1301 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي وناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان رحمه الله ووالديهم ووالدينا)
———-‘———–‘——-
صحيح البخاري:
باب من لم يظهر حزنه عند المصيبة وقال محمد بن كعب القرظي الجزع القول السيئ والظن السيئ وقال يعقوب عليه السلام {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}
1301 – حدثنا بشر بن الحكم حدثنا سفيان بن عيينة أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول اشتكى ابن لأبي طلحة قال فمات وأبو طلحة خارج فلما رأت امرأته أنه قد مات هيأت شيئا ونحته في جانب البيت فلما جاء أبو طلحة قال كيف الغلام قالت قد هدأت نفسه وأرجو أن يكون قد استراح وظن أبو طلحة أنها صادقة قال فبات فلما أصبح اغتسل فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما كان منهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما قال سفيان فقال رجل من الأنصار فرأيت لهما تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن
——–‘——–‘——-‘
فوائد الباب:
1 – قال ابن القيم في عدة الصابرين: قال عمرو بن دينار: قال عبيد بن عمير: ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب، ولكن الجزع: القول السيئ والظن السيئ.
2 – قوله (والظن السيئ) هو: اليأس من تعويض الله المصاب في العاجل ما هو أنفع له من الفائت، أو: الاستبعاد لحصول ما وعد به من الثواب على الصبر. قاله القسطلاني في إرشاد الساري.
3 – قوله (وقال يعقوب عليه السلام {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}، مناسبته للترجمة من جهة أنه لما ابتلي صبر، ولم يشك إلى أحد ولا بث حزنه إلا إلى الله تعالى. قاله القسطلاني في شرحه. قلت وقال الحسن البصري مفسرا:”أشكوا حزني وحاجتي ” أخرجه الطبري في تفسيره من طريق يحيى بن سعيد عن عوف عنه. وإسناده صحيح.
4 – أخرج وَكِيع وعبد الرزاق الصنعاني في تفسيره وَعبد بن حميد وَابْن جرير في تفسيره وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لقد أَعْطَيْت هَذِه الْأمة عِنْد الْمُصِيبَة شَيْئا لم تعطه الْأَنْبِيَاء من قبلهم وَلَو أعطيها الْأَنْبِيَاء لأعطيها يَعْقُوب إِذْ يَقُول: يَا أسفى على يُوسُف {إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} قاله السيوطي في الدر المنثور
5 – حديث أنس أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود
6 – حديث أنس هذا قَالَ أبو نعيم في “مستخرجه”: يقال: إن هذا مما تفرد به البخاري، وقال المزي: هذا حديث غريب تفرد به بشر بن الحكم يعني: شيخ البخاري، قيل: لم يروه أحد عنه غير البخاري، قاله ابن الملقن في التوضيح وأضاف يشيران إلى التفرد بالسند. غريب. انتهى تفرَّد به بِشرٌ قاله المزي في تحفة الأشراف.
7 – قوله (اشتكى ابن لأبي طلحة) وعند مسلم (من أم سليم) هو أبو عمير صاحب النغير كما جاء عند ابن سعد في الطبقات الكبرى، وأبو يعلى في مسنده 3398 ومن طريقه ابن السني في عمل اليوم والليلة 617، وابن حبان في صحيحه 7188 من طريق عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس (أن أبا طلحة كان له ابن يكنى أبا عمير).
قال ابن الملقن: الابن المتوفى هو أبو عمير صاحب النغير، قاله ابن حبان والخطيب وغيرهما، ولما خرجه الحاكم وسماه قَالَ: صحيح على شرطهما. انتهى في التوضيح
8 – قوله (وأبو طلحة خارج) أي خارج البيت، ومن طريق حميد عن أنس (فخرج أبو طلحة إلى المسجد) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 12028
9 – قوله (فلما رأت امرأته أنه قد مات هيأت شيئا ونحته في جانب البيت) ومن طريق حميد عند أحمد (فهيأت أم سليم الميت)، وعند ابن سعد في الطبقات من طريق ثابت (فقامت أم سليم فغسلته وكفنته وحنطته وسجت عليه ثوبا).
