: 186 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———-
مسند أحمد
24810 حدثنا حسين بن محمد قال حدثنا المبارك عن الحسن عن سعد بن هشام قال: أتيت عائشة، فقلت: يا أم المؤمنين، إني أريد أن أتبتل، فقالت: لا تفعل، ألم تقرأ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة؟ قد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولد له.
قلت سيف: ورد من حديث سمرة وصحح أبوحاتم أنه صحيح عن عائشة وعن سمرة كما في العلل 1203 وكذلك الترمذي والبخاري. وراجع سنن الترمذي والعلل الكبير، أما النسائي فقال: حديث أشعث أشبه بالصواب.
وانظر مسند أبي عوانة 4000.
———-
التبتل: ترك النكاح اشتغالا بعبادة الله تعالى.
قال النووي: ومنه التبتل أي الانقطاع عن النكاح، وسميت البتول لانقطاعها عن الأزواج.
وقوله تعالى (وتبتل إليه تبتيلا) أي انقطع إليه انقطاعا.
وأما تسمية فاطمة عليها السلام بالبتول فقد قال ثعلب: لانقطاعها عن نساء زمانها دينا وفضلا وحسبا. (المجموع شرح المهذب)
قال ابن بطال:
فلا يجوز لأحد من المسلمين تحريم شاء مما أحله الله لعباده المؤمنين على نفسه من طيبات المطاعم والملابس والمناكح إذا خاف على نفسه بإحلال ذلك له بعض العنت والمشقة أو أمنه، وذلك لرد النبى (صلى الله عليه وسلم) التبتل على عثمان بن مظعون، فثبت أنه لا فضل فى ترك شاء مما أحله الله لعباده، وأن الفضل والبر إنما هو فى فعل ما ندب عباده إليه، وعمل به رسوله وسنه لأمته، واتبعه على منهاجه الأئمة الراشدون، إذ كان خير الهدى هدى نبينا محمد. فإذا كان كذلك تبين خطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان إذا قدر على لبس ذلك من حله، وآثر أكل الفول والعدس على أكل خبز البر والشعير، وترك أكل اللحم والودك حذرا من عارض الحاجة إلى النساء، فإن ظن ظان أن الفضل فى غير الذى قلنا لما فى لباس الخشن وأكله من المشقة على النفس، وصرف فضل ما بينهما من القيمة إلى أهل الحاجة، فقد ظن خطأ. وذلك أن أولى للإنسان بالنفس إصلاحها وعونها له على طاعة ربها ولا شاء أضر للجسم من المطاعم الردية؛ لأنها مفسدة لعقله، ومضعفة لأدواته التى جعلها الله سببا إلى طاعاته. ” شرح صحيح البخاري ” (ج (7) / (169)).
قال الطيبي: قال أبو عبيدة: هو في الحديث التبتل وترك النكاح، أي ليس ينبغي لأحد أن يقول: لا أتزوج؛ لأنه ليس من أخلاق المؤمنين، وهو فعل الرهبان. ” شرح المشكاة ”
وقال الطبري: التبتل ترك لذات الدنيا وشهوتها، والانقطاع إلى الله -تعالى- بالتفرغ لعبادته قال: ومنه قيل لمريم: البتول لانقطاعها إلى الله -تعالى- بالخدمة. ” تفسير الطبري” ((29) / (132)).
قال ابن دقيق العيد: وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز {وتبتل إليه تبتيلا} [المزمل: (8)] فلا بد أن يكون هذا المأمور به في الآية غير المردود في الحديث ليحصل الجمع وكأن ذلك: إشارة إلى ملازمة التعبد أو كثرته، لدلالة السياق عليه، من الأمر بقيام الليل، وترتيل القرآن والذكر فهذه إشارة إلى كثرة العبادات ولم يقصد معها ترك النكاح ولا أمر به بل كان النكاح موجودا مع هذا الأمر ويكون ذلك ” التبتل ” المردود: ما انضم إليه مع ذلك – من الغلو في الدين، وتجنب النكاح وغيره، مما يدخل في باب التشديد على النفس بالإجحاف بها ويؤخذ من هذا: منع ما هو داخل في هذا الباب وشبهه، مما قد يفعله جماعة من المتزهدين. ” أحكام الأحكام في شرح عمدة الأحكام ” (ج (2) / (171)).
قال ابن تيمية كما في المجموع [ج (14) / (458)]: والمقصود بالزهد ترك ما يضر العبد في الآخرة وبالعبادة فعل ما ينفع في الآخرة فإذا ترك الإنسان ما ينفعه في دينه وينفعه في آخرته وفعل من العبادة ما يضر فقد اعتدى وأسرف وإن ظن ذلك زهدا نافعا وعبادة نافعة.
و جاء في الدرر البهية الروضة الندية (ج (2) / (126)):
وكانت المانوية والمترهبة من النصارى يتقربون إلى الله بترك النكاح، وهذا باطل؛ لأن طريقة الأنبياء – عليهم السلام – التي ارتضاها الله تعالى للناس: هي إصلاح الطبيعة، ودفع اعوجاجها، لا سلخها عن مقتضياتها.
(إلا لعجز عن القيام بما لا بد منه)؛ لما ثبت في الكتاب العزيز من النهي عن مضارة النساء، والأمر بمعاشرتهن بالمعروف، فمن لا يستطيع ذلك؛ لم يجز له أن يدخل في أمر يوقعه في حرام.
وعلى ذلك تحمل الأدلة الواردة في العزبة والعزلة.
قال ابن عثيمين: فالاقتصاد في العبادة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي لك أيها العبد أن تشق على نفسك، وأمش رويدا رويدا، كما سبق الحديث أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، فعليك بالراحة، ولا تقتصر ولا تزد، فإن خير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم. أسأل الله أن يجعلني وإياكم من متبعي هديه الذين يمشون على طريقته وسنته. ” شرح رياض الصالحين ” ((2) / (218)).