1574 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
وهشام السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان رحمه الله ووالديهم ووالدينا)
———-‘——-
الصحيح المسند
1574 عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين.
…………………………..
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا) رواه مسلم (2188).
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ” كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ ” رواه أبو داود (3880)، وصحح إسناده الألباني في ” سلسلة الأحاديث الصحيحة ” (6/ 61).
وأخرج الإمام أحمد (15550)، ومالك (1811)، والنسائي، وابن حبان، وصححه الألباني في “المشكاة” (4562) عن سهل بن حنيف: ” أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وسار معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخرار (اسم موضع) من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد فنظر إليه عامر بن ربيعة أحد بني عدي بن كعب وهو يغتسل فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط سهل، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله، هل لك في سهل والله ما يرفع رأسه، قال: (هل تتهمون فيه من أحد؟) قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا فتغيظ عليه، وقال: (علام يقتل أحدكم أخاه، هلا إذا رأيت ما يعجبك برَّكت)، ثم قال له: (اغتسل له)، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخِلة إزاره في قدح، ثم صب ذلك الماء عليه، يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه، ثم يكفأ القدح وراءه، ففعل به ذلك، فراح سهلٌ مع الناس ليس به بأسٌ “.
(جلد مخبأة) أي: جلد عذارء
(لبط) أي: صُرع وسقط
(داخلة إزاره) أي: الجزء الملامس للبدن من الإزار
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء:
” وإذا عُلم أن إنسانا أصابه بعينه، أو شك في إصابته بعين أحد، فإنه يؤمر العائن أن يغتسل لأخيه، فيحضر له إناء به ماء، فيدخل كفه فيه فيتمضمض ثم يمجه في القدح، ويغسل وجهه في القدح، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ركبته اليمنى في القدح، ثم يدخل يده اليمنى فيصب على ركبته اليسرى، ثم يغسل إزاره، ثم يصب على رأس الذي تصيبه العين من خلفه صبةً واحدةً فيبرأ بإذن الله “.
انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ” (1/ 186).
ثانيا:
وبهذا يتبين أن على مَنْ أُمِرَ بالاغتسال من إخوته أن يبادر إلى ما فيه نفع أخيه، ولا يعني ذلك أنه متصف بالحسد والحقد عياذا بالله، فإن العين قد تكون من الرجل الصالح المحب، فإذا صدرت، بادر إلى رفع أثرها بالطريق الذي جاءت به السنة، والأمر يسير ولله الحمد.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
” وفي الحديث من الفوائد أيضا: أن العائن، إذا عُرِفَ: يُقْضَى عليه بالاغتسال.
وأن الاغتسال من النُّشْرة النافعة.
وأن العين تكون مع الإعجاب، ولو بغير حسد، ولو من الرجل المحب، ومن الرجل الصالح “.
انتهى من “فتح الباري” لا بن حجر (10/ 205).
قال النووي رحمه الله:
” قال: وقد اختلف العلماء في العائن، هل يُجبر على الوضوء للمَعين، أم لا؟
واحتج من أوجبه بقوله صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم هذه: (وإذا استغسلتم فاغسلوا)، وبرواية الموطأ التي ذكرناها أنه صلى الله عليه وسلم أمره بالوضوء، والأمر للوجوب.
قال المازري: والصحيح عندي الوجوب، ويبعد الخلاف فيه إذا خُشي على المعين الهلاك، وكان وضوء العائن مما جرت العادة بالبرء به، أو كان الشرع أخبر به خبرا عاما، ولم يكن زوال الهلاك إلا بوضوء العائن؛ فإنه يصير من باب مَنْ تَعَيَّنَ عليه إحياء نفس مشرفة على الهلاك، وقد تقرر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطر؛ فهذا أولى.
وبهذا التقرير يرتفع الخلاف فيه، هذا آخر كلام المازري “.
“شرح النووي على صحيح مسلم” (14/ 172)، “المعلم بفوائد مسلم” للمازري (3/ 157 – 158).
العين: لغة: يقال عان الرجل، يعينه عيناً فهو عائن، والمصاب معين على النقص، ومعيون على التمام. أصابه بالعين [لسان العرب، ابن منظور 13/ 301].
