32 مشكل الحديث:
مجموعة عبدالله الشكري وعبدالله البلوشي أبي عيسى وأحمد بن علي
بإشراف سيف بن غدير النعيمي وسيف بن دورة الكعبي
——-‘——”——–
مشكل الحديث 32
عن جعفر بن عمرو بن أميّة الضّمريّ قال: خرجت مع عبيد الله بن عديّ بن الخيار، فلمّا قدمنا حمص قال لي عبيد الله بن عديّ: هل لك في وحشيّ نسأله عن قتل حمزة؟ … فخرجت معهم حتّى قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رآني قال: «آنت وحشيّ؟» قلت:
نعم. قال: «أنت قتلت حمزة؟» قلت: قد كان من الأمر ما بلغك. قال: «فهل تستطيع أن تغيّب وجهك عنّي؟» قال: فخرجت …
البخاري- الفتح 7 (4072).
والاشكال كون أن وحشيا أسلم والإسلام يجب ما كان قبله، فلماذا النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يطيق رؤيته.
حتى في حديث وحشي مرفوع. … اجتمعوا على طعامكم
قال ابن حجر: في صحته نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لوحشي: غيب وجهك عني
يعني أنه لم يلقه ولم يسمع منه
————-‘———–
*قال أحد شراح البخاري:*
ثانياً: أن الإِسلام يجب ما قبله، وأن نبينا – صلى الله عليه وسلم – لا يعرف التشفي والانتقام وإلّا فقد وقع ” وحشي ” قاتل عمه بعد فتح الطائف في قبضة يده، فما مد إليه يده بسوء، وما زاد على أن قال له: ” فهل تستطع أن تغيب وجهك عني ” فلم يثأر منه لعمه حمزة، مع شدة حزنه عليه، لأن الإِسلام يغفر لصاحبه ما قد سلف.
ثالثاً: أن المرء لا يلام على شعوره بالاستياء، وعدم الارتياح لمقابلة من أساء إليه، أو إلى أحد أقاربه، لأن ذلك من الانفعالات النفسية الخارجة عن إرادته، وإلا لما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ” فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني “.
*وقال باحث آخر (بتصرف):*
حكم البغض الطبيعي للمؤمن جائز بشرط ألا تحمل على ظلم المبغض وعداوته أو تضييع حقوقه أو عدم موالاته وينبغي للمسلم مدافعة هذا البغض وعدم الركون إليه
فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق، إلا أني أخاف الكفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” فتردين عليه حديقته؟ ” فقالت: نعم، فردت عليه، وأمره ففارقها). ومن المعلوم بأن امرأة ثابت لم يحملها على طلب الطلاق إلا أنها أبغضت ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه بمقتضى الطبع حيث كان يُذكر عنه أنه كان دميماً ,
ومن الأدلة كذلك أنه لما أسلم وَحشِي قَاتل حَمْزَة قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (غيب وَجهك عني)
ومن المعلوم بأن الذي بعث النبي – صلى الله عليه وسلم – على ذلك هو البغض والنفرة الطبيعية ولم يكن ذلك مانعاً له من موالاة وحشي رضي الله عنه الموالاة العامة للمسلمين والرأفة بهم.
*بالنسبة لاستشكال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-، قال الألباني -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة:*
وأما ما نظر فيه ابن حجر فلا طائل تحته فإن غاية ما فيه أن وحشيا أرسله ومرسل الصحابي حجة كما تقرر في المصطلح على أنه لا تلازم عندي بين قوله عليه السلام: ” غيب وجهك عني ” وبين عدم سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
*الخلاصة:*
– الأولى عدم القول بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يطيق رؤية وحشي -رضي الله عنه-، فالذي يظهر أنها حصلت مرة واحدة واستجاب هو -رضي الله عنه-.
– قد يقال أن فعل المصطفى -عليه الصلاة والسلام- كان من الأفعال الجبلية.