10 – “لعلها عند موت الطفل قضت حقه من البكاء اليسير قاله القسطلاني وهو الموافق للرحمة والمظنون بها رضي الله عنها لذا أقول:
11 – لا يظهر لي أنها لم تحزن ولم تبك، لكنها بعد ذلك راعت مشاعر زوجها لما كانت تعلم من شدة حبه له، فكظمت حزنها بعد ذلك حتى تخبر زوجها بالوقت المناسب له. ولم ينكر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بل دعا لها ولزوجها.
12 – قولها: (أَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاحَ) من حسن المعاريض وهو ما احتمل معنيين، فإنها أخبرت بكلام لم تكذب فيه، ولكن ورَّت به عن المعنى الذي كان يحزنها قاله ابن الملقن في التوضيح. فإن في المعاريض لمندوحة عن الكذب، وشرط جوازها أن لا تبطل حقا لمسلم.
13 – فيه منقبة عظيمة لأم سليم بصبرها ورضاها بقضاء الله تعالى. قاله ابن الملقن في التوضيح، فلتقارن نساء زماننا فعل أم سليم بأفعالهن ليعرفن منزلة أم سليم رضي الله عنها.
14 – قوله (فلما أصبح اغتسل). فيه: تعريض بالإصابة، وقد صرح بها في بعض الروايات.
15 – قالت – أم سليم – يا أبا طلحة ألم تر إلى آل فلان استعاروا عارية فتمتعوا بها فلما طلبت كأنهم كرهوا ذاك قال ما أنصفوا قالت فإن ابنك كان عارية من الله تبارك وتعالى وإن الله قبضه. أخرجه الإمام أحمد في مسنده 12028 من طريق حميد عن أنس
16 – فاسترجع – أبو طلحة – وحمد الله. أخرجه الإمام أحمد 12028 من طريق حميد عن أنس.
17 – وقوله: (“لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما”)، فأجاب الله تعالى قوله، فحملت تلك الليلة بعبد الله بن أبي طلحة، والد إسحاق، راوي الحديث، فحنَّكه – صلى الله عليه وسلم – وسماه، وكان من خير أهل زمانه، وآتاهما الله تعالى ذلك لصبرهما، والذي لهما عند الله أعظم. قاله ابن الملقن في التوضيح.
18 – قوله (قال سفيان فقال رجل من الأنصار) وأخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى من طريق سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة “قال عباية فلقد رأيت لذلك الغلام سبعة بنين كلهم قد ختم القرآن”
19 – عدم إظهار الحزن عند المصيبة، وترك ما أبيح لي من إظهار الحزن الذي لا إسخاط فيه لله تعالى قاله ابن الملقن.
20 – التسلية عند المصائب.
21 – فيه: أن المرأة تتزين لزوجها تعرضًا للجماع قاله ابن بطال في شرح البخاري.
22 – فيه: إجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.
23 – قال الشيخ أبو الحسن بن القابسى: إنما حملت أم سليم حين مات الغلام بعبد الله بن أبى طلحة، والتسعة الذين قرءوا القرآن هم أولاد عبد الله هذا قاله ابن بطال
24 – فيه تسمية المولود غداة يولد قاله البخاري في صحيحه أي يقصد عبد الله بن أبي طلحة.
25 – ضرب الأمثال لتقريب الأفهام.
26 – فيه تحنيك المولود عند ولادته وهو سنة بالإجماع قاله النووي على شرح مسلم
27 – ومنها كون التحنيك بتمر وهو مستحب ولو حنك بغيره حصل التحنيك ولكن التمر أفضل
28 – ومنها جواز لبس العباءة
29 – ومنها التواضع وتعاطى الكبير أشغاله وأنه لا ينقص ذلك مروءته
30 – ومنها استحباب التسمية بعبد الله ومنها استحباب تفويض تسميته إلى صالح فيختار له اسما يرتضيه.
