1033 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة طارق أبي تيسير
ومحمد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———‘———-‘———
الصحيح المسند 1033
قال أبو بكر ابن أبي شيبة رحمه الله (ج1/ ص175):
حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُد بْنُ عَمْرٍو، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ.
قال الوادعي رحمه الله: هذا حديث حسن، وداود بن عمرو هو الأوْدِيُّ الدمشقي.
وقد أخرجه الإمام أحمد رحمه الله (ج6 ص27)، فقال: ثنا هشيم، قال: أنا داود بن عمرو …. فذكره.
——-‘——‘——-
الحديث يكون في عدة مواضيع:
1 – الحديث رواه أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي الكوفي (159 ـ 235 هـ)، في (مصنفه) في كتاب المغازي (39)، (مَا حَفِظَ أَبُو بَكْرٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ (39))، برقم (38166)، وأيضًا في كتاب الطهارة (1)، (في المسح عَلَى الْخُفَّيْنِ (217))، برقم (1864) قال: ((وَيَوْمٌ)). بدل عن ((وَيَوْمًا)).
ورواية الإمام أحمد، جاء في [مسائل الإمام أحمد بن حنبل – رواية ابنه عبد الله بن أحمد (مسألة 127/ ص34)]: سمعت أبي حين حدث بهذا الحديث – حديث عوف بن مالك -، يقول: هذا الحديث، أجود حديث في المسح على الخفين؛ لأنه في غزوة تبوك، وهي آخر غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آخر فعله. انتهى.
وأخرج الحديث جمع من أهل العلم.
2 – أحكام لبس الخفين:
جاء في (الفقه الميسر).الباب السادس: في المسح على الخفين والعمامة والجبيرة:
وفيه مسائل:
الخُفُّ: هو ما يلبس على الرِّجْلِ من جلد ونحوه، وجمعه: خِفاف. ويلحق بالخفين كل ما يلبس على الرجلين من صوف ونحوه.
المسألة الأولى: حكم المسح على الخفين ودليله:
المسح على الخفين جائز باتفاق أهل السنة والجماعة. وهو رخصة من الله- عز وجل- تخفيفاً منه على عباده ودفعاً للحرج والمشقة عنهم. وقد دل على جوازه السنة والإجماع.
أما السنة: فقد تواترت الأحاديث الصحيحة على ثبوته عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فعله وأمره بذلك وترخيصه فيه.
قال الإمام أحمد رحمه الله: ليس في قلبي من المسح شيء، فيه أربعون حديثاً عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والمراد بقوله: ليس في قلبي أدنى شك في جوازه.
وقال الحسن البصري: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه مسح على الخفين. ومن هذه الأحاديث: حديث جرير بن عبد الله قال: «رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بال ثم توضأ ومسح على خفيه». قال الأعمش عن إبراهيم: كان يعجبهم هذا الحديث؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة- يعني آية الوضوء-.
وقد أجمع العلماء من أهل السنة والجماعة على مشروعيته في السفر والحضر لحاجة أو غيرها.
وفي آية المائدة على قراءة الجر في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ)
فقُرأت: (وَأَرْجُلَكُمْ) بالنصب
و (وَأَرْجُلِكُمْ) بالكسر، وهو محمول على المسح على الخفين، لا على القدمين حال الوضوء، كما هو فعل الرافضة.
ولما وقعت المخالفة في هذا من قبل الرافضة أدخل بعض العلماء مسألة المسح على الخفين في كتب العقيدة من هذا الباب، ونص عليها الإمام الطحاوي رحمه الله فقال: ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر كما جاء في الأثر.
مع أن هذه المسألة فقهية وليست عقدية.
قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في شرح كلام الطحاوي المتقدم:
تواترت السنة عن رسول الله بالمسح على الخفين وبغسل الرجلين، والرافضة تخالف هذه السنة المتواترة.
قال ابن عبد البر رحمه الله: وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين نحو أربعين من الصحابة واستفاض وتواتر.
وقال في فوائد حديث الباب: وفيه الحُكم الجليل الذي فرق بين أهل السنة وأهل البدع، وهو المسح على الخفين لا ينكره إلا مخذول أو مبتدع خارج عن جماعة المسلمين.
بل قال ابن الملقن: وبلّغتهم في تخريج أحاديث الرافعي إلى ثمانين صحابياً.
وكذلك يجوز المسح على الجوارب، وهي ما يلبس على الرجْل من غير الجلد كالخِرَق ونحوها:
قال ابن عمر: المسح على الجوربين كالمسح على الخفين. رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة
وقال الأزرق بن قيس: رأيت أنس بن مالك أحدث فغسل وجهه ويديه، ومسح على جوربين من صوف، فقلت: أتمسح عليهما؟ فقال: إنهما خُفّان، ولكنهما من صوف.
قال أحمد شاكر رحمه الله: رواه الدولابي، بإسناد صحيح.
المسألة الثانية: شروط المسح على الخفين، وما يقوم مقامهما:
وهذه الشروط هي:
1 – لبسهما على طهارة: لما روى المغيرة قال: كنت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما».
2 – سترهما لمحل الفرض: أي: المفروض غسله من الرجل، فلو ظهر من محل الفرض شيء، لم يصح المسح.
قال ابن عثيمين:
س: ما صحة اشتراط بعض الفقهاء أن يكون الخفان ساترين لمحل الفرض؟
ج: هذا الشرط ليس بصحيح؛ لأنه لا دليل عليه، فإن اسم الخف أو الجوارب ما دام باقياً فإنه يجوز المسح عليه؛ لأن السنة جاءت بالمسح على الخف على وجه مطلق وما أطلقه الشارع فإنه لا يصح لأحد أن يقيده .. وبناءً على ذلك فإنه يجوز المسح على الخف المخرق، ويجوز المسح على الخف الخفيف.