?اصطلاحاً: حقيقة العين نظر باستحسان مشوب بحسد من خبث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر [فتح الباري، ابن حجر 10/ 200].
وقيل بأنها: سم جعله الله في عين العائن إذا تعجب من شيء ونطق به ولم يبارك فيما تعجب منه [الموسوعة الفقهية 31/ 120].
?فالعين: هي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين، تصيبه تارة، وتخطئه تارة، فإن صادفته مكشوفاً لا وقاية عليه، وغير محافظ على أذكار الصباح والمساء، أصابته وأثرت فيه، وإذا كان متحصناً بالقرآن والأذكار محافظاً على شعائر دينه، ولا منفذ للسهام إليه، لم تؤثر فيه، بل ربما ردت السهام على صاحبها، وإذا أرد الله بعبدٍ أمراً كان مفعولاً أنساه الأذكار، للامتحان والاختبار، نسأل الله السلامة من العين والحسد [زاد المعاد، ابن القيم 4/ 167بتصرف].?
العين حق:
?ربما شكك بعض الناس في العين وحقيقتها، والصحيح أن العين حق، وأنها تصيب الإنسان وربما قتلته، والوقائع شاهدة بذلك بين الناس.
العين مأخوذة من عان يعين، إذا أصابه بعينه، وأصلها من إعجاب العائن بالشيء، ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة، ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرها إلى المعين، وقد أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من الحاسد فقال تعالى: {وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} فكل عائن حاسد، وليس كل حاسد عائناً، فلما كان الحاسد أعم من العائن، كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن.
فالجمهور من العلماء على إثبات الإصابة بالعين للأحاديث المذكورة وغيرها، ولما هو مشاهد وواقع، وأما حديث: ” ثلث ما في القبور من العين “، فلا صحة له، وأخرج البزار بسند حسن، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله عز وجل وقضائه وقدره بالأنفس ” يعني بالعين [حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة ج2، ص 372].
ويجب على المسلم أن يحصن نفسه من الشياطين من مردة الجن والإنس، وذلك بقوة الإيمان بالله، واعتماده وتوكله عليه، ولجوئه وضراعته إليه، والتعوذات النبوية، وكثرة قراءة المعوذتين وسورة الإخلاص، وفاتحة الكتاب وآية الكرسي ففي ذلك حراسة للنفس من العين والحسد وغيرهما بإذن الله تعالى.
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله هذا السؤال:
?تعاني أختي من مرض، وقد غلب على ظننا أنها أصيبت بالعين، وذلك منذ سنتين، وفي إحدى الليالي القريبة وقبل الفجر رأيت إحدى قريباتي وهي تنصحني بأخذ أختي لعلاجها عند شخص أسمته بأحد أحياء مدينتنا، وقولها: إنه سبق أن عالج مثل هذه الحالة بالرقية الشرعية، فبماذا تنصحوننا؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب: يشرع علاج المصاب بالعين بالرقية الشرعية، من الرجل الثقة المعروف بذلك، أو المرأة المعروفة بذلك، لكن إذا كانت الرقية من الرجل فإنه لا يجوز أن يخلو بها، بل يجب أن يكون معها ثالث تزول به الخلوة.
وإن عرف العائن شرع استغساله، بأن يغسل وجهه وكفيه في إناء ثم يغتسل به المعين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حق العائن: ” وإذا استغسلتم فاغسلوا ” [مجموع فتاوى ومقالات متنوعة].?
وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:?هل العين تصيب الإنسان؟ وكيف تعالج؟ وهل التحرز منها ينافي التوكل؟
?فأجاب: رأينا في العين أنها حق ثابت شرعاً وحساً قال الله تعالى: {وإَن يَكَادُ الَّذينَ كَفَرُوا لَيُزلِقُونَكَ بِأبصَارِهِم} [القلم 68]، قال ابن عباس وغيره في تفسيرها أي: يعينوك بأبصارهم، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استُغسلتم فاغسلوا ” [رواه مسلم]، ومن ذلك ما رواه النسائي وابن ماجة، أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل …. “، والواقع شاهد بذلك ولا يمكن إنكاره.
ثبوت العين بالأدلة الشرعية:
كما أسلفنا أن العين حق، وأنها تؤثر في المعيون فتمرضه، وربما قتلته، والأدلة على ثبوت الإصابة بالعين كثيرة من القرآن الكريم، والسنة الصحيحة من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم ومنها:?
