2448 الفوائد على صحيح مسلم
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
وهشام السوري وعبدالحميد البلوشي وكديم
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة
———‘——–‘—–‘
صحيح مسلم:
باب حديث أم زرع
– (2448) حدثنا علي بن حجر السعدي، وأحمد بن جناب، كلاهما عن عيسى، واللفظ لابن حجر، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا هشام بن عروة، عن أخيه عبد الله بن عروة، عن عروة، عن عائشة، أنها قالت: جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره. قالت الثالثة: زوجي العشنق، إن أنطق أطلق، وإن أسكت أعلق. قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد. قالت السادسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث. قالت السابعة: زوجي غياياء أو عياياء طباقاء، كل داء له داء، شجك أو فلك أو جمع كلا لك. قالت الثامنة: زوجي الريح ريح زرنب، والمس مس أرنب. قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد طويل النجاد عظيم الرماد، قريب البيت من الناد. قالت العاشرة: زوجي مالك، وما مالك؟ مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع، فما أبو زرع؟ أناس من حلي أذني، وملأ من شحم عضدي، وبجحني فبجحت إلي نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقنح أم أبي زرع، فما أم أبي زرع؟ عكومها رداح وبيتها فساح، ابن أبي زرع، فما ابن أبي زرع؟، مضجعه كمسل شطبة ويشبعه ذراع الجفرة بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمها، وملء كسائها وغيظ جارتها، جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تبث حديثنا تبثيثا، ولا تنقث ميرتنا تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا.
قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمانتين فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريا، ركب شريا، وأخذ خطيا، وأراح علي نعما ثريا، وأعطاني من كل رائحة زوجا، قال: كلي أم زرع وميري أهلك، فلو جمعت كل شيء أعطاني ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت لك كأبي زرع لأم زرع».
وفي رواية (قال: عياياء طباقاء) ولم يشك وقال: قليلات المسارح. وقال: وصف ردائها وخير نسائها … ، وعقر جارتها، وقال: ولا تنقث ميرتنا تنقيثا، وقال: وأعطاني من كل ذي رائحة زوجا.
====
الحديث في صحيح البخاري (5/ 1988ح4893) كتاب النكاح.
——
شرح النووي للحديث:
1 – قولها: (زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل) قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشراح: المراد بالغث المهزول وقولها: (على رأس جبل وعر) أي صعب الوصول إليه. فالمعنى أنه قليل الخير من أوجه: منها كونه كلحم الجمل لا كلحم الضأن،
ومنها أنه مع ذلك غث مهزول رديء، ومنها أنه صعب التناول لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة. هكذا فسره الجمهور. وقال الخطابي: قولها: (على رأس جبل) أي يترفع، ويتكبر، ويسمو بنفسه فوق موضعها كثيرا أي أنه يجمع إلى قلة خيره تكبره وسوء الخلق. قالوا: وقولها: (ولا سمين
فينتقل) أي تنقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوه، بل يتركوه رغبة عنه لرداءته. قال الخطابي: ليس فيه مصلحة يحتمل سوء عشرته بسببها. يقال: أنقلت الشيء بمعنى نقلته.
2 – (لا أبث خبره) أي لا أنشره وأشيعه (إني أخاف أنلأذره) فيه تأويلان أحدهما لابن السكيت وغيره: أن الهاء عائدة على خبره، فالمعنى أن خبره طويل إن شرعت في تفصيله لا أقدر على إتمامه لكثرته. والثانية أن الهاء عائدة على الزوج، وتكون (لا) زائدة كما في قوله تعالى (مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ) الأعراف-12 ومعناه إني أخاف أن يطلقني فأذره. وأما (عجره وبجره) فالمراد بهما عيوبه، وقال الخطابي وغيره: أرادت بهما عيوبه الباطنة، وأسراره الكامنة قالوا: وأصل العجر أن يعتقد العصب أو العروق حتى تراها ناتئة من
الجسد، والبجر نحوها إلا أنها في البطن خاصة، واحدتها بجرة، ومنه قيل: رجل أبجر إذا كان ناتئ السرة عظيمها، ويقال أيضا: رجل أبجر إذا كان عظيم البطن، وامرأة بجراء والجمع بجر. وقال الهروي: قال ابن الأعرابي العجرة نفخة في الظهر، فإن كانت في السرة فهي بجرة.
3 – العشنق بعين مهملة مفتوحة ثم شين معجمة مفتوحة ثم نون مشددة ثم قاف، وهو الطويل، ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع، فإن ذكرت عيوبه طلقني، وإن سكت عنها علقني، فتركني لا عزباء ولا مزوجة.
