هل المسعر من أسماء الله ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
هل ما ورد في حديث أَنَس-ٍ رضي الله عنه -قَالَ قَالَ النَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلاَ السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ وَإِنِّى لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِى بِمَظْلَمَةٍ فِى دَمٍ وَلاَ مَالٍ ». أخرجه أبو داود :(3/272) . يثبت -منه اسم المسعر- ؟
الجواب:
1 الذين ألحقوا ” المسعر” بأسماء الله الحسنى :
أ) الإمام القرطبي [الأسنى في شرح الأسماء الحسنى 1/502 ]
ب) الإمام ابن حز م في ( المحلى ) (8 / 31)
ت) الإمام عبد الحق الإشبيلي، المعروف بابن الخراط (المتوفى : 581هـ) في كتابه (الأحكام الشرعية الكبرى) (1 / 218)
ث) الإمام الشوكاني في ( نيل الأوطار ) (5/ 335 ) [قال (5/ 335) : [ قَوْلُهُ : الْمُسَعِّرُ : فيه دَلِيلٌ على أَنَّ الْمُسَعِّرَ من أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ]
ج) الألباني حيث أجاز التسمية بعبد المسعر.
من أدلتهم : أن كل ما أضيف إلى الله بصيغة المشتق، كالخالق والخلاق والرازق والرزاق والفتاح فإنه اسم من أسمائه سبحانه وتعالى، ومعلوم أن ما ورد في القرآن من هذا لا يختلف الناس في اعتباره اسماً من أسمائه سبحانه وتعالى؛ كأسمائه المذكورة في آخر سورة الحشر، وأسمائه التي ختم بها كثير من الآيات كالعليم والخبير والحكيم والغفور وعالم الغيب وعلام الغيوب والقوي والمتين، وهكذا ما ورد في السنة من الألفاظ التي أضيفت إلى الله وهي بصيغة المشتق كما تقدم، ومن ذلك الجميل الرفيق والمسعر والقابض والباسط
وبهذا الاعتبار تكون الأسماء كثيرة جدا فيدخل مثل أسرع الحاسبين.
2) كلام العلماء الذين لم يلحقوا ” المسعر” بأسماء الله الحسنى :
أ- قال بعض الباحثين أن البيهقي وابن العربي والأصبهاني وابن منده غضوا الطرف عن (المسعر)
قلت: يقصد الباحث أنهم لم يذكروه في كتبهم ضمن أسماء الله .
ب- سئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – :
[يأتي في السنة كلمات أحياناً بالنسبة لله عز وجل، فما هو الضابط لتحديد الاسم، مثل (المسعِر) هل هو اسم لله عز وجل؟
الجواب
الظاهر لي أن ما عاد إلى الأفعال فهو من جنس الصفات الفعلية، ما عاد إلى الأفعال ليس إلى الذات، المسعِر يعني في مقابل قول الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم: سعر لنا.
يبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن التسعير من فعل الله عز وجل، هو الذي يقدر زيادة القيمة أو نقص القيمة.
فالذي يظهر لي أن هذا من باب الخبر وليس من باب التسمية. ] ( لقاء الباب المفتوح )
– وسئل أيضا :
الذي يظهر لي أن هذه صفة من صفات الأفعال، يعني: أن الله هو الذي يُغَلِّي الأشياء ويرخِّصها، فليس من الأسماء، هذا الذي يظهر لي، والله أعلم؛ لكنا نقول كما قال الرسول. ] ( لقاء الباب المفتوح )
ج- قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه على (سنن أبي داود):
قوله: [ (إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق) ]. هذه من أفعال الله عز وجل، والقابض الباسط متقابلان، أي: تضييق الرزق وتوسيعه. والمسعر يعني أن الله هو الذي بيده كل شيء، وهو الذي يحصل منه كثرة الرزق بأيدي الناس ولا يحتاجون إلى طلب تسعير، وقد يحصل خلاف ذلك فيحتاج الناس إلى التسعير، لكن التسعير فيه ظلم للناس كما عرفنا، لكن
لا يقال: إن من أسماء الله المسعر؛ لأن هذا من أفعال الله عز وجل، فالنبي صلى الله عليه وسلم يخبر عن الله بهذه الأشياء، ولا يقال: إن هذا من أسماء الله. والقابض الباسط متقابلان، قال الله:[ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ] [الشورى:12]، فكل منهما مرتبط بالآخر. والله هو النافع الضار لكن لا يقال: من أسماء الله النافع الضار، فالله عز وجل يوصف بأنه نافع وضار، أعني: يخبر عنه بأنه نافع ضار، لكن لا يقال: إن من أسمائه النافع الضار. والرزاق جاء في القرآن في قوله تعالى: [ إن الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ] [الذاريات:58]، وأما الرازق فجاء في هذا الحديث، وهو إخبار عن أفعال الله سبحانه وتعالى، لكن لا أدري هل جاء اسم الرازق في غير هذا الحديث؟
قلت : سئل العلامة ابن باز_رحمه الله_ عن التسمية بـ: عبد الباسط، وعبد اللطيف، وعبد الناصر فأجاب ؟
أما (عبد اللطيف) فلا بأس به لان (عبد اللطيف) من أسماء الله وأما (عبد الناصر) و(عبد الباسط) فالباسط لا أعلم فيه حديث صحيحاً فتركه وتسمي بغيره أولى (كعبد الخالق) و(عبد الكريم) و(عبد القدير) و(عبد السميع)
وأما عبد الناصر فلا أصل له ليس من أسماء الله الناصر المعدودة فيه وان كان هو الناصر سبحانه وتعالي لكن لم يثبت في أسماءه فيما نعلم الناصر (فعبد الناصر) ما ينبغي بل يتسمى بغير ذلك كعبد القادر عبد العزيز عبد الكريم….وأشباههها مما هو محفوظ.
