1013 التعليق على الصحيح المسند
جمع سيف بن محمد بن دورة الكعبي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
————-‘————‘———
1013 الصحيح المسند
عن عمرو بن العاص قال: كان فزع بالمدينة، فأتيت على سالم مولى أبي حذيفة وهو محتب بحمائل سيفه فأخذت سيفا فاحتبيت بحمائله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس ألا كان مفزعكم إلى الله ورسوله. ثم قال: ألا فعلتم كما فعل هذان الرجلان المؤمنان
——-
قال الألباني في “السلسلة الصحيحة” 1/ 240:
أخرجه عفان بن مسلم في ” حديثه ” (ق 238/ 2) حدثنا حماد بن سلمة حدثنا محمد
بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه.
و أخرجه أحمد (2/ 354) و ابن سعد (4/ 191) من طريق عفان به، و كذلك
أخرجه الحاكم (3/ 452). ثم أخرجه أحمد (2/ 304، 327، 353) و ابن سعد
و أبو علي الصواف في ” حديثه (3/ 2 / 2) و ابن عساكر (13/ 52 / 1) من طرق
أخرى عن حماد به.
قلت: و هذا سند حسن، و سكت عليه الحاكم و الذهبي، و من عادتهما أن يصححا هذا
الإسناد على شرط مسلم.
و له شاهد، خرجه ابن عساكر من طريق ابن سعد حدثنا عمرو بن حكام بن أبي الوضاح
وعمرو بن حكام ضعيف لكنه في الشواهد.
ورد – ” أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص ”
اخرجه أحمد (4/ 155) حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا ابن لهيعة حدثني مشرح بن هاعان قال، سمعت عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
لكن رواه الترمذي (2/ 316) حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة به. وقال:
” حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة عن مشرح بن هاعان، وليس إسناده بالقوي “.
ويغني عنه هذا الحديث وما سبق في الصحيح المسند 1344 حديث (ابنا العاص مؤمنان) فراجع التعليق عليه
ففي الحديث منقبة عظيمة لعمرو بن العاص رضي الله عنه وسبق نقل كلام الألباني تحت حديث 1344 حول أنه لا يجوز الطعن في عبدالله بن عمرو. لأن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بالإيمان وهو أعلى مرتبة من الإسلام
—–
وترجم الذهبي
لعمرو بن العاص. واقتصرت أنا على ما صح سنده:
هو عمرو بن العاص ابن وائل الإمام أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد السهمي.
داهية قريش ورجل العالم ومن يضرب به المثل في الفطنة، والدهاء، والحزم.
هاجر إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مسلما في أوائل سنة ثمان، مرافقا لخالد بن الوليد، وحاجب الكعبة عثمان بن طلحة، ففرح النبي – صلى الله عليه وسلم – بقدومهم وإسلامهم، وكان قبل فتح مكة وبعد صلح الحديبية. وأمر عمرا على بعض الجيش، وجهزه للغزو.
له أحاديث ليست كثيرة، تبلغ بالمكرر نحو الأربعين، اتفق البخاري ومسلم على ثلاثة أحاديث منها،
قال الزبير بن بكار: هو أخو عروة بن أثاثة لأمه. وكان عروة ممن هاجر إلى الحبشة.
قال البخاري: ولاه النبي – صلى الله عليه وسلم – على جيش ذات السلاسل. نزل المدينة ثم سكن مصر، وبها مات.
وكان أسن من عمر بن الخطاب، فكان يقول: إني لأذكر الليلة التي ولد فيها عمر – رضي الله عنه.
تنبيه: قول الذهبي: لولا حبه للدنيا ودخوله في أمور لصلح للخلافة فإن له سابقه ليست لمعاوية. وقد تأمر على مثل أبي بكر وعمر لبصره بالأمور ودهائه.
فقوله حبه للدنيا يخالف الحديث الذي سبق في: الصحيح المسند 1011
أخرج أحمد 4/ 204 عن عمرو بن العاص قال: لقد أصبحتم ترغبون في الدنيا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم. يزهد فيها، والله ما أتت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من دهره إلا كان الذي عليه أكثر مما له، قال: فقال له بعض أصحاب رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم: قد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسلف
ثم هو مثل بعض الصحابة جمعوا الكثير من الأموال. وقد روى الذهبي نفسه بأنه يبادر بالصدقات على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وفي سندها زهير بن قيس البلوي ليس فيه توثيق. لكنها تدفع عن عمرو بن العاص.
قال الذهبي: وقد سقنا من أخبار عمرو في المغازي وفي مسيره إلى النجاشي، وفي سيرة عمر بن الخطاب، وفي الحوادث، وأنه افتتح إقليم مصر وولي إمرته زمن عمر، وصدرا من دولة عثمان. ثم أعطاه معاوية الإقليم، فلم يل مصر من جهة معاوية إلا سنتين ونيفا. ولقد خلف من الذهب قناطير مقنطرة.
وقد سقت من أخباره في ” تاريخ الإسلام ” جملة، وطول الحافظ ابن عساكر ترجمته.
وذكر الذهبي قصة ذهابه للنجاشي خوفا وفرارا من ظهور محمد على قريش وكيده للمسلمين هناك لكن النجاشي بين إسلامه له فرجع للمدينة وأسلم. وأخرجها أحمد 4/ 198 17777 لكن فيها حبيب بن أبي أوس روى عنه اثنان وذكره ابن حبان في الثقات.
وابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سويد بن قيس عن قيس بن سمي أن عمرو بن العاص قال: يا رسول الله! أبايعك على أن يغفر — لي ما تقدم من ذنبي؟ قال: إن الإسلام والهجرة يجبان ما كان قبلهما. قال: فوالله إني لأشد الناس حياء من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فما ملأت عيني منه ولا راجعته. أخرجه أحمد 4/ 204
موسى بن علي، عن أبيه، سمع عمرا يقول: بعث إلي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: خذ عليك ثيابك وسلاحك، ثم ائتني. فأتيته وهو يتوضأ، فصعد في البصر، وصوبه، فقال: إني أريد أن أبعثك على جيش، فيسلمك الله ويغنمك، وأرغب لك رغبة صالحة من المال. قلت: يا رسول الله! ما أسلمت من أجل المال، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام، ولأن أكون مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: يا عمرو نعما بالمال الصالح للرجل الصالح.
أخرجه أحمد 4/ 197 وهو في الصحيح المسند 1006
إسماعيل بن أبي خالد: عن قيس قال: بعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عمرا في غزوة ذات السلاسل، فأصابهم برد، فقال لهم عمرو: لا يوقدن أحد نارا. فلما قدم شكوه، قال: يا نبي الله! كان فيهم قلة، فخشيت أن يرى العدو قلتهم، ونهيتهم أن يتبعوا العدو مخافة أن يكون لهم كمين. فأعجب ذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
وكيع: عن منذر بن ثعلبة، عن ابن بريدة قال عمر لأبي بكر: لم يدع عمرو بن العاص الناس أن يوقدوا نارا، ألا ترى إلى ما صنع بالناس، يمنعهم منافعهم؟ فقال أبو بكر: دعه، فإنما ولاه رسول الله علينا لعلمه بالحرب.
وكذا رواه يونس بن بكير عن منذر.
وصح عن أبي عثمان النهدي، عن عمرو أن النبي – صلى الله عليه وسلم – استعمله على جيش ذات السلاسل، وفيهم أبو بكر وعمر.
قلت سيف: فلعل مرسل ابن بريدة يقوي مرسل قيس بن أبي حازم في منع عمرو بن العاص أن يوقدوا نارا.
وذكر الذهبي قصة عدم اغتساله في ليلة باردة واستدل بقوله تعالى (ولا تقتلوا انفسكم) وضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن أوردها البخاري بصيغة التمريض وذكر ابن رجب أنها رويت متصلة ومرسلة.
أما ابن الملقن في البدر المنير فذكر جمع من الرواة وصلوها.
ثم ذكر الذهبي فتوحاته
وذكر بعض اطماعه لما سار لمعاوية ليقف معه ضد علي بن أبي طالب وجلها من طريق الواقدي وقد كذب وطرق ضعيفه لا يصح منها شئ.
المهم صح أنه قال عند موته بعد أن شهد لابن سميه وابن أم عبد أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو يحبهما ولم يشهد لنفسه تواضعا (اللهم امرتنا فتركنا ونهيتنا فركبنا ولا يسعنا إلا مغفرتك فكانت تلك هجِّيراه حتى مات). . أخرجه أحمد 17781 وهذا الحديث على شرط الذيل على الصحيح المسند فهذه خاتمة حسنة ويكفيه حسنة الصحبة
مات سنة ثلاث وأربعين وسنه مئة سنه لكن رجح الذهبي أن سنه لم يبلغ التسعين فهو أكبر من عمر بخمس سنين وعاش بعده عشرين سنة
ثم ترجم لأخيه هشام بن العاص ولم نسق ترجمته في حديث (ابنا العاص مؤمنان) فلنسقها هنا:
الرجل الصالح المجاهد ابن أخت أبي جهل. قديم الإسلام وهاجر للحبشة. ثم رد لمكة ليلحق بالرسول صلى الله عليه وسلم للمدينة فحبسه قومه. ثم قدم بعد الحديبية مهاجرا وشهد ما بعدها ولم يعقب.
وذكر الذهبي: القعنبي حدثنا ابن أبي حازم عن أبيه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن ابني العاص في قصة اعتزالهم من مجلس اختصم فيه ملأ في القرآن … فخرج نبي الله وقال: أي قوم بهذا ضلت الأمم قبلكم باختلافهم على أنبيائهم وضربهم الكتاب بعضه ببعض. وعزاها لابن سعد
وأخرجها أحمد في المسند 2/ 181 من طريق أنس بن عياض حدثنا ابوحازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لكن المعتزلين فيه عبدالله بن عمرو بن العاص وأخوه وهو محمد بن عمرو بن العاص
وأخرجه أحمد 2/ 195 وابن ماجه من طريقين عن داود بن أبي هند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
وأخرجه أحمد 2/ 196 من طريق حماد بن سلمة عن حميد ومطر الوراق وداود بن أبي هند ثلاثتهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفيه أنهم كانوا يتنازعون في القدر.
وأخرج البغويّ من طريق أبي حازم، عن سلمة بن دينار، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، قال: جئنا فإذا أناس يتراجعون في القرآن، فاعتزلناهم ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم خلف الحجرة يسمع كلامهم، فخرج مغضبا حتى وقف عليهم، فقال: «بهذا ضلّت الأمم قبلكم، وإنَّ القرآن لم ينزل لتضربوا بعضه ببعض، إنّما أنزل يصدّق بعضه بعضا»، ثم التفت إليّ وإلى أخي فغبطنا أنفسنا أن لا يكون رآنا معهم. رواه سويد بن سعيد، عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه
——-
وهناك باحث جمع آل عمرو بن العاص: فذكرهم إلى أن وصل إلى:
4 – ابنته عابدة بنت شعيب:
ترجم لها الحافظ الدارقطني في ” المؤتلف والمختلف ” فقال: هي عابدة الحسناء بنت شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص أخت عمرو بن شعيب، تزوجها حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب، ولها يقول:
أعابد ما شمس النهار إذا بدت …… بأحسن مما بين عينيك عابدا في أبيات.
وبسبب عابدة رد بنو العباس على ولد عمرو بن العاص أموالهم.
ذكر الذهبي في ترجمة عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه فقيه أهل الطائف وأنه كان يتردد إلى مكة، وله مال بالطائف، إلى أن قال:
((وآل عمرو بن شعيب إلى اليوم لهم بقية بالطائف يتوارثون الوهط وهو بستان كبير إلى الغاية لجماعة كبيرة هو معاشهم)) انظر سير أعلام النبلاء (5/ 183)
والوهط والوهيط موضعان قريبان من الطائف، يخص قبيلة قريش، فالظاهر أنهم من ذرية عمرو بن شعيب المذكور، والله أعلم
وللفائدة: فذرية عمرو بن العاص رضي الله عنه باقية إلى اليوم في الطائف في الوهط وغيرها، وهم عدة أفخاذ منهم المذاكير وغيرهم. والله أعلم
(فوائد مقتطفة بعض الإخوة)
—–
وهذه ترجمة لسالم مولى أبي حذيفة:
التبني والرضاع:
كان سالم عبدًا فارسيًا من إصطخر لامرأة من الأنصار تُدعى ثبيتة بنت يعار الأوسية. اعتقت ثبيتة سالمًا، فوالى سالم زوجها أبي حذيفة بن عتبة الذي أحبّه وتبنّاه، وزوّجه من ابنه أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وعاش سالم في كنف أبيه بالتبني أبي حذيفة، حتى نزل قوله تعالى (ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَاتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) بتحريم التبنّي. بعد التحريم، جاءت سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة إلى النبي محمد، فقالت: «يا رسول الله، إن سالمًا معي، وقد أدرك ما يدرك الرجال»، فقال: «أرضعيه، فإذا أرضعته فقد حرم عليك ما يحرم من ذي المحرم». قد ذكرت أم سلمة زوجة النبي محمد أن أمهات المؤمنين أبين أن يدخلن أحد عليهن بهذا الرضاع، وقلن إنما هي رخصة لسالم خاصة.
قراءة القرآن:
كان سالم حريصًا على حفظ القرآن، حتى أنه كان يُقدّم للإمامة في الصلاة على المهاجرين في قباء قبل قدوم النبي محمد إلى يثرب، لأنه كان أقرأهم للقرآن. وقد كان سالم حسن الصوت حسن القراءة، وقد أثنى النبي محمد على قرائته، في حديث نبوي رواه إبراهيم عن مسروق عن عبد الله بن عمرو عن النبي محمد، أنه قال: «استقرئوا القرآن من أربعة، ابن مسعود، وسالمًا مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل».
جهاده:
منذ هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، حتى لازمه سالم كغيره من المسلمين، وسمع من النبي محمد أحاديث رواها عنه ثابت بن قيس بن شماس وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص. وقد آخى النبي محمد بينه وبين معاذ بن ماعض الأنصاري، وشارك مع النبي محمد في الغزوات كلها. وبعد وفاة النبي محمد وارتداد بعض القبائل، شارك سالم في حروب الردة. وفي سنة 12 هـ في معركة اليمامة التي وقعت في خلافة أبو بكر الصديق، كان سالم صاحب راية المهاجرين. لما اشتدت المعركة، انتكست قوات المسلمين في البداية، وتراجعوا. فزع سالم من ذلك، وصاح في المسلمين: «ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفر لنفسه حفرة، وثبت فيها يذُبُّ عن الراية حتى قُتل. وقد وُجد سالم يومها هو ومولاه أبو حذيفة صرعى، رأس أحدهما عند رجلي الآخر.
لما قُتل سالم، أرسل أبو بكر بميراثه إلى مولاته ثبيتة، فأبت أن تقبله، فجلعه في بيت مال المسلمين. ويُذكر أن عمر بن الخطاب حين أوصى للستة الذين جعل أمر الخلافة شورى بينهم، أنه قال: «لو أدركني أحد رجلين، ثم جعلت إليه الأمر لوثقت به سالم مولى أبي حذيفة، وأبو عبيدة بن الجراح».
—–”—–‘
ولنختم بهذا النقل:
في الشريعة للآجري:
ذكر الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمة الله تعالى عليهم أجمعين
قال محمد بن الحسين رحمه الله: ينبغي لمن تدبر ما رسمناه من فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضائل أهل بيته رضي الله عنهم أجمعين أن يحبهم ويترحم عليهم ويستغفر لهم، ويتوسل إلى الله الكريم بهم ويشكر الله العظيم إذ وفقه لهذا، ولا يذكر ما شجر بينهم ولا ينقر عنه ولا يبحث، فإن عارضنا جاهل مفتون قد خطئ به عن طريق الرشاد فقال: لم قاتل فلان لفلان ولم قتل فلان لفلان وفلان؟. قيل له: ما بنا وبك إلى ذكر هذا حاجة تنفعنا ولا اضطررنا إلى علمها. فإن قال: ولم؟ قيل له: لأنها فتن شاهدها الصحابة رضي الله عنهم فكانوا فيها على حسب ما أراهم العلم بها وكانوا أعلم بتأويلها من غيرهم، وكانوا أهدى سبيلا ممن جاء بعدهم لأنهم أهل الجنة، عليهم نزل القرآن وشاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم وجاهدوا معه وشهد لهم الله عز وجل بالرضوان والمغفرة والأجر العظيم، وشهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم خير قرن. فكانوا بالله عز وجل أعرف وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبالقرآن وبالسنة ومنهم يؤخذ العلم وفي قولهم نعيش، وبأحكامهم نحكم وبأدبهم نتأدب ولهم نتبع وبهذا أمرنا. فإن قال: وإيش الذي يضرنا من معرفتنا لما جرى بينهم والبحث عنه؟. قيل له: ما لا شك فيه وذلك أن عقول القوم كانت أكبر من عقولنا، وعقولنا أنقص بكثير ولا نأمن أن نبحث عما شجر بينهم فنزل عن طريق الحق ونتخلف عما أمرنا فيهم. فإن قال: وبم أمرنا فيهم؟.
قيل: أمرنا بالاستغفار لهم والترحم عليهم والمحبة لهم والاتباع لهم، دل على ذلك الكتاب والسنة وقول أئمة المسلمين، وما بنا حاجة إلى ذكر ما جرى بينهم، قد صحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وصاهرهم وصاهروه، فبالصحبة يغفر الله الكريم لهم، وقد ضمن الله عز وجل في كتابه أن لا يخزي منهم واحدا وقد ذكر لنا الله تعالى في كتابه أن وصفهم في التوراة والإنجيل، فوصفهم بأجمل الوصف ونعتهم بأحسن النعت، وأخبرنا مولانا الكريم أنه قد تاب عليهم، وإذا تاب عليهم لم يعذب واحدا منهم أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون. فإن قال قائل: إنما مرادي من ذلك لأن أكون عالما بما جرى بينهم فأكون لم يذهب علي ما كانوا فيه لأني أحب ذلك ولا أجهله. قيل له: أنت طالب فتنة لأنك تبحث عما يضرك ولا ينفعك ولو اشتغلت بإصلاح ما لله عز وجل عليك فيما تعبدك به من أداء فرائضه واجتناب محارمه كان أولى بك. وقيل: ولا سيما في زماننا هذا مع قبح ما قد ظهر فيه من الأهواء الضالة. وقيل له: اشتغالك بمطعمك وملبسك من أين هو؟ أولى بك، وتكسبك لدرهمك من أين هو؟ وفيما تنفقه؟ أولى بك. وقيل: لا يأمن أن يكون بتنقيرك وبحثك عما شجر بين القوم إلى أن يميل قلبك فتهوى ما لا يصلح لك أن تهواه ويلعب بك الشيطان فتسب وتبغض من أمرك الله بمحبته والاستغفار له وباتباعه فتزل عن طريق الحق وتسلك طريق الباطل. فإن قال: فاذكر لنا من الكتاب والسنة وعمن سلف من علماء المسلمين ما يدل على ما قلت لترد نفوسنا عما تهواه من البحث عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم.
قيل له: قد تقدم ذكرنا لما ذكرته مما فيه بلاغ وحجة لمن عقل، ونعيد بعض ما ذكرناه ليتيقظ به المؤمن المسترشد إلى طريق الحق: قال الله عز وجل: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا، يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار}. ثم وعدهم بعد ذلك المغفرة والأجر العظيم، وقال الله عز وجل: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} وقال عز وجل: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم} إلى آخر الآية، وقال عز وجل: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم} الآية، وقال عز وجل: {كنتم خير أمة} الآية. وقال عز وجل {لقد رضي الله عن المؤمنين} إلى آخر الآية، ثم إن الله عز وجل أثنى على من جاء بعد الصحابة فاستغفر للصحابة وسأل مولاه الكريم أن لا يجعل في قلبه غلا لهم، فأثنى الله عز وجل عليه بأحسن ما يكون من الثناء؛ فقال عز وجل: {والذين جاءوا من بعدهم} إلى قوله: {رءوف رحيم}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم». وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل اختار أصحابي على جميع العالمين إلا النبيين والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعليا، فجعلهم خير أصحابي وفي أصحابي كلهم خير واختار أمتي على سائر الأمم». وقال صلى الله عليه وسلم: «إن مثل أصحابي في أمتي كالملح في الطعام لا يصلح الطعام إلا بالملح». روي هذا عن الحسن، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فكان الحسن إذا حدث بهذا يقول: قد ذهب ملحنا فكيف نصلح؟.
وقال ابن مسعود: إن الله عز وجل نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه، وبعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه صلى الله عليه وسلم يقاتلون على دينه
قال محمد بن الحسين رحمه الله: يقال لمن سمع هذا من الله عز وجل ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت عبدا موفقا للخير اتعظت بما وعظك الله عز وجل به، وإن كنت متبعا لهواك خشيت عليك أن تكون ممن قال الله عز وجل {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} وكنت ممن قال الله عز وجل {ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون}. ويقال له: من جاء إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يطعن في بعضهم ويهوى بعضهم ويذم بعضا ويمدح بعضا فهذا رجل طالب فتنة، وفي الفتنة وقع؛ لأنه واجب عليه محبة الجميع والاستغفار للجميع رضي الله عنهم ونفعنا بحبهم، ونحن نزيدك في البيان ليسلم قلبك للجميع وتدع البحث والتنقير عما شجر بينهم …. ثم ذكر آثار في الكف عنهم