1294، 1295 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي وناصر الريسي
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان رحمه الله ووالديهم ووالدينا)
————‘———–‘———
رياح المسك على صحيح البخاري:
بَابٌ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الجُيُوبَ
1294 – حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ اليَامِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ»
——–‘——-
فوائد الباب:
1 – قوله (ليس منا من شق الجيوب) هو جزء من متن حديث الباب وقد ابتدأ به الترمذي حديثه كما في سننه 999 وفي رواية عند مسلم 103 (أو شق الجيوب).
2 – ولما تضمن ضرب الخدود عدم الرضا بالقضاء والقدر، ووجود الجزع، وعدم الصبر وضرب الوجه الذي نهي عن ضربه من غير اقتران مصيبة كان فعله حرامًا مؤكد التحريم. والجيوب: جمع جيب، وهو: ما يشق من الثوب، ليدخل فيه الرأس، وحرم لما فيه من إظهار السخط وإضاعة المال. قاله ابن الملقن في التوضيح
3 – المراد بشق الجيوب إكمال فتحه، وهي من علامات السخط قاله الحافظ في الفتح
4 – قوله (ليس منا) عد الإمام الذهبي النياحة واللطم من الكبائر، حيث ذكرها في كتابه الكبائر (الكبيرة السادسة والأربعون).
5 – قوله (ليس منا) قال القاسم بن سلام في كتاب الإيمان له:”وَإِنَّ الَّذِي عِنْدَنَا فِي هَذَا الْبَابِ كُلِّهِ أَنَّ الْمَعَاصِيَ وَالذُّنُوبَ لَا تُزِيلُ إِيمَانًا، وَلَا تُوجِبُ كُفْرًا، وَلَكِنَّهَا إِنَّمَا تَنْفِي مِنَ الْإِيمَانِ حَقِيقَتَهُ وَإِخْلَاصَهُ الَّذِي نَعَتَ اللَّهُ بِهِ أَهْلَهُ، وَاشْتَرَطَهُ عَلَيْهِمْ”. وقال الإمام أحمد قَالَ: «عَلَى التَّاكِيدِ وَالتَّشْدِيدِ، وَلَا أُكَفِّرُ أَحَدًا إِلَّا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ» رواه الخلال في السنة.
6 – وأما سفيان الثوري فقال بإجرائه على ظاهره من غير تأويل؛ لأن إجراءه كذلك أبلغ في الانزجار قاله ابن الملقن في التوضيح.
7 – حديث ابن مسعود أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
8 – ذَكَرَ رَجُلٌ عِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، أَوْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّمَا هُوَ لَيْسَ مِثْلَنَا. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ مُنْكَرًا لِقَوْلِ الرَّجُلِ: «أَرَأَيْتَ لَوْ عَمِلَ أَعْمَالَ الْبِرِّ كُلَّهَا، كَانَ يَكُونُ مِثْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟»
9 – قوله (حدثنا أبو نعيم) هو الفضل بن دكين، تابعه عبد الرحمن بن مهدي عند البخاري 1297والنسائي في الصغرى 1864وابن ماجه 1584 وتابعه يحيى بن سعيد القطان عند الترمذي 999 والنسائي في الصغرى 1862 وابن ماجه 1584، تابعه وكيع عند ابن ماجه 1584، وإسحق بن يوسف عند البزار 1934
10 – قوله (حدثنا سفيان) هو الثوري وقد صرح به البزار في روايته، ولاختصاص بعض الرواة المذكورين به إذا أطلق.
11 – ورواه الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق به أخرجه البخاري 1297و1298و3519 ومسلم 103
12 – قوله (من لطم الخدود) وفي رواية عند البخاري 1297 (من ضرب الخدود)
13 – قوله (عن إبراهيم) وعند الشاشي في مسنده 384 (عَنْ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي النَّخَعِيّ) وكذلك أبو نعيم في الحلية (إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِي)
14 – وقوله (عن عبد الله) وفي شعب الإيمان للبيهقي (عَنْ عَبْدِ اللهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ) وعند ابن حبان في صحيحه 3149 (عَنْ ابْنَ مَسْعُودٍ)
15 – قوله (ودعا بدعوى الجاهلية.) كأنه من عطف العام بعد الخاص فإن دعوى الجاهلية في هذا المقام أقوال وأفعال ومن الأفعال شق الجيوب وضرب الخدود.
“””””””””””
فوائد بَابٌ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الجُيُوبَ
1. دل هذا الحديث على تحريم التعبير عن الحزن باستعمال اليد في شق الثياب، وضرب الوجوه، واستعمال اللسان في النياحة.
2. الخدود: جمع خد، وليس للإنسان إلا خدان، وهذا من باب قوله تعالى: {وأطراف النهار} [طه: 130]
3. فيه تحريم ضرب الوجه، لأنه إذا حرم البعض فالكل بطريق الأولى، مع أن في الوجه ما هو أفضل من الخد.
4. فيه تحريم ما كانت الجاهلية تفعله، لأنه إذا حرم مثل ما ذكر عند المصائب مع أن فاعل ذلك كالمكره عليه طبعاً فغيره من الأمور الاختياريات من فعلهم الذي قرر الشرع عدم فعلها أولى بالتحريم.
قلت سيف بن دورة:
قال ابن حجر: ويظهر لي أن هذا النفي يفسره التبري الأتي في حديث أبي موسى بعد باب حيث قال ” برئ منه النبي صلى الله عليه وسلم ” وأصل البراءة الانفصال من الشيء، وكأنه توعده بأن لا يدخله في شفاعته مثلا.
وقال المهلب: قوله أنا بريء أي من فاعل ما ذكر وقت ذلك الفعل، ولم يرد نفيه عن الإسلام.
——
باب ليس منا من شق الجيوب
قال العيني في عمدة القاري:
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن رواته كلهم كوفيون وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وإبراهيم رأى عائشة وسمع المغيرة قاله ابن حبان. اهـ
قال القسطلاني في إرشاد الساري:
(ليس منا) أي: من أهل سنتنا، ولا من المهتدين بهدينا، وليس المراد خروجه عن الدين، لأن المعاصي لا يكفر بها عند أهل السنة. نعم، يكفر باعتقاد حلها، وعن سفيان: أنه كره الخوض في تأويله، وقال: ينبغي أن يمسك عنه ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر.
