110 مختلف الحديث
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم. ونوح وعبدالخالق وموسى الصوماليين. وأبي عيسى عبدالله البلوشي
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
وهشام السوري وعبدالله المشجري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
جمع سيف بن محمد بن دورة الكعبي
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان رحمه الله ووالديهم ووالدينا)
——-‘———‘———‘
110 مختلف الحديث
[ومن كتاب الرقاق]
مختلف الحديث رقم: {110}
كيف التوفيق بين حديث عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ?َ قَالَ: «مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ عُذِّبَ» قَالَتْ: قُلْتُ: أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] قَالَ: «ذَلِكِ العَرْضُ»
رواه البخاري (6536)
وبين ما جاء في قول ابن حجر كما في الفتح:
تَنْبِيهٌ: وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَرْدَوَيْهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا لَا يُحَاسَبُ رَجُلٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ.
وَظَاهِرُهُ يُعَارِضُ حَدِيثَهَا الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ. انتهى كلام ابن حجر
———‘——-‘——
قال ابن حجر: وقع في رواية لابن مردويه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا لا يحاسب رجل يوم القيامة إلا دخل الجنة
قلت أحمد بن علي: لم أجده مرفوعا وهو موقوف عند اللالكائي في شرح أصول إعتقاد أهل السنة 2214.
وعند ابن أبي شيبة: 34745 – ابن نمير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «لا يحاسب أحد يوم القيامة إلا دخل الجنة»، ثم قرأت: ” {فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا} [الانشقاق: 8] “، ثم قرأت: ” {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام} [الرحمن: 41] ”
..
قلت سيف بن دورة: المرفوع أخرجه أحمد 25223 … 6/ 103 … حسب ترقيم المسند المعلل أو 23574 حدثنا حسن، قال حدثنا ابن لهيعة، قال حدثنا أبو الأسود، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحاسب يوم القيامة أحد فيغفر له. يرى المسلم عمله في قبره ويقول الله عز وجل (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ) [سورة الرحمن 39]
ثم عزاه جامعو المسند المعلل لابن أبي شيبة موقوفا: كما سبق
وعزاه ابن الملقن للالكائي موقوفا كذلك كما سبق. وقال الموقوف: لا يقاوم حديثها هذا.
يقصد حديث (ليس أحد يحاسب إلا هلك)
——–‘——‘—–‘
*قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:*
وقع في رواية لابن مردويه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا لا يحاسب رجل يوم القيامة إلا دخل الجنة وظاهره يعارض حديثها المذكور في الباب
وطريق الجمع بينهما أن الحديثين معا في حق المؤمن ولا منافاة بين التعذيب ودخول الجنة لأن الموحد وإن قضي عليه بالتعذيب فإنه لا بد أن يخرج من النار بالشفاعة أو بعموم الرحمة.
قلت سيف بن دورة: ونقل المناوي مثل هذا الجمع بين الحديثين. فيض القدير.
