مختلف الحديث 113
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
وهشام السوري
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم. ونوح وعبدالخالق وموسى الصوماليين وأبي عيسى عبدالله البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ووالديهم ووالدينا)
جمع سيف بن محمد بن دورة الكعبي
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
—–‘——‘——‘———‘
[ومن كتاب الأذان]
مختلف الحديث رقم: {113}
كيف التوفيق بين حديثْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيَِّّ? قَالَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَحَضَرَ العَشَاءُ، فَابْدَءُوا بِالعَشَاءِ» قَالَ وُهَيْبٌ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ: «إِذَا وُضِعَ العَشَاءُ»
وفي رواية عند البخاري (حتى يقضي حاجته) منه.
أخرجه مسلم برقم {558}
وبين ما جاء في حديث عَمْرِو بْنِ أمَيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ رَأى النَّبِيَّ -َّ? – يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شاةٍ فَدُعِيَ إلى الصَّلَاةِ فَألقَى السِّكِّينَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأ.
أخرجه مسلم برقم {355} (يحتز) يقطع.
———‘———-‘———
قال ابن رجب في فتح الباري في تعليقه على ما ورد في البخاري:
– حَدَّثَنَا عُبَيْدِ بْن إِسْمَاعِيل، عَن أَبِي أسامة، عَن عُبَيْدِ الله، عَن نَافِع، عَن ابن عُمَر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء، ولا يعجل حَتَّى يفرغ مِنْهُ)).
وكان ابن عُمَر يوضع لَهُ الطعام، وتقام الصلاة، فلا يأتيها حَتَّى يفرغ، وإنه يسمع قراءة الإمام.
وَقَالَ زهير ووهب بْن عُثْمَان، عَن موسى بْن عقبة، عَن نَافِع، عَن ابن عُمَر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إذا كَانَ أحدكم عَلَى الطعام فلا يعجل حَتَّى يقضي حاجته مِنْهُ، وإن أقيمت الصلاة)).
قَالَ أبو عَبْد الله: رواه إِبْرَاهِيْم بْن المنذر، عَن وهب بْن عُثْمَان.
ووهب مديني.
حَدِيْث عَائِشَة، قَدْ خرجه – أَيْضاً – فِي ((الأطعمة)) من رِوَايَة وهيب.
وسفيان الثوري، عَن هِشَام بْن عُرْوَةَ، بِهِ.
وحديث أنس، قَدْ خرجه فِي ((الأطعمة)) من طريق أيوب، عَن أَبِي قلابة، عَن أنس، عَن النَّبِيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَالَ: عَن أيوب، عَن نَافِع، عَن ابن عُمَر، عَن النَّبِيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – نحوه.
وعن أيوب، عَن نَافِع، عَن ابن عُمَر، أَنَّهُ تعشى وَهُوَ يسمع قراءة الإمام.
وحديث موسى بْن عقبة الَّذِي علقه البخاري، قَدْ خرجه مُسْلِم من رِوَايَة أَبِي ضمرة، عَن موسى، ولم يذكر لفظه، لكنه قَالَ: بنحو رِوَايَة عُبَيْدِ الله بْن عُمَر.
وخرجه البيهقي من طريق سويد بْن سَعِيد، عَن حفص بْن ميسرة، عَن موسى بْن عقبة، ولفظه: إن رَسُول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ((إذا كَانَ أحدكم عَلَى الطعام فلا يعجلن حَتَّى يقضي حاجته مِنْهُ، وإن أقيمت الصلاة)).
ثُمَّ قَالَ: وبهذا اللفظ رواه زهير بْن معاوية ووهب بْن عُثْمَان، عَن موسى ابن عقبة، وأشار البخاري إلى روايتهما.
قُلتُ: وإنما أشار البخاري إليه؛ لأن لفظه صريح فِي أن من شرع فِي عشائه ثُمَّ أقيمت الصلاة فلا يقم إلى الصلاة حَتَّى يقضي حاجته مِنْهُ، بخلاف سائر ألفاظ الحَدِيْث الَّتِيْ خرجها؛ لأنه يحتمل أن يكون الخَطَّاب بِهَا لمن لَمْ يتناول من عشائه شيئاً.
ووهب بْن عُثْمَان، ذكر البخاري أَنَّهُ مديني، وأن هَذَا الحَدِيْث رواه عَنْهُ إِبْرَاهِيْم بْن المنذر الحزامي، ولم يذكره فِي غير هَذَا الموضع من ((كتابه))، ولا خرج لَهُ فِي بقية ((الكتب الستة))، وذكره ابن حبان فِي ((ثقاته)).
وقد خرج ابن حبان فِي ((صحيحه)) من طريق ابن جُرَيْج: أخبرني نَافِع، قَالَ: كَانَ ابن عُمَر إذا غربت الشمس وتبين لَهُ الليل، فكان أحياناً يقدم عشاءه وَهُوَ صائم، والمؤذن يؤذن، ثُمَّ يقيم [وَهُوَ يسمع] فلا يترك عشاءه ولا يعجل حَتَّى يقضي عشاءه، ثُمَّ يخرج فيصلي، يَقُول: قَالَ رَسُول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لا تعجلوا عَن عشائكم إذا قدم إليكم)).
