46 لطائف التفسير
جمع سيف بن دورة الكعبي
وشارك عبدالله البلوشي أبو عيسى وعبدالله المشجري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات حاكم الإمارات زايد الخير آل نهيان رحمه الله ووالديهم)
————”———–”———-
قوله تعالى
(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
[سورة التوبة 103]
فيه إشارة لحقيقة تزكية النفس
فتقدم التخلية ثم التحلية
——”’——–“‘———
قال ابن القيم رحمه الله:
الباب الثامن: فى زكاة القلب
الزكاة فى اللغة: هى النماء والزيادة فى الصلاح، وكمال الشاء، يقال: زكا الشاء إذا نما، قال الله تعالى:
{خُذْ مِنْ أمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
فجمع بين الأمرين: الطهارة والزكاة، لتلازمهما. فإن نجاسة الفواحش والمعاصى فى القلب بمنزلة الأخلاط الرديئة فى البدن، وبمنزلة الدغل فى الزرع، وبمنزلة الخبث فى الذهب والفضة والنحاس والحديد، فكما أن البدن إذا استفرغ من الأخلاط الرديئة تخلصت القوة الطبيعية منها فاستراحت، فعملت عملها بلا معوق ولا ممانع، فنما البدن، فكذلك القلب إذا تخلص من الذنوب بالتوبة فقد استفرغ من تخليطه، فتخلصت إرادة القلب وإرادته للخير، فاستراح من تلك الجواذب الفاسدة والمواد الرديئة: زكا ونما، وقوى واشتد، وجلس على سرير ملكه، ونفذ حكمه فى رعيته، فسمعت له وأطاعت. فلا سبيل له إلى زكاته إلا بعد طهارته كما قال تعالى:
{قُلْ لِلمُؤْمِنِينَ يغُضُّوا مِنْ أبْصَارِهْمِ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أزْكَى لَهُمْ إنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يصْنَعُونَ} [النور: 30].
فجعل الزكاة بعد غض البصر وحفظ الفرج.
إغاثة اللهفان (1/ 46 – 47)
ولشيخ الإسلام كلام طويل حول هذا المعنى لكن فيه استطرادات فيحتاج لاختصار
في مجموع الفتاوى (15/ 387) والصفحات التي بعدها
—–‘——
تفسير ابن قيّم الجوزيّة — ابن القيم ((751) هـ)
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: (103)]
* (فائدة)
وكل من القلب والبدن محتاج إلى أن يتربى؛ فينمو ويزيد حتى يكمل ويصلح فكما أن البدن محتاج إلى أن يزكو بالأغذية المصلحة له والحمية عما يضره، فلا ينمو إلا بإعطائه ما ينفعه، ومنع ما يضره، فكذلك القلب لا يزكو ولا ينمو، ولا يتم صلاحه إلا بذلك، ولا سبيل له إلى الوصول إلى ذلك إلا من القرآن، وإن وصل إلى شيء منه من غيره فهو نزر يسير لا يحصله به تمام المقصود، وكذلك الزرع لا يتم إلا بهذين الأمرين، فحينئذ يقال: زكا الزرع وكمل.
ولما كانت حياته ونعيمه لا تتم إلا بزكاته وطهارته لم يكن بد من ذكر هذا وهذا، فنقول:
الزكاة في اللغة: هي النماء والزيادة في الصلاح، وكمال الشيء، يقال: زكا الشيء إذا نما، قال الله تعالى: {خُذْ مِن أمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهم وتُزَكِّيهِمْ بِها} [التوبة: (103)].
فجمع بين الأمرين: الطهارة والزكاة، لتلازمهما. فإن نجاسة الفواحش والمعاصي في القلب بمنزلة الأخلاط الرديئة في البدن، وبمنزلة الدغل في الزرع، وبمنزلة الخبث في الذهب والفضة والنحاس والحديد، فكما أن البدن إذا استفرغ من الأخلاط الرديئة تخلصت القوة الطبيعية منها فاستراحت، فعملت عملها بلا معوق ولا ممانع، فنما البدن، فكذلك القلب إذا تخلص من الذنوب بالتوبة فقد استفرغ من تخليطه، فتخلصت إرادة القلب وإرادته للخير، فاستراح من تلك الجواذب الفاسدة والمواد الرديئة: زكا ونما، وقوى واشتد، وجلس على سرير ملكه، ونفذ حكمه في رعيته، فسمعت له وأطاعت. فلا سبيل له إلى زكاته إلا بعد طهارته كما قال تعالى: {قُلْ لِلمُؤْمِنِينَ يغُضُّوا مِن أبْصارِهْمِ ويَحْفَظُوا فُرُوجَهم ذلِكَ أزْكى لَهم إنّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يصْنَعُونَ} [النور: (30)].
فجعل الزكاة بعد غض البصر وحفظ الفرج.
———–
قال ابن عاشور:
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)
لما كان من شرط التوبة تدارك ما يمكن تداركه مما فات وكان التخلف عن الغزو مشتملاً على أمرين هما عدم المشاركة في الجهاد، وعدم إنفاق المال في الجهاد، جاء في هذه الآية إرشاد لطريق تداركهم ما يُمكن تَدَارُكه مما فات وهو نفع المسلمين بالمال، فالانفاقُ العظيم على غزوة تُبوك استنفد المال المعد لنوائب المسلمين، فإذا أخذ من المخلفين شيء من المال انجبر به بعض الثلم الذي حلّ بمال المسلمين.
فهذا وجه مناسبة ذكر هذه الآية عقب التي قبلها. وقد روي أن الذين اعترفوا بذنوبهم قالوا للنبيء صلى الله عليه وسلم هذه أموالنا التي بسببها تخلفنا عنك خذها فتصدق بها وطهرنا واستغفر لنا، فقال لهم: لم أومر بأن آخذ من أموالكم. حتى نزلت هذه الآية فأخذ منهم النبي صلى الله عليه وسلم صدقاتهم، فالضمير عائد على آخرين اعترفوا بذنوبهم.
والتاء في {تطهّرهم} تحتمل أن تكون تاء الخطاب نظراً لقوله: {خذ}، وأن تكون تاء الغائبة عائدة إلى الصدقة. وأيّاماً كان فالآية دالة على أن الصدقة تطهر وتزكي.
والتزكية: جعل الشيء زكياً، أي كثير الخيرات. فقوله: {تطهرهم} إشارة إلى مقام التخلية عن السيئات. وقوله: {تزكيهم} إشارة إلى مقام التحلية بالفضائل والحسنات. ولا جرم أن التخلية مقدمة على التحلية. فالمعنى أن هذه الصدقة كفارة لذنوبهم ومجلبة للثواب العظيم.
والصلاة عليهم: الدعاء لهم. وتقدم آنفاً عند قوله تعالى: {وصلوات الرسول} [التوبة: 99]. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية إذا جاءه أحد بصدقته يقول: اللهم صل على آل فلان. كما ورد في حديث عبد الله بن أبي أوفى يجمع النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه في هذا الشأن بين معنى الصلاة وبين لفظها فكان يُسْأل من الله تعالى أن يصلي على المتصدِق. والصلاة من الله الرحمة، ومن النبي الدعاء.
وجملة: {إن صلواتك سكن لهم} تعليل للأمر بالصلاة عليهم بأن دعاءه سكن لهم، أي سبب سَكَن لهم، أي خير. فإطلاق السكن على هذا الدعاء مجاز مرسل.
والسكن: بفتحتين ما يُسكَن إليه، أي يُطمأن إليه ويُرتاح به. وهو مشتق من السكون بالمعنى المجازي، وهو سكون النفس، أي سلامتها من الخوف ونحوه، لأن الخوف يوجب كثرة الحذر واضطراب الرأي فتكون النفس كأنها غير مستقرة، ولذلك سمي ذلك قلقاً لأن القلق كثرة التحرك. وقال تعالى: {وجاعل الليل سكناً} [الأنعام: 96] وقال: {والله جعل لكم من بيوتكم سكَناً} [النحل: 80]، ومن أسماء الزوجة السكن، أو لأن دعاءه لهم يزيد نفوسهم صلاحاً وسكوناً إلى الصالحات لأن المعصية تردد واضطراب، كما قال تعالى: {فهم في ريبهم يترددون} [التوبة: 45]، والطاعة اطمئنان ويقين، كما قال تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}
[الرعد: 28].
وجملة: {والله سميع عليم} تذييل مناسب للأمر بالدعاء لهم. والمراد بالسميع هنا المجيب للدعاء. وذكره للإشارة إلى قبول دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ففيه إيماء إلى التنويه بدعائه. وذكر العليم إيماء إلى أنه ما أمره بالدعاء لهم إلا لأن في دعائه لهم خيراً عظيماً وصلاحاً في الأمور.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وأبو جعفر ويعقوب {صلواتِك} بصيغة الجمع. وقرأه حفص عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف {صلاتك} بصيغة الإفراد. والقراءتان سواء، لأن المقصود جنس صلاته عليه الصلاة والسلام. فمن قرأ بالجمع أفاد جميع أفراد الجنس بالمطابقة لأن الجمع المعرف بالإضافة يعم، ومن قرأ بالإفراد فهمت أفراد الجنس بالالتزام.
قال الطبري: قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، خذ من أموال هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم فتابوا منها (صدقة تطهرهم)، من دنس ذنوبهم (وتزكيهم بها)، يقول: وتنمِّيهم وترفعهم عن خسيس منازل أهل النفاق بها, إلى منازل أهل الإخلاص
قال البغوي:
قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) بها من ذنوبهم، (وتزكيهم بها) أي: ترفعهم من منازل المنافقين إلى منازل المخلصين. وقيل: تنمي أموالهم
قال السعدي:
قال تعالى لرسوله ومن قام مقامه، آمرا له بما يطهر المؤمنين، ويتمم إيمانهم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وهي الزكاة المفروضة، {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} أي: تطهرهم من الذنوب والأخلاق الرذيلة.
{وَتُزَكِّيهِمْ} أي: تنميهم، وتزيد في أخلاقهم الحسنة، وأعمالهم الصالحة، وتزيد في ثوابهم الدنيوي والأخروي، وتنمي أموالهم.
—-
وهذا باحث جمع بعض الآيات التي فيها التخلية قبل التحلية:
* قال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} فهذا نفيٌ وإثباتُ. وفي الآيةِ ردٌ على المشبهة والمعطلة. فيجب أن يخلو القلب من كل براثنِ التمثيل، ومن كل ما كان يعتقده المشركون الجاهلون من تشبيه الله بخلقه، أو تشبيه خلق الله به، فإذا خلا القلب من كل ذلك، وبرئ من التشبيه والتمثيل، أثبت ما يستحقه الله -جل وعلا- من الصفات، فأثبت هنا صفتين، وهما السمع والبصر.
* قال تعالى {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى} فقدم الله الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله، لأنَّ الكفر بالطاغوت هو تخلية القلب وتصفيته وتخليصه: من كل شر، ويعقب ذلك التحلية بالإيمان بالله عز وجل، فلا يستقيم الإيمان بالله عز وجل إلا إذا صفا القلب وخلص من كل شائبة شرك وكفر، فإذا خُلّص ونُقّي فعند ذلك تفرغت طاقته وتوافرت همته على الإيمان بالله، وذلك أن القلب إذا شغل بغير الله عز وجل انشغل عنه ولعل هذا ما يفهم من قول ” لا إله إلا الله” فقد نفى الله -سبحانه- الألوهيةَ عن كل أحد ثم أثبتها لله وحده. فكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) فيها تَخْلية وتَحْلية:
التخلية: هو أن تنفي العبادة عن غير الله، فإذا نفيت وأنكرت عبادة كل معبود سوى الله، بعد ذلك تأتي التحلية فتثبت العبادة لله عز وجل، (لا إله) هذه التخلية، نفيت العبادة عن غير الله، (إلا الله) تحلية، أثبتّ العبادة لله، (لا إله) هذا هو الكفر بالطاغوت، (إلا الله) هذا هو الإيمان بالله.
*قال تعالى {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين}.
قال ابن عاشور في “التحرير والتنوير”: قدم ذكر علمه {بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} على ذكر علمه {بِالْمُهْتَدِينَ} لأن المقام تعريض بالوعيد للضالين ولأن التخلية مقدمة على التحلية، فالوعيد مقدم على الوعد.
* قال تعالى {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)}.
قال ابن عاشور في “التحرير والتنوير”: أي اتبعوا من لا تخسرون معهم شيئا من ديناكم وتربحون صحة دينكم.
وإنما قدم في الصلة عدم سؤال الأجر على الاهتداء لأن القوم كانوا في شك من صدق المرسلين وكان من دواعي تكذيبهم اتهامهم بأنهم يجرون لأنفسهم نفعا من ذلك لأن القوم لما غلب عليهم التعلق بحب المال وصاروا بعداء عن إدراك المقاصد السامية كانوا يعدون كل سعي يلوح على امرئ إنما يسعى به إلى نفعه. فقدم ما يزيل عنهم هذه الاسترابة ولتيهيوا إلى التأمل فيما يدعونهم إليه، ولأن هذا من قبيل التخلية بالنسبة للمرسلين والمرسل إليهم، والتخلية تقدم على التحلية، فكانت جملة {لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً} -أهم في صلة الموصول-.
والأجر يصدق بكل نفع دنيوي يحصل لأحد من عمله فيشمل المال والجاه والرئاسة. فلما نفي عنهم أن يسألوا أجرا فقد نفي عنهم أن يكونوا يرمون من دعوتهم إلى نفع دنيوي يحصل لهم.
– وبعد ذلك تهيأ الموقع لجملة {وَهُمْ مُهْتَدُونَ}، أي وهم متصفون بالاهتداء إلى ما يأتي بالسعادة الأبدية، وهم إنما يدعونكم إلى أن تسيروا سيرتهم فإذا كانوا هم مهتدين فإن ما يدعونكم إليه من الاقتداء بهم دعوة إلى الهدى، فتضمنت هذه الجملة بموقعها بعد التي قبلها ثناء على المرسلين وعلى ما يدعون إليه وترغيبا في متابعتهم.
قال تعالى {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}.
قال القاسمي في “محاسن التأويل”: وتقديم التقوى على الإحسان لما أن التخلية متقدمة على التحلية.
* قال تعالى {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى*أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى} فقوله “يزّكى”: أي يتطهر -بما يتلَقن منك- من الجهل أو الإثم. وقوله “يذكر”: أي يعتبر ويتعظ فتنفعه موعظتك. قال القاسمي في “محاسن التأويل”:وتقديم التزكية على التذكر من باب تقديم التخلية على التحلية.
وختم البحث:
ومن ذلك الطهارة للصلاة من باب التخلية قبل التحلية
ومن ذلك التوحيد ركني لاإله الاالله فالنفي قبل الإثبات من باب التخلية قبل التحلية.