21 لطائف التفسير: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ …
جمع سيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
——-‘—–
قوله تعالى (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) 72 سورة الحجر
لطيفة: تؤيد هذه الآية شرف حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأنها أعظم حياة بذلت في سبيل الله. وسيرته صلى الله عليه وسلم مليئه بالتضحيات العظيمة التي وفقه رب العزة لها. فالفضل كله لله.
قال البغوى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ
قال الله تعالى: (لعمرك) يا محمد أي وحياتك (إنهم لفي سكرتهم) حيرتهم وضلالتهم (يعمهون) يترددون.
قال قتادة: يلعبون.
روي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما خلق الله نفسا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما أقسم الله تعالى بحياة أحد إلا بحياته.
قال ابن كثير: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ
قال الله تعالى: (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) [يقول: وحياتك وعمرك وبقائك في الدنيا ” إنهم لفي سكرتهم يعمهون] رواه ابن جرير.
وقال قتادة: (في سكرتهم) أي: في ضلالتهم، (يعمهون) أي: يلعبون.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (لعمرك) لعيشك، (إنهم لفي سكرتهم يعمهون) قال: يتحيرون
ويقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله – في تفسير قوله تعالى: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) -:
” قوله تعالى: (لعمرك) معناه: أقسم بحياتك، والله جل وعلا له أن يقسم بما شاء من خلقه، ولم يقسم في القرآن بحياة أحد إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك من التشريف له صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى
وهذا نقل من رسالة دكتوراة لبعض الباحثين:
(قال ابن القيم في سياق ذكره لأقسام القرآن: (ومن ذلك قوله في قصة لوط، ومراجعته قومه له: {قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ. قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ. لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} (الحجر:70 – 72)، أكثر المفسرين من السلف والخلف- بل لا يعرف عن السلف فيه نزاع – أنّ هذا قسم من الله بحياة رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا من أعظم فضائله أن يقسم الرب بحياته. وهذه مزية لاتعرف لغيره.
ولم يوافق الزمخشري على ذلك، فصرف القسم إلى أنه بحياة لوط، وأنه من قول الملائكة، فقال: هو على إرادة القول، أي قالت الملائكة للوط عليه الصلاة والسلام:» لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون «. ([1])
وليس في اللفظ مايدل على واحد من الأمرين، بل ظاهر اللفظ وسياقه إنما يدل على ما فهمه السلف، لا أهل التعطيل والاعتزال.
قال ابن عباس:» لعمرك «، أي: وحياتك، قال: وما أقسم الله تعالى بحياة نبي غيره ([2]).
والعَمْر والعُمر واحد، إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لإثبات الأخف؛ لكثرة دوران الحلف على ألسنتهم.
وأيضاً فإن العمر حياة مخصوصة، فهو عمر شريف عظيم أهلٌ أن يقسم به لمزيته على كل عمر من أعمار بني آدم. ولا ريب أن عمره وحياته صلى الله عليه وسلم. من أعظم النعم والآيات؛ فهو أهل أن يقسم به. والقسم به أولى من القسم بغيره من المخلوقات.) ([3])
الدراسة:
في المخاطب بقول الله تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} قولان ذكرهما ابن القيم، وهما:
القول الأول: أنه النبي محمد؛ حيث أقسم الله تعالى بحياته في هذه الآية.
والقول الثاني: أنه نبي الله لوط، وهذا من قول الملائكة.
والقول الأول هو قول السلف، وهو ما رجحه ابن القيم، وذكر أنه لا نزاع فيه بين السلف. وقد ذكر إجماع السلف على هذا التفسير غير واحد – كما سيأتي -.
وقد انقسم المفسرين إلى قسمين في موقفهم من هذين القولين:
القسم الأول: اعتمد تفسير السلف للآية. ومن هؤلاء:
ابن جرير؛ فقد اقتصر على هذا القول، وذكر قول ابن عباس في ذلك. ([4])
ووافقه ابن عطية ([5])، وابن كثير. ([6])
وكذلك ابن عاشور؛ فقد ذكر أن هذه الآية جاءت معترضة بين أجزاء قصة لوط للتنبيه على عدم انتفاع من كان في سكرة هواه. ثم ذكر أن المخاطب بها هو النبي محمد من قِبَل الله. ثم قال: (وقيل: هو من كلام الملائكة بتقدير قول.) ([7])
القسم الثاني: ذكر القولين. ومن هؤلاء من اكتفى بذكر القولين من غير ترجيح أو اختيار، كالرازي ([8])، وأبي حيان. ([9])
ومنهم من ذكرهما، ومال إلى القول الآخر، كابن العربي، والقرطبي.