وقد روي ذكر الصيام مرفوعاً.
خرجه ابن حبان – أَيْضاً – من طريق موسى بْن أعين، عَن عَمْرِو بْن الحارث، عَن ابن شِهَاب، عَن أنس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إذا أقيمت الصلاة وأحدكم صائم فليبدأ بالعشاء قَبْلَ صلاة المغرب، ولا تعجلوا عَن عشائكم)).
وخرجه الدارقطني فِي كِتَاب ((الإلزامات)) وصححه.
وخرجه الطبراني،.
وَقَالَ: لَمْ يقل فِي هَذَا الحَدِيْث: ((وأحدكم صائم فليبدأ بالعشاء قَبْلَ صلاة المغرب)) إلا عَمْرِو بْن الحارث، تفرد بِهِ موسى بْن أعين.
قُلتُ: وإنما تفرد موسى بذكر: ((وأحدكم صائم))، وأما قوله: ((فليبدأ بالعشاء قَبْلَ صلاة المغرب)) فَقَدْ خرجه مُسْلِم من طريق ابن وهب، عَن عَمْرِو ابن الحارث بهذا الإسناد، ولفظ حديثه: ((إذا قرب العشاء وحضرت الصلاة فابدءوا بِهِ قَبْلَ أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عَن عشائكم)).
فهذه الأحاديث كلها تدل عَلَى أَنَّهُ إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فإنه يبدأ بالعشاء، سواء كَانَ قَدْ أكل مِنْهُ شيئاً أو لا، وأنه لا يقوم حَتَّى يقضي حاجته من عشائه، ويفرغ مِنْهُ.
وممن روي عَنْهُ تقديم العشاء عَلَى الصلاة: أبو بَكْر وعمر وابن عُمَر وابن عَبَّاس وأنس وغيرهم.
وروى معمر، عَن ثابت، عَن أنس، قَالَ: إني لمع أَبِي بْن كعب وأبي طلحة وغيرهما من أصْحَاب النَّبِيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَلَى طعام، إذ نودي بالصلاة، فذهبت أقوم فأقعدوني، وأعابوا عَلِيّ حِينَ أردت أن أقوم وأدع الطعام.
خرجه عَبْد الله ابن الإمام أحمد فِي ((مسائله)).
وإلى هَذَا القوم ذهب الثوري وأحمد – فِي المشهور عَنْهُ – وإسحاق وابن المنذر.
وَقَالَ أحمد: لا يقوم حَتَّى يفرغ من جميع عشائه، وإن خاف أن تفوته الصلاة مَا دام فِي وقت.
قَالَ: لأنه إذا تناول مِنْهُ شيئاً ثُمَّ تركه كَانَ فِي نفسه شغل من تركه الطعام إذا لَمْ ينل مِنْهُ حاجته.
وحاصل الأمر؛ أَنَّهُ إذا حضر الطعام كَانَ عذراً فِي ترك صلاة الجماعة، فيقدم تناول الطعام، وإن خشي فوات الجماعة، ولكن لا بد أن يكون لَهُ ميل إلى الطعام، ولو كَانَ ميلاً يسيراً، صرح بذلك أصحابنا وغيرهم.
وعلى ذَلِكَ دل تعليل ابن عَبَّاس والحسن وغيرهما، وكذلك مَا ذكره البخاري عَن أَبِي الدرداء.
فأما إذا لَمْ يكن لَهُ ميل بالكلية إلى الطعام، فلا معنى لتقديم الأكل عَلَى الصلاة.
وقالت طائفة أخرى: يبدأ بالصلاة قَبْلَ الأكل، إلا أن يكون نفسه شديدة التوقان إلى الطعام، وهذا مذهب الشَّافِعِيّ: وقول ابن حبيب المالكي.
واستدل لَهُ ابن حبان بالحديث الَّذِي فِيهِ التقييد بالصائم، وألحق بِهِ كل من كَانَ شديد التوقان إلى الطعام فِي الصلاة، يمنع من كمال الخشوع، بخلاف الميل اليسير.
وقالت طائفة أخرى: يبدأ بالصلاة إلا أن يكون الطعام خفيفاً -: حكاه ابن المنذر، عَن مَالِك.
وهذا يحتمل أَنَّهُ أراد أن الخفيف من الطعام يطمع مَعَهُ فِي إدراك الجماعة، بخلاف الطعام الكثير فيختص هَذَا بالعشاء.
وهذا بناء عَلَى أن وقت المغرب وقت واحد، كما هُوَ قَوْلِ مَالِك والشافعي فِي أحد قوليه.
ونقل حرب، عَن إِسْحَاق، أَنَّهُ يبدأ بالصلاة، إلا فِي حالين: أحدهما: أن يكون الطعام خفيفاً.
