1302 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي وناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———–‘——–‘——
صحيح البخاري؛؛؛
باب الصبر عند الصدمة الأولى
وقال عمر رضي الله عنه نعم العدلان ونعم العلاوة {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} وقوله تعالى {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}
1302 – حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن ثابت قال سمعت أنسا رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الصبر عند الصدمة الأولى
———‘———‘———-‘
فوائد الباب:
1 – قوله (الصبر عند الصدمة الأولى) أي الممدوح والمترتب عليه الأجر، وهي منصوص حديث الباب.
2 – وإنما كان الصبر عند الصدمة الأولى؛ لأنها أعظم حرارة وأشد مضاضة، قاله ابن الملقن في التوضيح. يريد: أن الصبر المحمود والمأجور عليه صاحبه: ما كان عند مفاجأة المصيبة، لأنه إذا طالت الأيام وقع السلو طبعا، فلم يؤجر. قاله البغوي في شرح السنة
3 – حديث أنس رضي الله عنه قد سبق في باب زيارة القبور.
4 – قوله {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}.معنى “إنا لله”: نحن وأموالنا وعبيدنا لله يبتلينا بما شاء، ونحن إليه نرجع، فيجزينا على صبرنا. قاله ابن الملقن في التوضيح.
5 – قوله: “نِعْمَ العِدْلَانِ” العدل هاهنا نصف الحمل على أحد شقي الدابة، والحمل عدلان، والعلاوة: ما يجعل بينهما. وقيل: ما علق على البعير. ضرب ذلك مثلًا لقوله: {صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}، فالصلوات عدل والرحمة عدل، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} علاوة لما كانت الهداية صفة للمذكورين ومن [غير] نوع العدلين، والكل برحمة الله وفضله. قاله ابن قرقول كما في مطالع الأنوار على صحيح الآثار
6 – قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: نعم العدلان ونعمت العلاوة، والعدلان: الصَّلَوَات وَالرَّحْمَة، والعلاوة: الْهِدَايَة. قاله أبو المظفر السمعاني في تفسيره
7 – أخرج الطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله:”الذين إذا أصابتهم مُصيبه قالوا إنا لله وإنا إليه رَاجعون أولئكَ عليهم صَلوات من ربهم وَرحمه وأولئك هم المهتدون” قال، أخبر الله أنّ المؤمن إذا سَلّم الأمرَ إلى الله، ورَجع واسترْجع عند المصيبة، كتب له ثلاث خصال من الخير: الصلاةُ من الله، والرحمة، وتحقيق سَبيل الهدى. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن استرْجع عند المصيبة، جبر الله مُصيبته، وأحسن عُقباه، وَجعل له خَلفًا صالحًا يرضاه قلت منقطع بين علي وابن عباس. ويشهد له حديث أم سلمة في الصحيح اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها.
8 – قوله “وقوله تعالى {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} ”
– أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر والحاكم في المستدرك وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس أَنه نعي إِلَيْهِ أَخُوهُ قثم وَهُوَ فِي مسير فَاسْتَرْجع ثمَّ تنحى عَن الطَّرِيق فصلى رَكْعَتَيْنِ أَطَالَ فيهمَا الْجُلُوس ثمَّ قَامَ يمشي إِلَى رَاحِلَته وَهُوَ يَقُول {وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة وَإِنَّهَا لكبيرة إِلَّا على الخاشعين}
9 – فالاستعانة بالصبر والصلاة يخفف من المصيبة، وإنما الصبر بالتصبر.
———-‘——-‘———-‘
فوائد باب الصبر عند الصدمة الأولى
قال ابن التين عن أبي الحسن: العدل الواحد: قول المصاب إنا لله .. إلى آخرها، والعدل الثاني: الصلوات التي عليهم من الله تعالى، والعلاوة {وأولئك هم المهتدون} [البقرة: 157]، وهو ثناء من الله تعالى عليهم
أن المراد بالعدلين: الصلاة والرحمة، وبالعلاوة: الاهتداء.
والله أعلم …
——
باب الصبر عند الصدمة الأولى
قال القاضي عياض في إكمال المعلم:
وأما بعد الصدمة الأولى وبرد المصيبة وابتداء التسلى فكل أحد يصبر حينئذ، ويقل جزعه، ولذلك قيل: يجب للعاقل أن يلتزم حين مصابه ما لابد للأحمق منه بعد ثلاث. اهـ
قال النووي في شرح مسلم:
قوله صلى الله عليه وسلم (الصبر عند الصدمة الأولى) وفي الرواية الأخرى (إنما الصبر) معناه الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر الجزيل لكثرة المشقة فيه وأصل الصدم الضرب في شيء صلب ثم استعمل مجازا في كل مكروه حصل بغتة. اهـ
قال الحافظ في الفتح:
المعنى: أن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجاة المصيبة بخلاف ما بعد ذلك فإنه على الأيام يسلو.
