1023 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة أبي تيسير طارق ومجموعة عبدالحميد وسامي وصالح الصيعري
الصحيح المسند
1023 عن عمران بن حصين قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين مصبورة كاذبا، فليتبوأ بوجهه مقعده من النار
——-
– ” من حلف على يمين مصبورة كاذبا (متعمدا) فليتبوأ بوجهه مقعده من النار “.
قال الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” 5/ 438:2332
أخرجه أبو داود (2/ 74) و الزيادة له، وغيره من طرق عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين
مرفوعا، و هناك خلاف في سماع ابن سيرين من عمران بين الإمام أحمد
و الدارقطني، فالأول أثبت و الآخر نفى و المثبت مقدم على النافي، و لاسيما و
له في مسلم ثلاثة أحاديث (1/ 137 و 5/ 97 و 105) الأول منها صرح فيه
بالتحديث عن عمران.
سبق الكلام على اليمين الغموس تحت حديث
رقم 919 من الصحيح المسند:
عن عدي بن عمير الكندي رضي الله عنه قال: خاصم رجل من كندة يقال له امرؤ القيس بن عابس رجلا من حضرموت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض، فقضى على الحضرمي بالبينة فلم تكن له بينة، فقضى على امرئ القيس باليمين، فقال الحضرمي: إن أمكنته من اليمين يا رسول الله ذهبت، والله – أو ورب الكعبة أرضي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال أخيه، لقي الله وهو عليه غضبان)
قال رجاء: وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) فقال امرؤ القيس: ماذا لمن تركها يا رسول الله؟ قال: (الجنة)، قال: فاشهد أني قد تركتها له كلها.
لكن لعلنا نذكر هنا معاني الحديث. والحكم على أحاديث في خطر اليمين الغموس لم يسبق أن حكمنا عليها من حيث الصحة والضعف
أولا: اليمين الغموس هي التي تغمس صاحبها في النار، وهي اليمين الكاذبة المتعمدة تهضم بها الحقوق أو يقصد بها الغش والخيانة، أو التي تضلل العدالة، وهي من الكبائر، وكفارتها التوبة النصوح التي لا تتم إلا برد الحقوق إلى أصحابها إن بني عليها تضييع حق أو عفوهم عن الحالف، وقد ذهب الشافعي وأحمد إلى أنها مع التوبة تجب فيها كفارة، وقد ذهب بعضهم إلى أنها لا كفارة لها حيث جاء في الحديث” خمس ليس لهن كفارة … ” وعد منها: يمين صابرة يقطع بها مالا بغير حق “وورد أيضا: من حلف على يمين مصبورة –أي ألزم بها- كاذبا فليتبوأ بوجهه مقعده من النار”
قلت (سيف) رجح أبوحاتم أن الصواب طريق المتوكل عن أبي هريرة. كما في العلل (1005) والمتوكل مجهول كما في حاشية العلل. ولعلنا إن شاءالله نتوسع في جامع الأجوبة الفقهية في هذه المسألة.
وقد اتفق الشافعي وأحمد على أن الإثم لا يسقط بمجرد الكفارة.
وهناك من قال: اليمين الغموس أعظم من أن تكفر، وعلى الحالف أن يتوب إلى الله، وفرق بعض العلماء بين من حلف مظلوما وحلف ظالما، فمن حلف مظلوما لا يأثم إثم الغموس بخلاف من حلف ظالما. ويفهم مما سبق أن المسلم عليه أن لا يتساهل في أمر اليمين ولا يحلف
إلا عند الحاجة، وأن يكون صادقا، وقد تحددت الغموس بالحلف على أمر ماض كاذبا متعمدا فيقول: ما فعلت، والحال أنه فعل، أو فعلت مع أنه لم يفعل، وإذا قلنا بالكفارة فهي إطعام عشرة مساكين لكل منهم وجبتان ويمكن دفع القيمة بمقدار خمسة عشر درهما لكل مسكين.