أ- من القرآن الكريم:
1 – قال تعالى: {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف67].
?ذكر الكثير من المفسرين أن المراد من الآية خوف يعقوب عليه السلام على أبنائه من الإصابة بالعين، ولذلك أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة وليس من باب واحد.
2 – وقال تعالى: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} [القلم51].
في هذه الآية دليل على وجود العين وإصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل [فتح الحق المبين 193].
3 – وقال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ 1 مِن شَرِّ مَا خَلَقَ 2 وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ 3 وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ 4 وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ 5} [الفلق].
والشاهد من السورة قوله تعالى: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق5].
ب- من السنة الصحيحة:?1 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” العين حق، ونهى عن الوشم ” [رواه البخاري].
2 – وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” العين حق، فلو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا ” [رواه مسلم].
3 – وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان، وعين الإنسان، حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلت أخذ بهما وترك ما سواهما ” [رواه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني].
4 – وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” استعيذوا بالله من العين فإن العين حق ” [أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 938].
5 – وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن العين لتولع بالرجل بإذن الله حتى يصعد حالقا ثم يتردى منه ” [أخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ج2/ص550]
ومعنى الحديث: أن العين تلازم المعيون فتؤثر فيه حتى يصعد مكاناً مرتفعاً ثم يسقط من أعلاه، فنسأل الله العظيم أن يقينا شر العين والحسد.
6 – وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين ” [أخرجه البزار وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 1217].
7 – وعنه رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت عميس رضي الله عنها: ” ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة (نحيفة) تصيبهم الحاجة؟ ” قالت: لا، ولكن العين تسرع إليهم، قال: ” أرقيهم “، قالت: فعرضت عليه فقال: ” أرقيهم ” [أخرجه مسلم].
——————
*في كتاب الطب من صحيح البخاري رحمه الله:*
– باب رقية العين، وتحته حديث واحد؛
عن عائشة، رضي الله عنها قالت: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر أن يسترقى من العين.
– باب العين حق، وتحته حديث واحد كذلك؛
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العين حق ونهى عن الوشم.
_________
*قال ابن حجر رحمه الله في شرح الباب الأول:*
(قوله باب رقية العين)
أي رقية الذي يصاب بالعين تقول عنت الرجل أصبته بعينك فهو معين ومعيون ورجل عائن ومعيان وعيون والعين نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر
وقد وقع عند أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه: (العين حق ويحضرها الشيطان وحسد بن آدم).
وقد أشكل ذلك على بعض الناس فقال: كيف تعمل العين من بُعْد حتى يحصل الضرر للمعيون؟
والجواب: أن طبائع الناس تختلف فقد يكون ذلك من سم يصل من عين العائن في الهواء إلى بدن المعيون، وقد نقل عن بعض من كان معيانا أنه قال: إذا رأيت شيئا يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني، ويقرب ذلك بالمرأة الحائض تضع يدها في إناء اللبن فيفسد ولو وضعتها بعد طهرها لم يفسد. وكذا تدخل البستان فتضر بكثير من الغروس من غير أن تمسها يدها، ومن ذلك أن الصحيح قد ينظر إلى العين الرمداء فيرمد ويتثاءب واحد بحضرته فيتثاءب هو. (أشار إلى ذلك بن بطال).
وقال الخطابي: في الحديث أن للعين تأثيرا في النفوس وإبطال قول الطبائيعين أنه لا شيء إلا ما تدرك الحواس الخمس وما عدا ذلك لا حقيقة له.
