12 – لطائف التفسير: (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ … )
مصطفى الموريتاني و هاشم السوري وعبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
————”———-”———–
قال تعالي
(ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُون. آل عمرانَ (44))
لطيفة: يدلل رب العزة على صدق رسوله، بأنه يخبر بأخبار من سبق بل بتفاصيلها فمن يحفظ ويهتم بقرعة جرت في غابر الأزمان من أجل كفالة طفلة.
ومن ذلك:
قال تعالى:
(تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ هود (49))
وقال تعالى:
(ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُون يوسفَ (102))
وقال تعالى:
(وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنشَانَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ القصص (46))
وقال تعالى:
(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ) السجدة 7
وقال تعالى:
(ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ)
[سورة هود 100]
قال تعالى:
(وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)
[سورة هود 120]
قال تعالى:
(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)
[سورة هود 123]
وقال تعالى:
في قصة أصحاب الكهف:
(قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)
[سورة الكهف 26]
وقال تعالى (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)
سورة يوسف: (نحن نقص عليك احسن القصص ….. )
وقال تعالى:
(أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَائِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ)
[سورة هود 17]
ويذكر رب العزة علمه بغيب المستقبل:
(قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا) 25 (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا) [سورة الجن 26]
—
الآيات التي في آل عمران بعد قصة مريم
والتي في سورة يوسف بعد سرد قصته
والتي في سورة هود بعد ذكر قصة نوح عليه السلام
المناسبة أن الله ذكر قصتهم بالتفصيل كما شهدت بذلك الكتب السابقة وردا على المكذبين من الكفار …
قوله تعالى: ذلك من أنباء الغيب «ذلك» إشارة إلى ما تقدم من قصة زكريا، ويحيى، وعيسى، ومريم. والأنباء: الأخبار. والغيب: ما غاب عنك. والوحي: كل شيء دللت به من كلام أو كتاب، أو إشارة، أو رسالة، قاله ابن قتيبة
(زاد المسير)
[قوله تعالى: تلك من أنباء الغيب في المشار إليه ب «تلك» قولان: أحدهـما: قصة نوح.
والثاني: آيات القرآن، والمعنى: تلك من أخبار ما غاب عنك وعن قومك
فان قيل: كيف قال هـاهـنا: «تلك»، وفي مكان آخر «ذلك»؟
فقد أجاب عنه ابن الأنباري، فقال: «تلك» إشارة إلى آيات القرآن، و «ذلك» إشارة إلى الخبر والحديث، وكلاهـما معروف في اللغة الفصيحة.
(زاد المسير)
قوله تعالى: ذلك من أنباء الغيب أي: ذلك الذي قصصنا عليك من أمر يوسف وإخوته من الإخبار التي كانت غائبة عنك، فأنزلته عليك دليلا على نبوتك.
(زاد المسير)
تلك من أنباء الغيب إشارة إلى القصة، وفي الآية دليل على أن القرآن من عند الله لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يعلم ذلك قبل الوحي.
(تفسير ابن جزي)
====
تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ
تلك القصة التي قصصناها عليك -أيها الرسول- عن نوح وقومه هي من أخبار الغيب السالفة، نوحيها إليك، ما كنت تعلمها أنت ولا قومك مِن قبل هذا البيان، فاصبر على تكذيب قومك وإيذائهم لك، كما صبر الأنبياء من قبل، إن العاقبة الطيبة في الدنيا والآخرة للمتقين الذين يخشون الله.
(التفسير الميسر)
قال السعدى: تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ
قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بعد ما قص عليه هذه القصة المبسوطة، التي لا يعلمها إلا من منَّ عليه برسالته.
والآية الكريمة تعقيب حكيم على قصة نوح – عليه السلام – قصد به الامتنان على النبى – صلى الله عليه وسلم – والموعظة، والتسلية.
فالامتنان نراه فى قوله – تعالى – (مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هذا).
والموعظة نراها فى قوله – سبحانه – (فاصبر).
والتسلية نراها فى قوله – عز وجل – (إِنَّ العاقبة لِلْمُتَّقِينَ).
=====
ومن هذا الباب كان اتهام الكفار القرآن الكريم بأنه من أساطير الأولين، كما حكى الله عز وجل ذلك عنهم في آيات كثيرة، فقال سبحانه: (حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) الأنعام/25، وقال عز وجل: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) الأنفال/31، وقال عزَّ مِن قائل: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) النحل/24، ونحو ذلك من الآيات.
