1584 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وعبدالله كديم
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ووالديهم ووالدينا)
———–‘———–‘————‘
سنن أبي داود
عن عائشة رضي الله عنها:
إنِّي لأعلَمُ أشدَّ آيةٍ في كتابِ اللهِ؟ قال: أيَّةُ آيةٍ يا عائشةُ؟ قالَتْ: قولُ اللهِ تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123]، قال: أمَا علِمْتِ يا عائشةُ أنَّ المُسلِمَ تُصيبُه النَّكبةُ أو الشَّوكةُ, فيُكافَأُ بأسوأِ عمَلِه, ومَن حُوسِبَ عُذِّبَ، قالَتْ: أليس اللهُ يقولُ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8]، قال: ذاكُم العَرْضُ يا عائشةُ, مَن نُوقِشَ الحسابَ عُذِّبَ.
———‘———-‘———-‘
مرت بنا بعض فوائد الحديث في مختلف الحديث (110)، ونزيد عليها:
*قال الشيخ عبدالعزيز الراجحي في شرح الطحاوية:*
وجزاء الأعمال والعرض والحساب وقراءة الكتاب والثواب والعقاب والعرض، كل هذا يجب الإيمان به.
والحساب في اللغة: العد.
واصطلاحا: تعريف الله الخلائق مقادير الجزاء على أعمالهم، وتذكيره إياهم ما قد نسوه، ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} وقد أخبر الله -سبحانه وتعالى- أن المؤمن {يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)} وجاء في الحديث (أن من نوقش الحساب عذب) فاستشكلت عائشة -رضي الله عنها- ذلك، وسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لما قال النبي صلى الله عليه وسلم (من نوقش الحساب عذب، قالت عائشة: أليس قد قال الله: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)}).
ووجه التعارض: أن الآية تثبت جنس الحساب، والحديث يثبت هلاك من حوسب وأجاب النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بالحساب في الآية العرض، وفي الحديث المناقشة لا مطلق الحساب، كما في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (من نوقش الحساب عذب، فقلت: أليس يقول الله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)} فقال: إنما ذلك العرض، وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك).
______
*قال العباد حفظه الله في شرحه للسنن:*
ثم أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (قلت: يا رسول الله! إني لأعلم أشد أية في القرآن؟ قال: أية آية يا عائشة؟ قالت: قول الله تعالى {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء:123]) أي: أن هذه شديدة، وأن الإنسان إذا عمل سوءاً فإنه يؤاخذ به ويعاقب عليه.
قوله: (فقال: أما علمتي يا عائشة! أن المؤمن تصيبه النكبة أو الشوكة فيكفأ بأسوأ عمله) أي: أن ذلك يكون كفاءً وكفارة عن أسوء عمله، والمراد: أن النكبات والأسقام والمصائب والأمراض يكفر الله تعالى بها السيئات.
قوله: (إنما ذلكم العرض) يعني: العرض على الله عز وجل، وأما العذاب فإنما يكون عند المناقشة، فإذا نوقش الإنسان على كل شيء ولم يتجاوز له عن شيء فإنه يستحق العذاب ولابد إلا أن يعفو الله عز وجل عنه ويصفح، فحينئذٍ يسلم من العذاب بفضل الله عز وجل ومغفرته.
وآخر هذا الحديث قوله: (إنما ذلك العرض، ومن نوقش الحساب عذب) متفق عليه
——–
قال القاضي عياض: في مشارق الأنوار على صحاح الآثار:
وقوله (من نوقش الحساب عذب) أي من استقصى عليه والمناقشة الاستقصاء وقيل: نفس عذابه المراد يعذب بمحاسبته وقيل بل إذا نوقش ووزنت أعماله وخطراته وهماته وصغائره وكبائره لم يكد يخلص إن لم يعف الله عنه ا. هـ
قلت: وهنا قدم القول بأن المناقشة هي العذاب وأورد الآخر بصيغة التضعيف بخلاف ما سيأتي من نقل النووي وفيه ترجيح القاضي عياض للقول المضعف هنا.
قال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين:
قلت: وظاهر هذا الحديث أن من فتش عن كل شيء عمله عذب لأنه إنما يفتش المسخوط عليه فأما المرحوم فإن بداية رحمته المسامحة في المسألة ويحتمل أن يكون معنى الحديث من نوقش عذب بنقاشه ا. هـ
قال النووي:
قال القاضي وقوله: (عذب) له معنيان أحدهما: أن نفس المناقشة وعرض الذنوب والتوقيف عليها هو التعذيب لما فيه من التوبيخ، والثانى: أنه مفض إلى العذاب بالنار ويؤيده قوله فى الرواية الأخرى (هلك) مكان (عذب) هذا كلام القاضي وهذا الثانى هو الصحيح ومعناه أن التقصير غالب فى العباد فمن استقصى عليه ولم يسامح هلك ودخل النار ا. هـ
ونقل ابن حجر أقوالهم وتعقيب النووي في الفتح.