وقال المازري: زعم بعض الطبائعيين أن العائن ينبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيهلك أو يفسد وهو كإصابة السم من نظر الأفاعي وأشار إلى منع الحصر في ذلك مع تجويزه وأن الذي يتمشى على طريقة أهل السنة أن العين إنما تضر عند نظر العائن بعادة أجراها الله تعالى أن يحدث الضرر عند مقابلة شخص لآخر وهل ثم جواهر خفية أو لا؟ هو أمر محتمل لا يقطع بإثباته ولا نفيه. ومن قال ممن ينتمي إلى الإسلام من أصحاب الطبائع بالقطع بأن جواهر لطيفة غير مرئية تنبعث من العائن فتتصل بالمعيون وتتخلل مسام جسمه فيخلق الباري الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السموم فقد أخطأ بدعوى القطع ولكن جائز أن يكون عادة ليست ضرورة ولا طبيعة. اه
وهو كلام سديد وقد بالغ ابن العربي في إنكاره قال ذهبت الفلاسفة إلى أن الإصابة بالعين صادرة عن تأثير النفس بقوتها فيه فأول ما تؤثر في نفسها ثم تؤثر في غيرها وقيل: إنما هو سم في عين العائن يصيب بلفحه عند التحديق إليه كما يصيب لفح سم الأفعى من يتصل به ثم رد الأول بأنه لو كان كذلك لما تخلفت الإصابة في كل حال والواقع خلافه. والثاني: بأن سم الأفعى جزء منها وكلها قاتل والعائن ليس يقتل منه شيء في قولهم إلا نظره وهو معنى خارج عن ذلك. قال: والحق أن الله يخلق عند نظر العائن إليه وإعجابه به إذا شاء ما شاء من ألم أو هلكة وقد يصرفه قبل وقوعه إما بالاستعاذة أو بغيرها وقد يصرفه بعد وقوعه بالرقية أو بالاغتسال أو بغير ذلك. اه كلامه.
وفيه بعض ما يتعقب فإن الذي مثل بالأفعى لم يرد أنها تلامس المصاب حتى يتصل به من سمها وإنما أراد أن جنسا من الأفاعي اشتهر أنها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك فكذلك العائن وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في حديث أبي لبابة الماضي في بدء الخلق عند ذكر الأبتر وذي الطفيتين قال: (فإنهما يطمسان البصر ويسقطان الحبل) وليس مراد الخطابي بالتأثير المعنى الذي يذهب إليه الفلاسفة بل ما أجرى الله به العادة من حصول الضرر للمعيون. وقد أخرج البزار بسند حسن عن جابر رفعه: (أكثر من يموت بعد قضاء الله وقدره بالنفس) قال الراوي: يعني بالعين وقد أجرى الله العادة بوجود كثير من القوى والخواص في الأجسام والأرواح كما يحدث لمن ينظر إليه من يحتشمه من الخجل فيرى في وجهه حمرة شديدة لم تكن قبل ذلك وكذا الاصفرار عند رؤية من يخافه، وكثير من الناس يسقم بمجرد النظر إليه وتضعف قواه وكل ذلك بواسطة ما خلق الله تعالى في الأرواح من التأثيرات. ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إلى العين وليست هي المؤثرة وإنما التأثير للروح. والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها فمنها ما يؤثر في البدن بمجرد الرؤية من غير اتصال به لشدة خبث تلك الروح وكيفيتها الخبيثة والحاصل: أن التأثير بإرادة الله تعالى وخلقه ليس مقصورا على الاتصال الجسماني بل يكون تارة به وتارة بالمقابلة وأخرى بمجرد الرؤية وأخرى بتوجه الروح كالذي يحدث من الأدعية والرقى والالتجاء إلى الله وتارة يقع ذلك بالتوهم والتخيل فالذي يخرج من عين العائن سهم معنوي إن صادف البدن لا وقاية له أثر فيه وإلا لم ينفذ السهم بل ربما رد على صاحبه كالسهم الحسي سواء.
قوله (قالت أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر أن يسترقى من العين) أي يطلب الرقية ممن يعرف الرقى بسبب العين
وفي هذا الحديث: مشروعية الرقية لمن أصابه العين. وقد أخرج الترمذي وصححه والنسائي من طريق عبيد بن رفاعة عن أسماء بنت عميس أنها قالت: يا رسول الله إن ولد جعفر تسرع إليهم العين أفأسترقي لهم قال نعم الحديث وله شاهد من حديث جابر أخرجه مسلم قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لآل حزم في الرقية.