وفي فتاوى نور على الدرب لابن عثيمين:
س: ما هي اليمين الغموس، ولماذا سميت بذلك وما هي الكفّارة؟
ج: اليمين الغموس هي الكاذبة، التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين صبر هو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان
وفي اللفظ الآخر: أخرجه مسلم في كتاب الأيمان، باب من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، برقم (137) ولفظه ”من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة. من حلف على يمين وهو فيها كاذب أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة فالواجب على المؤمن أن يحذر الكذب بالأيمان، وغير الأيمان إذا حلف، وإذا حلف على ذلك صار آثمًا أكثر، ولا سيما إذا اقتطع بها حق أخيه، بأَنْ يَحْلِفَ: أنه ليس عنده لفلان شيء، وهو عنده له مال، يحلف أنه ما أخذ منه شيئًا، وهو قد أخذ منه، هذا ظلم، كذب وظلم ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين صبر، يقتطع بها مال امرئ مسلم بغير حق، لقي الله وهو عليه غضبان وفي لفظ آخر: قد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة، وقال: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيبًا من أراك؛ فالواجب الحذر، ويقال لها: اليمين الغموس؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار، تغمسه في الإثم والعصيان لله، ثم تغمسه في النار، فهي من أسباب دخول النار نسأل الله العافية.
—-
*قال الشيخ عبدالمحسن العباد في شرحه لسنن ابي داود*:
التغليظ هو في قوله: (فليتبوأ بوجهه مقعده من النار)، واليمين المصبورة: هي التي يصبر لها الإنسان ويلزم بها في الحكم، كأن يلزم القاضي شخصاً بأن يحلف على أمر من الأمور فيحلف، فإن هذا يقال له: يمين صبر أو يمين مصبورة؛ لأنه حبس عليها وألزم بها، وليست من قبيل لغو اليمين، كقول الإنسان: لا والله وبلى والله، وإنما المقصود من ذلك يمين يترتب عليها حكم،
وقوله: (من حلف على يمين مصبورة كاذباً فليتبوأ بوجهه مقعده من النار)، أي: أنه يكب على وجهه، وأنه يستعد لهذا المكان. لا شك أن هذا فيه ذل وهوان، وفيه زيادة في العقوبة
*وقال*:
وقيل للحلف يميناً لأنهم كانوا عند الحلف يضع الشخص يمينه بيمين الآخر، أو يده بيد الآخر، من أجل التوثيق والتأكيد للشيء الذي يحلف عليه، فلذلك لها: يمين. واليمين شرعاً: توكيد الشيء بذكر اسم الله أو صفته، يقول: والله، والرحمن، والرحيم، والعزيز، والحكيم، واللطيف، والخبير، وهذه أسماء، أو يقول: وحياة الله، وجلال الله، وعظمة الله، وعزة الله، وكلام الله، ويد الله، وغير ذلك من صفات الله عز وجل، فيؤكد الشيء بذكر اسم الله عز وجل عليه أو صفته،
قال النووي: يمين صبر بالإضافة أي ألزم بها وحبس عليها وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم وقيل لها مصبورة وإن كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور لأنه إنما صبر من أجلها أي حبس فوصفت بالصبر وأضيفت إليه مجازا
ويجمع بين الأيمان والنذور في الكتب للتقارب بينها، ولأن النذر أيضاً جاء في بعض الأحاديث: (كفارته كفارة يمين)، ولهذا صار العلماء يجمعون بين الأيمان والنذور في كتاب واحد، كما فعل أبو داود، وكما فعل البخاري وغيرهما؛ فإنهم يجمعون بين هذا وهذا فيقولون: كتاب الأيمان والنذور.
وأما الأيمان المعقودة على أمر مستقبل فهذه هي التي تكون فيها كفارة إذا حنث فيها، فإذا لم يف بما حلف عليه فإنه يكفر عن يمينه، كما جاء في الحديث: (فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير) فإذا حلف الإنسان على يمين ورأى غيرها خيراً منها فيكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير.
والكفارة ذكرها الله عز وجل في كتابه العزيز وهي: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، وإذا لم يستطع لا هذا ولا هذا فإنه ينتقل إلى صيام ثلاثة أيام، هذه هي كفارة الإيمان التي شرعها الله عز وجل في كتابه العزيز.
وأما النذور فهي جمع نذر، والنذر: هو أن يوجب الإنسان على نفسه ما ليس واجباً عليه لحدوث أمر، كأن يقول: إن حصل كذا فلله علي كذا وكذا، أو إذا تحقق كذا أو وجد كذا فلله علي كذا وكذا، فالناذر يلزم نفسه بشيء ليس بلازم عليه، لكن هذا الإلزام يكون مبنياً على حصول شيء، ومضافاً إلى حصول شيء، كأن يقول: إن شفى الله مريضي فلله علي كذا، أو إن رد الله غائبي فلله علي كذا، ونحو ذلك.
