1592 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
وهشام السوري وعبدالله المشجري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——–‘——–‘——–
الصحيح المسند 1592
أخرج أبوداود 13/ 144 عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول. ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا.
———
وقال المناوي: ” (كان إذا بلغه) من البلاغ (عن الرجل) ذِكر الرجل وصف طردي والمراد الإنسان، (الشيء) الذي يكرهه (لم يقل: ما بال فلان يقول) كذا (ولكن) استدراك أفاد أن من شأنه أن لا يشافه أحداً معيناً حياء منه، بل (يقول) منكراً عليه ذلك: (ما بال أقوام) أي ما شأنهم وما حالهم، (يقولون كذا وكذا) إشارة إلى ما أنكر، وكان يكني عما اضطره الكلام فيما يكره استقباحاً للتصريح”.
——-
ترجم البخاري رحمه الله في كتاب الأدب من صحيحه،
باب من لم يواجه الناس بالعتاب
وأورد تحته حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
# حديث عائشة رضي الله عنها قالت: صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فرخص فيه، فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فخطب فحمد الله ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فوالله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية.
# حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (باختصار):
قال ابن بطال كان النبي صلى الله عليه وسلم رفيقا بأمته فلذلك خفف عنهم العتاب لأنهم فعلوا ما يجوز لهم من الأخذ بالشدة ولو كان ذلك حراما لأمرهم بالرجوع إلى فعله.
قلت أما المعاتبة فقد حصلت منه لهم بلا ريب وإنما لم يميز الذي صدر منه ذلك سترا عليه فحصل منه الرفق من هذه الحيثية لا بترك العتاب أصلا.
وأما استدلاله بكون ما فعلوه غير حرام فواضح من جهة أنه لم يلزمهم بفعل ما فعله هو وفي الحديث الحث على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وذم التعمق والتنزه عن المباح وحسن العشرة عند الموعظة والإنكار والتلطف في ذلك.
________
ولا يحتج بعدم ذكر أسماء الأشخاص في هذه الحوادث على عدم مشروعية التحذير من أناس بأسمائهم أو عدم مشروعية الردود العلمية، ولكن هناك ضوابط للدعوة والإنكار والتعليم.
وأذكر فيما يلي مقتطفات من كتاب “البصيرة في الدعوة إلى الله” للشيخ عزيز فرحان العنزي -حفظه الله-:
[من أقسام الدعوة]
لأن الناس لا بد لهم من الدعوة إلى الله تعالى؛ وذلك لإخراجهم من الظلمات إلى النور.
– من ظلمات الشرك والكفر إلى نور الإسلام.
– ومن ظلمات البدع إلى نور السنة.
– ومن ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة والهداية.
– ومن ظلمات الجهل إلى نور العلم، كل بحسبه.
[محاور الكتاب]
جعلت الحديث عن هذا الموضوع يدور في محورين اثنين:
الأول: البصيرة فيما يدعو إليه.
الثاني: البصيرة في حال المدعوين وكيفية دعوتهم.
[معنى البصيرة في الدعوة]
أن يكون الداعية إلى الله عالما بما يدعو إليه،
– وعالما بحال المدعوين وإيصال ما يصلح لهم وينفعهم،
– وعالما أيضا بطريقة الدعوة إلى الله تعالى، مؤطرا كل ذلك بالنصوص الشرعية وما عليه سلف الأمة رضوان الله عليهم، مع الأخذ بالأساليب والوسائل الشرعية المتاحة، وترك الوسائل المنهي عنها.
[منهج الدعوة إلى الله توقيفي]
ولتعلم – أرشدني الله وإياك للحق والصواب – أن منهج الدعوة إلى الله تعالى أمر توقيفي؛ لأن الدعوة إلى الله عبادة من العبادات، وقربة من القرب.
فالدعوة إلى الله تعالى ليست أرضا مباحة لكل أحد، يجتهد فيها وفق ذوقه ورأيه بل لا بد فيها من التسليم والاتباع التام للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
فصل
في الإكثار من الحديث عن العقيدة
فإذا وفق الله الداعية، ونال نصيبا وافرا من هذا العلم العظيم، فعليه أن يكثر من الحديث عن أمور العقيدة، والتوحيد، والنهي عن الشرك ووسائله، والكفر وذرائعه، ……..