والثاني: أن يكون أكله مَعَ الجماعة، فيشق عليهم قيامه إلى الصلاة.
وهؤلاء قالوا: إن النَّبِيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أمر بتقديم العشاء عَلَى الصلاة حيث كَانَ عشاؤهم خفيفاً، كما كَانَتْ عادة الصَّحَابَة فِي عهد النَّبِيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمْ يتناول أمره غير مَا هُوَ معهود فِي زمنه.
وروى أبو داود بإسناده، عَن عَبْد الله بْن عُبَيْدِ بْن عمير، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي فِي زمان ابن الزُّبَيْر إلى جنب عَبْد الله بْن عُمَر، فَقَالَ عباد بْن عَبْد الله بْن الزُّبَيْر: إنا سمعنا أَنَّهُ يبدأ بالعشاء قَبْلَ الصلاة، فَقَالَ عَبْد الله بْن عُمَر: ويحك، مَا كَانَ عشاؤهم، أتراه كَانَ مثل عشاء أبيك؟!
وخرج البيهقي من حَدِيْث حميد، قَالَ: كنا عِنْدَ أنس بْن مَالِك، فأذن المؤذن بالمغرب وقد حضر العشاء، فَقَالَ أنس: ابدءوا بالعشاء، فتعشينا مَعَهُ، ثُمَّ صلينا، فكان عشاؤه خفيفاً.
وقالت طائفة: يبدأ بالصلاة، إلا أن يكون الطعام يخاف فساده لما فِي تأخيره من إفساد الطعام، وهذا قَوْلِ وكيع، رواه الترمذي فِي ((جامعة)) عَنْهُ.
وفي هَذَا القول بعد، وَهُوَ مخالف ظاهر الأحاديث الكثيرة.
وللأمام أحمد فِي المسألة ثَلاَثَة أقوال:
أحدها: أَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَة أَبِي الحارث، وسئل عَن العشاء إذا وضع وأقيمت الصلاة، فَقَالَ: قد جاءت أحاديث، وكان القوم فِي مجاعة، فأما اليوم فلو قام
رجوت.
وهذه الرواية تدل عَلَى أن تقديم الأكل عَلَى الصلاة مختص بحال مجاعة النَّاس عموماً، وشدة توقانهم بأجمعهم إلى الطعام، وفي هَذَا نظر.
وقد يستدل لَهُ بما رَوَى مُحَمَّد بْن ميمون الزعفراني، عَن جَعْفَر بْن مُحَمَّد، عَن أبيه، عَن جابر، قَالَ: كَانَ رَسُول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لا يؤخر الصلاة لطعام ولا غيره.
وخرجه الطبراني، ولفظه: لَمْ يكن رَسُول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يؤخر صلاة المغرب لعشاء ولا غيره.
وهذا حَدِيْث ضَعِيف لا يثبت.
ومحمد بْن ميمون هَذَا، وثقة ابن معين وغيره.
وَقَالَ البخاري والنسائي: منكر الحَدِيْث.
وروى سلام بْن سُلَيْمَان المدائنى: ثنا ورقاء بْن عُمَر، عَن ليث بْن أَبِي سليم، عَن نَافِع، عَن ابن عُمَر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إذا حضر العشاء والصلاة فابدءوا بالصلاة)).
خرجه تمام الرَّازِي فِي ((فوائده))،.
وَقَالَ: هكذا وقع فِي كتابي، وَهُوَ خط.
وليث بْن أَبِي سليم ليس بالحافظ، فلا تقبل مخالفته لثقات أصْحَاب نَافِع؛ فإنهم رووا: ((فابدءوا بالعشاء)) كما تقدم.
وسلام المدائني ضَعِيف جداً.
والقول الثاني: نقل حَنْبل، عَن أحمد، قَالَ: إن كَانَ أخذ من طعامه لقمةً أو نحو ذَلِكَ فلا يقوم إلى الصلاة فليصلي، ثُمَّ يرجع إلى العشاء؛ لأن النَّبِيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كَانَ يحتز من كتف الشاة، فألقى السكين وقام.
وكذا نقل عَنْهُ ابنه عَبْد الله والأثرم.
وحاصل هَذَا القول: إن كَانَ أكل شيئاً من الطعام، ثُمَّ أقيمت الصلاة قام إليها، وترك الأكل، وإن لَمْ يكن أكل شيئاً أكل مَا تسكن بِهِ نفسه ثُمَّ قام إلى الصلاة، ثُمَّ عاد إلى تتمة طعامه.
وصرح بذلك الأثرم فِي ((كِتَاب الناسخ والمنسوخ))، واستدل بحديث عَمْرِو ابن أمية الضمري، وقد خرجه البخاري فِي الباب الذي يلي هَذَا.
وروي نحوه من حَدِيْث المغيرة بْن شعبة وجابر بْن عَبْد الله.
وفي هذه الأحاديث: أن النَّبِيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كَانَ يحتز من كتف شاة، فأتاه بلال يؤذنه بالصلاة، فألقى السكين ثُمَّ قام إلى الصلاة.
