137جامع الأجوبة الفقهية ص 176
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
-وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ. فمسح بناصيته، وعلى العمامة والخفين. (أخرجه مسلم)
-مسألة: هل يشترط في العمامة أن تكون محنكة.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
-ومعنى العمامة: هو ما يلف على الرأس، والجمع عمائم وعمام، وهو حسن العمة أي التعمم، وعممته ألبسته العمامة. انظر: القاموس 4/ 154، لسان العرب 2/ 424، 425.
-محنكة: أن يوضع لفة منها تحت الحنك حتى تثبت.
-اختلف العلماء المجيزون للمسح على العمامة في اشتراط أن تكون هذه العمامة محنكة، هذا الخلاف على قولين:
-القول الأول: أنه شرط لا بد منه، وهو القول المعتمد عند الحنابلة.
-القول الثاني: أنه لا يشترط ذلك، فإنه يجوز المسح على مطلق العمامة بدون صفة معينة، وهذا قول الجمهور، وهو اختيار ابن حزم وشيخ الاسلام ابن تيمية وابن عثيمين رحمهم الله.
-دليل أصحاب القول الأول: أنَّ هذا هو الذي جرت العادةُ بلبسه عند العرب ولأن المحنَّكة هي التي يَشقُّ نزعها، بخلاف المُكوَّرة بدون تحنيك.
-وعورض هذا الاستدلال من وجوه:
الأول: بأنَّ الحكمة من المسح على العِمَامة لا تتعيَّنُ في مشقَّة النَّزع، بل قد تكون الحكمةُ أنَّه لو حرَّكها ربما تَنْفَلُّ أكوارُها.
الثاني: إن هذا لا يقاس على الخف؛ لأن أصل تطهير الرأس مخفف، ثم إنه قد يشق على الإنسان ليمسح الرأس؛ لأن بعض العمائم يكون ليّاتها كثيرة فلو نزعها بقي وقتا يرد طيها.
الثالث: الغالب أنَّ الرَّأس قد أصابه العرقُ والسُّخونَة فإِذا نزعها، فقد يُصاب بضررٍ بسبب الهواء؛ ولهذا رُخِّصَ له المسح عليها.
-قال في نيل الأوطار (2/ 127)
قال ابن رسلان في شرح السنن عند ذكر حديث عبد الرحمن: وهي التي صارت شعار الصالحين المتمسكين بالسنة، يعني إرسال العمامة على الصدر. وقال: وفي الحديث النهي عن العمامة المقعطة بفتح القاف وتشديد العين المهملة، قال أبو عبيد في الغريب: المقعطة التي لا ذؤابة لها ولا حنك. قيل: المقعطة عمامة إبليس، وقيل: عمامة أهل الذمة. وورد النهي عن العمامة التي ليست محنكة ولا ذؤابة لها فالمحنكة من حنك الفرس إذا جعل له في حنكه الأسفل ما يقوده به هذا معنى كلام ابن رسلان.
-قال ابن قدامة في المغني (1/ 220): ومن شروط جواز المسح عليها، أن تكون على صفة عمائم المسلمين، بأن يكون تحت الحنك منها شيء؛ لأن هذه عمائم العرب، وهي أكثر سترا من غيرها، ويشق نزعها، فيجوز المسح عليها، سواء كانت لها ذؤابة أو لم يكن. قاله القاضي.
وسواء كانت صغيرة أو كبيرة وإن لم يكن تحت الحنك منها شيء، ولا لها ذؤابة، لم يجز المسح عليها؛ لأنها على صفة عمائم أهل الذمة ولا يشق نزعها. وقد روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه أمر بالتلحي، ونهى عن الاقتعاط. رواه أبو عبيد، قال: والاقتعاط أن لا يكون تحت الحنك منها شيء. وروي أن عمر – رضي الله عنه – رأى رجلا ليس تحت حنكه من عمامته شيء، فحنكه بكور منها، وقال: ما هذه الفاسقية؟ فامتنع المسح عليها للنهي عنها، وسهولة نزعها. انتهى
– قال محقق كتاب مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه” (2/ 288):
والمذهب – (أي الحنبلي) – جواز المسح على العمامة المحنكة- أي تحت الحنك منها شيء- إذا كانت ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين وشبههما من جوانب الرأس، فإنه يعفى عنه. وإن كانت العمامة ذات ذؤابة وهي غير محنكة ففي المسح عليها وجهان: أحدهما جوازه وهو المذهب. والثاني: لا يجوز.
وأما العمامة الصماء وهي التي لا حنك لها ولا ذؤابة، فالمذهب: أنه لا يجوز المسح عليها وعليه جمهور الأصحاب، وذكر جماعة أن فيها وجهين كذات الذؤابة. وقالوا: لم يفرق أحمد. قال ابن عقيل في المفردات وهو مذهبه، واختار الشيخ تقي الدين بن تيمية وغيره جواز المسح، وقال هي كالقلانس.
