1283 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح وأحمد بن علي وناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان رحمه الله ووالديهم ووالدينا)
——-‘——–‘——–
قال البخاري رحمه الله تعالى:
بَاب زِيَارَةِ الْقُبُورِ
1283 – حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي قَالَتْ إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي وَلَمْ تَعْرِفْهُ فَقِيلَ لَهَا إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ لَمْ أَعْرِفْكَ فَقَالَ إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى
———‘———‘——–
فوائد الحديث:
1 – قوله (زيارة القبور) أي حكمها.
2 – سبق ذكر حديث أنس وتخريجه وذكر جملة من فوائده في الباب السابع من كتاب الجنائز باب قول الرجل للمرأة عند القبر اصبري. حديث رقم 1252.
3 – قَالَ ابن عبد البر -بعد أن ذكر حَدِيثِا- فيه مِنَ الْفِقْهِ إِبَاحَةُ الْخُرُوجِ إِلَى الْمَقَابِرِ وَزِيَارَةِ الْقُبُورِ وَهَذَا أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ لِلرِّجَالِ وَمُخْتَلَفُ فِيهِ لِلنِّسَاءِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَة … قاله فِي التمهيد
4 – لا خلاف فى جوازها للرِّجال، وأن النهى قد نسخ، واختلف فيه للنساء قاله القاضي عياض فِي إِكمَال المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم.
5 – … أهل العلم قاطبة -كما قال الحازمي- عَلَى الإذن في زيارة القبور للرجال قاله ابن الملقن في التوضيح.
6 – عن بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها رَوَاهُ مُسْلِمٌ 977 , فيه نسْخ النهي , فهل يتناول النساءِ أيضا؟ فيه بحث وسيأتي إن شاء الله تعالى.
7 – (ومعنى النهي عن زيارة القبور إنما كان في أول الإسلام عند قربهم بعبادة الأوثان واتخاذ القبور مساجد، والصلاة إليها، نُسخ النهي عن زيارتها؛ لانها تُذكِرُ بالآخرةِ، وتُزهد في الدنيا). قاله ابن الملقن في التوضيح
8 – فِي رَوَاية (فإنها تزهد في الدنيا، وتذكر الآخرة) عند ابن ماجة عن ابن مسعود , وفِي رَوَاية (وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا) عند ابن ماجة عن زيد بن ثابت. وفِي رَوَاية (فإنَّ فيها عِبْرةً) عند الإمام أحمد في مسنده 11329عن أبي سعيد الخدري, وفِي رَوَاية (فإنها ترق القلب، وتدمع العين، وتذكر الاخرة، ولا تقولوا هجرا) عند الحاكم بسند حسن قاله الألباني
9 – … (إن تزر تذكر) لأن الإنسان إذا شاهد القبر يذكر الموت ونزوله باللحد بعده من الأهوال وفيه عظة واعتبار والمراد تذكر بها الآخرة ليعمل لها لا ذكرا مجردا عن العمل …. قالوا: إنه ليس للقلوب القاسية أنفع من زيارة القبور … قاله الامير فِي التَّنويرُ شَرْحُ الجَامِع الصَّغِير.
نعم اطلع في القبور واعتبر بالنشور.
10 – وَرَدَ النَّسْخُ بِالْإِبَاحَةِ عَلَى الْعُمُومِ فَجَائِزٌ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ فِيهِ رَجُلًا وَلَا امْرَأَةً نقله ابن عبد البر فِي التمهيد ثم قال:
11 – وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا اقْتَضَتِ الْإِبَاحَةُ زِيَارَةَ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَجَائِزٌ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ وَغَيْرُ جَائِزٍ ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ لِمَا خَصَّصَ فِي ذَلِكَ قاله ابن عبد البر فِي التمهيد. ثم أورد الحديث التالي:
12 – عَنِ أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعن زوارات القبور رواه الترمذي , وابن ماجه وصححه الألباني لغيره.
