206 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———-
مسند أحمد
23433 قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أبي إسحق حدثني من كان مع سعيد بن العاص في غزوة يقال لها غزوة الخشب ومعه حذيفة بن اليمان فقال سعيد أيكم شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فقال حذيفة أنا قال فأمرهم حذيفة فلبسوا السلاح ثم قال إن هاجكم هيج فقد حل لكم القتال قال فصلى بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو ثم انصرف هؤلاء فقاموا مقام أولئك وجاء أولئك فصلى بهم ركعة أخرى ثم سلم عليهم
قال صاحبنا ابوصالح:
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ومن طريقه الامام أحمد 23433 عن معمر عن أبي إسحق به
تابعه إسرائيل عن أبي إسحق عن سليم بن عبد السلولي قال كنا مع (سعيد) بن العاص بطبرستان به
أخرجه أحمد 23454 والبيهقي في السنن الكبرى
تابعه أشعث عن أبي إسحق به نحوه أخرجه الجرجاني (ت 427 ه) في تاريخ جرجان
قال الحافظ في لسان الميزان في سليم بن عبد قال الشافعي سألت عنه أهل العلم بالحديث فقيل لي إنه مجهول. انتهى
قلت ولم يوثقه معتبر.
تابعه سفيان عن أشعث بن أبي الشعثاء عن الأسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم الحنظلي قال كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقال أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ قال فقال حذيفة أنا
أخرجه أحمد في مسنده 23268 و 23389 وأبو داود في سننه والنسائي في السنن الصغرى والكبرى وعبد الرزاق في مصنفه وابن أبي شيبة في المصنف والبزار في مسنده وابن خزيمة في صحيحه وابن المنذر في الأوسط والطحاوي في شرح معاني الآثار وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى وفي معرفة السنن والآثار
وزاد من طريق يحيى بن سعيد عن سفيان (ولم يقضوا) قال البزار يعني لم يقض أحد من الطائفتين كأنهم اجتزوا بركعة ركعة
قلت رجاله ثقات رجال مسلم غير ثعلبة بن زهدم مختلف في صحبته، له حديث صريح في صحبته من طريق الثوري وأورد الحديث ابن خزيمة في صحيحه، بل إن الراوي عنه مختلف في صحبته أيضا.
قلت سيف:
على شرط المتمم على الذيلعلى الصحيح المسند
زهدم أثبت صحبته بعض الأئمة ونفاها من هو أعلى منهم البخاري ومسلم. لكن لا بأس من جعله في المتمم على الذيل، خاصة أن الأئمة ذكروا له شواهد. كما سيأتي.
وذكره ابن رجب 8/ 369 وذكر أوجه الإختلاف وقال: وهذا الإختلاف في حديث حذيفة يشبه الإختلاف في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وبعضه محتمل، وبعضه مفسر، فيرد المحتمل إلى المفسر المبين، كما قلنا في حديث ابن عباس، وقد ذهب أكثر العلماء إلى صحة الصلاة على وجه الحرس على ما في حديث أبي عياش الزرقي وما وافقه من رواية جابر وابن عباس وحذيفة
وذكر ابوداود1246 ما يشهد له قال بعد أن ذكره: وكذا رواه عبيد الله بن عبدالله ومجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعبدالله بن شقيق عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويزيد الفقير وأبو موسى الأشعري، قال أبوداود: رجل من التابعين ليس بالاشعري جميعا عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال بعضهم عن شعبة في حديث يزيد الفقير: إنهم قضوا ركعة أخرى، وكذلك رواه سماك الحنفي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك رواه زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فكانت للقوم ركعة ركعة، وللنبي صلى الله عليه وسلم ركعتين.
وبين البيهقي في الكبرى 3/ 371 وجه الجمع. وان حديث حذيفة من رواية سليم بن عبد بيّن قضاء الركعتين مع الإمام فلا يحتاجون إلى قضاء شئ بعده، وتلك القصة وهذه واحدة فوجب حمل إحدى الروايتين على الأخرى مع ما فيه من الاتفاق لسائر الروايات.
يقصد تأييد ما بوب له باب من قال: صلى بكل طائفة ركعة ولم يقضوا .. وكذلك بوب عليه ابن خزيمة قريب من هذا المعنى، وابن حبان بوب باب ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن الصلاة ركعة واحدة غير جائز.
وراجع معرفة السنن والآثار، وكذلك الأوسط لابن المنذر
——-‘———–
صلاة الخوف
{تشرع صلاة الخوف في كل قتال ليس بحرام كقتال الكفار و البغاة و قطاع الطريق}
قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله صلاة الخوف جائزة في كل قتال ليس بحرام سواء كان واجبا كقتال الكفار والبغاة وقطاع الطريق إذا قاتلهم الإمام وكذا الصائل على حريم الإنسان أو على نفسه إذا أوجبنا الدفع أو كان مباحا مستوي الطرفين كقتال من قصد مال الإنسان أو مال غيره وما أشبه ذلك ولا يجوز في القتال المحرم بالإجماع كقتال أهل العدل وقتال أهل الأموال لأخذ أموالهم وقتال القبائل عصبية ونحو ذلك … ” المجموع شرح المهذب” (4/ 402 – 403).