انظر: الإنصاف 1/ 185ـ187، المغني 1/ 301، 302، مطالب أولي النهى 1/ 131، 132، الاختيارات الفقهية ص 14.
?-قال السفاريني: والحاصل أن المعتمد في المذهب استحباب التحنُّك، فإن لم يكن فالذؤابة، فإن فقدا، كانت العمامة مكروهة. هذا المذهب بلا ريب.
-قال الشيخ عبدالعزيز الراجحي في شرح سنن أبي داود (9/ 20)
وفي الحديث مشروعية المسح على العمائم والخفين بشرط أن تكون العمامة محنكة، وهي التي يدار منها لفة أو لفتين تحت الحنك؛ لأنه يشق نزعها، ولهذا يقول الحنابلة: له المسح على العمامة إذا كانت محنكة أو ذات ذؤابة، يعني: كلها أطراف من الخلف، وهذا فيه نظر؛ لأن الذؤابة لا يشق نزعها، لكن العمامة المحنكة إذا كانت مدارة على الحنك فهذه يشق نزعها، فيشرع للإنسان إذا لبسها على طهارة أن يمسح عليها يوماً وليلة. انتهى
سأل عبدالمحسن العباد عن اشتراط أن تكون العمامة محنكة فقال: اشترط بعض العلماء لأن الغير محنكة مثل الطاقية توضع وتنزع.
ويقول البهوتي رحمه الله:
” لا يجوز المسح على العمامة الصماء؛ لأنها لم تكن عمامة المسلمين، ولا يشق نزعها، أشبهت الطاقية ” انتهى من ” كشاف القناع عن متن الإقناع ” (1/ 120).
وجاء فيه أيضا (1/ 113):
” لا يجوز المسح على الوقاية؛ لأنه لا يشق نزعها، فهي كطاقية الرجل “.
ويقول ابن قدامة رحمه الله:
” وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ، الطَّاقِيَّةِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، قَالَ هَارُونُ الْحَمَّالُ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْكَلْتَةِ؟ فَلَمْ يَرَهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَسْتُرُ جَمِيعَ الرَّاسِ فِي الْعَادَةِ، وَلَا يَدُومُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْقَلَانِسُ الْمُبَطَّنَاتُ، كَدَنِيَّاتِ الْقُضَاةِ، وَالنَّوْمِيَّاتِ، فَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَمْسَحُ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ، إلَّا أَنَّ أَنَسًا مَسَحَ عَلَى قَلَنْسُوَتِهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا مَشَقَّةَ فِي نَزْعِهَا، فَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا كَالْكَلْتَةِ؛ وَلِأَنَّهَا أَدْنَى مِنْ الْعِمَامَةِ غَيْرِ الْمُحَنَّكَةِ الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا ذُؤَابَةٌ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ: إنْ مَسَحَ إنْسَانٌ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ لَمْ أَرَ بِهِ بَاسًا؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ، فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ أَنَا أَتَوَقَّاهُ. وَإِنْ ذَهَبَ إلَيْهِ ذَاهِبٌ لَمْ يُعَنِّفْهُ. قَالَ الْخَلَّالُ: وَكَيْفَ يُعَنِّفُهُ؟ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِأَسَانِيدَ صِحَاحٍ، وَرِجَالٍ ثِقَاتٍ، فَرَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: إنْ شَاءَ حَسِرَ عَنْ رَاسِهِ، وَإِنْ شَاءَ مَسَحَ عَلَى قَلَنْسُوَتِهِ وَعِمَامَتِهِ، وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ، فَمَسَحَ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ؛ وَلِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ مُعْتَادٌ يَسْتُرُ الرَّاسَ، فَأَشْبَهَ الْعِمَامَةَ الْمُحَنَّكَةَ، وَفَارَقَ الْعِمَامَةَ الَّتِي لَيْسَتْ مُحَنَّكَةً وَلَا ذُؤَابَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا.” انتهى من “المغني” (1/ 222).
فتأمل هذا النص المهم: كيف أن المسألة لم تكن في بحث الفقهاء لها فحسب، بل رووا لبسها بالأسانيد عن: عمر، وأبي موسى، وعن أنس أيضا، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
وأجاب ابن باز على سؤال حول هذه المسألة:
العمامة كالخفين لا بد من الطهارة، إذا لبس العمامة المحنكة على طهارة مسح عليها يوم وليلة، وهكذا المرأة إذا أدارت الخمار على رأسها وشق عليها نزعه؛ تمسح يوم وليلة إذا كان على طهارة، كالخفين سواء، أما إذا كان لا يشق كالعمامة العادية الغترة فهذه ما عليها مسح؛ لأنه خلعها لا يشق لا يكلف، كذلك الخمار العادي، أما إذا كان العمامة تحنك على الرأس وتربط على الرأس، يكون في حلها بعض المشقة، فيمسح عليها يوم وليلة إذا لبسها على طهارة، وهكذا إذا كانت تدير الخمار على رأسها وتربطه على رأسها تمسح عليه يوم وليلة، إذا كان لبسها على طهارة، يعني: لبس الخمار على طهارة. نعم.