وقد ذهب طائفة من الفقهاء من الشافعية وغيرهم إلى أَنَّهُ إذا سَمِعَ الإقامة فلا يشبع من طعامه، بل يأكل مَا يكسر بِهِ سورة جوعه.
وحديث ابن عُمَر صريح فِي رد ذَلِكَ، وأنه لا يعجل حَتَّى يفرغ من عشائه.
والقول الثالث: عكس الثاني، نقله حرب عَن أحمد، قَالَ: إن كَانَ قَدْ أكل بعض طعامه، فأقيمت الصلاة، فإنه يتم أكله، وإن كَانَ لَمْ يأكل شيئاً فأجب أن يصلي.
وقد يعلل هَذَا بأنه إذا تناول شيئاً من طعامه فإن نفسه تتوق إلى تمامه، بخلاف من لَمْ يذق مِنْهُ شيئاً؛ فإن توقان نفسه إليه أيسر.
وفي المسألة قَوْلِ آخر، وَهُوَ الجمع بَيْن أحاديث هَذَا الباب، وبين حَدِيْث عَمْرِو بْن أمية، وما فِي معناه من طرح النَّبِيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – السكين من يده، وقيامة إلى الصلاة بالفرق بَيْن الإمام والمأمومين، فإذا دعي الإمام إلى الصلاة قام وترك بقية طعامه؛ لأنه ينتظر، ويشق عَلَى النَّاس عِنْدَ اجتماعهم تأخره عنهم، بخلاف آحاد المأمومين، وهذا مسلك البخاري، كما سيأتي ذَلِكَ فِي الباب الَّذِي يلي هَذَا.
وبكل حال؛ فلا يرخص مَعَ حضور الطعام فِي غير ترك الجماعة، فأما الوقت فلا يرخص بذلك فِي تفويته عِنْدَ جمهور العلماء، ونص عَلِيهِ أحمد وغيره.
وشذت طائفة، فرخصت فِي تأخير الصلاة عَن الوقت بحضور الطعام – أَيْضاً -، وَهُوَ قَوْلِ بعض الظاهرية، ووجه ضَعِيف للشافعية، حكاه المتولى وغيره.
وقد رَوَى المروزي أن أحمد احتجم بالعسكر، فما فرغ إلا والنجوم قَدْ بدت، فبدأ بالعشاء قَبْلَ الصلاة، فما فرغ دخل حَتَّى وقت العشاء، فتوضأ وصلى المغرب والعشاء.
قَالَ القاضي فِي ((خِلافَه)): يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون مسافراً؛ لأن المراد بالعسكر سامراء، وكان قَدْ طلبه المتوكل إليها.
أَنَّهُ خاف عَلَى نفسه من تأخير العشاء المرض؛ لضعفه بالحجامة.
وَقَالَ ابن عقيل: يحتمل أَنَّهُ كَانَ مريضاً أو ناسياً.
قَالَ: ومع هذه الاحتمالات لا يؤخذ من ذَلِكَ مذهب يخالف مذهب النَّاس.
ومتى خالف، وصلى بحضرة طعام تتوق نفسه إليه فصلاته مجزئه عند جميع العلماء المعتبرين، وقد حكى الإجماع عَلَى ذَلِكَ ابن عَبْد البر وغيره، وإنما خالف فِيهِ شذوذ من متأخري الظاهرية، لا يعبأ بخلافهم الإجماع القديم.
وفي أحاديث هَذَا الباب: دليل عَلَى أن وقت المغرب متسع، وأنه لا يفوت بتأخير الصلاة فِيهِ عَن أول الوقت، ولولا ذَلِكَ لَمْ يأمر بتقديم العشاء عَلَى صلاة المغرب من غير بيان لحد التأخير؛ فإن هَذَا وقت حاجة إلى البيان، فلا يجوز تأخيره عَنْهُ.
والله أعلم.
——-
هذا بحث وخلاصته قريبه مما ذكر ابن رجب:
شرح حديث: “إذا قدم العشاء فابدأوا به
288 – وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إذا قدم العشاء فابدأوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم ” متفق عليه.