وقال في موضع آخر:
فأشار إلى أن الصبر النافع هو ما يكون في أول وقوع البلاء فيفوض ويسلم وإلا فمتى تضجر وتقلق في أول وهلة ثم يئس فيصبر لا يكون حصل المقصود. اهـ
قال ابن بطال في شرح البخاري:
إن قيل: قد علمت أن العبد منهى عن الهجر وتسخط قضاء الرب فى كل حال، فما وجه خصوص نزول الأولى بالصبر فى حال حدوثها؟. قيل: وجه خصوص ذلك أن للنفس عند هجوم الحادثة محرك على الجزع، ليس فى غيرها مثله، وتلك حال يضعف عن ضبط النفس فيها كثير من الناس، ثم يصبر كل جازع بعد ذلك إلى السكون ونسيان المصيبة، والأخذ بقهر الصابر نفسه، وغلبته هواها عند صدمته إيثارا لأمر الله على هوى نفسه، ومنجزا لموعوده، بل السالى عن مصابه لا يستحق اسم الصبر على الحقيقة، لأنه آثر السلو على الجزع واختاره. اهـ
قال العيني في عمدة القاري:
وحاصل المعنى أن الصبر الذي يكون عند الصدمة الأولى هو الذي يكون صبرا على الحقيقة وأما السكون بعد فوات المصيبة ربما لا يكون صبرا بل قد يكون سلواه كما يقع لكثير من أهل المصائب بخلاف أول وقوع المصيبة فإنه يصدم القلب بغتة فلا يكون السكون عند ذلك والرضى بالمقدور إلا صبرا على الحقيقة.
———
قال ابن حجر: أفرد الصلاة يعني في قوله (واستعينوا بالصبر والصلاة) لأن المراد بالصبر الصوم وهو من التروك أو الصبر عن الميت ترك الجزع، والصلاة أفعال وأقوال فلذلك ثقلت على غير الخاشعين ومن أسرارها أنها تعين على الصبر لما فيها من الذكر والدعاء والخضوع وكلها تضاد حب الرياسة وعدم الانقياد للأوامر والنواهي.
—
وقد ذكر ابن القيم أمور يدفع بها الهموم والأحزان فقال:
(فصل) في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الكرب والهم والغم والحزن.
أخرجا في “الصحيحين” من حديث ابن عباس، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: “لا إله إلا اللَّه العظيم الحليم، لا إله إلا اللَّه رب العرش العظيم، لا إله إلا اللَّه رب السموات السبع، ورب العرش الكريم”.
وفي “جامع” الترمذي عن أنس، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر قال: “يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث”. (الصحيحة 3182)
وفيه عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا أهمه الأمر، رفع طرفه إلى السماء فقال: “سبحان اللَّه العظيم”. وإذا اجتهد في الدعاء، قال: “يا حي يا قيوم”. (الكلم الطيب قال الالباني: ضعيف جدا)
وفي “سنن” أبي داود عن أبي بكر الصديق أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: “دعوات المكروب: اللَّهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت). (حسنه الألباني)
وفيها أيضًا عن أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب، أو في الكرب: اللَّه ربي لا أشرك به شيئا”. (صححه الألباني في الصحيحة 2755) وفي رواية أنها تقال سبع مرات.
قال الالباني: منكر بزيادة (السبع) الضعيفة 5604
وفي “مسند” الإمام أحمد عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما أصاب عبدا هم ولا حَزَنٌ فقال: اللَّهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك اللَّهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب غمي، إلا أذهب اللَّه حزنه وهمه، وأبدله مكانه فرحًا”، (ضعفه محققوا المسند 6/ 247،وراجع كشف الاستار 3122)
وفي الترمذي (وهو في الصحيح المسند 379) عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “دعوة ذي النون، إذ دعا ربه، وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له”. وفي رواية: “إني لأعلم كلمة، لا يقولها مكروب إلا فرج اللَّه عنه؛ كلمة أخي يونس”
وفي “سنن” أبي داود عن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال: “يا أبا أمامة، ما لي أراك في المسجد في غير وقت الصلاة؟ ” فقال: هموم لزمتني، وديون يا رسول اللَّه، فقال: “ألا أعلمك دعاء، إذا أنت قلته، أذهب اللَّه عز وجل همك، وقضى دينك”، قال: قلت بلى يا رسول اللَّه، قال: “قل إذا أصبحت، وإذا أمسيت: اللَّهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال”. قال: ففعلت ذلك، فأذهب اللَّه -عز وجل- همي، وقضى عني ديني.