– يجب الذب عن وحشي -رضي الله عنه- وزجر من يروي أنه مات في الخمر لأنه من عموم الصحابة.
——-‘———-‘——
تخريج الحديث:
أخرج ابن هشام في السيرة والبخاري في صحيحه (4072) وأحمد في مسنده (16077) كلهم بطرق إلى عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل، عن سليمان بن يسار، عن جعفر بن عمرو الضمري -واللفظ للبخاري- قال: “خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار، فلما قدمنا حمص، قال لي عبيد الله بن عدي: هل لك في وحشي، نسأله عن قتل حمزة قلت: نعم، وكان وحشي يسكن حمص، فسألنا عنه، فقيل لنا: هو ذاك في ظل قصره، كأنه حميت، قال: فجئنا حتى وقفنا عليه بيسير، فسلمنا فرد السلام، قال: وعبيد الله معتجر بعمامته، ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه، فقال عبيد الله: يا وحشي أتعرفني؟ قال: فنظر إليه ثم قال: لا والله، إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها: أم قتال بنت أبي العيص، فولدت له غلامًا بمكة، فكنت أسترضع له، فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه، فلكأني نظرت إلى قدميك، قال: فكشف عبيد الله عن وجهه ثم قال: ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال: نعم، إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر، فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر، قال: فلما أن خرج الناس عام عينين – وعينين: جبل بحيال أحد بينه وبينه واد – خرجت مع الناس إلى القتال، فلما أن اصطفوا للقتال، خرج سباع فقال: هل من مبارز؟ قال: فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فقال: يا سباع، يا ابن أم أنمار مقطعة البظور، أتحاد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم؟ قال: ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب، قال: وكمنت لحمزة تحت صخرة، فلما دنا مني رميته بحربتي، فأضعها في ثنته حتى خرجت من بين وركيه، قال: فكان ذاك العهد به، فلما رجع الناس رجعت معهم، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام، ثم خرجت إلى الطائف، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولًا، فقيل لي: إنه لا يهيج الرسل، قال: فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآني قال: آنت وحشي؟ قلت: نعم، قال: أنت قتلت حمزة؟
قلت: قد كان من الأمر ما بلغك، قال: فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني؟ قال: فخرجت، فلما قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم فخرج مسيلمة الكذاب، قلت: لأخرجن إلى مسيلمة، لعلي أقتله فأكافئ به حمزة، قال: فخرجت مع الناس، فكان من أمره ما كان، قال: فإذا رجل قائم في ثلمة جدار، كأنه جمل أورق ثائر الرأس، قال: فرميته بحربتي، فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، قال: ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته، قال: قال عبد الله بن الفضل: فأخبرني سليمان بن يسار، أنه سمع عبد الله بن عمر، يقول: فقالت جارية على ظهر بيت: وا أمير المؤمنين، قتله العبد الأسود.
قال شعيب الأرناؤوط: أخرجه البيهقي في “السنن” 9/ 97 – 98 من طريق الإمام أحمد، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (4072)، والبيهقي في “الدلائل” 3/ 241 من طريق حُجين بن المثنى، به. وأخرجه الطبراني في “الكبير” (2949) من طريق أحمد بن خالد الوهبي، عن عبد العزيز بن أبي سلمة، به. وأخرجه بنحوه ابن أبي عاصم في “الآحاد والمثاني” (483)، والطبراني في “الكبير” (2950) من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، و (2947)، وفي “الأوسط” (1821) من طريق محمد بن إسحاق، كلاهما عن عبد الله بن الفضل، به (1).
