149 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
————-
مسند أحمد:
15961 (حدثنا أبو النضر، قال: حدثنا المرجى بن رجاء اليشكري، قال: حدثني سلم بن عبد الرحمن، قال: سمعت سوادة بن الربيع، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فسألته فأمر لي بذود، ثم قال لي: ” إذا رجعت إلى بيتك، فمرهم فليحسنوا غذاء رباعهم، ومرهم فليقلموا أظفارهم، ولا يعبطوا بها ضروع مواشيهم إذا حلبوا)
قلت سيف: على التنزل نضعه على شرط المتمم على الذيل
أشار البخاري إلى أن بين سلم بن عبد الرحمن وبين سواده شخص هو مولى سوادة كما ذكر محققوا المسند، وقالوا: وتعقبه ابن حجر في التعجيل فقال صرح بالتحديث. في المسند بسماع سلم من سواده.
قلت: صرح عند ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني وكذلك عند أحمد. كما هنا. وكلام البخاري انما اشارة.
ومرجي مختلف فيه وسلم بن عبدالرحمن قال الذهبي وابن حجر: صدوق
——-
الرفق بالحيوان
قوله (بِذَوْدٍ) أي: بنوق (غِذَاءَ رِبَاعِهِمْ) الرباع بكسر الراء، جمع ربع، وهو ما ولد من الإبل في الربيع، وقيل: ما ولد في أول النتاج، وإحسان غذائها، أي: لا يستقضي حلب أمهاتها إبقاء عليها (فَلْيُقَلِّمُوا) من قلم الظفر، كضرب: إذا قطعه، أو هو من التقليم للمبالغة (وَلَا يَعْبِطُوا) من عبط الضرع، كضرب بالعين المهملة: إذا أدماه. حاشية السندي على مسند الامام أحمد
قال الخطابي: فإن الرباع جمع الربع وهو ولد الناقة إذا نتجت في الربيع. غريب الحديث (1/ 446)
أي لا يشددوا الحلب فيعقروها ويدموها بالعصر من العبيط وهو الدم الطري لا يستقصوا حلبها حتى يخرج الدم بعد اللبن. الفتح الرباني.
الحديث فيه الإحسان إلى الحيوان والرفق بهم، و أنه سبب لمغفرة الذنوب و دخول الجنة، وأن سقيا الحيوان له أجر فقد جاءت نصوص تدل على هذا المعنى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رَسُول الله – صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «بَينَما رَجُلٌ يَمشي بِطَريقٍ اشْتَدَّ عَلَيهِ العَطَشُ، فَوَجَدَ بِئرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشربَ، ثُمَّ خَرَجَ فإذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يأكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبُ مِنَ العَطَشِ مِثلُ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أمْسَكَهُ بفيهِ حَتَّى رَقِيَ، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ الله لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ» قالوا: يَا رَسُول اللهِ، إنَّ لَنَا في البَهَائِمِ أَجْرًا؟ فقَالَ: «في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية للبخاري: «فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ، فأدْخَلَهُ الجَنَّةَ» وفي رواية لهما: «بَيْنَما كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يقتلُهُ العَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إسْرَائِيل، فَنَزَعَتْ مُوقَها فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ».
«المُوقُ»: الخف. وَ «يُطِيفُ»: يدور حول «رَكِيَّةٍ»: وَهِي البئر.
قال النووي على مسلم: معناه في الإحسان إلى كل حيوان حي بسقيه ونحوه أجر وسمي الحي ذا كبد رطبة لأن الميت يجف جسمه وكبده ففى هذا الحديث الحث على الإحسان إلى الحيوان المحترم وهو ما لا يؤمر بقتله فأما المأمور بقتله فيمتثل أمر الشرع في قتله والمأمور بقتله كالكافر الحربي والمرتد والكلب العقور والفواسق الخمس المذكورات في الحديث وما في معناهن وأما المحترم فيحصل الثواب بسقيه والإحسان إليه أيضا بإطعامه وغيره سواء كان مملوكا أو مباحا وسواء كان مملوكا له أو لغيره والله أعلم.
