: 1141 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح وأحمد بن علي وناصر الريسي
بإشراف سيف بن محمد الكعبي
———-
صحيح البخاري
بَابُ قِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ مِنْ نَوْمِهِ، وَمَا نُسِخَ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ، وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلًا، إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 2]. (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وِطَاءً وَأَقْوَمُ قِيلًا) {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} [المزمل: 7] وَقَوْلُهُ: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ، عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا، وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ” نَشَأَ: قَامَ بِالحَبَشِيَّةِ {(وِطَاءً)} قَالَ: مُوَاطَأَةَ القُرْآنِ، أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَقَلْبِهِ، {لِيُوَاطِئُوا}: لِيُوَافِقُوا ”
1141 – حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَانَ لاَ تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ، وَلاَ نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ» تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ، وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ حُمَيْدٍ
__________
مشاركة أبي صالح:
فوائد الباب:
1 – القيام بالليل أثبت في الخير من النهار.
2 – كان رسول الله صلى الله عليه يقوم الليل وينام فمن رغب عن سنته فليس منه. كان قيام الليل قد فرض كما في مطلع سورة المزمل ثم نسخ الوجوب في آخر السورة.
3 – فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت إن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة- أي سورة المزمل – فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة. رواه مسلم 746.
4 – وعن ابن عباس قال لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها وكان بين أولها وآخرها سنة أخرجه أبو داود وأورده الشيخ مقبل في الصحيح المسند 589.
5 – فيه إثبات النسخ في القرآن العزيز.
6 – من أسباب ترك الوجوب مراعاة الجوانب البشرية من المباحات وتنوع الطاعات.
7 – كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما قام أول الليل وربما وسطه وربما آخره.
8 – عن ابن عباس (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ) نشأ: قام. أخرجه ابن جرير في تفسيره والبيهقي في السنن الكبرى وزاد البيهقي وَالنَّاشِئَةُ بِالْحَبَشِيَّةِ إِذَا قَامَ الرَّجُلُ قَالُوا نَشَأ وفيه عنعنة أبي إسحق السبيعي، وإسناد الطبري أنظف. وروى الحاكم عن ابن مسعود نحو رواية البيهقي وفيه أبي إسحق أيضا.
9 – عن حاتم بن أبي صغيرة، قال: قلت لعبد الله بن أبي مليكة: ألا تحدثني أيّ الليل ناشئة؟ قال: على الثبت سقطت، سألت عنها ابن عباس، فزعم أن الليل كله ناشئة، وسألت عنها ابن الزبير، فأخبرني مثل ذلك. أخرجه ابن جرير في تفسيره بإسناد صحيح.
10 – … قال أبو عبيد القاسم بن سلام: هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء إلا أنها سقطت إلى العرب فعربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب فمن قال إنها عربية فهو صادق ومن قال أعجمية فصادق
11 – قوله {أشد وطئا} [المزمل: 6]: قرئ بفتح الواو وإسكان الطاء فممن قرأه كذلك نافع، وابن كثير، والكوفيون
وقرئ بكسر الطاء ممدودا، وممن قرأه كذلك أهل الشام وأبو عمرو.
قاله ابن العربي في أحكام القرآن.
وقال ابن قتيبة في غريب القرآن
{هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} أي أثقل على المصلِّي من ساعات النهار.
{وَأَقْوَمُ قِيلا} لأن الأصواتَ تهدأُ فيه، ويتفرغُ القلب للقرآن، فيُقِيمه القارئُ.
ومن قرأ: (وِطَاءً)؛ فهو مصدر “واطات”. وأراد: مواطأةَ السمعِ واللسان والقلب على الفهم له، والإحكامِ لتأويله.
قال ابن العربي والمعنيان فيه صحيحان؛ لأنه يثقل على العبد وأنه الموافق للقصد. وأشار البخاري في ترجمته إلى معنى المواطأة.
12 – قوله (ليواطئوا) يشير إلى قوله تعالى (يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّه) من سورة التوبة 37.
13 – وعن ابن عباس (ليواطئوا) يشبهوا أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
14 – فيه طريقة الإمام البخاري من تفسير بعض الألفاظ من خلال ورود الكلمة أو اشتقاقها في آية أخرى.
15 – حديث الباب متفق عليه لكن رواه مسلم مختصرا بذكر الصوم فقط دون الصلاة.