وعليه، إن وُفِّق للتصنيف أيضا أن يشتغل بالكتابة، والرد على المناوئين لهذه العقيدة، والمخالفين لها من أهل الأهواء والبدع من سائر الطوائف، وتفنيد شبههم، والرد على افتراءاتهم في النصوص الشرعية، وتلبيساتهم الكلامية والعقلية، وذلك باستخدام الوسائل الممكنة والمتاحة لإيصال الحق وتبليغه ودفع الباطل وتبكيته.
وقد يكون من الواجب على الداعية مطالعة الردود السلفية التي كتبها علماء السنة على أهل البدع في القديم والحديث، للدُربة أولا، وللوقوف على ما لا يمكن أن يجده الداعية في كثير من الكتب من الأدلة السمعية والعقلية.
[الرفق في الدعوة]
ونحتاج – أيها الموفق – ونحن في غمرة الحث على التزام السنَّة، وحشد النصوص الكثيرة الآمرة باتباعها، وضرورة إشاعتها، ودعوة الناس إليها، إلى أن نتنبه وإياك إلى أن الدعوة إلى تطبيق السنة ينبغي أن تكون بالرفق واللين لا بالعنف والغلظة والمخاصمة، كلا!
فالواجب في حق الداعية إلى الله تعالى على بصيرة أن يُعرف الناس بالسنة، وأن ينشرها بقوله وعمله، وذلك من غير خصومة ولا عنف، وإنما بالتحبيب واللين خاصة إذا علمنا أن الناس قد ألفوا كثيرا من الأمور المخالفة للسنة، وهم على ذلك منذ عهد بعيد، يَشِبُّ عليها الصغير، ويهرم عليها الكبير، فكان من البصيرة أن تكون الدعوة إلى السنة باللين واللطف، وقد قرر هذا غير واحد من أهل السنة.
فقد سأل رجلٌ الإمام أحمد رحمه الله فقال: أكون في المجلس فتذكر فيه السنة لا يعرفها غيري أفأتكلم بها؟ فقال: أخبر بالسنة، ولا تخاصم عليها، فعاد عليه القول فقال: ما أراك إلا رجلا مخاصما.
فصل
البصيرة في حال المدعوين وكيفية دعوتهم
من البصيرة في الدعوة إلى الله تعالى: أن يكون الداعية على علم بحال المدعوين، فلا يمكن أن يكون خطاب الداعية إلى الله تعالى واحدا لجميع المدعوين، فالناس فيهم الكبير والصغير، والحاكم والمحكوم، والذكر والأنثى، والكافر والمسلم، والعاصي والمؤمن، والأعجمي والعربي، والمثقف والعامي، وهؤلاء يتفاوتون بلا شك من جهات شتى، فيحتاج كل واحد منهم إلى خطاب يخصه به، وقد يجمع الموفق في الخطاب الواحد ما يناسب الجميع.
وأيضا من البصيرة في حال المدعوين:
– دراسة البيئة المحيطة بهم،
– ومحاولة ترتيب الأولويات التي ينبغي البدء بها،
– ومعرفة عادات الناس، وهذه الاهتمامات لا يوفق إليها إلا النابه من الدعاة، الذي يتلمس النجاح لدعوته عن طريق استيعاب هذه الأشياء.
…. ولنعد إلى الآية الكريمة التي أمرت بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، فهي تشير في الحقيقة إلى أصناف المدعوين الذين يواجههم الداعية في ميدان دعوته، وهم ثلاثة أصناف:
– صنف يدعى بالحكمة.
– صنف يدعى بالموعظة الحسنة.
– وصنف يجادل بالتي هي أحسن.
الحكمة لها أركان ثلاثة لا بد من توافرها، فهي عمادها وأسها، وهذه الأركان هي:
– العلم،
– والحلم،
– والأناة.
استعمال السر والعلانية في الموعظة:
فإذا كانت الموعظة تتعلق بمجموع الأمة أو جماعتها فالأصلح فيها التعميم، ولكن من دون ذكر أسماء أو تجريح، أو ذكر كلام يفهم من أن المراد به فلان من الناس أو الجنس الفلاني، فلقد كان النبي ? إذا كره أمرا أحدثه بعض أصحابه يقول: {ما بال أقوام قالوا كذا وكذا}.