قال القرطبي في المفهم: وفي هذه الأحاديث ما يدل: على أن الإحسان إلى الحيوان، والرفق به تغفر به الذنوب، وتعظم به الأجور. ولا يناقض هذا: أنا قد أمرنا بقتل بعضها، أو أبيح لنا، فإنما ذلك إنما شرع لمصلحة راجحة على قتله، ومع ذلك: فقد أمرنا بإحسان القتلة، والرفق بالذبيحة.
وفي شرح ابن بطال – (ج 17 / ص 266)
قال المؤلف: فى هذه الأحاديث الحض على استعمال الرحمة للخلق كلهم كافرهم ومؤمنهم ولجميع البهائم والرفق بها. وأن ذلك مما يغفر الله به الذنوب ويكفر به الخطايا، فينبغى لكل مؤمن عاقل أن يرغب فى الأخذ بحظه من الرحمة، ويستعملها فى أبناء جنسه وفى كل حيوان، فلم يخلقه الله عبثًا، وكل أحد مسئول عما استرعيه وملكه من إنسان أو يهيمة لاتقدر على النطق وتبيين مابها من الضر، وكذلك ينبغى أن يرحم كل بهيمة وإن كانت فى غير ملكه، ألا ترى أن الذى سقى الكلب الذى وجده بالفلاة لم يكن له ملكًا فغفر الله له بتكلفه النزول في البئر وإخراجه الماء فى خفه وسقيه إياه، وكذلك كل ما في معنى السقي من الإطعام، ألا ترى قوله عليه السلام: «ما من مسلم غرس غرسًا فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدقة».
مما يدخل فى معنى سقي البهائم وإطعامها التخفيف عنها فى أحمالها وتكليفها ما تطيق حمله، فذلك من رحمتها والإحسان إليها، ومن ذلك ترك التعدي فى ضربها وأذاها وتسخيرها فى الليل وفى غير أوقات السخرة، وقد نهينا فى العبيد أن نكلفهم الخدمة فى الليل فإن لهم الليل ولواليهم النهار، والدواب وجميع البهائم داخلون فى هذا المعنى.
وفى قوله عليه السلام: «ما من مسلم غرس غرسًا فأكل منه إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة» دليل على أن ماذهب من مال المسلم بغير علمه أنه يؤجر عليه.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه: أن هرة جاءت وهو يريد أن يتوضأ فشربت من الماء الذي يريد الوضوء منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت، وكانت زوجة ابنه التي وضعت له ماء الوضوء تنظر إليه مستغربة ومتعجبة من كونه فعل ذلك مع هذه الهرة، ثم توضأ بسؤرها وبفضل الماء الذي بقي بعد شربها، فلما رآها تنظر إليه نظر المستغرب والمتعجب قال: لا تعجبين يا ابنة أخي! فلقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنها ليست بنجس-أي: الهرة- إنها من الطوافين عليكم والطوافات)
قال العلامة العباد: وفيه الإحسان إلى الحيوان؛ لأن هذا العمل الذي عمله أبو قتادة رضي الله عنه فيه إحسان، فهو ما اكتفى بكونها تشرب وهو ينظر إليها، بل أصغى لها الإناء حتى تتمكن من الشرب وحتى تطمئن إلى أن صاحبه ليس هناك مخافة منه، بل هو الذي يريد منها أن تفعل ذلك. شرح سنن أبي داود
و من الآثار في الرفق بالحيوان:
———————————
أ – عن المسيب بن دار قال:
رأيت عمر بن الخطاب ضرب جمَّالا، و قال: لم تحمل على بعيرك مالا يطيق؟!
ب – عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب:
أن رجلا حد شفرة و أخذ شاة ليذبحها، فضربه عمر بالدرة و قال أتعذب الروح؟! ألا فعلت هذا قبل أن تأخذها؟! رواه البيهقي (9/ 280 – 281).
ج – عن محمد بن سيرين:
أن عمر رضي الله عنه رأى رجلا يجر شاة ليذبحها فضربه بالدرة و قال: سقها – لا أم لك – إلى الموت سوقا جميلا.