3 – إباحتهما: فلا يجوز المسح على المغصوب، والمسروق، ولا الحرير لرجل؛ لأن لبسه معصية، فلا تستباح به الرخصة.
قلت سيف: فيه نظر
لا يشترطُ أن يكونَ الخفُّ مباحًا، فيصحُّ المسحُ على الخفِّ المسروقِ أو المغصوبِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة، والمالكيةَّ، والصَّحيحُ مِن مذهب الشافعيَّة، وروايةٌ عن أحمدَ.
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّ معصيةَ الغصبِ أو السَّرقة لا تختصُّ باللُّبس، فلم تمنعْ صحَّةَ العبادةِ، كالصلاةِ في الدَّار المغصوبةِ.
ثانيًا: لأنَّ العبادةَ لا يؤثِّرُ فيها مقارنةُ الغَصبِ، كالصلاةِ في الدارِ المغصوبةِ، والثَّوبِ المغصوبِ.
الموسوعة الفقهية.
الثالث أن يكون مباحا ف يجوز المسح على المغصوب والحرير ن لبسه معصية ف تستباح به الرخصة كسفر المعصية.
قال ابن عثيمين: هـذا أيضا فيه خ ف والصحيح الجواز مع ا ثم ن المقيس عليه وهـو سفر المعصية فيه خ ف فمن العلماء من يقول إنه يجوز الترخص برخص السفر في سفر المعصية وهـو مذهـب أبي حنيفة رحمه الله واختيار شيخ ا س م ابن تيمية قال ن المعصية منفصلة عن الرخصة لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم ( تقصروا الص ة في سفر المعصية) بل قال تسافروا سفر معصية كذلك المغصوب لم يقل النبي عليه الص ة والس م ( تمسحوا على المغصوب) بل قال ( تلبسوا المغصوب) فانفكت الجهة وهـذا أقرب إلى القواعد أن ما كان محرما تحريما عاما فإنه يؤثر في العبادة والمغصوب كما تعرفون تحريمه عام.
تعليقات العثيمين على الكافي
4 – طهارة عينهما: فلا يصح المسح على النجس، كالمتخذ من جلد حمار.
5 – أن يكون المسح في المدة المحددة شرعاً: وهي للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن.
هذه شروط خمسة استنبطها أهل العلم لصحة المسح على الخفين من النصوص النبوية والقواعد العامة، لابد من مراعاتها عند إرادة المسح.
المسألة الثالثة: كيفية المسح وصفته:
المحل المشروع مسحه ظاهر الخف، والواجب في ذلك ما يطلق عليه اسم المسح. وكيفية المسح: أن يمسح أكثر أعلى الخف؛ لحديث المغيرة بن شعبة الذي بيَّن فيه وصف مسح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على خفه في الوضوء، فقال: «رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الخفين: على ظاهرهما».
ولا يجزئ مسح أسفله وعقبه ولا يسن. لقول عليٍّ رضي الله عنه: «لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على ظاهر خفه». ولو جمع بين الأعلى والأسفل صَحَّ مع الكراهة.
المسألة الرابعة: مدته:
ومدة المسح على الخفين بالنسبة للمقيم ومن سفره لا يبيح له القصر: يوم وليلة، وبالنسبة للمسافر سفراً يبيح له القصر: ثلاثة أيام بلياليها، لحديث علي رضي الله عنه قال: «جعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم».
المسألة الخامسة: مبطلاته:
ويبطل المسح بما يأتي:
1 – إذا حصل ما يوجب الغسل بطل المسح، لحديث صفوان بن عسال قال: «كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرنا إذا كنا سفراً ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة».
2 – إذا ظهر بعض محل الفرض، أي: ظهور بعض القدم، بطل المسح.
3 – نزع الخفين يبطل المسح، ونزع أحد الخفين كنزعهما في قول أكثر أهل العلم.
فإذا خلع ما مسح عليه جاز له أن يُصلي، وله أن يلبس الخف مرة أخرى، ولكنه لا يمسح عليه بعد ذلك.
فخلع الخف أو الجورب ليس من نواقض الوضوء.
قال طاوس في الرجل يمسح ثم خلع: هو على طهارة.
وعن كثير بن شنظير قال: سألت الحسن وعطاء عن رجل توضأ ومسح على خفيه ثم خلعهما. قالا: يصلي ولا يغسل قدميه.
وعن الحسن أنه كان يقول: إذا مسح على خفيه بعد الحدث، ثم خلعهما أنه على طهارة فليصل.
وعن فضيل بن عمرو عن إبراهيم أنه رأى إبراهيم فعل ذلك، ثم خلع خفيه. قال: ثم صلى ولم يتوضأ. أخرج هذه الآثار ابن أبي شيبة في المصنف.
4 – انقضاء مدة المسح مبطل له؛ لأن المسح مؤقت بزمن معين من قبل الشارع، فلا تجوز الزيادة على المدة المقررة لمفهوم أحاديث التوقيت.
المسألة السادسة: ابتداء مدة المسح:
وتبتدئ مدة المسح من الحدث بعد اللبس، كمن توضأ لصلاة الفجر، ولبس الخفين، وبعد طلوع الشمس أحدث، ولم يتوضأ، ثم توضأ قبل صلاة الظهر، فابتداء المدة من طلوع الشمس وقت الحدث. وقال بعض العلماء: ابتداؤها من حيث توضأ قبل صلاة الظهر، أي: من المسح بعد الحدث.
المسألة السابعة: المسح على الجبيرة والعمامة وخمر النساء:
الجبيرة: هي أعواد ونحوها كالجبس مما يربط على الكسر ليجبر ويلتئم، ويمسح عليها. وكذلك يمسح على اللصوق واللفائف التي توضع على الجروح، فكل هذه الأشياء يمسح عليها بشرط أن تكون على قدر الحاجة، فإن تجاوزت قدر الحاجة لزمه نَزْعُ ما زاد على الحاجة.