4 – هذا مدح بليغ، ومعناه ليس فيه أذى، بل هو راحة ولذاذة
عيش، كليل تهامة لذيذ معتدل، ليس فيه حر، ولا برد مفرط، ولا أخاف له غائلة لكرم أخلاقه، ولا يسأمني ويمل صحبتي.
5 – هذا أيضا مدح بليغ، فقولها: فهد بفتح الفاء وكسر الهاءتصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي، وشبهته بالفهد لكثرة نومه، يقال: أنوم من فهد، وهو معنى قولها (: ولا يسأل عما عهد) أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه، وإذا خرج أسد بفتح الهمزة وكسر السين، وهو وصف له بالشجاعة، ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد، يقال: أسد واستأسد. قال القاضي: وقال ابن أبي أويس: معنى فهد إذا دخل البيت وثب علي وثوب الفهد فكأنها تريد ضربها، والمبادرة بجماعها، والصحيح المشهور التفسير
الأول.
6 – قال العلماء: (اللف) في الطعام الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منها شيء. والاشتفاف في الشرب أن
يستوعب جميع ما في الإناء، مأخوذ من الشفافة بضم الشين، وهي ما بقي في الإناء من الشراب، فإذا شربها قيل: اشتفها، وتشافها. وقولها: (ولا يولج الكف ليعلم البث) قال أبو عبيد: أحسبه كان بجسدها عيب أو داء كنت به، لأن البث الحزن، فكان لا يدخل يده في ثوبها ليمس ذلك فيشق عليها، فوصفته بالمروءة وكرم الخلق. وقال الهروي: قال ابن الأعرابي: هذا ذم له، أرادت: وإن اضطجع ورقد التف في ثيابه في ناحية، ولم يضاجعني ليعلم ما عندي من محبته. قال: ولا بث هناك إلا محبتها الدنو من زوجها. وقال آخرون: أرادت أنه لا يفتقد أموري ومصالحي. قال ابن الأنباري: رد ابن قتيبة على أبي عبيد تأويله لهذا الحرف، وقال: كيف تمدحه بهذا، وقد ذمته في صدر الكلام؟ قال ابن الأنباري: ولا رد على أبي عبيد،
لأن النسوة تعاقدن ألا يكتمن شيئا من أخبار أزواجهن، فمنهن من كانت أوصاف زوجها كلها حسنة فوصفتها، ومنهن من كانت أوصاف زوجها قبيحة فذكرتها، ومنهن من كانت أوصافه فيها حسن وقبيح فذكرتهما. وإلى قول ابن الأعرابي وابن قتيبة ذهب الخطابي وغيره واختاره القاضي عياض.
7 – هكذا وقع في هذه الرواية (غياياء) بالغين المعجمة، أو (عياياء) بالمهملة، وفي أكثر الروايات بالمعجمة، وأنكرأبو عبيد وغيره المعجمة، وقالوا: الصواب المهملة، وهو الذي لا يلقح، وقيل: هو العنين الذي تعيبه مباضعة النساء، ويعجز عنها. وقال القاضي وغيره: غياياء بالمعجمة صحيح، وهو مأخوذ من الغياية، وهي الظلمة، وكل ما أظل الشخص، ومعناه لا يهتدي إلى سلك، أو أنها وصفته بثقل الروح، وأنه كالظل المتكاثف المظلم الذي لا إشراق فيه، أو أنها أرادت أنه غطيت عليه أموره، أو يكون غياياء من الغي، وهو الانهماك في الشر، أو من الغي الذي هو الخيبة. قال الله
تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} مريم-59 وأما (طباقاء) فمعناه
المطبقة عليه أموره حمقا، وقيل: الذي يعجز عن الكلام، فتنطبق
شفتاه، وقيل: هو العيي الأحمق الفدم. وقولها: (شجك) أي جرحك في الرأس، فالشجاج جراحات الرأس، والجراح فيه وفي الجسد. وقولها (فلك) الفل الكسر والضرب. ومعناه أنها معه بين شج رأس، وضرب، وكسر عضو، أو جمع بينهما. وقيل: المراد بالفل هنا الخصومة وقولها: (كل داء له داء)
أي جميع أدواء الناس مجتمعة فيه.
8 – الزرنب نوع من الطيب معروف. قيل: أرادت طيب ريح جسده، وقيل: طيب ثيابه في الناس وقيل: لين خلقه وحسن عشرته. والمس مس أرنب صريح في لين الجانب، وكرمالخلق.
9 – هكذا هو في النسخ (النادي) بالياء، وهو الفصيح في العربية، لكن المشهور في الرواية حذفها ليتم السجع. قال العلماء: معنى رفيع العماد وصفه بالشرف، وسناء الذكر. وأصل العماد عماد البيت، وجمعه عمد، وهي العيدان التي تعمد بها البيوت، أي بيته في الحسب رفيع في قومه. وقيل:
إن بيته الذي يسكنه رفيع العماد ليراه الضيفان وأصحاب الحوائج فيقصدوه، وهكذا بيوت الأجواد.