وقال أيضا:
خص الجيب بالذكر في الترجمة، دون أخويه، تنبيهًا على أن النفي الذي حاصله التبري يقع بكل واحد من الثلاثة، ولا يشترط فيه وقوعها معًا، ويؤيده رواية لمسلم بلفظ: أو شق الجيوب، أو دعا … الخ. ولأن شق الجيب أشدّها قبحًا مع ما فيه من خسارة المال في غير وجه. اهـ
قال عطية محمد سالم في شرح بلوغ المرام:
والحديث الذي ذكره المؤلف يشمل النائحة والمستمعة، أي: والمستمع أيضاً، ولكن خصص المستمعة بالذكر، لأنها تأتي معها؛ لأنه كان من عادتهن أن يجتمعن في جانب، وينصبن مناحة -كما يقولون- وبعض النسوة تتكلم بعض الكلمات، ومجموعة من النسوة يرددن كلامها، فيكون عملاً مستقلاً خاصاً بالنساء، لا يشارك فيه الرجال، فإذا جاءت النساء مع النائحة ليفعلن ذلك الفعل، فالنائحة والمستمعة في هذا سواء.
وكذلك يقال: لو أن رجلاً يتسمع لذلك؛ فهو تابع في هذا، ما لم ينه عنه، أو يخرج من عهدة الإنكار لهذا المنكر. اهـ
قال العثيمين في شرح البخاري:
فيه دليل على أن ذلك من كبائر الذنوب، ووجهه أن النبي عليه الصلاة والسلام تبرأ من فاعله، لأن فاعل هذه الأشياء ليس راضٍ بما قضاه الله تعالى بل هو ساخطٌ نسأل الله العافية.
========
========
========
بَابُ رِثَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ ابْنَ خَوْلَةَ
1295 – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الوَجَعِ وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: «لاَ» فَقُلْتُ: بِالشَّطْرِ؟ فَقَالَ: «لاَ» ثُمَّ قَالَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ – أَوْ كَثِيرٌ – إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: «إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، ثُمَّ لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلاَ تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ البَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ» يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ
———–‘——–
فوائد الحديث:
1 – حديث سعد أخرجه الستة.
2 – قوله (لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة)
وفي مستخرج أبي عوانة قوله في رواية
” يَتَوَجَّعُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّة” وهو موضع الشاهد هنا.
3 – إشارة إلى أن مثل هذا التوجع والرثاء لحاله جائز.
4 – والرثاء يطلق على التوجع والتحزن وهذا هو المباح الذي فعله المصطفى، ويطلق على ذكر أوصاف الميت الباعثة على تهييج الحزن واللوعة، وهذا لا يجوز قاله الزرقاني في شرحه على الموطأ.
5 – سعد بن خولة رضي الله عنه توفي بمكة عام حجة الوداع وكان قد شهد بدرا، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بعض الناس فقال “إن مات سعد أن يقبر خارج مكة”، فكأنه لم يتهيأ ذلك ودفن بمكة. وهو زوج سبيعة الأسلمية رضي الله عنها وحديثها مشهور حين توفي عنها زوجها.
قلت سيف بن دورة: حديث (إن مات سعد أن يقبر خارج مكة) مرسل حيث فيه (قال إسماعيل يعني بن محمد بن سعد بن أبي وقاص فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السائب بن عمير القاري إن مات سعد بن خولة فلا يقبر في مكة. وأراد بنو عبدالله بن عمر أن يخرجوه من مكة فمنعهم عبدالله بن خالد وقال: قد حضر الناس) راجع الإصابة ومعرفة الصحابة لابن مندة وأبي نعيم.
وعزى ابن حجر في الإصابة في موضع آخر أن ذلك وقع لسعد بن أبي وقاص.
قلت سيف بن دورة: والقصة بسعد بن أبي وقاص أشبه لأن سعد بن خولة توفي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وما كان أحد أن يرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
6 – وفي حديث الباب (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على سعد يعوده بمكة فبكى قال: ما يبكيك؟ فقال: قد خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة) هذا لفظ مسلم، وزاد أحمد في رواية في المسند 1440 (فادع الله أن يشفيني)، وعند البخاري 2744″ ادع الله أن لا يردني على عقبي”
7 – وفي رواية عند البخاري (وهو يكرهُ أن يموت بالأَرض التي هاجر منها) وقد يكون فاعل يكره سعد رضي الله عنه. وعند ابن سعد في الطبقات الكبرى (وهو يكره أن أموت بالأرض التي هاجرت منها) وظاهره أن فاعل يكره هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
8 – قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى كما في شرح مشكل الآثار: “كان المهاجرون يشفقون من إدراك الموت إياهم بها ويعظمون ذلك ويخشونه على أنفسهم”.
9 – فيه الدعاء برفع الوباء والوجع. قاله البخاري.
10 – فيه قول النبى – صلى الله عليه وسلم -: اللهم امض لأصحابى هجرتهم، ومرثيته لمن مات بمكة قاله البخاري.
11 – فيه ما رخص للمريض أن يقول قاله البخاري.
12 – فيه الوصايا وما لا يجوز للموصي فى ماله.
13 – وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، وَقَدْ اسْتَحَبَّ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ أَنْ يَنْقُصَ مِنَ الثُّلُثِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ. قاله الترمذي في سننه.
14 – فيه ميراث البنات.
15 – فيه ذِكْرُ كِتْبَةِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا الْأَجْرَ بِكُلِّ مَا يُنْفِقُ الْمَرْءُ عَلَى عِيَالِهِ حَتَّى رَفَعِهِ اللقمة إلى في أهله.
16 – من الطرائف أن ثلاثة من أولاد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه رووا هذا الحديث عنه بعد أن كان سعد أوشك على الموت ولم يكن له سوى ابنة واحدة فقط.
17 – كراهية مشابهة الفعل المنهي عنه وإن لم يقصده، وهذا من الحرص على الاتباع.
18 – ثبت أن سعدا أمر على العراق فأتى بقوم ارتدوا عن الإسلام، فاستتابهم فأبى بعضهم فقتلهم، فضر أولئك، وتاب بعضهم فانتفعوا به، وعاش سعد بعد حجة الوداع خمسا وأربعين سنة. قاله ابن بطال في شرحه. قلت ودفن بالمدينة النبوية.