====
الأحاديث الصحيحة فى اليمين الغموس
[(1)] عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: جاء أعرابي إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ , فقال: ” الإشراك بالله ” , قال: ثم ماذا؟ , قال: ” ثم عقوق الوالدين ” , قال: ثم ماذا؟ , قال: ” اليمين الغموس ” , قلت: وما اليمين الغموس؟ , قال: ” الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب ” (خ) 6522 , (ت) 3021 , (حم) 6884
[(2)] عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله – عز وجل – وقتل النفس بغير حق وبهت مؤمن والفرار يوم الزحف، ويمين صابرة يقتطع بها مالا بغير حق ”
البهت: القول عليه بما لم يفعله , حتى حيره في أمره وأدهشه. يقال: بهته بهتا وبهتانا , أي: قال عليه ما لم يفعل. ومقتضى تخصيص المؤمن أن الذمي ليس كذلك , ويحتمل إلحاقه به , وعليه , فإنما خص به المؤمن , لأن بهته أشد.
فيض القدير (3/ 610).
(حم) 8722 ,
والحديث حسنه الألباني في الإرواء: 2564، , وصحيح الترغيب والترهيب: 1339
قلت (سيف) رجح أبوحاتم أن الصواب طريق المتوكل عن أبي هريرة. كما في العلل (1005) والمتوكل مجهول كما في حاشية العلل.
[(3)] عن أبي العالية، عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: كنا نعد من الذنب الذي ليس له كفارة: اليمين الغموس , قيل: وما اليمين الغموس؟ , قال: الرجل يقتطع بيمينه مال الرجل. (ك) 7809 , (هق) 19668 , (مسند ابن الجعد) 1408 , انظر صحيح الترغيب والترهيب: 1833
ابو العالية رفيع كثير الإرسال
لكن قرر ابن رجب في جامع العلوم والحكم أنه ليس لها كفارة عند أكثر العلماء و القاتل العمد ليس عليه الكفارة إنما يؤمر بالكفارة استحبابا.
[(4)] عن عمران بن حصين – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” من حلف على يمين مصبورة كاذبا متعمدا , فليتبوأ بوجهه مقعده من النار ”
(مصبورة): أي ألزم بها , وحبس عليها , وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم , وقيل لها ” مصبورة ” وإن كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور , لأنه إنما صبر من أجلها , أي: حبس , فوصفت بالصبر , وأضيفت إليه مجازا , ومن هذا قولهم: قتل فلان صبرا , أي: حبسا على القتل , وقهرا عليه. تحفة الأحوذي (ج7ص341)
والحديث أخرجه (ش) 22589 , (د) 3242 , (حم) 19926 , الصحيحة: 2332
وهو الحديث الذي نشرحه في الصحيح المسند 1023
[(5)] قال الحاكم 7884 حدثني محمد بن صالح بن هانئ ثنا ابوسعيد الحسن بن عبد الصمد القهندزي ثنا يحيى بن يحيى وعمرو بن زرارة قالا ثنا سعيد بن سلمة ثنا اسماعيل بن أمية عن عمر بن عطاء بن ابي الحوار عن عبيد بن جريج عن الحارث بن البرصاء – رضي الله عنه – قال: ” قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحج بين الجمرتين: من اقتطع مال أخيه المسلم بيمين فاجرة فليتبوأ مقعده من النار ليبلغ شاهدكم غائبكم – مرتين أو ثلاثا – ”
الفاجرة: الكاذبة.
فليتبوأ: أي: فليتخذ لنفسه منزلا فيها، وهو أمر بمعنى التهديد.
والحديث أخرجه (ك) 7803 , (حب) 5165 , (طب) 3330 , صحيح الترغيب والترهيب: 1834
وقال صاحب منتخب الأخبار في زوائد مشكل الآثار: إسناده صحيح رجاله ثقات
وسكت عنه شيخنا يعني الشيخ مقبل في تعليقه على المستدرك. انتهى
وصححه محقق المطالب العالية ط دار العاصمة وبين أن في رواية الحميدي التي أوردها ابن حجر عند الحميدي سقط عبيد بن جريج بين الحارث وبين ابن أبي الخوار.
