: 232 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
——–‘——-‘——–
مسند أحمد:
12162 – حدثنا ابن نمير، أخبرنا مالك يعني ابن مغول، عن الزبير بن عدي، عن أنس بن مالك قال: ” لا يأتي عليكم زمان إلا هو شر من الزمان الذي قبله “. سمعنا ذلك من نبيكم صلى الله عليه وسلم مرتين.
قال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين. ابن نمير: هو عبد الله.
قلت سيف: على شرط الذيل على الصحيح المسند (قسم الزيادات على الصحيحين)
الحديث أخرجه البخاري 7068
وعند أحمد زيادة مرتين وكذلك اختلاف يسير في لفظه.
——-‘——-‘——–
قال الحافظ ابن حجر: واستشكلوا أيضا زمان عيسى بن مريم بعد زمان الدجال وأجاب الكرماني بأن المراد الزمان الذي يكون بعد عيسى أو المراد جنس الزمان الذي فيه الأمراء والا فمعلوم من الدين بالضرورة أن زمان النبي المعصوم لا شر فيه
قلت (ابن حجر): ويحتمل ان يكون المراد بالأزمنة ما قبل وجود العلامات العظام كالدجال وما بعده ويكون المراد بالأزمنة المتفاضلة في الشر من زمن الحجاج فما بعده إلى زمن الدجال وأما زمن عيسى عليه السلام فله حكم مستأنف والله أعلم ويحتمل أن يكون المراد بالأزمنة المذكورة أزمنة الصحابة بناء على أنهم هم المخاطبون بذلك فيختص بهم فأما من بعدهم فلم يقصد في الخبر المذكور لكن الصحابي فهم التعميم فلذلك أجاب من شكا إليه الحجاج بذلك وأمرهم بالصبر وهم أو جلهم من التابعين
واستدل بن حبان في صحيحه بأن حديث أنس ليس على عمومه بالأحاديث الواردة في المهدي وأنه يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا ثم وجدت عن ابن مسعود ما يصلح أن يفسر به الحديث وهو ما أخرجه الدارمي بسند حسن عن عبد الله قال لا يأتي عليكم عام الا وهو شر من الذي قبله أما أني لست أعني عاما. ” فتح الباري” (13/ 22).
قال العلامة الألباني: مما يجب أن يعلم … أن قوله – صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم».
رواه البخاري في ” الفتن ” من حديث أنس مرفوعاً.
فهذا الحديث ينبغي أن يفهم على ضوء الأحاديث المتقدمة وغيرها مثل أحاديث المهدي ونزول عيسى عليه السلام فإنها تدل على أن هذا الحديث ليس على عمومه بل هو من العام المخصوص، فلا يجوز إفهام الناس أنه على عمومه فيقعوا في اليأس الذي لا يصح أن يتصف به المؤمن {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون} أسأل الله أن يجعلنا مؤمنين به حقّاً.
“الصحيحة (1/ 1/36).
قال ابن عثيمين: ثم قال أنس بن مالك: فإنه لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده أشر منه، حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم. يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده أشر منه). شر منه في الدين، وهذا الشر ليس شراً مطلقاً عاماً، بل قد يكون شراً في بعض المواضع، ويكون خيراً في مواضع أخرى وهكذا.
ومع هذا؛ فإن الناس كلما ازداوا في الرفاهية، وكلما انفتحوا على الناس؛ انفتحت عليهم الشرور، فالرفاهية هي التي تدمر الإنسان؛ لأن الإنسان إذا نظر إلى الرفاهية وتنعيم جسده؛ غفل عن تنعيم قلبه، وصار أكبر همه أن ينعم هذا الجسد الذي مآله إلى الديدان والنتن، وهذا هو البلاء، وهذا هو الذي ضر الناس اليوم، لا تكاد تجد أحداً إلا ويقول: ما قصْرُنا؟ ما سيارتنا؟ ما فرشنا؟ ما أكلنا؟ حتى الذين يقرءون العلم ويدرسون العلم، بعضهم إنما يدرس لينال رتبة أو مرتبة يتوصل بها إلى نعيم الدنيا. وكأن الإنسان لم يخلق لأمر عظيم، والدنيا ونعيمها إنما هي وسيلة فقط. نسأل الله أن نستعمله وإياكم وسيلة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ما معناه: ينبغي على الإنسان أن يستعمل المال كما يستعمل الحمار للركوب، وكما يستعمل بيت الخلاء للغائط.
