: 215 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———”——–”——-
مسند أحمد
قال الامام أحمد حدثنا أبو سعيد حدثنا سليمان عن عمرو بن أبي عمرو عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد … فذكر حديثا ثم قال
23623 وبهذا الإسناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع”.
أخرجه أحمد في مسنده 23623 ومن طريقه ابن الجوزي في الثبات عند الممات من طريق سليمان بن بلال، وأخرجه أحمد أيضا 23633 والبيهقي في شعب الإيمان من طريق يزيد بن الهاد، وأحمد أيضا 23641 من طريق إسماعيل بن جعفر، وأخرجه سعيد بن منصور في كتاب الزهد من سننه من طريق يعقوب بن إبراهيم، وأخرجه سعيد بن منصور أيضا وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال من طريق عبد العزيز بن محمد، وأخرجه الشجري في أماليه من طريق أبي إسماعيل كلهم عن عمرو بن أبي عمرو به.
الحديث صححه الألباني، ومحمود بن لبيد ذكر له الشيخ مقبل حديثا في الصحيح المسند
وقال ابن الجوزي والمنذري، والهيثمي والحافظ ابن حجر رجاله ثقات
أضاف الحافظ إلا أن محمود بن لبيد اختلف في سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رآه وهو صغير.
قلت مع أن الشيخ مقبلا أثبت سماعه بإيراه في الصحيح المسند، فنقول مرسلات الصحابة محمولة على الإتصال.
ملاحظة تم إيراد الحديث من أصحاب الرقم 23641 وعلق الشيخ سيف فقال سبق برقم 23622 ….. )
أقول الرقم يخص نفس الاسناد لمتن آخر ثم ذكر بعده حديث الباب وأظن إشارة الشيخ إلى علل ابن أبي حاتم 1820 تخص حديثا آخر.
ثم لا يخلوا هذا البحث من فائدة زائدة والله أعلم. انتهى كلام صاحبنا أبي صالح
قلت سيف الجواب:
على شرط الذيل على الصحيح المسند، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وفعلا وقع منا وهم في الإحالة، المهم كلا الحديثين على الشرط،
لكن الإمام أحمد ينكر حديث محمود (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: محمود يحدث عن رافع.
فيقوى الظن انه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم. (راجع منهج الإمام أحمد في إعلال الحديث)
المهم هو مرسل صحابي فهو على الشرط
———-‘——–‘——
قال المناوي: (إذا أحب الله قوما ابتلاهم) بأنواع البلايا حتى يمحصهم من الذنوب ويفرغ قلوبهم من الشغل بالدنيا غيرة منه عليهم أن يقعوا فيما يضرهم في الآخرة وجميع ما يبتليهم به من ضنك المعيشة وكدر الدنيا وتسليط أهلها ليشهد صدقهم معه وصبرهم في المجاهدة قال {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم}. فيض القدير (1/ 246).
قال ابن حجر في الفتح: في هذه الأحاديث بشارة عظيمة لكل مؤمن لأن الآدمي لا ينفك غالبا من ألم بسبب مرض أو هم أو نحو ذلك مما ذكر وأن الأمراض والأوجاع والآلام بدنية كانت أو قلبية تكفر ذنوب من تقع له.
و جاء عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في نفسه وماله وولده، حتى يلقى الله تعالي وما عليه من خطيئة)). رواه الترمذي وروى مالك نحوه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
قال ابن القيم: وأما الاسقام والمصائب فإن ثوابها تكفير الخطايا ولهذا قال تعالى
(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) والنبي انما قال في المصائب (كفر الله بها من خطاياه) كما تقدم ذكر الفاظه وكذا قوله (المرض حطة) فالطاعات ترفع الدرجات والمصائب تحط السيئات. ” عدة الصابرين”
قال ابن عثيمين: ((إن عظم الجزاء من عظم البلاء)) يعنى أنه كلما عظم البلاء عظم الجزاء. فالبلاء السهل له أجر يسير، والبلاء الشديد له أجر كبير، لأن الله عز وجل ذو فضل على الناس، إذا ابتلاهم بالشدائد أعطاهم عليها الأجر الكبير، وإذا هانت المصائب هان الأجر.
((وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى ومن سخطا فله السخط)).
وهذه ـ أيضا ـ بشرى للمؤمن، إذا ابتلى بالمصيبة فلا يظن أن الله سبحانه يبغضه، بل قد يكون هذا من علامة محبة الله للعبد، يبتليه سبحانه بالمصائب، فإذا رضي الإنسان وصبر واحتسب فله الرضى، وإن سخط فله السخط.