=======
فوائد بَابُ رِثَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ ابْنَ خَوْلَةَ
1. هذا الحديث أخرجه البخاري في مواضع عشرة من “صحيحه”
- هذا ليس من مراثي الموتى، وإنما هو إشفاق منه من موته بمكة بعد هجرته منها وكراهة ما حدث عليه، من ذلك يقول القائل للحي: أنا أرثي لك بما يجري عليك. كأنه يتحزن له، قاله الإسماعيلي.
3. استحباب عيادة المريض؛ وعيادة الإِمام أصحابه؛ وأنها مستحبة في السفر كالحضر وأولى.
4. جواز ذكر المريض ما يجده من شدة المرض لا في معرض التسخط والشكوى، بل لمداواة أو دعاء صالح أو وصية أو استفتاء عن حالة، ولا يكون ذلك قادحًا في خيره وأجر مرضه.
5. إباحة جمع المال؛ لقوله: “وأنا ذو مال”، لأن هذه الصيغة لا تستعمل عرفًا إلَّا لمال كثير، وقد جاء ذلك مبينًا في رواية لمسلم “إن لي مالًا كثيرًا”.
6. استحباب الصدقة لذوي الأموال.
7. مراعاة الوارث في الوصية.
8. تخصيص جواز الوصية بالثلث، وخالف أهل الظاهر فقالوا: للمريض مرض الموت أن يتصدق بكل ماله، ويتبرع به كالصحيح9. أن طلب الغنى للورثة راجح على تركهم عالة
10. الحث على صلة الأرحام والإحسان إلى الأقارب.
11. أن صلة القريب الأقرب والإحسان إليه أفضل من الأبعد.
12. استحباب الإِنفاق في وجوه الخير.
13. أن المباح بالنية يصير طاعة يثاب عليه
14. أن الأعمال الواجبة أو المندوبة يزداد الأجر في فعلها بقصد الطاعة
15. تسلية من كره حالة يخالف ظاهرها الشرع، ولا سبب له فيها، فإن سعدًا خاف فوت مقام الهجرة وموته بالأرض التي هاجر منها بسبب المرض الذي وقع به.
16. أن الإِنسان قد يكون له مقاصد دينية فيقع في مكاره تمنعه منها فيرجو الله خلاصه منها، وذلك مأخوذ من قوله: “ولعلك أن تخلف” إلى آخره.
17. سؤال الله إتمام العمل على وجه لا يدخله نقص؛ لقوله: “اللهم امضِ” إلى آخره
18. فضيلة طول العمر للازدياد من العمل الصالح، وقد نهي عن تمني الموت لضرٍّ نزل به إلَّا لفتنة دين ونحو ذلك.
19. الحث على إرادة وجه الله بالأعمال. - جواز تخصيص عموم الوصية المذكورة في القرآن والسنَّة وهو قول جمهور أهل الأصول
21. فيه معجزات كثيرة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – في قوله لسعد، من طول عمره وفتح البلاد وانتفاع أقوام به، وتضرر آخرين بحياته.
22. منقبة ظاهرة لسعد وفضائل عديدة، منها مبادرته إلى الخيرات.
23. فيه: كمال شفقته – صلى الله عليه وسلم – على جميع خلق الله أحياءً وأمواتًا على حسب مراتبهم. وتقييدها بالشرع.
24. فيه: تعظيم أمر الهجرة وأن ترك إتمامها مما يدخل تحت قوله: “ولا تردهم على أعقابهم”.
25. فيه: أن كسب المال وصرفه في الوجوه المذكورة أفضل من ترك الكسب أو من الخروج عنه جملةً واحدة، وهذا في كسب الحلال الخليّ عن الشبهة.
======
باب رثاء النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة
قال النووي في شرح مسلم:
– قوله (يرثي له رسول الله صلى الله عليه و سلم أن مات بمكة) قال العلماء هذا من كلام الراوي وليس هو من كلام النبي صلى الله عليه و سلم بل انتهى كلامه صلى الله عليه و سلم بقوله لكن البائس سعد بن خولة فقال الراوي تفسيرا لمعنى هذا الكلام أنه يرثيه النبي صلى الله عليه و سلم ويتوجع له ويرق عليه لكونه مات بمكة واختلفوا في قائل هذا الكلام من هو فقيل هو سعد بن أبي وقاص وقد جاء مفسرا في بعض الروايات قال القاضي وأكثر ما جاء أنه من كلام الزهري.
– واختلفوا في قصة سعد بن خولة فقيل لم يهاجر من مكة حتى مات بها قال عيسى بن دينار وغيره وذكر البخاري أنه هاجر وشهد بدرا ثم انصرف إلى مكة ومات بها وقال بن هشام انه هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وشهد بدرا وغيرها وتوفي بمكة في حجة الوداع سنة عشر وقيل توفي بها سنة سبع في الهدنة خرج مجتازا من المدينة فعلى هذا وعلى قول عيسى بن دينار سبب بؤسه سقوط هجرته لرجوعه مختارا وموته بها وعلى قول الآخرين سبب بؤسه موته بمكة على أي حال كان وإن لم يكن باختياره لما فاته من الأجر والثواب الكامل بالموت في دار هجرته والغربة عن وطنه إلى هجرة الله تعالى.
– وفي حديث سعد هذا جواز تخصيص عموم الوصية المذكورة في القرآن بالسنة وهو قول جمهور الأصوليين وهو الصحيح. اهـ
قال العثيمين في شرح البخاري:
– فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يعود أصحابه إذا مرضوا حتى في السفر لأنه عاد سعدا في حجة الوداع وهذا من حسن خلقه.
– فيه جواز ذكر الإنسان ما عنده من المال للحاجة إلى ذلك وإلا فالأولى ألا يخبر لاسيما إذا كان زمان خوف أو سرقة واغتيال.
– فيه أن الإنسان إذا لم يكن له ورثة فينبغي أن يصرف ماله فيما ينفع.
– فيه أنه ينبغي عرض ما يفكر فيه الإنسان على أهل العلم والإيمان والثقة.
– فيه جواز تصدق المريض ولو كان مرضه مخوفا لكن في الحدود الشرعية.