وقولها: طويل النجاد بكسر النون تصفه بطول القامة، والنجاد حمائل السيف، فالطويل يحتاج إلى طول حمائل سيفه، والعرب تمدح بذلك.
قولها: (عظيم الرماد) تصفه بالجود وكثرة الضيافة من اللحوم والخبز، فيكثر وقوده، فيكثر رماده. وقيل: لأن ناره لا تطفأ بالليل لتهتدي بها الضيفان، والأجواد يعظمون النيران في ظلام الليل، ويوقدونها على التلال ومشارف الأرض، ويرفعون الأقباس على الأيدي لتهتدي بها الضيفان.
وقولها: (قريب البيت من النادي) قال أهل اللغة: النادي والناد والندى والمنتدى مجلس القوم، وصفته بالكرم والسؤدد، لأنه لا يقرب البيت من النادي إلا من هذه صفته؛ لأن اليفان يقصدون النادي، ولأن أصحاب النادي يأخذون ما يحتاجون إليه في مجلسهم من بيت قريب النادي، واللئام يتباعدون من النادي.
10 – معناه أن له إبلا كثيرا فهي باركة بفنائه، لا يوجهها تسرح إلا قليلا قدر الضرورة، ومعظم أوقاتها تكون باركة بفنائه، فإذا نزل به الضيفان كانت الإبل، حاضرة؛ فيقريهم من ألبانها ولحومها. والمزهر بكسر الميم العود الذي يضرب
، أرادت أن زوجها عود إبله إذا نزل به الضيفان نحر لهم منها، وأتاهم بالعيدان والمعازف والشراب، فإذا سمعت الإبل صوت المزهر علمن أنه قد جاءه الضيفان، وأنهن منحورات هوالك. هذا تفسير أبي عبيد والجمهور. وقيل: مباركها كثيرة لكثرة ما ينحر منها للأضياف، قال هؤلاء: ولو كانت كما قال
الأولون لماتت هزالا، وهذا ليس بلازم؛ فإنها تسرح وقتا تأخذ فيه حاجتها، ثم تبرك بالفناء: وقيل: كثيرات المبارك أي مباركها في الحقوق والعطايا والحمالات والضيفان كثيرة، مراعيها قليلة؛ لأنها تصرف في هذه الوجوه. قاله ابن السكيت. قال القاضي عياض: وقال أبو سعيد النيسابوري: إنما هو إذا سمعن صوت المزهر بضم الميم، وهو موقد النار للأضياف. قال: ولم تكن العرب تعرف المزهر بكسر الميم الذي هو العود إلا من خالط الحضر. قال القاضي: وهذا خطأ منه؛ لأنه لم يروه أحد بضم الميم، ولأن المزهر بكسر الميم مشهور في أشعار العرب، ولأنه لا يسلم له أن هؤلاء النسوة من غير الحاضرة، فقد جاء في رواية أنهن من قرية من قرى اليمن.
11 – هو بتشديد الياء من (أذني) على التثنية، والحلي بضم الحاء وكسرها لغتان مشهورتان. والنوس بالنون والسين المهملة الحركة من كل شيء متدل، يقال منه: ناس ينوس نوسا، وأناسه غيره أناسة، ومعناه حلاني قرطة وشنوفا فهو تنوس أي تتحرك لكثرتها
12 – قال العلماء: معناه أسمنني، وملأ بدني شحما، ولم ترد اختصاص العضدين، لكن إذا سمنتا سمن غيرهما.
قولها: (وبجحني فبجحت إلي نفسي) هو بتشديد جيم (بجحني) فبجحت بكسر الجيم وفتحها لغتان مشهورتان، أفصحهما الكسر، قال الجوهري: الفتح ضعيفة، ومعناه فرحني ففرحت، وقال ابن الأنباري: وعظمني فعظمت عند نفسي.
يقال: فلان يتبجح بكذا أي يتعظم ويفتخر.
13 – قولها: (في غنيمة) بضم الغين تصغير الغنم، أرادت أن أهلها كانوا أصحاب غنم لا أصحاب خيل وإبل؛ لأن الصهيل أصوات الخيل، والأطيط أصوات الإبل وحنينها، والعرب لا تعتد بأصحاب الغنم، وإنما يعتدون بأهل الخيل والإبل.
و قولها: (بشق)، هو بكسر الشين وفتحها، والمعروف في روايات الحديث والمشهور لأهل الحديث كسرها، والمعروف عند أهل اللغة فتحها.
وقولها: (ودائس) هو الذي يدوس الزرع في بيدره. قال الهروي وغيره: يقال: داس الطعام درسه، وقيل: الدائس الأبدك.
قولها: (ومنق) هو بضم الميم وفتح النون وتشديد القاف، ومنهم من يكسر النون، والصحيح المشهور فتحها.
قال أبو عبيد: هو بفتحها قال: والمحدثون يكسرونها، ولا أدري ما
معناه.
قال القاضي: روايتنا فيه بالفتح، ثم ذكر قول أبي عبيد. قال: ابن أبي أويس بالكسر، وهو من النقيق، وهو أصوات المواشي. تصفه بكثرة أمواله، ويكون منق من أنق إذا صار ذا نقيق، أو دخل في النقيق. والصحيح عند الجمهور
فتحها، والمراد به الذي ينقي الطعام أي يخرجه من بيته وقشوره، وهذا أجود من قول الهروي: هو الذي ينقيه بالغربال، والمقصود أنه صاحب زرع، ويدوسه وينقيه.
قولها (فعنده أقول فلا أقبح) معناه لا يقبح قولي فيرد، بل
يقبل مني. ومعنى (أتصبح) أنام الصبحة، وهي بعد الصباح، أي أنها
مكفية بمن يخدمها فتنام.
وقولها: (فأتقنح) وبالنون بعد القاف، هكذا هو في جميع
النسخ بالنون. قال القاضي: لم نروه في صحيح البخاري ومسلم إلا بالنون. وقال البخاري: قال بعضهم: فأتقمح بالميم. قال: وهو أصح. وقال أبو عبيد: هو بالميم.
وبعض الناس يرويه بالنون، ولا أدري ما هذا؟ قال آخرون: النون والميم صحيحتان. فأيهما معناه أروى حتى أدع الشراب من شدة الري، ومنه قمح البعير يقمح إذا رفع رأسه من الماء بعد الري قال أبو عبيد: ولا أراها قالت هذه إلا لعزة الماء عندهم.
14 – قال أبو عبيد وغيره: العكوم الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والأمتعة، واحدها عكم بكسر العين. ورداح أي عظام كبيرة، ومنه قيل للمرأة: رداح إذا كانت عظيمة الأكفال. فإن قيل: رداح مفردة، فكيف وصف بها العكوم، والجمع لا يجوز وصفه بالمفرد: قال القاضي: جوابه أنه أراد كل عكم منها
رداح، أو يكون رداح هنا مصدرا كالذهاب.
قولها: (وبيتها فساح) بفتح الفاء وتخفيف السين المهملة أي واسع، والفسيح مثله، هكذا فسره الجمهور. قال القاضي: ويحتمل أنها أرادت كثرة الخير والنعمة.
15 – المسل بفتح الميم والسين المهملة وتشديد اللام، وشطبة بشين معجمة ثم طاء مهملة ساكنة ثم موحدة ثم هاء، وهي ما شطب من جريد النخل أي شق، وهي السعفة لأن الجريدة تشقق منها قضبان رقاق مرادها أنه مهفهف خفيف اللحم كالشطبة، وهو مما يمدح به الرجل، والمسل هنا مصدر بمعنى المسلول أي ما سل من قشره، وقال ابن الأعرابي وغيره: أرادت بقولها: (كمسل شطبة) أنه كالسيف سلمن غمده.
قولها: (وتشبعه ذراع الجفرة) الذراع مؤنثة، وقد تذكر والجفرة بفتح الجيم وهي الأنثى من أولاد المعز، وقيل: من الضأن، وهي ما بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها … والمراد أنه قليل الأكل، والعرب تمدح به.
16 – قولها: (طوع أبيها وطوع أمها) أي مطيعة لهما منقادة لأمرهما.
قولها: (وملء كسائها) أي ممتلئة الجسم سمينة. وقالت في الرواية الأخرى: (صفر ردائها) بكسر الصاد، والصفر الخالي، قال الهروي: أي ضامرة البطن، والرداء ينتهي إلى البطن. وقال غيره: معناه أنها خفيفة أعلى البدن، وهو موضع الرداء، ممتلئة أسفله، وهو موضع الكساء، ويؤيد هذا أنه جاء في رواية: (وملء إزارها). قال القاضي: والأولى أن المراد امتلاء منكبيها، وقيام نهديها بحيث يرفعان الرداء عن أعلى جسدها، فلا يمسه فيصير خاليا بخلاف أسفلها.
قولها: (وغيظ جارتها) قالوا: المراد بجارتها ضرتها، يغيظها ما ترى من حسنها وجمالها وعفتها وأدبها. وفي الرواية الأخرى: (وعقر جارتها) هكذا هو في النسخ (عقر) بفتح العين وسكون القاف. قال القاضي: كذا
ضبطناه عن جميع شيوخنا. قال: وضبطه الجياني (عبر) بضم العين وإسكان الباء الموحدة، وكذا ذكره ابن الأعرابي، وكأن الجياني أصلحه من كتاب الأنباري، وفسره الأنباري بوجهين: أحدهما أنه من الاعتبار أي ترى من حسنها وعفتها وعقلها ما تعتبر به، والثاني من العبرة وهي البكاء أي ترى من ذلك ما يبكيها لغيظها وحسدها، ومن رواه بالقاف فمعناه تغيظها، فتصير كمعقور. وقيل: تدهشها من قولها عقر إذا دهش
17 – قولها: (لا تبث حديثنا تبثيثا) هو بالباء الموحدة بين المثناة والمثلثة أي لا تشيعه وتظهره، بل تكتم سرنا وحديثنا كله، وروي في غير مسلم (تنث)، وهو بالنون، وهو قريب من الأول، أي لا تظهره. قولها: (ولا تنقث ميرتنا تنقيثا) الميرة الطعام المجلوب، ومعناه لا تفسده، ولا تفرقه، ولا تذهب به ومعناه وصفها بالأمانة.
قولها: (ولا تملأ بيتنا تعشيشا) هو بالعين بالمهملة، أي لا تترك الكناسة والقمامة فيه مفرقة كعش الطائر، بل هي مصلحة للبيت، معتنية بتنظيفه. وقيل: معناه لا تخوننا في طعامنا في زوايا البيت كأعشاش الطير وروي في غير مسلم (تغشيشا) بالغين المعجمة من الغش، وقيل في الطعام، وقيل: من النميمة أي لا تتحدث بنميمة.
18 – قولها: (والأوطاب تمخض) هو جمع وطب بفتح الواو وإسكان الطاء، وهو جمع قليل النظير. وفي رواية في غير مسلم: (والوطاب)، وهو الجمع الأصلي، وهي سقية اللبن التي يمخض فيها. وقال أبو عبيد: هو جمع وطبة.
19 – قولها: (يلعبان من تحت خصرها برمانتين) قال أبو عبيد: معناه أنها ذات كفل عظيم، فإذا استلقت على قفاها نتأ الكفل بها من الأرض حتى تصير تحتها فجوة يجري فيها الرمان. قال القاضي: قال بعضهم: المراد بالرمانتين هنا ثدياها، ومعناه أن لها نهدين حسنين صغيرين كالرمانتين.
قال القاضي: هذا أرجح لا سيما وقد روي: من تحت صدرها، ومن تحت درعها، ولأن العادة لم تجر برمي الصبيان الرمان تحت ظهور أمهاتهم، ولا جرت العادة أيضا باستلقاء النساء كذلك حتى يشاهده منهن الرجال.
20 – قولها: (فنكحت بعده رجلا سريا ركب شريا) أما الأول فبالسين المهملة على المشهور، وحكى القاضي عن ابن السكيت أنه حكى فيه المهملة والمعجمة. وأما الثاني فبالشين المعجمة بلا خلاف، فالأول معناه سيدا شريفا، وقيل: سخيا، والثاني هو الفرس الذي يستشري في سيره أي يلح ويمضي بلا
فتور، ولا انكسار. وقال ابن السكيت: هو الفرس الفائق الخيار.
قولها: (وأخذ خطيا) هو بفتح الخاء وكسرها، والفتح أشهر
، ولم يذكر الأكثر غيره، وممن حكى الكسر أبو الفتح الهمدانيفي كتاب الاشتقاق. قالوا: والخطي الرمح منسوب إلى الخطقرية من سيف البحر أي ساحله عند عمان والبحرين. قال أبو الفتح: قيل لها: الخط لأنها على ساحل البحر، والساحل يقال له الخط؛ لأنه فاصل بين الماء والتراب، وسميت الرماح خطية لأنها تحمل إلى هذا الموضع، وتثقف فيه. قال القاضي: ولا يصح قول من قال: إن الخط منبت الرماح.
قولها: (وأراح علي نعما ثريا) أي أتى بها إلى مراحها بضم الميم هو موضع مبيتها. والنعم الإبل والبقر والغنم، ويحتمل أن المراد هنا بعضها وهي الإبل، وادعى القاضي عياض أن أكثر أهل اللغة على أن النعم مختصة بالإبل، والثري بالمثلثة وتشديد الياء الكثير من المال وغيره، ومنه الثروة في المال وهي كثرته.
قولها: (وأعطاني من كل رائحة زوجا) فقولها (من كل رائحة) أي مما يروح من الإبل والبقر والغنم والعبيد. وقولها (زوجا) أي اثنين، ويحتمل أنها أرادت صنفا، والزوج يقع على الصنف، ومنه قوله تعالى (وكنتم أزواجا ثلاثة) قولها في
الرواية الثانية: (وأعطاني من كل ذابحة زوجا). هكذا هو في جميع النسخ (ذابحة) بالذال المعجمة وبالباء الموحدة أي من كل ما يجوز ذبحه من الإبل والبقر والغنم وغيرها، وهي فاعلة بمعنى مفعولة.
قوله: (ميري أهلك) بكسر الميم من الميرة، أي أعطيهم وأفضلي عليهم وصليهم.
__________________
الحديث أورده البخاري رحمه الله تحت باب حسن المعاشرة مع الأهل
وأطال الحافظ ابن حجر رحمه الله النفس في شرح الحديث، على أنه ذكر أنه شرحه هذا لخصه من شروح عدة علماء من أجمعها شرح القاضي عياض رحم الله الجميع.
وأستعين الله في انتقاء بعض مسائل الحديث والفوائد من الفتح:
– اختلاف العلماء فيما إذا كان نص الحديث كله مرفوع أم هو من قول عائشة رضي الله عنها إلا عبارة “كنت لك كأبي زرع لام زرع “.
– بعض المباحث اللغوية.
– سبب الحديث قيل عن عائشة قالت فخرت بمال أبي في الجاهلية وكان ألف ألف أوقية وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم اسكتي يا عائشة فإني كنت لك كأبي زرع لأم زرع
قلت سيف: نقل الألباني أن البخاري أشار لإنكاره الحديث. وإنكار الذهبي كما في الميزان في ترجمة القاسم.
وقيل سبب آخر: قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة وفاطمة وقد جرى بينهما كلام فقال ما أنت بمنتهية يا حميراء عن ابنتي أن مثلي ومثلك كأبي زرع مع أم زرع فقالت يا رسول الله حدثنا عنهما فقال كانت قرية فيها إحدى عشرة امرأة وكان الرجال خلوفا فقلن تعالين نتذاكر أزواجنا بما فيهم ولا نكذب
قلت سيف: حكم عليه الألباني بالنكارة الضعيفة 6532. وابن حجر قال: مرسل
وقيل سبب آخر كان رجل يكنى أبا زرع وامرأته أم زرع فتقول أحسن لي أبو زرع وأعطاني أبو زرع وأكرمني أبو زرع وفعل بي أبو زرع ووقع في رواية الزبير بن بكار دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي بعض نسائه فقال يخصني بذلك يا عائشة أنا لك كأبي زرع لأم زرع.
قلت سيف: الدارقُطني ذكر الاختلاف في الأسانيد والمتون ورجح أن عائشة هي حدثت بالحديث وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: كنت لك كأبي زرع لأم زرع ….. العلل 14/ 153
– هل النسوة هن بطن من بطون اليمن أو أنهم كن بمكة أو أنهن كن في الجاهلية.
– أسماء النسوة ومن سماهن.
– كثير من صفات الأزواج التي ذكرت، اختلف العلماء في معانيها، فبعضهم حملها على المدح وبعضها على الذم.
– حال النسوة فيما ذكرن فمنهن من وصفت زوجها بالخير في جميع أموره ومنهن من وصفته بضد ذلك ومنهن من جمعت.
– قال الحافظ: قوله كأبي زرع لأم زرع زاد في رواية الهيثم بن عدي في الألفة والوفاء لا في الفرقة والجلاء وزاد الزبير في آخره إلا أنه طلقها وإني لا أطلقك ومثله في رواية للطبراني وزاد النسائي في رواية له والطبراني قالت عائشة يا رسول الله بل أنت خير من أبي زرع وفي أول رواية للزبير بأبي وأمي لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع وكأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك تطييبا لها وطمأنينة لقلبها ودفعا لإيهام عموم التشبيه بجملة أحوال أبي زرع إذ لم يكن فيه ما تذمه النساء سوى ذلك وقد وقع الإفصاح بذلك وأجابت هي عن ذلك جواب مثلها في فضلها وعلمها.
– وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم حسن عشرة المرء أهله بالتأنيس والمحادثة بالأمور المباحة ما لم يفض ذلك إلى ما يمنع
– وفيه المزح أحيانا وبسط النفس به ومداعبة الرجل أهله وإعلامه بمحبته لها ما لم يؤد ذلك إلى مفسدة تترتب على ذلك من تجنيها عليه وإعراضها عنه
– وفيه منع الفخر بالمال وبيان جواز ذكر الفضل بأمور الدين وإخبار الرجل أهله بصورة حاله معهم وتذكيرهم بذلك لا سيما عند وجود ما طبعن عليه من كفر الإحسان
– وفيه ذكر المرأة إحسان زوجها
– وفيه إكرام الرجل بعض نسائه بحضور ضرائرها بما يخصها به من قول أو فعل ومحله عند السلامة من الميل المفضي إلى الجور وقد تقدم في أبواب الهبة جواز تخصيص بعض الزوجات بالتحف واللطف إذا استوفى للأخرى حقها
– وفيه جواز تحدث الرجل مع زوجته في غير نوبتها
– وفيه الحديث عن الأمم الخالية وضرب الأمثال بهم اعتبارا وجواز الانبساط بذكر طرف الأخبار ومستطابات النوادر تنشيطا للنفوس
– وفيه حض النساء على الوفاء لبعولتهن وقصر الطرف عليهم والشكر لجميلهم ووصف المرأة زوجها بما تعرفه من حسن وسوء وجواز المبالغة في الأوصاف ومحله إذا لم يصر ذلك ديدنا لأنه يفضي إلى خرم المروءة
– وفيه تفسير ما يجمله المخبر من الخبر إما بالسؤال عنه وإما ابتداء من تلقاء نفسه
– وفيه أن ذكر المرء بما فيه من العيب جائز إذا قصد التنفير عن ذلك الفعل ولا يكون ذلك غيبة أشار إلى ذلك الخطابي. وتعقبه أبو عبد الله التميمي شيخ عياض بأن الاستدلال بذلك إنما يتم أن لو كان النبي صلى الله عليه وسلم سمع المرأة تغتاب زوجها فأقرها. وأما الحكاية عمن ليس بحاضر فليس كذلك وإنما هو نظير من قال في الناس شخص يسيء ولعل هذا هو الذي أراده الخطابي فلا تعقب عليه.
وقال المازري قال بعضهم ذكر بعض هؤلاء النسوة أزواجهن بما يكرهون ولم يكن ذلك غيبة لكونهم لا يعرفون بأعيانهم وأسمائهم قال المازري وإنما يحتاج إلى هذا الاعتذار لو كان من تحدث عنده بهذا الحديث سمع كلامهن في اغتياب أزواجهن فأقرهن على ذلك فأما والواقع خلاف ذلك وهو أن عائشة حكت قصة عن نساء مجهولات غائبات فلا ولو أن امرأة وصفت زوجها بما يكرهه لكان غيبة محرمة على من يقوله ويسمعه إلا إن كانت في مقام الشكوى منه عند الحاكم وهذا في حق المعين فأما المجهول الذي لا يعرف فلا حرج في سماع الكلام فيه لأنه لا يتأذى إلا إذا عرف أن من ذكر عنده يعرفه ثم إن هؤلاء الرجال مجهولون لا تعرف أعيانهم فضلا عن أسمائهم ولم يثبت للنسوة إسلام حتى يجري عليهم حكم الغيبة فبطل الاستدلال به لما ذكر
– وفيه تقوية لمن كره نكاح من كان لها زوج لما ظهر من اعتراف أم زرع بإكرام زوجها الثاني لها بقدر طاقته ومع ذلك فحقرته وصغرته بالنسبة إلى الزوج الأول
– وفيه أن الحب يستر الإساءة لأن أبا زرع مع إساءته لها بتطليقها لم يمنعها ذلك من المبالغة في وصفه إلى أن بلغت حد الإفراط والغلو وقد وقع في بعض طرقه إشارة إلى أن أبا زرع ندم على طلاقها. وقال في ذلك شعرا ففي رواية عمر بن عبد الله بن عروة عن جده عن عائشة أنها حدثت عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي زرع وأم زرع وذكرت شعر أبي زرع على أم زرع
– وفيه جواز وصف النساء ومحاسنهن للرجل لكن محله إذا كن مجهولات والذي يمنع من ذلك وصف المرأة المعينة بحضرة الرجل أو أن يذكر من وصفها ما لا يجوز للرجال تعمد النظر إليه
– وفيه أن التشبيه لا يستلزم مساواة المشبه بالمشبه به من كل جهة لقوله صلى الله عليه وسلم كنت لك كأبي زرع والمراد ما بينه بقوله في رواية الهيثم في الألفة إلى آخره لا في جميع ما وصف به أبو زرع من الثروة الزائدة والابن والخادم وغير ذلك وما لم يذكر من أمور الدين كلها
– وفيه أن كناية الطلاق لا توقعه إلا مع مصاحبة النية فإنه صلى الله عليه وسلم تشبه بأبي زرع وأبو زرع قد طلق فلم يستلزم ذلك وقوع الطلاق لكونه لم يقصد إليه