قال ابن حزم: مسألة – من حضره خوف من عدو ظالم كافر، أو باغ من المسلمين، أو من سيل، أو من نار، أو من حنش، أو سبع، أو غير ذلك وهم في ثلاثة فصاعدا -: فأميرهم مخير بين أربعة عشر وجها، كلها صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ” المحلى” (5/ 33).
والدليل على مشروعية صلاة الخوف الكتاب والسنة والإجماع:
قال الله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا} {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك} إلى قوله: {وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} إلى قوله: {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}.
الدليل من السنة:
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلى بهم صلاة الخوف، فقام صف بين يديه وصف خلفه، فصلى بالذين خلفه ركعة وسجدتين، ثم تقدم هؤلاء حتى قاموا في مقام أصحابهم، وجاء أولئك حتى قاموا في مقام هؤلاء، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة وسجدتين ثم سلم، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتين، ولهم ركعة.
قال ابن كثير قي (التفسير): ورواه النسائي من حديث شعبة، ولهذا الحديث طرق عن جابر، وهو في صحيح مسلم من وجه آخر بلفظ آخر، وقد رواه عن جابر جماعة كثيرون في الصحيح والسنن والمسانيد.
عن نافع عن ابن عمر: ” أنه كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها ثم قال: فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالا قيامًا على أقدامهم وركبانًا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها قال نافع: ولا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم “. رواه البخاري.
قال الشوكاني في النيل: والحديث ـ يدل على أن صلاة الخوف لا سيما إذا كثر العدو تجوز حسب الإمكان فينتقل عن القيام إلى الركوب وعن الركوع والسجود إلى الإيماء ويجوز ترك ما لا يقدر عليه من الأركان.
قال ابن تيمية “صلاة الخوف” قد استفاضت بها السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكرها الأئمة كلهم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلاها على وجوه متعددة. مسألة فى المرابطة بالثغور أفضل أم المجاورة بمكة شرفها الله تعالى (ص 42)
قال ابن قدامة المقدسي: فإن الصحابة – رضي الله عنهم -، أجمعوا على صلاة الخوف، فروي أن عليا – رضي الله عنه – صلى صلاة الخوف ليلة الهدير، وصلى أبو موسى الأشعري صلاة الخوف بأصحابه. وروي أن سعيد بن العاص كان أميرا على الجيش بطبرستان، فقال: أيكم صلى مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا. فقدمه، فصلى بهم. ” المغني” (2/ 297).
قال ابن تيمية: وكذلك صلاة الخوف تجب في الوقت، مع إمكان أن يؤخرها فلا يستدبر القبلة، ولا يعمل عملا كثيرا في الصلاة، ولا يتخلف عن الإمام بركعة، ولا يفارق الإمام قبل السلام، ولا يقضي ما سبق به قبل السلام، ونحو ذلك مما يفعل في صلاة الخوف، وليس ذلك إلا لأجل الوقت، وإلا ففعلها بعد الوقت ولو بالليل ممكن على الإكمال. ” الفتاوى الكبرى” (2/ 37)
و قال ايضا: السنة جاءتْ بصلاتهم خلفَ إمامٍ واحدٍ، مع ما في ذلك من مخالفة الأصول، مثل مفارقة الإمام قبل السلام، والعمل الكثير في الصلاة، واستدبار القبلة، وقضاء المسبوق قبل سلامِ إمامِه، وتخلُّف الصفّ الثاني عن متابعة الإمام. فهذا كلُّه جاءت به السنة ليصلُّوا جميعًا خلفَ إمامٍ واحد. جامع الرسائل لابن تيمية (4/ 349)
(صفة صلاة الخوف)
قال ابن القيم: كان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في صلاة الخوف، أن أباحَ اللهُ سبحانَه وتعالى قصرَ أركانِ الصلاة وعددِها إذا اجتمع الخوفُ والسفرُ، وقصرَ العدد وحدَه إذا كان سفرٌ لا خوف معه، وقصرَ الأركان وحدَها إذا كان خوفٌ لا سفرَ معه وهذا كان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبه تُعلم الحِكمة في تقييد القصر في الآية بالضرب في الأرض والخوف.
وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة الخوف، إذا كان العدوّ بينهَ وبين القبلة، أن يَصُفَّ المسلمين كلَّهم خلفَه، ويكبِّرُ ويكبرون جميعاً، ثم يركع فيركعون جميعاً، ثم يرفعُ ويرفعون جميعاً معه، ثم ينحدِرُ بالسجود والصفُّ الذي يليه خاصة، ويقوم الصفُّ المؤخَّر مواجِهَ العدُوِّ، فإذا فرغ من الركعة الأولى، ونهَض إلى الثانية، سجدَ الصفُّ المؤخَّر بعد قيامه سجدتين، ثم قاموا، فتقدَّموا إلى مكان الصفِّ الأول، وتأخَّر الصفُّ الأولُ مكانَهم لتحصُلَ فضيلةُ الصفِّ الأولِ للطائفتين، ولِيُدرِكَ الصفُّ الثاني مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السجدتين في الركعة الثانية، كما أدرك الأول معه السجدتين في الأولى، فتستوي الطائفتانِ فيما أدركوا معه، وفيما قَضَوْا لأنفسهم، وذلك غايةُ العدل، فإذا ركع، صنع الطائفتان كما صنعوا أوَّل مرة فإذا جلس للتشهد، سجد الصفُّ المؤخَّر سجدتين، ولحقوه في التشهد، فيسلِّم بهم جميعاً.
وإن كان العدُو في غير جهة القبلة، فإنَّه كان تارةً يجعلُهم فِرقتينِ: فِرقةً بإزاء العدوِّ، وفِرقةً تُصلي معه، فتُصلي معه إحدى الفرقتين ركعةً، ثم تنصرِف في صلاتها إلى مكان الفرقة الأخرى، وتجيءُ الأخرى إلى مكان هذه، فتُصلي معه الركعة الثانية، ثم تُسلم، وتقضي كلُّ طائفة ركعةً ركعةً بعد سلام الإِمام.
وتارة كان يُصلي بإحدى الطائفتين ركعة، ثم يقوم إلى الثانية، وتقضي هي ركعة وهو واقف، وتُسلم قبل ركوعه، وتأتي الطائفة الأخرى، فتصلي معه الركعة الثانية، فإذا جلس في التشهد، قامت، فقضت ركعةً وهو ينتظرها في التشهد، فإذا تشهدت، يُسلم بهم.
وتارة كان يُصلي بإحدى الطائفتين ركعتين، فتُسلم قبله، وتأتي الطائفة الأخرى، فيُصلي بهم الركعتين الأخيرتين، ويُسلم بهم، فتكون له أربعاً، ولهم ركعتين ركعتين.
وتارة كان يُصلي بإحدى الطائفتين ركعتين، ويسلم بهم، وتأتي الأخرى، فتصلي بهم ركعتين، ويُسلم فيكون قد صلى بهم بكلِّ طائفة صلاة.
وتارة كان يصلي بإحدى الطائفتين ركعةَ، فتذهب ولا تقضي شيئاً، وتجيء الأخرى، فيُصلي بهم ركعة، ولا تقضي شيئاً، فيكون له ركعتان، ولهم ركعة ركعة، وهذه الأوجه كُلُها تجوز الصلاة بها.
قال الإِمام أحمد: كلُّ حديث يُروى في أبواب صلاة الخوف، فالعمل به جائز.
وقال: ستةُ أوجه أو سبعة، تُروى فيها، كُلُّها جائزة، وقال الأثرم: قلتُ لأبي عبد الله: تقولُ بالأحاديث كلِّها، كلّ حديثٍ في موضعه، أو
تختارُ واحداً منها؟ قال: أنا أقولُ: من ذهب إليها كلِّها، فحسن. وظاهر هذا، أنه جوَّز أن تُصليَ كلُّ طائفة معه ركعةً ركعةً، ولا تقضي شيئاً، وهذا مذهبُ ابن عباس، وجابر بن عبد الله، وطاووس، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والحكم، وإسحاق بن راهويه. قال صاحب “المغني”: وعمومُ كلام أحمد يقتضي جوازَ ذلك، وأصحابنا ينكرونه.
وقد روى عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة الخوف صِفاتّ أُخَرُ، ترجع كلها إلى هذه وهذه أُصولُها، وربما اختلف بعض ألفاظِها، وقد ذكرها بعضُهم عشرَ صفات، وذكرها أبو محمد بن حزم نحو خمسَ عشرة صفة، والصحيح: ما ذكرناه أولاً، وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة، جعلوا ذلك وجوهاً من فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو من اختلاف الرواة. والله أعلم. ” زاد المعاد” (ج 1/ 529 – 532).
{الصفات تفعل إذا لم يشتد الخوف}
قال العلامة الفوزان حفظه الله:
وهذه الصفات تفعل إذا لم يشتد الخوف، فإذا اشتد الخوف؛ بأن تواصل الطعن والضرب والكر والفر، ولم يمكن تفريق القوم وصلاتهم على ما ذكر، وحان وقت الصلاة؛ صلوا على حسب حالهم، رجالاً وركبانا، للقبلة وغيرها يومئون بالركوع والسجود حسب طاقتهم، ولا يؤخرون الصلاة؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً}؛ أي فصلوا رجالاً أو ركبانا، والرجال جمع راجل، وهو الكائن على رجليه ماشيا أو واقفا، والركبان جمع راكب.