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: “وَالْمَحْفُوظُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ وَكَذَا أَخْرَجَهُ بن إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ جَعْفَرٍ قَالَ خَرَجْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ الله فَذكره
# الجواب عن الإشكال الأول:
الإسلام يهدم ما قبله من أمور الجاهلية كالشرك والربا والزنا والقتل وغيرها فإسلام وحشي رضي الله عنه وتوبته يهدم ما كان منه من أمور الجاهلية ومن ذلك قتله لحمزة رضي الله عنه وأرضاه يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الصارم 1/ 160:
الثالث: أن الحربي إذا أسلم لم يؤخذ بشيء مما عمله في الجاهلية لا من حقوق الله و لا من حقوق العباد من غير خلاف نعلمه لقوله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: 38] و لقوله صلى الله عليه و سلم: [الإسلام يجب ما قبله] رواه مسلم و لقوله صلى الله عليه و سلم: [من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية] متفق عليه و لهذا أسلم خلق كثير و قد قتلوا رجالا يعرفون فلم يطلب أحد منهم بقود و لا دية و لا كفارة
أسلم وحشي قاتل حمزة و ابن العاص قاتل ابن قوقل و عقبة بن الحارث قاتل خبيب بن عدي و من لا يحصى ممن ثبت في الصحيح أنه أسلم و قد علم أنه قتل رجلا بعينه من المسلمين فلم يوجب النبي صلى الله عليه و سلم على أحد منهم قصاصا بل قال صلى الله عليه و سلم: [يضحك الله تعالى إلى رجلين يقتل أحدهما صاحبه كلاهما يدخل الجنة يقتل هذا في سبيل الله فيدخل الجنة ثم يتوب الله على القاتل فيسلم و يقتل في سبيل الله و يدخل الجنة] متفق عليه. انتهى كلامه.
أما قول النبي صلى الله عليه وسلم لوحشي رضي الله عنه: “هل تستطيع أن تغيب وجهك عني” لا يعارض ما ذكرناه من أن الإسلام يهدم ما قبله وإنما جل ما فيه تأثَّر النبي صلى الله عليه وسلم بمقتل عمِّه حمزة رضي الله عنه تأثُّرًا بالغًا؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على حمزة وقد مُثِّل به، فقال: ((لولا أن تجد صفية في نفسها لتركتُه حتى تأكله العافية، حتى يُحشر من بطونها))
وأن المرء يكره أن يرى مَن أوْصَل إلى قريبِه أو صديقه أذى، فلا يُلام على شُعورِه بالاستياء، وعدم الارتياح لمقابلة من أساء إليه، أو إلى أحد أقاربه؛ لأن ذلك من الانفعالات النفسية الخارجة عن إرادته، وهذا مقتضى الجبلَّة البشرية. (انظرفتح الباري 7/ 371)
# أما الإشكال الثاني ففي حديث وحشي مرفوعا: – ” اجتمعوا على طعامكم و اذكروا اسم الله تعالى عليه يبارك لكم فيه “.
قال الألباني في “السلسلة الصحيحة” 2/ 272:
أخرجه أبو داود (2/ 139) و ابن ماجه (2/ 307) و ابن حبان (1345)
و الحاكم (2/ 103) و أحمد (3/ 501) من طريق الوليد بن مسلم قال: حدثني
وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده. ” أن رجلا قال: يا رسول الله إنا
نأكل و لا نشبع، قال: فلعلكم تأكلون متفرقين؟ اجتمعوا …. ” الخ.
أورده الحاكم شاهدا و لم يصححه هو و لا الذهبي، و أما الحافظ العراقي فقال في
تخريج الإحياء (2/ 4). ” إسناده حسن “.