31 – قوله (أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) تابعه أنس بن سيرين أخرجه البخاري في صحيحه 5470 ومسلم في صحيحه 2144 وأبهمه فقال عن ابن سيرين وابن سعد في الطبقات الكبرى، تابعه محمد بن سيرين أخرجه البخاري 5470 فذكر الإسناد وأحال على متن طريق أنس بن سيرين ومسلم في صحيحه 2144، تابعه حميد به أخرجه الإمام أحمد 12028، وعبد الله بن أحمد في زياداته على المسند 12029 وقال بعض هذا الحديث وابن سعد في الطبقات الكبرى وأبو يعلى في مسنده 3882 – ومن طريقه ابن السني في عمل اليوم والليلة 617 – وأبو نعيم في حلية الأولياء والبيهقي في شعب الإيمان 9285 وابن عساكر في تاريخه 148، تابعه ثابت البناني أخرجه أبو داود في سننه 4951 مختصرا جدا وابن سعد في الطبقات الكبرى وأبو يعلى في مسنده 3398 وابن حبان في صحيحه 7187و 7188 وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان 9283 و9284، تابعه عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أخرجه أبو نعيم في الحلية
وأخرج البخاري في صحيحه 5824 من طريق محمد بن سيرين حديث ولادة عبد الله
======
فوائد باب (من لم يظهر حزنه عند المصيبة):
قال ابن الملقن وأخرجه الحاكم – أي الحديث- قال: صحيح على شرطهما. و (فيه) سنة غريبة في إباحة صلاة النساء على الجنائز. فإن فيه أن أم سليم، كانت خلف أبي طلحة، وأبو طلحة خلف رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، لم يكن معهم غيرهم.
قلت سيف بن دورة: ولم أجد للسند علة.
– قوله: (كيف الغلام؟) وفي هذا مشروعية اطمئنان الأب على أبنائه.
– تنبيه (فقال رجل من الأنصار) هو عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج
قلت سيف بن دورة: راجع هدي الساري مقدمة فتح الباري لابن حجر.
– (فرأيت لهما تسعة أولاد)، للبيهقي وغيره: “فولدت له غلاما، فلقد رأيت لذلك الغلام سبع بنين كلهم ختم القرآن
الأولاد الذين أشار إليهم سفيان، هم: القاسم، وعمير، وزيد، وإسماعيل، ويعقوب، وإسحاق، ومحمد، وعبد الله، وإبراهيم، ومعمر، وعمارة، وعمر، ذكرهم ابن الجوزي، وعدتهم اثنا عشر. (فتح الباري).
قال أبوصالح حازم وإسحاق هو راوي حديث الباب.
أن الحزن وإن كان أمراً طبيعياً إلاّ أنه يمكن التغلب عليه بالصبر والاحتساب، كما فعلت هذه الصحابية الجليلة
فضل الصبر وعاقبته الحميدة والتعويض العاجل لكل من صبر عند الصدمة الأولى، كما عوض الله هذه الصحابية الجليلة عن ولدها هذا بتسعة أولاد من أهل القرآن.
=======
باب من لم يظهر حزنه عند المصيبة
وقال محمد بن كعب القرظي الجزع القول السيئ والظن السيئ وقال يعقوب عليه السلام {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}
قال العيني في عمدة القاري:
– قوله اشتكى ابن لأبي طلحة أي مرض وليس المراد أنه صدرت منه الشكوى لكن لما كان الإصل أن المريض يحصل منه ذلك استعمل في كل مرض لكل مريض.
– فيه عدم إظهار الحزن عند المصيبة وهو فقه الباب كما فعلت أم سليم فإنها اختارت الصبر وقهرت نفسها.
– وفيه جواز الأخذ بالشدة وترك الرخصة لمن قدر عليها وأن ذلك مما ينال به العبد رفيع الدرجات وجزيل الأجر.
– وفيه أن المرأة تتزين لزوجها تعرضا للجماع
– وفيه أن من ترك شيئا لله تعالى وآثر ما ندب إليه وحض عليه من جميل الصبر أنه يعوض خيرا مما فاته.