وقال القرطبي وذكر التعارض فقال: فإن قيل فقد ذكر اللالكائي ….. وذكر موقوف عائشة ….. وقال يعني القرطبي: قلنا ما روي عن عائشة قد خالفها غيرها في ذلك للآيات والأحاديث الواردة في ذلك وهو الصحيح. التذكرة للقرطبي
وقال العيني وعزى موقوف عائشة لأبي القاسم هبة الله بن الحسن منصور الطبري في السنن تأليفه بإسناده عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت لا يحاسب رجل يوم القيامة إلا دخل الجنة. …
قلت أجيب عن ذلك بأن هذا وإن كان إسناده صحيحا فلا يقاوم ما في صحيح البخاري. ولئن سلمنا فعائشة خالفها غيرها في ذلك للآيات والأحاديث الواردة في ذلك. … انتهى كلام العيني
ثم ذكر الحساب يراد به الثواب والجزاء ولا ثواب للكافر فيجازى بحسابه. ولأن المحاسب هو الله. وقد قال تعالى: (وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [سورة البقرة 174] أجاب عنه ابن جرير: أي بكلام يحبونه
ونضيف مسألة:
*في مجموع فتاوى شيخ الإسلام (1) / (145):*
سئل شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية عن قوله تعالى ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون [سورة الأعراف 43] هل يدخل أحد الجنة بعمله أم ينقضه قوله صلى الله عليه وسلم لا يدخل أحد الجنة بعمله قيل ولا أنت قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته
الجواب
الحمد لله
المثبت في القرآن ليس هو المنفي في السنة
لا مناقضة بين ما جاء به القرآن وما جاءت به السنة إذ المثبت في القرآن ليس هو المنفي في السنة والتناقض إنما يكون إذا كان المثبت هو المنفي وذلك أن الله تعالى قال تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون وقال كلوا واشربوا هنيئًا بما أسلفتم في الأيام الخالية [سورة الحاقة 24] وقال أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون [سورة السجدة 19] وقال وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون [سورة الواقعة 22 – 24]
العمل سبب للثواب
فبين بهذه النصوص أن العمل سبب للثواب والباء للسبب كما في مثل قوله تعالى فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات [سورة الأعراف 57] وقوله وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها [سورة البقرة 164] ونحو ذلك مما يبين به الأسباب
ولا ريب أن العمل الصالح سبب لدخول الجنة والله قدر لعبده المؤمن وجوب الجنة بما ييسره له من العمل الصالح كما قدر دخول النار لمن يدخلها بعمله السيء كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار قالوا يا رسول الله أفلا نتكل على الكتاب وندع العمل قال لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فسييسره لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسره لعمل أهل الشقاوة) وقال: (إن الله خلق للجنة أهلا وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم وبعمل أهل الجنة يعملون وخلق للنار أهلا وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم وبعمل أهل النار يعملون)
السبب لا يستقل بالحكم
وإذا عرف أن الباء هنا للسبب فمعلوم أن السبب لا يستقل بالحكم فمجرد نزول المطر ليس موجبا للنبات بل لا بد من أن يخلق الله أمورا أخرى ويدفع عنه الآفات المانعة فيربيه بالتراب والشمس والريح ويدفع عنه ما يفسده فالنبات محتاج مع هذا السبب إلى فضل من الله أكبر منه
وأما قوله صلى الله عليه وسلم (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل) فإنه ذكره في سياق أمره لهم بالإقتصاد قال سددوا وقاربوا واعلموا أن أحدا منكم لن يدخل الجنة بعمله
وقال إن هذا الدين متين وإنه لن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدجلة والقصد تبلغوا
ليس جزاء الله على سبيل المعاوضة
فنفى بهذا الحديث ما قد تتوهمه النفوس من أن الجزاء من الله عز وجل على سبيل المعاوضة والمقابلة كالمعاوضات التي تكون بين الناس في الدنيا فإن الأجير يعمل لمن استأجره فيعطيه أجره بقدر عمله على طريق المعاوضة إن زاد أجرته وإن نقص نقص أجرته وله عليه أجرة يستحقها كما يستحق البائع الثمن فنفى صلى الله عليه وسلم أن يكون جزاء الله وثوابه على سبيل المعاوضة والمقابلة والمعادلة
والباء هنا كالباء الداخلة في المعاوضات كما يقال: استأجرت هذا بكذا وأخذت أجرتي بعملي
غلط من توهم ذلك من وجوه
وكثير من الناس قد يتوهم ما يشبه هذا وهذا غلط من وجوه
الأول
أحدها أن الله تعالى ليس محتاجا إلى عمل العباد كما يحتاج المخلوق إلى عمل من يستأجره بل هو سبحانه كما قال في الحديث الصحيح إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ولن تبلغوا ضري فتضروني
والعباد إنما يعملون لأنفسهم كما قال تعالى (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) [سورة البقرة 286] وقال تعالى (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) [سورة فصلت 46] وقال (إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم) [سورة الزمر 7] وقال تعالى (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم) [سورة النمل 40] وقال تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) [سورة آل عمران 97].
