1034 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وصالح الصيعري، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وجمال، وكديم.
———-
الصحيح المسند
1034 عن عوف بن مالك وخالد بن الوليد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب.
—–‘—–‘——-‘—-
1 – قالوا في (الموسوعة الفقهية الكويتية) بعد أن ذكروا الأموال الّتي تخمّس: أوّلاً: الغنيمة، ثانياً: الفيء، وجعلوا الثالث السلب، فقالوا:
” ثالثاً: السّلب
14 – السّلب: ثياب القتيل – من الكفّار – وسلاحه، ومركوبه وما عليه ومعه من قماش، ومال على تفصيل واختلاف.
وقد ذهب جمهور الفقهاء – وهو المشهور عند الشّافعيّة – إلى أنّ السّلب – إن استحقّه القاتل – لا يخمّس، لما روى عوف بن مالك وخالد بن الوليد رضي الله عنهما «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قضى بالسّلب للقاتل ولم يخمّس السّلب» ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلاً له عليه بيّنة فله سلبه» فهو بعمومه يقتضي أنّ السّلب كلّه للقاتل ولو خمّس لم يكن كلّه له.
ومقابل المشهور عند الشّافعيّة – وهو ما حكاه ابن قدامة عن ابن عبّاس والأوزاعيّ ومكحول – أنّ السّلب يخمّس فيدفع خمسه لأهل الفيء، والباقي للقاتل، لعموم قول اللّه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ. . .}.
وقال الحنفية: إذا لم ينفّل بالسّلب فهو من جملة الغنيمة يخمّس، ولا يستحقّه القاتل لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ليس للمرء إلاّ ما طابت به نفس إمامه» فإذا جعل الإمام السّلب للقاتل انقطع حقّ الباقين عنه، ولا يخمّس السّلب إلاّ أن يقول: من قتل قتيلًا فله سلبه بعد الخمس، فإنّه يخمّس.
وقال إسحاق: إن استكثر الإمام السّلب خمّسه وذلك إليه، لما روى ابن سيرين أنّ البراء بن مالك بارز مرزبان الزّارة بالبحرين فطعنه فدقّ صلبه وأخذ سواريه وسلبه، فلمّا صلّى عمر الظّهر أتى أبا طلحة في داره فقال: إنّا كنّا لا نخمّس السّلب، وإنّ سلب البراء قد بلغ مالاً وأنا خامسه، فكان أوّل سلب خمّس في الإسلام سلب البراء، رواه سعيد في السّنن، وفيها أنّ سلب البراء بلغ ثلاثين ألفاً “. انتهى.
2 – ذكر الشنقيطي رحمه الله تعالى في (أضواء البيان) عدة مسائل متعلقة بالسلب:
” اعلم أولا: أن التنفيل الذي اقتضى الدليل جوازه أقسام:
الأول: أن يقول الإمام لطائفة من الجيش: إن غنمتم من الكفار شيئا، فلكم منه كذا بعد إخراج خمسه، فهذا جائز”. ثم ذكر رحمه الله الأدلة والآثار على ذلك، ثم قال رحمه الله: ” الثاني: من الأقسام التي اقتضى الدليل جوازها: تنفيل بعض الجيش، لشدة بأسه، وعنائه، وتحمله ما لم يتحمله غيره ” ثم ذكر رحمه الله الأدلة والآثار على ذلك.
ثم قال الشنقيطي رحمه الله بعد ذلك:
” الثالث: من أقسام التنفيل التي اقتضى الدليل جوازها: أن يقول الإمام: ” من قتل قتيلا فله سلبه”.
ومن الأدلة على ذلك: ما رواه الشيخان في صحيحيهما، عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: ” خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، قال: فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين، فاستدرت إليه حتى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقه، وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر بن الخطاب، فقال: ما للناس؟ فقلت: أمر الله، ثم إن الناس رجعوا، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه “، قال: فقمت، ثم قلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال مثل ذلك، قال: فقمت، فقلت: من يشهد لي؟، ثم جلست، ثم قال ذلك الثالثة، فقمت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما لك يا أبا قتادة؟ ” فقصصت عليه القصة، فقال رجل من القوم، صدق يا رسول الله سلب ذلك القتيل عندي ; فأرضه من حقه، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لا ها الله إذن لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله، فيعطيك سلبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” صدق فأعطه إياه “، فأعطاني، قال: فبعت الدرع فابتعت بها مخرفا في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام. والأحاديث بذلك كثيرة.