ويحتمل إنه من المزيد في متصل الأسانيد سمعه من عبيد بن جريج ثم سمعه من الصحابي.
لكن أصحاب المسند المعلل لما ذكروه من مسند الحميدي ذكروا في الإسناد عبيد بن جريج
وهو في مسند الحميدي برقم 573 وقال محققه الأعظمي زدت عبيد بن جريج من عندي فإنه هو الذي يروي عن الحارث ….
فعلى هذا ما وقع في المطالب العالية بالاسقاط هو المروي عن الحميدي
المهم نحن اعتمدنا على سند الحاكم وكلهم ثقات إلا الحسن بن عبدالصمد إنما نقل عن السمعاني أنه من رجال نيسابور.
لكن يروي عنه عدد فكأنه مشهور ثم هو متابع
تابعه روح بن القاسم عن إسماعيل بن أمية به تفرد به عمر بن عبدالوهاب الرياحي أخرجه ابن حبان 5165 … وذكر التفرد
فهو على شرط المتمم على الصحيح المسند
[(6)] عن أبي أمامة الباهلي – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه , فقد أوجب الله له النار , وحرم عليه الجنة ” , فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ , قال: ” وإن قضيبا من أراك ”
الحديث أخرجه (م)
[(7)] عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” لا يحلف أحد عند منبري (وفي رواية: على منبري) هذا على يمين آثمة ولو على سواك أخضر , إلا وجبت له النار ”
الحديث أخرجه
(د) 3246 , (جة) 2325 , (حم) 8344 , صححه الألباني في الإرواء: 2697 , صحيح الجامع: 7637 , صحيح الترغيب والترهيب: 1842
وهو في الصحيح المسند 206
لفظة (على منبري) أخرجها (حم) 14747 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي.
[(8)] عن عبد الله بن أنيس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” إن من أكبر الكبائر: الشرك بالله , وعقوق الوالدين , واليمين الغموس , وما حلف حالف بالله يمين صبر , فأدخل فيها مثل جناح بعوضة , إلا جعلت نكتة في قلبه إلى يوم القيامة ”
النكتة: النقطة , والعلامة , والأثر، وأصله من النكت في الأرض , وهو التأثير فيها بعصا أو بغيره.
(إلى يوم القيامة):أي أن أثر تلك النكتة التي هي من الرين تبقى إلى يوم القيامة , ثم بعد ذلك يترتب عليه وبالها والعقاب عليها , فكيف إذا كان ذلك كذبا محضا. فيض القدير – (ج 2 / ص 679)
والحديث أخرجه (ت) 3020 , (حم) 16086 , صحيح الترغيب والترهيب: 1832
قلت سيف: صححه محققو المسند دون قوله (وما حلف حالف بالله يمينا …. ) إلى آخر الحديث حيث أنها من طريق هشام بن سعد.
قلت: وذكر من طريق عبدالرحمن بن إسحاق وسمى الراوي عن الصحابي (عبدالله بن أبي أميه) وهو مجهول.
وانظر الحديث التالي
[(9)] عن كعب بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين كاذبة , كانت نكتة سوداء في قلبه , لا يغيرها شيء إلى يوم القيامة ”
الحديث أخرجه (ك) 7800 , (طب) 801 , الصحيحة: 3364 , صحيح الترغيب والترهيب: 1838
وذكره مرة الألباني في الضعيفة 3366
وذكر أنه لم يجد ترجمه لعبدالله بن ثعلبه. وليس هو ابن صعير.
وذهب محققو المسند في حديث البذاذة من الإيمان أن عبدالحميد يرويه عن عبد الله بن أبي أمامه بن ثعلبه نسب لجده ثم نقلوا أن عبدالحميد بن جعفر متكلم فيه.
