات طويلات. بدون مقابلة، هذا إيجاب المرء على نفسه عبادة لم تجب عليه دون أن يقابلها شيء، هذا النوع مطلق، وهذا محمود.
النوع الثاني المكروه: وهو ما كان عن مقابلة، وهو أن يقول قائل مثلا: إن شفى الله جل وعلا مريضي صُمْتُ يوما، إن نجحت في الاختبار صليت ركعتين، إن تزوجت هذه المرأة تصدقت بخمسين ريالا -مثلا- أو بمائة ريالا. هذا مشروط يوجب عبادة على نفسه، مشروطة بشيء يحصل له قدرا، من الذي يحصل الشيء ويجعله كائنا؟ هو الله جل وعلا. فكأنه قال إن أعطيتني هذه الزوجة، وإن يسرت لي الزواج بها، صليت لك ركعتين أو تصدقت بكذا. إن أنجحتني في الاختبار صمت يوما ونحو ذلك، وهذا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام «إنما يُستخرج به من البخيل» لأن المؤمن المقبل على ربه ما يعبد الله جل وعلا بالمقايضة، يعبد الله جل وعلا ويتقرب إليه لأن الله يستحق ذلك منه، فهذا النوع مكروه. النوع الأول محمود، وهذا النوع مكروه.
والوفاء بالنذر في كلا الأمرين واجب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» فتحصل عندنا أن النذر في أربعة أشياء: نذر محمود -نحن ما نقول نذر مشروع فيفهم أحد أنه واجب أو مستحب, لا, نقول محمود، غير مكروه في الشرع، محمود وهو المطلق الذي ما فيه مقايضة ولا مقابلة-. النوع الثاني مكروه وهو الذي يكون عن مقابلة, الوفاء بالأول بنذر التبرّر والطاعة واجب, الوفاء بالثاني حتى ولو كان مكروها واجب، وهو الذي أثنى الله جل وعلا على أهله في الحالين بقوله (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) لأنه أوجب على نفسه، فلما كان واجبا صار الوفاء به واجبا، فامتثل للوجوب الذي أوجبه على نفسه لأنه يخشى عقابه، فتحصّل من هذه الأربع منها اثنتان واجبتان وهما الوفاء، وواحد محمود، وواحد مكروه، ولهذا صار غالب الحال-إذ كان عبادة- صار غالب الحال هو الحال التي أنه محمود فيها أو واجب.
وبهذا صار النذر عبادة من العبادات التي يرضاها الله جل وعلا ويحبها، إلا في حال واحدة وهي حال نذر المقابلة. شرح ثلاثة الأصول للشيخ صالح ال الشيخ
قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (360): فقد أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن النذر لا يأتي بخير وأنه ليس من الأسباب الجالبة لخير أو الدافعة لشر أصلا وإنما يوافق القدر موافقة كما توافقه سائر الأسباب فيخرج من البخيل حينئذ مالم يكن يخرجه قبل ذلك ومع هذا فأنت ترى الذين يحكون أنهم وقعوا في شدائد فنذروا نذرا لكشف شدائدهم أكثر أو قريبا من الذين يزعمون أنهم دعوا عند القبور أو غيرها فقضيت حوائجهم بل من كثرة اغترار الضالين المضلين بذلك صارت النذور المحرمة في الشرع مآكل لكثير من السدنة والمجاورين العاكفين على القبور أو غيرها يأخذون من الأموال شيئا كثيرا وأولئك الناذرون يقول أحدهم مرضت فنذرت ويقول الآخر خرج علي المحاربون فنذرت ويقول الآخر ركبت البحر فنذرت ويقول الآخر حبست فنذرت ويقول الآخر أصابتني فاقة فنذرت
وقد قام بنفوسهم أن هذه النذور هي السبب في حصول مطلوبهم ودفع مرهوبهم وقد أخبر الصادق المصدوق أن نذر طاعة الله فضلا عن معصيته ليس سببا لحصول الخير وإنما الخير الذي يحصل للناذر يوافقه موافقة كما يوافق سائر الأسباب فما هذه الأدعية غير المشروعة في حصول المطلوب بأكثر من هذه النذور في حصول المطلوب بل تجد كثيرا من الناس يقول إن المكان الفلاني أو المشهد الفلاني أو القبر الفلاني يقبل النذر بمعنى أنهم نذروا له نذرا إن قضيت حاجتهم وقضيت كما يقول القائلون الدعاء عند المشهد الفلاني أو القبر الفلاني مستجاب بمعنى أنهم دعوا هناك مرة فرأوا اثر الإجابة بل إذا كان المبطلون يضيفون قضاء حوائجهم إلى خصوص نذر المعصية مع أن جنس النذر لا أثر له في ذلك لم يبعد منهم إذا أضافوا حصول غرضهم إلى خصوص الدعاء بمكان لا خصوص له في الشرع لأن لأن جنس الدعاء هذا مؤثر فالإضافة إليه ممكنة بخلاف جنس النذر فإنه لا يؤثر.