16 – فيه صوم أيام متتابعة من الشهر.
17 – فيه القصد في العبادة والجهد في المداومة قاله البيهقي في السنن الكبرى.
18 – النوافل ليس لها أوقات معلومة، وإنما يراعى فيها وقت النشاط لها والحرص عليها قاله المهلب بن أبي صفرة.
19 – فيه الحث على القيام وصيام التطوع وهما يشفعان للعبد يوم القيامة.
20 – قوله (عبد العزيز بن عبد الله) هو الأويسي تابعه خالد بن مخلد عن محمد بن حعفر به أخرجه البيهقي في السنن الكبرى.
21 – ورواه جمع عن حميد به وعند أحمد في مسنده إسناده ثلاثي.
22 – وتابعه على أصله ثابت عن أنس أخرجه مسلم وذكر الصوم دون الصلاة.
23 – قوله (تابعه سليمان وأبوخالد الأحمر) قوله سليمان هو ابن بلال كما صرح به خلف قاله ابن الملقن وقال الحافظ في تغليق التعليق وقال لم أجده من طريق سليمان بن بلال، ويحتمل أن الواو زائدة وإنما هو سليمان أبو خالد الأحمر وحديثه عند البخاري (في الصوم).
24 – ثبت في البخاري أن سبب رواية أنس للحديث كون حميد سأله عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه أنس وزاده فائدة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل. فالأولى في النهار والثانية في الليل.
25 – وفي الباب عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم.
26 – طريق أبي خالد الاحمر فيها زيادة تتعلق بالشمائل المحمدية تذكر في موضعها إن شاء الله تعالى.
—-
1 – قال أبو داود في السنن”
أبواب قيام الليل
306 – باب نسخ قيام الليل والتيسير فيه
1177 – عن ابن عباس؛ قال في (المًزَّمِّل):
(قُمِ اللَيْلَ إلا قليلاً. نصفه): نسختها الآية التي فيها: (عَلِمَ أنْ لَنْ تُحصُوهُ فتاب عليكم فاقرأُوا ما تيسَرَ من القرآن).
و (ناشئة الليل): أولُهُ. وكانت صلاتهم لأول الليل: يقول، هو أجدرُ
أن تُحْصُوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الانسان إذا نام؛
لم يَدْرِ متى يستيقظ؟!
وقوله: (أقوم قِيلاً): هو أجدر أن يَفْقَهَ في القرآن.
وقوله: (إن لك في النهار سبحاً طويلآ)؛ يقول: فراغاً طويلاً.
قال الألباني: إسناده حسن.
2 – قال أبو داود:
1178 – عن ابن عباس قال:
لما نزلت أول (المزمل)؛ كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر
رمضان؛ حتى نزل آخرها، وكان بين أولها وآخرها سنة.
(قلت: إسناده صحيح، وكَذا قال الحاكم، ووافقه الذهبي)
إسناده: حدثنا أحمد بن سحمد- يعي. المروزي-: ثنا وكيع عن مِسْعَرٍ عن
سِمَاكٍ الحنفي عن ابن عباس.
قال الألباني وهذا إسناد صحيح
3 – قال الشيخ عبدالمحسن العباد:
أورد أبو داود أبواب قيام الليل، وبدأ بترجمة نسخ قيام الليل، يعني نسخ الوجوب، وأنه كان أولاً على الوجوب، وعلى القيام بنصفه، أو أنقص منه، أو أزيد من النصف، وكان ذلك في مكة عندما نزل قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:1 – 4]. وبعد سنة نزلت الآية التي في آخر سورة المزمل، فكان في ذلك التيسير والتخفيف على الناس، فكان الأمر في ذلك واسعاً، فللإنسان أن يصلي ما تيسر له وما أمكنه، وليس الأمر كما كان من قبل من قيام وقت طويل، ولهذا قال: ((فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ)) يعني أنهم يصلون ويقرءون ما تيسر من القرآن في صلاتهم، فعبر عن الصلاة بالقراءة، وأن الأمر في ذلك واسع بحمد الله، ولهذا أورد أبو داود هذا الأثر عن ابن عباس الذي فيه أن ما كان في أول سورة المزمل نسخ بما جاء في آخرها. اهـ
4 – قال ابن أبي حاتم في التفسير:
13364 – عن الضحاك قال: نسخ قيام الليل إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم
13365 – عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: نافلة لك يعني خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم أمر بقيام الليل وكتب عليه.
