118 جامع الأجوبة الفقهية ص 157
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري وعامر الراشدي:
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
في المسألة السابقة ذكرنا غسل اليدين عند الاستيقاظ من النوم
فهل يشمل هذا الحكم نوم النهار؟
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
– اختلف أهل العلم رحمهم الله في النوم الذي يشرع بعده غسل اليد هل هو بعد كل نوم من ليل أو نهار، أو هو بعد نوم الليل فقط؟
– ذهب إلى القول الأول جمهور العلماء وهو غسل اليد قبل وضعها في الإناء ثلاثاً بعد كل نوم واستدلوا بالتالي:
الأول: عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه) ولم يخصه بنوم الليل.
الثاني: أن قوله: (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) خرج مخرج الغالب.
الثالث: أن بعض أكابر علماء اللغة ذكروا أن (باتت) تأتي بمعنى صارت، وعليه فلا فرق بين نوم الليل والنهار.
ومِمَّنْ جَعَلَهَا في الحديثِ بمعنى “صارَ”: ابنُ الصَّايِغِ والآمِدِيُّ، وابنُ بُرْهَانَ النَّحْوِيُّ.
وقالَ ابنُ الخَبَّازِ في (شَرْحِ الإيضاحِ): رَأَيْتُ كثيرًا يَتَوَهَّمُونَ دَلَالَتَهَا على النَّوْمِ، وَيُبْطِلُهُ قولُهُ تعالى: {والَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وقِيَامًا}.
الرابع: أن العلة المنصوص عليها في الحديث وهي عدم الشعور قد تكون في نوم النهار كما تكون في نوم الليل، والشرع لا يفرّق بين متماثلين.
– وذهب إلى القول الثاني الإمام أحمد وداود الظاهري وهو أن النوم المقصود هنا هو نوم الليل فقط، واستدلوا:
الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) فحقيقة البيتوتة لا تكون إلا من نوم الليل، ويؤيد هذا ما رواه الترمذي وابن ماجه أنه قال: (إذا استيقظ أحدكم من نوم الليل).
الثاني: أن الحكمة التي شرع من أجلها الغسل غير واضحة وإنما يغلب عليها التعبدية فلا مجال لقياس النهار على الليل وإن طال فيه النوم لأنه على خلاف الغالب، والأحكام تتعلق بالأغلب، وظاهر الأحاديث التخصيص.
– قال صاحب الاستذكار
إنما خرج ذكر المبيت على الأغلب ونوم النهار في معنى نوم الليل في القياس لأنه نوم كله
وفي قولهم بت أراعي النجوم دليل على أن المبيت غير النوم وأنه يكون بنوم وبغير نوم.
– قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: (وقال إسحاق) هـو بن راهـويه (إذا استيقظ من النوم بالليل أو النهار فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها) فلم يخص إسحاق بن راهـويه الحكم بالاستيقاظ من نوم الليل كما خصه به الإمام أحمد
قلت القول الراجح عندي هـو ما ذهـب إليه إسحاق والله تعالى أعلم. انتهى
– وقال الصنعاني في سبل السلام
الحديث يدل على إيجاب غسل اليد لمن قام من نومه ليلا أو نهارا، وقال بذلك من نوم الليل أحمد، لقوله: باتت، فإنه قرينة إرادة نوم الليل كما سلف، إلا أنه يرد عليه أن التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل.
– قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار (1/ 175): قوله: (من نومه) أخذ بعمومه الشافعي والجمهور فاستحبوه عقب كل نوم، …. والتعليل بقوله: (فإنه لا يدري أين باتت يده) يقضي بإلحاق نوم النهار بنوم الليل، وإنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة.
وقال النووي: هذا الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم بل المعتبر الشك في نجاسة اليد، فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها سواء كان قام من نوم الليل أو النهار أو شك انتهى.
– وقال الشيخ الراجحي في شرح سنن النسائي (1/ 5): وأما في النهار فإنه يستحب أن يغسلها ثلاثاً قبل الوضوء.
وأما إذا استيقظ من نوم الليل فإنه يجب.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
قلت: التعليل بقوله: فإنه لا يدري أين باتت يده هل يختص الحكم في القيام من نوم الليل أو يشمل كل نوم؟
اختلف العلماء في ذلك:
فقيل: لا فرق بين نوم الليل، ونوم النهار، وهو مذهب الحنفية والمالكية ذكره صاحب كتاب الهداية شرح البداية وحاشية ابن عابدين، وراجع: (التمهيد والمنتقى للباجي)
وقيل: إن الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم، بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد، فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها، سواء قام من نوم الليل أو النهار، أو شك في نجاستها من غير نوم، وأما إذا تيقن طهارتها فوجهان: الأصح منهما، وهو الذي ذهب إليه الجماهير من أصحاب الشافعية أنه لا كراهة في غمس اليد، بل هو مخير إن شاء غمس، وإن شاء غسل قبل الغمس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النوم، ونبه على العلة، وهى الشك، فإذا انتفت العلة انتفت الكراهة، وهذا مذهب الشافعية: (المجموع وشرح صحيح مسلم للنووي).
وقيل: الحكم يتعلق بنوم الليل خاصة، وهو المشهور من مذهب الحنابلة. (المغني لابن قدامة وكشاف القناع والانصاف).
دليل الجمهور على عدم التفريق بين نوم الليل والنهار.
الدليل الأول: ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا استيقظ أحدكم من نومه، فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده. (رواه مسلم).