فهؤلاء هم الذين يعرفون المال ويعرفون قدره، لا تجعل المال أكبر همك، اركب المال، فإن لم تركب المال ركبك المال، وصار همك هو الدنيا. ” شرح رياض الصالحين” (2/ 37).
يقصد الشيخ ابن عثيمين:
قال ابن تيمية بعد أن ذكر أن الإنسان قد يستعبد من عشقه للنساء ولو من المباح قال:
وهـكذا أيضا طالب المال فإن ذلك يستعبده ويسترقه.
وهـذه الأ مور نوعان:
منها ما يحتاج العبد إليه كما يحتاج إليه من طعامه وشرابه ومسكنه ومنكحه ونحو ذلك فهذا يطلبه من الله ويرغب إليه فيه فيكون المال عنده يستعمله في حاجته بمنزلة حمارهـ الذي يركبه وبساطه الذي يجلس عليه بل بمنزلة الكنيف الذي يقضى فيه حاجته من غير أن يستعبده فيكون {هـلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا}
العبودية (92)، ومجموع الفتاوى 5/ 185
قلت سيف: وترجم البخاري باب لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه.
وقرر العلماء فضل القرون الأولى وفضل علمهم:
قال عمر بن عبد العزيز ((قف حيث وقف القوم، فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم كانوا على كشفها أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى، وإنهم لهم السابقون، فلئن كان الهدى ما أنتم عليه، لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم: حدث بعدهم، فما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، ولقد وصفوا منه ما يكفي، وتكلموا منه بما يشفي، فما دونهم مقصّر، وما فوقهم محسر، لقد قصر دونهم ناس فجفوا، وطمح آخرون عنهم فغلوا، وإنهم من ذلك لعلى هدى مستقيم)).
قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية: ((ومن المعلوم بالضرورة لمن تدبر الكتابَ والسنةَ وما اتفق عليه أهلُ السنةِ والجماعةِ من جميعِ الطوائف أنّ خيرَ قرونِ هذه الأمة في الأعمالِ والأقوالِ والاعتقادِ وغيرهِا من كل فضيلةٍ أنّ خيرها القرنُ الأولُ ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كما ثَبَتَ ذلكَ عن النبي صلى الله عليه وسلم من غيرِ وجهٍ، وأنهم أفضلُ من الخَلَفِ في كل فضيلةٍ من علمٍ وعملٍ وإيمانٍ وعقلٍ ودينٍ وبيانٍ وعبادةٍ وأنهم أولى بالبيانِ لكل مُشْكلٍ، هذا لا يدفعُه إلاّ من كابرَ المعلوم بالضرورة من دين الإسلام، وأضله الله على علمٍ، كما قال عبدُالله بن مسعود -رضي الله عنه-:”مَنْ كانَ منكم مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئكَ أصحابُ محمد؛ أبرّ هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم”، وقال غيره: عليكم بآثارِ مَنْ سَلَفَ فإنهم جاءوا بما يكفي وما يشفي ولم يحدث بعدهم خير كامن لم يعلموه، هذا وقد قال صلى الله عليه وسلم: “لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم”، فكيف يحدث لنا زمان في الخير في أعظم المعلومات وهو معرفة الله تعالى هذا لا يكون أبدا وما أحسن ما قال الشافعي رحمه الله في رسالته: هم فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل وكل سبب ينال به علم أو يدرك به هدى ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا)).
قال ابنُ رَجَب: ((وقد ابتلينا بجَهَلةٍ من النّاس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم، فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كل من تقدم من الصحابة ومن بعدهم لكثرة بيانه ومقاله، ومنهم من يقول هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين … وهذا تنقص عظيم بالسلف الصالح وإساءة ظن بهم ونسبته لهم إلى الجهل وقصور العلم))، وقال ((فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق إلاّ وهو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة، ولا يوجد في كلام من بعدهم من باطل إلاّ وفي كلامهم ما يبين بطلانه لمن فهمه وتأمله، ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة ما لا يهتدي إليه من بعدهم ولا يلم به، فمن لم يأخذ العلم من كلامهم فاته ذلك الخير كله مع ما يقع في كثير من الباطل متابعةً لمن تأخر عنهم))