…. وقد جرت عادة علمائنا ومشايخنا على ذكر النصائح العامة، وقد يستعمل في تبليغها وسائل الإعلام الحديثة، وفي الجزء التاسع من ” الدرر السنية في الأجوبة النجدية ” شيء عظيم من هذا.
وأما الموعظة الفردية فيجب أن تكون خاصة، تراعى فيها السرية التامة لا سيما مع ولاة الأمور؛ حتى يتحقق الهدف منها، فعن عياض بن غنم الفهري ? قال: قال رسول الله ? {من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذه بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذلك، وإلا كان قد أدى الذي عليه}.
وكانوا يعدون النصيحة بين الناس نوعا من الفضيحة.
=== === ===
مقتطفات حول سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في النصح (بحث منقول):
الأصل في النصيحة في المنهج النبوي: السر، والرفق، والستر، وفي ذلك إعانة للمخطيء على تصحيح خطئه دون معرفة الآخرين، وتجنيبه الحرج أو العناد والإصرار على الخطأ، وذلك لأن من طبيعة الإنسان كراهيته أن يُعاب وأن يُخَطّأ أمام الآخرين، قال ابن رجب: “وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد، وعظوه سراً”،
وقال الشافعي: تَعَمَّدني بِنُصْحِكَ في انْفِرَادِي … وجنِّني النصيحةَ في الجماعهْ … فَإِنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوْعٌ … من التوبيخِ لا أرضى استماعه
ومن الأساليب النبوية التربوية في النصيحة: التوجيه والنصح بطريق التعميم ـ دون ذكر اسم صاحب الخطأ ـ فكثيراً ما كان يقول صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام؟)
قال النووي: “الأوْلى ترك التشهير والإعلان بالإنكار على المعين أمام الناس إن كان الأمر لا يتطلب ذلك، وينبغي أن يسر بالنصيحة إليه ليتحقق القبول”.
– وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم مليئة بالكثير من هذه المواقف التي ترشد إلى هديه في نصحه بقوله: (ما بال أقوام)، ومن ذلك: ـ عن أنس رضي الله عنه: (أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر، فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش .. فحمد الله وأثنى عليه فقال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) رواه مسلم.
قال النووي: “قوله (فحمد الله تعالى وأثنى عليه فقال ما بال أقوام قالوا كذا وكذا) هو موافق للمعروف من خطبه صلى الله عليه وسلم في مثل هذا، أنه إذا كره شيئاً فخطب له ذكر كراهيته ولا يعين فاعله، وهذا من عظيم خُلُقِه صلى الله عليه وسلم، فإن المقصود من ذلك الشخص وجميع الحاضرين وغيرهم ممن يبلغه ذلك، ولا يحصل توبيخ صاحبه في الملأ”.
ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فرخص فيه، فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب، فحمد الله ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية) رواه البخاري.
قال النووي: “وفيه الغضب عند انتهاك حرمات الشرع وإن كان المنتهك متأولاً تأويلاً باطلاً، وفيه حسن المعاشرة بإرسال التعزير والإنكار في الجمع، ولا يعين فاعله، فيقال: ما بال أقوام ونحوه”.
ـ وروى البخاري عن أبي حميد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما بال العامل نبعثه فيقول: هذا لك، وهذا لي؟ فهلا جلس في بيت أبيه وأمه، فينظرَ أيُهْدَى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه، ألا هل بلغت؟ ـ ثلاثا ـ).
فليست العبرة والفائدة في معرفة شخصية المخطيء، إنما بمعرفة الخطأ، والتنبه له، والحذر من الوقوع فيه.
ـ وعن عائشة رضي الله عنها ـ في عتقها لبريرة رضي الله عنها واشتراط قومها الولاء لهم ـ قالت: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: أما بعدُ، فما بال أقوامٍ يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرطٍ ليس في كتاب الله عزَّ وجلَّ فهو باطل، وإن كان مائة شرط) رواه مسلم.