– فيه منع من أراد ما ينفذه ولو كان خيرا إذا كان لا يجيزه الشرع.
– فيه مراعاة الورثة في الغنى والفقر.
– فيه أن ترك الإنسان ماله لورثته خير مع أنه سيتركه رغم أنفه لكن مادام انتفع به الناس فهو خير وله شاهد من السنة فقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن من زرع زرعاً أو غرس نخلاً أو كما قال فأصاب منه طيراً أو حيوان أو إنسان فإن له بذلك أجراً مع أن الرجل ما غرس لهذا الغرض , غرس لينتفع بنفسه، لكن لما تعدى نفع ماله إلى الآخرين صار له بذلك أجراً.
– فيه أن كل نفقه ينفقها الإنسان ابتغاء وجه الله فهو مأجور عليها، حتى النفقة التي تكون معاوضة كنفقة الزوجة مثلاً، نفقة الزوجة ليس للزوج منة بها لأنها في مقابل الانتفاع بالمرأة والاستماع بها ومع ذلك يؤجر عليها مادام أراد بذلك وجه الله، ولو أراد الإنسان بإطعام نفسه وجه الله يؤجر عليه.
– فيه خوف المهاجرين رضي الله عنهم من أن يتخلفوا في البلد الذي هاجروا منه لقول سعد: أخلف بعد أصحابي؟ وهذا استفهام للإشفاق والخوف.
– فيه بيان آية من آيات الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله فيما بعد: ثم لعلك إن تخلف، أي يمد لك في الحياة ويطول عمرك، وقد عمر سعد طويلاً.
– فيه أن من تخلف في البلد الذي هاجر منه لعذر فإن عمله لن يضيع ولهذا قال: فتعمل عملاً صالحاً إلا ازددت به درجة ورفعة.
قلت سيف بن دورة: دليله: في الحديث:
(قلت: أأخلف بعد أصحابي. قال إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة)
بضم الهمزة وفتح اللام المشددة وحذف همزة الاستفهام أي أأخلف (بعد أصحابي) بمكة أو في الدنيا (قال) عليه الصلاة والسلام: (إنك لن تخلف) بضم أوله وفتح ثانيه وثالثه المشدّد وروي أنك أن تخلف وفي كلام الباجي وتفسيره ما يقتضي أن لمن بمعنى أن الشرطية لأنه فسرها بأنك أن ينسأ في أجلك أو أن تخلف بمكة وإنما أراد أن يخرج الكلام على الخبر بالتأويل لأن لن لنفي المستقبل محققًا والمراد هنا احتماله وتوقعه (فتعمل عملاً) صالحًا (تبتغي) تطلب (به وجه الله) عز وجل (إلا ازددت به) بالعمل الصالح ولأبي ذر بها (درجة ورفعة ولعلك تخلف) بأن يطول عمرك (حتى ينتفع بك أقوام) من المسلمين بما يفتحه الله عز وجل على يديك من بلاد الشرك ويأخذه المسلمون من الغنائم (ويضرّ بك آخرون) من المشركين الهالكين على يديك وجنودك وكذا كان فإنه شفي من مرضه ولم يقم بمكة وعاش بعد نيفا وأربعين سنة وولي العراق وفتحها الله عز وجل على يديه فأسلم على يديه خلق كثير فنفعهم الله عز وجل به وقتل وأسر من الكفار كثيرًا فاستضروا به وذلك من جملة أعلام نبوّته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
راجع فتح الباري. وإرشاد الساري وعمدة القاري
– فيه أن الأعمال الصالحة يرفع الله بها درجات وهو يصر الإنسان كلما صلى ازداد رفعة ودرجة، إذا صلى ثانية ازداد رفعة ودرجة وهلم جراً، أي عمل صالح تعمله فإنك تزداد به درجة ورفعة.
– فيه ظهور آية للرسول عليه الصلاة والسلام في أن الله سبحانه وتعالى نفع أقوام بسعد وضر آخرين فقد نفع المسلمين بزيادة الفتوحات لأن الله فتح على يديه بلاد كثيرة، ويضر به آخرون وهم الذين قتلوا في الجهاد الذي سعد قائده على الكفر والعياذ بالله.
– فيه شفقه النبي عليه الصلاة والسلام على أصحابه حيث قال: اللهم امضِ لأصحابي هجرتهم – يعني بقائهم على الإسلام – لأنهم لو كفروا بطلت الهجرة.
– فيه جواز رثاء من حصل له البؤس – يعني التوجع له -. اهـ
جاء في فتاوى نور على الدرب لابن باز:
277 – بيان حكم الرثاء على الميت
إذا كان الرثاء من باب ذكر محاسن الميت بما يشوق إلى التأسي به والاقتداء به في الأعمال الطيبة، من الجود والكرم والجهاد في سبيل الله، وإنكار المنكر، والدعوة إلى الخير، فذكر هذا في المراثي ينفع المسلمين ولا يضرهم، ويرتاح له كل مؤمن، أما إذا كان الرثاء تهيج المصائب، وتدعو إلى النياحة، وتحرك أحوال أهل الميت، حتى يشتغلوا بالنياحة والصياح فلا ينبغي ذكرها، ولا ينبغي قراءتها عندهم؛ لأن هذا يسبب مشكلات، ويفضي إلى محرمات، فلا يفعل. اهـ
“”””””””
– فيه صبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث توفي له أولاده وأصحابه. وأشرف بعضهم على الموت بأمراض. وحورب هو وأصحابه من بعض أقاربه وقريش. وعذبوا أصحابه في مكة. واستشهد من أصحابه الكثير. وجاعوا أشد الجوع. ثم عاداهم الروم وفارس. ولم يكن عنده عصا موسى التي تلتهم كل شيء. ولم يؤمن معه بادئ الأمر إلا قليل.
قال ابن عثيمين:
والصبر ثلاثة أنواع:
الأول: الصبر على الطاعة.
والثاني: الصبر عن المعصية.