13366 – عن قتادة رضي الله عنه نافلة لك قال: تطوعا وفضيلة لك.
13367 – عن أبى أمامة رضي الله عنه في قوله: نافلة لك قال: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة، ولكم فضيلة. وفي لفظ إنما كانت النافلة خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ
5 – جاء في تفسير الشافعي:
قال الشَّافِعِي – رحمه الله -: فكان بيناً في كتاب اللَّه نسخ قيام الليل ونصفه والنقصان من النصف والزيادة عليه بقول اللَّه: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الآية.
فاحتمل قول اللَّه: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الآية، معنيين
أحدهما: أن يكون فرضاً ثابتاً؛ لأنه أزيل به فرض غيرُه.
والآخر: أن يكون فرضاً منسوخاً أزيل بغيره، كما أزيل به غيره، وذلك
لقول الله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79).
فاحتمل قوله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ):
أن يتهجد بغير الذي فُرضِ عليه، مما تيسر منه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد
المعنيين، فوجدنا سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تدل على ألا واجب من الصلاة إلا الخمس، فصرنا إلى أن الواجب الخمس، وأن ما سواها من واجب من صلاة قبلها: منسوخ بها استدلالاً بقول الله:
(فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) وأنها ناسخة لقيام الليل، ونصفه، وثلثه، وما تيسر.
ولسنا نحب لأحد تركَ أن يتهجد بما يسره الله عليه من كتابه مصلياً به.
وكيف ما أكثر فهو أحب إلينا. اهـ
6 – هذا الحديث أورده البخاري في:
باب ما يذكر من صوم النبي صلى الله عليه وسلم وإفطاره
بوب عليه ابن حبان في صحيحه:
ذكر خبر ثان يصرح بصحة ما ذكرناه
وكان قد بوب قبله:
ذكر الخبر الدال على تباين صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم بالليل على حسب ما تأولنا الأخبار التي ذكرناها
7 – قال القسطلاني في إرشاد الساري:
أي: ما أردنا منه، عليه الصلاة والسلام، أمرًا إلا وجدناه عليه، إن أردنا أن يكون مصليًا، وجدناه مصليًا، وإن أردنا أن نراه نائمًا، وهو يدل على أنه ربما نام كل الليل، وهذا سبيل التطوع، فلو استمر الوجوب في قوله: {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 2] لما أخل بالقيام.
وفيه أيضًا أن صلاته ونومه كانا يختلفان بالليل، وأنه لا يرتب وقتًا معينًا، بل بحسب ما تيسر له من قيام الليل. اهـ
8 – قال ابن بطال في شرح البخاري:
ذكر ابن الأدفوى أن للعلماء فى قوله تعالى: (قم الليل إلا قليلا نصفه) [المزمل: 2 – 3] أقوالا منها:
أن قوله: (قم الليل) ليس معناه الفرض، يدل على ذلك أن بعده: (نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه) [المزمل: 3 – 4] وليس كذا يكون الفرض وإنما هو ندب وحض.
وقيل: هو حتم. والقول الثالث: أن يكون حتما وفرضا على النبى، (صلى الله عليه وسلم)، وحده.
ثم رجح النسخ ودلل عليه.