مناسبة هذا الحديث لباب الأمور المكروهة والمستحبة في الصلاة ظاهرة وهي بيان المستحب فيما إذا حضر العشاء والصلاة فبأيهما يبدأ
وقد رواه الشيخان من عدة طرق جاء من طريق الزهري عن أنس ومن طريق أبي قلابة عنه أيضا وله طرق كثيرة في غير الصحيحين
قوله (العشاء): اسم لما يؤكل في العشي. وقد كانوا في الزمن السابق يأكلون عشاءهم قبل صلاة المغرب على وقت إفطار الصائم وقد روى ابن حبان في صحيحه من حديث أنس بلفظ ” إذا أقيمت الصلاة وأحدكم صائم فليبدأ بالعشاء قبل صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم) وسمي عشاء لأنه في فترة العشي وقد اختلفوا في وقته كما قال الجوهري في الصحاح العَشِيُّ والعَشِيَّةُ من صلاة المغرب إلى العَتَمة. تقول: أتيته عَشِيّ أمس وعَشِيَّةَ أمس. وتصغير العَشِيِّ عُشَيَّانٌ على غير قياس مكبَّرِه، والجمع عُشَيَّاناتٌ. والعِشاءُ، بالكسر والمد، مثل العَشِيِّ. والعِشاءان: المغربُ والعتمةُ. وزعم قوم أنَّ العِشاءَ من زوال الشمس إلى طلوع الفجر) وقيل إن العشي يبدأ من زوال الشمس إلى غروبها
وليس الحديث فيه تخصيص لصلاة العشي أو المغرب. فذكر المغرب من التنصيص على بعض أفراد العام وليس بتخصيص بدليل حديث عائشة عند مسلم ” لا صلاة بحضرة طعام ”
وقوله (ولا تعجلوا عن عشائكم): أي لا تعجلوا بالذهاب للصلاة عن عشائكم.
وقد جاء هذا الحديث من طرق عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقرير هذا الأصل العظيم فمنها: حديث ابن عمر عند البخاري ومسلم عن ابن عمر قال
: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء ولا يعجل حتى يفرغ منه)
وكان ابن عمر يوضع له الطعام وتقام الصلاة فلا يأيتها حتى يفرغ وإنه ليسمع قراءة الإمام
وروى البخاري ومسلم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال (إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء)
ورواه مسلم مطولا من حديث ابْنِ أَبِى عَتِيقٍ قَالَ تَحَدَّثْتُ أَنَا وَالْقَاسِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – حَدِيثًا وَكَانَ الْقَاسِمُ رَجُلاً لَحَّانَةً وَكَانَ لأُمِّ وَلَدٍ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ مَا لَكَ لاَ تَحَدَّثُ كَمَا يَتَحَدَّثُ ابْنُ أَخِى هَذَا أَمَا إِنِّى قَدْ عَلِمْتُ مِنْ أَيْنَ أُتِيتَ. هَذَا أَدَّبَتْهُ أُمُّهُ وَأَنْتَ أَدَّبَتْكَ أُمُّكَ – قَالَ – فَغَضِبَ الْقَاسِمُ وَأَضَبَّ عَلَيْهَا فَلَمَّا رَأَى مَائِدَةَ عَائِشَةَ قَدْ أُتِىَ بِهَا قَامَ. قَالَتْ أَيْنَ قَالَ أُصَلِّى. قَالَتِ اجْلِسْ. قَالَ إِنِّى أُصَلِّى. قَالَتِ اجْلِسْ غُدَرُ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ».
ـ في الحديث مسائل:
الأولى: اشتهر هذا الحديث بلفظ (إذا حضر العشاء والعشاء فابدؤوا بالعشاء ” قال العراقي لا أصل له في كتب الحديث بهذا اللفظ) وقال ابن حجر في الفتح: رأيت بخط الحافظ قطب الدين يعني الحلبي أن ابن أبي شيبة أخرج عن إسماعيل يعني ابن علية عن ابن إسحاق حدثني عبد الله بن رافع عن أم سلمة مرفوعا (إذا حضر العشاء وحضرت العشاء فابدأوا بالعشاء) فإذا كان ضبطه فذاك وإلا فقد رواه أحمد في مسنده عن إسماعيل بلفظ (وحضرت الصلاة) ثم راجعت مصنف ابن أبي شيبة فرأيت الحديث فيه كما أخرجه أحمد)
وقد ذكره ابن الأثير في النهاية بهذا اللفظ
المسألة الثانية: اتفق أهل العلم على أن من قُدّم له العشاء وعلم أن الصلاة لا تفوته أن له أن يأكل حتى ينتهي ما دامت الصلاة لم تحضر وإن دخل الوقت.