———
ذكر السعدي فوائد مستنبطة كثيرة في قصة يوسف لكن مما له تعلق بالباب:
ومنها: هذه المحنة العظيمة التي امتحن الله بها نبيه وصفيه يعقوب عليه السلام، إذ قضى بالتفريق بينه وبين ابنه يوسف الذي لا يقدر على فراقه ساعة واحدة، ويحزنه أشد الحزن، فتم لهذه الفرقة مدة طويلة ويعقوب لم يفارق الحزن قلبه، وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم، ثم ازداد به الأمر حين اتصل فراق الابن الثاني بالأول، وهو في ذلك صابر لأمر الله، محتسب الأجر من الله، وقد وعد من نفسه الصبر الجميل، ولا ريب أنه وفى بما وعد به، ولا ينافي ذلك قوله:
{إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} [يوسف: 86] فإن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر، وإنما الذي ينافيه الشكوى إلى المخلوقين، ولا ريب أن الله رفعه بهذه المحنة درجات عالية ومقامات سامية، لا تنال إلا بمثل هذه الأمور.
ومنها: أن الفرج مع اشتداد الكرب، فإنه لما تراكمت الشدائد المتنوعة، وضاق العبد ذرعا بحملها، فرجها فارج الهم، كاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين، وهذه عوائده الجميلة، خصوصا لأوليائه وأصفيائه، ليكون لذلك الوقع الأكبر، والمحل الأعظم، وليجعل من المعرفة بالله والمحبة له ما يوازن ويرجح بما جرى على العبد بلا نسبة.
ومنها: جواز إخبار العبد بما يجد، وما هو فيه من مرض أو فقر غيرهما على غير وجه التسخط، لقول يعقوب:
{يا أسفى على يوسف} [يوسف: 84]
وقول إخوة يوسف: {مسنا وأهلنا الضر}
[يوسف: 88] وأقرهم يوسف.
ومنها: فضيلة التقوى والصبر، وأن كل خير في الدنيا والآخرة فمن آثار التقوى والصبر، وأن عاقبة أهلهما أحسن العواقب لقوله:
{قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} [يوسف: 90]
ومنها: أنه ينبغي للعبد إذا أنعم عليه بنعمة بعد ضدها أن يتذكر الحالة السابقة؛ ليعظم وقع هذه النعمة الحاضرة، ويكثر شكره لله تعالى، ولهذا قال يوسف:
{وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي} [يوسف: 100]
ومنها: ما في هذه القصة من الألطاف المتنوعة المسهلة للبلاء: منها رؤيا يوسف السابقة؛ فإن فيها روحا ولطفا بيوسف وبيعقوب، وبشارة بالوصول إلى تأويلها، ولطف الله بيوسف إذ أوحى إليه وهو في الجب لتنبئنهم بأمرهم هذا، وهم لا يشعرون، وتنقلاته من حال إلى حال، فإن فيها ألطافا ظاهرة وخفية؛ ولهذا قال في آخر الأمر:
{إن ربي لطيف لما يشاء} [يوسف: 100]
يلطف به في أحواله الداخلية، ويلطف له في الأمور الخارجية، ويوصله إلى أعلى المطالب من حيث لا يشعر.
تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن
– ومما يناسب قول أم سليم فيما ذكرت من العارية: ما ذكره ابن عبد البر في الإستذكار:
42 – وحدثني عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” من أصابته مصيبة فقال كما أمر الله {إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة: 156]، اللهم أجرني في مصيبتي، وأعقبني خيرا منها، إلا فعل الله ذلك به ” قالت أم سلمة: فلما توفي أبو سلمة، قلت ذلك. ثم قلت: ومن خير من أبي سلمة فأعقبها الله رسوله صلى الله عليه وسلم فتزوجها
وفي هذا الحديث تعليم ما يقال عند المصيبة وهو قول لا ينبغي لمن أصيب بمصيبة في مال أو حميم أن يحيد عن ذلك وعليه أن يفزع إليه تأسيا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
ومعنى قوله إلا فعل الله ذلك به أي آجره في مصيبته وأعقبه منها الخير كما قال (من جاء بالحسنة فله خير منها) القصص 84 أي منها خير
قال بن جريج ما يمنع الرجل ألا يستوجب على الله ثلاث خصال كل خصلة منهن خير من الدنيا وما فيها صلوات من الله وهدى ورحمة
وقال سعيد بن جبير ما أعطيت أمة ما أعطيت هذه الأمة قوله تعالى (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) البقرة 156 157 ولو أعطيها أحد أعطيها يعقوب لقوله (يا أسفي على يوسف) يوسف 84
ذكر سنيد عن إسماعيل بن علية عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال نعي إلى بن عباس أخوه قثم وهو في سفر فاسترجع وتنحى عن الطريق فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول (واستعينوا بالصبر والصلاة) البقرة 153
قال وأخبرنا هشيم قال أخبرنا خالد بن صفوان عن زيد بن علي عن بن عباس أنه كان في سفر فنعي بعض ولده فاسترجع ثم نزل فصلى ركعتين ثم قال فعلنا ما أمرنا الله به ثم تلا (واستعينوا بالصبر والصلاة) البقرة 183
43 – وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، أنه قال: هلكت امرأة لي، فأتاني محمد بن كعب القرظي يعزيني بها فقال: إنه ” كان في بني إسرائيل رجل فقيه عالم عابد مجتهد، وكانت له امرأة. وكان بها معجبا ولها محبا، فماتت فوجد عليها وجدا شديدا، ولقي عليها أسفا، حتى خلا في بيت، وغلق على نفسه، واحتجب من الناس. فلم يكن يدخل عليه أحد. وإن امرأة سمعت به فجاءته، فقالت: إن لي إليه حاجة أستفتيه فيها. ليس يجزيني فيها إلا مشافهته، فذهب الناس، ولزمت بابه. وقالت: ما لي منه بد، فقال له قائل: إن هاهنا امرأة أرادت أن تستفتيك، وقالت: إن أردت إلا مشافهته وقد ذهب الناس. وهي لا تفارق الباب. فقال: ائذنوا لها. فدخلت عليه. فقالت: إني جئتك أستفتيك في أمر. قال: وما هو؟ قالت: إني استعرت من جارة لي حليا، فكنت ألبسه وأعيره زمانا، ثم إنهم أرسلوا إلي فيه، أفأؤديه إليهم؟ فقال: نعم. والله. فقالت: إنه قد مكث عندي زمانا، فقال: ذلك أحق لردك إياه إليهم، حين أعاروكيه زمانا، فقالت: إي يرحمك الله، أفتأسف على ما أعارك الله، ثم أخذه منك وهو أحق به منك؟ ” فأبصر ما كان فيه ونفعه الله بقولها. انتهى من الإستذكار
تنبيه: قال ابن الملقن في التوضيح:
ولقد أخذت أم سليم في الصبر إلى أبعد غاية، على أن النساء أرق أفئدة؛ لأنا نقول: إن ما في نسائها ولا في الجلد من الرجال مثل أم سليم؛ لأنها كانت تسبق الكثير من الرجال الشجعان إلى الجهاد، وتحتسب في مداواة الجرحى، وثبتت يوم حنين في ميدان الحرب، والأقدام قد زلزلت، والصفوف قد انتفضت. والمنايا قد فغرت، فالتفت إليها رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وفي يدها خنجر فقالت: يا رسول الله أقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل هؤلاء الذين يحاربونك، فليسوا بشرًّ منهم.
تنبيه: ما نقل عن سعيد بن جبير من اختصاص هذه الأمة بقول: إنا لله وإنا إليه راجعون صحيح عنه. ونبه البيهقي إلى أن بعض الضعفاء يرفعه.
تنبيه:
راجع تعليقنا على مسلم باب فضائل أم سليم وباب فضائل أبي طلحة حيث توسعنا في ذكر فضائلهم.