وروى أبو داود، وأحمد، عن أنس: أن أبا طلحة يوم حنين قتل عشرين رجلا، وأخذ أسلابهم، وفي رواية عنه عند أحمد، أحدا وعشرين، والحق أنه لا يشترط في ذلك أن يكون في مبارزة، ولا أن يكون الكافر المقتول [ص: 83] مقبلا.
أما الدليل على عدم اشتراط المبارزة: فحديث أبي قتادة هذا المتفق عليه.
وأما الدليل على عدم اشتراط كونه قتله مقبلا إليه: فحديث سلمة بن الأكوع، قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن، فبينا نحن نتضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه، ثم انتزع طلقا من حقوه فقيد به الجمل، ثم تقدم يتغدى مع القوم، وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر، وبعضنا مشاة إذ خرج يشتد فأتى جمله، فأطلق قيده ثم أناخه، وقعد عليه فأثاره فاشتد به الجمل، فاتبعه رجل على ناقة ورقاء، قال سلمة: وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي، فضربت به رأس الرجل فندر، ثم جئت بالجمل أقوده وعليه رحله وسلاحه، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس معه، فقال: ” من قتل الرجل؟ “، قالوا: ابن الأكوع، قال: ” له سلبه أجمع “، متفق عليه، واللفظ المذكور لمسلم في ” كتاب الجهاد والسير ” في باب: ” استحقاق القاتل سلب القتيل “، وأخرجه البخاري بمعناه ” في كتاب الجهاد ” في باب: ” الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان ” وهو صريح في عدم اشتراط المبارزة، وعدم اشتراط قتله مقبلا لا مدبرا كما ترى.
ولا يستحق القاتل سلب المقتول، إلا أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتالهم.
فأما إن قتل امرأة، أو صبيا، أو شيخا فانيا، أو ضعيفا مهينا، أو مثخنا بالجراح لم تبق فيه منفعة، فليس له سلبه.
ولا خلاف بين العلماء: في أن من قتل صبيا، أو امرأة، أو شيخا فانيا، لا يستحق سلبهم، إلا قولا ضعيفا جدا يروى عن أبي ثور، وابن المنذر: في استحقاق سلب المرأة.
والدليل على أن من قتل مثخنا بالجراح لا يستحق سلبه، أن عبد الله بن مسعود، هو الذي ذفف على أبي جهل يوم بدر، وحز رأسه، وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح الذي أثبته، ولم يعط ابن مسعود شيئا.
وهذا هو الحق الذي جاء به الحديث المتفق عليه، فلا يعارض بما رواه الإمام [ص: 84] أحمد، وأبو داود عن ابن مسعود: ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفله سيف أبي جهل يوم بدر “; لأنه من رواية ابنه أبي عبيدة، ولم يسمع منه، وكذلك المقدم للقتل صبرا لا يستحق قاتله سلبه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بقتل النضر بن الحارث العبدري، وعقبة بن أبي معيط الأموي صبرا يوم بدر ولم يعط من قتلهما شيئا من سلبهما.
قلت سيف: تنفيل ابن مسعود سيف أبي جهل ضعفه أيضا الألباني في الإرواء 2/ 354 بعدم سماع أبي عبيدة من أبيه.
ومسألة عدم سماعه هل يرد الحديث لاجله او لا. فيها خلاف:
الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرح العلل (1/ 298) (قال يعقوب بن شيبة إنما استجاز أصحابنا أن يدخلوا حديث أبي عبيدة عن أبيه في المسند (يعنى في الحديث المتصل_لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه وصحتها وأنه لم يأت فيها بحديث (منكر) انتهى
قال ابن رجب في الفتح (7/ 342) (وأبو عبيدة وإن لم يسمع من أبيه إلا أن أحاديثه عنه صحيحة تلقاها عن أهل بيته الثقات العارفين بحديث أبيه قاله ابن المديني وغيره) انتهى
فلعل تنفيل السيف إن ثبت برضى من صاحب السلب
بينما ذهب الطحاوي أن التسليب إنما على الأفضلية إلا إذا نص الإمام أن من قتل قتيلا فله سلبه. ولم يقل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قبل حنين. فما حصل من تنفيل سيف أبي جهل دليل أن للإمام أن يعطي السلب أو لا يعطي أو يعطي القاتل بعضه
• واختلفوا فيمن أسر أسيرا: هل يستحق سلبه إلحاقا للأسر بالقتل أو لا؟
والظاهر أنه لا يستحقه، لعدم الدليل، فيجب استصحاب عموم واعلموا أنما غنمتم الآية، حتى يرد مخصص من كتاب أو سنة صحيحة، وقد أسر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون، أسارى بدر، وقتل بعضهم صبرا كما ذكرنا، ولم يعط أحدا من الذين أسروهم شيئا من أسلابهم، ولا من فدائهم بل جعل فداءهم غنيمة.