ويستحب أن يحمل معه في صلاة الخوف من السلاح ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله؛ لقوله تعالى: {وَلْيَاخُذُوا أَسْلِحَتَهُم}.
ومثل شدة الخوف: حالة الهرب من عدو أو سيل أو سبع أو خوف فوات عدو يطلبه؛ فيصلي في هذه الحالة راكبا أو ماشيا، مستقبل القبلة وغير مستقبلها، يومئ بالركوع والسجود. ” الملخص الفقهي” (ج1/ 244).
{تشرع صلاة الخوف في السفر و الحضر}
وتفعل صلاة الخوف عند الحاجة إليها سفرًا وحضرًا، إذا خيف هجوم العدو على المسلمين؛ لأن المبيح لها هو الخوف لا السفر، لكن صلاة الخوف في الحضر لا يقصر فيها عدد الركعات، وإنما تقصر فيها صفة الصلاة، وصلاة الخوف في السفر يقصر فيها عدد الركعات إذا كانت رباعية، وتقصر فيها الصفة. الملخص الفقهي
(قال الشَّافِعِيُّ) فَأَذِنَ اللَّهُ عز وجل بِالْقَصْرِ في الْخَوْفِ وَالسَّفَرِ وَأَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا كان فِيهِمْ يصلى لهم صَلَاةَ الْخَوْفِ أَنْ يصلى فَرِيقٌ منهم بَعْدَ فَرِيقٍ فَكَانَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ مُبَاحَةً لِلْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ بِدَلَالَةِ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم (قال الشَّافِعِيُّ) فَلِلْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ إذًا كان (((آن))) الْخَوْفُ أَنْ يُصَلِّيَهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ وَلَيْسَ لِلْمُقِيمِ أَنْ يُصَلِّيَهَا إلَّا بِكَمَالِ عَدَدِ صَلَاةِ الْمُقِيمِ وَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ في صَلَاةِ الْخَوْفِ إنْ شَاءَ لِلسَّفَرِ وَإِنْ أَتَمَّ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ وَأَخْتَارُ له الْقَصْرَ. ” كتاب الأم للشافعي” (ج1/ 210).خ
قال ابن قدامة المقدسي: وحكي عن مالك أنها لا تجوز في الحضر؛ لأن الآية إنما دلت على صلاة ركعتين، وصلاة الحضر أربعا، ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يفعلها في الحضر. وخالفه أصحابه، فقالوا كقولنا. ولنا، قول الله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} [النساء: 102] الآية، وهذا عام في كل حال، وترك النبي – صلى الله عليه وسلم – فعلها في الحضر إنما كان لغناه عن فعلها في الحضر.
وقولهم: إنما دلت الآية على ركعتين. قلنا: وقد يكون في الحضر ركعتان، الصبح والجمعة، والمغرب ثلاث، ويجوز فعلها في الخوف في (((السفر)))، ولأنها حالة خوف، فجازت فيها صلاة الخوف كالسفر، فإذا صلى بهم الرباعية صلاة الخوف، فرقهم فرقتين، فصلى بكل طائفة ركعتين، وهل تفارقه الطائفة الأولى في التشهد الأول، أو حين يقوم إلى الثالثة؟ على وجهين: أحدهما، حين قيامه إلى الثالثة
وهو قول مالك، والأوزاعي؛ لأنه يحتاج إلى التطويل من أجل الانتظار، والتشهد يستحب تخفيفه، ولذلك كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا جلس للتشهد كأنه على الرضف حتى يقوم. ولأن ثواب القائم أكثر، ولأنه إذا انتظرهم جالسا، فجاءت الطائفة، فإنه يقوم قبل إحرامهم، فلا يحصل اتباعهم له في القيام.
والثاني، في التشهد؛ لتدرك الطائفة الثانية جميع الركعة الثالثة، ولأن الانتظار في الجلوس أخف على الإمام، ولأنه متى انتظرهم قائما احتاج إلى قراءة السورة في الركعة الثالثة، وهو خلاف السنة. وأيا ما فعل كان جائزا.
وإذا جلس الإمام للتشهد الأخير، جلست الطائفة معه، فتشهدت التشهد الأول، وقامت وهو جالس فأتمت صلاتها، وتقرأ في كل ركعة بالحمد لله وسورة؛ لأن ما تقضيه أول صلاتها، ولأنها لم يحصل لها مع الإمام قراءة السورة. ويطول الإمام التشهد والدعاء حتى تصلي الركعتين ثم يتشهد ويسلم بهم.
فأما الطائفة الأولى، فإنما تقرأ في الركعتين بعد مفارقة إمامها الفاتحة وحدها، لأنها آخر صلاتها. وقد قرأ إمامها بها السورة في الركعتين الأوليين، وظاهر المذهب أن ما تقضيه الطائفة الثانية أول صلاتها، فعلى هذا تستفتح إذا فارقت إمامها، وتستعيذ، وتقرأ الفاتحة وسورة.
