لطائف التفسير:[محمد: 7 – 9]
جمع سيف بن محمد بن دورة الكعبي غفر الله له
——-‘
سورة محمد:
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 7 – 9].
لطيفة: من أراد الثبات في كل أمره وفي الملمات والدواهي الشديدات. – نسأل الله العافية – فلينصر دين الله.
لذا لما كان الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم نصرة لدين الله كان أعظمهم ثباتا. وهكذا الصديق والصحب الكرام. وأئمة الهدى من بعدهم.
والنَّصر والنُّصرة: العون، قال تعالى: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ} [الصف: 13]، {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النصر: 1]، {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران: 160]، {وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 250]، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]، {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا} [غافر: 51]، {وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [التوبة: 74]، {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} [النساء: 45]، {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 107]، {فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأحقاف: 28]، إلى غير ذلك من الآيات.
ونُصرة الله للعبد ظاهرة، ونصرة العبد لله هو نصرته لعباده، والقيام بحفظ حدوده ورعاية عهوده، واعتناق أحكامه واجتناب نهيه، قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحديد: 25]، {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [محمد: 7]، {كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} [الصف: 14]،
قال ابن كثير:
كقوله: (ولينصرن الله من ينصره) [الحج: 40]، فإن الجزاء من جنس العمل ; ولهذا قال: (ويثبت أقدامكم)، كما جاء في الحديث: ” من بلغ ذا سلطان حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ثبت الله قدمه على الصراط يوم القيامة”.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:”أما أهل السنة والحديث فما يُعلم أحدٌ من علمائهم ولا صالح عامتهم رجع قط عن قوله واعتقاده، بل هم أعظم الناس صبراً على ذلك، وإن امتحنوا بأنواع المحن، وفتنوا بأنواع الفتن، وهذه حال الأنبياء وأتباعهم من المتقدمين كأهل الأخدود ونحوهم، وكسلف هذه الأمة والصحابة والتابعين وغيرهم من الأئمة”.الفتاوى (4/ 50)
ولهذا لما عرف سحرة فرعون الحق ورأوا نوره الساطع لم يهتموا بوعيد فرعون ولم يلقوا لتهديده بالا، لما قال لهم: (فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمنَّ أينا أشد عذابا و أبقى) [طه:71].
فكان ردَّهم عليه منبعث من قوة يقينهم وصلابة إيمانهم، فقالوا: (لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات و الذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) [طه:72].
قال الشيخ السعدي –رحمه الله-:” (لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات):الدالات على أن الله هو الرب المعبود وحده، المعظم المبجل وحده، وأن ما سواه باطل، ونؤثرك على الذي فطرنا وخلقنا، هذا لا يكون (فاقض ما أنت قاض) مما أوعدتنا به، من القطع والصلب والعذاب. (إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) أي: إنما توعدنا به، غاية ما يكون في هذه الحياة الدنيا، ينقضي ويزول ولا يضرنا، بخلاف عذاب الله، لمن استمر على كفره، فإنه دائم عظيم”.تفسير السعدي (ص509)
ثم قال تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ} عكس تثبيت الأقدام للمؤمنين،.
وقوله سبحانه: {وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}؛ أي: أحبطها وأبطلها، ولهذا قال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ}؛ أي: لا يريدونه ولا يحبونه، {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [2].
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
هذا أمرٌ منه تعالى للمؤمنين أن ينصروا اللهَ؛ بالقيام بدينه والدعوة إليه وجهادِ أعدائه، وأن يقصدوا بذلك وجهَ الله؛ فإنهم إذا فعَلوا ذلك نصرَهم وثبَّت أقدامهم؛ أي: يربط على قلوبهم بالصبر والطُّمأنينة والثبات، ويصبر أجسادَهم على ذلك، ويُعينهم على أعدائهم، فهذا وعدٌ من كريمٍ صادق الوعد أن الذي يَنصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه وييسِّر له أسبابَ النصر؛ من الثبات وغيره، وأما الذين كفروا بربهم ونصروا الباطلَ {فَتَعْسًا لَهُمْ} [3]؛ فإنهم في تعس؛ أي: انتكاس من أمرهم وخِذلان، {وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}؛ أي: أبطل أعمالهم التي يَكيدون بها الحقَّ، فرجع كيدُهم في نحورهم، وبطلَت أعمالهم التي يزعمون أنهم يريدون بها وجهَ الله.
ذلك الإضلالُ والتعس للذين كفروا بسبب أنهم: {كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ}؛ من القرآن الذي أنزله صلاحًا للعباد وفلاحًا لهم، فلم يقبلوه، بل أبغضوه وكرهوه، {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [4].
وللثبات أسباب من أهمها اللجوء إلى الله والتوكل عليه والصبر والقدوة الحسنة
وتحتاج لبسط. فلعل ذلك يكون في موضع آخر إن شاء الله