والثالث: صبر على أقدار الله المؤلمة:
فإن أصابه مرض أو أصابه مصيبة في ماله أو ولده أو في قريبه فإنه يصبر ولا يجزع
هذا من الإيمان بالله، قال تعالى:
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
أما أقدار الله غير المؤلمة التي تلائم النفس فهذه لا تحتاج إلى صبر، لأن النفس تميل إليها
وهذا النوع الأخير -الصبر على أقدار الله المؤلمة- ذكروا أنه ثلاثة أنواع -أيضا-
النوع الأول: حبس النفس عن الجزع
والنوع الثاني: حبس اللسان عن التشكي لغير الله سبحانه وتعالى
والنوع الثالث: حبس الجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب …
ومن النصوص التي تعين على الصبر على المصائب ما في الكتاب العزيز؛ قال تعالى:
قال تعالى (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
فدلت الآية على مسائل عظيمة:
المسألة الأولى: أن المصائب كلها بقضاء الله وقدره
المسألة الثانية: أن الرضى بها والصبر عليها من خصال الإيمان؛ لأن الله سماه إيمانا
المسألة الثالثة: أن ذلك يثمر هداية القلب إلى الخير وقوة الإيمان واليقين.
اعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد
قال ابن باز:
قال عليه الصلاة والسلام: ليس منا من ضرب الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية وقال عليه الصلاة والسلام: أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها، والشاقة: التي تشق ثوبها. وجاء في هذا المعنى أحاديث كثيرة كلها تدل على تحريم هذه الأعمال لكونها تدل على الجزع وقلة الصبر، فالواجب على المؤمن عند المصائب الاحتساب والصبر، وعدم إظهار ما يدل على الجزع، والله يقول: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ويقول سبحانه: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب
ولما احتضر ابن لبعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إليه وطلبت منه الحضور، فقال لرسولها: إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب فبعثت إليه تؤكد عليه أن يحضر، وكان رؤوفا رحيما عليه
وذهب إلى ابنته فقدموا إليه الطفل ونفسه تقعقع للخروج، فلما رأى علامات الموت ذرفت عيناه عليه الصلاة والسلام بكاء، وسئل عن ذلك فقال: إنها رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء
معنى الحديث: يقول – صلى الله عليه وسلم -: ” ليس منا ” قال الحافظ: أي ليس من أهل سنتنا وطريقتنا، وليس المراد به إخراجه من الدين، ولكن فائدة إيراده بهذا اللفظ المبالغة في الردع عن الوقوع في مثل ذلك، ” من لطم الخدود ” أي من أظهر الجزع والحزن والسخط على قدر الله في أفعاله فلطم الخدود. قال الحافظ: وخص الخد بذلك لأنه الغالب، وإلّا فضرب الوجه داخل في ذلك، ” وشق الجيوب ” جمع جيب وهو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس. أي وشق ثيابه من شدة الجزع ” ودعا بدعوى الجاهلية ” أي وناح على الميت كما كانوا يفعلون في الجاهلية.
وسيأتي عند البخاري باب مفرد في الصبر بعد أبواب.
– رجح ابن عبدالبر أن سعد بن خولة من المهاجرين خلافا لمن قال أنه لم يهاجر:
قال ابن عبدالبر
روى جرير بن حازم، عن عمه جرير بن يزيد، عن عامر بن سعد، عن أبيه، أنه قال: مرضت بمكّة، فأتاني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يَعُودني، فقلت: يا رسول الله؛ أموتُ بأرضي التي هاجرتُ منها؟ ثم ذكر معنى حديث ابن شهاب، وفي آخره: “لكن سعد ابن خولة البائس قد مات في الأرض التي هاجر منها”. وهذا يردُّ قول من قال إنه إنما رثى له لأنه مات قبل أَن يهاجر، وذلك غَلَط واضح، لأنه لم يشهد بَدْرًا إلا بعد هجرته، وهذا ما لا يَشكُّ فيه ذو لُبّ. وقد أَوضحنا هذا المعنى في كتاب التّمهيد.
– مسألة التأبين:
سبق نقلنا: كلام اللجنة الدائمة في أول أبواب كتاب الجنائز:
ففي جواب اللجنة الدائمة للإفتاء في الفتوى رقم 2612 بقولها: [تأبين الميّت ورثاؤه على الطريقة الموجودة اليوم من الاجتماع لذلك والغلو في الثناء عليه، لا يجوز؛ لما رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث عبدالله بن أبي أوفى قال: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي”.
ولما في ذكر أوصاف الميّت من الفخر غالبًا وتجديد للّوعة وتهييج الحزن، وأمّا مجرد الثناء عليه عند ذكره، أو مرور جنازته، أو للتعريف به بذكر أعماله الجليلة نحو
أذلك مما يشبه رثاء بعض الصحابة لقتلى أحد وغيرهم، فجائز .. ] أ. هـ
– تعداد مآثر الميت، أو رفع الصوت بالثناء عليه، أو إعظام حال موته، أو التفجّع عليه وتهييج المصيبة به. وهو محل النهي.
قال ابن دقيق العيد: [يحمل على النعي لغير غرض ديني مثل: إظهار التفجّع على الميّت وإعظام حال موته] إحكام الأحكام [1/ 364].
تنبيه: قلت (سيف) حديث (نهى عن المراثي) ضعفه الألباني كما في الضعيفه 4724.
وسيأتي أن مداره على إبراهيم بن المهاجر.
لكن معناه صحيح لأن هناك مراثي تهييج الأحزان وفيها مبالغة.
قال ابن حجر: رثاء النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن خولة ليس معارضا لنهيه عن المراثي التي هي أوصاف الميت الباعثة على تهييج الحزن وتجديد اللوعة.
——–
وهذا اختصار لبحث بعنوان القول المبين في حكم الرثاء والتأبين:
القسم الأول: المراثي وحكمها
المسألة الأولى: تعريف الرثاء.
يأتي الرثاء في اللغة بتصريفاتها بمعنى:”البكاءُ على الميت بعد موته ومدحه وتعديد محاسنه، أو نظم شعر فيه بعد موته”
(لسان العرب-ابن منظور/مادة رثا)
وكذلك يأتي الرثاء بمعنى التوجع والحزن، قال ابن حجر”ويقال رثيته إذا مدحته بعد موته ورثيت له إذا تحزنت عليه”.
(فتح الباري-ابن حجر) (3/ 514).