وقال لأسماء مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة أتصيبهم الحاجة قالت لا ولكن العين تسرع إليهم قال أرقيهم فعرضت عليه فقال ارقيهم وقوله ضارعة بمعجمة أوله أي نحيفة وورد في مداواة المعيون
أيضا ما أخرجه أبو داود من رواية الأسود عن عائشة أيضا قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر العائن أن يتوضأ ثم يغتسل منه المعين وسأذكر كيفية اغتساله في شرح حديث الباب الذي بعد هذا
_____
*وقال في شرح الباب الثاني:*
(قوله باب العين حق:
أي: الإصابة بالعين شيء ثابت موجود أو هو من جملة ما تحقق كونه. قال المازري: أخذ الجمهور بظاهر الحديث وأنكره طوائف المبتدعة لغير معنى؛ لأن كل شيء ليس محالا في نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل فهو من متجاوزات العقول. فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى. وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به من أمور الآخرة؟
قوله: (العين حق ونهى عن الوشم)
يحتمل: أن يقال المناسبة بينهما اشتراكهما في أن كلا منهما يحدث في العضو لونا غير لونه الأصلي.
وقد ظهرت لي مناسبة بين هاتين الجملتين لم أر من سبق إليها: وهي أن من جملة الباعث على عمل الوشم تغير صفة الموشوم لئلا تصيبه العين فنهى عن الوشم مع إثبات العين وأن التحيل بالوشم وغيره مما لا يستند إلى تعليم الشارع لا يفيد شيئا وأن الذي قدره الله سيقع.
وأخرج مسلم من حديث بن عباس رفعه: (العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا)
فأما الزيادة الأولى ففيها تأكيد وتنبيه على سرعة نفوذها وتأثيره في الذات وفيها إشارة إلى الرد على من زعم من المتصوفة أن قوله: (العين حق) يريد به القدر أي العين التي تجري منها الأحكام فإن عين الشيء حقيقته والمعنى: أن الذي يصيب من الضرر بالعادة عند نظر الناظر إنما هو بقدر الله السابق لا بشيء يحدثه الناظر في المنظور. ووجه الرد: أن الحديث ظاهر في المغايرة بين القدر وبين العين وإن كنا نعتقد أن العين من جملة المقدور لكن ظاهره إثبات العين التي تصيب إما بما جعل الله تعالى فيها من ذلك وأودعه فيها وإما بإجراء العادة بحدوث الضرر عند تحديد النظر
وإنما جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء إذ القدر عبارة عن سابق علم الله وهو لا راد لأمره أشار إلى ذلك القرطبي
وحاصله لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين لكنها لا تسبق فكيف غيرها
وقد أخرج البزار من حديث جابر بسند حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالأنفس قال الراوي يعني بالعين.
وقال النووي في الحديث إثبات القدر وصحة أمر العين وأنها قوية الضرر.
وأما الزيادة الثانية في الاستغسال:
حكى المازري فيه خلافا وصحح الوجوب وقال متى خشي الهلاك وكان اغتسال العائن مما جرت العادة بالشفاء به فإنه يتعين وقد تقرر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطر وهذا أولى
ولم يبين في حديث ابن عباس صفة الاغتسال وقد وقعت في حديث سهل بن حنيف عند أحمد والنسائي وصححه بن حبان من طريق الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم …. فذكر قصة إصابته بالعين وفيه:
ثم قال اغتسل له فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم يصب ذلك الماء عليه رجل من خلفه على رأسه وظهره ثم يكفأ القدح ففعل به ذلك فراح سهل مع الناس ليس به بأس.
لفظ أحمد من رواية أبي أويس عن الزهري ولفظ النسائي من رواية بن أبي ذئب عن الزهري بهذا السند أنه يصب صبة على وجهه بيده اليمنى وكذلك سائر أعضائه صبة صبة في القدح.
وقال في آخره ثم يكفأ القدح وراءه على الأرض.