وإذا كان هذا القائل، أو غيره، قد زعم أن القرآن أساطير الأولين، وهو جاد في تهمته، وعنده من العلم ما يمكنه من المطابقة بين الأمرين، ليثبت أن القرآن مأخوذ من هذه الأساطير؛ فيقال له: القرآن قد تحداك، وتحدى البشر جميعا أن تأتوا بشيء من مثله؛ فهلا أخذتم من أساطير الأولين كما أخذ، وأتيتم بقرآن مثله، إن كنتم صادقين؟!! ولا أدل على كذب كفار قريش من قولهم ” لو نشاء لقلنا مثل هذا ” فما الذي أقعدهم عن الإتيان بسورة من مثل سور القرآن، كما تحداهم الله بقوله: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَاتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) سورة البقرة/23.
وهلا أتى النضر بن الحارث، وهو صاحب الحكايات والأساطير الذي جاء بها، هلا أتى بقرآن مثل الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، – أو بعشر سور، أو بسورة مثل القرآن – ليثبت للناس انتصاره في تحدي القرآن، وأن محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد كذب في دعواه إنه من عند الله؟!!
فاعتبروا يا أولي الأبصار، وتذكروا يا أولي الألباب!!
وكفار قريش لم يكونوا على علم بقصص القرآن الكريم، وإنما أرادوا التهمة المجردة بالتكذيب.
تجد ذلك في قول الله تعالى: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) هود/49.
وقوله عز وجل: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ. مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ) ص/6 – 7.
وقوله سبحانه وتعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) النمل/76.
يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله:
” إبطال لقول الذين كفروا: (إن هذا إلا أساطير الأولين) فإن القرآن وحي من عند الله إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فكل ما فيه فهو من آثار علم الله تعالى، فإذا أراد الله تعليم المسلمين شيئا مما يشتمل عليه القرآن فهو العلم الحق، ومن ذلك ما اشتمل عليه القرآن من تحقيق أمور الشرائع الماضية والأمم الغابرة مما خبطت فيه كتب بني إسرائيل خبطا من جراء ما طرأ على كتبهم من التشتت والتلاشي وسوء النقل من لغة إلى لغة في عصور انحطاط الأمة الإسرائيلية ” انتهى باختصار.
” التحرير والتنوير ” (20/ 30):
وهل القرآن عندما اقتبس، كما يدعون من التوراة، كان خاضعاً لشرطى عملية الاقتباس وهما: نقل الفكرة كلها، أو الاقتصار على نقل جزء منها، فيكون بذلك دائراً فى فلك التوراة، وتصدق حينئذ دعوى القوم بأن القرآن (معظمه) مقتبس من التوراة؟
أم إن القرآن لم يقف عند حدود ما ذكرته التوراة فى مواضع التشابه بينهما؟ بل:
1 عرض الوقائع عرضاً يختلف عن عرض التوراة لها.
2 أضاف جديداً لم تعرفه التوراة فى المواضع المشتركة بينهما.
3 صحح أخطاء ” خطيرة ” وردت فى التوراة فى مواضع متعددة.
4 انفرد بذكر ” مادة ” خاصة به ليس لها مصدر سواه.
وما علينا بعد ذلك إلا أن نستعرض بعض صور التشابه بين التوراة والقرآن، ونطبق عليها تلك الأسس المتقدمة، تاركين الحرية التامة للقارئ سواء كان مسلماً أو غير مسلم فى الحكم على ما سوف تسفر عنه المقارنة؛ أنحن على صواب فى نفى الاقتباس عن القرآن؟.
والمسألة بعد ذلك ليست مسألة اختلاف فى الرأي يصبح فيها كل فريق موصوفاً بالسلامة، وأنه على الحق أو شعبة من حق.
وإنما المسألة مسألة مصير أبدى من ورائه عقيدة صحيحة توجب النجاة لصاحبها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
أو عقيدة فاسدة تحل قومها دار البوار، يوم يقدم الله إلى ما عملوا من عمل فيجعله هباءً منثوراً”
راجع كتاب “حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين” ص (139) وما بعدها، والذي نشرته وزارة الأوقاف المصرية. [والكتاب يوجد على الموسوعة الشاملة بعنوان “شبهات المشككين”.