قال ابن العربي: (قال المفسرون بأجمعهم: أقسم الله هنا بحياة محمد صلى التشريفاً له , أن قومه من قريش في سكرتهم يعمهون وفي حيرتهم يترددون …
وهذا كلام صحيح , ولا أدري ما الذي أخرجهم عن ذكر لوط إلى ذكر محمد , وما الذي يمنع أن يقسم الله بحياة لوط , ويبلغ به من التشريف ما شاء؛ فكل ما يعطي الله للوط من فضل ويؤتيه من شرف فلمحمد ضعفاه ; لأنه أكرم على الله منه …
فإذا أقسم الله بحياة لوط فحياة محمد أرفع , ولا يخرج من كلام إلى كلام آخر غيره لم يجر له ذكر لغير ضرورة.) ([10])
وقد نقل قوله القرطبي، وقال: (ما قاله حسن؛ فإنه كان يكون قسمه سبحانه بحياة محمد صلى الله عليه وسلم. كلاماً معترضاً في قصة لوط.) ([11])
ومن المفسرين الذين ذكروا القولين، ورجحوا الأول: الثعالبي؛ فقد قال – بعد أن نقل كلام ابن العربي السابق -: (وما ذكَرَه الجمهورُ أحْسَنُ؛ لأن الخطاب خطابُ مواجهةٍ، ولأنه تفسير صحابيٍّ، وهو مقدَّم على غيره.) ([12])
والألوسي كذلك؛ فقد قال بعد ذكره للقول الثاني: (وهو مع مخالفته للمأثور محتاج لتقدير القول، أي: قالت الملائكة للوط:» لَعَمْرُكَ «الخ، وهو خلاف الأصل، وإن كان سياق القصة شاهداً له وقرينة عليه.) ([13])
النتيجة:
من خلال النقول السابقة عن المفسرين يتبين رجحان القول الذي رجحه ابن القيم لاتفاق أهل التفسير المتقدمين عليه ([14])، ولأنه قول موافق لظاهر الآية؛ فلا تحتاج معه إلى تقدير.
ومما يرجح هذا القول أيضاً: أن القسم فيه من الله تعالى، وله سبحانه أن يقسم بما شاء. وأما على القول الآخر؛ فيكون القسم من الملائكة بغير الله، وهذا من القسم الممنوع. ([15])
وإذا تقرر هذا؛ فإنه لا يعتد بالقول المخالف للإجماع. ([16])
تنبيهات وفوائد:
التنبيه الأول: نوع الخلاف وثمرته:
الخلاف السابق يرجع إلى قولين يحتملهما اللفظ، وهما متغايران، ولا يمكن حمل الآية عليهما معاً.
وثمرته: على القول المعتمد يكون في الآية تشريف عظيم للنبي؛ إذ أقسم الله تعالى بحياته، وخصه بذلك دون سائر الأنبياء.
وعلى القول الآخر، يكون القسم من الملائكة بحياة نبي الله لوط، وفي هذا ما فيه.
التنبيه الثاني: سبب الخلاف:
سبب الخلاف في هذه المسألة سببه: اعتبار بعض المفسرين قرينة السياق، وتقديمها على المأثور عن السلف في تفسير الآية.
ولعل من أسباب الخلاف هنا: الاختلاف العقدي؛ فأول من رأيته ذكر القول الثاني: الزمخشري، ثم تبعه على ذلك بعض المفسرين. ومعلوم أن هذا القول يناسب معتقد المعتزلة في صفة الكلام. وقد نبّه ابن القيم على هذا السبب في كلامه السابق. [/ align]
التعليقات والحواشي السفلية: ——————————————————————————–
([1]) انظر تفسيره الكشاف 2/ 317 – 318، وقد ذكر قول السلف بعد ذكره لهذا القول.
([2]) أخرجه بلفظ أطول من هذا ابن جرير 14/ 91 – 90 من طريقين. وقد حسن إسناده محققو تفسير ابن كثير 8/ 269 طبعة مكتبة أولاد الشيخ.
([3]) التبيان في أقسام القرآن 428 – 429، وبدائع التفسير 3/ 27.
([4]) انظر جامع البيان 14/ 91 – 92.
([5]) انظر المحرر الوجيز 8/ 338.
([6]) انظر تفسير القرآن العظيم 4/ 1963.
([7]) انظر التحرير والتنوير 14/ 67 – 68.
([8]) انظر التفسير الكبير 19/ 161.
([9]) انظر البحر المحيط 6/ 489 – 490.
([10]) أحكام القرآن 3/ 105 باختصار.
([11]) انظر الجامع لأحكام القرآن 10/ 39 – 40.
([12]) الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي 3/ 404.
([13]) روح المعاني 14/ 72.
([14]) ممن ذكر الاتفاق إضافة إلى من سبق ذكره في الدراسة: القاضي عياض، فقد قال: (اتفق أهل التفسير في هذا أنَّهُ قَسَمٌ من الله بمدة حياة محمد r .. ) كما في كتابه الشفا 1/ 41.
([15]) على أن في كون هذا اللفظ من صيغ القسم الشرعي خلافاً. وقد بسطه الشيخ حماد الأنصاري في بحث مستقل نشر في مجلة الجامعة الإسلامية – العدد الثاني – 1394 هـ ص 37 – 61. ورجح أن القسم بهذه الصيغة ليس قسماً شرعياً، وإنما قسم لغوي.
([16]) انظر تفصيل ذلك في كتاب الإجماع في التفسير للدكتور محمد الخضيري ص329 – 332