المسألة الثالثة: اتفق أهل العلم على أن الصلاة تصح لمن صلى وترك العشاء ولو كانت نفسه تتوق إليه. حكى الإجماع ابن عبدالبر وغيره بدليل ما رواه الشيخان من حديث جعفر بن عمرو بن أمية: أن أباه أخبره أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم يحتز من كتف شاة فدعي إلى الصلاة فألقى السكين فصلى ولم يتوضأ
إلا أن أهل الظاهر شذوا وقالوا ببطلان الصلاة لحديث عائشة عند مسلم ” لا صلاة بحضرة طعام ” والحديث والإجماع يرد عليهم وقد ثبت عن جمع من الصحابة أنهم خرجوا للصلاة وتركوا العشاء والنفي لايدل دائما على عدم الصحة بل من معانيه نفي الكمال كما في قوله ” لا إيمان لمن لا أمانة له ” فعدم الأمانة ليس بمخرج من الإسلام
المسألة الرابعة: اختلف أهل العلم في أيهما يقدم إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة:
القول الأول: أن يقدم أكله حتى يفرغ من جميع نهمته وإن فاتته الجماعة، وهو المشهور من مذهب أحمد والثوري وإسحاق واختاره ابن المنذر. واستدل أحمد بظاهر الحديث فالرسول صلى الله عليه وسلم وجه بالبدأ بالأكل قبل الصلاة ولأن الطعام إذا ترك قد يتلف أو لا يكون كهيئته في أول طبخه، قال الإمام الترمذي في جامعه ” باب ما جاء إذاحضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء وعليه العمل عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم منهم أبو بكر و عمر و ابن عمر
وبه يقول أحمد وإسحاق يقولان يبدأ بالعشاء وإن فاتته الصلاة في الجماعة
والذي ذهب إليه أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وغيرهم أشبه بالاتباع وإنما أرادوا أن لا يقوم الرجل إلى الصلاة وقلبه مشغول بسبب شيء
وقد روي عن ابن عباس أنه قال لا نقوم إلى الصلاة وفي أنفسنا شيء ” إ. هـ
القول الثاني: إن كان شديد التوقان إلى الطعام فيبدأ به كالصائم ونحوه وإلا فيبدأ بالصلاة. فيُفرق بين من كان شديد التوقان إلى الطعام وغيره، فشديد التوقان يبدأ بالطعام وغيره يبدأ بالصلاة وهذا المشهور من مذهب الشافعي ورواية عن أحمد وهو ظاهر تبويب ابن حبان في صحيحه قال: ” ذكر البيان بأن التخلف عن إتيان الجماعات عند حضور العشاء إنما يجب ذلك إذا كان المرء صائما أو تاقت نفسه إلى الطعام فآذته ”
وجمعوا بين هذا الحديث وحديث جعفر بن عمرو بن أمية السابق في الصحيحين أن أباه عمرو بن أمية أخبره أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم يحتز من كتف شاة في يده فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين التي يحتز بها ثم قام فصلى ولم يتوضأ.
القول الثالث: أنه يبدأ بالصلاة إلا إذا كان الطعام يفسد فإن من أسباب ترك الجماعة الخوف على المال. وهذا مذهب وكيع كما أسنده الترمذي في جامعه فقال: سمعت الجارود يقول سمعت وكيعا يقول في هذا الحديث يبدأ بالعشاء إذا كان طعاما يخاف فساده ”
وهو واقع بعض الأكلات، قالوا والشريعة تنهى عن إتلاف المال
القول الرابع: أنه إن كان بدأ بالأكل فليتم وإن لم يبدأ فليقدم الصلاة وهذه رواية عن أحمد لظاهر حديث ابن عمر في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم (إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه وإن أقيمت الصلاة)
القول الخامس: وهو عكس المذهب السابق أنه إن أكل فإنه يكتفي بما أكل ويذهب للصلاة، وإن لم يأكل فليأكل ثم ليذهب للصلاة وهو قول عند الحنابلة لأنه أكله سيقطع نهمته وتفكيره
القول السادس: أنه يُفرق بين الإمام والمأموم فالإمام يقوم لأن الناس ينتظرونه وأما المأموم فلا ينتظره أحد وهو ظاهر صنيع البخاري وكأنه جمع بين الأحاديث فالنبي صلى الله عليه وسلم لما آذنه بلال خرج لأنه إمام وغيره أُمر بالأكل لأنه مأموم.
القول السابع: يُفرّق بين مدة الأكل؛ فإذا كانت مدة الأكل قليلة والأكل خفيفا فإنه يأكل، وإذا كانت مدة الأكل تطول ويعلم أنه إذا أكل فتفوت الصلاة فإنه يقدم الصلاة وهذا هو المشهور من مذهب مالك واستدلوا بما رواه أبو داود عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: كنت مع أبي في زمان ابن الزبير إلى جنب عبد الله بن عمر فقال عباد بن عبد الله بن الزبير إننا سمعنا أنه يبدأ بالعشاء قبل الصلاة فقال عبد الله بن عمر ويحك ما كان عشاؤهم؟ أتراه كان مثل عشاء أبيك؟
قال القاضي – أي أبو الوليد الباجي – فالحق أن الأمر بالابتداء بالعشاء ليس على الإطلاق وإنما معناه إلى الطعام صائما كان أو غير صائم لكن طعامهم ما كان على مقدار طعامنا اليوم في الكثرة. بل على القصد والقناعة بما فيه البلغة فيبتدئ المحتاج بقدر ما يدفع طوقانه ويتفرغ قلبه للإقبال على صلاته
والصواب والله أعلم هو مذهب الشافعي ورواية عن أحمد أن مرد ذلك إلى التوقان وانشغال الذهن، وهذا حاصل في رمضان في الإفطار، فإذا تاق إلى الطعام جاز له ترك الجماعة والصلاة منفردا أو كان الطعام يفسد أيضا فإنه يقدم الأكل مادام الوقت لا يخرج قال البخاري في صحيحه: باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة وكان ابن عمر يبدأ بالعشاء. وقال أبو الدرداء من فقه المرء إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ) فالحكمة هي حضور القلب فإذا كان القلب سينصرف للطعام ولو كان الانصراف قليلا فليؤخر الصلاة وسبق حديث القاسم عن عائشة لما أمرته أن يجلس عند ما قام إلى الصلاة
وأما ما رواه البيهقي عن محمد بن ميمون عن جعفر عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يؤخر الصلاة لطعام ولا لغيره
فهو حَدِيْث ضَعِيف لا يثبت ومحمد بْن ميمون قَالَ عنه البخاري والنسائي: منكر الحَدِيْث
ولهذا تأخر الأئمة في وقتنا في صلاة المغرب من المحاسن العظيمة من أجل أن يتمكن الناس من قضاء النهمة وحضور الجماعة.
