لطائف التفسير: في قوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)
[سورة آل عمران 133]
(سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
[سورة الحديد 21]
لطيفة: كل الناس طريقهم إلى الجنة طلب الرحمة من الله والمغفرة حتى المقربين:
ومنه حديث لا يدخل أحد الجنة بعمله …
ْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ – أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [سُورَةُ الْأَحْقَافِ: 15، 16].
قِيلَ: هَذَا مِنْ كَمَالِ فَضْلِهِمْ وَخَوْفِهِمْ وَعُبُودِيَّتِهِمْ وَتَوَاضُعِهِمْ، فَإِنَّ مِنْ فَوَائِدِ مَا يُتَابُ (1). مِنْهُ أَنَّهُ يُكَمِّلُ عُبُودِيَّةَ الْعَبْدِ وَيَزِيدُهُ خَوْفًا وَخُضُوعًا فَيَرْفَعُ اللَّهُ بِذَلِكَ دَرَجَتَهُ، وَهَذَا الِامْتِنَاعُ مِمَّا يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ دَرَجَاتِهِمْ، وَحِكْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ أَنْ تَصِيرَ الشَّفَاعَةُ لِمَنْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ.
قال ابن القيم في حادي الارواح: الباب التاسع والعشرون: في ذكر أصناف أهل الجنة الذين ضمنت لهم دون غيرهم
قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (136)
فأخبر أنه أعد الجنة للمتقين دون غيرهم ثم ذكر أوصاف المتقين فذكر بذلهم للإحسان في حالة العسر واليسر والشدة والرخاء فإن من الناس من يبذل في حال اليسر والرخاء ولا يبذل في حال العسر والشدة ثم ذكر كيف أذاهم عن الناس بحبس الغيظ بالكظم وحبس الانتقام بالعفو ثم ذكر حالهم بينهم وبين ربهم في ذنوبهم وأنها إذا صارت منهم قابلوها بذكر الله والتوبة والاستغفار وترك الإضرار
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وقد وصف الله المتقين في كتابه بمثل ما وصَّى به النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – في هذه الوصية في قوله – عز وجل -: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} ((1)).
فوصف المتقين بمعاملة الخلق بالإحسّان إليهم بالإنفاق، وكظمِ الغيظ، والعفو عنهم، فجمع بين وصفهم ببذل النَّدى، واحتمال الأذى، وهذا هو غايةُ حسن الخلق الذي وصى به النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – لمعاذ، ثم وصفهم بأنَّهم: {إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} ولم يُصرُّوا عليها، فدلَّ على أنَّ المتقين قد يَقَعُ منهم أحياناً كبائر وهي الفواحش، وصغائر وهي ظُلمُ النفس، لكنَّهم لا يُصرُّون عليها، بل يذكرون الله عَقِبَ وقوعها، ويستغفرونه ويتوبون إليه منها، والتوبة: هي تركُ الإصرار على الذنبِ