وفي هذا حث على أن الإنسان يصبر على المصائب حتى يكتب له الرضى من الله عز وجل. والله الموفق. ” شرح رياض الصالحين” (1/ 259).
قال العلامة ابن باز: وقد يبتلى الناس بالأسقام والأمراض ونحو ذلك لا عن بغض ولكن لحكمة بالغة منها رفع الدرجات وحط الخطايا كما تقدم بيان ذلك. ” المجموع ” (7/ 148).
[الابتلاء يكون بالخير و الشر]
قال الصنعاني في التنوير (1/ 502): (إذا أحب الله قومًا ابتلاهم) الابتلاء يكون بالخير والشر كما قال: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ … } [الفجر: 15] وهو في الشر أشهر فهو عز وجل يبتلي العباد بإدرار شآبيب الخير لينظر يكفرون أم يشكرون كما قال سليمان: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل: 40].
وقد يكون بإنزال التفسير ليسمع تضرعهم ويدل للآخر رواية أحمد وفيها: “فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع”
[المصيبة إذا قارنها الصبر حصل التكفير ورفع الدرجات]
قلت والذي يظهر أن المصيبة إذا قارنها الصبر حصل التكفير ورفع الدرجات على ما تقدم تفصيله وإن لم يحصل الصبر نظر إن لم يحصل من الجزع ما يذم من قول أو فعل فالفضل واسع ولكن المنزلة منحطة عن منزلة الصابر السابقة وإن حصل فيكون ذلك سببا لنقص الأجر الموعود به أو التكفير فقد يستويان وقد يزيد أحدهما على الآخر فبقدر ذلك يقضى لأحدهما على الآخر ويشير إلى التفصيل المذكور حديث محمود بن لبيد الذي ذكرته قريبا والله أعلم. ” الفتح” (10/ 110).
قال الصنعاني في التنوير: وفيه دليل لما ذكرناه من أن الأجر على الصبر.
قال ابن عثيمين: فالواجب على الإنسان أن يتصبر ويحتسب الأجر عند الله ويعلم أن عظم الثواب من عظم المصاب وأنه كلما عظمت المصيبة كثر الثواب. ” شرح رياض الصالحين” (6/ 396).
قال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين (1/ 244):
فالمصائب تكون على وجهين:
تارة إذا أصيب الإنسان تذكر الأجر واحتسب هذه المصيبة على الله، فيكون فيها
فائدتان: تكفير الذنوب؛ وزيادة الحسنات.
وتارة يغفل عن هذا فيضيق صدره، ويصيبه ضجر أو ما أشبه ذلك، ويغفل عن
نية احتساب الأجر والثواب على الله، فيكون في ذلك تكفير لسيئاته، إذا هو رابح على كل حال في هذه المصائب التي تأتيه.
فإما أن يربح تكفير السيئات وحط الذنوب بدون أن يحصل له أجر؛ لأنه لم ينو شيئا ولم يصبر ولم يحتسب الأجر. وإما أن يربح شيئين: تكفير السيئات، وحصول الثواب من الله عز وجل كما تقدم.
ولهذا ينبغي للإنسان إذا اصيب ولو بشوكة، فليتذكر احتساب الأجر من الله على هذه المصيبة، حتى يؤجر عليها، مع تكفيرها للذنوب.
وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالي وجوده وكرمه، حيث يبتلي المؤمن ثم يثيبه على هذه البلوى أو يكفر عنه سيئاته.
فالحمد لله رب العالمين.
قلت سيف: ربما يستدل من قال أن المصايب كفارات دون أن تكون درجات
بحديث أبي عبيدة الذي رواه الإمام أحمد عن عياض بن غطيف قال دخلنا على أبي عبيدة نعوده من شكوى اصابته؟ وامرأته قاعدة عند رأسه. قلنا: كيف بات أبو عبيدة؟ قالت: والله لقد بات بأجر، قال أبوعبيدة: ما بت بأجر. … سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فسبعمائة ومن أنفق على نفسه أو عاد مريضا أو ماز أذى فالحسنة بعشر أمثالها والصوم جنَّة ما لم يخرقها ومن ابتلاه الله عزوجل ببلاء في جسده فهو له حطة) وهو في الصحيح المسند
لكن يعارضه
حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يُوعَك، فقلت: يا رسول الله، إنك تُوعَك وعْكاً شديداً، قال: ((أجل، إني أُوعَك كما يوعك رجلان منكم)) قلت: ذلك أن لك أجرين؟ قال: ((أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته، وحُطت عنه ذنوبه كما تَحُطُّ الشجرةُ ورقها)).
وأيضا أخرج مسلم من حديث عائشة مرفوعا (ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له درجة ومحيت عنه بها خطيئة)
ولعلنا نضعه في مختلف الحديث.