قال المناوي في شرح الجامع الصغير:
(من نوقش الحساب) أي عوسر فيه (عذب) أي تكون نفس تلك المضايقة عذابا أو سببا مفضيا للعذاب ا. هـ
قال ابن تيمية في المنهاج 1 – 469:
وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَوْ نَاقَشَ مَنْ نَاقَشَهُ مِنْ خَلْقِهِ يُعَذِّبُهُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – «أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ” مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ ” قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ – فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [سُورَةُ الِانْشِقَاقِ: 7، 8] فَقَالَ: ” ذَلِكَ الْعَرْضُ وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ». ا. هـ
قال ابن القيم في الصواعق:
وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من نوقش الحساب عذب فقالت عائشة يا رسول الله أليس الله يقول: فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا) الانشقاق
فقال: بلى؛ ولكن ذلك العرض ومن نوقش الحساب عذب فأشكل عليها الجمع بين النصين حتى بين لها أنه لا تعارض بينهما وأن الحساب اليسير هو العرض الذي لا بد أن يبين الله فيه لكل عامل عمله كما قال تعالى: يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية”
حتى إذا ظن أنه لن ينجو نجاه الله تعالى بعفوه ومغفرته ورحمته فإذا ناقشه الحساب عذبه ولا بد ا. هـ
فظاهر كلام القاضي عياض وابن الجوزي والنووي وابن تيمية وابن القيم تقديم القول بأنَّ المراد أنَّ من نوقش الحساب سيُعذَّب والله أعلم.
وفي النهاية في غريب الحديث والأثر لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري
{نقش} (ه) فيه [مَن نُوقِش الحسابَ عُذِّب] أي مَن اسْتُقْصِيَ في مُحاسَبَته وحُوقِقَ
– ومنه حديث عائشة [من نُوقِش الحسابَ فقد هَلَك]
– وحديث عليّ [يوم يَجْمَعَ اللَّهُ فيه الأوْلين والآخِرين لِنقاش (في الأصل بفتح النون) الحِساب] وهو مصدر منه.
وأما عن دخول سؤال الله عزوجل عباده عن ما أنعم الله عليهم فالظاهر أنه يتقسم إلى قسمين كما قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تفسيره (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان):” {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} الذي تنعمتم به في دار الدنيا، هل قمتم بشكره، وأديتم حق الله فيه، ولم تستعينوا به، على معاصيه، فينعمكم نعيمًا أعلى منه وأفضل.
أم اغتررتم به، ولم تقوموا بشكره؟ بل ربما استعنتم به على معاصي الله فيعاقبكم على ذلك ”
فسؤال الله عز وجل للصنف الأول الذي قاموا بحق النعم بالشكر يكون من باب الحساب اليسير و من باب العرض كما روى البخاري (1/ 51) ومسلم (8/ 164) ” حدثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرنا نافع بن عمر قال حدثني ابن أبي ملكية: أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه وأن النبي صلى الله عليه و سلم قال (من حوسب عذب). قالت عائشة فقلت أوليس يقول الله تعالى {فسوف يحاسب حسابا يسيرا}. قالت فقال (إنما ذلك العرض) ”
و أما سؤال الله للصنف الثاني الذين لم يقوموا بحق النعم من الشكر فيكون من باب النقاش -وقد تبين معنى النقاش- كما في تتمة الحديث الآنف (ولكن من نوقش الحساب يهلك)
——-
..
قلت سيف بن دورة الكعبي:
قال ابن حجر: وقع في رواية لابن مردويه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا لا يحاسب رجل يوم القيامة إلا دخل الجنة
وعند ابن أبي شيبة: 34745 – ابن نمير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «لا يحاسب أحد يوم القيامة إلا دخل الجنة»، ثم قرأت: ” {فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا} [الانشقاق: 8] “، ثم قرأت: ” {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام} [الرحمن: 41] ”
المرفوع أخرجه أحمد 25223 … 6/ 103 … حسب ترقيم المسند المعلل أو 23574 حدثنا حسن، قال حدثنا ابن لهيعة، قال حدثنا أبو الأسود، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحاسب يوم القيامة أحد فيغفر له. يرى المسلم عمله في قبره ويقول الله عز وجل (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ) [سورة الرحمن 39]
ثم عزاه جامعو المسند المعلل لابن أبي شيبة موقوفا: كما سبق
وعزاه ابن الملقن للالكائي موقوفا كذلك كما سبق. وقال الموقوف: لا يقاوم حديثها هذا.
يقصد حديث (ليس أحد يحاسب إلا هلك)
*قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:
وطريق الجمع بينهما أن الحديثين معا في حق المؤمن ولا منافاة بين التعذيب ودخول الجنة لأن الموحد وإن قضي عليه بالتعذيب فإنه لا بد أن يخرج من النار بالشفاعة أو بعموم الرحمة.
ونقل المناوي مثل هذا الجمع بين الحديثين. فيض القدير.
وقال القرطبي وذكر التعارض فقال: فإن قيل فقد ذكر اللالكائي ….. وذكر موقوف عائشة ….. وقال يعني القرطبي: قلنا ما روي عن عائشة قد خالفها غيرها في ذلك للآيات والأحاديث الواردة في ذلك وهو الصحيح. التذكرة للقرطبي
وقال العيني وعزى موقوف عائشة لأبي القاسم هبة الله بن الحسن منصور الطبري في السنن تأليفه بإسناده عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت لا يحاسب رجل يوم القيامة إلا دخل الجنة. …
قلت أجيب عن ذلك بأن هذا وإن كان إسناده صحيحا فلا يقاوم ما في صحيح البخاري. ولئن سلمنا فعائشة خالفها غيرها في ذلك للآيات والأحاديث الواردة في ذلك. … انتهى كلام العيني
ثم ذكر الحساب يراد به الثواب والجزاء ولا ثواب للكافر فيجازى بحسابه. ولأن المحاسب هو الله. وقد قال تعالى: (وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [سورة البقرة 174] أجاب عنه ابن جرير: أي بكلام يحبونه انتهى. من بحوث مختلف الحديث التي نجمعها مع الأصحاب.