ثم وقفت على جزم الطحاوي في مشكله على الجزم أنه هو ابن أبي أمامه الذي روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اقتطع بيمينه مال مسلم حرم عليه الجنة واوجب له النار. انتهى
وقد روى عنه جمع وذكره ابن حبان في الثقات
[(10)] عن أبي وائل قال: قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (” من حلف على يمين صبر يقتطع بها) (مالا وهو فيها فاجر , إلا لقي الله وهو عليه غضبان) (ثم قرأ علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مصداقه من كتاب الله: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله , ولا ينظر إليهم يوم القيامة , ولا يزكيهم , ولهم عذاب أليم} (فلقيني الأشعث بن قيس الكندي – رضي الله عنه – فقال: ما حدثكم عبد الله اليوم؟ , قلت: كذا وكذا) (فقال: صدق، لفي والله أنزلت) (خاصمت ابن عم لي إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في بئر كانت لي في يده , فجحدني فقال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” بينتك أنها بئرك , وإلا فيمينه) (ألك بينة؟ ” قلت: لا) (قال: ” فيمينه “) (فقلت: يا رسول الله , ما لي بيمينه؟ , وإن تجعلها بيمينه تذهب بئري , إن خصمي امرؤ فاجر) (لا يبالي ما حلف عليه, وليس يتورع من شيء) (قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” ليس لك منه إلا ذلك “) (فتهيأ الكندي لليمين) (فلما قام ليحلف) (قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” إن هو اقتطعها بيمينه ظلما , كان ممن لا ينظر الله – عز وجل – إليه يوم القيامة , ولا يزكيه , وله عذاب أليم) (من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين كاذبة، لقي الله وهو عليه غضبان) وفي رواية: (أما لئن حلف على مال ليأكله ظالما , ليلقين الله وهو عنه معرض) وفي رواية: (لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم) ((فأنزل الله: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} “) (فورع الكندي) (فقال: ماذا لمن تركها يا رسول الله؟ , قال: ” الجنة ” , قال: فاشهد أني قد تركتها له كلها)
في رواية (حم) 3597: قال الأشعث بن قيس: كان بيني وبين رجل من اليهود أرض , فجحدني فقدمته إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” ألك بينة؟ ” , قلت: لا , فقال لليهودي: ” احلف ” , قلت: يا رسول الله إذا يحلف ويذهب بمالي.
في هذه الرواية دليل على جواز تحليف أهل الكتاب
(خ) 6299 , (م) 220 – (138) (حم) 17752 , وغيرهم
وحصل دمج بين الروايات التي في الصحيحين وغيرهما
[(11)] عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: إن أول قسامة كانت في الجاهلية لفينا بني هاشم , كان رجل من بني هاشم استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى , فانطلق معه في إبله , فمر به رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه فقال: أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي , لا تنفر الإبل , فأعطاه عقالا فشد به عروة جوالقه , فلما نزلوا , عقلت الإبل إلا بعيرا واحدا , فقال الذي استأجره: ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الإبل؟ , قال: ليس له عقال , قال: فأين عقاله؟ , فحذفه بعصا كان فيها أجله , فمر به رجل من أهل اليمن , فقال: أتشهد الموسم؟ , قال: ما أشهد , وربما شهدته , قال: هل أنت مبلغ عني رسالة مرة من الدهر؟ , قال: نعم , قال: إذا أنت شهدت الموسم , فناد: يا آل قريش , فإذا أجابوك , فناد: يا آل بني هاشم , فإن أجابوك , فسل عن أبي طالب , فأخبره أن فلانا قتلني في عقال , ومات المستأجر , فلما قدم الذي استأجره , أتاه أبو طالب فقال: ما فعل صاحبنا؟ قال: مرض , فأحسنت القيام عليه , فوليت دفنه , قال: قد كان أهل ذاك منك , فمكث حينا , ثم إن الرجل الذي أوصى إليه أن يبلغ عنه وافى الموسم فقال: يا آل قريش , قالوا: هذه قريش , قال: يا آل بني هاشم , قالوا: هذه بنو هاشم , قال: أين أبو طالب , قالوا: هذا أبو طالب , قال: أمرني فلان أن أبلغك رسالة أن فلانا قتله في عقال , فأتاه أبو طالب , فقال له: اختر منا إحدى ثلاث: إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل , فإنك قتلت صاحبنا [خطأ] وإن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله , فإن أبيت قتلناك به , فأتى قومه , فقالوا: نحلف , فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم قد ولدت له فقالت: يا أبا طالب , أحب أن تجيز ابني هذا برجل من الخمسين , ولا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان ففعل , فأتاه رجل منهم , فقال: يا أبا طالب , أردت خمسين رجلا أن يحلفوا مكان مائة من الإبل , يصيب كل رجل بعيران , هذان بعيران , فاقبلهما
عني , ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان , فقبلهما , وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا , قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده , ما حال الحول , ومن الثمانية والأربعين عين تطرف
القسامة: اليمين، كالقسم , وحقيقتها أن يقسم من أولياء الدم خمسون نفرا على استحقاقهم دم صاحبهم إذا وجدوه قتيلا بين قوم , ولم يعرف قاتله، فإن لم يكونوا خمسين , أقسم الموجودون خمسين يمينا، ولا يكون فيهم صبي , ولا امرأة , ولا مجنون , ولا عبد، أو يقسم بها المتهمون على نفي القتل عنهم، فإن حلف المدعون , استحقوا الدية، وإن حلف المتهمون , لم تلزمهم الدية.
