1506 التعليق على الصحيح المسند
جمع مجموعة إبراهيم البلوشي وأحمد البلوشي و سامي وعلي بن رحمه
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
————-‘————‘——-
1506 – قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا عفان حدثنا شعبة عن الجريري عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن رجل من قومه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به فقال اقرأ بهما في صلاتك بالمعوذتين.
حدثنا إسماعيل أخبرنا الجريري عن أبي العلاء قال قال رجل كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والناس يعتقبون وفي الظهر قلة فحانت نزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلتي فلحقني من بعدي فضرب منكبي فقال قل أعوذ برب الفلق فقلت أعوذ برب الفلق فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأتها معه ثم قال قل أعوذ برب الناس فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأتها معه فقال إذا صليت فاقرأ بهما.
هذا حديث صحيح.
————-
*اسناد الحديث*
قال محققو المسند:
إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين. والرجل الصحابي هو عقبة بن عامر، كما بيَّنَا ذلك في الرواية السالفة برقم (20284). وسماع شعبة من الجريري -وهو سعيد بن إياس- قبل اختلاطه.
قال ابن كثير: “الظاهر أن هذا الرجل هو عقبة بن عامر رضي الله عنه”
*بعض الروايات لحديث عقبة*
حديث عقبة بن عامر، وله عنه طرق:
الأولى: عن قيس عن عقبة بن عامر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ” ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط (قل أعوذ برب الفلق)
و (قل أعوذ برب الناس)
أخرجه مسلم (2/ 200)، والترمذي (2902 و 3367) – وصححه-،، وأحمد (4/ 144 و150 و151و 152).
الثانية: عن أبي عمران عن عقبة بن عامر أنه قال:
اتبعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو راكب، فوضعت يدي على قدمه، فقلت: أقرئني
سورة هود، أو سورة يوسف، فقال:
«لن تقرأ شيئاً أبلغ عند الله من “قل أعوذ برب الفلق”، [فإن استطعت أن
لا تفوتك؛ فافعل]».
أخرجه النسائي
الثالثة: عن القاسم أبي عبد الرحمن عن عقبة بن عامر قال:
بينا أنا أقود برسول الله – صلى الله عليه وسلم – في نقب من تلك النقاب؛ إذ قال لي:
«يا عقبة! ألا تركب؟!». قال: فأجللت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن أركب مركبه، ثم
قال:
«يا عقيب! ألا تركب؟!». قال: فأشفقت أن تكون معصية، قال: فنزل
الرسول – صلى الله عليه وسلم – وركبت هُنيَّة، ثم ركب، ثم قال:
«يا عقيب! ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟!». قال:
قلت: بلى يا رسول الله! قال:
فأقرأني “قل أعوذ برب الفلق” و “قل أعوذ برب الناس”، ثم أقيمت
الصلاة، فتقدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقرأ بهما، ثم مر بي، قال:
«كيف رأيت يا عقيب؟! اقرأ بهما كلما نِمْتَ، وكلما قُمْتَ)).
أخرجه أبو داود (1462)، وأحمد (4/ 144) – والسياق له-.
الرابعة: عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن
عقبة نحوه.
رواه أبو داود (1463). وا بن إسحاق مدلس.
الخامسة: عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر أنه قال:
إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أهديت له بغلة شهباء فركبها، فأخذ عقبة يقودها له؛ فقال
رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعقبة:
«اقرأ». فقال: وما أقرأ يا رسول الله؟! قال النبي – صلى الله عليه وسلم -:
«اقرأ: “قل أعوذ برب الفلق”»؛ فأعادها عليه حتى قرأها، فعرف أني لم
أفرح بها جدّاً! فقال:
«لعلك تهاونت بها! فما قمت تصلي بشيء مثلها».
رواه أحمد (4/ 149).*
وراجع 3499 – الصحيحه
*شرح الحديث*
قال ابن القيم رحمه الله:
والمقصود: الكلام على هاتين السورتين. وبيان عظيم منفعتهما، وشدة الحاجة بل الضرورة إليهما. وأنه لا يستغني عنهما أحد قط، وأن لهما تأثيرا خاصا في دفع السحر والعين، وسائر الشرور، وأن حاجة العبد إلى الاستعاذة بهاتين السورتين أعظم من حاجته إلى النفس والطعام والشراب واللباس، فنقول واللّه المستعان:
قد اشتملت السورتان على ثلاثة أصول. وهي أصول الاستعاذة.