وهنا ننبه إلى مسألة وهي أن بعض الناس يقول إن من السنة التقليل في الإفطار حتى ولو كان الصائم يقوم من إفطاره وهو لا زال يفكر فيه، وهذا من الخطأ بل هو من الزيادة على السنة، فيترك الناس على ما يشاؤون.
ونحن لا نتكلم عن مسألة الإسراف فالإسراف منهي عنه في جميع الأحوال لكن الشأن أن يقول الإنسان إن من السنة التقليل في الإفطار فهذا المقصود بالتنبيه بل السنة أن يأكل المرء حتى يقطع نهمته
المسألة الخامسة: أن الأصل في الصلاة أن تؤدى بخشوع وخضوع والدليل على هذا أن الطعام إذا كان سيشغل الذهن فإنه يقدم الأكل على الصلاة، وهذا أصل عظيم وهو حضور القلب وهو لب الصلاة وأعظم منافعها قال الله جل وعلا: {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} وأجر المصلي إنما هو منوط بخشوعه واستحضاره، ولذا جاء في الحديث كما عند أحمد: (إن العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها).
فالأجر مترتب على حضور القلب، لكن للأسف نجد في واقعنا أن الإنسان لا يهتم بهذا فتجد الإنسان يصلي وهو مشغول الذهن حتى لا يكاد يتذكر ما قرأ الإمام في الصلاة وما قرأ هو في صلاته.
وانظر إلى عناية الشارع الحكيم بمسألة حضور القلب حيث أجاز تفويت الجماعة مع وجوبها وعظمتها لأجل حضور القلب.
والصلاة كلما كانت تؤدى بخشوع وخضوع فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر كما قال الله ” إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر “، فإذا زاد الخشوع في الصلاة كان الوارد في النهي عن المعصية أكثر، فإذا افترضنا أن النفس أمرته بعشرين معصية فإنه بحسب الخشوع في الصلاة يكون النهي عن هذه المعاصي فقد تمنعه عن عشر أو خمس بحسب خشوعه في صلاته وكذلك قوة وارد النهي
والصلاة تنهى عن الفحشاء وليست تمنع من الفحشاء والمنكر فلا أحد معصوم من الفحشاء والمنكر، فالصلاة ناهية لا كافة لكن الفرق بين المصلي وغيره أن المصلي يجد من اللوم والنهي ما لا يجده غير المصلي، فالمصلي إذا فعل المعصية أو أراد فعلها فإن نفسه اللوامة تنهاه وتلومه على فعل أي معصية بخلاف غير المصلي فليس كل فحشاء ومنكر يجد في نفسه النهي.
المسألة السادسة: هل الأمر في قوله: (فابدأوا) للوجوب أم للاستحباب؟
جماهير أهل العلم على أن الأمر للاستحباب والمخالفة للكراهة
والقول الثاني: أن الأمر للإيجاب والمخالفة للتحريم وأنه إذا ذهب للصلاة ونفسه تتوق إلى الطعام فإنه آثم، وهذا مذهب أهل الظاهر وبعض أهل الحديث كالثوري وغيره
ولا شك أن الصواب هو القول الأول.
——–‘——–‘——
ترجم البخاري رحمه الله في كتاب الأطعمة من صحيحه،
بَابُ إِذَا حَضَرَ العَشَاءُ فَلاَ يَعْجَلْ عَنْ عَشَائِهِ
وأورد تحته أحاديث:
# عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ، أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فِي يَدِهِ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَأَلْقَاهَا وَالسِّكِّينَ الَّتِي كَانَ يَحْتَزُّ بِهَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّا.
# أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا وُضِعَ العَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَابْدَءُوا بِالعَشَاءِ وَعَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، وَعَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ تَعَشَّى مَرَّةً، وَهُوَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإِمَامِ.
# عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَحَضَرَ العَشَاءُ، فَابْدَءُوا بِالعَشَاءِ قَالَوُهَيْبٌ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ: إِذَا وُضِعَ العَشَاءُ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (باختصار):
وقال الكرماني الضمير للكتف وأنث باعتبار أنه اكتسب التأنيث من المضاف إليه أو هو مؤنث سماعي
قال ودلالته على الترجمة من جهة أنه استنبط من اشتغاله صلى الله عليه وسلم بالأكل وقت الصلاة.