قلت: و ليس بحسن، فإن وحشي بن حرب بن وحشي قال صالح جزرة: ” لا يشتغل به
و لا بأبيه ” كما في ” الميزان “. و قال في ترجمة أبيه حرب: ” ما روى عنه سوى
ابنه وحشي الحمصي “. و لذلك قال الحافظ في ” التقريب “: ” مستور ” و قال في
أبيه ” مقبول “. و في ” فيض القدير “: ” و وحشي هذا قال فيه المزني و الذهبي
: فيه لين. و قصارى أمر الحديث ما قاله الحافظ العراقي أن إسناده حسن، و قال
ابن حجر: في صحته نظر، فإن وحشي الأعلى هو قاتل حمزة، و ثبت أنه لما أسلم
قال له المصطفى: غيب وجهك عني، فيبعد سماعه منه بعد ذلك إلا أن يكون أرسل
و قول ابن عساكر: إن صحابي هذا الحديث غير قاتل حمزة يرده ورود التصريح بأنه
قاتله في عدة طرق للطبراني و غيره “.
أقول: و بالجملة فالإسناد ضعيف لما ذكرناه، و أما ما نظر فيه ابن حجر فلا
طائل تحته فإن غاية ما فيه أن وحشيا أرسله و مرسل الصحابي حجة كما تقرر في
المصطلح على أنه لا تلازم عندي بين قوله عليه السلام: ” غيب وجهك عني ” و بين
عدم سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم. و الله أعلم.
لكن الحديث حسن لغيره لأن له شواهد في معناه فانظر: ” إن الله يحب كثرة الأيدي
في الطعام “. و ” إن أحب الطعام …. ” و ” كلوا جميعا “.
و لعله لذلك أقر الحافظ المنذري في ” الترغيب ” (3/ 121) ابن حبان على
تصحيحه إياه و لم يشر إلى تضعيفه له بتصديره إياه ” بقوله: ” و روي …. ” كما
هي عادته و اصطلاحه. و الله أعلم.
سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها … للألباني
المجلد الثاني: رقم الحديث (664).
والله الموفق
————–‘———-
قال الطحاوي في مشكل الآثار:
وقوله: ” هـل تستطيع أن تغيب وجهك عني؟ ” في هـذا إشكال على من قل علمه، فإنه يقول: إذا كان ا س م يجب ما قبله، فما وجه هـذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهـو قول يشبه موافقة الطبع، وأين الحلم؟. والجواب: أن الشرع يكلف نقل الطبع، إنما يكلف ترك العمل بمقتضاه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كلما رأى وحشيا ذكر فعله فتغيظ عليه بالطبع، وهـذا يضر وحشيا في دينه، فلعله أراد اللطف في إبعاده.
قال صاحب منار القارئ
ثانيا: أن ا س م يجب ما قبله، وأن نبينا – صلى الله عليه وسلم – يعرف التشفي وا نتقام وإ فقد وقع ” وحشي ” قاتل عمه بعد فتح الطائف في قبضة يده، فما مد إليه يده بسوء، وما زاد على أن قال له: ” فهل تستطع أن تغيب وجهك عني ” فلم يثأر منه لعمه حمزة، مع شدة حزنه عليه، ن ا س م يغفر لصاحبه ما قد سلف.
ثالثا: أن المرء ي م على شعوره با ستياء، وعدم ا رتياح لمقابلة من أساء إليه، أو إلى أحد أقاربه، ن ذلك من ا نفعا ت النفسية الخارجة عن إرادته، وإ لما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ” فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني “.