قلت سيف: وذكر ابن المنذر في الأوسط في أن من أسر أسيرا فله سلبه وقال: لا احسبه يصح.
أما إذا قاتلت المرأة أو الصبي المسلمين: فالظاهر أن لمن قتل أحدهما سلبه ; لأنه حينئذ ممن يجوز قتله، فيدخل في عموم ” من قتل قتيلا ” الحديث، وبهذا جزم غير واحد، والعلم عند الله تعالى.
• واعلم أن العلماء اختلفوا في استحقاق القاتل السلب، هل يشترط فيه قول الإمام: ” من قتل قتيلا فله سلبه ” أو يستحقه مطلقا، قال الإمام ذلك أو لم يقله؟
وممن قال بهذا الأخير: الإمام أحمد، والشافعي، والأوزاعي، والليث، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، والطبري، وابن المنذر.
وممن قال بالأول: الذي هو أنه لا يستحقه إلا بقول الإمام: ” من قتل قتيلا ” إلخ، الإمام أبو حنيفة، ومالك، والثوري.
وقد قدمنا عن مالك وأصحابه: أن قول الإمام ذلك: لا يجوز قبل القتال، لئلا يؤدي إلى فساد النية، ولكن بعد وقوع الواقع، يقول الإمام: من قتل قتيلا. . . إلخ.
واحتج من قال: باستحقاق القاتل سلب المقتول مطلقا بعموم الأدلة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأن من قتل قتيلا فله سلبه، ولم يخصص بشيء، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، كما علم في الأصول.
واحتج مالك، وأبو حنيفة، ومن وافقهما بأدلة:
منها: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث سلمة بن الأكوع، المتفق عليه السابق ذكره، له سلبه [ص: 85] أجمع، قالوا: فلو كان السلب مستحقا له بمجرد قتله لما احتاج إلى تكرير هذا القول.
ومنها: حديث عبد الرحمن بن عوف، المتفق عليه في قصة قتل معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء الأنصاريين لأبي جهل يوم بدر، فإن فيه: ” ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبراه، فقال: ” أيكما قتله؟! “، فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: ” هل مسحتما سيفيكما؟ ” قالا: لا، فنظر في السيفين، فقال: ” كلاكما قتله “، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح اهـ.
قالوا: فتصريحه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، المتفق عليه، بأن كليهما قتله، ثم تخصيص أحدهما بسلبه، دون الآخر، صريح في أن القاتل لا يستحق السلب، إلا بقول الإمام: إنه له، إذ لو كان استحقاقه له بمجرد القتل لما كان لمنع معاذ بن عفراء وجه، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأنه قتله مع معاذ بن عمرو، ولجعله بينهما.
ومنها: ما رواه الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، عن عوف بن مالك قال: قتل رجل من حمير، رجلا من العدو، فأراد سلبه، فمنعه خالد بن الوليد، وكان واليا عليهم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عوف بن مالك فأخبره. فقال لخالد: ” ما منعك أن تعطيه سلبه؟ “، قال: استكثرته يا رسول الله، قال: ” ادفعه إليه “، فمر خالد بعوف فجر بردائه، ثم قال: هل أنجزت ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فاستغضب، فقال: لا تعطه يا خالد، لا تعطه يا خالد، هل أنتم تاركون لي أمرائي، إنما مثلكم ومثلهم، كمثل رجل استرعى إبلا، أو غنما فرعاها، ثم تحين سقيها فأوردها حوضا فشرعت فيه، فشربت صفوه، وتركت كدره، فصفوه لكم وكدره عليهم.
وفي رواية عند مسلم أيضا: عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة، في غزوة مؤتة، ورافقني مددي من اليمن، وساق الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، غير أنه قال في الحديث: قال عوف بن مالك: فقلت: يا خالد، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل، قال بلى، ولكني استكثرته، هذا لفظ مسلم في صحيحه.
