1020 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة طارق أبي تيسير وعبدالحميد البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
————‘———-‘———
الصحيح المسند 1020
قال الإمام أحمد 4/ 438 … حدثنا روح حدثنا شعبة عن الفضيل بن فضالة رجل من قيس حدثنا أبورجاء العطاردي قال: خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطرف من خز، لم نره عليه قبل ذلك ولا بعده، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أنعم الله عزوجل عليه نعمة؛ فإن الله عزوجل يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه.
وقال روح ببغداد: يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.
————-‘———‘———
أعظم نعمه الإيمان:
المسلم جنته في صدره، بإيمانه، وتقواه، ويقينه بالله، ويستطيع الإنسان أن يجد السعادة ولو كان مكبَّلاً بأمراض الدنيا كلها، فلا نعيم يعدل نعيم الإيمان بالله، والرضا بقضائه.
قال ابن القيم رحمه الله:
سمعتُ شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: “إنَّ في الدنيا جنَّة مَن لم يدخلها: لا يدخل جنة الآخرة “، وقال لي مرة: ” ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنَّتي وبستاني في صدري، إن رحتُ فهي معي لا تفارقني، إنَّ حبْسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة”.
“الوابل الصيِّب” (ص 67).
ويَقصد رحمه الله بجنة الدنيا: حلاوة الإيمان، والتقوى، ولذة الأعمال الصالحة.
ثانياً:
قال الله تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) إبراهيم/ 34، فنِعَمُ الله على الإنسان كثيرة، فيتخيل المسلم أن لو كان سليماً معافى , وقد سلبه الله الإيمان بالله: فأي سعادة، وأي لذة تكون في هذا الدنيا بغير الإيمان، وطاعة الرحمن؟!، وليتخيل المسلم لو أن الدنيا بما عليها كانت في ملكه، وتحت تصرفه , وقد منعه الله التوفيق للهداية: فأي حياة هذه التي سيعيشها؟!؛ فنِعمة الإيمان، ونعمة الاستقامة: لا يعدلها نِعم الدنيا أجمع.
ولذلك فالمعوق على الحقيقة هو من لم ينتفع بنعم الله عليه في استعمالها بما أوجب الله عليه، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَانَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف/179.
وقال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) الحج/46
———–‘———–‘———–
نسبة النعمة إلى المنعم:
قال الله عز وجل: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53].
من الأشياء التي توصل العبد إلى أن يكون عبداً شكوراً: نسبة النعمة إلى المنعم، لأن كثيراً من الناس إذا سئل عن هذا، قال: هذا باجتهادي، فإذا أردنا أن نكون من عباده الشاكرين يجب أن ننسب النعمة إلى الله، ونرد الأمر كله إليه.
قال محمد بن المنكدر لـ أبي حازم: يا أبا حازم! ما أكثر من يلقاني فيدعو لي بالخير، ما أعرفهم، وما صنعت إليهم خيراً قط، قال أبو حازم: لا تظن أن ذلك من قبلك ولكن انظر إلى الذي من قبله جاءت النعمة هذه -أن وضع لك المحبة في قلوب الناس- فاشكره، ثم قرأ عليه قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم:96].
ومن هذا القبيل ما ورد في الحديث الصحيح: (ألم تروا ما قال ربكم؟ قال: ما أنعمت على عبادي من نعمةٍ إلا أصبح فريق منهم بها كافرين، يقولون: الكواكب وبالكواكب).
رواه مسلم.
وحمد الله على النعم له فضلٌ عظيم، وتأمل معي هذه الأحاديث: (ما أنعم الله على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان ذلك الحمد أفضل من تلك النعمة) (ما أنعم الله على عبد من نعمة -زوجة، ولد، مال- فحمد الله عليها إلا كان ذلك الحمد أفضل من النعمة) حديث حسن.
وفي لفظ آخر: (ما أنعم الله تعالى على عبد نعمة فقال: الحمد لله إلا كان الذي أعطي أفضل مما أخذ).
ونعمة الله من الأموال والجاه الولد والزوجة والمناصب ونحو ذلك كلها نعم تستوجب الشكر والحمد.
وبعض أهل العلم سأل:
بعض الناس يقولون: نحن محرومون من النعم، مثلاً: شخص ليس عنده وظيفة جيدة، ليس عنده دخل جيد، محروم من أشياء من الدنيا، هل يحمد الله على هذا؟
الجواب
نعم.
يحمد الله على هذا.
قال بعض السلف: لنعم الله علينا فيما زوى عنا من الدنيا أفضل من نعمه علينا فيما بسط لنا منها.
أي: كوننا حرمنا من النعم؛ من التوسعات الدنيوية، هذه بحد ذاتها نعمة، وذلك أن الله لم يرض لنبيه الدنيا، كان يتكئ على رمل، سريره من الرمل، قال: (ألا ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟!).
ونحذر أشد الحذر من أن نكون من الذين استدرجهم الله، فإن الله عز وجل قال: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف:182] ومعناها: أنه كلما أحدثوا ذنباً أحدث لهم نعمة، وهذا هو الاستدراج، فيستدرجهم من حيث لا يعلمون، فيظنون أنهم على خير وعلى طريق سوي وهكذا
قلت سيف:
والله تعالى يقدر الابتلاءات على المسلم لحكمٍ كثيرة، ومصالح عظيمة. فيحول المؤمن المصائب إلى شكر. وحلاوة أجرها تنسيه مرارة صبرها.
وراجع الوسائل المفيدة للحياة السعيدة.
—-
تنبيه:
2011 – ” ما أنعم الله على عبد نعمة، فحمد الله عليها ; إلا كان ذلك أفضل من تلك النعمة و إن عظمت “.
قال الألباني في ” السلسلة الضعيفة و الموضوعة ” (5/ 24):
ضعيف جدا
رواه الطبراني في ” الكبير ” (7794) من طريقين عن سويد بن عبد العزيز عن ثابت
ابن عجلان عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا.
قلت: و سويد بن عبد العزيز متروك. و كذا قال الهيثمي في ” مجمع الزوائد ” (10/ 95).
و قال المنذري:
” رواه الطبراني، و فيه نكارة “.
قلت: لكنه قد روي بإسناد آخر خير من هذا نحوه، دون قوله: ” و إن عظمت “،
و لفظه:
” ما أنعم الله على عبد نعمة، فقال: الحمد لله، إلا كان الذي أعطاه أفضل مما
أخذ “.
أخرجه ابن ماجه (2/ 422)، و ابن السني (رقم 350)، و الخرائطي في ” فضيلة
الشكر ” (1/ 2)، و الضياء (ق 130/ 2) من طريق أبي عاصم عن شبيب بن بشر، عن
أنس مرفوعا.
و لفظ الخرائطي: ” إلا كان الحمد أكثر من النعمة “.
و هذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى.
قلت سيف:
شبيب بن بشر:
قال صاحب تفسير ابن سعد المنسق
قال البخاري: منكر الحديث
وكذلك نقل ذلك صاحب كتاب الأحاديث الواردة في البيوع المنهي عنها
وأيضا نقل ذلك محققو المسند 38/ 485
ولم يعزوا كلام البخاري ثم وجدت صاحب استدراكات على الصحيح المسند عزاه: للعلل الكبير في باب الجامع في ذكر الرجال رقم 106 فراجعته فوجدته كما قال.
قال السندى في حاشيته على ابن ماجة
قَوْلُهُ: (كَانَ الَّذِي أَعْطَاهُ) أَدَّى وَفَعَلَ مِنَ الْحَمْدِ (أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذَ) أَيْ: مِنَ النِّعْمَةِ عَنْ بَعْضِ الشُّرُوحِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بَلَغَنِي عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَا يَكُونُ فِعْلُ الْعَبْدِ أَفْضَلَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذِهِ غَفْلَةٌ مِنْ عَالِمٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصِلُ إِلَى حَمْدِ اللَّهِ وَشُكْرِهِ إِلَّا بِتَوْفِيقِهِ، وَإِنَّمَا فَضْلُهُ لِمَا فَضُلَ مِنْ حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَمَدْحِهِ إِيَّاهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي النِّعْمَةِ الْأُولَى رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ بِلَفْظِ لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا بِحَذَافِيرِهَا فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي، ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَكَانَ الْجِهَادُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ وَالْكَلِمَةُ الْبَاقِيَةُ هِيَ مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ وَقَدْ ذَكَرَ كَلَامَ الْبَيْهَقِيِّ السُّيُوطِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ أَيْضًا، وَفِي الزَّوَائِدِ إِسْنَادٌ حَسَنٌ، شَبِيبُ بْنُ بَشِيرٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
…..
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله في شرحه للأربعين:
“ما أنعم اللَّه على عبدٍ نعمةً فقال: الحمد للَّه إلا كان الذي أعطى أفضلَ مما أخذ”،
وأخذ منه بعض العلماء أن الحمد أفضل من النعم،
ونقل ابن أبي الدنيا أن بعض العلماء صوَّب ذلك،
وعن ابن عيينة أنه خطَّأ قائله، وقال: (لا يكون فعل العبد أفضل من فعل الرب).
وأُجيب: بأن التصويب في محله؛
إذ المراد بالنعمِ: الدنيويةُ؛ كالعافية، والرزق، والحمدُ من النعم الدينية، وكلاهما نعمةٌ من اللَّه تعالى،لكن نعمة اللَّه تعالى على عبده بهدايته لشكر نعمه بالحمد عليها أفضل من نعمه الدنيوية على عبده؛
فإن هذه إن لم يقترن بها شكرٌ. كانت بليةً،
فإذا وفَّقَ اللَّه تعالى عبده للشكر عليها بالحمد أو غيره. . كانت نعمة الشكر أتم وأكمل.
قال صاحبنا ابوصالح: والراوي اسمه شبيب بن بشر وليس بشير والله أعلم.
والكلام المنسوب لابن عيينة كان تعليقا على أثر للحسن البصري بنحوه
الخلاصة:
استشكال ابن عيينة يجاب بوجهين:
الأوّل: هو أنّ الّذي يفوق النّعمة ليس هو فعل العبد إنّما هو التّوفيق إلى الحمد، فهو من فعل الله.
الثّاني: أنّ التّفضيل واقع بين النّعم الدّنيويّة والدّينيّة، فمهما أوتِي العبد من نعمة دنيويّة، ثمّ وفّقه الله إلى حمدها، كانت النّعمة الدّينيّة أفضل.
وبهذا نكون قد رأينا من فضائل هذه الكلمات أنّها خير من الدّنيا وما فيها، وأنّها أحبّ الكلام إلى الله، ولذلك اصطفاها الله دون غيرها، وأنّها غراس الجنّة، وأنّها تعدل الإنفاق في الأعمال العظام، وأنّها أثقل شيء في الميزان، وأنّها تجزئ عن القرآن سواء للتّلاوة أو في الصّلاة، وأنّها من أعظم ما يكفّر الله به الخطايا، وأنّها منجاة من العذاب فهي مجنَّبات ومعقّبات، وأنّها من أعظم أسباب ذكر الله للعبد، وأنّ الحمد من أحبّ الأمور إلى الله، حتّى إنّه نعمة يفوق كلّ نعمة حُمِد الله من أجلها.
———–‘———–‘——–
في معنى حديث الباب حديث: “إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده”
فبعد أن عقد المصنف -رحمه الله- باب استحباب ترك الترفع في اللباس تواضعاً أعقبه بباب آخر يوضحه، وهو باب استحباب التوسط في اللباس، ولا يَقتصر على ما يُزري به لغير لحاجة ولا مقصود شرعي، بمعنى: أنه لا يفهم من الباب السابق من استحباب ترك الترفع في اللباس أن يلبس الإنسان الألبسة التي تزري به، وإنما المقصود بذلك التوسط، كما أشرت سابقاً في الباب قبله.
وجعل ذلك في ترجمة هذا الباب الجديد، وذكر فيه حديثاً واحداً، وهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
ولا يلبس رفيع الثياب
للحديث الذي في الباب قبله، حديث معاذ بن أنس -رضي الله عنه- (من ترك اللباس تواضعاً لله، وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق، حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء)
فإذا جمعنا بين هذا وهذا، رؤية أثر النعمة على العبد كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للرجل الذي رأى عليه ثيابًا في غاية الابتذال، (ألك مال؟) قال: نعم، قال: من أي المال؟ قال: (قد آتاني الله من الإبل، والغنم، والخيل، والرقيق، قال: فإذا آتاك الله مالا فليُرَ أثرُ نعمة الله عليك، وكرامته).
وقل مثل ذلك في المراكب، ونحو هذا، والمساكن، إذا أنعم الله -عز وجل- على الإنسان لا يسكن مع أهله في دار من حجارة، أو طين، في مثل هذا الزمان، وسقف من جريد النخيل، أو نحو هذا، وقد أغناه الله وأعطاه،
وأن يركب سيارة يمكن أن تكون أيضاً هي مركب شهرة لقدمها جدًّا، وإنما يعتدل في أموره كلها، في لباسه، ومركبه، ومسكنه، والمبالغة في هذا الطرف، أو هذا الطرف غير محمودة.
قلت سيف: حديث معاذ بن أنس -رضي الله عنه- (من ترك اللباس تواضعاً لله، وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق، حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء)
قلنا في تخريج نضرة النعيم: قال أبن الجوزي: لا يصح. العلل المتناهية 2/ 679
وسأل أبوحاتم عن حديث رجل كان يحدث عن ابن عجلان عن فروة بن مجاهد عن سهل بن معاذ عن أبيه مرفوعا. فقال: الحديث رواه زبان. العلل 2392
قال الترمذي: حسن غريب.
ورواه ابوداود في سننه من حديث محمد بن عجلان عن سويد عن رجل من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه بنحوه
قال ابن طاهر هذا إسناد مجهول. والذي لم يسم ابن عجلان هو سهل ابن معاذ
قال ابن رجب وأورد هذه الأحاديث: إنما يذم من ترك اللباس مع قدرته بخلا على نفسه أو كتمانا لنعمة الله.
وكان كثير من الصحابة والتابعين يلبسون لباسا حسنا منهم: ابن عباس والحسن البصري
قال الحسن: إن قوما جعلوا التواضع في لباسهم والكبر في صدورهم.
ومتى أظهر الإنسان لباس المساكين لدعوى الصلاح ليشتهر بذلك عند الناس كان ذلك كبرا ورياء. ومن هنا ترك كثير من السلف المخلصين اللباس المختص بالفقراء والصالحين وقالوا: إنه شهرة.
شرح حديث اختصام الملأالأعلى
——-
فبدون المعونة من الله لا يمكن أن يصل الإنسان إلى منزلة العبد الشكور. ومن الأمور التي ينبغي معرفتها: أن الشكر يحفظ النعم، قال الله سبحانه وتعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7] فهو ليس فقط يحفظ النعمة وإنما يزيدها، ولذلك كانوا يسمون الشكر: الحافظ، يعني: الحافظ للنعم الموجودة والجالب للنعم المفقودة. وقال عمر بن عبد العزيز: [قيدوا نعم الله بشكر الله]. وقال أيضاً: [الشكر قيد النعم]. وقال مطرف بن عبد الله: [لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر]. ومن الأشياء التي يبلغ بها العبد درجة الشكور: أن يحدث بنعم الله عليه، قال الله عز وجل: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11]. وتحديث العبد بنعمة الله عليه له عدة معانٍ: منها: أن يرى أثر النعمة عليك، كما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الصحابة: (إذا أنعم الله على عبدٍ نعمة فإنه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، كلوا واشربوا وتصدقوا في غير مخيلة ولا سرف، فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده). وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قشف الهيئة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (هل لك من مال؟ قال: نعم، قال: من أي المال؟ قال: من كل المال؛ قد آتاني الله من الإبل والخيل، والرقيق والغنم، قال: فإذا آتاك الله مالاً فليُر عليك). وقد جاء في الحديث الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا آتاك الله مالاً فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته). وقال في الحديث الصحيح الآخر: (إن الله تعالى إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر النعمة عليه من غير سرف ولا مخيلة) لا اختيال ولا إسراف، أظِهر النعمة ولا تكتمها، لكن من غير إسراف ولا اختيال، لا تظهرها إلا بهذين الشرطين، (إن الله إذا أنعم على عبدٍ نعمة يحب أن يرى أثر نعمته على عبده). ولذلك قال بعض السلف: [لا تضركم دنياً شكرتموها].
فلو أظهرت النعمة وأنت شاكر لها فإنها لا تضرك بإذن الله. وقد ذم الله الكنود من العباد فقال: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً * إِنَّ الْإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) [العاديات:1 – 6]. قال بعض المفسرين: الكنود: الذي لا يشكر نعم الله، وقال الحسن رحمه الله عن الكنود: [الذي يعد المصائب وينسى النعم] إذا جلست معه قال لك: صار لي مصيبة كذا وكذا وكذا، ولا يحدث ولا يذكر شيئاً من نعم الله، كاتم لنعم الله، كما جاء في وصف النساء التي جاء من أسباب دخولهن النار قوله صلى الله عليه وسلم: (لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط) فلماذا دخلت النار؟ بترك شكر نعمة الزوج، فشكر نعمة
الله أولى وأحق، فهذه التي تدخل النار بسبب كفران نعمة الزوج، فلأن يدخل العبد النار بكفران نعمة الله أولى، ولذلك جاء في الحديث: (التحدث بالنعمة شكر وتركها كفر). ورأى بكر بن عبد الله المزني حمالاً عليه حمله وهو يقول: الحمد لله .. أستغفر الله، الحمد لله .. أستغفر الله، الحمد لله .. أستغفر الله، وهكذا، قال: فانتظرته حتى وضع ما على ظهره، وقلت له: أما تحسن غير هذا؟ -غير الحمد لله .. أستغفر الله- قال: بلى. أحسن خيراً كثيراً أقرأ كتاب الله، غير أن العبد بين نعمة وذم، فأحمد الله على نعمه وأستغفره لذنوبي، فقال بكر: الحمال أفقه مني. ولما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على الجن سورة الرحمن وقرأها على الصحابة، فسكت الصحابة، فقال عليه الصلاة والسلام: (قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن رداً منكم، كنت كلما أتيت على قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:13] قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فَلَكَ الحمد).
وقال الشيخ عبد الرزاق في فقه الأدعية والأذكار:
ـ فضل الدعاء ثم ذكر أهميته وشروطه وأنه ملازم للأنبياء ثم ذكر طائفة منه ومن ذلك التوسل إلى الله بنعمه.
—-
قال ابن عثيمين:
الشيخ: الحديث الأول: إن الله جميل يحب الجمال؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: لما قال الناس: إن الرجل يحب أن يكون نعله حسناً وثوبه حسناً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال؛ أي يحب التجمل في اللباس في النعال في الثوب في المشلح في الغترة بأن هذا من إظهار آثار نعمة الله، وهو يقصد الحديث الذي ذكره، وهو أن الله إذا أنعم على العبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته عليه وأثر النعمة بحسب النعمة، فنعمة المال أثرها أن يكثر الإنسان من الانفاق في الخير، وكذلك أن يلبس ما يليق به من الثياب حتى أن بعض العلماء قال: إن الرجل الغني إذا لبس لباس الفقراء، فإنه يعد من لباس الشهرة، ولكن قد تدعو الحاجة، وقد تكون مصلحة في أن يلبس الإنسان لباس الفقراء، إذا كان عائشاً في وسط فقير، وأحب أن يلبس مثلهم؛ لئلا تنكسر قلوبهم، فإنه في هذه الحال قد يثاب على هذه النية، ويعطى الأجر على حسب نيته، وأما قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} فالمراد أن الإنسان يتحدث بنعمة الله سبحانه وتعالى عليه لإظهار فضل الله سبحانه وتعالى عليه، وأن ما حصل من هذه النعمة ليس بحوله وبقوته، ولكنه بنعمة الله، والتحدث بالنعمة يكون بالقول وبالفعل ….
—–
وجمع باحث عشرات من النصوص فيها ذكر ما يحبه الله عزوجل ومن ذلك:
يحب الله الجمال، جمال الأخلاق، وجمال الإيمان، وجمال القلب، وجمال الباطن، كما يحب من عبده أن يكون نظيفاً جميل الثوب، جميل الرائحة.
– يحب الله أن يرى أثر النعمة على العبد، من غير إسراف، ولا خيلاء، ولا تبذير، والسبب في ذلك كما قال العلماء: ليأتيه أهل الحاجة، فإذا رأوه على شيء مما أنعم الله به عليه عرفوا أنه صاحب غنى، فقصدوه لحاجاتهم، فلذلك يظهر أثر النعمة ليعرفه المحتاجون