– وجه الاستدلال:
قوله: إذا استيقظ أحدكم من نومه، فكلمة (نومه) نكرة مضافة، فتعم، كقوله سبحانه: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} فيشمل نوم الليل ونوم النهار.
الدليل الثاني:
على فرض أن يكون الحديث في نوم الليل فيدخل فيه نوم النهار من باب القياس الجلي؛ إذ لا فرق، فإذا كان النائم يجب عليه أن يغسل يده قبل أن يدخلها الإناء لما ورد من ذلك في الحديث، فنوم النهار مثل نوم الليل في القياس.
الدليل الثالث:
قوله في الحديث: ” فإنه لا يدري وهذه العلة موجودة في نوم النهار، فالنائم إذا نام لا يدري سواء كان نومه في الليل أم في النهار؛ لأن النوم يحجب العقل.
– قال ابن حجر: لكن التعليل يقتضي الحاق نوم النهار بنوم الليل، وإنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة.
– وقال الرافعي في شرح المسند: يمكن أن يقال الكراهة في الغمس لمن نام ليلا أشد منها لمن نام نهارا؛ لأن الاحتمال في نوم الليل أقرب لطوله عادة.
بل ذهب الباجي في المنتقى إلى دخول المغمى عليه والمجنون في الحكم، فقال: تعليق هذا الحكم بنوم الليل لا يدل على اختصاصه به؛ لأن النائم إن كان لا يدري أين باتت يده فكذلك المجنون والمغمى عليه، وكذلك من قام إلى وضوء من بائل أو متغوط أو محدث فإنه يستحب له غسل يده قبل أن يدخلها في إنائه خلافا للشافعي؛ لأن المستيقظ لا يمكنه التحرز من مس رفغه ونتف إبطه وفتل ما يخرج من أنفه وقتل برغوث وعصر بثر وحك موضع عرق، وإذا كان هذا المعنى الذي شرع له غسل اليد موجودا في المستيقظ لزمه ذلك الحكم، ولا يسقط عنه أن يكون علق في الشرع على النائم، ألا ترى أن الشرع علقه على نوم المبيت ولم يمنع ذلك من أن يتعدى إلى نوم النهار لما تساويا في علة الحكم.
– وقال الشيخ عبدالله البسام: بقوله: باتت يده: فإنه قيد أغلبي، فلا يقتضي التخصيص، ولا مفهوم له، وإذا فليس نوم الليل شرطا في غسل اليد ثلاثا من النوم.
(توضيح الأحكام)
وأجيب:
بأن الحكم خص في المبيت، فلم يقل في الحديث: ” فإنه لا يدري،
وسكت، بل قال: لا يدري أين باتت يده، ولو كانت العلة احتمال نجاسة اليد لكان له وجه في إلحاق المغمى عليه،
– قلت: وبعد استعراض الخلاف الذي تميل له نفسي أن الليل قيد مؤثر والله أعلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم – في الحديث: ” أين باتت يده ”
ولأن دخول نوم الليل متيقن، ودخول غيره مشكوك فيه، والأصل براءة الذمة وعدم التكليف؛ ولأن نوم الليل أطول من نوم النهار عادة، وعلقت به أحكام كثيرة منها الأذكار الخاصة بالنوم على الصحيح، ومنها ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة: يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذ هو نام ثلاث عقد يضرب على مكان كل عقدة عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان.
فقوله: وإلا أصبح ” دليل على أن هذا في نوم الليل، والله أعلم.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
وهناك قول ثالث:
أن الحكم ليس مخصوصاً بالقيام من النوم بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها سواء قام من نوم الليل أو نوم النهار أو شك في نجاستها من غير نوم وأما إذا تيقن طهارتها فوجهان الأصح منهما عند الشافعية أنه لا كراهة في غمس اليد إن شاء غمس يده ولو لم يغسلها وإن شاء غسل قبل الغمس لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النوم ونبه على العلة وهي الشك فإذا انتفت العلة انتفت الكراهة.
قال العراقي رحمه الله في ” طرح التثريب” (2/ 42 – 43).
قال أحمد فيما رواه الأثرم عنه: فالمبيت إنما يكون بالليل. قال ابن عبد البر: أما المبيت فيشبه أن يكون ما قال أحمد صحيحا فيه؛ لأن الخليل قال في كتاب العين: البيتوتة دخولك في الليل …. .
وقد خالف أحمد في ذلك صاحبه إسحاق بن راهويه فقال: لا ينبغي لأحد استيقظ ليلًا أو نهارا إلا أن يغسل يده قبل أن يدخلها الوضوء، قال: والقياس في نوم الليل أنه مثل نوم النهار.
وما قاله إسحاق هو الذي عليه عامة العلماء، وأجابوا عن الحديث بأن ذلك خرج مخرج الغالب، ويدل لذلك رواية أبي داود: (أو كانت تطوف يده)، ورواية الدارقطني: (أو طافت يده)، ولا يلزم من صيغة (أو) في الروايتين أن يكون ذلك شكا، بل يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأمرين معا يريد أين باتت يده في المبيت؟ أو أين كانت تطوف يده في نومه مساء كان أو نهارا. انتهى.
واختار عموم النوم الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمهما الله لعموم النهي في نوم الليل والنهار لأنه لا فرق بينهما في الحكم.
المهم الأدلة في تخصيص ذلك بنوم الليل قوية، لكن أخذنا بالعموم ليشمل نوم الليل والنهار احتياطا.