وقد روي أنه آخر صلاتها، ومقتضاه ألا تستفتح ولا تستعيذ ولا تقرأ السورة. وعلى كل حال فينبغي لها أن تخفف، وإن قرأت سورة فلتكن من أخف السور، أو تقرأ آية أو اثنتين من سورة. وينبغي للإمام أن لا يعجل بالسلام حتى يفرغ أكثرهم من التشهد، فإن سلم قبل فراغ بعضهم، أتم تشهده وسلم. ” المغني ” (2/ 302 – 303).
قال العلامة ابن باز: الحاصل أن صلاة الخوف أنواع معروفة، فينبغي للإمام أن يصلي بهم ما تيسر من الأنواع، التي يستطيعها، فإذا لم يستطيعوا صارت الحرب شديدة، والاختلاط بين العدو وخصمه، فإنهم يصلون رجالا وركبانا ولو بالإيماء، كل يصلي لنفسه مستقبل القبلة، وغير مستقبلها عند الضرورة كما قال الله جل وعلا: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (1).
وأما إن كان الحرب في الحضر في بلد الإقامة فإنه يصلي أربعا كسائر المقيمين، ولا يصلي ثنتين، إنما هذا في السفر خاصة أما الذي يحارب في البلد فيصلي أربعا، ولا يصلي ثنتين، في السفر يصلي صلاة السفر ثنتين ثنتين، في الظهر والعصر والعشاء، لا يصلي أربعا، الأفضل أن يقصر الصلاة ثنتين ثنتين، هذا هو الأفضل في السفر، وهذا هو السنة، وفي السفر الأفضل ترك الرواتب، يصلي ثنتين فقط، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثنتين فقط، ولا معها الرواتب لا قبلها ولا بعدها في السفر، يعني إلا سنة الفجر، إذا استطاع صلاها في السفر. ” فتاوى نور على الدرب” بعناية الشويعر.
قال العلامة الشنقيطي: وظاهر الآيات المتقدمة الدالة على أن المراد بقوله أن تقصروا من الصلاة قصر الكيفية في صلاة الخوف، كما قدمنا، والله تعالى أعلم، وهيئات صلاة الخوف كثيرة، فإن العدو تارة يكون إلى جهة القبلة، وتارة إلى غيرها، والصلاة قد تكون رباعية، وقد تكون ثلاثية، وقد تكون ثنائية، ثم تارة يصلون جماعة، وتارة يلتحم القتال، فلا يقدرون على الجماعة بل يصلون فرادى رجالا، وركبانا مستقبلي القبلة، وغير مستقبليها، وكل هيئات صلاة الخوف الواردة في الصحيح جائزة، وهيئاتها، وكيفياتها مفصلة في كتب الحديث والفروع. ” اضواء البيان ” (5/ 66).
قال مقيده (الشنقيطي) عفا الله عنه: الذي يظهر والله تعالى أعلم، أن أفضل الكيفيات الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف، ما كان أبلغ في الاحتياط للصلاة والتحفظ من العدو.
تنبيهان:
الأول: آية صلاة الخوف هذه من أوضح الأدلة على وجوب الجماعة؛ لأن الأمر بها في هذا الوقت الحرج دليل واضح على أنها أمر لازم؛ إذ لو كانت غير لازمة لما أمر بها في وقت الخوف؛ لأنه عذر ظاهر.
الثاني: لا تختص صلاة الخوف بالنبي صلى الله عليه وسلم بل مشروعيتها باقية إلى يوم القيامة.
[فصل يستحب أن يحمل السلاح في صلاة الخوف]
فصل: ويستحب أن يحمل السلاح في صلاة الخوف، لقول الله تعالى: {وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} [النساء: 102]. ولأنهم لا يأمنون أن يفجأهم عدوهم، فيميلون عليهم، كما قال الله تعالى: {ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة} [النساء: 102].
والمستحب من ذلك ما يدفع عن نفسه. كالسيف، والسكين، ولا يثقله، كالجوشن، ولا يمنع من إكمال السجود، كالمغفر، ولا ما يؤذي غيره، كالرمح إذا كان متوسطا، فإن كان في الحاشية لم يكره، ولا يجوز حمل نجس، ولا ما يخل بركن من أركان الصلاة إلا عند الضرورة، او يخاف وقوع الحجارة أو السهام به، فيجوز له حمله للضرورة. قال أصحابنا: ولا يجب حمل السلاح.
وهذا قول أبي حنيفة وأكثر أهل العلم، وأحد قولي الشافعي؛ لأنه لو وجب لكان شرطا في الصلاة كالسترة، ولأن الأمر به للرفق بهم والصيانة لهم، فلم يكن للإيجاب، كما أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما نهى عن الوصال رفقا بهم لم يكن للتحريم. ويحتمل أن يكون واجبا، وبه قال داود، والشافعي في القول الآخر، والحجة معهم؛ لأن ظاهر الأمر الوجوب، وقد اقترن به ما يدل على إرادة الإيجاب به، وهو قوله تعالى: {ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم} [النساء: 102].