قال صاحب كتاب “منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول صلى الله عليه: “ولا يتعرّض في وعظه لأحد معيّن، بل يتكلّم خطاباً عامّاً، لحصول الفائدة فيه لكل سامع، مع ما فيه من حصول المواراة والستر عن الفاعل وتأليف القلوب”.
فالمخطئ له حق على إخوانه وأصحابه ومجتمعه، يتمثل في نصحه بأفضل الطرق وأقومها، على حسب حاله وخطئه. وأسلوبه صلى الله عليه وسلم قال ومنهجه في النصح ـ بما فيه من حلم ورفق، وحكمة وستر ـ، يؤثر في المخطيء تأثيراً يجعله يُقْلِع عن خطئه، ويستجيب لأمر الله عز وجل، ويتبع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هل يستر المجاهر بالمعصية:
– عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلُّ أمَّتي معافى إلا المجَاهرين، وإنَّ من المجَاهرة: أن يعمل الرَّجل باللَّيل عملًا، ثمَّ يصبح وقد سَتَره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا. وقد بات يَسْتُره ربُّه، ويصبح يكشف سِتْر الله عنه)). رواه البخاري
قال ابن الجوزي: (المجَاهرون: الذين يجاهرون بالفواحش، ويتحدَّثون بما قد فعلوه منها سرًّا، والنَّاس في عافية من جهة الهمِّ مستورون، وهؤلاء مُفْتَضحون).
قال العيني: (أنَّ ستْر الله مستلزم لستْر المؤمن على نفسه، فمن قصد إظهار المعصية والمجَاهرة، فقد أغضب الله تعالى فلم يَسْتُره، ومن قصد التَّسَتُّر بها حياءً من ربِّه ومن النَّاس، مَنَّ الله عليه بِسِتره إيَّاه).
– وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ….. ومن سَتَر على مسلم، سَتَره الله في الدُّنيا والآخرة، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه)).
قال المباركفوري: (من سَتَر مسلمًا، أي: بَدَنه أو عيبه بعدم الغيبة له، والذَّبِّ عن معائبه، وهذا بالنِّسبة إلى من ليس معروفًا بالفساد، وإلَّا فيُستحب أن تُرْفع قصَّته إلى الوالي، فإذا رآه في معصية، فينكرها بحسب القدرة، وإن عَجز، يرفعها إلى الحاكم إذا لم يترتَّب عليه مفسدة).
الأصل الستر:
– عن أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عَورَاتهم، فإنَّه من اتَّبع عَوراتهم يتَّبع الله عَوْرته، ومن يتَّبع الله عَوْرته يفضحه في بيته)) أخرجه ابوداود 4880 وإسناده حسن. قال الدارقُطني: القول قول أبي بكر بن عياش ومن تابعه العلل الواردة قي الأحاديث النبوية 6/ 309
(فاسْتُر إخوانك، فإنَّه لا طاقة لك بحرب الله، القادر على كشف عيوبك، وفضح ذنوبك، التي لا يعلمها النَّاس عنك، وألْجِم لسانك عن الخوض في الأعراض، وتتبُّع العَورات، وإفساد صِيت إخوانك، وإساءة سُمْعَتهم).
– وفي قصَّة ماعز بن مالك الأسلمي، عندما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترف على نفسه بالزِّنى، وسأله أن يقيم عليه الحدَّ ليطهِّره، فأمر النَّبي صلى الله عليه وسلم برجمه.
فإنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يسأله مع من زنيت، وكذلك المرأة الغامديَّة، عندما أقرَّت على نفسها، لم يسألها النَّبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
– وفي إحدى روايات حديث ماعز، أنَّه جاء إلى أبي بكر الصِّديق، فقال له: ((إنَّ الآخر زنى -يريد نفسه- فقال له أبو بكر: هل ذكرت هذا لأحد غيري؟ فقال: لا. فقال له أبو بكر: فتُب إلى الله، واسْتَتِر بسِتر الله؛ فإنَّ الله يقبل التَّوبة عن عباده. فلم تُقْرِره نفسه، حتَّى أتى عمر بن الخطَّاب، فقال له مثل ما قال لأبي بكر، فقال له عمر مثل ما قال له أبو بكر. فلم تُقْرِره نفسه حتَّى جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: إنَّ الآخر زنى. فقال سعيد: فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرَّات، كلُّ ذلك يُعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتَّى إذا أكثر عليه، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال: أيشتكي، أم به جِنَّة؟ فقالوا: يا رسول الله، والله إنَّه لصحيح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبِكْر أم ثيِّب؟ فقالوا: بل ثيِّب، يا رسول الله، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرُجِم)).