أحدها: نفس الاستعاذة.
والثانية: المستعاذ به.
والثالثة: المستعاذ منه.
فبمعرفة ذلك تعرف شدة الحاجة والضرورة إلى هاتين السورتين.
فنعقد لهما ثلاثة فصول: الفصل الأول: في الاستعاذة. والثاني: في المستعاذ به. والثالث في المستعاذ منه.
الفصل الأول
اعلم أن لفظة «عاذ» وما تصرف منها تدل على التحرز والتحصن والنجاة. وحقيقة معناها: الهروب من شيء تخافه إلى من يعصمك منه.
ولهذا يسمى المستعاذ به: معاذا، كما يسمى: ملجأ ووزرا.
فمعنى «أعوذ» ألتجئ وأعتصم، وأتحرز.
وفي أصله قولان. أحدها: أنه مأخوذ من الستر.
والثاني: أنه مأخوذ من لزوم المجاورة.
والقولان حق. والاستعاذة تنتظمهما معا. فإن المستعيذ مستتر بمعاذه، مستمسك به، معتصم به. قد استمسك قلبه به ولزمه
كما يلجأ الابن لأبيه من عدو يقصده
وإنما هي تمثيل وإشارة وتفهيم، وإلا فما يقوم بالقلب حينئذ من الالتجاء والاعتصام، والانطراح بين يدي الرب، والافتقار إليه، والتذلل بين يديه:
أمر لا تحيط به العبارة.
ونظير هذا: التعبير عن معنى محبته وخشيته، وإجلاله ومهابته. فإن العبارة تقصر عن وصف ذلك، ولا تدرك إلا بالاتصاف بذلك، لا بمجرد الوصف والخبر
الفرق بين (أعوذ بالله) وبين (استعيذ)
فالأول: مخبر عن حاله وعياذه بربه. وخبره يتضمن سؤاله وطلبه أن يعيذه.
والثاني: طالب سائل من ربه أن يعيذه. كأنه يقول: أطلب منك أن تعيذني.
فحال الأول أكمل. ولهذا
جاء عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في امتثال هذا الأمر «أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم». و «أعوذ بكلمات اللّه التامات». و «أعوذ بعزة اللّه وقدرته»
دون: أستعيذ، بل الذي علمه اللّه إياه أن يقول: أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ دون أستعيذ. فتأمل هذه الحكمة البديعة.
فإن قلت: فكيف جاء امتثال هذا الأمر بلفظ الأمر والمأمور به، فقال:
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ومعلوم أنه إذا قيل:
قل الحمد للّه، وقل: سبحان اللّه فإن امتثاله أن يقول: الحمد للّه، وسبحان اللّه، ولا يقول: قل سبحان اللّه.
قلت: هذا هو السؤال الذي أورده أبيّ بن كعب على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بعينه، وأجابه عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
فقد قال البخاري في صحيحه. حدثنا قتيبة حدثنا سفيان عن عاصم وعبدة عن زرّ بن حبيش قال: «سألت أبيّ بن كعب عن المعوذتين؟ فقال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال. قيل لي، فقلت. فنحن نقول كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم» ثم قال: حدثنا علي بن عبد اللّه حدثنا سفيان حدثنا عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش. وحدثنا عاصم عن زر قال «سألت أبيّ بن كعب. قلت: أبا المنذر، إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا. فقال: إني سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال: قيل لي، فقلت: قل.
فنحن نقول كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم».
قلت: مفعول القول محذوف، وتقديره: قيل لي قل، أو قيل لي هذا اللفظ. فقلت كما قيل لي.
وتحت هذا من السر: أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ليس له في القرآن إلا إبلاغه، لا أنه هو أنشأه من قبل نفسه، بل هو المبلغ له عن اللّه. وقد قال اللّه له:
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ فكان مقتضى البلاغ التام أن يقول: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ كما قال اللّه. وهذا هو المعنى الذي
أشار النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إليه بقوله «قيل لي، فقلت»
أي إني لست مبتدئا، بل أنا مبلغ، أقول كما يقال لي، وأبلغ كلام ربي كما أنزله إليّ.
فصلوات اللّه وسلامه عليه، لقد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وقال كما قيل له. فكفانا من المعتزلة والجهمية وإخوانهم ممن يقول: هذا القرآن العربي وهذا النظم كلامه ابتدأ هو به. ففي هذا الحديث أبين الرد لهذا القول، وأنه صلّى اللّه عليه وسلّم بلغ القول الذي أمر بتبليغه على وجهه ولفظه، حتى إنه لما قيل له «قل» قال هو «قل» لأنه مبلغ محض. وما على الرسول إلا البلاغ.
الفصل الثاني
في المستعاذ. وهو اللّه وحده، رب الفلق. ورب الناس، ملك الناس، إله الناس. الذي لا ينبغي الاستعاذة إلا به، ولا يستعاذ بأحد من خلقه، بل هو الذي يعيذ المستعيذين، ويعصمهم. ويمنعهم من شر ما استعاذوا من شره. وقد أخبر تعالى في كتابه عمن استعاذ بخلقه: أن استعاذته زادته طغيانا ورهقا. فقال حكاية عن مؤمني الجن: 72: 6 (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) جاء في التفسير: أنه «كان الرجل من العرب في الجاهلية إذا سافر فأمسى في أرض قفر، قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه. فيبيت في أمن وجوار منهم، حتى يصبح» أي فزاد الإنس الجن باستعاذتهم بسادتهم رهقا أي طغيانا وإثما وشرا. يقولون: سدنا الانس والجن. و «الرهق» في كلام العرب: الإثم وغشيان المحارم. فزادوهم بهذه الاستعاذة غشيانا لما كان محظورا من الكبر والتعاظم، فظنوا أنهم سادوا الإنس والجن.
واحتج أهل السنة على المعتزلة، في أن كلمات اللّه غير مخلوقة: بأن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم استعاذ
بقوله: «أعوذ بكلمات اللّه التامات»
وهو صلّى اللّه عليه وسلّم لا يستعيذ بمخلوق أبدا.
ونظير ذلك:
قوله: «أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك»
فدل على أن رضاه وعفوه من صفاته، وأنه غير مخلوق. وكذلك
قوله: «أعوذ بعزة اللّه وقدرته»
وقوله: «أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات»
وما استعاذ به النبي صلّى اللّه عليه وسلّم غير مخلوق، فإنه لا يستعيذ إلا باللّه، أو بصفة من صفاته.
وجاءت الاستعاذة في هاتين السورتين باسم الرب، والملك، والإله.
وجاءت الربوبية فيهما مضافة إلى الفلق، وإلى الناس. ولا بد من أن يكون ما وصف به نفسه في هاتين السورتين يناسب الاستعاذة المطلوبة.
ويقتضى دفع الشر المستعاذ منه أعظم مناسبة وأبينها.
وقد قررنا في مواضع متعددة: أن اللّه سبحانه يدعى بأسمائه الحسنى.
فيسأل لكل مطلوب باسم يناسبه ويقتضيه. و
قد قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في هاتين السورتين «أنه ما تعوذ المتعوذون بمثلهما»
فلا بد أن يكون الاسم المستعاذ به مقتضيا للمطلوب. وهو دفع الشر المستعاذ منه أو رفعه.
وإنما يتقرر هذا بالكلام في الفصل الثالث. وهو الشيء المستعاذ منه.
فتتبين المناسبة المذكورة. فنقول:
الفصل الثالث
في أنواع الشرور المستعاذ منها في هاتين السورتين.
الشر الذي يصيب العبد لا يخلو من قسمين:
إما ذنوب وقعت منه يعاقب عليها. فيكون وقوع ذلك بفعله وقصده وسعيه. ويكون هذا الشر هو الذنوب وموجباتها. وهو أعظم الشرين وأدومهما، وأشدهما اتصالا بصاحبه.
وإما شر واقع به من غيره. وذلك الغير إما مكلف أو غير مكلف، والمكلف إما نظيره، وهو الإنسان، أو ليس نظيره، وهو الجني. وغير المكلف: مثل الهوام وذوات الحمة وغيرها.
فتضمنت هاتان السورتان الاستعاذة من هذه الشرور كلها بأوجز لفظ وأجمعه، وأدله على المراد، وأعمه استعاذة، بحيث لم يبق شر من الشرور إلا دخل تحت الشر المستعاذ منه فيهما.
فإن سورة الفلق تضمنت الاستعاذة من أمور أربعة.
أحدها: شر المخلوقات التي لها شر عموما.
الثاني: شر الغاسق إذا وقب.
الثالث: شر النفاثات في العقد.
الرابع شر الحاسد إذا حسد.
فنتكلم على هذه الشرور الأربعة ومواقعها واتصالها بالعبد، والتحرز منها قبل وقوعها، وبما ذا تدفع بعد وقوعها؟.
وقبل الكلام في ذلك لا بد من بيان الشر: ما هو؟ وما حقيقته؟.
فنقول: الشر. يقال على شيئين: على الألم، وعلى ما يفضى إليه.
وليس له مسمى سوى ذلك. فالشرور: هي الآلام وأسبابها. فالمعاصي والكفر والشرك وأنواع الظلم: هي شرور، وإن كان لصاحبها فيها نوع غرض ولذة، لكنها شرور. لأنها أسباب للآلام، ومفضية إليها، كإفضاء سائر الأسباب إلى مسبباتها. فترتب الألم عليها كترتب الموت على تناول السموم القاتلة، وعلى الذبح والإحراق بالنار، والخنق بالحبل، وغير ذلك من الأسباب التي تكون مفضية إلى مسبباتها، ولا بد، ما لم يمنع من السبية مانع، أو يعارض السبب ما هو أقوى منه وأشد اقتضاء لضده، كما يعارض سبب المعاصي قوة الإيمان، وعظم الحسنات الماحية وكثرتها. فيزيد في كميتها أو كيفيتها على أسباب العذاب. فيدفع الأقوى الأضعف.
وهذا شأن جميع الأسباب المتضادة، كأسباب الصحة والمرض، وأسباب الضعف والقوة.
والمقصود: أن هذه الأسباب التي فيها لذة مّا هي شر، وإن نالت بها النفس مسرة عاجلة. وهي بمنزلة طعام لذيذ شهي لكنه مسموم، إذا تناوله الآكل لذّ لأكله وطاب له مساغه، وبعد قليل يفعل به ما يفعل. فهكذا المعاصي والذنوب ولا بد، حتى لو لم يخبر الشارع بذلك لكان الواقع والتجربة والخاصة والعامة من أكبر شهوده.
وهل زالت عن أحد قط نعمة إلا بشؤم معصيته؟ فإن اللّه إذا أنعم على عبد نعمة حفظها عليه، ولا يغيرها عنه حتى يكون هو الساعي في تغييرها عن نفسه 13: 11 (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ. وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ. وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ.: 53 ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ)
ومن تأمل ما قص اللّه في كتابه من أحوال الأمم الذين أزال نعمه عنهم، وجد سبب ذلك جميعه: إنما هو مخالفة أمره وعصيان رسله.
وكذلك من نظر في أحوال أهل عصره، وما أزال اللّه عنهم من نعمه. وجد ذلك كله من سوء عواقب الذنوب، كما قيل:
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
فما حفظت نعمة اللّه بشيء قط مثل طاعته. ولا حصلت فيها الزيادة بمثل شكره. ولا زالت عن العبد نعمة بمثل معصيته لربه. فإنها نار النعم التي تعمل فيها كما تعمل النار في الحطب اليابس. ومن سافر بفكره في أحوال العالم استغنى عن تعريف غيره له.
والمقصود: أن هذه الأسباب شرور ولا بد.
وأما كون مسبباتها شرورا: فلأنها آلام نفسية وبدنية. فيجتمع على صاحبها مع شدة الألم الحسي ألم الروح بالهموم والغموم والأحزان والحسرات. ولو تفطن العاقل اللبيب لهذا حق التفطن لأعطاه حقه من الحذر والجد في الهرب. ولكن قد ضرب على قلبه حجاب الغفلة ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا. فلو تيقظ حق التيقظ لتقطعت نفسه في الدنيا، حسرات على ما فاته من حظه العاجل والآجل من اللّه. وإنما يظهر له هذا حقيقة الظهور عند مفارقة هذا العالم، والإشراف والاطلاع على عالم البقاء فحينئذ يقول:
89: 24 (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) و39: 56 (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّه) ِ.
ولما كان الشر هو الآلام وأسبابها، كانت استعاذات النبي صلّى اللّه عليه وسلّم جميعها مدارها على هذين الأصلين. فكل ما استعاذ منه أو أمر بالاستعاذة منه فهو إما مؤلم، وإما سبب يفضى إليه، فكان يتعوذ في آخر الصلاة من أربع. وأمر بالاستعاذة منهن وهي: «عذاب القبر، وعذاب النار» فهذان أعظم المؤلمات «و فتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال» وهذان سبب العذاب المؤلم. فالفتنة سبب العذاب. وذكر الفتنة خصوصا. وذكر نوعي الفتنة.
لأنها إما في الحياة وإما بعد الموت. ففتنة الحياة: قد يتراخى عنها العذاب مدة، وأما فتنة بعد الموت فيتصل بها العذاب من غير تراخ.
فعادت الاستعاذة إلى الاستعاذة من الألم والعذاب وأسبابها.
وهذا من آكد أدعية الصلاة، حتى أوجب بعض السلف والخلف الإعادة على من لم يدع به في التشهد الأخير. وأوجبه ابن حزم في كل تشهد. فإن لم يأت به فيه بطلت صلاته.
ومن ذلك
قوله صلّى اللّه عليه وسلّم «اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال»
فاستعاذ من ثمانية أشياء كل اثنين منها قرينان.
فالهم والحزن قرينان، وهما من آلام الروح ومعذّباتها. والفرق بينهما: أن الهم توقع الشر في المستقبل. والحزن: هو التألم على حصول المكروه في الماضي، أو فوات المحبوب، وكلاهما تألم وعذاب يرد على الروح. فإن تعلق بالماضي سمي حزنا. وإن تعلق بالمستقبل سمى همّا.
والعجز والكسل قرينان، وهما من أسباب الألم. لأنهما يستلزمان فوات المحبوب. فالعجز يستلزم عدم القدرة. والكسل يستلزم عدم إرادته.
فتتألم الروح لفواته بحسب تعلقها به، والتذاذها بإدراكه لو حصل.
والجبن والبخل قرينان. لأنهما عدم النفع بالمال والبدن. وهما من أسباب الألم. لأن الجبان تفوته محبوبات ومفرحات وملذوذات عظيمة، لا تنال إلا بالبذل والشجاعة. والبخل يحول بينه وبينها. فهذان الخلقان من أعظم أسباب الآلام.
وضلع الدين، وقهر الرجال: قرينان. وهما مؤلمان للنفس معذبان لها. أحدهما: قهر بحق، وهو ضلع الدين. والثاني: قهر بباطل، وهو غلبة الرجال.
وأيضا: فضلع الدين. قهر بسبب من العبد في الغالب. وغلبة الرجال قهر بغير اختياره.
ومن ذلك تعوذه صلّى اللّه عليه وسلّم «من المأثم والمغرم» فإنهما يسببان الألم العاجل.
ومن ذلك
قوله: «أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك»
فالسخط: سبب الألم، والعقوبة: هي الألم، فاستعاذ من أعظم الآلام وأقوى أسبابها.
فصل
والشر المستعاذ منه نوعان.
أحدهما: موجود، يطلب رفعه. والثاني: معدوم، يطلب بقاؤه على العدم، وأن لا يوجد. كما أن الخير المطلق نوعان. أحدهما: موجود فيطلب دوامه وثباته وأن لا يسلبه. والثاني: معدوم فيطلب وجوده وحصوله.
فهذه أربعة هي أمهات مطالب السائلين من رب العالمين. وعليها مدار طلباتهم.
وقد جاءت هذه المطالب الأربعة في قوله تعالى حكاية عن دعاء عباده في آخر آل عمران في قولهم: (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ: أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ. فَآمَنَّا، رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا، وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا) فهذا الطلب لدفع الشر الموجود. فإن الذنوب والسيئات شر، كما تقدم بيانه. ثم قال:
وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ فهذا طلب لدوام الخير الموجود وهو الإيمان حتى يتوفاهم عليه. فهذان قسمان.
كلمات في العقيدة / دروس للشيخ عبدالعزيز بن باز 4/ 36
“هذا من أسباب العافية من كل شيء، وهكذا قراءة المعوذتين و (قل هو الله أحد) صباحاً ومساء ثلاث مرات بعد الفجر وبعد المغرب، من أسباب السلامة من كل شر.”
من قال أن المعوذات ليست من المصحف:
قال الحافظ في ” الفتح ” 8/ 570:، وقد أخرجه أحمد أيضاً وابن حبان من رواية حماد بن سلمة عن عاصم بلفظ: [ص:443] ” إن عبد الله بن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه ” …. وقد أخرجه البزار، وفي آخره يقول: ” إنما أُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما ” قال البزار: ولم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ” أنه قرأهما في الصلاة “.
قلت: – القائل ابن حجر – هو في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر، وزاد فيه ابن حبان من وجه آخر عن عقبة ” فإن استطعت أن لا تفوتك قراءتهما في صلاة فافعل “، وأخرج أحمد من طريق أبي العلاء بن الشخير عن رجل من الصحابة ” أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه المعوذتين، وقال له: إذا أنت صليت فاقرأ بهما “، وإسناده صحيح، ولسعيد بن منصور من حديث معاذ بن جبل ” أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح فقرأ فيهما بالمعوذتين “.
وقد تأول القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب ” الانتصار ” وتبعه عياض وغيره ما حكي عن ابن مسعود فقال: لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن، وإنما أنكر إثباتهما في المصحف، فإنه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيئاً إلا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابته فيه، وكأنه لم يبلغه الإذن في ذلك، قال: فهذا تأويل منه وليس جحداً لكونهما قرآناً. وهو تأويل حسن، إلا أن الرواية الصحيحة الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك، حيث جاء فيها: ” ويقول إنهما ليستا من كتاب الله ” نعم يمكن حمل لفظ: ” كتاب الله ” على المصحف، فيتمشى التأويل المذكور …
وأما قول النووي في شرح ” المهذب “: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منهما شيئاً كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح، ففيه نظر، وقد سبقه لنحو ذلك أبو محمد بن حزم، فقال في أوائل ” المحلى “: ما نقل عن ابن مسعود من إنكار قرآنية المعوذتين فهو كذب باطل. وكذا قال الفخر الرازي في أوائل تفسيره: الأغلب على الظن أن هذا النقل عن ابن مسعود كذب باطل. والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل، والإجماع الذي نقله إن أراد شموله لكل عصر فهو مخدوش، وإن أراد استقراره فهو مقبول.
@@@@@@@@@@@@@
احاديث أوردها ابن كثير عند شرحه لسورة الفلق
عن أبي عبد الله أن ابن عابس الجهني أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يا ابن عابس ألا أدلك أو قال ألا أخبرك بأفضل ما يتعوذ به المتعوذون قال بلى يا رسول الله قال قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس هاتين السورتين.
تحقيق الألباني:
صحيح، الصحيحة (1104)
عن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهما في صلاة الصبح
صحيح النسائي (5435)
1415 – حديث عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ، إِذَا اشْتَكَى، يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَعَوِّذَاتِ، وَيَنْفُثُ فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَأَمَسَحُ بِيَدِهِ، رَجَاءَ بَرَكَتِهَا
اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 3/ 61
عن أبي سعيد قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتعوذ من عين الجان ثم أعين الإنس فلما نزلت المعوذتان أخذهما وترك ما سوى ذلك *
صحيح ابن ماجه (3502)
وفضل سورة قل هو الله أحد سبق.
وراجع التعليق على الأحاديث التالية من الصحيح المسند:
1426 – قال الإمام الترمذي رحمه الله: حدثنا أبو كريب حدثنا إسحق بن سليمان عن مالك بن أنس عن عبيد الله بن عبد الرحمن عن ابن حنين مولى لآل زيد بن الخطاب أو مولى زيد بن الخطاب عن أبي هريرة قال
أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد الله الصمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت قلت وما وجبت قال الجنة.
والصحيح المسند:933
روى أحمد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: تعلَّقت بقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، اقرئني سورة هود، وسورة يوسف، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عقبة بن عامر، إنك لم تقرأ سورة أحب إلى الله عزوجل ولا أبلغ عنده منها (قل أعوذ برب الفلق)
قال يزيد: لم يكن أبوعمران يدعها، وكان لا يزال يقرؤها في صلاة المغرب.