—–
مشاركة سيف الكعبي:
1 – النفع المتعدي يقدم على النفع القاصر:
الفرق بين النفع المتعدي والنفع القاصر النفع المتعدي: هو العمل الذي يصل نفعه للآخرين سواءً كان هذا النفع أخروياً: كالتعليم والدعوة إلى الله تعالى، أو دنيوياً: كقضاء الحوائج، ونصرة المظلوم وغير ذلك. أما النفع القاصر: فهو العمل الذي يقتصر نفعه وثوابه على فاعله فقط، كالصوم، والاعتكاف وغيرهما. أيهما أفضل النفع المتعدي أم النفع القاصر؟ نص فقهاء الشريعة على أن النفع المتعدي للغير أولى من النفع القاصر على النفس. ولذا قال بعضهم: إن أفضل العبادات أكثرها نفعاً، وذلك لكثرة ما ورد في الكتاب والسنة من نصوص دالة على فضل الاشتغال بمصالح الناس، والسعي الحثيث لنفعهم وقضاء حوائجهم، ومن أبرزها ما يلي: عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب». وقال لعلي بن أبي طالب: «لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم». عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً». كما أن صاحب العبادة القاصرة على النفس إذا مات انقطع عمله، أما صاحب النفع المتعدي فلا ينقطع عمله بموته. وقد بعث الله الأنبياء بالإحسان إلى الخلق، وهدايتهم ونفعهم في معاشهم ومعادهم، ولم يبعثوا بالخلوات والانقطاع عن الناس، ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أولئك النفر الذين هموا بالانقطاع للتعبد وترك مخالطة الناس. وهذا التفضيل إنما هو باعتبار الجنس، ولا يعني ذلك أن كل عمل متعدي النفع أفضل من كل عمل قاصر، بل الصلاة والصيام والحج عبادات قاصرة – في الأصل –ومع ذلك هي من أركان الإسلام ومبانيه العظام. ولذا قال بعض العلماء: (أفضل العبادات: العمل على مرضات الرب في كل وقت مما هو مقتضي ذلك الوقت ووظيفته).
——
2 – هل في القرآن لفظ أعجمي
أجمع العلماء على أنه ليس في القرآن ” كلام مركب من ألفاظ أعجمية ” يعطي معنى من هذا التركيب.
وأجمعوا على أن في القرآن ” أسماء أعلام أعجمية ” مثل: نوح، ولوط، وإسرائيل، وجبريل.
قال القرطبي – رحمه الله – في ” مقدمة تفسيره “:
لا خلاف بين الأئمة أنه ليس في القرآن كلام مركب على أساليب غير العرب، وأن في القرآن أسماء أعلاماً لمن لسانه غير لسان العرب كإسرائيل وجبريل وعمران ونوح ولوط.
” تفسير القرطبي ” (1/ 68).
واختلفوا: هل فيه ” ألفاظ أعجمية مفردة”؟.
فذهب الجمهور إلى عدم وجود ألفاظ أعجمية في القرآن، وذهب آخرون إلى وجودها، وتوسط طرف ثالث فتأول وجودها على أنها مشتركة بين العرب وغيرهم، وعلى أن العرب استعملوها وعرَّبوها فصارت تنسب إليهم، لا باعتبار أصلها، بل باعتبار استعمالها وتعريبها.
وممن نصر القول الأول، وهو عدم وجود ألفاظ أعجمية في القرآن: الإمامان الجليلان: الشافعي والطبري، ووافقهما: أبو عبيدة، وابن فارس، وأكثر أهل اللغة، وهو الذي نصره وأيده: بدر الدين الزركشي في كتابه ” البرهان في علوم القرآن “.
ومن أدلتهم:
1. قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء / 192 – 195].
2. وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً} [الرعد / 37].
3. وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً} [الشورى / 7].
4. وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف / 3].
5. وقال تعالى: {قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر / 28].
قال الإمام الشافعي – بعد أن ساق الآيات السابقة -:
” فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه جل ثناؤه كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه، فقال تبارك وتعالى: {ولقد نعلم انهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين} [النحل / 103]، وقال: {ولو جعلناه أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ءاعجمي وعربي} [فصلت / 44].
” الرسالة ” (ص 46، 47).
وذهب الإمام المفسر ابن عطية إلى القول الثاني: أن في القرآن بعض ألفاظ أعجمية، ووافقه بعض الفقهاء، وهو الذي نصره وأيده: جلال الدين السيوطي في كتابه ” الإتقان في علوم القرآن “.
ومن أدلتهم: ما وجد من ألفاظ أعجمية كإستبرق، وسندس، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث للناس كافة، فلا يمتنع وجود أكثر من لغة في القرآن، بل هو أبلغ في الإعجاز.
وردَّ الشافعي – وغيره – على هذا بالقول أن بعض الألفاظ قد تكون عند العرب، ويخفى هذا على المفسر، فيظنها أعجمية، وهذا لأن اللغة العربية أوسع اللغات لساناً وألفاظاً، وقال – رحمه الله – عبارته المشهورة ” ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي “.
وردوا – كذلك – بأنه لا يمتنع أن تكون هذه الألفاظ مشتركة بين العرب وغيرهم، وهو أمر غير منكر قديما وحديثاً.