——–
قال ابن حجر [في الحديث] أَنَّ الْمَرْءَ يَكْرَهُ أَنْ يَرَى مَنْ أَوْصَلَ إِلَى قَرِيبَهُ أَوْ صَدِيقِهِ أَذًى، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ وُقُوعُ الْهِجْرَةِ الْمَنْهِيَّةِ بَيْنَهُمَا
قال شيخ الإسلام في الصارم 1/ 160:
الثالث: أن الحربي إذا أسلم لم يؤخذ بشيء مما عمله في الجاهلية لا من حقوق الله و لا من حقوق العباد من غير خلاف نعلمه لقوله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: 38] و لقوله صلى الله عليه و سلم: [الإسلام يجب ما قبله] رواه مسلم و لقوله صلى الله عليه و سلم: [من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية] متفق عليه و لهذا أسلم خلق كثير و قد قتلوا رجالا يعرفون فلم يطلب أحد منهم بقود و لا دية و لا كفارة
أسلم وحشي قاتل حمزة و ابن العاص قاتل ابن قوقل و عقبة بن الحارث قاتل خبيب بن عدي و من لا يحصى ممن ثبت في الصحيح أنه أسلم و قد علم أنه قتل رجلا بعينه من المسلمين فلم يوجب النبي صلى الله عليه و سلم على أحد منهم قصاصا بل قال صلى الله عليه و سلم: [يضحك الله تعالى إلى رجلين يقتل أحدهما صاحبه كلاهما يدخل الجنة يقتل هذا في سبيل الله فيدخل الجنة ثم يتوب الله على القاتل فيسلم و يقتل في سبيل الله و يدخل الجنة] متفق عليه
عجيبة: وحشي الذي طلب النبي صلى الله عليه وسلم أن يغيب وجهه، صار هو نفخة النبي صلى الله عليه وسلم. وهو مع الصحابة يعتبرون الهواء الطيب الذي خرج من فم النبي صلى الله عليه وسلم فقضى هذا الهواء على مسيلمة بإذن الله.
ففي صحيح مسلم:
عن أبي هُرَيْرَةَ قال َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ خَزَائِنَ الْأَرْضِ فَوَضَعَ فِي يَدَيَّ أُسْوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَبُرَا عَلَيَّ وَأَهَمَّانِي فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَذَهَبَا فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ
وكذلك ورد عن ابن عباس بمعناه كذلك في مسلم.
وقلنا في التعليق على صحيح مسلم:
– قد فسر أهل العلم بالتعبير هذه الرؤيا على هذه الصورة فقالوا:
إن نفخه، لهما يدل على أنهما يقتلان بريحه، لأنه لايغزوهما بنفسه، وإن وَصْفَه لهما بأنهما من ذهب دلالة على كذبهما؛ لأن شأنهما زخرف وتمويه، كما دل لفظ السوارين على أنهما ملِكَان؛ لأن الأساورة هم الملوك، ودلّا بكونهما يحيطان باليدين أن أمرهما يشتد على المسلمين فترة، لكون السوار مضيقاً على الذراع.
وعُبَّر: بأن طيرانهما بالنفخ دلالة على ضعف كيدهما، فشأنهما زبد لابد أن يؤول الى جُفاء مادام هذا الكيد مستمداً من الشيطان.
واستشكل ذلك بأن صار لهما أتباع فكيف يقال: أن كيدهما ضعيف، وأجاب ابن حجر بأن المقصود الضعف المعنوي لا الحسي.
قلت: ويمكن أن نقول أن ضعفهما من حيث عدم طول مدتهما، فمسيلمه الكذاب أطولهما مدة ومع ذلك لم تزد مدته على سنتين.
وقالوا: وكونهما من ذهب دلالة على أنهما يقصدان من عملهما الدنيا؛ لأن الذهب رمز لحطامها الذي يسعى المغترون بها خلفه.
وأنهما سواران إشارة الى محاولتهما الإطاحة بكيان المسلمين عن طريق الإحاطة بهم من كل جانب، تماماً كم يحيط السوار بالمعصم.
قلت: ويمكن أن يقال أيضا أن ما كان في اليمين أشد خطرا فيتأول أن السوار الذي في اليد اليمنى هو مسيلمة.
وإن كان كلاهما صار له قوة لكن ذكروا أن الأسود العنسي قتله فيروز بدون قتال، إنما قال له امدد يدك لإبايعك فقتله أما مسيلمة فاشتدت فتنته حتى قتل في الحرب معه كثير من القراء حتى قتله وحشي.