13 – قال ابن عبد البر:
مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَبْلَ الْإِبَاحَةِ وَتَوَقِّي ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ الْمُتَجَالَّاتِ أَحَبُّ إِلَيَّ فَأَمَّا الشَّوَابُّ فَلَا تُؤْمَنُ الْفِتْنَةُ عَلَيْهِنَّ وَبِهِنَّ حَيْثُ خَرَجْنَ وَلَا شَيْءَ لِلْمَرْأَةِ أَفْضَلُ مِنْ لُزُومِ قَعْرِ بَيْتِهَا، وَلَقَدْ كَرِهَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ خُرُوجَهُنَّ إِلَى الصَّلَوَاتِ فَكَيْفَ إِلَى الْمَقَابِرِ وَمَا أَظُنُّ سُقُوطَ فَرْضِ الْجُمُعَةِ عَنْهُنَّ إِلَّا دَلِيلًا عَلَى إِمْسَاكِهِنَّ عَنِ الْخُرُوجِ فِيمَا عَدَاهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قاله فِي التمهيد.
14 – قال القرطبي: ويُمكن أن يُقال إنَّ النِّساءَ إنما يُمنعن من إكثار الزيارة؛ لما يؤدي إليه الإكثار من تضييع حقوق الزوجِ، والتبرج والشهرة والتشبه عن تلازم القبور لتعظيمها، ولما يخاف عليها من الصراخ، وغير ذلك من المفاسد، وعلى هذا يُفرق بين الزائرات والزوَّارات نقله ابن الملقن في التوضيح.
15 – والذي ذهب إليه الشافعي: أن الرجال يستحب لهم زيارة القبور ويكره للنساء. قاله ابن الأثير في الشافي في شرح مسند الشافعي. قلت وهو الذي أميل إليه.
16 – (أَصَحَّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ صَرِيحًا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ وَمَا يُوَافِقُهُ مِنَ الْأَخْبَارِ فَلَوْ تَنَزَّهْنَ عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَالْخُرُوجِ إِلَى الْمَقَابِرِ وَزِيَارَةِ الْقُبُورِ كَانَ أَبْرَأَ لِدِينِهِنَّ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ) قاله البيهقي السنن الكبرى.
17 – وأما حديث الباب فليس فيه حجة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر محرما وهو أولى من إنكار ما دونه. ثم فيه زيارة النبي صلى الله عليه وسلم للقبور وأما المرأة فيمكن أن يقال كما في اتباع الجنائز أي” ولَم يعزم علينا”
18 – وأثر عائشة في ذهابها لقبر أخيها ففي رواية (ولو شهدتك ما زرتك) فيضعف استدلالهم على الاستحباب.
19 – ويقول عند الزيارة (السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون رواه مسلم 974 من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها, وعنده أيضا 975 من حديث بريدة (أسأل الله لنا ولكم العافية)
(20) الزيارة الشرعية هي نحو ما تقدم من أخذ العظة والعبرة والدعاء للميت وأما من ذهب ظانا أن الدعاء يستجاب عند قبر معين ما لايستجاب عند غير أو يذهب هناك لدعاء الميت من دون الله فهي زيارة بدعية وأسوأ من ذلك أن يشد الرحال إليها.
(21) – ذكرنا أن الراجح كراهة زيارة النساء للقبور وأما الزوارات أي كثيرات الزيارة ففعلهن محرم بل على مقتضى تعريف الكبيرة فإنه يدخل فيها.
=====
======
1. الحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
2. قول البخاري “باب زيارة القبور” بدون تصريح بالحكم يدل على أنه لم يصح عنده حكمٌ فيها بالمنع أو بالإيجاب.
3. وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من التواضع والرفق بالجاهل؛ لأنه لم ينتهر المرأة حين قالت له: إليك عني. وعذرها بمصيبتها
4. وفيه: أنه من اعتذر إليه بعذر لائح أنه يجب عليه قبوله.
5. فيه الترغيب في الصبر عند أول وقوع المصيبة، لما يترتب على ذلك من عظيم المثوبة والأجر عند الله تعالى، حيث يؤجر على ذلك بغير حساب. كما قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) فالصبر عند أوّل نزول البلاء هو الذي يثاب عليه بغير حساب كما قال – صلى الله عليه وسلم -: ” إنما الصبر عند الصدمة الأولى “.