قال الطبري:
” ولم نستنكر أن يكون من الكلام ما يتفق فيه ألفاظ جميع أجناس الأمم المختلفة الألسن بمعنى واحد، فكيف بجنسين منها، كما قد وجدنا اتفاق كثير منهم فيما قد علمناه من الألسن المختلفة، وذلك كالدرهم والدينار والدواة والقلم والقرطاس “. انتهى
وبعد هذا العرض للأقوال يتبين أنه لا مجال للطعن في كتاب الله تعالى بمثل هذه الشبهة، وأنه لو كانت مجالاً للطعن في القرآن لما تركها أسلاف هؤلاء من مشركي مكة ومن بعدهم، وهم أهل لغة، ولم يتركوا مجالاً لأحدٍ للطعن في النبي صلى الله عليه وسلم وكتاب ربه إلا قالوه، وهو أنهم وجدوا هذه الشبهة قائمة لقالوها.
وللتوسع: ينظر ” تفسير القرطبي ” (1/ 68، 69)، وكتاب ” الإتقان ” للسيوطي ” و ” البرهان ” للزركشي “.
والله أعلم
وهذا بحث للشيخ تقي الدين الهلالي:
قال: السيوطي قال ابن جرير: ما ورد عن ابن عباس وغيره من تفسير ألفاظ من القرآن أنها بالفارسية أو الحبشية أو النبطية أو نحو ذلك إنما اتفق فيها توارد اللغات فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة بلفظ واحد.
قال محمد تقي الدين الهلالي: ابن جرير إمام المفسرين في زمانه وما بعده وقد أخطأ في هذا الرأي إذ لا يمكن أن تتكلم هذه الشعوب المتباينة في أنسابها ولغاتها والمتباعدة في أوطانها على سبيل المصادفة والاتفاق وتوارد الخواطر بتلك الكلمات الكثيرة العدد على أن الذين قالوا في القرآن كلمات كانت في الأصل غير عربية صارت بالاستعمال عربية لم يقل أحد منهم إن الكلمة التي أصلها فارسي قد اتفق فيها الفرس مع العرب والنبط والحبشة بل إذا كانت الكلمة فارسية كالأباريق مثلا لم
تكن حبشية ولا نبطية والكلمة التي قيل إنها حبشية “كابلعي” من قوله تعالى: يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ لم يقل أنها توافق الفارسية والنبطية وهكذا يقال في سائر الكلمات كما سيأتي في ذكر الكلمات التي نسب أصلها إلى غير العربية، ثم قال السيوطي وقال غيره: بل كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلغتها بعض مخالطة لسائر الألسنة في أسفارهم فعلقت من لغاتهم ألفاظ غير بعضها بالنقص من حروفها واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربي الفصيح ووقع بها البيان وعلى هذا الحد نزل بها القرآن، انتهى.
هذا هو الحق الذي لا ريب فيه ثم ذكر السيوطي آراء أخرى يظهر زيفها عند الامتحان فأعرضت عن نقلها، ثم نقل عن الجويني ما معناه في القرآن وعد ووعيد، والوعد يذكر فيه ثواب المطيعين وما أعد الله لهم في الدارين مما تشتهيه أنفسهم ويرغبهم في فعل الطاعات وذلك يتضمن مآكل ومشارب وثيابا ومساكن طيبة وحورا عينا وفرشا طيبا وغلمانا للخدمة وبعض تلك الأمور وضعته أمم غير عربية وسمته بكلمات من لغاتها فنقله العرب عنها فصار في وصف النعيم والعيشة الراضية لا بد منه وضرب لذلك كلمة “إستبرق” مثلا وهو ما غلظ من ثياب الحرير، والسندس ما رق منها قال البيضاوي: وهو معرب “استبره” بالفارسية فلو أريد لتجنب استعمال كلمة إستبرق، فأما أن يترك ذكر هذا النوع من الثياب أصلا فلا يتم المطلوب وهو وصف العيشة الراضية، وأما أن يعبر عنه بكلمتين أو أكثر كثياب الحرير الغليظة فتفوت البلاغة إذًا فلا بد من التعبير به ليكون الكلام بليغا.