قال شيخ الإسلام: وقد قال من قال من العلماء إن مثل هذه الأسماء المعطي والمانع …لايذكر ولا يدعى بأحد الاسمين لأن الاسمين إذا ذكرا معاً دلا على عموم قدرته وتدبيره وأنه لارب غيره وإذا ذكر أحدهما لم يكن فيه مدح والله له الأسماء الحسنى ليس له مثل السوء قط. “نقض تأسيس الجهمية” (2/10)
قال أبو إسحاق الزجاج: الأدب في هذين الاسمين أن يذكرا معاً، لأن تمام القدرة بذكرها معاً. “تفسير الأسماء الحسنى” ص(40).
وقال الخطابي: قد يحسن في مثل هذين الاسمين أن يقرن أحدهما في الذكر بالآخر وأن يوصل به ليكون ذلك أنبأ عن القدرة وأدل على الحكمة، وإذا ذكرت القابض مفرداً عن الباسط كنت كأنك قد قصرت بالصفة على المنع والحرمان، وإذا أوصلت أحدهما بالآخر فقد جمعت بين الصفتين منبئاً عن الحكمة فيها. “شأن الدعاء” ص(57)، وانظر: “شرح النونية” (2/113) للهراس.
وقالت بعض لجان الفتوى في سؤال لشخص قال: قرأت في كتاب البيوع حديث إن الله هو المسعر فهل يوصف سبحانه بذلك؟
وقد وصف الله تعالى بهذه الصفة فهي من صفات الأفعال، وقد عدها من أسماء الله تعالى ابن حزم والشوكاني .
وبناء عليه؛ فإنه لا مانع من وصف الله بهذه الصفة في أسلوب يماثل السياق الذي أوردها فيه الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي كتاب شرح أسماء الله الحسنى
في ضوء الكتاب والسنة
قال الأستاذ سعيد بن وهف القحطاني
– القابض، – الباسط، – المعطي
قال الله تعالى: {والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون} البقرة ٢٤٥
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إن الله هو المسعر، القابض، الباسط، الرازق .. » أخرجه أبو داود في كتاب البيوع والإجارات، باب في التسعير، برقم ٣٤٥١،
. وقال – صلى الله عليه وسلم -: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، والله المعطي وأنا القاسم … » أخرجه البخاري.
وذكر نصوص أخرى إلى أن قال:
هذه الصفات الكريمة من الأسماء المتقابلات التي لا ينبغي أن يثنى على الله بها إلا كل واحد منها مع الآخر؛ لأن الكمال المطلق من اجتماع الوصفين، فهو القابض للأرزاق والأرواح والنفوس، والباسط للأرزاق والرحمة والقلوب، وهو الرافع لأقوام قائمين بالعلم والإيمان، الخافض لأعدائه، وهو المعز لأهل طاعته، وهذا عز حقيقي؛ فإن المطيع لله عزيز وإن كان فقيرا ليس له أعوان، المذل لأهل معصيته وأعدائه ذلا في الدنيا والآخرة.
نقل البيهقي أن الحليمي قال في معنى الباسط : إنه الناشر فضله على عباده يرزق ويوسع ، ويجود ويفضل ويمكن ويخول ويعطي أكثر مما يحتاج إليه وقال في معنى القابض : يطوي بره ومعروفه عمن يريد ويضيق ويقتر أو يحرم فيفقر قال أبو سليمان : وقيل القابض وهو الذي يقبض الأرواح بالموت الذي كتبه على العباد قالا : ولا ينبغي أن يدعى ربنا جل جلاله باسم القابض حتى يقال معه الباسط انتهى
وقال البيهقي :وَمِنْهَا الضَّارُّ النَّافِعُ: ونقل عن الْحَلِيمِيُّ أنه قال: وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِاسْمِ النَّافِعِ وَحْدَهُ ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى بِالضَّارِّ وَحْدَهُ حَتَّى يُجْمَعَ بَيْنَ الاسْمَيْنِ كَمَا قُلْتُ فِي الْبَاسِطِ وَالْقَابِضِ ، وَهَذَانِ الاسْمَانِ قَدْ ذَكَرْنَاهُمَا فِي خَبَرِ الأَسَامِي.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ : وَفِي اجْتِمَاعِ هَذَيْنِ الاسْمَيْنِ وَصْفٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ عَلَى نَفْعِ مَنْ يَشَاءُ ، وَضَرِّ مَنْ يَشَاءُ ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى النَّفْعِ وَالضُّرِّ قَادِرٌ لَمْ يَكُنْ مَرْجُوًّا وَلا مَخُوفًا
الترجيح:
يتبين مما سبق وعن طريق جمع الأحاديث والآثار وكلام العلماء، فيتبين أن الأقرب هو عدم صحة إطلاق ” المسعر ” كاسم من أسماء الله الحسنى مفردا ولكن يقيد كما جاء في الحديث [المسعر القابض الباسط الرازق].