ويجوز المسح عليها في الحدث الأكبر والأصغر، وليس للمسح عليها وقت محدد بل يمسح عليها إلى نزعها أو شفاء ما تحتها. والدليل على ذلك: أن المسح على الجبيرة ضرورة والضرورة تقدر بقدرها ولا فرق فيها بين الحدثين.
وكذلك يجوز المسح على العمامة، وهي ما يعمم به الرأس، ويكور عليه، والدليل على ذلك: حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على عمامته وعلى الناصية والخفين».
وحديث: «أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين والخمار». يعني العمامة.
والمسح عليها ليس له وقت محدد،
وقال بعض العلماء: لو سلك سبيل الاحتياط فلم يمسحها إلا إذا لبسها على طهارة وفي المدة المحددة للمسح على الخفين، لكان حسناً.
أما خمار المرأة وهو ما تغطي به رأسها، فالأولى ألا تمسح عليه، إلا إذا كان هناك مشقة في نزعه، أو لمرض في الرأس أو نحو ذلك. ولو كان الرأس ملبداً بحناء أو غيره فيجوز المسح عليه؛ لفعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعموماً طهارة الرأس فيها شيء من التسهيل والتيسير على هذه الأمة.
قلت سيف: المقصود بفعل النبي صلى الله عليه وسلم لما لبد رأسه في الحج.
3 – (فتاوى في) ما يهم المسلم في المسح على الخفين – للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
س: ماشروط المسح على الخفين؟
ج: يشترط للمسح على الخفين أربعة شروط:
1 – أن يكون لابساً لهما على طهارة.
2 – أن يكون الخفاف أو الجوارب طاهرة.
3 – أن يكون مسحهما في الحدث الأصغر، لافي الجنابة أو ما يوجب الغسل.
4 – أن يكون المسح في الوقت المحدد شرعاً، وهو يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر.
س: هل النية واجبة بمعنى أنه إذا أراد لبس الشراب أو الكنادر ينوي أنه سيمسح عليهما، وكذلك نية أنه سيمسح مسح مقيم أو مسح مسافر أم هي غير واجبة؟
ج: النية هنا غير واجبة؛ لأن هذا عمل علق الحكم على مجرد وجوده فلا يحتاج إلى نية، كما لو لبس الثوب فإنه لا يشترط أن ينوي به ستر عورته في صلاته مثلاً، فلا يشترط في لبس الخفين أنه سيمسح عليهما، ولا كذلك نية المدة بل إن كان مسافراً فله ثلاثة أيام نواها أم لم ينوها، وإن كان مقيماً فله يوم وليلة نواها أم لم ينوها.
س: رجل تيمم ولبس الخفين هل يجوز له أن يمسح على الخفين إذا وجد الماء، علماً أنه لبسهما على طهارة؟
ج: لا يجوز أن يمسح على الخفين إذا كانت الطهارة طهارة تيمم، وطهارة التيمم لاتتعلق بالرجل إنما هي في الوجه والكفين فقط.
س: إذا وصل المسافر، أو سافر المقيم وهو قد بدأ المسح فكيف يكون حساب مدته؟
ج: إذا مسح المقيم ثم سافر فإنه يتم مسح مسافر على القول الراجح وإذا كان مسافراً ثم قدم فإنه يتم مسح مقيم.
س: إذا نزع الإنسان الشُراب (الجورب) وهو على وضوئه ثم أعادها قبل أن ينتقض وضوءه، فهل يجوز المسح عليها؟
ج: إذا نزع الشراب ثم أعادها وهو على وضوئه فإن كان هذا هو الوضوء الأول؛ أي إن لم ينتقض وضوءه بعد لبسه، فلا حرج عليه أن يعيدها ويمسح عليها إذا توضأ، أما إذا كان هذا الوضوء وضوءاً مسح فيه على شرابه فإنه لا يجوز له إذا خلعها أن يلبس ويمسح عليها؛ لأنه لابد أن يكون لبسها على طهارة بالماء، وهذه طهارة بالمسح، هذا ما يعلم من كلام أهل العلم.
س: هل خلع الخف يبطل المسح، أم يبطل الطهارة فقط؟
ج: إذا خلع الخفين لا تبطل طهارته لكن يبطل مسحه دون الطهارة – أي يبطل المسح مرة أخرى – ولكن تبقى طهارته حتى ينتقض وضوءه، فله الصلاة بعد خلع الخف مادام على طهارة المسح.
س: رجل يمسح على كنادر في أول مرة، ففي المرة الثانية خلع الكنادر ومسح على الشراب هل يصح مسحه؟ أم لابد من غسل الرجل؟
ج: هذا فيه خلاف، فمن أهل العلم من يرى أنه إذا مسح على أحد الخفين الأعلى أو الأسفل تعلق الحكم به ولاينتقل إلى ثان، ومنهم من يرى أنه يجوز الإنتقال إلى الثاني مادامت المدة باقية.
فمثلاً: إذا مسح على الكنادر ثم خلعها وأراد أن يتوضأ فله أن يمسح على الجوارب التي هي الشراب على القول الراجح، كما أنه إذا مسح على الجوارب ثم لبس عليها جوارب أخرى أو كنادر ومسح على العليا فلا بأس به على القول الراجح مادامت المدة باقية، لكن تحسب المدة من المسح على الأول لا من المسح على الثاني.
س: كثيراً ما يسأل الناس عن كيفية المسح الصحيحة، وعن محل المسح؟
ج: كيفية المسح أن يُمِر َ يده من أطراف أصابع الرجل إلى ساقه فقط، يعني أن الذي يُمسح هو أعلى الخف، فيمر يده من عند أصابع الرجل إلى الساق، ويكون المسح باليدين جميعاً على الرجلين جميعاً، يعني اليمنى تمسح الرجل اليمنى، واليد اليسرى تمسح الرجل اليسرى في نفس اللحظة كما تمسح الأذنان؛ لأن هذا هو ظاهر السنة لقول المغيرة بن شعبة فمسح عليهما.