تلخيص كلام ابن حجر جمع فيه بين مختلف الحديث:
*ترجم البخاري -رحمه الله- في كتاب المرضى من صحيحه:*
باب ما جاء في كفارة المرض
*قال ابن حجر -رحمه الله- في الفتح (باختصار):*
والمراد بالمرض هنا مرض البدن وقد يطلق المرض على مرض القلب إما للشبهة كقوله تعالى في قلوبهم مرض وإما للشهوة كقوله تعالى فيطمع الذي في قلبه مرض ووقع ذكر مرض البدن في القرآن في الوضوء والصوم والحج وسيأتي ذكر مناسبة ذلك في أول الطب والكفارة صيغة مبالغة من التكفير وأصله التغطية والستر والمعنى هنا أن ذنوب المؤمن تتغطى بما يقع له من ألم المرض قال الكرماني والإضافة بيانية لأن المرض ليست له كفارة بل هو الكفارة نفسها فهو كقوله م شجر الأراك أو الإضافة بمعنى في أو هو من إضافة الصفة إلى الموصوف.
وقال غيره هو من الإضافة إلى الفاعل وأسند التكفير للمرض لكونه سببه.
قوله وقول الله عز وجل من يعمل سوءا يجز به قال الكرماني مناسبة الآية للباب أن الآية أعم إذ المعنى أن كل من يعمل سيئة فإنه يجازى بها.
وقال بن المنير الحاصل أن المرض كما جاز أن يكون مكفرا للخطايا فكذلك يكون جزاء لها.
وقال بن بطال ذهب أكثر أهل التأويل إلى أن معنى الآية أن المسلم يجازى على خطاياه في الدنيا بالمصائب التي تقع له فيها فتكون كفارة لها وعن الحسن وعبد الرحمن بن زيد أن الآية المذكورة نزلت في الكفارة خاصة والأحاديث في هذا الباب تشهد للأول انتهى وما نقله عنهما أورده الطبري وتعقبه ونقل بن التين عن بن عباس نحوه والأول المعتمد والأحاديث الواردة في سبب نزول الآية لما لم تكن على شرط البخاري ذكرها ثم أورد من الأحاديث على شرطه ما يوافق ما ذهب إليه الأكثر من تأويلها ومنه ما أخرجه أحمد وصححه بن حبان من طريق عبيد بن عمير عن عائشة أن رجلا تلا هذه الآية من يعمل سوءا يجز به فقال إنا لنجزى بكل ما عملناه هلكنا إذا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال نعم يجزى به في الدنيا من مصيبة في جسده مما يؤذيه وأخرجه أحمد وصححه بن حبان أيضا من حديث أبي بكر الصديق أنه قال يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به فقال غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض ألست تحزن قال قلت بلى قال هو ما تجزون به
ولمسلم من طريق محمد بن قيس بن مخرمة عن أبي هريرة لما نزلت من يعمل سوءا يجز به بلغت من المسلمين مبلغا شديدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها والشوكة يشاكها ثم ذكر المصنف في الباب ستة أحاديث
الحديث الأول حديث عائشة قوله ما من مصيبة أصل المصيبة الرمية بالسهم ثم استعملت في كل نازلة.
وقال الراغب أصاب يستعمل في الخير والشر قال الله تعالى إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة الآية قال وقيل الإصابة في الخير مأخوذة من الصوب وهو المطر الذي ينزل بقدر الحاجة من غير ضرر وفي الشر مأخوذة من إصابة السهم.
وقال الكرماني المصيبة في اللغة ما ينزل بالإنسان مطلقا وفي العرف ما نزل به من مكروه خاصة وهو المراد هنا.
قوله تصيب المسلم في رواية مسلم من طريق مالك ويونس جميعا عن الزهري ما من مصيبة يصاب بها المسلم ولأحمد من طريق عبد الرزاق عن معمر بهذا السند ما من وجع أو مرض يصيب المؤمن ولابن حبان من طريق بن أبي السري عن عبد الرزاق ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها ونحوه لمسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه.
قوله إلا كفر الله بها عنه في رواية أحمد إلا كان كفارة لذنبه أي يكون ذلك عقوبة بسبب ما كان صدر منه من المعصية ويكون ذلك سببا لمغفرة ذنبه ووقع في رواية بن حبان المذكورة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة ومثله لمسلم من طريق الأسود عن عائشة وهذا يقتضي حصول الأمرين معا حصول الثواب ورفع العقاب وشاهده ما أخرجه الطبراني في الأوسط من وجه آخر عن عائشة بلفظ ما ضرب على مؤمن عرق قط إلا حط الله به عنه خطيئة وكتب له حسنة ورفع له درجة وسنده جيد.