-فيه فضيلة للصديق والصحابة الذين قاتلوا هذين الكذابين؛ لأنهم أي الصحابة هم الهواء الطيب في الرؤية، الذي خرج من النبي صلى الله عليه وسلم فقضى على الباطل بإذن الله. وقد رد ابن تيمية على المفترين الذين تنقصوا الصحابة واستدل بهذا الحديث. وراجع كتابه المنهاج
– بعض ألفاظ الحديث:
في رواية: قال: غيب وجهك عني، فلا أراك [المعجم الأوسط: 2/ 222، رقم: 1800] لا أريد أن أراك.
قال: “فخرجت، فكنت أتقي أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبض النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان من أمر مسيلمة ما كان وانبعث إليه البعث انبعثت معه وأخذت حربتي … ” الطيالسي 1410 والبيهقي 18188 واسنادها جيد.
وفي رواية: “أنه قيل للنبي -عليه الصلاة والسلام-: هذا وحشي، فقال: دعوه، فلإسلام رجل واحد أحب إليّ من قتل ألف كافر [فتح الباري: 7/ 370]. ولم نجده إلا في الفتح قال: وعند يونس بن بكير في المغازي عند بنا إسحاق قال فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وحشي …..
وفي رواية للطبراني: قال: يا”وحشي” اخرج فقاتل في سبيل الله، كما كنت تصد عن سبيل الله [المعجم الكبري، الطبراني: 16/ 13، رقم: 17826، فتح الباري: 7/ 370].
ذكره الألباني في الضعيفة 5938 وقال منكر
وراجع المختارة 45 وفيه أن قائل ذلك لوحشي هو أبوبكر لما ارسل خالد لحروب الردة. وانظر تاريخ دمشق 62/ 415 … وهي كلها فيها حرب المجهول.
وكذلك ذكر قبل ذلك في الضعيفة 5937 حديث (لعلكم ستفتحون بعدي مدائن عظاما وتتخذون اسواقها مجالس فإذا كان ذلك فردوا السلام وغضوا ابصاركم واهدوا الأعمى واعينوا المظلوم). ضعيف أخرجه الطبراني في الكبير 22/ 138/367 من طريقين عن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده مرفوعا … وسبب الضعف جهالة حرب
وهذا بحث بعنوان من وراء قتل حمزة:
بسم الله الرحمن الرحيم
1 – الثابت أنّ الذي أمر وحشياً رضي الله عنه أن يقتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه يوم أحد هو جبير بن مطعم رضي الله عنه.
وسبق ذكر الرواية وهي في البخاري.
2 – لم يثبت أنّ هنداً رضي الله عنها حرضت وحشي على قتل حمزة رضي الله عنها، فلم أقف على رواية في ذلك، بل الثابت عكسها كما رأيت.
لكن قال ابن إسحاق: فحدثني صالح بن كيسان أنه حدّث أن عمر بن الخطاب قال لحسان بن ثابت يا ابن الفريعة – قال ابن هشام: الفريعة بنت خالد بن خنيس ويقال: خنيس ابن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج – لو سمعت ما تقول هند، ورأيت أشرها قائمة على صخرة ترتجز بنا، وتذكر ما صنعت بحمزة؟ قال له حسان والله إني لأنظر إلى الحربة تهوي وأنا على رأس فارع – يعني أطمه – فقلت: والله إن هذه لسلاح ما هي بسلاح العرب، وكأنها إنما تهوي إلى حمزة ولا أدري، لكن أسمعني بعض قولها أكفكموها، قال فأنشده عمر بن الخطاب بعض ما قالت فقال حسان بن ثابت: أشرت لكاع وكان عادتها لؤما إذا أشرت مع الكفر
قال ابن هشام: وهذا البيت في أبيات له تركناها، وأبياتا أيضا له على الدال. وأبياتا أخر على الذال لأنه أقذع فيها.