– وفيه جواز التأسي بأهل الفضل من كل أمة لأن أم زرع أخبرت عن أبي زرع بجميل عشرته فامتثله النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال المهلب واعترضه عياض فأجاد وهو أنه ليس في السياق ما يقتضي أنه تأسى به بل فيه أنه أخبر ان حاله معها مثل حال أم زرع نعم ما استنبطه صحيح باعتبار أن الخبر إذا سيق وظهر من الشارع تقريره مع الاستحسان له جاز التأسي به ونحو مما قاله المهلب قول آخر إن فيه قبول خبر الواحد لأن أم زرع أخبرت بحال أبي زرع فامتثله النبي صلى الله عليه وسلم. وتعقبه عياض أيضا فأجاد نعم يؤخذ منه القبول بطريق أن النبي صلى الله عليه وسلم أقره ولم ينكره
– وفيه جواز قول بأبي وأمي ومعناه فداك أبي وأمي وسيأتي تقريره في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى
– وفيه مدح الرجل في وجهه إذا علم أن ذلك لا يفسده
– وفيه جواز القول للمتزوج بالرفاء والبنين إن ثبتت اللفظة الزائدة أخيرا وقد تقدم البحث فيه قبل بأبواب
– وفيه أن من شأن النساء إذا تحدثن أن لا يكون حديثهن غالبا إلا في الرجال وهذا بخلاف الرجال فإن غالب حديثهم إنما هو فيما يتعلق بأمور المعاش
– وفيه جواز الكلام بالألفاظ الغريبة واستعمال السجع في الكلام إذا لم يكن مكلفا قال عياض ما ملخصه في كلام هؤلاء النسوة من فصاحة الألفاظ وبلاغة العبارة والبديع ما لا مزيد عليه ولا سيما كلام أم زرع فإنه مع كثرة فصوله وقلة فضوله مختار الكلمات واضح السمات نير النسمات قد قدرت ألفاظه قدر معانيه وقررت قواعده وشيدت مبانيه وفي كلامهن ولا سيما الأولى والعاشرة أيضا من فنون التشبيه والاستعارة والكناية والإشارة والموازنة والترصيع والمناسبة والتوسيع والمبالغة والتسجيع والتوليد وضرب المثل وأنواع المجانسة وإلزام ما لا يلزم والإيغال والمقابلة والمطابقة والاحتراس وحسن التفسير والترديد وغرابة التقسيم وغير ذلك أشياء ظاهرة لمن تأملها وقد أشرنا إلى بعضها فيما تقدم وكمل ذلك أن غالب ذلك أفرغ في قالب الانسجام وأتى به الخاطر بغير تكلف وجاء لفظه تابعا لمعناه منقادا له غير مستكره ولا منافر والله يمن على من يشاء بما شاء لا إله إلا هو.
=====
======
بعض جوانب العشرة الزوجية الحميدة التي يدل عليها حديث أم زرع
أولا: سبب طلاق أبي زرع أم زرع، أن هذه المرأة التي لقيها فأعجبته وتزوجها على أم زرع، ألحت عليه في طلاق أم زرع – وكان يهواها ويحبها أكثر من محبته أم زرع – فطلقها.
قال الحافظ:
” قَوْلُهُ: (فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا) فِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ: (فَأَعْجَبَتْهُ فَطَلَّقَنِي)، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ: (فَخَطَبَهَا أَبُو زَرْعٍ، فَتَزَوَّجَهَا، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ حَتَّى طَلَّقَ أُمَّ زَرْعٍ)، فَأَفَادَ السَّبَبَ فِي رَغْبَةِ أَبِي زَرْعٍ فِيهَا ثُمَّ فِي تَطْلِيقِهِ أُمَّ زَرْعٍ ” انتهى من ” فتح الباري ” (9/ 274).
ثانيا:
تضمن هذا الحديث بعض الخصال الحسنة التي ينبغي أن يكون عليها الزوج تجاه زوجته، فمن ذلك:
– حسن العشرة بالتأنيس والمحادثة.
– المباسطة بالمداعبة والمزاح في غير تعد.
– إتحافها بالهدايا والألطاف.
– إكرامها بحسن الإنفاق عليها وعدم البخل حتى إنها ذكرت أن زوجها الثاني كان كريما معها ومع ذلك قالت: (لَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ، مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ).
– عدم استهجانها أو الاستخفاف بعقلها إذا تكلمت أو فعلت شيئا.
– إمساكها بمعروف وعدم تطليقها حيث كانت عفيفة دينة، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ، إِلَّا أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَإِنِّي لَا أُطَلِّقُكِ).
– رعاية أولادها وحسن تربيتهم وتأديبهم، فإن ذلك من تمام حسن عشرتها.
– حسن اختيار الزوج للجارية التي تخدم في البيت، فتصلح ولا تفسد، وتروج للخير وتسكت عن الشر، وذلك أيضا من تمام حسن عشرته لزوجته.
وقد جاء أن أبا زرع ندم بعد ذلك على طلاقها.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
” وَقَعَ فِي بعض طرق الحديث إِشَارَة إِلَى أَنَّ أَبَا زَرْعٍ نَدِمَ عَلَى طَلَاقِهَا، وَقَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا ” انتهى من ” فتح الباري ” (9/ 277). والله أعلم