(الجوالق): وعاء يكون من جلود.
أصل الصبر: الحبس والمنع، ومعناه في الأيمان: الإلزام، تقول: صبرته , أي: ألزمته أن يحلف بأعظم الأيمان, حتى لا يسعه أن لا يحلف.
والحديث أخرجه (خ) 3632 , (س) 4706
[(12)] عن أبي قلابة قال: كانت هذيل خلعوا خليعا لهم في الجاهلية، فطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء، فانتبه له رجل منهم، فحذفه بالسيف فقتله , فجاءت هذيل فأخذوا اليماني فرفعوه إلى عمر – رضي الله عنه – بالموسم , وقالوا: قتل صاحبنا , فقال: إنهم قد خلعوه , فقال: يقسم خمسون من هذيل ما خلعوه، فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلا، وقدم رجل منهم من الشام، فسألوه أن يقسم، فافتدى يمينه منهم بألف درهم، فأدخلوا مكانه رجلا آخر، فدفعه إلى أخي المقتول، فقرنت يده بيده، قال: فانطلقا والخمسون الذين أقسموا، حتى إذا كانوا بنخلة أخذتهم السماء فدخلوا في غار في الجبل، فانهجم الغار على الخمسين الذين أقسموا فماتوا جميعا , وأفلت القرينان واتبعهما حجر فكسر رجل أخي المقتول، فعاش حولا ثم مات.
الرجل الخليع: الذي يبرأ قومه من جنايته. غريب الحديث لإبراهيم الحربي – (ج 4 / ص 158) قال أبو موسى في المعين: وهذا مما أبطله الإسلام من حكم الجاهلية، ومن ثم قيده في الخبر بقوله ” في الجاهلية ” (فتح الباري) (ج 19 / ص 350)
فطرق أهل بيت أي: هجم عليهم ليلا في خفية ليسرق منهم، وحاصل القصة أن القاتل ادعى أن المقتول لص , وأن قومه خلعوه , فأنكروا هم ذلك وحلفوا كاذبين , فأهلكهم الله بحنث القسامة , وخلص المظلوم وحده. (فتح الباري) (ج19ص350)
فدفعه إلى أخي المقتول أي: دفع عمر القاتل إلى هذيل.
(بنخلة) هو موضع على ليلة من مكة.
(وأفلت القرينان) أي: القاتل وأخو المقتول.
والحديث أخرجه (خ) 6503.
ومسلم 1671 لكن لم يذكر قصة هذيل
[(13)] عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” من قطع رحما , أو حلف على يمين فاجرة , رأى وباله قبل أن يموت ”
أخرجه (تخ) ج6ص207ح2189 , (هق) 19656 , الصحيحة: 1121
نقل الشيخ الألباني أن البخاري يرجح الإرسال. لكنه في الشواهد وراجع الصحيحة 978 يقصد الشيخ حديث أبي هريرة التالي
وذكر شاهد كذلك عن أبي بكرة مرفوعا ولفظه ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم.
يقصد الشيخ أن اليمين الغموس من البغي
[(14)] عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” اليمين الفاجرة , تدع الديار بلاقع ”
بلاقع: جمع بلقع , وهي الأرض القفراء التي لا شيء فيها.