وفي رواية عن عوف أيضا، عند الإمام أحمد وأبي داود قال خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، ورافقني مددي من أهل اليمن، ومضينا فلقينا جموع الروم، وفيهم رجل على فرس له، أشقر، عليه سرج مذهب، وسلاح مذهب، فجعل الرومي يفري في [ط المسلمين، فقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه، فخر وعلاه فقتله. وحاز فرسه وسلاحه، فلما فتح الله عز وجل للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد، فأخذ السلب، قال عوف: فأتيته، فقلت: يا خالد، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل، قال: بلى، ولكن استكثرته، قلت: لتردنه إليه، أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يرد عليه، قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقصصت عليه قصة المددي، وما فعل خالد، وذكر بقية الحديث بمعنى ما تقدم اهـ.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح: ” لا تعطه يا خالد ” دليل على أنه لم يستحق السلب بمجرد القتل، إذ لو استحقه به، لما منعه منه النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: ما ذكره ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن الأسود بن قيس، عن بشر بن علقمة، قال: بارزت رجلا يوم القادسية، فقتلته، وأخذت سلبه، فأتيت سعدا، فخطب سعد أصحابه، ثم قال: هذا سلب بشر بن علقمة فهو خير من اثني عشر ألف درهم، وإنا قد نفلناه إياه.
قلت سيف: بشر بن علقمة في اللسان قال: تابعي كبير روى عنه الأسود ذكره ابن المديني في المجهولين.
فلو كان السلب للقاتل قضاء من النبي صلى الله عليه وسلم، لما أضاف الأمراء ذلك التنفيل إلى أنفسهم باجتهادهم، ولأخذه القاتل دون أمرهم، قاله القرطبي.
قال مقيده عفا الله عنه: أظهر القولين عندي دليلا، أن القاتل لا يستحق السلب إلا بإعطاء الإمام ; لهذه الأدلة الصحيحة، التي ذكرنا فإن قيل: هي شاهدة لقول إسحاق: إن كان السلب يسيرا فهو للقاتل، وإن كان كثيرا خمس.
فالجواب: أن ظاهرها العموم مع أن سلب أبي جهل لم يكن فيه كثرة زائدة، وقد منع منه النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن عفراء.
• تنبيه:
جعل بعض العلماء منشأ الخلاف في سلب القاتل، هل يحتاج إلى تنفيذ الإمام أو لا؟ هو الاختلاف في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” من قتل قتيلا ” الحديث، هل هو حكم؟ وعليه فلا يعم بل يحتاج دائما إلى تنفيذ الإمام، أو هو فتوى؟ فيكون حكما عاما غير محتاج إلى تنفيذ الإمام.
قال صاحب ” نشر البنود شرح مراقي السعود ” في شرح قوله: [الرجز]
وسائر حكاية الفعل بما
منه العموم ظاهرا قد علما
ما نصه: تنبيه: حكى ابن رشيد خلافا بين العلماء، في قوله صلى الله عليه وسلم: ” من قتل قتيلا له عليه بينة، فله سلبه “، هل يحتاج سلب القتيل إلى تنفيذ الإمام، بناء على أن الحديث حكم فلا يعم، أو لا يحتاج إليه بناء على أنه فتوى؟ وكذا قوله لهند: ” خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ” فيه خلاف، هل هو حكم فلا يعم، أو فتوى فيعم.
قال ميارة في ” التكميل “: [الرجز]
وفي حديث هند الخلاف: هل
حكم يخصها أو افتاء شمل
• واعلم أن العلماء اختلفوا في السلب، هل يخمس أو لا؟ على ثلاثة أقوال:
الأول: لا يخمس.
الثاني: يخمس.
الثالث: إن كان كثيرا خمس، وإلا فلا.
وممن قال: إنه لا يخمس: الشافعي، وأحمد، وابن المنذر، وابن جرير، ويروى عن سعد بن أبي وقاص.
وممن روي عنه أنه يخمس: ابن عباس، والأوزاعي، ومكحول.
وممن فرق بين القليل والكثير: إسحاق، واحتج من قال: لا يخمس بما رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن حبان، والطبراني، عن عوف بن مالك، وخالد بن الوليد رضي الله عنهما ; أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب.
وقال القرطبي في ” تفسيره “، بعد أن ساق حديث عوف بن مالك الذي قدمنا عند مسلم ما نصه: ” وأخرجه أبو بكر البرقاني بإسناده، الذي أخرجه به مسلم، وزاد بيانا أن عوف بن مالك، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يخمس السلب ” اهـ.