قلت سيف بن دورة: أخرجه النسائي في الكبرى كتاب الرجم باب اختلاف الزهري وسعيد بن المسيب في هذا الحديث من طريق يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن رجلا جاء إلى أبي بكر. ….
وراجع أوجه الاختلاف في تحفة الاشراف 13/ 215. لكن بهذا اللفظ وأنه أتى أبا بكر ثم عمر هي مرسله.
وقال ابن عبدالبر: هذا الحديث مرسل عند جماعة الرواة عن مالك وقد تابعه على إرساله طائفة من أصحاب يحيى بن سعيد. وروى هذا الحديث الزهري فاختلف عليه فرواه يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر أن رجلا من أسلم أتى النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر أوجه الخلاف وأنه ورد كذلك كن مراسيل الزهري …. المهم قرر أن الروايات لم تختلف أنه ماعز
قال ابن عبد البر في التمهيد: (وفي هذا الحديث من الفقه: أنَّ السَّتْر أولى بالمسلم على نفسه -إذا وقَّع حدًّا من الحدود- من الاعتراف به عند السُّلطان، وذلك مع اعتقاد التَّوبة والنَّدم على الذَّنب، وتكون نيَّته ومعتقده ألَّا يعود، فهذا أولى به من الاعتراف، فإنَّ الله يقبل التَّوبة عن عباده، ويحبُّ التَّوَّابين وهذا فعل أهل العقل والدين والندم والتوبة واعتقاد أن لا عودة ألا ترى إلى قوله أيشتكي آبه جنة).
ونقل ابن عبدالبر أن اعراض النبي صلى الله عليه وسلم احتمال لأجل يستر على نفسه. على مذهب أن بالزنى يكفي مرة.
ولخص هذه المعاني في الاستذكار.
– وفي رواية: ((أنَّ رجلًا اسمه هَزَّال، هو الذي أشار على ماعز أن يأتي النَّبي صلى الله عليه وسلم فيخبره، فقال له النَّبي صلى الله عليه وسلم يا هَزَّال، لو سَتَرْته بردائك، لكان خيرًا لك)).
قلت سيف بن دورة: أخرجه أحمد 21891 من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن نعيم بن هزال أن هزالا كان استأجر ماعز بن مالك وكانت له جارية. …
وأخرجه أبوداود 4377 من طريق زيد بن أسلم عن يزيد بن نعيم عن أبيه أن ماعزا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاقر عنده أربع مرات فأمر برجمه وقال لهزال: لو سترته بثوبك كان خيرا لك.
قال ابن منده: فيه نظر، وفيه اختلاف كثير
قال أبو الوليد الباجي: (وقوله صلى الله عليه وسلم لهَزَّال ((يا هَزَّال، لو سَتَرْته بردائك، لكان خيرًا لك)). هَزَّال هذا هو: هَزَّال بن رئاب بن زيد بن كليب الأسلمي. ويريد بقوله: ((لو سَتَرْته بردائك، لكان خيرًا لك)). يريد: ممَّا أظهرته من إظهار أمره، وإخبار النَّبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر به، فكان ستْره بأن يأمره بالتَّوبة، وكتمان خطيئته، وإنَّما ذكر فيه الرِّداء على وجه المبالغة، بمعنى أنَّه لو لم تجد السَّبيل إلى سِتْره إلَّا بأن تَسْتُره بردائك ممَّن يشهد عليه، لكان أفضل ممَّا أتاه، وتسبَّب إلى إقامة الحدِّ عليه، والله أعلم وأحكم).
وقال ابن الأثير: (ومنه حديث ماعز ((ألَا سَتَرْته بثوبك يا هَزَّال)). إنما قال ذلك حبًّا لإخفاء الفضيحة، وكراهيةً لإشاعتها).