وقد يُفهم من هذه الرواية أنها الآمرة بقتل حمزة كما قد يٌفهم منها أنها قد مثّلت به وإن لم تكن الآمرة بقتله ابتداءاً، والسند فيه: صالح بن كيسان وهو ثقة ثبت، لكنه لم يلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا يُعرف من حدّثه بذلك عن عمر، فالرواية بهذا ضعيفة.
3 – لم يثبت أيضاً أنّ هنداً رضي الله عنها لاكت كبد حمزة رضي الله عنه بعد مقتله، وكل ما ذُكر في ذلك غير ثابت سنداً.
ومنه:
الرواية الأولى: ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عطاء بن السائب عن الشعبي عن ابن مسعود: ((أن النساء كنّ يوم أحد خلف المسلمين، يجهزن على جرحى المشركين، فلو حلفتُ يومئذ رجوتُ أن أبرَّ: إنه ليس أحدٌ منا يريد الدنيا، حتى أنزل الله عز و جل: (منكم من يريد الدنيا و منكم من يريد اللآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم)، فلما خالف اب النبي صلى الله عليه و سلم و عصوا ما أمروا به، أُفرِدَ رسول الله صلى الله عليه و سلم في تسعةٍ، سبعة من الأنصار و رجلين من قريش، وهو عاشرهم، فلما رهِقوه قال: رحم الله رجلا ردهم عنا، قال: فقام رجل من الأنصار، فقاتل ساعة حتى قُتل، فلما رهقوه أيضاً قال: يرحم الله رجلا ردهم عنا، فلم يزل يقول ذا حتى قتل السبعة، فقال النبي صلى الله عليه و سلم لصاحبيه: ما أنصفنا أصحابنا، فجاء أبو سفيان فقال: أعلُ هُبَل!! فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: قولوا: الله أعلى و أجل، فقالوا: الله أعلى و أجل، فقال أبو سفيان: لنا عُزّىَ ولا عُزَّى لكم!! فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: قولوا: الله مولانا، والكافرون لا مولى لهم، ثم قال أبو سفيان، يومٌ بيوم بدر، يومٌ لنا و يومٌ علينا، ويومٌ نُساءُ ويومٌ نُسر، حنظلة بحنظلة، وفلانٌ بفلان، وفلان بفلان، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا سواء، أما قتلانا فأحياء يرزقون، وقتلاكم في النار يعذبون، قال أبو سفيان: قد كانت في القوم مُثُلةٌ، وإن كانت لمن غير ملاءٍ منا، ما أمرتُ ولا نهيتأخذُ، ولا أحببتُ ولا كرهتُ، ولا ساءني ولا سرني، قال: فنظروا، فإذا حمزة قد بُقِرَ بطنه، وأخذت هندُ كبده فلاكتها، فلم تستطع أن تأكلها، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: أأكلت منه شيئاً؟ قالوا: لا، قال: ما كان الله ليدخل شيئاً من حمزة النار، فوضع رسول الله صلى الله عليه و سلم حمزة فصلى عليه، فرُفِع الأنصاري و تُرك حمزة، ثم جيء بآخر فوضعه إلى جنب حمزة، فصلى عليه، ثم
رُفِع و تُرك حمزة، حتى صلى عليه يومئذٍ سبعين صلاة.
إسناده ضعيف، لأسباب:
أولاً: عطاء اختلط، وحماد ممَّن سمع منه قبل وبعد الاختلاط.
ثانياً: الشعبي وهو عامر بن شراحيل لم يسمع من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كما جاء في كتاب المراسيل ص 160 (رقم 591) لابن أبي حاتم الرازي رحمه الله تعالى قال: سمعت أبي يقول: لم يسمع الشعبي من عبد الله بن مسعود والشعبي عن عائشة مرسل، إنما يحدث عن مسروق عن عائشة) اهـ. فالحديث منقطع.
الرواية الثانية: ما رواه موسى بن عقبة من أن وحشياً بقر عن كبد حمزة وحملها إلى هند بنت عتبة فلاكتها فلم تستطع أن تستسيغها. ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (4/ 43) دون إسناد، فهو ضعيف.