س: ما حكم مسح أسفل الخف، وما حكم صلاة من يمسح بهذه الطريقة؟
ج: صلاتهم صحيحة ووضوءهم صحيح، لكن ينبهون على أن المسح من أسفل ليس من السنة، ففي السنن من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهر خفيه، وهذا يدل على أن المشروع مسح الأعلى فقط.
س: ما حكم خلع الشراب أو بعضاً منه ليحك بعض قدمه أو ليزيل شيئاً في رجله كحجر صغير ونحوه؟
ج: إذا أدخل يده من تحت الشراب (الجوارب) فلا بأس في ذلك ولاحرج، أما إن خلعهما فيُنظر، إن خلع جزءاً يسيراً فلا يضر، وإن خلغ شيئاً كثيراً بحيث يظهر أكثر القدم فإنه يبطل المسح عليهما في المستقبل.
س: يشتهر عند عامة الناس أنهم يمسحون على الخفين خمس صلوات فقط، ثم بعدم ذلك يعيدون مرة أخرى؟
ج: نعم هذا مشهور عند العامة، يظنون أن المسح يوماً وليلة، يعني: أنه لا يمسح إلا خمس صلوات، وهذا ليس بصحيح، بل التوقيت بيوم وليلة يعني: أن له أن يمسح يوما وليلة سواء صلى خمس صلوات أو أكثر، ابتداء المدة كما سبق من المسح، فقد يصلي عشر صلوات أو أكثر، فلو أن أحداً لبس الخف لصلاة الفجر يوم الإثنين وبقي على طهارته حتى نام ليلة الثلاثاء ثم مسح على الخف أول مرة لصلاة الفجر يوم الثلاثاء فهنا له أن يمسح إلى صلاة الفجر يوم الأربعاء، فيكون هنا قد صلى بالخف يوم الإثنين الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، كل هذه المدة لا تحسب له لأنها قبل المسح، وصلى يوم الثلاثاء الفجر ومسح، والظهر ومسح، والعصر ومسح، والمغرب ومسح والعشاء ومسح، وكذلك يمكن أن يمسح لصلاة يوم الأربعاء إذا مسح قبل أن تنتهي المدة، مثل: أن يكون قد مسح يوم الثلاثاء لصلاة الفجر في الساعة الخامسة إلا ربعاً وبقي على طهارته إلى أن صلى العشاء ليلة الخميس، فهنا يصلي بهذا الوضوء صلاة الفجر يوم الأربعاء والظهر والعصر والمغرب والعشاء، فيكون صلى خمس عشرة صلاة من حين لبس؛ لأنه لبسها لصلاة الفجر من يوم الإثنين وبقي على طهارته ولم يمسح إلا لصلاة الفجر يوم الثلاثاء الساعة الخامسة إلا ربعاً وبقي على طهارته حتى صلى العشاء، فيكون صلى خمس عشرة صلاة.
س: شخص ما توضأ ومسح على خفه ثم خلعه، هل ينتقض وضوءه؟
ج: القول الراجح من أقوال أهل العلم الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من أهل العلم أن الوضوء لا ينتقض بخلع الخف، فإذا خلغ خفه وهو على طهارة وقد مسحه فإن وضوءه لا ينتقض.
[كتاب: أحكام الصلاة / لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله] إعداد باختصار: دار القاسم.
====
* هل الأفضل أن يمسح على الخفين أو يغسل رجليه؟
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتكلّف حالة غير التي هو عليها
فإن كان عليه خفّ مسح عليه، وإلا غسل قدمه.
وعلى هذا كان أصحابه رضي الله عنهم.
فعن عياض بن نضلة قال: خرجنا مع أبي موسى في بعض البساتين فأخذ في حاجة وانطلقت لحاجتي فرجعت وأنا أريد أن أخلع خفي فقال ردهما وامسح عليهما حتى تضعهما حيث تنام. رواه ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط
* خمار المرأة إذا شُدّ على رأسها
وخمار المرأة له حكم العمامة إذا شُدّت على الرأس وشق نزعه.
وقد تقدّم أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الناصية وعلى العمامة.
ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاب علامة الشام محمد جمال الدين القاسمي ” المسح على الجوربين “، وطُبع معه ” تمام النصح في أحكام المسح ” للشيخ الألباني رحم الله الجميع.
=======
تمام النُّصْح في أحكام المسْح للشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني
تمام النُّصْح في أحكام المسْح للشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – نسأل الله أن ينفع بها
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد، فلما فرغت من التعليق على هذه الرسالة المباركة النافعة، رأيت أن من تمام النفع بها، أن أحذو حذو مؤلفها رحمه الله تعالى في تحقيق القول في مسائل يكثر الابتلاء بها، والسؤال عنها، ولها صلة وثقى بموضوعها، ألا وهي:
1 – المسح على النعلين.
2 – المسح على الخف أو الجورب المخرق.
3 – خلع الممسوح عليه هل ينقض الوضوء.
4 – متى تبدأ مدة المسح؟
5 – انتهاء مدة المسح هل ينقض الوضوء؟
فأقول مستعيناً بالله وحده، متوكلاً عليه:
1 – المسح على النعلين
أما المسح على النعلين، فقد اشتهر بين العلماء المتأخرين أنه لا يجوز المسح عليهما، ولا نعلم لهم دليلاً على ذلك إلا ما قاله البيهقي في (سننه) (1/ 288): (والأصل وجوب غسل الرجلين، إلا ما خصته سنة ثابتة، أو إجماع لا يختلف فيه، وليس على المسح على النعلين، ولا على الجوربين واحد منهما. والله أعلم).