ثم قال السيوطي قال أبو عبيد القاسم بن سلام بعد أن حكى هذا القول بالوقوع عن الفقهاء والمنع من أهل العربية، والصواب عندي مذهب فيه تطبيق القولين مجتمعين، وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمي كما قال الفقهاء لكنها وقعت للعرب فعربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها، فصارت عربية ثم نزل القرآن بها وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال إنها عربية فهو صادق ومن قال عجمية فصادق، ومال إلى هذا القول الجوالقي وابن الجوزي وآخرون، انتهى.
—–
3 – قال النووي في شرح حدبث عائشة رضي الله عنها في مسلم
قولها: (فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة)
هذا ظاهره أنه صار تطوعا في حق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والأمة، فأما الأمة فهو تطوع في حقهم بالإجماع وأما النبي – صلى الله عليه وسلم – فاختلفوا في نسخه في حقه، والأصح عندنا نسخه.
وأما ما حكاه القاضي عياض من بعض السلف
أنه يجب على الأمة من قيام الليل ما يقع عليه الاسم، ولو قدر حلب شاة
فغلط ومردود بإجماع من قبله مع النصوص الصحيحة
أنه لا واجب إلا الصلوات الخمس
4 – فائدة:
قال صاحب عون المعبود: قوله أقوم قيلا: قال ابن عباس لأن قيام الليل أصوب قراءة وأصح قولا من النهار لسكوت الأصوات في الليل فيتدبر في معاني الآن يقول ابن عباس في تفسير قوله سبحا طويلا: أي فراغا طويلا أي لك تقلبا وإقبالا وإدبارا في حوائجك وتصرفا في أشغالك لا تفرغ فيه لتلاوة القرآن فعليك بها في الليل الذي هو محل الفراغ.
5 – قال ابن كثير:
ورد عن أبي سعيد قيل له ما تقول في رجل استظهر القرآن كله عن ظهر قلبه ولا يقوم به إنما يصلي المكتوبة قال: يتوسد القرآن. لعن الله ذلك. … قيل له: فاقرؤوا ما تيسر من القرآن. قال: نعم ولو خمس آيات.
وهذا ظاهر مذهب الحسن البصري أنه كان يرى حقا واجبا على حملة القرآن أن يقوموا ولو بشئ منه في الليل
ومنه حديث الذي نام حتى أصبح. قال صلى الله عليه وسلم. ذاك رجل بال الشيطان في أذنه
وفي السنن أوتروا يا أهل القرآن. انتهى
….
في أثر أبي سعيد في لعنه من ترك قيام الليل: هذا والله أعلم يوجه بأن يقال إنه مثل قول الإمام أحمد رحمه الله حينما سئل عمن ترك الوتر فقال: هو رجل سوء.
وقالوا عمن ترك الوتر إنه لا تقبل شهادته.
فليس الأمر على الإيجاب ولكن معناه أنه لا ينبغي أن يترك قيام الليل ولو بشيء يسير.
فمن فعل ذلك دل على زهده في الخير وإقباله على الدعة والراحة والدنيا.
ويدل أيضا على ضعف دينه إذ لو كان قويا في دينه ما ترك الخير.
لذلك قال السلف ما قالوه في أمثال هؤلاء.
والعلم عند الله.
قال صاحبنا ابوصالح:
وأضيف تفقها، أن الحافظ للقرآن بخلاف غيره فإن دواعي القيام متوفرة في حقه كحديث ثلاثة لا ينظر الله إليهم … شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر فإن دواعي الزنا غير متوفرة عند الاول بخلاف الشاب، وكذلك الملك لا حاجة له إلى الكذب، والفقير فإن أسباب التكبر بعيدة عنه فحسابهم يختلف عن حساب غيرهم ممن قام بنفس الفعل.
فالذي يقرأ القرآن ويحفظه ويتدبر معانيه لا ينبغي أن يترك مناجاة ربه وتلاوة كلامه.
قلت سيف: سيأتي في الباب التالي توجيه حديث الذي يثلغ رأسه وأنه الذي ينام عن الفريضة. وفي بعض الروايات أنه الذي ترك قيام الليل حتى نسي القرآن.
فحمل الوجوب في قيام الليل على من حفظ القرآن ونساه.
6 – في الحديث أن الشريعة الإسلامية متوازنة فلا تقدم عبادة على عبادة. وكما ذكرنا العبادات التي فيها نفع متعدي أولى. فلما علم رب العزة أن من الصحابة من يجاهد ومنهم من يتكسب لعياله نسخ عنهم وجوب قيام الليل.