ونفي الحرج مشروطا بالأذى دليل على لزومه عند عدمه، فأما إن كان بهم أذى من مطر أو مرض، فلا يجب بغير خلاف، بتصريح النص بنفي الحرج فيه. أنظر ” المغني” (2/ 305 – 306).
[تخفيف القراءة في صلاة الخوف]
(قال الشافعي – رحمه الله تعالى -):، ويقرأ الإمام في صلاة الخوف بأم القرآن، وسورة قدر {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1]، وما أشبهها في الطول للتخفيف في الحرب، وثقل السلاح، ولو قرأ {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] في الركعة الأولى أو قدرها من القرآن لم أكره ذلك له، وإذا قام في الركعة الثانية، ومن خلفه يقضون قرأ بأم القرآن، وسورة طويلة، وإن أحب جمع سورا حتى يقضي من خلفه صلاتهم تفتتح الطائفة الأخرى خلفه، ويقرأ بعد افتتاحهم أقل ذلك قدر أم القرآن، ويحتاط إذا كان مما لا يجهر فيه ليقرءوا بأم القرآن، ولو زاد في قراءته ليزيدوا على أم القرآن كان أحب إلي (قال الشافعي): فإن لم يفعل فافتتحوا معه وأدركوه راكعا كما أجزأه، وأجزأتهم صلاتهم وكانوا كمن أدرك ركعة في أول صلاته مع الإمام. أنظر ” الأم للشافعي” (1/ 245).
السهو في صلاة الخوف:
12 – يتحمل الإمام سهو المأمومين إذا صلى بهم صلاة ذات الرقاع على الهيئة التي ذهب إليها جمهور الفقهاء، إلا سهو الطائفة الأولى في الركعة الثانية فلا يتحمله؛ لانقطاع قدوتها بالمفارقة، وسهو الإمام في الركعة الأولى يلحق الكل، فيسجدون للسهو في آخر صلاتهم، وإن لم يسجد الإمام.
وسهوه في الثانية لا يلحق الأولين لمفارقتهم قبل السهو، ويلحق الآخرين. انظر ” الموسوعة الفقهية الكويتية
تنبيه: وعلى هذا فلم نجد في صلاة الخوف ركعة واحدة، وقد بحث هذه المسألة والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه في قصر الصلاة في السفر، وأطال في هذه المسألة إطالة طويلة جداً. قاله الشيخ عطية في شرحه لبلوغ المرام
مسالة: هل ورد اثر يدل على ان صلاة الخوف ركعة واحدة؟
الجواب: نعم جاء اثر عن ابن عباس رضي الله عنه: “فرض اللَّه الصلاة على لسان نبيكم – صلى اللَّه عليه وسلم – في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة “. رواه ابو داود
اختلف اهل العلم في تاويل حديث ابن عباس، فبعضهم من اخذ بظاهر النص بجواز صلاة الخوف ركعة واحدة، والجمهور هذا على أن المراد ركعة مع الإمام وركعة أخرى يأتي بها منفردا كما جاءت الأحاديث الصحيحة في صلاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه في الخوف.
قال النووي: هذا الحديث قد عمل بظاهره طائفة من السلف منهم الحسن البصري والضحاك وإسحاق بن راهويه، وقال الشافعي ومالك والجمهور: إن صلاة الخوف كصلاة الأمن في عدد الركعات، فإن كانت في الحضر وجب أربع ركعات وإن كانت في السفر وجب ركعتان ولا يجوز الاقتصار على ركعة واحدة في حال من الأحوال، وتأولوا حديث ابن عباس هذا على أن المراد ركعة مع الإمام وركعة أخرى يأتي بها منفردا كما جاءت الأحاديث الصحيحة في صلاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه في الخوف، وهذا التأويل لا بد منه للجمع بين الأدلة انتهى. أنظر ” عون المعبود ”
قال الصنعاني في (سبل السلام) (1/ 424): والحديث دليل على أن صلاة الخوف ركعة واحدة في حق الإمام، والمأموم، وقد قال به الثوري وجماعة، وقال به من الصحابة أبو هريرة وأبو موسى.
وقد حقّق هذا الموضوع الإمام ابن حزم -رحمه اللَّه تعالى- وبَيَّنَه بيانًا شافيًا، ودونك عبارته:
[مسألة]: من حضره خوف من عدوّ ظالم، كافر، أو باغ من المسلمين، أو من سيل، أو من نار، أو من حنش، أو سبع، أو غير ذلك، وهم ثلاثة، فصاعدًا، فأميرهم مخيّر بين أربعة عشر وجهًا، كلها صح عن رسول اللَّه – صلى اللَّه عليه وسلم -، قد بيناها غاية البيان، والتقصّي في غير هذا الكتاب.