كذا قال، ولا يخفى ما فيه – مع الأسف – من تجاهل للأحاديث المتقدمة في الرسالة في إثبات المسح على الجوربين والنعلين، وأسانيد بعضها صحيحة كما سبق بيانه، ولذلك تعقبه التركماني الحنفي في (الجوهر النقي) فقال (1/ 288): (قلت: هذا ممنوع، فقد تقدم أن الترمذي صحح المسح على الجوربين والنعلين وحسنه من حديث هزيل عن المغيرة، وحسنه أيضاً من حديث الضحاك عن أبي موسى. وصحح ابن حبان المسح على النعلين من حديث أوس، وصحح ابن خزيمة [1] حديث ابن عمر في المسح على النعال السبنية، وما ذكره البيهقي من حديث زيد بن الحباب عن الثوري (يعني بإسناده عن ابن عباس وقد مضى) في المسح على النعلين حديث جيد، وصححه ابن القطان عن ابن عمر.
قلت: وإذا عرفت هذا، فلا يجوز التردد في قبول هذه الرخصة بعد ثبوت الحديث بها، لأنه كما قال المؤلف فيما سبق: (وقد صح الحديث فليس إلا السمع والطاعة). لا سيما بعد جريان عمل الصحابة بها، وفي مقدمتهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما تقدم وهو مما ذهب إليه بعض الأئمة من السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين. فقد قال ابن حزم رحمه الله تعالى في (المحلى) (2/ 103): (مسألة: فإن كان الخفان مقطوعين تحت الكعبين، فالمسح جائز عليهما، وهو قول الأوزاعي، وروي عنه أنه قال: يمسح المحرم على الخفين المقطوعين تحت الكعبين … وقال غيره: لا يمسح عليهما إلا أن يكونا فوق الكعبين).
قلت سيف: بعض الأحاديث لفظ النعلين لا يصح فيها. وما صح يحمل على تخفيف الوضوء. … وراجع كتابنا جامع الأجوبة الفقهية
2 – المسح على الخف أو الجورب المخرق
وأما المسح على الخف أو الجورب المخرق، فقد اختلفوا فيه اختلافاً كثيراً، فأكثرهم يمنع منه على خلاف طويل بينهم، تراه في مبسوطات الكتب الفقهية، و (المحلى). وذهب غيرهم إلى الجواز، وهو الذي نختاره. وحجتنا في ذلك أن الأصل الإباحة، فمن منع واشترط السلامة من الخرق أو وضع له حداً، فهو مردود لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) متفق عليه. وأيضاً فقد صح عن الثوري أنه قال: (امسح عليها ما تعلقت به رجلك، وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة، مشققة، مرقعة؟). أخرجه عبد الرزاق في (المصنف) (753) ومن طريقه البيهقي (1/ 283).
وقال ابن حزم (2/ 100): (فإن كان في الخفين أو فيما لبس على الرجلين خرق صغير أو كبير طولاً أو عرضاً فظهر منه شيء من القدم، أقل القدم أو أكثرهما أو كلاهما، فكل ذلك سواء، والمسح على كل ذلك جائز، ما دام يتعلق بالرجلين منهما شيء، وهو قول سفيان الثوري، وداود، وأبي ثور، وإسحاق ابن راهويه، ويزيد بن هارون).
ثم حكى أقوال العلماء المانعين منه على ما بينها من اختلاف وتعارض ثم رد عليها، وبين أنها مما لا دليل عليها سوى الرأي وختم ذلك بقوله: (لكن الحق في ذلك ما جاءت به السنة المبينة للقرآن من أن حكم القدمين اللتين ليس عليهما شيء ملبوس يمسح عليه أن يغسلا، وحكمهما إذا كان عليهما شيء ملبوس أن يمسح على ذلك الشيء. بهذا جاءت السنة (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً) (مريم: من الآية64)، وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أمر بالمسح على الخفين وما يلبس في الرجلين، ومُسِحَ على الجوربين – أن من الخفاف والجوارب وغير ذلك مما يلبس على الرجلين المخرق خرقاً فاحشاً أو غير فاحش، وغير المخرق، والأحمر والأسود والأبيض، والجديد والبالي، فما خص عليه السلام بعض ذلك دون بعض، ولو كان حكم ذلك في الدين يختلف لما أغفله الله تعالى أن يوحى به، ولا أهمله رسول الله صلى الله عليه وسلم المفترض عليه البيان، حاشا له من ذلك، فصح أن حكم ذلك المسح على كل حال، والمسح لا يقتضي الاستيعاب في اللغة التي بها خوطبنا).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (اختياراته) (ص13): (ويجوز المسح على اللفائف في أحد الوجهين، وحكاه ابن تميم وغيره، وعلى الخف المخرق ما دام اسمه باقياً، والمشي فيه ممكناً، وهو قديم قولي الشافعي واختيار أبي البركات وغيره من العلماء).
قلت: ونسبه الرافعي في (شرح الوجيز) (2/ 370) للأكثرية واحتج له بأن القول بامتناع المسح يضيق باب الرخصة، فوجب أن يمسح. ولقد أصاب رحمه الله.
3 – خلع الممسوح عليه هل ينقض الوضوء؟
اختلف العلماء أيضاً فيمن خلع الخف ونحوه بعد أن توضأ ومسح عليه، على أقوال ثلاثة:
الأول: أن وضوءه صحيح ولا شيء عليه.
الثاني: أن عليه غسل رجليه فقط.
الثالث: أن عليه إعادة الوضوء.
وبكل من هذه الأقوال قد قال به طائفة من السلف، وقد أخرج الآثار عنهم بذلك عبد الرزاق في (المصنف) (1/ 210/809 – 813) وابن أبي شيبة (1/ 187 – 188) والبيهقي (1/ 289 – 290).
ولا شك أن القول الأول هو الأرجح، لأنه المناسب لكون المسح رخصة وتيسيراً من الله، والقول بغيره ينافي ذلك، كما قال الرافعي في المسألة التي قبلها كما تقدم، ويترجح على القولين الآخرين بمرجح آخر بل بمرجحين:
الأول: أنه موافق لعمل الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، فقد قدمنا بالسند الصحيح عنه رضي الله عنه أنه أحدث ثم توضأ ومسح على نعليه ثم خلعهما ثم صلى.
والآخر: موافقته للنظر الصحيح، فإنه لو مسح على رأسه ثم حلق، لم يجب عليه أن يعيد المسح بله الوضوء، وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال في (اختياراته) (ص15):
(ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف والعمامة بنزعهما، ولا بانقضاء المدة، ولا يجب عليه مسح رأسه، ولا غسل قدميه، وهو مذهب الحسن البصري، كإزالة الشعر الممسوح على الصحيح من مذهب أحمد، وقول الجمهور). وهو مذهب ابن حزم أيضاً، فراجع كلامه في ذلك ومناقشته لمن خالف، فإنه نفيس. (المحلى) (2/ 105 – 109): وأما ما رواه ابن أبي شيبة (1/ 187) والبيهقي (1/ 289) عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يمسح على خفيه ثم يبدو له أن ينزع خفيه، قال: يغسل قدميه.
ففيه يزيد بن عبد الرحمن الدالاني قال الحافظ: صدوق يخطيء كثيراً، وكان يدلس.
وروى البيهقي عن أبي بكرة نحوه.
ورجاله ثقات غير علي بن محمد القرشي، فلم أعرفه.
ثم روي عن المغيرة بن شعبة مرفوعاً: (المسح على الخفين ثلاثة أيام ولياليها للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم ما لم يخلع). وقال: (تفرد به عمر بن رُدَيْح، وليس بالقوي).
قلت: هذه الزيادة (ما لم يخلع) منكرة لتفرد هذا الضعيف بها، وعدم وجود الشاهد لها.
4 – متى تبدأ مدة المسح؟
للعلماء في هذه المسألة قولان معروفان:
الأول: أنها تبدأ من الحدث بعد اللبس.
والآخر: من المسح بعد الحدث.
وقد ذهب إلى الأول أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأصحابهم، ولا نعلم لهم دليلاً يستحق الذكر إلا مجرد الرأي، ولذلك خالفهم بعض أصحابهم كما يأتي، ولا علمت لهم سلفاً من الصحابة بخلاف القول الثاني، فإمامهم الأحاديث الصحيحة، وفتوى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أما السنة، فالأحاديث الصحيحة التي رواها جمع من الصحابة في صحيح مسلم والسنن الأربعة والمسانيد وغيرها ففيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح، وفي بعضها رخص في المسح، وفي غيرها: جعل المسح للمقيم يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، ومن الواضح جداً أن الحديث كالنص على ابتداء مدة المسح من مباشرة المسح، وهو كالنص أيضاً على رد القول الأول لأن مقتضاه كما نصوا عليه في الفروع أن من صلى الفجر قبيل طلوع الشمس، ثم أحدث عند الفجر من اليوم الثاني، فتوضأ ومسح لأول مرة لصلاة الفجر، فليس له المسح بعدها! فهل يصدق على مثل هذا أنه مسح يوماً وليلة؟! أما على القول الثاني الراجح فله أن يمسح إلى قبيل الفجر من اليوم الثالث. بل لقد قالوا أغرب مما ذكرنا: فلو أحدث ولم يمسح حتى مضى من بعد الحدث يوم وليلة أو ثلاثة إن كان مسافراً انقضت المدة ولم يجز المسح بعد ذلك حتى يستأنف لبساً على طهارة [2]. فحرموه من الانتفاع بهذه الرخصة، بناء على هذا الرأي المخالف للسنة! ولذلك لم يسع الإمام النووي إلا أن يخالف مذهبه – وهو الحريص على أن لا يخالفه ما وجد إلى ذلك سبيلا- لقوة الدليل، فقال رحمه الله تعالى بعد أن حكى القول الأول ومن قال به (1/ 478): (وقال الأوزاعي وأبو ثور: ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث، وهو رواية عن أحمد وداود، وهو المختار والراجح دليلاً، واختاره ابن المنذر، وحكى نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وحكى الماوردي والشاشي عن الحسن البصري أن ابتداءها من اللبس، واحتج القائلون من حين المسح بقوله صلى الله عليه وسلم: (يمسح المسافر ثلاثة أيام). وهي أحاديث صحاح كما سبق، وهذا تصريح بأنه يمسح ثلاثة، ولا يكون ذلك إلا إذا كانت المدة من المسح، ولأن الشافعي رضي الله عنه قال: إذا أحدث في الحضر ومسح في السفر أتم مسح مسافر فعلق الحكم بالمسح.
واحتج أصحابنا برواية رواها الحافظ القاسم بن زكريا المطرزي في حديث صفوان: (من الحدث إلى الحدث) وهي زيادة غريبة ليست ثابتة، وبالقياس … ).
قلت: إن القياس المشار إليه، لو كان مسلماً بصحته في نفسه، فشرط قبوله والاحتجاج به إنما هو إذا لم يخالف السنة، أما وهو مخالف لها كما رأيت فلا يجوز الالتفات إليه ولذلك قيل: إذا ورد الأثر بطل النظر، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. فكيف وهو مخالف أيضاً لقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وعهدي بالمقلدين أن يدعوا الأخذ بالسنة الصحيحة حين تخالف قوله رضي الله عنه، كما فعلوا في الطلاق الثلاث، فكيف لا يأخذون به حين وافق السنة؟! فقد روى عبد الرزاق في (المصنف) (1/ 209/807) عن أبي عثمان النهدي قال: (حضرت سعداً وابن عمر يختصمان إلى عمر في المسح على الخفين، فقال عمر: يمسح عليهما إلى مثل ساعته من يومه وليلته).
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وهو صريح في أن المسح يبتدئ من ساعة إجرائه على الخف إلى مثلها من اليوم والليلة. وهو ظاهر كل الآثار المروية عن الصحابة في مدة المسح فيما علمنا، مما أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في (المصنف). وعلى سبيل المثال، أذكر ما رواه ابن أبي شيبة (1/ 180) عن عمرو ابن الحارث قال: (خرجت مع عبد الله إلى المدائن فمسح على الخفين ثلاثاً لا ينزعهما). وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
فقد اتفقت الآثار السلفية، مع السنة المحمدية على ما ذكرنا، فتمسك بها تكن بإذن الله مهدياً.
5 – انتهاء مدة المسح هل ينقض الوضوء؟
للعلماء في ذلك أقوال أشهرها قولان في مذهب الشافعي:
الأول: يجب استئناف الوضوء.
الثاني: يكفيه غسل القدمين.
والثالث: لا شيء عليه، بل طهارته صحيحة يصلي بها ما لم يحدث. قال النووي رحمه الله. قلت: وهذا القول الثالث أقواها، وهو الذي اختاره النووي خلافاً لمذهبه أيضاً فقال رحمه الله (1/ 527): (وهذا المذهب حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وقتادة وسليمان بن حرب، واختاره ابن المنذر، وهو المختار الأقوى، وحكاه أصحابنا عن داود).
قلت: وحكاه الشعراني في (الميزان) (1/ 150) عن الإمام مالك وحكى النووي عنه غيره فليحقق. وهو الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية كما تراه في كلامه السابق في المسألة الثالثة (ص92) تبعاً لابن حزم، وذكر هذا في القائلين به إبراهيم النخعي وابن أبي ليلى، ثم قال (2/ 94): (وهذا هو القول الذي لا يجوز غيره، لأنه ليس في شيء من الأخبار أن الطهارة تنتقض عن أعضاء الوضوء ولا عن بعضها بانقضاء وقت المسح، وإنما نهى عليه السلام عن أن يمسح أحد أكثر من ثلاث للمسافر أو يوم وليلة للمقيم. فمن قال غير هذا فقد أقحم في الخبر ما ليس فيه، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل. فمن فعل ذلك واهماً فلا شيء عليه، ومن فعل ذلك عامداً بعد قيام الحجة عليه فقد أتى كبيرة من الكبائر، والطهارة لا ينقضها إلا الحدث، وهذا قد صحت طهارته، ولم يحدث فهو طاهر، والطاهر يصلي ما لم يحدث أو ما لم يأت نص جلي في أن طهارته انتقضت وإن لم يحدث. وهذا الذي انقضى وقت مسحه لم يحدث ولا جاء نص في أن طهارته انتقضت لا عن بعض أعضائه ولا عن جميعها، فهو طاهر يصلي حتى يحدث، فيخلع خفيه حينئذٍ وما على قدميه ويتوضأ ثم يستأنف المسح توقيتاً آخر، وهكذا أبداً.
=======
قال ابن عثيمين:
: مسائل في المسح على الخفين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فهذه مسائل في المسح على الخفين اقتصرت فيها على ما رأيته صواباً بمقتضى الأدلة الشرعية، أسأل الله تعالى أن تكون خالصة لله صواباً على شريعة الله.
1 – اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في جواز المسح على الخف المخرق. والصحيح جوازه مادام اسم الخف باقياً، وهو قول ابن المنذر، وحكاه عن الثوري، وإسحاق، ويزيد بن هارون، وأبي ثور، وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية مادام اسم الخف باقياً والمشي به ممكناً.
2 – ويجوز المسح على الخف الرقيق على القول الصحيح. قال النووي: حكى أصحابنا عن عمر وعلي رضي الله عنهما جواز المسح على الجورب وإن كان رقيقاً، وحكوه عن أبي يوسف ومحمد وإسحاق وداود. وقال الصحيح بل الصواب ما ذكره القاضي أبو الطيب والقفال وجماعات من المحققين أنه إن أمكن متابعة المشي عليه جاز كيف كان وإلا فلا.
3 – مدة المسح على يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر. وابتداء المدة من أول مرة مسح بعد الحدث على القول الصحيح وهو إحدى الروايتين عن احمد، وبه قال الأوزاعي وأبو ثور، واختاره ابن المنذر وحكى نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
قال النووي: وهو المختار الراجح دليلاً.
4 – إذا لبس في الحضر ثم سافر قبل أن يحدث فمسحه مسح مسافر.
5 – إذا لبس في السفر ثم أقام قبل أن يحدث فمسحه مسح مقيم.
6 – إذا لبس في الحضر فأحدث ثم سافر قبل أن يمسح فمسحه مسح مسافر.
7 – إذا لبس في السفر فأحدث ثم أقام قبل أن يمسح فمسحه مسح مقيم.
8 – إذا لبس في الحضر فأحدث ومسح ثم سافر قبل أن تنتهي مدة المسح أتم مسح مسافر على القول الصحيح، وهو مذهب أبي حنيفة، والرواية التي رجع إليها أحمد عن قوله يتم مسح مقيم. قال في الفائق: وهو النص المتأخر – يعني عن أحمد – وهو المختار. أ. هـ.
وإن انتهت مدة المسح قبل أن يسافر وجب عليه عند الوضوء خلعهما وغسل الرجلين.
9 – إذا لبس في السفر فأحدث ومسح ثم أقام أتم مسح مقيم إن بقي من المدة شيء وإلا خلع. قال في المغني: لا أعلم فيه مخالفاً.
10 – إذا لبس جورباً أو خفاً ثم لبس عليه آخر قبل أن يحدث فله مسح أيهما شاء.
11 – إذا لبس جورباً أو خفاً ثم أحدث ثم لبس عليه آخر قبل أن يتوضأ فالحكم للأول.
12 – إذا لبس جورباً أو خفاً ثم أحدث ومسحه، ثم لبس عليه آخر فله مسح الثاني على القول الصحيح.
قال في الفروع: ويتوجه الجواز وفاقاً. أ. هـ.
وقال النووي: إن هذا هو الأظهر المختار، لأنه لبس على طهارة وقولهم إنها طهارة ناقصة غير مقبول. أ. هـ. وإذا قلنا بذلك كان ابتداء المدة من مسح الأول.
13 – إذا لبس خفاً على خف أو جورب ومسح الأعلى ثم خلعه، فهل يمسح بقية المدة على الأسفل؟
لم أر من صرح به لكن ذكر النووي عن أبي العباس بن سريج فيما إذا لبس الجرموق على الخف ثلاثة معان: منها أنهما يكونان كخف واحد، الأعلى ظهارة والأسفل بطانة.
قلت: وبناء عليه يجوز أن يمسح على الأسفل حتى تنتهي المدة من مسحه على الأعلى كما لو كشطت ظهارة الخف فإنه يمسح على بطانته.
14 – إذا خلع الخف أو الجورب بعد مسحه لم تنتقض طهارته بذلك، فيصلي ما شاء حتى يحدث على القول الصحيح، حكاه ابن المنذر عن جماعة من التابعين، واختاره وحكاه ابن حزم عن طائفة من السلف. قال النووي: وهو المختار الأقوى واختاره أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية.
15 – إذا تمت مدة المسح لم تنتقض طهارته بذلك فيصلي ما شاء حتى يحدث على القول الصحيح واختاره من اختار عدم النقض في المسألة التي قبلها قال ابن حزم: وهو القول الذي لا يجوز غيره. وقال أيضاً: لو مسح قبل انقضاء أحد الأمدين – يعني أمدي المسافر والمقيم – بدقيقة فإن له أن يصلي به ما لم يحدث أ. هـ.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
حرر في 7 من ربيع الثاني عام أحد عشر وأربعمائة وألف 7/ 4/1411 هـ على يد محرره محمد الصالح العثيمين، والحمد لله رب العالمين.
========
وهذه فتاوى ابن باز:
* شروط المسح على الخفين:-
يشرع المسح على الخفين إذا كانا ساترين
للقدمين والكعبين، طاهرين ومن جلد أي حيوان كان من الحيوانات الطاهرة؛ كالإبل والبقر والغنم ونحوها، إذا لبسهما على طهارة.
ويجوز المسح على الجوربين وهما ما ينسج
لستر القدمين من قطن أو صوف أو غيرهما، كالخفين في أصح قولي العلماء؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين والنعلين، وثبت ذلك عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، ولأنهما في معنى الخفين في حصول الارتفاق بهما، وذلك في مدة المسح وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، تبدأ من المسح بعد الحدث في أصح قولي العلماء؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، إذا لبسهما بعد كمال الطهارة، وذلك في الطهارة الصغرى. أما في الطهارة الكبرى فلا يمسح عليهما، بل يجب خلعهما وغسل القدمين؛ والطهارة الكبرى هي الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس. أما الطهارة الصغرى فهي الطهارة من الحدث الأصغر؛ كالبول، والريح، وغيرهما من نواقض الوضوء، والله ولي التوفيق.
* كيفية المسح على الجوربين:-
السنة: أن يبدأ بالرجل اليمنى قبل اليسرى،
كالغسل …. والأحوط للمؤمن أن يبدأ باليمنى من اليدين والرجلين في الغسل والمسح؛ عملاً بالأدلة الشرعية، وخروجاً من الخلاف، والله ولي التوفيق.
* حكم المسح على الجوارب المصنوعه من القطن:- يجوز المسح على الجوربين الطاهرين
الساترين، كما يجوز المسح على الخفين، لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين والنعلين، ولما ثبت عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم مسحوا على الجوربين
والفرق بين الجوربين والخفين: أن الخف ما
يصنع من الجلد، أما الجورب فهو ما يتخذ من القطن ونحوه.
ومن شروط المسح على الخفين والجوربين أن
يكونا ساترين لمحل الفرض، وأن يلبسهما على طهارة، وأن يكون ذلك خلال يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، ابتداء من المسح بعد الحدث؛ عملاً بالأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك
* وقت أحتساب البداية والنهاية في المسح على الخفين:-
إذا لبس الخفين الساترين على طهارة مسح عليهما يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بليالها للمسافر والبدء عند جمع من أهل العلم يكون من الحدث بعد اللبس إذا أحدث بعد لبسه إياها بدأ والأرجح أن المسح يكون بعد الحدث، إذا مسح بعد الحدث هذا هو المبدأ هذا هو أرجح الأقوال في هذا فإذا لبسها مثلاً الفجر على طهارة ربما أحدث الضحى ثم مسح عليها الظهر فالبدء من الظهر لا يزال يصلي فيها ويمسح إلى الظهر إذا جاء الظهر القابل خلعها وتوضأ ثم لبسها إلى الظهر وهكذا لو لبسها الظهر على طهارة ثم أحدث بعد الظهر ثم مسح عليها العصر يكون المبدأ من العصر فلا يزال يتوضأ ويمسح عليها إلى العصر إذا جاء العصر القادم خلعها ويتوضأ وضوء الصلاة ثم يلبسها إن شاء، أما المسافر ثلاثة أيام بليالها، اثنين وسبعين ساعة بعد المسح بعد المسح عليها يبدأ اثنين وسبعين ساعة ثلاثة أيام بليالها وهو يمسح هذا إن وجد الماء، إن ما وجد الماء يخليها عليه ولو أيام كثيرة مثل إذا كان ما له إلا التيمم ما يلزم خلعها للتيمم؛ لأنه ما في مسح على الرجلين على الصحيح وإنما هذا إذا وجد الماء في السفر يخلع بعد ثلاثة أيام بلياليها ويتوضأ ويغسل رجليه ثم يلبسها مرة أخرى إذا شاء، أما إذا كان في السفر الطويل ولا عنده ماء يتيمم فإنه لا بأس أن تبقى في رجليه.
* الموقع الرسمي للشيخ ابن باز