-دليل أصحاب القول الثاني: أنه لا دليل على اشتراط مثل هذا الشرط، قال شيخ الاسلام ابن تيمية: إِنَّه لا دليل على اشتراط أن تكون محنَّكة، أو ذات ذؤابة، بل النصُّ جاء: «العِمامة» ولم يذكر قيداً آخر، فمتى ثبتت العِمَامة جاز المسحُ عليها.
انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع (1/ 237)، فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/ 232)
-قال شيخ الاسلام في الاختيارات الفقهية (ص: 391)
ويجوز على العمامة الصماء وهي كالقلانس والمحكي عن أحمد الكراهة والأقرب أنها كراهة السلف لغير المحنكة على الحاجة إلى ذلك لجهاد أو غيره والعمائم المكلبة بالكلاب تشبه المحنكة من بعض الوجوه فإنّه يمسكها كما تمسك الحنك العمامة
-وذكر ابن عثيمين فتح ذي الجلال والإكرام: هل يشترط في العمامة شرط فوق كونها مطلق عمامة؟ المذهب: نعم، لابد أن تكون محنكة أو ذات ذؤابة، فالمحنكة أن يدار منها لية تحت الحنك، أو ذات ذؤابة من الخلف؛ حجتهم في ذلك قالوا: لأن الحكمة من جواز المسح على العمامة مشقة النزع، وهذا لا يتحقق في عمامة وضعت على الرأس دون أن تكون محنكة، لكن المحنكة يصعب على الإنسان نزعها، أما ذات ذؤابة فلأن هذه العمامة المشهورة عند العرب وفاقدتها لا تسمى عمامة، ولكن هذا فيه نظر، والصواب أنه يجوز أن نمسح على العمامة الصماء التي ليست ذات ذؤابة، ولا محنكة.
أما الأول فنقول: أين الدليل على أنه لابد أن تكون محنكة، والتعليل بأنه لمشقة النزع؟
يقال: إن هذا لا يقاس على الخف؛ لأن أصل تطهير الرأس مخفف، ثم إنه قد يشق على الإنسان ليمسح الرأس؛ لأن بعض العمائم يكون لياتها كثيرة فلو نزعها بقي وقتا يرد طيها.
وثانيا: أن هناك أذى؛ لأن العمامة لابد أن تكسب الرأس حرارة فإذا كشفها أو نزعها ليمسح الرأس في أيام الشتاء خاصة، فإنه يتأذى بذلك وربما يتضرر؛ لأنه سيقابل رأسه برودة.
فالصواب – إذن-: أنه لا يشترط في العمامة أن تكون محنكة أو ذات ذؤابة، وأما كون هذه عمائم العرب فإن سلم هذا فالنصوص جاءت مطلقة بدون تقييد.
-قال صاحب تحفة الأحوذي (1/ 294): قلت لا ريب في أنه صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة كما يدل عليه أحاديث الباب،
وأما هذه الشرائط التي ذكرها بن قدامة فلم أر ما يدل على ثبوتها من الأحاديث الصحيحة والله تعالى أعلم
وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط فلم يذكر بن قدامة سنده ولم يذكر تحسينه ولا تصحيحه عن أحد من أئمة الحديث ولم أقف على سنده ولا على من حسنه أو صححه فالله أعلم كيف هو. انتهى.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
ملاحظة:
*قال الشيخ ابن العثيمين في كتابه: (فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام) /ج1/ ص: (386)
جـ:-[أما شماغ الرجل والطاقية فلا تدخل في العمامة قطعاً.
وأما ما يلبس في أيام الشتاء من القبع الشامل للرأس والأذنين والذي قد تكون في أسفله لفة على الرقبة فإن هذا مثل العمامة لمشقة نزعه، فيمسح عليه.
• وأما النساء فإنهن يمسحن على خمرهن على المشهور من مذهب الإمام أحمد إذا كانت مدارة تحت حلوقهن، لأن ذلك قد ورد عن بعض نساء الصحابة رضي الله عنهن._وكذا ورد في مشروعية المسح أحاديث رواها البخاري ومسلم وغيرهما من الأئمة، وفيما أوردنا الكفاية. كما ورد العمل به عند كثير من أهل العلم.] انتهى النقل
*ملاحظة:-
عارض ابن تيمية بقصر المشقة على تقييد صفة العمامة بـ (أن تكون ذات ذوائب أو محنكة)) ولكنه لم يختلف معهم في اشتراط المشقة أو العذر لصحة المسح فعنده: كيفما وجدت المشقة أو العذر جاز المسح سواء بالتحنيك، أو بالتكوير (كثرة كور العمامة) دون تحنيك، أو خشية البرودة … حيث ختم كلامه بـ (ولهذا رُخِّصَ له المسح عليها)