ووقع في رواية بن ماجة من طريق بن عيينة عن الزهري عن أبي أمامة أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل فذكر الحديث وفيه فليدع بالبركة ثم دعا بماء فأمر عامرا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره وأمره أن يصب عليه
قال سفيان قال معمر عن الزهري وأمر أن يكفأ الإناء من خلفه
قال المازري المراد بداخلة الإزار الطرف المتدلي الذي يلي حقوه الأيمن قال فظن بعضهم أنه كناية عن الفرج انتهى
وزاد عياض أن المراد ما يلي جسده من الإزار وقيل: أراد موضع الإزار من الجسد. وقيل: أراد وركه لأنه معقد الإزار. والحديث في الموطأ: وفيه عن مالك حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل: أنه سمع أباه يقول: اغتسل سهل فذكر نحوه وفيه فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء فوعك سهل مكانه واشتد وعكه وفيه ألا بركت إن العين حق توضأ له فتوضأ له عامر فراح سهل ليس به بأس
تنبيهات
الأول اقتصر النووي في الأذكار على قوله الاستغسال أن يقال للعائن: اغسل داخلة إزارك مما يلي الجلد فإذا فعل صبه على المنظور إليه وهذا يوهم الاقتصار على ذلك وهو عجيب ولا سيما وقد نقل في شرح مسلم كلام عياض بطوله
الثاني: قال المازري: هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل فلا يرد لكونه لا يعقل معناه.
وقال ابن العربي: إن توقف فيه متشرع قلنا له: قل: الله ورسوله أعلم وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة أو متفلسف فالرد عليه أظهر؛ لأن عنده أن الأدوية تفعل بقواها وقد تفعل بمعنى لا يدرك ويسمون ما هذا سبيله الخواص.
وقال ابن القيم: هذه الكيفية لا ينتفع بها من أنكرها ولا من سخر منها ولا من شك فيها أو فعلها مجربا غير معتقد وإذا كان في الطبيعة خواص لا يعرف الأطباء عللها بل هي عندهم خارجة عن القياس. وإنما تفعل بالخاصية فما الذي تنكر جهلتهم من الخواص الشرعية هذا مع أن في المعالجة بالإغتسال مناسبة لا تأباها العقول الصحيحة فهذا ترياق سم الحية يؤخذ من لحمها وهذا علاج النفس الغضبية توضع اليد على بدن الغضبان فيسكن فكان أثر تلك العين كشعلة نار وقعت على جسد ففي الاغتسال إطفاء لتلك الشعلة ثم لما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد لشدة النفوذ فيها ولا شيء أرق من المغابن فكان في غسلها إبطال لعملها ولا سيما أن للأرواح الشيطانية في تلك المواضع اختصاصا وفيه أيضا وصول أثر الغسل إلى القلب من أرق المواضع وأسرعها نفاذا فتنطفئ تلك النار التي أثارتها العين بهذا الماء
الثالث: هذا الغسل ينفع بعد استحكام النظرة فأما عند الإصابة وقبل الاستحكام فقد أرشد الشارع إلى ما يدفعه بقوله في قصة سهل بن حنيف المذكورة كما مضى: (ألا بركت عليه) وفي رواية بن ماجة: (فليدع بالبركة) ومثله عند بن السني من حديث عامر بن ربيعة وأخرج البزار وابن السني من حديث أنس رفعه (من رأى شيئا فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره)
وفي الحديث من الفوائد أيضا:
اختلف في جريان القصاص بذلك فقال القرطبي لو أتلف العائن شيئا ضمنه ولو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة وهو في ذلك كالساحر عند من لا يقتله كفرا انتهى
ولم يتعرض الشافعية للقصاص في ذلك بل منعوه. وقالوا إنه لا يقتل غالبا ولا يعد مهلكا.
وقال النووي في الروضة ولا دية فيه ولا كفارة لأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس في بعض الأحوال مما لا انضباط له كيف ولم يقع منه فعل أصلا وإنما غايته حسد وتمن لزوال نعمة وأيضا فالذي ينشأ عن الإصابة بالعين حصول مكروه لذلك الشخص ولا يتعين ذلك المكروه في زوال الحياة فقد يحصل له مكروه بغير ذلك من أثر العين اه
ولا يعكر على ذلك إلا الحكم بقتل الساحر فإنه في معناه والفرق بينهما فيه عسر
ونقل ابن بطال عن بعض أهل العلم فإنه ينبغي للإمام منع العائن إذا عرف بذلك من مداخلة الناس وأن يلزم بيته فإن كان فقيرا رزقه ما يقوم به فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي أمر عمر رضي الله عنه بمنعه من مخالطة الناس كما تقدم واضحا في بابه وأشد من ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله من حضور الجماعة قال النووي: وهذا القول صحيح متعين لا يعرف عن غيره تصريح بخلافه.