رواه البيهقي أيضا.
د – عن وهب بن كيسان:
أن ابن عمر رأى راعي غنم في مكان قبيح، و قد رأى ابن عمر مكانا أمثل منه، فقال ابن عمر: ويحك يا راعي حولها، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ” كل راع مسؤول عن رعيته “. رواه أحمد (رقم 5869) و سنده حسن
هـ – عن معاوية بن قرة قال:
كان لأبي الدرداء جمل يقال له: (دمون)، فكان إذا استعاروه منه قال: لا تحملوا عليه إلا كذا و كذا، فإنه لا يطيق أكثر من ذلك، فلما حضرته الوفاة قال: يا دمون لا تخاصمني غدا عند ربي، فإني لم أكن أحمل عليك إلا ما تطيق.
رواه أبو الحسن الأخميمي في ” حديثه ” (63/ 1).
و – عن أبي عثمان الثقفي قال:
كان لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه غلام يعمل على بغل له يأتيه بدرهم كل يوم فجاء يوما بدرهم و نصف، فقال: أما بدا لك؟ قال: نفقت السوق، قال: لا و لكنك أتعبت البغل! أجمه ثلاثة أيام.
رواه أحمد في ” الزهد ” (19/ 59 / 1) بسند صحيح إلى أبي عثمان، و أما هذا فلم أجد له ترجمة.
[قال العلامة الألباني]
تلك هي بعض الآثار التي وقفت عليها حتى الآن، و هي تدل على مبلغ تأثر المسلمين
الأولين بتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم في الرفق بالحيوان، و هي في الحقيقة قل من جل و نقطة من بحر، و في ذلك بيان واضح أن الإسلام هو الذى وضع للناس مبدأ (الرفق بالحيوان)، خلافا لما يظنه بعض الجهال بالإسلام أنه من وضع الكفار الأوربيين، بل ذلك من الآداب التي تلقوها عن المسلمين الأولين، ثم توسعوا فيها، و نظموها تنظيما دقيقا، و تبنتها دولهم حتى صار الرفق بالحيوان من مزاياهم اليوم، حتى توهم الجهال أنه من خصوصياتهم! و غرهم في ذلك أنه لا يكاد يرى هذا النظام مطبقا في دولة من دول الإسلام، و كانوا هم أحق به و أهلها!
و لقد بلغ الرفق بالحيوان في بعض البلاد الأوربية درجة لا تخلو من المغالاة،
و من الأمثلة على ذلك ما قرأته في ” مجلة الهلال ” (مجلد 27 ج 9 ص 126) تحت
عنوان: ” الحيوان و الإنسان “:
” إن محطة السكك الحديدية في كوبنهاجن كان يتعشعش فيها الخفاش زهاء نصف قرن، فلما تقرر هدمها و إعادة بنائها أنشأت البلدية برجا كلفته عشرات الألوف من الجنيهات، منعا من تشرد الخفاش “.
و حدث منذ ثلاث سنوات أن سقط كلب صغير في شق صغير بين صخرتين في إحدى قرى إنكلترا، فجند له أولو الأمر مائة من رجال المطافئ لقطع الصخور و إنقاذ الكلب! و ثار الرأي العام في بعض البلاد أخيرا عندما اتخذ الحيوان وسيلة لدراسة الظواهر الطبيعية، حين أرسلت روسيا كلبا في صاروخها، و أرسلت أمريكا قردا. [السلسلة الصحيحة، ج (1) / (67) – (68)]
قلت (نورس): هذا هو ديننا، يأمرنا بالرفق بالحيوان و الإحسان اليهم و الرحمة بهم، فكيف بالانسان الذي كرمه الله جل و علا؟!، فديننا لا يجيز قتل النفس بغير حق، و لا الاعتداء على الكفرة الذي بيننا و بينهم عهد، فديننا دين رحمة و سلام و أمن و أمان، و من فعل أشياء قبيحة و شرور في ديننا فلا ينسب الخطأ و لا فاعلين ذلك للدين، فالدين برآء من افعال هؤلاء و لله الحمد.