وقال ابن حجر في ” التلخيص ” في حديث خالد وعوف المتقدم، ما لفظه: ” وهو ثابت في ” صحيح مسلم ” في حديث طويل فيه قصة لعوف مع خالد بن الوليد، وتعقبه الشوكاني في ” نيل الأوطار ” بما نصه: وفيه نظر؛ فإن هذا اللفظ الذي هو محل الحجة لم يكن في صحيح مسلم، بل الذي فيه هو ما سيأتي قريبا، وفي إسناد هذا الحديث إسماعيل بن عياش، وفيه كلام معروف قد تقدم ذكره مرارا “، اهـ.
[ص: 88] قال مقيده عفا الله عنه: وقد قدمنا حديث عوف المذكور بلفظ مسلم في صحيحه، وليس فيه ما ذكره الحافظ بن حجر، فهو وهم منه، كما نبه عليه الشوكاني رحمهما الله تعالى.
والتحقيق في إسماعيل بن عياش أن روايته عن غير الشاميين ضعيفة، وهو قوي في الشاميين، دون غيرهم.
قال مقيده عفا الله عنه: وهذا الحديث من رواية إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك، وإسماعيل، وشيخه في هذا الحديث، الذي هو صفوان بن عمرو، كلاهما حمصي، فهو بلدي له:
وبه تعلم صحة الاحتجاج بالحديث المذكور، مع قوة شاهده، الذي قدمنا عن أبي بكر البرقاني، بسند على شرط مسلم.
واحتج من قال بأن السلب يخمس: بعموم قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه الآية.
واحتج من قال: يخمس الكثير دون اليسير: بما رواه أنس، عن البراء بن مالك أنه قتل من المشركين مائة رجل، إلا رجلا مبارزة، وأنهم لما غزوا الزارة، خرج دهقان الزارة، فقال: رجل ورجل، فبرز البراء فاختلفا بسيفيهما، ثم اعتنقا فتوركه البراء فقعد على كبده، ثم أخذ السيف فذبحه، وأخذ سلاحه ومنطقته، وأتى به عمر، فنفله السلاح، وقوم المنطقة بثلاثين ألفا، فخمسها، وقال: إنها مال. اهـ بنقل القرطبي.
وقال قبل هذا: وفعله عمر بن الخطاب مع البراء بن مالك، حين بارز ” المرزبان ” فقتله، فكانت قيمة منطقته، وسواريه ثلاثين ألفا، فخمس ذلك اهـ.
وقال ابن قدامة في ” المغني “: وقال إسحاق: إن استكثر الإمام السلب، فذلك إليه، لما روى ابن سيرين أن البراء بن مالك بارز ” مرزبان ” الزارة بالبحرين فطعنه، فدق صلبه، وأخذ سواريه، وسلبه، فلما صلى عمر الظهر أتى أبا طلحة في داره، فقال: إنا كنا لا نخمس السلب، وإن سلب البراء قد بلغ مالا، وأنا خامسه، فكان أول سلب خمس في الإسلام سلب البراء، رواه سعيد في السنن.
وفيها أن سلب البراء بلغ ثلاثين ألفا.
قلت سيف: أثر عمر في تخميس سلب البراء صححه الألباني في الإرواء 5/ 57
[ص: 89] قال مقيده عفا الله عنه يعني الشنقيطي: أظهر الأقوال دليلا عندي أن السلب لا يخمس لحديث عوف وخالد المتقدم، ويجاب عن أخذ الخمس من سلب البراء بن مالك، بأن الذي تدل عليه القصة أن السلب لا يخمس ; لأن قول عمر: إنا كنا لا نخمس السلب، وقول الراوي كان أول سلب خمس في الإسلام: يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر صدرا من خلافته لم يخمسوا سلبا، واتباع ذلك أولى.
قال الجوزجاني: لا أظنه يجوز لأحد في شيء سبق فيه من الرسول صلى الله عليه وسلم شيء إلا اتباعه، ولا حجة في قول أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن قدامة في ” المغني “، والأدلة التي ذكرنا يخصص بها عموم قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم الآية [8\ 41].
قلت سيف: وفي السنن الكبرى ذكر الشافعي ما يخالفها وان سعد نفل شبرا اثني عشر ألفا السنن الكبرى 6/ 507
• واختلف العلماء فيما إذا ادعى أنه قتله، ولم يقم على ذلك بينة،
فقال الأوزاعي: يعطاه بمجرد دعواه، وجمهور العلماء على أنه لا بد من بينة على أنه قتله، قال مقيده عفا الله عنه: لا ينبغي أن يختلف في اشتراط البينة لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ” من قتل قتيلا له عليه بينة ” الحديث، فهو يدل بإيضاح على أنه لا بد من البينة، فإن قيل: فأين البينة التي أعطى بها النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة سلب قتيله السابق ذكره.