قال: فإن كان في سفر، فإن شاء صلى بطائفة ركعتين، ثم سلم، وسلموا، ثم تأتي طائفة أخرى، فيصلي بهم ركعتين، ثم يسلم، ويسلمون، وإن كان في حضر صلى بكل طائفة أربع ركعات، وإن كانت الصبح صلى بكلّ طائفة ركعتين، وإن كانت المغرب صلى بكلّ طائفة ثلاث ركعات، الأولى فرض الإمام، والثانية تطوّع له.
وإن شاء في السفر أيضا صلى بكل طائفة ركعة، ثم تسلم تلك الطائفة ويجزئهما، وإن شاء هو سلّم، وإن شاء لم يسلم، ويصلي بالأخرى ركعة، ويسلم، ويسلمون، ويجزئهم.
وإن شاءت الطائفة أن تقضي الركعة، والإمام واقف فعلت، ثم تفعل الثانية أيضًا كذلك، فإن كانت الصبح صلى بالطائفة الأولى ركعة، ثم وقف، ولا بدّ، وقضوا ركعة، ثم سلموا، ثم تأتي الثانية، فيصلي بهم الركعة الثانية، فإذا جلس قاموا، فقضوا ركعة، ثم سلم ويسلمون، فإن كانت المغرب صلى بالطائفة الأولى ركعتين، فإذا جلس قاموا، فقضوا ركعة، وسلموا، وتأتي الأخرى، فيصلي بهم الركعة الباقية، فإذا قعد صلوا الركعة، ثم جلسوا، وتشهدوا، ثم صلوا الثالثة، ثم يسلم ويسلمون.
فإن كان وحده فهو مخيّر بين ركعتين في السفر، أو ركعة واحدة، وتجزئه، وأما الصبح، فثنتان ولابدّ، والمغرب ثلاث ولابدّ، وفي الحضر أربع ولا بدّ. سواء في ذلك من طُلب بحقّ، أو بغير حقّ.
قال اللَّه تعالي: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101) وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَاخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَاءِكُمْ وَلْتَاتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَاخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 101 – 102]، فهذه الآية تقتضي بعمومها الصفات التي قلنا نصّا.
ثم كلّ ما صحّ عن رسول اللَّه – صلى اللَّه عليه وسلم – فلا يحلّ لأحد أن يرغب عن شيء منه، قال اللَّه تعالي آمرًا لرسوله – صلى اللَّه عليه وسلم – أن يقول: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 161]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130]. وكل شيء فعله رسول اللَّه – صلى اللَّه عليه وسلم – فهو ملته، وملته ملة إبراهيم – عليه السلام -.
قال: في حديث أبي بكرة، وجابر: “أن رسول اللَّه – صلى اللَّه عليه وسلم – صلى بطائفة ركعتين في الخوف، ثم سلم، وبطائفة أخرى ركعتين، ثم سلم”. قال: وهذا آخر فعل رسول اللَّه – صلى اللَّه عليه وسلم – لأن أبا بكرة شهد معه، ولم يُسلِم إلا يوم الطائف، ولم يغز – عليه السلام – بعد الطائف غير تبوك فقط، فهذه أفضل صفات صلاة الخائف، لما ذكرنا، وقال بهذا الشافعيّ، وأحمد ابن حنبل.
قال: وحديث ابن عباس: “فرض اللَّه الصلاة على لسان نبيكم – صلى اللَّه عليه وسلم – في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركع”.
ثم أخرج حديث ثَعْلَبَة بن زَهْدَم المذكور في الباب من طريق المصنف، وحديثَ زيد ابن ثابت الآتي بعد حديث، ثم قال: الأسودُ بن هلال ثقة مشهور، وثعلبة بن زهدم أحد الصحابة حنظليّ، وفد على رسول اللَّه – صلى اللَّه عليه وسلم -، وسمع منه، وروى عنه. قال: وصحّ هذا أيضًا مسندًا من طريق يزيد بن زريع، وأبي داود الطيالسيّ، كلاهما عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه المسعوديّ، عن يزيد الفقير، عن جابر، عن النبي – صلى اللَّه عليه وسلم -، وأخبر جابر أن القصر المذكور في الآية عند الخوف هو هذا، لا كون الصلاة ركعتين في السفر. وصح أيضًا من طريق الزهريّ، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، عن النبي – صلى اللَّه عليه وسلم -، وروي أيضًا عن ابن عمر.
فهذه آثار متظاهرة متواترة، وقال بهذا جمهور من السلف، كما روي عن حذيفة أيام عثمان – رضي اللَّه عنه -، ومن معه من الصحابة، لا ينكر ذلك أحد منهم، وعن جابر وغيره.