فالبكاء على الميت ليس حراما، إلا أن له ما يضبطه حتى لا يؤول إلى الحرام، وكذلك مدحه وذكر محاسنه ونظم الشعر له، فكل يخضع لضوابط تبقيه في دائرة الحل، وسنبين ذلك خلال حديثنا بإذن الله تعالى.
المسألة الثانية: حكم الرثاء.
((وللعلماء رحمهم الله في رثاء الأموات قولان في الجملة.
القول الأول: أنه لا بأس بالمراثي، وهذا مذهب الحنفية، والشافعية.
انظر: “حاشية ابن عابدين” (2/ 239)، “نهاية المحتاج” (3/ 17).
واستدل هؤلاء بأن الكثير من الصحابة رضي الله عنهم فعله، وكذلك فعله كثير من أهل العلم.
انظر: “شرح المنهاج للجمل” (2/ 215).
القول الثاني: أنه تكره المراثي، وهو قول للشافعية.
انظر: “نهاية المحتاج” (3/ 17 (.
واستدل هؤلاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن المراثي، فعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي. رواه الإمام أحمد (18659)، وابن ماجه (1592).
ومدار الحديث على إبراهيم الهجري الراوي عن عبد الله قال عنه البوصيري في مصباح الزجاجة: وهو ضعيف جداً، ضعفه سفيان بن عيينة ويحيى بن معين والنسائي وغيرهم. وقال عنه البخاري: منكر الحديث. ولهذا ضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه.
جاء في الموسوعة الفقهية (22/ 98):
” جَاءَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا بَاسَ بِتَرْثِيَةِ الْمَيِّتِ بِشِعْرٍ أَوْ غَيْرِهِ , لَكِنْ يُكْرَهُ الْإِفْرَاطُ فِي مَدْحِهِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ جِنَازَتِهِ. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَرْثِيَةُ الْمَيِّتِ بِذِكْرِ آبَائِهِ , وَخَصَائِلِهِ , وَأَفْعَالِهِ , وَالْأَوْلَى الِاسْتِغْفَارُ لَهُ. وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ مَا هَيَّجَ الْمُصِيبَةَ مِنْ وَعْظٍ أَوْ إنْشَادِ شِعْرٍ فَمِنْ النِّيَاحَةِ أَيْ: الْمَنْهِيِّ عَنْهَا. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ” انتهى.
? وقد قسّم القرافي في “الفروق” (2/ 174) المراثي إلى أربعة أقسام، فقال:
” لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى إبَاحَةِ الْمَرَاثِي وَعَدَمِ تَفْسِيقِ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ يَرْثُونَ الْمَوْتَى مِنْ الْمُلُوكِ وَالْأَعْيَانِ مُطْلَقًا , وَإِنْ اُشْتُهِرَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ بَلْ الْحَقُّ أَنَّ الْمَرَاثِي عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: حَرَامٌ كَبِيرَةٌ، وَحَرَامٌ صَغِيرَةٌ، وَمُبَاحٌ، وَمَنْدُوبٌ.
1. أمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ حَرَامٌ كَبِيرَةٌ فَكُلُّ كَلَامٍ يُقَرِّرُ فِي النُّفُوسِ وَيُوضِحُ لِلْأَفْهَامِ نِسْبَةَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلَى الْجَوْرِ فِي قَضَائِهِ، وَالتَّبَرُّمِ بِقَدَرِهِ , وَأَنَّ الْوَاقِعَ مِنْ مَوْتِ هَذَا الْمَيِّتِ لَمْ يَكُنْ مَصْلَحَةً، بَلْ مَفْسَدَةً عَظِيمَةً، فَيَحْمِلُ السَّامِعِينَ عَلَى اعْتِقَادِ ذَلِكَ يَكُونُ حَرَامًا كَبِيرَةً نَظْمًا كَانَ أَوْ نَثْرًا.
كَأَنْ يَقُولَ الشَّاعِرُ فِي رِثَائِهِ:
مَاتَ مَنْ كَانَ بَعْضُ أَجْنَادِهِ الْمَوْتَ وَمَنْ كَانَ يَخْتَشِيهِ الْقَضَاءُ فَيَتَضَمَّنُ شِعْرُهُ مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ: “مَنْ كَانَ بَعْضُ أَجْنَادِهِ الْمَوْتَ” تَعْظِيمًا لِشَانِ هَذَا الْمَيِّتِ , وَأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَيِّتِ مَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْلُوَ مِنْهُ مَنْصِبُ الْخِلَافَةِ , وَمَتَى تَاتِي الْأَيَّامُ بِمِثْلِ هَذَا؟ وَنَحْوِ ذَلِكَ , وَيُشِيرُ قَوْلُهُ: “يَخْتَشِيهِ الْقَضَاءُ” إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يَخَافُ مِنْهُ , وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ كُفْرًا صَرِيحًا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِهِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ , فَلِذَا لَمَّا حَضَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْمَحْفِلِ الَّذِي جَمَعَ فِيهِ الْمَلِكُ الصَّالِحُ الْأَكَابِرَ وَالْأَعْيَانَ وَالْقُرَّاءَ وَالشُّعَرَاءَ لِعَزَاءِ الْخَلِيفَةِ بِبَغْدَادَ , وَأَنْشَدَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي مَرْثِيَّتِهِ: مَاتَ مَنْ كَانَ بَعْضُ أَجْنَادِهِ الْمَوْتَ وَسَمِعَهُ الشَّيْخُ أَمَرَ بِتَادِيبِهِ وَحَبْسِهِ وَأَغْلَظَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ , وَبَالَغَ فِي تَقْبِيحِ رِثَائِهِ , وَأَقَامَ بَعْدَ التَّعْزِيرِ فِي الْحَبْسِ زَمَانًا طَوِيلًا , ثُمَّ اسْتَتَابَهُ بَعْدَ شَفَاعَةِ الْأُمَرَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ فِيهِ , وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْظِمَ قَصِيدَةً يُثْنِي فِيهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَكُونُ مُكَفِّرَةً لِمَا تَضَمَّنَهُ شِعْرُهُ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْقَضَاءِ وَالْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يَخَافُ مِنْ الْمَيِّتِ , وَالشُّعَرَاءُ كَثِيرًا مَا يَهْجُمُونَ عَلَى أُمُورٍ صَعْبَةٍ مِثْلِ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي الْإِغْرَابِ وَالتَّمَدُّحِ بِأَنَّهُ طَرَقَ مَعْنًى لَمْ يُطْرَقْ قَبْلَهُ فَيَقَعُونَ فِي هَذَا وَمِثْلِهِ.
وَهَذَا الْقِسْمُ شَرُّ الْمَرَاثِي.
2. وَأَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ حَرَامٌ صَغِيرَةٌ فَكُلُّ كَلَامٍ نَظْمًا أَوْ نَثْرًا لَمْ يَصِلْ إلَى الْغَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّهُ يُبْعِدُ السَّلْوَةَ عَنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ , وَيُهِيجُ الْأَسَفَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى تَعْذِيبِ نُفُوسِهِمْ وَقِلَّةِ صَبْرِهِمْ وَضَجرِهِمْ , وَرُبَّمَا بَعَثَهُمْ عَلَى الْقُنُوطِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ وَضَرْبِ الْخُدُودِ، يَكُونُ حَرَامًا صَغِيرَةً.
3. وَأَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ مُبَاحٌ مِنْ الْمَرَاثِي فَكُلُّ كَلَامٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا فِي الْقِسْمَيْنِ قَبْلَهُ بَلْ ذُكِرَ فِيهِ دِينُ الْمَيِّتِ , وَأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى جَزَاءِ أَعْمَالِهِ الْحَسَنَةِ وَمُجَاوَرَةِ أَهْلِ السَّعَادَةِ. وَأَنَّهُ أَتَى عَلَيْهِ مَا قَضَى عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ , وَأَنَّ هَذَا سَبِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَأَنَّهُ مَوْطِنٌ اشْتَرَكَ فِيهِ جَمِيعُ الْخَلَائِقِ وَبَابٌ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ، يَكُونُ مُبَاحًا خَالِيًا عَنْ التَّحْرِيمِ.
4. وَأَمَّا ضَابِطُ الْمَنْدُوبِ مِنْ الْمَرَاثِي فَكُلُّ كَلَامٍ زَادَ عَلَى مَا فِي قِسْمِ الْمُبَاحِ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْمَيِّتِ بِالصَّبْرِ وَحَثِّهِمْ عَلَى طَلَبِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ , وَأَنَّهُمْ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَحْتَسِبُوا مَيِّتَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَعْتَمِدُونَ فِي حُسْنِ الْخَلَفِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوُ ذَلِكَ، يَكُونُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ مَامُورًا بِهِ.
وَمِنْهُ مَا رُوِيَ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه لَمَّا مَاتَ عَظُمَ مُصَابُهُ عَلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ فقَدِمَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ الْبَادِيَةِ، فَسَأَلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَلَمَّا دخل عليه قال:
اصْبِرْ نَكُنْ بِك صَابِرِينَ فَإِنَّمَا صَبْرُ الرَّعِيَّةِ عِنْدَ صَبْرِ الرَّاسِ
خَيْرٌ مِنْ الْعَبَّاسِ أَجْرُك بَعْدَهُ وَاَللَّهُ خَيْرٌ مِنْك لِلْعَبَّاسِ
فَلَمَّا سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ رِثَاءَهُ وَاسْتَوْعَبَ شِعْرَهُ سَرَّى عَنْهُ عَظِيمَ مَا كَانَ بِهِ.
وَهَذَا كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْجَوْدَةِ مِنْ الرِّثَاءِ، مُسَهِّلٌ لِلْمُصِيبَةِ، مُذْهِبٌ لِلْحُزْنِ، مُحْسِنٌ لِتَصَرُّفِ الْقَضَاءِ، مُثْنٍ عَلَى الرَّبِّ بِإِحْسَانٍ وَجَمِيلِ الْعَوَارِفِ , فَهَذَا حَسَنٌ جَمِيلٌ.
وَعَلَى هَذِهِ الْقَوَانِينِ يَتَخَرَّجُ جَمِيعُ مَا يَرِدُ عَلَيْك مِنْ َالْمَرَاثِي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ ” انتهى باختصار.
وقال في تحفة الأحوذي:
” فَإِنْ قِيلَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَرَاثِي كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ , فَإِذَا نَهَى عَنْهُ كَيْفَ يَفْعَلُهُ؟ – يعني في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه المتقدم –
فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمَرْثِيَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا مَا فِيهِ مَدْحُ الْمَيِّتِ وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِ الْبَاعِثُ عَلَى تَهْيِيجِ الْحُزْنِ وَتَجْدِيدِ اللَّوْعَةِ أَوْ فِعْلِهَا مَعَ الِاجْتِمَاعِ لَهَا أَوْ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْهَا دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ , وَالْمُرَادُ هُنَا تَوَجُّعُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَحَزُّنُهُ عَلَى سَعْدٍ لِكَوْنِهِ مَاتَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِنْهَا، لَا مَدْحَ الْمَيِّتِ لِتَهْيِيجِ الْحُزْنِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ ” انتهى.
وانظر: “فتح الباري” (3/ 164 – 165).
وسئل الشيخ ابن باز: القصائد التي فيها رثاء للميت هل هي من النعي المحرم؟
فأجاب: ” ليست القصائد التي فيها رثاء للميت من النعي المحرم، ولكن لا يجوز لأحد أن يغلو في أحد ويصفه بالكذب، كما هي عادة الكثير من الشعراء ” انتهى.) مجموع فتاوى ابن باز).
وخلاصة القول:
أن المراثي يختلف حكمها باختلاف طبيعتها
1 – فإن كانت متضمنة لاعتراض على قدر الله عز وجل فهي محرمة بل ومن الكبائر كما سبق
2 – وإن كانت متضمنة لكلام أو شعر فيه تهييج للوعة أهل الميت وتجديد لأحزانهم فهذا حرام منهي عنه، ولكنه دون المرتبة الأولى في الحرمة.
3 – إن كان ليس فيه مما في المرتبتين السابقتين، كذكر حال الميت وأنه انتقل إلى جزاء أعماله الحسنة ومجاورة أهل السعادة ونحو ذلك، وأن هذا سبيل لا بد منه ويشترك فيه الخلائق جميعا، فهذا مباح.