وأما ما أخرجه مسلم أيضا من طريق عمرة عنها إلا كتب الله له بها حسنة أو حط عنه بها خطيئة كذا وقع فيه بلفظ أو فيحتمل أن يكون شكا من الراوي ويحتمل التنويع وهذا أوجه ويكون المعنى إلا كتب الله له بها حسنة إن لم يكن عليه خطايا أو حط عنه خطايا إن كان له خطايا وعلى هذا فمقتضى الأول أن من ليست عليه خطيئة يزاد في رفع درجته بقدر ذلك والفضل واسع
تنبيه وقع لهذا الحديث سبب أخرجه أحمد وصححه أبو عوانة والحاكم من طريق عبد الرحمن بن شيبة العبدري أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وجع فجعل يتقلب على فراشه ويشتكي فقالت له عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال إن الصالحين يشدد عليهم وإنه لا يصيب المؤمن نكبة شوكة الحديث
وفي هذا الحديث تعقب على الشيخ عز الدين بن عبد السلام حيث قال ظن بعض الجهلة أن المصاب مأجور وهو خطأ صريح فإن الثواب والعقاب إنما هو على الكسب والمصائب ليست منها بل الأجر على الصبر والرضا
ووجه التعقب أن الأحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت الأجر بمجرد حصول المصيبة.
وأما الصبر والرضا فقدر زائد يمكن أن يثاب عليهما زيادة على ثواب المصيبة
قال القرافي المصائب كفارات جزما سواء اقترن بها الرضا أم لا لكن إن اقترن بها الرضا عظم التكفير وإلا قل كذا قال والتحقيق أن المصيبة كفارة لذنب يوازيها وبالرضا يؤجر على ذلك فإن لم يكن للمصاب ذنب عوض عن ذلك من الثواب بما يوازيه
وزعم القرافي أنه لا يجوز لأحد أن يقول للمصاب جعل الله هذه المصيبة كفارة لذنبك لأن الشارع قد جعلها كفارة فسؤال التكفير طلب لتحصيل الحاصل وهو إساءة أدب على الشارع
كذا قال وتعقب بما ورد من جواز الدعاء بما هو واقع كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة له وأجيب عنه بأن الكلام فيما لم يرد فيه شيء.
وأما ما ورد فهو مشروع ليثاب من امتثل الأمر فيه على ذلك.
قلت سيف:
قرر النووي في شرح حديث (ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له درجة ومحيت عنه بها خطيئة) من فوائده أن فيها رفع الدرجات بهذه الأمور وزيادة الحسنات وهذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء وحكى القاضي عن بعضهم أنها تكفر الخطايا فقط ولا ترفع درجة ولا تكتب حسنة قال وروي نحوه عن ابن مسعود قال الوجع لا يكتب به أجر لكن تكفر به الخطايا فقط واعتمد على الأحاديث التي فيها تكفير الخطايا ولم تبلغه الأحاديث التي ذكرها مسلم المصرحة برفع الدرجات وكتب الحسنات. قال العلماء والحكمة في كون الأنبياء أشد بلاء ثم الأمثل فالأمثل انهم مخصوصون بكمال الصبر وصحة الاحتساب ومعرفة أن ذلك نعمة من الله تعالى ليتم لهم الخير ويضاعف لهم الأجر ويظهر صبرهم ورضاهم انتهى
قلت سيف: ربما قولهم ابن مسعود خطأ إنما يقصدون أبا عبيدة لأن ابن مسعود هو راوي حديث في وعك النبي صلى الله عليه وسلم (ذلك أن لك أجرين) أو ان ثبت عنه فلعله يراه خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم
وأحاديث كون المصائب كفارة كثيرة لكن سنذكر هنا الأحاديث التي فيها أنه رفع للدرجات:
قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم: (ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتب له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة). أخرجه مسلم وسبق
والنبي صلى الله عليه وسلم طرقه وجع فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه فقالت له عائشة: لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الصالحين يشدد عليهم، وإنه لا يصيب مؤمناً نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلا حطت عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة).
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده ثم صبره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى) حديث صحيح رواه أبو داود 3088 وقلنا في تحقيقنا لسنن أبي داود فيه مجهولان لكن ورد بسند حسن عند أبي يعلى وصححه محققو المسند 5/ 272 قال البيهقي فيه دلالة على أن البلاء يرفع الدرجات بعد تكفير السيئات. الآداب للبيهقي
بل ورد أن المسافر والمريض يكتب لهما ما كانا يعملان في حال الصحة والإقامة وهذا من الأجور هكذا استدللت ثم وقفت على أن ابن بطال ذكر عن بعضهم استدلاله بذلك على رفع الدرجات فالحمد لله.