الرواية الثالثة: ما رواه ابن إسحاق أن هنداً هي التي بقرت عن كبد حمزة، و زاد أن هنداً اتخذت من آذان الرجال و أنفهم خدماً (أي خلاخل) و قلائد، و أعطت خدمها و قلائدها و قرطتها وحشياً. ابن هشام (3/ 133) بإسناد منقطع موقوف على شيخه ابن كيسان، فهي ضعيفة.
الرواية الرابعة: ما رواه الواقدي في (المغازي) عن صَالِحُ بْنُ خَوّاتٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، قَالَ قَالَ خَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ -وهو صحابي شهد أحداً، فهو إذاً شاهد عيان إن صحت الرواية- وفي الرواية: (قَالُوا: وَكَانَ وَحْشِيّ عَبْدًا لِابْنَةِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ – وَيُقَالُ كَانَ لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ – فَقَالَتْ ابْنَةُ الْحَارِثِ إنّ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْت أَحَدَ الثّلَاثَةِ فَأَنْتَ حُرّ، إنْ قَتَلْت مُحَمّدًا، أَوْ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَوْ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ. فَإِنّي لَا أَرَى فِي الْقَوْمِ كُفُؤًا لِأَبِي غَيْرَهُمْ.) إلى أن قال: (وَذَكَرْت هِنْدًا وَمَا لَقِيَتْ عَلَى أَبِيهَا وَعَمّهَا وَأَخِيهَا، وَانْكَشَفَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ حِينَ أَيْقَنُوا مَوْتَهُ وَلَا يَرَوْنِي، فَأَكُرّ عَلَيْهِ فَشَقَقْت بَطْنَهُ فَأَخْرَجْت كَبِدَهُ فَجِئْت بِهَا إلَى هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ، فَقُلْت: مَاذَا لِي إنْ قَتَلْت قَاتِلَ أَبِيك؟ قَالَتْ سَلَبِي فَقُلْت: هَذِهِ كَبِدُ حَمْزَةَ. فَمَضَغَتْهَا ثُمّ لَفَظَتْهَا، فَلَا أَدْرِي لَمْ تُسِغْهَا أَوْ قَذَرَتْهَا. فَنَزَعَتْ ثِيَابَهَا وَحُلِيّهَا فَأَعْطَتْنِيهِ ثُمّ قَالَتْ إذَا جِئْت مَكّةَ فَلَك عَشَرَةُ دَنَانِيرَ. ثُمّ قَالَتْ أَرِنِي مَصْرَعَهُ فَأَرَيْتهَا مَصْرَعَهُ فَقَطَعَتْ مَذَاكِيرَهُ وَجَدَعَتْ أَنْفَهُ وَقَطَعَتْ أُذُنَيْهِ ثُمّ جَعَلَتْ مَسَكَتَيْنِ وَمِعْضَدَيْنِ وَخَدَمَتَيْنِ حَتّى قَدِمَتْ بِذَلِكَ مَكّةَ، وَقَدِمَتْ بِكَبِدِهِ مَعَهَا).
والسند ضعيف، فالواقدي متروك، والرواية إن صحت فإنها تثبت أنّ هنداً لم تكن الآمرة بقتل حمزة، وإنما مثلّت به انتقاماً لأبيها وأخيها وعمها.
وزيادة على هذا أقول:
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم يطق رؤية وحشي لقتله حمزة، وطلب منه أن لا يراه كما في رواية البخاري السابقة، ولو كانت هند بنت عتبة قد لاكت كبد حمزة ومثلّت به هذا التمثيل الشنيع، فكيف رضي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبايعها دون أن يعبر عن ضيقه منها بشكل متساوٍ إن لم يكن أعظم!
انتهى
تنبيه: هناك بحث بعنوان مرويات مقتل حمزة … فليراجع.