وأدلة ذلك كالتالي:
1) النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – لم يذكر هذا الاسم كاسم من أسماء الله الحسنى وإنما من باب الإخبار عن فعل الله – عز وجل-، والدليل على ذلك أن ذكر النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – لهذا الاسم جاء متفقا مع لفظة أسئلة الصحابة.
في بعض الروايات قالوا سعر لنا فقال :إن الله هو المسعر وفي بعضها قوِّم لنا ‘ فقال: المقوم هو الله. وهم لم يثبتوا المقوِّم
2) أيضا لو كان النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – يعتبر المسعر اسمًا لله، فلماذا لم يدع – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – به عندما سئل استجابة لقوله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}؟ بل قال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: [بَلْ أَدْعُو]
3) ومما يؤيد ذلك أيضا هو من أدرج هذا الاسم في أسماء الله، لم يدرج اسم الطبيب مع أنه ورد في لفظ صريح أخرجه أحمد (17492) وغيره عَنْ أَبِي رِمْثَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي، فَرَأَى الَّتِي بِظَهْرِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا أُعَالِجُهَا لَكَ فَإِنِّي طَبِيبٌ؟ قَالَ: ” أَنْتَ رَفِيقٌ، وَاللهُ الطَّبِيبُ “. [الصحيحة: 1537]، فلا فرق بين الاسمين، فإن قيل إن اسم الطبيب يحتمل النقص لما يحمل من معنى السحر وغيره، رُد عليه بأن قاعدة اشتراط الكمال المطلق ليست بهذه الصورة، فمثلا اسم (الجبار)، جاء في لسان العرب: [والجَبَّارُ الذي يَقْتُلُ على الغَضَبِ والجَبَّارُ القَتَّال في غير حق].واسم الله المتكبر، والله تبارك وتعالى سمى بعض الكفار متكبراً جباراً فقال: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّه عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [سورة المؤمن: 35].
لذلك فالأسماء التي تحتمل النقص في معناها عند إطلاقها على البشر، لا تستلزم ذلك النقص في المعنى عند تسمية الله تبارك وتعالى نفسه بها.
4) ولا يصح الدعاء بـ[المسعر] فقط فنقول يا مسعر كما لا يصح أن نقول يا طبيب، ولكن يأتي مقيدا. كما قال البيهقي في (الأسماء والصفات) (1/ 217): [ فَأَمَّا الطَّبِيبُ فَهُوَ الْعَالِمُ بِحَقِيقَةِ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ وَالْقَادِرُ عَلَى الصِّحَّةِ وَالشِّفَاءِ، وَلَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إِلاَّ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ، فَلا يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى بِهَذَا الاسْمِ أَحَدٌ سِوَاهُ، فَأَمَّا صِفَةُ تَسْمِيَةِ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، فَهِيَ أَنْ يُذْكَرَ ذَلِكَ فِي حَالِ الاسْتِشْفَاءِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمُصِحُّ وَالْمُمْرِضُ وَالْمُدَاوِي وَالطَّبِيبُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ: يَا طَبِيبُ كَمَا يُقَالُ: يَا رَحِيمُ أَوْ يَا حَلِيمُ أَوْ يَا كَرِيمُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُفَارَقَةٌ لآدَابِ الدُّعَاءِ ] ا. هـ
5) فلا يصح اشتقاق أسماء لله من ذلك،لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن ذلك بالفعل مقيدا فلا يشترط من كل فعل مقيد أن يشتق منه اسم مطلق،
قال ابن القيم رحمه الله: (الفعل أوسع من الاسم، ولهذا أطلق الله على نفسه أفعالا لم يتسم منها أسماء الفاعل، كأراد، وشاء، وأحدث. ولم يسم “بالمريد” و”الفاعل” …وغير ذلك من الأسماء التي أطلق أفعالها على نفسه. فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء. وقد أخطأ- أقبح خطأ- من اشتق له من كل فعل أسماء، وبلغ بأسمائه زيادة على الألف فسماه “الماكر، والمخادع، والفاتن، والكائد” ونحو ذلك)] ا. هـ وراجع
(معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى) (1/ 56)