6. قال الخطابي: “المعنى: أن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة بخلاف ما بعد ذلك، فإنه على الأيام يسلو”.
7. قال ابن الملقن: انفرد الماوردي بقوله: لا تجوز زيارة المسلم قبر قريبه الكافر، مستدلا بقوله {ولا تقم على قبره} [التوبة: 84]. والأحاديث على خلاف ما قال.
8. في الحديث جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الرجل إلى المرأة التي لا يعرفها ولا تعرفه.
9. وفي الحديث جواز مخاطبة المرأة طالما أنه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولضرورة شرعية مع غض الطرف وأمن الفتنة
10. قال الشيخ ابن باز رحمه الله كما في الحلل الإبريزية: هذا الحديث وقت الرخصة.
11. وفيه: إن الحاكم لا ينبغي له أن يتخذ من يحجبه عن حوائج الناس.
12. وفيه: أن من أمر بمعروف ينبغي له أن يقبل وإن لم يعرف الآمر.
- وفيه: أن الجزع من المنهيات لأمره، صلى الله عليه وسلم، لها بالتقوى مقرونا بالصبر.
14. وفيه: الترغيب في احتمال الأذى عند بذل النصيحة ونشر الموعظة.
15. وفيه: أن المواجهة بالخطاب إذا لم تصادف المنوي لا أثر لها. وبنى عليه بعضهم ما إذا قال: يا هند أنت طالق، فصادف عمرة أن عمرة لا تطلق.
16. فيه مهادنة الثائر المعترض على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرفق به لئلا يفضي التغليظ عليه إلى ما هو أشد وأكثر ضررا.
17. فيه الحث على آداب الخطاب وإنزال الناس منازلهم
18. قوله: (فقيل لها)، القائل هو: الفضل بن العباس كما في “الأوسط” للطبري.
=====
باب زيارة القبور
قال الأثيوبي في ذخيرة العقبى
الفوائد التي اشتمل عليها الحديث بطوله:
– منها: ما ترجم له المصنف -رحمه الله تعالى-، وهـو الأمر بالأحتساب، والصبر عند المصيبة، فإن قوله: “الصبر عند الصدمة الأولى” فيه الحث على التغلب على الجزع عند أول نزول المصيبة، واحتسابها على الله تعالى.
–
– ومنها: جواز زيارة القبور، سواء كان الزائر رجلا، أو امرأة، وسواء كان المزور مسلما أو كافرا، لعدم الاستفصال في ذلك، قال النووي -رحمه الله-: وبالجواز قطع الجمهور، وقال صاحب “الحاوي”: لا تجوز زيارة قبر الكافر، وهـو غلط انتهى.وقال أيضا:
المسألة الرابعة: في أقوال أهـل العلم في حكم زيارة القبور:
قال الامام الترمذي -رحمه الله تعالى- في “جامعه” بعد أن أخرج حديث الباب: ما نصه: والعمل على هـذا عند أهـل العلم، لا يرون بزيارة القبور بأسا، وهـو قول ابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال أيضا بعد أن أخرج حديث أبي هـريرة – رضي الله عنه -: “أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعن زوارات القبور”. ما نصه: وقد رأى بعض أهـل العلم أن هـذا كان قبل أن يرخص النبي – صلى الله عليه وسلم – في زيارة القبور، فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء. وقال بعضهم: إنما كره زيارة القبور للنساء، لقلة صبرهـن، وكثرة جزعهن انتهى ك?م الترمذي -رحمه الله- تعالى.
وقال العلامة القرطبي -رحمه الله تعالى-: قوله: “فزروهـا” نص في النسخ للمنع المتقدم، لكن اختلف العلماء، هـل هـذا النسخ عام للرجال وللنساء، أم هـو خاص للرجال، دون النساء، والأول أظهر. وقد دل على صحة ذلك أنه – صلى الله عليه وسلم – قد رأى امرأة تبكي عند قبر، فلم ينكر عليها الزيارة، وإنما أنكر عليها البكاء.