فالجواب من وجهين: الأول: ما ذكره القرطبي في ” تفسيره “، قال: سمعت شيخنا الحافظ المنذري الشافعي أبا محمد عبد العظيم، يقول: إنما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة الأسود بن خزاعي، وعبد الله بن أنيس، وعلى هذا يندفع النزاع، ويزول الإشكال، ويطرد الحكم. اهـ.
الثاني: أنه أعطاه إياه بشهادة الرجل الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ” صدق، سلب ذلك القتيل عندي “، الحديث، فإن قوله ” صدق ” شهادة صريحة لأبي قتادة أنه هو الذي قتله، والاكتفاء بواحد في باب الخبر، والأمور التي لم يقع فيها ترافع قال به كثير من العلماء، وعقده ابن عاصم المالكي في تحفته بقوله: [الرجز]
وواحد يجزئ في باب الخبر
واثنان أولى عند كل ذي نظر
وقال القرطبي في ” تفسيره “:
إن أكثر العلماء على إجزاء شهادة واحد، وقيل: يثبت ذلك بشاهد ويمين، والله أعلم.
وأما على قول من قال: إن السلب موكول إلى نظر الإمام، فللإمام أن يعطيه إياه، [ص: 90] ولو لم تقم بينة، وإن اشترطها فذلك له، قاله القرطبي، والظاهر عندي أنه لا بد من بينة لورود النص الصحيح بذلك.
• واختلف العلماء في السلب ما هو؟
قال مقيده عفا الله عنه: لهذه المسألة طرفان، وواسطة:
طرف أجمع العلماء على أنه من السلب: وهو سلاحه، كسيفه، ودرعه، ونحو ذلك، وكذلك ثيابه.
وطرف أجمع العلماء على أنه ليس من السلب: وهو ما لو وجد في هميانه، أو منطقته دنانير. أو جواهر، أو نحو ذلك.
وواسطة اختلف العلماء فيها: منها فرسه الذي مات وهو يقاتل عليه، ففيه للعلماء قولان: وهما روايتان عن الإمام أحمد، أصحهما أنه منه، ومنها ما يتزين به للحرب، فقال الأوزاعي: ذلك كله من السلب، وقالت: فرقة ليس منه، وهذا مروي عن سحنون إلا المنطقة، فإنها عنده من السلب، وقال ابن حبيب في الواضحة، والسواران من السلب، والله أعلم.” انتهى المقصود.
=====
وقال بعض الباحثين:
وفي صحيح البخاري. رقم 1753
حديث ْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلًا مِنَ الْعَدُوِّ، فَأَرَادَ سَلَبَهُ، فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ……
وهذا الحديث قد يستشكل من حيث إن القاتل قد استحق السلب فكيف منعه إياه؟ ويجاب عنه بوجهين أحدهما لعله أعطاه ذلك للقاتل وإنما أخره تعزيرا له ولعوف بن مالك لكونهما أطلقا ألسنتهما في خالد رضي الله عنه وانتهكا حرمة الوالي ومن ولاه.
الثاني لعله استطاب قلب صاحبه باختياره وجعله للمسلمين وكان المقصود بذلك استطابة قلب خالد رضي الله عنه للمصلحة في إكرام الأمراء
قال العباد في شرح سنن أبي داود: وفي سنن أبي داود
2721 – عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ، وَلَمْ يُخَمِّسِ السَّلَبَ»
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السلب لا يخمس.
حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب في السلب لا يخمس] يعني أنه لا يؤخذ منه خمس كما أن الغنيمة يؤخذ منها الخمس والباقي -وهو أربعة أخماس- للغانمين، فالسلب كله للقاتل ولا يؤخذ منه خمسه كما يؤخذ الخمس من الغنيمة، وإنما هو كله للقاتل.
وأما الغنيمة فيؤخذ خمسها والأربعة الأخماس الأخرى الباقية تكون للغانمين؛ هذا هو المقصود من الترجمة.
وقد أورد أبو داود حديث عوف بن مالك وخالد بن الوليد رضي الله تعالى عنهما [(أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب)].
وليس المعنى أن كل قاتل يأخذ السلب، بل إذا قال الإمام ذلك، فإذا قاله تشجيعاً لهم فإن القاتل بعد ذلك يستحق السلب كاملاً.
وحديث خالد أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.