وأما العباد فإنهم محتاجون إلى من يستعملون لجلب منفعة أو دفع مضرة ويعطونه أجرة نفعه لهم.
الثاني أن الله هو الذي منَّ على العامل بأن خلقه أولا وأحياه ورزقه ثم بأن أرسل إليه الرسل وأنزل إليه الكتب ثم بأن يسر له العمل وحبب إليه الإيمان وزينه في قلبه وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان
والمخلوق إذا عمل لغيره لم يكن المستعمل هو الخالق لعمل أجيره فكيف يتصور أن يكون للعبد على الله عوض وهو خلقه وأحدثه وأنعم على العبد به وهل تكون إحدى نعمتيه عوضا عن نعمته الأخرى وهو ينعم بكلتيهما
الوجه الثالث أن عمل العبد لو بلغ ما بلغ ليس هو مما يكون ثواب الله مقابلا له ومعادلا حتى يكون عوضا بل أقل أجزاء الثواب يستوجب أضعاف ذلك العمل
الرابع أن العبد قد ينعم ويمتع في الدنيا بما أنعم الله به عليه مما يستحق بإزائه أضعاف ذلك العمل إذا طلبت المعادلة والمقابلة وإذا كان كذلك لم يبالغوا في الاجتهاد مبالغة من يضره الاجتهاد كالمنبت الذي لا أرضًا قطع ولا ظهرا أبقى وزال عنهم العجب وشهدوا إحسان الله بالعمل
الخامس أن العباد لا بد لهم من سيئات ولا بد في حياتهم من تقصير فلولا عفو الله لهم عن السيئات وتقبله أحسن ما عملوا لما استحقوا ثوابًا ولهذا قال صلى الله عليه وسلم من نوقش الحساب عذب قالت عائشة يا رسول الله أليس الله يقول فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا سور الإنشقاق 7 8 قال ذلك العرض ومن نوقش الحساب عذب
ولهذا جاء في حديث الشفاعة الصحيح إذا طلبت الشفاعة من أفضل الخلق آدم ونوح وإبراهيم وموسى واعتذر كل منهم بما فعل قال لهم عيسى (اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)
ولهذا قال في الحديث لما قيل له (ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بعفوه)
فتبين بهذا الحديث أنه لا بد من عفو الله وتجاوزه عن العبد وإلا فلو ناقشه على عمله لما استحق به الجزاء
قال الله تعالى (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة) [سورة الأحقاف 16] وقال تعالى (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون إلى قوله ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون) [سورة الزمر 33 – 35]
وإذا تبين ذلك أفاد هذا الحديث ألا يعجب العبد بعمله بل يشهد نعم الله عليه وإحسانه إليه في العمل وأنه لا يستكثر العمل فإن عمله لو بلغ ما بلغ إن لم يرحمه الله ويعف عنه ويتفضل عليه لم يستحق به شيئا وأنه لا يكلف من العمل ما لا يطيق ظانا أنه يزداد بذلك أجره كما يزداد أجر الأجير الذي يعمل فوق طاقته فإن ذلك يضره إذ المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرا أبقى
وأحب العمل ما داوم عليه صاحبه فإن الأعمال بالخواتيم بخلاف عمل الأجراء في الدنيا فإن الأجرة تتقسط على المنفعة فإذا عمل بعض العمل استحق من الأجرة بقدر ما عمل ولو لم يعمل إلا قليلا فمن ختم له بخير استحق الثواب وكفر الله بتوبته سيئاته ومن ختم له بكفر أحبطت ردته حسناته فلهذا كان العمل الذي داوم عليه صاحبه إلى الموت خيرا ممن أعطى قليلا ثم أكدى وكلف نفسه ما لا يطيق كما يفعله كثير من العمال
فقوله صلى الله عليه وسلم (سددوا وقاربوا واعلموا أن أحدا منكم لن يدخل الجنة بعمله) ينفي المعاوضة والمقابلة التي يولد اعتقادها هذه المفاسد
وقوله (بما كنتم تعملون) يثبت السبب الموجب لأن يفعله العبد ولهذا قال بعضهم: اعمل وقدر أنك لم تعمل وقال آخر: لا بد منك وبك وحدك لا يجيء شيء
لا بد من العمل ومن رجاء رحمة الله
فلا بد من العمل المأمور به ولا بد من رجاء رحمة الله وعفوه وفضله وشهود العبد لتقصيره ولفقره إلى فضل ربه وإحسان ربه إليه
وقد قال سفيان بن عيينة: كانوا يقولون ينجون من النار بالعفو ويدخلون الجنة بالرحمة ويتقاسمون المنازل بالأعمال.
فنبه على أن مقادير الدرجات في الجنة تكون بالأعمال وأن نفس الدخول هو بالرحمة فإن الله قد يدخل الجنة من ينشئه لها في الدار الآخرة بخلاف النار فإنه أقسم أن يملأها من إبليس وأتباعه
الله يدخل الجنة بالعمل وبغيره من الأسباب
لكن مع هذا فالعمل الصالح في الدنيا سبب للدخول والدرجة وإن كان الله يدخل الجنة بدون هذا السبب كما يدخل الأبناء تبعا لآبائهم وليس كل ما يحصل بسبب لا يحصل بدونه كالموت الذي يكون بالقتل ويكون بدون القتل ومن فهم أن السبب لا يوجب المسبب بل لا بد أن يضم الله إليه أمورا أخرى وأن يدفع عنه آفات كثيرة وأنه قد يخلق المسبب بدون السبب انفتح له حقيقة الأمر من هذا وغيره والله تعالى أعلم
آخره والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليم كثيرا.
——–
قال القاضي عياض: في مشارق الأنوار على صحاح الآثار:
وقوله (من نوقش الحساب عذب) أي من استقصى عليه والمناقشة الاستقصاء وقيل: نفس عذابه المراد يعذب بمحاسبته وقيل بل إذا نوقش ووزنت أعماله وخطراته وهماته وصغائره وكبائره لم يكد يخلص إن لم يعف الله عنه ا. هـ
قلت: وهنا قدم القول بأن المناقشة هي العذاب وأورد الآخر بصيغة التضعيف بخلاف ما سيأتي من نقل النووي وفيه ترجيح القاضي عياض للقول المضعف هنا.
قال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين:
قلت: وظاهر هذا الحديث أن من فتش عن كل شيء عمله عذب لأنه إنما يفتش المسخوط عليه فأما المرحوم فإن بداية رحمته المسامحة في المسألة ويحتمل أن يكون معنى الحديث من نوقش عذب بنقاشه ا. هـ
قال النووي:
قال القاضي وقوله عذب له معنيان أحدهما أن نفس المناقشة وعرض الذنوب والتوقيف عليها هو التعذيب لما فيه من التوبيخ والثانى أنه مفض إلى العذاب بالنار ويؤيده قوله فى الرواية الأخرى هلك مكان عذب هذا كلام القاضي وهذا الثانى هو الصحيح ومعناه أن التقصير غالب فى العباد فمن استقصى عليه ولم يسامح هلك ودخل النار ا. هـ
قال الحافظ في الفتح:
قوله ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك ثم قال أخيرا وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة الا عذب وكلاهما يرجعان إلى معنى واحد لأن المراد بالمحاسبة تحرير الحساب فيستلزم المناقشة ومن عذب فقد هلك وقال القرطبي في المفهم قوله حوسب أي حساب استقصاء وقوله عذب أي في النار جزاء على السيئات التي أظهرها حسابه وقوله هلك أي بالعذاب في النار … قال عياض قوله عذب له معنيان أحدهما أن نفس مناقشة الحساب وعرض الذنوب والتوقيف على قبيح ما سلف والتوبيخ تعذيب والثاني أنه يفضي إلى استحقاق العذاب إذ لا حسنة للعبد الا من عند الله لاقداره عليها وتفضله عليه بها وهدايته لها ولان الخالص لوجهه قليل ويؤيد هذا الثاني قوله في الرواية الأخرى هلك وقال النووي التأويل الثاني هو الصحيح لان التقصير غالب على الناس فمن استقصى عليه ولم يسامح هلك ا. هـ11 – 402
قال المناوي في شرح الجامع الصغير:
(من نوقش الحساب) أي عوسر فيه (عذب) أي تكون نفس تلك المضايقة عذابا أو سببا مفضيا للعذاب ا. هـ
قال ابن تيمية في المنهاج 1 – 469:
وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَوْ نَاقَشَ مَنْ نَاقَشَهُ مِنْ خَلْقِهِ يُعَذِّبُهُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – «أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ” مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ ” قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ – فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [سُورَةُ الِانْشِقَاقِ: 7، 8] فَقَالَ: ” ذَلِكَ الْعَرْضُ وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ». ا. هـ
قال ابن القيم في الصواعق:
وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من نوقش الحساب عذب فقالت عائشة يا رسول الله أليس الله يقول: فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا) الانشقاق
فقال: بلى؛ ولكن ذلك العرض ومن نوقش الحساب عذب فأشكل عليها الجمع بين النصين حتى بين لها أنه لا تعارض بينهما وأن الحساب اليسير هو العرض الذي لا بد أن يبين الله فيه لكل عامل عمله كما قال تعالى: يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية”
حتى إذا ظن أنه لن ينجو نجاه الله تعالى بعفوه ومغفرته ورحمته فإذا ناقشه الحساب عذبه ولا بد ا. هـ 3 – 1054
فظاهر كلام القاضي عياض وابن الجوزي والنووي وابن تيمية وابن القيم تقديم القول بأنَّ المراد أنَّ من نوقش الحساب سيُعذَّب والله أعلم.
وفي النهاية في غريب الحديث والأثر لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري
{نقش} (ه) فيه [مَن نُوقِش الحسابَ عُذِّب] أي مَن اسْتُقْصِيَ في مُحاسَبَته وحُوقِقَ
– ومنه حديث عائشة [من نُوقِش الحسابَ فقد هَلَك]
– وحديث عليّ [يوم يَجْمَعَ اللَّهُ فيه الأوْلين والآخِرين لِنقاش (في الأصل بفتح النون) الحِساب] وهو مصدر منه.
وأما عن دخول سؤال الله عزوجل عباده عن ما أنعم الله عليهم فالظاهر أنه يتقسم إلى قسمين كما قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تفسيره (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان):” {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} الذي تنعمتم به في دار الدنيا، هل قمتم بشكره، وأديتم حق الله فيه، ولم تستعينوا به، على معاصيه، فينعمكم نعيمًا أعلى منه وأفضل.
أم اغتررتم به، ولم تقوموا بشكره؟ بل ربما استعنتم به على معاصي الله فيعاقبكم على ذلك ”
فسؤال الله عز وجل للصنف الأول الذي قاموا بحق النعم بالشكر يكون من باب الحساب اليسير و من باب العرض كما روى البخاري (1/ 51) ومسلم (8/ 164) ” حدثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرنا نافع بن عمر قال حدثني ابن أبي ملكية: أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه وأن النبي صلى الله عليه و سلم قال (من حوسب عذب). قالت عائشة فقلت أوليس يقول الله تعالى {فسوف يحاسب حسابا يسيرا}. قالت فقال (إنما ذلك العرض) ”
و أما سؤال الله للصنف الثاني الذين لم يقوموا بحق النعم من الشكر فيكون من باب النقاش -وقد تبين معنى النقاش- كما في تتمة الحديث الآنف (ولكن من نوقش الحساب يهلك).