حيث طبق هذه القاعدة على بعض النماذج التي يتبين بها بطلان الدعوى.
فليراجع بحثه مطولا
ويقول دكتور آخر – في معرض الرد على من زعم أن القرآن نقل من غيره -:
” 1 – لقد تكفل الله تعالى بالرد على هذه الشبهة: وبالسبر والتقسيم نقول: إن القرآن يمكن أن يأتي إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) عن أربع طرق: من عند نفسه، من عند شخص، من كتاب، من الله تعالى , أما من عند نفسه فقد تقدم معنا الرد على هذه الشبهة بأكثر من عشرة أوجه. أما من عند شخص؛ فمن هو هذا الشخص؟ أكثر الطاعنين على أنهم نصارى أو يهود، فرد الله تعالى عليهم أن لسان أولئك القوم ولغتهم أعجمية، ولكن لغة هذا القرآن عربي مبين، فكيف للأعجمي أن يأتي بأعلى الفصاحة وذروة البلاغة في اللغة العربية: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) النحل/103. أما من كتاب، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) العنكبوت/48. فلم يبق إلا أنه من الله تعالى.
2 – العهد القديم لم يكن مترجما إلى اللغة العربية قبل الإسلام، وقد نص على ذلك المستشرقون أنفسهم، فهذا (جوتين) يقول عن صحائف اليهود: إن تلك الصحائف مكتوبة بلغة أجنبية. وقد أشارت الموسوعة البريطانية إلى عدم وجود ترجمة عربية لأسفار اليهود قبل الإسلام، وأن أول ترجمة كانت في أوائل العصر العباسي , وكانت بأحرف عبرية.
كيف إذن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم منها، لابد على المستشرقين أن يفتروا كذبة جديدة , وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم درس لغة التوراة فكان يترجمها للقرآن؟!!.
3 – ومن لطائف الاستدلال على أنه لم ينقل من غيره ما يذكره العلماء في فوائد أسباب النزول؛ إذ يذكرون أن من فوائد أسباب النزول أن دلالته على إعجاز القرآن , وأنه من الله تعالى من ناحية الارتجال، فنزوله بعد الحادثة مباشرة يقطع دعوى من ادعوا أنه أساطير الأولين، أو من كتب السابقين، فلو كان ينقل كتابه من كتب غيره , لكان إذا سأله سائل يتريث حتى يراجع الكتب التي عنده , وينظر ماذا تقول في هذه المسألة ثم يجيب، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل , بل يسأله الرجل فيعطيه الجواب الموافق للصواب، الذي لم يكن قرأه ولا عرفه إلا في هذه اللحظة التي نزل عليه فيها , وقد ذكرت في مبحث أدلة صدق النبي وقائع كثيرة تدل على هذا المعنى.
4 – من أوضح الأدلة على رد دعوى النقل من غيره: التحدي أن يأتي بمثله، كما تقدم تفصيل هذا في الردود العامة.
5 – لو كان القرآن مأخوذا من التوراة والإنجيل والكتب السابقة , لما استطاع محمد صلى الله عليه وسلم أن يتحدى الناس ويقدم على هذا الخطأ الفادح؛ لأن هذه الأصول المنقول عنها موجودة في متناول أيدي الجميع، فلماذا يتحدى الناس بشيء موجود، ألا يخشى أن يقوم بعض الناس بالرجوع إلى مراجعه والعمل مثل عمله فينكشف!
6 – ثم هذه الأساطير والمراجع ليست خاصة بمحمد صلى الله عليه وسلم , بل هي كتب متداولة بيد الجميع , فلماذا لا تحضرون لنا هذه الكتب التي نقل منها؟!
7 – افتراض تعلم النبي صلى الله عليه وسلم من نصارى الشام ويهود المدينة وغيرهم لا يتفق مع الحقيقة التاريخية التي تحدثنا عن الحيرة والتردد في موقف المشركين من رسول الله في محاولتهم لتفسير ظاهرة الرسالة؛ لأن مثل هذه العلاقة مع النصارى أو اليهود لا يمكن التستر عليها أمام أعداء الدعوة من المشركين وغيرهم الذين عاصروه وعرفوا أخباره وخبروا حياته العامة بما فيها من سفرات ورحلات.