والحديث أخرجه (هق) 19656 , انظر صحيح الجامع: 5391 , الصحيحة: 978
قلت (سيف الكعبي): الحديث أعله البيهقي، فأورده من طريق هشام بن حسان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبيه وفيه زيادة (وتذر الديار بلاقع) فقال: اختلفوا فيه على يحيى فقيل هكذا وقيل عنه عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقيل عنه منقطعا وهو أصح.
[(15)] عن عبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” اليمين الفاجرة تذهب المال , أو تذهب بالمال ”
والحديث أخرجه (بز) 1034, (هب) 7971 , صحيح الترغيب والترهيب: 1835
قلت سيف: سبق بيان تعليله تحت رقم 14 فهو داخل في الخلاف في أسانيده
[(16)] احمد 1640 حدثنا يزيد بن هارون عن اخبرنا ابن ابي ذئب عن الحارث بن عبدالرحمن عن أبي سلمة عن أن مروان قال اذهبوا فاصلحوا بين هذين لسعيد بن زيد وأروى فقال سعيد أتروني أخذت من حقها أشهد سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول -: ” من اخذ من الارض شبرا طوقه من سبع ارضين ومن تولى مولى قوم بغير اذنهم فعليه لعنة الله ومن اقتطع مال أمرئ مسلم بيمين , فلا بارك الله له فيه ”
(حم) 1640 , 1649 , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي.
قلت سيف: وتابعه عليه معمر مع أن الدارقطني ذكر تفرد معمر بهذه الألفاظ من بين أصحاب الزهري العلل 671
وقصة أروى مع سعيد بن زيد
في الصحيحين لكن اقتصروا على لفظ (
من اخذ من الارض شبرا ظلما طوقه من سبع ارضين)
فالحديث يصلح على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند قسم الزيادات على الصحيحين
يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ:
1 – تحريمُ أخذِ أموالِ الناسِ بالدعاوي الفاجرةِ وَالأيمانِ الكاذبةِ، وَهُوَ من كبائرِ الذنوبِ؛ لأنَّ ما ترتَّبَ عليه غضبُ الحَلِيمِ – جَلَّ وَعَلَا – كبيرةٌ.
2 – التقييدُ (بالمُسْلمِ) من بابِ التعبيرِ بالغالبِ، وإِلَّا فمثلُه الذِّمِّيُّ وَالمعاهِدُ.
3 – شرطُ العقابِ عَلَى مرتكبِ هذهِ اليمينِ، ما لم يَتُبْ ويتحلَّلْ من الإثمِ، فإنْ تابَ، فالتوبةُ تَجُبُّ ما قبلَها، وَهُوَ إجماعُ العلماءِ.
4 – قَولُه: (هَوَ فِيهَا فَاجِرٌ) ليُخرجَ الناسيَ وَالجاهلَ، فإنَّ الإثمَ وَالجزاءَ لا يستحقُّهما إلَّا العامدُ.
5 – إثباتُ صفةِ الغضبِ للهِ تعالى عَلَى وجهٍ يليقُ بجلالِه تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
6 – تفسيرُ هذهِ الآيةِ الكريمةِ بهذهِ القضيَّةِ، وَهُوَ تفسيرٌ مرفوعٌ، فيكونُ الحديثُ مُبَيِّنًا لمعناهُ، موضِّحًا للمرادِ منها.
7 – ملخَّصُ معنى الآيةِ الكريمةِ: أنَّ من استبدلَ بأيمانِه ـ باللهِ ورسولِهِ ونكثَ بما أُخِذَ عليهِ من الأيمانِ الوثيقةِ ـ الحياةَ الدُّنْيَا وأعراضَها، فقد خابَ وخَسرتْ صفقتُهُ؛ لأنَّ عِوَضَهُ ولو كَانَ الدُّنْيَا كُلَّها، هُوَ القليلُ؛ فجزاءُ هَذَا الحرمانُ من الآخرةِ وَالهجرانُ من كلامِ اللُّطفِ وَالعطفِ ونظرِ الرحمةِ وَالحنانِ من الكريمِ الحنَّانِ وسيبقى فِي آثامِهِ وأرجاسِهِ فلن يطهُرَ. ومع هَذَا فلنْ يُتْركَ فإنَّ له عذابًا أليمًا أعاذنا اللهُ من ذلكَ وَوَالِدَيْنَا وأقاربَنا ومشايخَنا وإخوانَنا المسلمينَ. آمينَ.