وقال الأثيوبي أيضا:
عند قوله: “فإنها تذكر الموت”: ما نصه: وتذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء، على أن أصح ما في نهي النساء عن زيارة القبور ما خرجه الترمذي، عن أبي هـريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “لعن زوارات القبور”، صححه الترمذي على أن في إسناده عمر بن أبي سلمة، وهـو ضعيف عندهـم. ثم إن هـذا اللعن إنما هـو للمكثرات من الزيارة، لأن زوارات للمبالغة، ويمكن أن يقال: إن النساء إنما يمنعن من إكثار الزيارة؛ لما يؤدي إليه ا?كثار من تضييع حقوق الزوج، والتبرج، والشهرة، والتشبه بمن ي?زم القبور لتعظيمها، ولما يخاف عليها من الصراخ، وغير ذلك من المفاسد، وعلى هـذا يفرق بين الزائرات، والزوارت، والصحيح نسخ المنع عن الرجال والنساء، كما تقدم، والله تعالى أعلم انتهى ك?م القرطبي -رحمه الله تعالى-.
قال الجامع – عفا الله تعالى عنه -: هـذا الذي قاله القرطبي -رحمه الله تعالى-، هـو الحق؛ لقوة دليله.
وقال في موضع آخر:
قال الجامع – عفا الله تعالى عنه -: الراجح في هـذه المسألة هـو ما عليه أكثر أهـل العلم، من أن زيارة القبور جائزة للرجال والنساء؛ لصحة الأحاديث بذلك:
فمنها: حديث الباب، فإن الخطاب، وإن كان للذكور، إلا أنه يشمل النساء بدليل ا?حاديث الأخرى.
ومنها: حديث عائشة – رضي الله عنها – الذي أخرجه مسلم، من حديثها الطويل، وفيه: أنها قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟: قال: “قولي: الس?م على أهـل الديار …. الحديث.
ومنها: ما أخرجه الحاكم بإسناد صحيح من طريق أبي التياح يزيد بن حميد، عن عبد الله بن أبي مليكة: “أن عائشة – رضي الله عنها – أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين، من أين أقبلت؟ قالت من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم كان نهى، ثم أمر بزيارتها”.
ومنها: حديث أنس – رضي الله عنه – عند البخاري، وقد تقدم قريبا، فإنه – صلى الله عليه وسلم – لم ينكر عليها زيارتها للقبر، وإنما أنكر عليها البكاء، وعدم الصبر، ولذلك استدل به الامام البخاري على جواز زيارة القبور، ولم يذكر من ا?حاديث الدالة على الجواز في “باب زيارة القبور” غيره، قال الحافظ في “الفتح”: وكأنه لم تثبت على شرطه ا?حاديث المصرحة بالجواز.
والحاصل أن هـذه ا?حاديث الصحاح تدل دلالة واضحة على جواز زيارة القبور للنساء. ولم يأت المانعون بحجة تعارض هـذه الأحاديث الصحاح، فكل ما استدلوا به من الأحاديث لا يخلو من كلام …
والحاصل أن الصواب جواز زيارة القبور للنساء، لكن بشرط أن يكن ملتزمات ما أوجب الشرع عليهن عند الخروج إلى المساجد، ونحوهـا، بأن يكن محتجبات، غير متطيبات، وغير مظهرات زينتهن، وغير قاصدات للمحظور المذكور، من النياحة، بل لمجرد السلام، والدعاء للميت، وتذكر الأخرة، والاعتبار بأصحاب القبور، كما بين النبي – صلى الله عليه وسلم – ذلك حينما أمر بزيارتها، بقوله: “إنها تذكر الأخرة”، وقوله: “تزهـد في الدنيا”، و”ترق القلب، وتدمع العين”، وأشار – صلى الله عليه وسلم – إلى اجتناب المحظورات بقوله: “فلا تقولوا هـجرا”. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهـو حسبنا، ونعم الوكيل. اه
قال الألباني في الضعيفة تحت حديث 6446:
نهينا عن زيارة القبور ولم يعزم علينا. لا أصل له بلفظ (الزيارة). وأشار الشيخ الألباني للأحاديث الدالة على زيارة القبور وأنه عام يشمل النساء. قال: وهي مجموعة في فصل خاص كنت عقدته في كتابي أحكام الجنائز رقم 116 وبعضها قد ذكرها الفقيهان المقدسيان كما عقدت قبله فصلا آخر في أن فضل اتباع الجنائز خاص بالرجال دون النساء.