4 – وإن كان فيه حث لأهل الميت على الصبر على مصابهم، وكذلك مدح الميت بما فيه تخفيفا على أهل الميت فهذا مندوب، بل إن صاحبه مأجور بإذن الله تعالى. والله أعلم
القسم الثاني: حفلات التأبين وحكم إقامتها
المسألة الأولى: تعريف حفل التأبين.
أما تعريفه في اللغة فلا يختلف عن الرثاء، فهو كذلك مدح الرجل بعد موته، كما في لسان العرب
ولكن التأبين بصورته المعاصرة يختلف عن ذلك، ونستطيع وصفه بقولنا:
“هو اجتماع جماعة من الناس عند أهل الميت، أو في مكان ما، يتذاكرون في اجتماعهم حال الميت وأمجاده، ويكون اجتماعا سنويا يوافق تاريخ موته”، ومنه ما تقوم به بعض الجماعات والتنظيمات، أو العائلات، أو المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، لتأبين قادتها وشهدائها وعظمائها
وهذا النوع من الرثاء محرم لاشك لما فيه من مناهٍ كثيرة تخالف ما جاء في شرع الله تعالى، وسنبين مجموعة من هذه المخالفات بإذنه تعالى.
المسألة الثانية: أوجه تحريم حفلات التأبين
أولا: فيه تقليد للكفار
ثانيا: يعد من النياحة على الميت
كثيرا ما يقوم أهل الميت بصنع الطعام للحاضرين والتفاخر بالأعداد القادمة للتأبين، وغير ذلك مما ورد النهي عنه تلميحا أو تصريحا من الصحابة والتابعين.
فقد أخرج الإمام أحمد في (مسنده) (6905) وابن ماجه في (سننه) (1601) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال:
“كنا نعد (وفي رواية: نرى) الاجتماع إلى أهل الميت، وصَنيعَةَ الطعامِ بعد دفنه من النياحة”.
وهذا عامٌّ في كل وقت، سواء كان بعد الدفن مباشرة، أو بعد فترة كالسنويات والأربعينيات وغير ذلك.
ثالثا: يعد من البدع المحدثة الدخيلة
وقد ذكر ذلك الشيخ ناصر الدين الألباني في كتابه (أحكامُ الجنائِزِ وبِدَعُها) (ص323):
“تأبين الميت ليلة الأربعين أو عند مرور كل سنة المسمى بالتذكار”
وقد ذكر هذه النقطة في قسم البدع في آخر كتابه تحت عنوان (التعزية وملحقاتها) (المسألة رقم:131)، وعزاها إلى كتاب الإبداع في مضار الابتداع (ص125) للشيخ علي محفوظ.
قال الشيخ ابن عثيمين في كتابه (القول المفيد شرح كتاب التوحيد) (1/ 246):
“كل شيء يتخذ عيداً يتكرر كل أسبوع، أو كل عام وليس مشروعاً، فهو من البدع … “ا. هـ.
رابعا: فيه من الغلو في الصالحين مالا يخفى
فإن في تعظيم الميت وذكر مناقبه ما يقود-في كثير من الأحيان- إلى الغلو في مدحة إلى درجة قد تكسبه الولاية.
خامسا: فيه تعظيم ليوم من أيام السنة لم تعظمه الشريعة أصلا.
وقد أفرد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة بابا منفردا في كتابه القيم (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم)، فقد قال في اتخاذ يوم من الأيام حصلت فيه مناسبة معينة أن يتخذ عيدا سنويا (ص407):
” اتخاذ هذا اليوم عيدًا محدث لا أصل له، فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم-من اتخذ ذلك اليوم عيدًا، حتى يحدث فيه أعمالًا. إذ الأعياد شريعة من الشرائع، فيجب فيها الاتباع، لا الابتداع.
وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة: مثل يوم بدر، وحنين، والخندق، وفتح مكة، ووقت هجرته، ودخوله المدينة، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين. ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعيادًا. وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعيادًا، أو اليهود، وإنما العيد شريعة، فما شرعه الله اتبع. وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه”
هذه بعض مساوئ إقامة حفل التأبين والأولى من إقامته الدعاء للميت والاستغفار له، فالدعاء والاستغفار يغيران حال الميت بعد موته، وليست إقامة المراثي وحفلات التأبين وتنصيب النائحات المستأجرات مما يغير حال الميت إلى الأحسن، بل قد يؤثر ذلك على الميت فيعذَّب به في قبره والعياذ بالله
وقال الخطابي في (غريب الحديث) (1/ 649) معلقا على حديث عبد الله بن أبي أوفي في النهي عن المراثي:
“الذي ذكره من المراثي: النياحة، وما يدخل في معناها من تأبين الميت على ما جرى عليه مذاهب أهل الجاهلية من قول المراثي، ونصب النوائح على قبور موتاهم، فأما المراثي التي فيها ثناء على الميت ودعاء له، فغير مكروهة، وقد رثى رسول الله غير واحد من الصحابة، وندبته فاطمة بكلام مذكور عنها، ورثي أبو بكر وعمر وغيرهما من الصحابة بمراث رواها العلماء، ولم يكرهوا إنشادها، وهي أكثر من أن تحصى”. اهـ
سادسا: كثيرا ما يكون تمجيد لشخص و وصفه بما ليس فيه والمبالغة في ذلك، وفيه كذب لا يخفى
كما هو حال بعض المنظمين لتأبين الشخصيات التي تتبنى أفكارا إلحادية أو علمانية أو شيوعية، أو أفكارا مخالفة لمعتقد أهل السنة والجماعة
شبهة …
هناك من يرى بأن كتابة سيرة فلان ومدحة وذكر محاسنة في ذكرى وفاته – ولو مجرد كتابة ونشر- أن ذلك لا في التأبين المحرم، لأن ليس فيه إقيد خلامة للحفلات وتجمع الناس ونحو ذلك.
والجواب عليه، أنه لا فرق بين هذه وتلك، فهذا خطأ، وذاك خطأ، ولكن فرقٌ بين خطأ وآخر، ولكن في هذا الفعل مسايرة لأهل الكفر، وتقليد لهم، وهو يعتبر جزء من إقامة حفلات التأبين أو دعوة له
هذا والله تعالى أعلم .. والحمد لله رب العالمين