بل إن الأمراض من أسباب دخول الجنة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل في الأعمى الذي يصبر على فقد حبيبتيه فيصبر أن الله يعوضه الجنة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة السوداء التي كانت قد أصيبت بالصرع، قيل: صرع الجن، وقيل غير ذلك، من الصرع الطبي المعروف (إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة وإن شئتِ دعوت الله أن يعافيك)، فقالت: أصبر، ثم قالت: إني أتكشف يا رسول الله فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا
وقد اشترط بعض أهل العلم لحصول الثواب والتكفير عن الخطايا والذنوب بأن يصبر المصاب بها ويحتسب أما إذا لم يصبر ولم يحتسب فلا أجر له.
قال الإمام أبو العباس القرطبي المحدث: [ومقصود هذه الأحاديث أن الأمراض والأحزان وإن دقت والمصائب وإن قلت أجر المؤمن على جميعها وكفرت عنه بذلك خطاياه حتى يمشي على الأرض وليست له خطيئة كما جاء في الحديث الآخر لكن هذا كله إذا صبر المصاب واحتسب وقال ما أمر الله به في قوله: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) سورة البقرة 156. فمن كان كذلك وصل إلى ما وعد الله به ورسوله من ذلك] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 6/ 546
ولكن الحافظ ابن حجر لم يوافق القرطبي على ذلك ويرى أن مجرد حصول المرض أو غيره مما ذكر يترتب عليه التكفير المذكور سواء انضم إلى ذلك صبر المصاب أم لا. فتح الباري 12/ 212.
ويرى بعض أهل العلم أن الذنوب والمصائب تكون كفارة للذنوب فقط ولا يثاب الإنسان عليها.
الترجيح:
الذي تؤيده الأدلة أن الذنوب والمصائب تكفر الذنوب ويثاب المؤمن عليها فقد ورد في إحدى روايات حديث عائشة المتقدم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له درجة ومحيت عنه بها خطيئة) رواه مسلم.
وجاء في حديث آخر قوله – صلى الله عليه وسلم -: (ما ضرب على مؤمن عرق قط إلا حط الله به عنه خطيئة وكتب له حسنة ورفع له درجة) رواه الطبراني في الأوسط وسنده جيد كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 12/ 208.
لكن ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة 4456 ومختصر سبب الضعف في ضعيف الترغيب أن في إسنادهم إضطراب كما قال أبوحاتم وفي راويه لين.
وورد في الحديث عن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (عجب للمؤمن إذا أصابه خير حمد الله وشكر وإن أصابته مصيبة حمد الله وصبر فالمؤمن يؤجر في كل أمره حتى يؤجر في اللقمة يرفعها إلى في امرأته) رواه أحمد، وسنده قوي كما قال محقق شرح السنة 5/ 448.
سيأتي الحكم عليه في آخر البحث
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وممن جاء عنه أن المريض يكتب له الأجر بمرضه أبو هريرة فعند البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عنه أنه قال: (ما من مرض يصيبني أحب إليَّ من الحمى لأنها تدخل في كل عضو مني وإن الله يعطي كل عضو قسطه من الأجر) ومثل هذا لا يقوله أبو هريرة برأيه] فتح الباري 12/ 213.
سيأتي الحكم عليه في آخر البحث
وقال الحافظ أيضاً: [والتحقيق أن المصيبة كفارة لذنب يوازيها وبالرضا يؤجر على ذلك فإن لم يكن للمصاب ذنب عوض عن ذلك من! الثواب بما يوازيه] … وسبق في كلام ابن حجر مطولا
ونقلنا في شرحنا
وقد يكون مقصود القرطبي هو مقصود ابن حجر انها اذا لم تصادف ذنب أجر عليها.
تنبيه:
أثر أبي هريرة أخرجه البخاري في الأدب المفرد 502 حدثنا قرة بن حبيب قال حدثنا إياس بن أبي تميمة عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه به وسنده جيد.
أما حديث ( … فالمؤمن يؤجر في كل أمره حتى يؤجر في اللقمة يرفعها إلى في امرأته)
فهو في مسند أحمد 1492 ورجح الدارقطني رواية من رواه عن عمر بن سعد
قال ابن معين وسأل عنه هل هو ثقه فقال: كيف يكون من قتل الحسين ثقة. والحديث يصلح للذيل على أحاديث معلة. انتهى تعليق صاحبنا أبي صالح من تخريج مسند أحمد
* * *