قلت ويظهر لي أن البخاري أراد بتقديم هذا الحديث بيان أن الأمر في حديث بن عمر وعائشة بترك المبادرة إلى الصلاة قبل تناول الطعام ليس على الوجوب …..
_________
قال العيني رحمه الله في عمدة القاري (باختصار):
أي: هذا باب يذكر فيه إذا حضر العشاء،
قال الكرماني:. قوله: إذا حضر العشاء روي بفتح العين وكسرها وهو بالكسر من صلاة المغرب إلى العتمة، وبالفتح الطعام خلاف الغداء، ولفظ: عن عشائه، هو بالفتح لا غير ………
وقال الكرماني: فإن قلت: من أين خصص بالعشاء والصلاة أعم منه.
قلت: هو من باب حمل المطلق على المقيد بقرينة الحديث بعده، ومر في صلاة الجماعة.
فإن قلت: ذكر ثمة أنه كان يأكل ذراعا هاهنا قال: كتف شاة؟ قلت: لعله كانا حاضرين عنده يأكل منهما أو أنهما متعلقان باليد فكأنهما عضو واحد انتهى كلامه ….
قوله: (العشاء) بالفتح في الموضعين، وإنما تؤخر الصلاة عن الطعام تفريغا للقلب عن الغير تعظيما لها كما أنها تقدم على الغير لذلك فلها الفضل تقديما وتأخيرا.
________
وهذا سؤال وجه للجنة الدائمة:
س: اعتاد الكثير من الجماعة عندنا التخلف عن صلاة الجماعة في المسجد وذلك لصلاة المغرب بحجة الاجتماع على مائدة الإفطار، والاكتفاء بصلاة الجماعة في المنزل فهل هذا جائز؟ مع العلم أن المساجد قريبة منهم،
وكذلك في حفلات الزواج ونحوه يصلون في موقع الحفل ويتركون الصلاة في المسجد مع قربه منهم، فهل هذا جائز؟ علمًا أن بعض أئمة المساجد والمؤذنين يحضرون في موقع الحفل ويؤذنون في الموقع ويصلون فيه ويتركون الأذان والصلاة في المسجد وبعض الأئمة يحضرون اجتماع الإفطار ويصلون في نفس الموقع ويتركون الصلاة في المسجد،
فهل يجوز هذا. أرجو الإفادة.
ج: أداء الصلاة جماعة في المساجد شعيرة من شعائر الإسلام على المسلم المحافظة عليها ولا يسوغ أداء الصلاة في غير المساجد إلا إذا وجد مسوغ شرعي،
قال – عز وجل -: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ،
ورفعها إنما يكون في المقام الأول بأداء الصلاة فيها،
وقال: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ،
ومن أهم أوجه عمارتها أداء الصلاة فيها، وقد استأذن من الرسول – صلى الله عليه وسلم – ابن أم مكتوم أن يصلي في بيته لكونه رجلاً أعمى ولا قائد له، قال له عليه الصلاة والسلام: أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
__________
وفي فتاوى ابن باز رحمه الله:
يقول السائل: في رمضان لا أصلي المغرب مع الجماعة؛ وذلك لبعد المسجد وانشغالي بالإفطار، علمًا بأني أصلي بقية الفروض جماعة في المسجد، فما الحكم في ذلك؟
ج: الواجب عليك أن تصلي المغرب في المسجد كبقية الفرائض إذا كنت تستطيع ذلك وتسمع النداء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر
وفي صحيح مسلم: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله رجل أعمى، قال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني للمسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب وفي رواية لغير مسلم قال: لا أجد لك رخصة
فإذا كان أعمى ليس له قائد لا يأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يسمح له أن يصلي في بيته، فكيف بحال البصير القادر، فمن باب أولى ألا يسمح له، فإذا كنت تسمع النداء فعليك أن تبادر،
تأكل ما تيسر من الفطور: ثلاث تمرات، خمس تمرات، ما تيسر، ثم تذهب إلى الصلاة، كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يفطرون ثم يذهبون إلى الصلاة، فأنت كذلك تفطر بما يسر الله لك، ثم تذهب إلى الصلاة، أما إذا كان المسجد بعيدًا عنك، لا تسمع النداء؛ لبعد المسجد فأنت معذور، وإن ركبت السيارة وتجشمت المشقة وذهبت فهو أفضل وأعظم لأجرك،
والمراد بالأذان يعني الأذان العادي بغير المكبرات، الأذان العادي الذي يسمع بالصوت المعتدل الذي يسمع إذا هدأت الأصوات وأنت في مكانك، أما إن كان بطريق المكبرات وإلا فهو بعيد، ولكن تسمع من طريق المكبر فهذا لا يلزمك إذا كان بعيدًا، وإن ذهبت إليه وتجشمت المشقة، أو على السيارة كان خيرًا لك وأفضل.