8 – وجود بعض الشرائع في القرآن التي تتفق مع ما في التوراة والإنجيل أو حتى ما عند العرب ليس في هذا دليل على أنه مأخوذ منها، فالقرآن لم يأت لهدم كل شيء , بل لتصحيح الخطأ وإقرار الحق، فالصدق والشجاعة والكرم والحلم والرحمة والعزة كل هذه المعاني موجودة عند كفار مكة ومع هذا جاء الإسلام ولم يغير منها شيئا، بل باركها وحث عليها، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ) ولم يقل: لأنشئها.
إذن ليس من الضروري لكتاب هداية من هذا القبيل، أن يشجب كل الوضع الذي كانت الإنسانية عليه قبله حتى يثبت صحة نفسه، فمن الطبيعي أن يقر القرآن بعض الشرائع، سواء في الكتب السابقة السماوية , أو في عادات الناس وأعرافهم، وأما الخطأ فإنه لا يقره، وقد نص القرآن على هذا المعنى في مثل قوله تعالى: (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) يونس/37.
9 – كيف يمكن اعتبار التوراة والإنجيل من أهم مصادر القرآن مع أن القرآن خالفها في كثير من الأشياء؛ ففي بعض الأحداث التاريخية نجد القرآن يذكرها بدقة متناهية , ويتمسك بها بإصرار، في الوقت الذي كان بإمكانه أن يتجاهل بعضها، على الأقل تفاديا للاصطدام بالتوراة والإنجيل، ففي قصة موسى يشير القرآن إلى أن التي كفلت موسى هي امرأة فرعون، مع أن سفر الخروج يؤكد أنها كانت ابنته، كما أن القرآن يذكر غرق فرعون بشكل دقيق , لا يتجاهل حتى مسألة نجاة بدن فرعون من الغرق مع موته وهلاكه، في الوقت الذي نجد التوراة تشير إلى غرق فرعون بشكل مبهم، ويتكرر نفس الموقف في قضية العجل؛ حيث تذكر التوراة أن الذي صنعه هو هارون، وفي قصة ولادة مريم للمسيح – عليهما السلام – وغيرها من القضايا.
10 – من المعلوم أن في القرآن ما لا وجود له في كتب اليهود والنصارى، مثل: قصة هود وصالح وشعيب، فكيف أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم؟!!
11 – وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من النصارى الذين خالطهم؛ من أمثال سلمان وصهيب وورقة، فلِمَ لم يفضحوه عندما سب النصارى وكفرهم في كتابه في عدة آيات، حتى إن سورة المائدة، وهي من آخر السور نزولا , كانت من أكثر السور تكفيرا للنصارى.
12 – من تناقضهم زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ القرآن من سلمان وصهيب النصرانيين وابن سلام اليهودي وغيرهم ممن أسلم من أهل الكتاب، وحقيقة الأمر أن إسلام هؤلاء حجة عليهم، إذ لو كان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ القرآن والشريعة من أهل الكتاب، فلماذا يتركون الأصل ويذهبون إلى الفرع؟
13 – لقد شهد المنصفون من المستشرقين بضد ذلك:
يقول المستشرق الإنجليزي لايتنر: بقدر ما أعرف من دِينَيِ اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه محمد ليس اقتباساً , بل قد أوحى إليه ربه, ولا ريب بذلك.
ويقول هنري دي كاستري: ثبت إذن أن محمدا لم يقرأ كتابا مقدسا , ولم يسترشد في دينه بمذهب متقدم عليه ” انتهى من كتاب ” الطعن في القرآن الكريم والرد على الطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري ” (الباب الثاني/الفصل الثاني/المبحث الأول/المطلب الثاني) (ص/46 بترقيم الشاملة)
وانظر كتاب ” شوائب التفسير في القرن الرابع عشر الهجري ” (شوائب التفسير في القصص القرآني)
على أن أهم الكتب التي تعرضت لهذه المسألة، ودرستها دراسة علمية ـ في اللغة العربية ـ هي: كتاب “مدخل إلى القرآن الكريم”، وأيضا: كتاب “الظاهرة القرآنية”
ويستفاد أيضا من كتاب: “دفاع عن القرآن الكريم ضد منتقديه”، وكان بالفرنسية، ثم ترجم إلى العربية، وإن كانت ترجمته سقيمة، لكن ينتفع به.
تنبيه: هذا المبحث الأخير نقلته من الشبكة. والمراجع المذكورة في آخر البحث. لا أعرفها، لكن المنقول منها هنا حق