وبهذه المناسبة أقول: المشهور عند الحنابلة، وبخاصة منهم إخواننا النجديين كراهة زيارة النساء للقبور، ويتشددون في ذلك، حتى ليكاد جمهورهم لا يعرفون
في مذهبهم إلا الكراهة! مع أن الفقيهين قد ذكرا عن الإمام رواية أخرى: أنه لا
تكره. واستدلا لها بعموم الحديث المذكور آنفاً، وبزيارة عائشة – أفقه النساء
الصحابيات وكثير من الصحابة – لقبر أخيها عبد الرحمن بعد وفاة الرسول عليه
الصلاة والسلام. وقد رأيت احتجاج الإمام أحمد بهذا الأثر ورده على شبهة لبعض المخالفين، فأحببت أن أنقله إلى القراء، لعزته – حتى عند الحنابلة – وفائدته …
قال أبو بكر: وسمعت ابا عبد الله – يعني أحمد بن حنبل – يُسأل عن المرأة
تزور القبر؟ فقال: أرجو – إن شاء الله – أن لا يكون به بأس، عائشة زارت قبر أخيها.
قال: ولكن حديث ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعن زوارات القبور. ثم: قال هذا أبو صالح .. ماذا؟ كأنه يضعفه. ثم قال: أرجو إن شاء الله، عائشة زارت قبر أخيها.
قيل لأبي عبد الله: فالرجال؟ قال: أما الرجال فلا بأس به “.
وعلى هذا، فليست المعالجة لما يقع من النساء من المخالفة للشرع عند الزيارة
بالتشدد المشار إليه، فإن مثله يقع أيضاً من الرجال، وإنما تكون بتذكيرهم بالغاية
من شرعية الزيارة، وهي ترقيق القلب وتذكر بالآخرة، والسلام على أهل القبور،
فمن زار على الوجه المشروع، فهو المتبع، ومن خالف، فهو المبتدع، لا فرق في
ذلك بين الرجال والنساء. اهـ
وقال في أحكام الجنائز أيضا:
لكن لا يجوز لهن الاكثار من زيارة القبور والتردد عليها، لان ذلك قد يفضي بهن إلى مخالفة الشريعة، من مثل الصياح والتبرج واتخاذ القبور مجالس للنزهة، وتضييع الوقت في الكلام الفارغ، كما هو مشاهد اليوم في بعض، البلاد الاسلامية، وهذا هو المراد – إن شاء الله – بالحديث المشهور: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي لفظ: لعن الله) زوارات القبور) …
فقد تبين من تخريج الحديث أن المحفوظ فيه إنما هو بلفظ (زوارات) لاتفاق حديث أبي هريرة وحسان عليه وكذا حديث ابن عباس في رواية الاكثرين، على ما فيه من ضعف فهي إن لم تصلح للشهادة فلا تضر، كما لا يضر في الاتفاق المذكور الرواية الاخرى من حديث ابن عباس كما هو ظاهر، وإذا كان الامر كذلك فهذا اللفظ (زوارات) إنما يدل على لعن النساء اللاتي يكثرن الزيارة.
بخلاف غيرهن فلا يشملهن اللعن، فلا يجوز حينئذ أن يعارض بهذا الحديث ما سبق من الاحاديث الدالة على استحباب الزيارة للنساء، لانه خاص وتلك عامة.
فيعمل بكل منهما في محله، فهذا الجمع أولى من دعوى النسخ، وإلى نحو ما ذكرنا ذهب جماعة من العلماء …
ثم ذكر قول القرطبي والشوكاني. اه
قال الشوكاني في نيل الأوطار:
قوله: «إنما الصبر عند الصدمة ا?ولى» في رواية للبخاري ” عند أول صدمة ” ونحوهـا لمسلم والمعنى إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع فذلك هـو الصبر الكامل الذي يترتب عليه ا?جر، وأصل الصدم ضرب الشيء الصلب بمثله، فاستعير للمصيبة الواردة على القلب وقال الخطابي: المعنى أن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة بخ?ف ما بعد ذلك وقال غيره: إن المراد، ? يؤجر على المصيبة؛ ?نها ليست من صنعه، وإنما يؤجر على حسن تثبته وجميل صبره. اه
=====
حديث لعن زوارات القبور:
هذا الحديث جاء عن ثلاثة من الصحابة: ابن عباس وأبي هريرة وحسان بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين.
أما حديث ابن عباس فقد تفرد به عنه أبو صالح , باذام، وما يتفرد به يعتبر منكرا وغير صالح للتقوية. قال الحافظ وثقه العجلي وتوثيق العجلي لا يعتد به فكيف إذا خولف بهذا الجرح الشديد. ونقل تضعيف الأئمة له.
وحديث أبي هريرة تفرد به عمر بن أبي سلمة وهو ضعيف، قال النسائي: ليس بالقوي. وضعفه ابن معين، وقال ابن خزيمة: لا يحتج به وقال أبو حاتم: صدوق لا يحتج. وضعفه شعبة، وقال ابن مهدي: أحاديثه واهية.
وأما حديث حسان بن ثابت ففي إسنادة عبد الرحمن بن بهمان، ذكره ابن حبان في الثقات له ووثقه العجلي. ولا يحتمل تفرده بهذا الحديث، فحديثه مستغرب!
وفيه عبدالرحمن بن حسان مجهول حال
والحاصل أن هذا الحديث طرقه كلها ضعيفة لا يصح منها شيء. والله أعلم
قال القرطبي: وهذه الأحاديث تشتمل على فقه عظيم وهو جواز زيارة القبور للرجال والنساء والسلام عليها …. ولو كان بكاؤهن وزيارتهن حراما لنهى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة ولزجرها زجرا يزجر مثله من أتى محرما. وارتكب منهيا، وما روي من نهي النساء عن زيارة القبور فغير صحيح. إلا أن عمل النساء في خروجهن مما لا يجوز لهن، من تبرج أو كلام أو غيره فذلك هو المنهي عنه. التذكرة
قال الحاكم: وهذه الأحاديث المروية في النهي عن زيارة القبور منسوخة والناسخ لها حديث علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها.
وقال الحاكم أيضاً: عقب رواية زيارة فاطمة رضي الله عنها لقبر عمها حمزة رضي الله عنه: وقد استقصيت في الحث على زيارة القبور تحرياً للمشاركة في الترغيب وليعلم الشحيح بذنبه أنها سنة مسنونة وصلى الله على محمد وآله أجمعين
قال الشوكاني: ويجمع بين الأدلة بأن المنع لمن كانت تفعل في الزيارة ما لا يجوز من نوح وغيره والإذن لمن لم تفعل ذلك.
لكن إن غلب على الظن المفاسد خاصة في هذا الزمان فنقول كما قال ابن تيمية وابن القيم:
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وإذا قيل مفسدة الاتباع للجنائز أعظم من مفسدة الزيارة لأن المصيبة حديثة وفي ذلك أذى للميت وفتنة للحى بأصواتهن وصورهن قيل ومطلق الاتباع أعظم من مصلحة الزيارة لأن في ذلك الصلاة عليه التى هي أعظم من مجرد الدعاء ولأن المقصود بالاتباع الحمل والدفن والصلاة فرض على الكفاية وليس شيء من الزيارة فرضاً على الكفاية وذلك الفرض يشترك فيه الرجال والنساء بحيث لو مات رجل وليس عنده إلا نساء لكان حمله ودفنه والصلاة عليه فرضاً عليهن وفى تغسيلهن للرجال نزاع وتفصيل وكذلك إذا تعذر غسل الميت هل ييمم فيه نزاع معروف وهو قولان فى مذهب أحمد وغيره فإذا كان النساء منهيات عما جنسه فرض على الكفاية ومصلحته أعظم إذا قام به الرجال فما ليس بفرض على أحد أولى، وقول القائل مفسدة التشييع أعظم ممنوع بل إذا رخص للمرأة فى الزيارة كان ذلك مظنة تكرير ذلك فتعظم فيه المفسدة ويتجدد الجزع والأذى للميت فكان ذلك مظنة قصد الرجال لهن والافتتان بهن كما هو الواقع فى كثير من الأمصار فإنه يقع بسبب زيارة النساء القبور من الفتنة والفواحش والفساد ما لا يقع شيء منه عند اتباع الجنائز، وهذا كله يبين أن جنس زيارة النساء أعظم من جنس اتباعهن وأن نهي الاتباع إذا كان نهي تنزيه لم يمنع أن يكون نهي الزيارة نهي تحريم وذلك أن نهي المرأة عن الاتباع قد يتعذر لفرط الجزع كما يتعذر تسكينهن لفرط الجزع أيضا فإذا خفف هذه القوة المقتضى لم يلزم تخفيف ما لايقوى المقتضى فيه وإذا عفا الله تعالى للعبد عما لا يمكن تركه الا بمشقة عظيمة لم يلزم أن يعفو له عما يمكنه تركه بدون هذه المشقة الواجبة.
وقال ابن القيم: وأما النساء فإن هذه المصلحة وإن كانت مطلوبة منهن لكن ما يقارن زيارتهن من المفاسد التي يعلمها الخاص والعام من فتنة الأحياء وإيذاء الأموات والفساد الذي لا سبيل إلى دفعه إلا بمنعهن منها أعظم مفسدة من مصلحة يسيرة تحصل لهن بالزيارة والشريعة مبناها على تحريم الفعل إذا كانت مفسدته أرجح من مصلحته ورجحان هذه المفسدة لا خفاء به فمنعهن من الزيارة من محاسن الشريعة، وكذلك اتباعهن الجنازة وزر لا أجر لهن فيه إذ لا مصلحة لهن ولا للميت في اتباعهن لها بل فيه مفسدة للحي والميت.
تخريج بعض الأحاديث التي ذكرها ابن حجر في فتح الباري:
رواية: (فإنها تذكر الآخرة) أخرجه أبو داود، والنسائي … . سنده صحيح
وللحاكم فيه (وترق القلب وتدمع العين. فلا تقولوا هجرا) حسنه محقق فتح المجيد أخونا اليماني.
روى الحاكم من طريق ابن أبي مليكة أنه رأى عائشة زارت قبر أخيها وقالت: كان نهى ثم أمر بزيارتها.
أخرجه ابن ماجه مختصر: (أرخص في زيارة القبور) وهو في الصحيح المسند 1545 لكن أعله الإمام أحمد والدارقطني حيث الصواب عن ابن أبي مليكة عن بعض الكوفيين. العلل ومعرفة الرجال 320.
وعلل الدارقطني 3709. وأشار البيهقي لتفرد بسطام.
———””’——-“”——–
تبويبات الأئمة على حديث الباب:
-بوب النووي في شرح مسلم بقوله: باب في الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى.
-وبوب الترمذي بقوله: باب ما جاء أن الصبر في الصدمة الأولى.
-وبوب النسائي بقوله: باب الأمر بالإحتساب والصبر عند نزول المصيبة.
-وفي كتابه عمل اليوم والليلة قال: ما يقول إذا أصابته مصيبة.
-وبوب ابن حبان في صحيحه بقوله: ذكر الأمر لمن أصيب بمصيبة في الدنيا.
-وبوب البغوي في شرح السنة بقوله: باب الصبر عند الصدمة الأولى وثواب الصابرين، قال تعالى: (ِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَائِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَائِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)
-البيهقي في شعب الإيمان قال: السبعون من شعب الإيمان وهو الصبر على المصائب وعما تنزع إليه النفس من لذة وشهوة.
-وفي كتابه الآداب قال باب المؤمن قل ما يخلو من البلاء لِمَا يُراد به من الخير.
-وفي السنن الكبرى قال باب الرغبة في أن يتعزى بما أمر الله تعالى به من الصبر والاسترجاع.