(ضعفه الألباني، قلت: الذي ليس له شاهد أذكار الصباح والمساء والباقي ثابت في أحاديث أخرى وبعضها في الصحيحين، وراجع سنن أبي داود (باب في الاستعاذة))
وفي “سنن” أبي داود عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “من لزم الاستغفار؛ جعل اللَّه له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب” (الضعيفة 705، قلت سيف بن دورة: وفضل الاستغفار ثابت بالقرآن).
وفي “المسند”: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. وقد قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} (،قال محققوا المسند: إسناده ضعيف، لكن صححوا حديثا بمعناه من حديث صهيب وراجع الصحيحة 2459، ويشهد لمعناه حديث علي بن أبي طالب؛ قال: لقد رأيتنا يوم بدر وما فينا إلا نائم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعو حتى أصبح، وراجع سنن أبي داود 1315)
وفي “السنن”: “عليكم بالجهاد، فإنه باب من أبواب الجنة، يدفع اللَّه به عن النفوس الهم والغم” (حسنه الشيخ الألباني الصحيحة 1941، وضعفه باحث في الأرشيف).
ويذكر عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: “من كثرت همومه، وغمومه، فليكثر من قول: “لا حول ولا قوة إلا باللَّه”. (لم أجده إلا من حديث أبي هريرة واعتبره الذهبي باطل، وورد عن أنس؛ من ألح عليه الفقر فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله.
قال الخطيب في تاريخه 2/ 384 وذكر ثلاثة أحاديث وهذا الحديث منها: هذه الأحاديث الثلاثة بهذا الإسناد باطله، لا أعلم جاء بها إلا محمد بن إسماعيل الرازي. وكان غير ثقة.
ونقل كلامه ابن الجوزي في العلل المتناهية على هذا الحديث.
وثبت في “الصحيحين” أنها: “كنز من كنوز الجنة” (432). (وفي الترمذي أنها: “باب من أبواب الجنة” الصحيحة 1746، وحسنه محققوا المسند 24/ 228)
———
———
———
وذكر ابن القيم الأدوية الخمسة عشر:
هذه الأدوية تتضمن خمسة عشر نوعًا من الدواء، فإن لم تقو على إذهاب داء الهم والغم والحزن، فهو داء قد استحكم وتمكنت أسبابه، ويحتاج إلى استفراغ كلي.
الأول: توحيد الربوبية.
الثاني: توحيد الإلهية.
الثالث: التوحيد العلمي الاعتقادي.
الرابع: تنزيه الرب -تعالى- عن أن يظلم عبده، أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك.
الخامس: اعتراف العبد بأنه هو الظالم.
السادس: التوسل إلى الرب -تعالى- بأحب الأشياء إليه؛ وهو أسماؤه وصفاته. ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات: “الحي القيوم”.
السابع: الاستعانة به وحده.
الثامن: إقرار العبد له بالرجاء.
التاسع: تحقيق التوكل عليه والتفويض إليه، والاعتراف له بأن ناصيته في يده، يصرفه كيف يشاء، وأنه ماض فيه حكمه، عدل فيه قضاؤه.
العاشر: أن يرتع قلبه في رياض القرآن، ويجعله لقلبه كالربيع للحيوان، وأن يستضيء به في ظلمات الشبهات والشهوات، وأن يتسلى به عن كل فائت ويتعزى به عن كل مصيبة، ويستشفي به من أدواء صدره، فيكون جلاء حزنه، وشفاء همه وغمه.
الحادي عشر: الاستغفار.
الثاني عشر: التوبة.
الثالث عشر: الجهاد.
الرابع عشر: الصلاة.
الخامس عشر: البراءة من الحول والقوة، وتفويضهما إلى من هما بيده. انتهى.
وأضافوا كذلك:
-الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه حديث ( … أجعل لك صلاتي كلها، قال: إذاً تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
-القوة في تحصيل الخير ومنه حديث المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف … )
-الإكثار من ذكر الله (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
– التحدث بنعم الله وعدم ازدرائها ومنه حديث (انظروا إلى من هو أسفل منكم … )
– الإنشغال بالأعمال والعلوم المفيدة.
– معرفة أهمية الوقت فلا تضيعه في الهموم والأحزان.
-عدم تراكم الأعمال.
– ابتغاء القدوة الحسنة.
-أن يجعل الآخرة همه ومنه حديث (من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه)
– ذكر الموت.
– ولتعلم أن أعظم الكروب كرب الآخرة، فاشغل نفسك بالنجاة منها
——-
تنبيه1: أورد ابن حجر حديث ابن عباس رضي الله عنهما وعزاه للطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم.: … أعطيت أمتي شيئا لم يعطه أحد من الأمم عند المصيبة: إنا لله وإنا إليه راجعون. – إلى قوله – المهتدون. وفيه محمد بن عبد الله الواسطي ضعيف وراجع الضعيفة 2824
تنبيه 2: أثر ابن عباس في صلاته حين بلغه موت أخيه قثم إسناده حسن.