وروينا عن أبي هريرة: أنه صلى بمن معه صلاة الخوف، فصلاها بكلّ طائفة ركعة، إلا أنه لم يقض، ولا أمر بالقضاء. وعن ابن عباس: يومئ بركعة عند القتال. وعن الحسن أن أبا موسى الأشعريّ صلى في الخوف ركعة. وعن معمر، عن عبد اللَّه بن طاوس، عن أبيه، قال: إذا كانت المسايفة، فإنما هي ركعة، يومئ إيماء، حيث كان وجهه، راكبًا كان أو ماشيًا. وعن سفيان الثوريّ، عن يونس بن عُبيد، عن الحسن، قال: صلاة المطاردة ركعة. ومن طريق سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول في صلاة الخوف: إذا لم يقدر القوم على أن يصلوا على الأرض صلّوا على ظهور الدوابّ ركعتين، فإذا لم يقدروا، فركعة، وسجدتان، فإن لم يقدروا أخروا حيث يأمنون.
قال ابن حزم: أما تأخيرها عن وقتها فلا يحلّ البتة, لأنه لم يسمح اللَّه تعالى في تأخيرها, ولا رسوله – صلى اللَّه عليه وسلم -، قال اللَّه تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}.
وقال سفيان الثوريّ: حدثني سالم بن عجلان الأفطس، سمعت سعيد بن جُبير يقول: كيف يكون قصر، وهم يصلون ركعتين؟ وإنما ركعة ركعة، يومئ بها حيث كان وجهه. وعن شعبة، عن أبي مسلمة -هو سعيد بن يزيد- عن أبي نضرة، عن جابر بن غُراب كنا مصافّي العدوّ بفارس، ووجوهنا إلى المشرق، فقال هرم بن حيّان: ليركع كل إنسان منكم ركعة تحت جُنّته، حيث كان وجهه. وعن عبد الرحمن بن مهديّ، عن شعبة، قال: سألت الحكم بن عُتيبة، وحماد بن أبي سليمان، وقتادة عن صلاة المسايفة؟ فقالوا: ركعة حيث كان وجهه. وعن وكيع، عن شعبة، عن المغيرة بن مقسم، عن إبراهيم مثل قول الحكم، وحماد، وقتادة. وعن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن مجاهد في قول اللَّه تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} قال: في العدو يصلي راكبًا، وراجلاً يومئ، حيث كان وجهه، والركعة الواحدة تجزئه. وبه يقول سفيان الثوريّ، وإسحاق بن راهويه.
قال ابن حزم: وهذان العملان أحبّ إلينا، من غير أن نَرْغَبَ عن سائر ما صحّ عن رسول اللَّه – صلى اللَّه عليه وسلم – في ذلك، ومَعاذَ اللَّه من هذا، لكن مِلْنَا إلى هذين لسهولة العمل فيهما على كلّ جاهل، وعالم، ولكثرة من رواهما عن النبي – صلى اللَّه عليه وسلم -، ولكثرة من قال بهما من الصحابة والتابعين، ولتواتر الخبر بهما عن رسول اللَّه – صلى اللَّه عليه وسلم -، ولموافقتهما القرآن. انتهى المقصود من كلام ابن حزم -رحمه اللَّه تعالى-
قال الجامع – عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذُكر في كلام ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ- أن كثيرًا من السلف قالوا بموافقة حديث الباب، فأرجح المذاهب القول بمشروعية الاكتفاء بركعة واحدة عند الخوف. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل. أنظر (ذخيرة العقبى في شرح المجتبى) (17/ 101 – 104).
الخلاصة:
————–
1 – … ان صلاة الخوف مشروعة بالكتاب والسنة و الإجماع.
2 – … قال الإِمام أحمد: كلُّ حديث يُروى في أبواب صلاة الخوف، فالعمل به جائز.
3 – … وأما إن كان الحرب في الحضر في بلد الإقامة فإنه يصلي أربعا كسائر المقيمين، ولا يصلي ثنتين، إنما هذا في السفر خاصة أما الذي يحارب في البلد فيصلي أربعا، ولا يصلي ثنتين، في السفر يصلي صلاة السفر ثنتين ثنتين، في الظهر والعصر والعشاء، لا يصلي أربعا، الأفضل أن يقصر الصلاة ثنتين ثنتين، هذا هو الأفضل في السفر.
4 – … و إن كانت الحرب شديدة والاختلاط بين العدو وخصمه، فإنهم يصلون رجالا وركبانا ولو بالإيماء، كل يصلي لنفسه مستقبل القبلة، وغير مستقبلها عند الضرورة كما قال الله جل وعلا: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}.
5 – … و يجوز على قول صلاة الخوف ركعة واحدة وبه قال بعض الصحابة.
6 – … يستحب حمل السلاح.
7 – … تخفيف القراءة في صلاة الخوف
8 – … تنبيهان:
9 – … الأول: آية صلاة الخوف هذه من أوضح الأدلة على وجوب الجماعة؛ لأن الأمر بها في هذا الوقت الحرج دليل واضح على أنها أمر لازم؛ إذ لو كانت غير لازمة لما أمر بها في وقت الخوف؛ لأنه عذر ظاهر.
10 – الثاني: لا تختص صلاة الخوف بالنبي صلى الله عليه وسلم بل مشروعيتها باقية إلى يوم القيامة. التنبيهات للعلامة الشنقيطي في اضواء البيان.
و اخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين